تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 264 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 264 {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ * قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لاًّسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَـٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلاٌّرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}
وقوله تعالى {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ}. بين في هذه الآية الكريمة أن إبليس أبى أن يسجد لآدم وبين في مواضع أخر أنه تكبر عن امتثال أمر ربه كقوله في البقرة: {إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ} وقوله في صۤ {إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ} وأشار إلى ذلك هنا بقوله: {قَالَ لَمْ أَكُن لاًّسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَـٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}. كما تقدمت الإشارة إليه. قوله تعالى {قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ ٱلسَّـٰجِدِينَ}. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه سأل إبليس سؤال توبيخ وتقريع عن الموجب لامتناعه من السجود لآدم الذي أمره به ربه جل وعلا وبين أيضاً في الأعراف وص أنه وبخه أيضاً بهذا السؤال قال في الأعراف {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} وقال في صۤ: {قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} وناداه باسمه إبليس في الحجر وصۤ ولم يناده به في الأعراف. قوله تعالى: {قَالَ لَمْ أَكُن لاًّسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَـٰلٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}. هذا القول الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن إبليس لعنه الله أنه لم يكن ليسجد لبشر مخلوق من الطين مقصوده به أنه خير من آدم لأن آدم خلق من الطين وهو خلق من النار كما يوضحه قوله تعالى: {قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}. قوله تعالى: {قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ}. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه أمر إبليس بالخروج من الجنة مؤكداً أنه رجيم وبين في الأعراف أنه خروج هبوط وأنه يخرج متصفاً بالصغار والذل والهوان بقوله: {قَالَ فَٱهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَٱخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ ٱلصَّـٰغِرِينَ}. قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ ٱللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ}. بين في هذه الآية الكريمة أن اللعنة على إبليس إلى يوم الدين وصرح في صۤ بأن لعنته جل وعلا في إبليس إلى يوم الدين بقوله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِىۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ} وقد قدمنا في الفاتحة بيان يوم الدين. قوله تعالى {قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِى}. قال بعض العلماء هذا قسم من إبليس بإغواء الله له على أنه يغوي بني آدم إلا عباد الله المخلصين ويدل له أنه أقسم بعزته تعالى على ذلك في قوله {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} وقيل الباء في قوله {بِمَآ أَغْوَيْتَنِى} سببية.
قوله تعالى: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِى ٱلاٌّرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ}. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن إبليس أخبر أنه سيبذل جهده في إضلال بني آدم حتى يضل أكثرهم وبين هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَٰطَكَ ٱلْمُسْتَقِيم َثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَـٰنِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ}وقوله: {وَقَالَ لاّتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوض} وقوله: {قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيل} وهذا قاله إبليس قبل أن يقع ظناً منه أنه يتمكن من إضلال أكثر بني آدم، وقد بين تعالى أنه صدق ظنه هذا بقوله {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} وكل آية فيها ذكر إضلال إبليس لبني آدم بين فيها أن إبليس وجميع من تبعه كلهم في النار كما قال هنا {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِين َلَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ}، وقال في الأعراف: {قَالَ ٱخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} وقال في سورة بني إسرائيل: {قَالَ ٱذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوفُورً} وقال في صۤ: {قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ لاّمْلاّنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}.
{إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ * قَالَ هَذَا صِرَٰطٌ عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ إِلاَّ مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ * وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ * إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ * ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ ءَامِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ * لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ * نَبِّىءْ عِبَادِى أَنِّى أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلاٌّلِيمُ * وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}
قوله تعالى: {إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ}. ذكر تعالى في هذه الآية الكريمة أن الشيطان لما أوعد بأنه سيضل أكثر بني آدم استثنى من ذلك عباد الله المخلصين معترفاً بأنه لا قدرة له على إضلالهم ونظيره قوله في صۤ أيضاً {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ} وعباد الله المخلصون هم المرادون بالاستثناء في قوله في بني إسرائيل {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيل} وقوله في سبأ {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَٱتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} وهم الذين احترز منهم بقوله {وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَـٰكِرِينَ} وبين تعالى في مواضع أخر أن الشيطان لا سلطان له على أولئك المخلصين كقوله {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنٌ} وقوله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون َإِنَّمَا سُلْطَـٰنُهُ عَلَىٰ ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} وقوله {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلاٌّخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ}. وقوله: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى} وقوله: {ٱلْمُخْلَصِينَ} قرأه ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو بكسر اللام اسم فاعل وقرأه نافع والكوفيون بفتح اللام بصيغة اسم المفعول. قوله تعالى: {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ ءَامِنِينَ}. بين فيه هذه الآية الكريمة أن المتقين يوم القيامة في جنات وعيون، ويقال لهم يوم القيامة: {ٱدْخُلُوهَا بِسَلامٍ ءَامِنِينَ} وذكر في مواضع أخر صفات ثوابهم وربما بين بعض تقواهم التي نالوا بها هذا الثواب الجزيل كقوله في الذاريات: {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُون َوَبِٱلاٌّسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون َوَفِىۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ} وقوله في الدخان:
{إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍفِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُون ٍيَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَـٰبِلِين َكَذَلِكَ وَزَوَّجْنَـٰهُم بِحُورٍ عِين ٍيَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَـٰكِهَةٍ ءَامِنِين َإِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّوا ْفَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ} وقوله في الطور: {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَنَعِيم ٍفَـٰكِهِينَ بِمَآ ءَاتَـٰهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيم ِكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون َمُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَـٰهُم بِحُورٍ عِينٍ}وقوله في القمر: {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَنَهَر ٍفِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} وقوله في المرسلات: {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى ظِلَـٰلٍ وَعُيُونٍ وَفَوَٰكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} إلى غير ذلك من الآيات.
وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن الشيء الذي له أوصاف متعددة في القرآن نبين أوصافه عند ذكر بعضها كما تقدم مثاله مراراً وكما هنا.
والمتقي اسم فاعل الاتقاء وأصل مادة الاتقاء (و ق ي) لفيف مفروق فاؤه واو وعينه قاف ولامه ياء فدخله تاء الافتعال فصارت وقي أو تقي فأبدلت الواو التي هي فاء الكلمة تاء للقاعدة المقررة في التصريف أن كل واو هي فاء الكلمة إذا دخلت عليها تاء الافتعال يجب إبدالها أعني الواو تاء وإدغامها في تاء الافتعال نحو اتصل من الوصل واتزن من الوزن واتحد من الوحدة واتقى من الوقاية وعقد هذه القاعدة ابن مالك في الخلاصة بقوله:
ذو اللين فاتا في افتعال أبدلا وشذ في ذي الهمز نحو ائتكلا

والاتقاء في اللغة: اتخاذ الوقاية دون المكروه ومنه قول نابغة ذبيان: سقط النصيف ولم ترد إسقاطه فتناولته واتقتنا باليد

يعني استقبلتنا بيدها جاعلة إياها وقاية تقيها من أن ننظر إلى وجهها لأنها تستره بها وقول الآخر: فألقت قناعاً دونه الشمس واتقت بأحسن موصولين كف ومعصم

والتقوى في اصطلاح الشرع: هي اتخاذ الوقاية دون عذاب الله وسخطه وهي مركبة من أمرين هما امتثال أمر الله واجتناب نهيه. قوله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانً}. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه نزع ما في صدور أهل الجنة من الغل في حال كونهم إخواناً وبين هذا المعنى في الأعراف وزاد أنهم تجري من تحتهم الأنهار في نعيم الجنة وذلك في قوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلاٌّنْهَـٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَ}. قوله تعالى: {عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ}. بين في هذه الآية الكريمة أن المتقين الذين هم أهل الجنة يوم القيامة يكونون على سرر وأنهم متقابلون ينظر بعضهم إلى وجه بعض ووصف سررهم بصفات جميلة في غير هذا الموضع منها أنها منسوجة بقضبان الذهب وهي الموضوعة قال في الواقعة:
{ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلاٌّوَّلِين َوَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلاٌّخِرِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَة ٍمُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَـٰبِلِينَ}وقيل الموضوعة المصفوفة كقوله: {مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ} ومنها أنها مرفوعة كقوله في الغاشية: {فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ} وقوله في الواقعة: {وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ}، وقوله: {مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِىٍّ حِسَانٍ} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ}. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب وهو التعب والإعياء وقوله نصب نكرة في سياق النفي فتعم كل نصب فتدل الآية على سلامة أهل الجنة من جميع أنواع التعب والمشقة وأكد هذا المعنى في قوله تعالى: {ٱلَّذِىۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} لأن اللغوب هو التعب والإعياء أيضاً وقد صح عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب». قوله تعالى: {وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ}. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن أهل الجنة لا يخرجون منها وأكد نفي إخراجهم منها بالباء في قوله {بِمُخْرَجِينَ} فيهم دائمون في نعيمها أبداً بلا انقطاع. وأوضح هذا المعنى في مواضع أخر كقوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خَـٰلِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَل}
وقوله: {وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدً}وقوله: {عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} وقوله: {إِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}. بين في مواضع أخر أن ضيف إبراهيم المذكورين في هذه الآية أنهم ملائكة كقوله في هود: {وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَٰهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلَـٰماً قَالَ سَلَـٰمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} كما تقدم وقوله: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا ٱلْمُرْسَلُون َقَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ} إلى غير ذلك من الآيات.