تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 100 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 100

 {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِـاخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً * مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلاٌّخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً * يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءِ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلاٌّقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِىۤ أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاٌّخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً بَعِيداً * إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }
، إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِـاخَرِينَ ذكر تعالىٰ في هذه الآية الكريمة أنه إن شاء أذهب الناس الموجودين وقت نزولها ، وأتي بغيرهم بدلاً منهم ، وأقام الدليل على ذلك في موضع آخر ، وذلك الدليل هو أنه أذهب من كان قبلهم وجاء بهم بدلاً منهم ، وهو قوله تعالىٰ : {وَرَبُّكَ ٱلْغَنِىُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَا أَنشَأَكُمْ} .
وذكر في موضع آخر أنهم إن تولوا أبدل غيرهم وأن أولئك المبدلين لا يكونون مثل المبدل منهم بل يكونون خيرًا منهم ، وهو قوله تعالىٰ : {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم} .
وذكر في موضع آخر أن ذلك هين عليه غير صعب ، وهو قوله تعالىٰ : {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ} ، أي : ليس بممتنع ولا صعب .
{ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْكَـٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعاً }
، أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً ذكر في هذه الآية الكريمة أن جميع العزة له جلّ وعلا .
وبيّن في موضع آخر أن العزة التي هي له وحده أعزّ بها رسوله ، والمؤمنين ، وهو قوله تعالىٰ : {وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ، أي : وذلك بإعزاز اللَّه لهم والعزة الغلبة ، ومنه قوله تعالىٰ : {وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ} ، أي : غلبني في الخصام ، ومن كلام العرب من عزَّ برَّ يعنون من غلب استلب ، ومنه قول الخنساء : كأن لم يكونوا حمى يختشى إذ الناس إذ ذاك من عزيزاً

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ} ، هذا المنزل الذي أحال عليه هنا هو المذكور في سورة «الأنعام»، في قوله تعالىٰ : {وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ} ، وقوله هنا : {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ} ، لم يبيّن فيه حكم ما إذا نسوا النهي حتى قعدوا معهم ، ولكنه بيّنه في « الأنعام » بقوله : {وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} .