تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 318 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 318


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِىَ * أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَـٰرُونُ مِن قَبْلُ يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِى وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِى * قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَـٰكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ}

تقدم شرح هذه الأيات في الصفحة التي قبلها

{قَالَ يٰهَـٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى * قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِىۤ إِسْرءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى * قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يٰسَـٰمِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِى نَفْسِى * قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِى ٱلْحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِى ٱلْيَمِّ نَسْفاً * إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْماً * كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً * مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْراً * خَـٰلِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْلاً * يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْقاً * يَتَخَـٰفَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً * وَيَسْألُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْف}


قوله تعالى: {قَالَ يٰهَـٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ أَلاَّ تَتَّبِعَنِ}. قال بعض أهل العلم: «ٱ» في قوله: {أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} زائدة للتوكيد. واستدل من قال ذلك بقوله تعالى في «الأعراف»: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} قال لأن المراد: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك. بدليل قوله في القصة بعينها في سورة «ص»: {قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} . فحذف لفظة «لا» في «ص» مع ثبوتها في «الأعراف» والمعنى واحد. فدل ذلك على أنها مزيدة للتوكيد.
قال مقيده ـ عفا الله عنه وغفر له: قد عرف في اللغة العربية أن زيادة لفظة «لا» في الكلام الذي فيه معنى الجحد لتوكيده مطردة. كقوله هنا: {مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ أَلاَّ تَتَّبِعَنِ} أي ما منعك أن تتبعني، وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ} بدليل قوله في «ص»: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ}، وقوله تعالى: {لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَىْءٍ مِّن فَضْلِ ٱللَّهِ}. أي ليعلم أهل الكتاب، وقوله {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} إي فوربك لا يؤمنون، وقوله: {وَلاَ تَسْتَوِى ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ} أي والسيئة، وقوله: {وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـٰهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} على أحد القولين، وقوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ} على أحد القولين، وقوله: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُو} على أحد الأقوال فيها.
ونظير ذلك من كلام العرب قول امرىء القيس: فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر

يعني فو أبيك. وقول أبي النجم: فما ألوم البيض ألا تسخرا لما رأين الشمط القفندرا

يعني أن تسخر، وقول الآخر: ما كان يرضى رسول الله دينهم والأطيبان أبو بكر ولا عمر

يعني وعمر. وقول الآخر: وتلحينني في اللهو ألا أحبه وللهو داع دائب غير غافل

يعني أن أحبه، و«لا» مزيدة في جميع الأبيات لتوكيد الجحد فيها. وقال الفراء: إنها لا تزاد إلا في الكلام الذي فيه معنى الجحد كالأمثلة المتقدمة. والمراد بالجحد النفي وما يشبه كالمنع في قوله: {مَا مَنَعَكَ} ونحو ذلك. والذي يظهر لنا والله تعالى أعلم. أن زيادة لفظة «لا» لتوكيد الكلام وتقويته أسلوب من أساليب اللغة العربية، وهو في الكلام الذي فيه معنى الجحد أغلب مع أن ذلك مسموع في غيره. وأنشد الأصمعي لزيادة «لا» قول ساعدة الهذلي:
أفعنك لا برق كان وميضه غاب تسنمه ضرام مثقب

ويروى «أفمنك» بدل «أفعنك» و«تشيمه» بدل «تسنمه» يعني أعنك برق بـ«لا» زائدة للتوكيد والكلام ليس فيه معنى الجهد. ونظيره قول الآخر:
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يتقطع

يعني كاد يتقطع. وأنشد الجوهري لزيادة «لا» قول العجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر بإفكه حتى رأى الصبح جشر
والحور الهلكة. يعني في بئر هلكة ولا زائدة للتوكيد. قاله أبو عبيدة وغيره. والكلام ليس فيه معنى الجهد. وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة «البلد». قوله تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى}. الظاهر أن أمره المذكور في هذه الآية هو المذكور في قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَىٰ لاًّخِيهِ هَـٰرُونَ ٱخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ} .
وهذه الآية الكريمة تدل على اقتضاء الأمر للوجوب. لأنه أطلق اسم المعصية على عدم امتثال الأمر، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة: كقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَـٰلِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ، وقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} فجعل أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم مانعاً من الاختيار، موجباً للامتثال. وقوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} فوبخه هذا التوبيخ الشديد على عدم امتثال الأمر المدلول عليه بصيغة أفعل في قوله تعالى: {ٱسْجُدُواْ لاًّدَمَ} . وجماهير الأصوليين على أن صيغة الأمر المجردة عن القرائن تقتضي الوجوب للأدلة التي ذكرنا وغيرها مما هو مماثل لها. وإلى ذلك أشار في مراقي السعود بقوله:
وافعل لدى الأكثر للوجوب وقيل للندب أو المطلوب

الخ. قوله تعالى: {قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى إِنِّى خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِىۤ إِسْرءِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن هارون قاله لأخيه موسى {يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى} وذلك يدل على أنه لشدة غضبه أراد أن يمسك برأسه ولحيته. وقد بين تعالى في «الأعراف» أنه أخذ برأسه يجره إليه. وذلك في قوله: {أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ} . وقوله: {وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى} من بقية كلام هارون. أي خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل، وأن تقول لي لم ترقب قوليٰ أي لم تعمل بوصيتي وتمتثل أمري.
تنبيه
هذه الآية الكريمة بضميمة آية «الأنعام» إليها تدل على لزوم إعفاء اللحية، فهي دليل قرآني على إعفاء اللحية وعدم حلقها. وآية الأنعام المذكورة هي قوله تعالى: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَـٰنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ} . ثم إنه تعالى قال بعد أن عد الأنبياء الكرام المذكورين {أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ} فدل ذلك على أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم، وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك أمر لنا.
لأن أمر القدوة أمر لأتباعهٰ كما بينا إيضاحه بالأدلة القرآنية في هذا الكتاب المبارك في سورة «المائدة» وقد قدمنا هناك: أنه ثبت في صحيح البخاري: أن مجاهداً سأل ابن عباس: من أين أخذت السجدة في «ص» قال: أو ما تقرأ {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ} {أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ} فسجدها داود فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا علمت بذلك أن هارون من الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم في سورة «الأنعام»، وعلمت أن أمره أمر لنا. لأن لنا فيه الأسوة الحسنة، وعلمت أن هارون كل موفراً شعر لحيته بدليل قوله لأخيه: {لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى} لأنه لو كان حالقاً لما أراد أخوه الأخذ بلحيته ـ تبين لك من ذلك بإيضاح: أن إعفاء اللحية من السمت الذي أمرنا به في القرآن العظيم، وأنه كان سمت الرسل الكرام صلوات الله وسلامه عليهم. والعجب من الذين مضخت ضمائرهم، واضمحل ذوقهم، حتى صاروا يفرون من صفات الذكورية، وشرف الرجولة، إلى خنوثة الأنوثة، ويمثلون بوجوههم بحلق أذقانهم، ويتشبهون بالنساء حيث يحاولون القضاء على أعظم الفوارق الحسية بين الذكر والأنثى وهو اللحية. وقد كان صلى الله عليه وسلم كث اللحية، وهو أجمل الخلق وأحسنهم صورة. والرجال الذين أخذوا كنوز كسرى وقيصر، ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها: ليس فيهم حالق. نرجو الله أن يرينا وإخواننا المؤمنين الحق حقاً، ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
أما الأحاديث النبوية الدالة على إعفاء اللحية، فلسنا بحاجة إلى ذكرها لشهرتها بين الناس، وكثرة الرسائل المؤلفة في ذلك. وقصدنا هنا أن نبين دليل ذلك من القرآن. وإنما قال هارون لأخيه {قَالَ يَبْنَؤُمَّ} لأن قرابة الأم أشد عطفاً وحناناً من قرابة الأب.
وأصله. يا بنؤمي بالإضافة إلى ياء المتكلم، ويطرد حذف الياء وإبدالها ألفاً وحذف الألف المبدلة منها كما هنا، وإلى ذلك أشار في الخلاصة بقوله: وفتح أو كسر وحذف اليا استمر في يا بنؤم يا بن عم لا مفر

وأما ثبوت ياء المتكلم فيقول حرملة بن المنذر: يا بنؤمي وياء شقيق نفسي أنت خليتني لدهر شديد

فلغة قليلة. وقال بعضهم: هو لضرورة الشعر. وقوله «يا بنؤم» قرأه ابن عامر وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي بكسر الميم. وقرأه الباقون بفتحها. وكذلك قوله في «الأعراف»: {قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ} الآية. قوله تعالى: {إِنَّمَآ إِلَـٰهُكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَىْءٍ عِلْم}. بين جل وعلا في هذه الآية: أن العجل الذي صنعه السامري من حلي القبط لا يمكن أن يكون إلهاً؟ وذلك لأنه حصر الإله أي المعبود بحق ب{إِنَّمَ} التي هي أداة حصر على التحقيق في خالق السموات والأرض. الذي لا إله إلا هو. أي لا معبود بالحق إلا هو وحده جل وعلا، وهو الذي وسع كل شيء علماً. وقوله {عِلْمً} تمييز محول عن الفاعل، أي وسع علمه كل شيء.
وما ذكره تعالى في هذه الآية الكريمة: من أنه تعالى هو الإله المعبود بحق دون غيره، وأنه وسع كل شيء علماً ـ ذكره في آيات كثيرة من كتابه تعالى. كقوله تعالى: {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ} ، وقوله: {فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلأ ٱللَّهُ} إلى غير ذلك من الآيات.
وقوله في إحاطة علمه بكل شيء: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلاٌّرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ} ، وقوله تعالى: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلاٌّرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ} ، والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً. قوله تعالى: {كَذٰلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ}. الكاف في قوله {كَذٰلِكَ} في محل نصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي نقص عليك من أنباء ما سبق ـ قصصاً مثل ذلك القصص الحسن الحق الذي قصصنا عليك عن موسى وهارون، وعن موسى وقومه والسامري. والظاهر أن «من» في قوله {مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ} للتبعيض، ويفهم من ذلك أن بعضهم لم يقصص عليه خبره ـ ويدل لهذا المفهوم قوله تعالى في سورة «النساء»: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَـٰهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} ، وقوله في سورة «المؤمن»: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} ، قوله في سورة «إبراهيم» {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ} . والأنباء: جمع نبأ وهو الخبر الذي له شأن.
وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة:
من أنه قص على نبيه صلى الله عليه وسلم أخبار الماضين. أي ليبين بذلك صدق نبوته، لأنه أمي لا يكتب ولا يقرأ الكتب، ولم يتعلم أخبار الأمم وقصصهم. فلولا أن الله أوحى إليه ذلك لما علمه بينه أيضاً في غير هذا الموضع، كقوله في «آل عمران»: {ذٰلِكَ مِنْ أَنبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} أي فلولا أن أن الله أوحى إليك ذلك لما كان لك علم به. وقوله تعالى في سورة «هود» {تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَـٰقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} ، وقوله في «هود» أيضاً: {وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} . وقوله تعالى في سورة «يوسف»: {ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} ، وقوله في «يوسف» أيضاً: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَـٰفِلِينَ} ، وقوله في «القصص»: {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِىِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلاٌّمْرَ} ، وقوله فيها: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ إِذْ نَادَيْنَ} ، وقوله: {وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِىۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِنَ} ، إلى غير ذلك من الآيات. يعني لم تكن حاضراً يا نبي الله لتلك الوقائع، فلولا أن الله أوحى إليك ذلك لما علمته. وقوله {مِنْ أَنْبَآءِ مَا قَدْ سَبَقَ} أي أخبار ما مضى من أحوال الأمم والرسل. وقوله تعالى: {وَقَدْ آتَيْنَـٰكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْر}. أي أعطيناك من عندنا ذكراً وهو هذا القرآن العظيم، وقد دلت على ذلك آيات من كتاب الله. كقوله: {طسۤمۤ} ، وقوله تعالى: {ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَـٰتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ} ، وقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} وقوله: {وَقَالُواْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِى نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} ، وقوله تعالى: {صۤ وَٱلْقُرْءَانِ ذِى ٱلذِّكْرِ} ، وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} ، وقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَـٰفِظُونَ} إلى غير ذلك من الآيات.
وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة: ثم في تسمية القرآن بالذكر وجوه:
أحدها ـ أنه كتاب فيه ذكر ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم.
وثانيها ـ أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه تعالى. ففيه التذكير والمواعظ.
وثالثها ـ أنه فيه الذكر والشرف لك ولقومك على ما قال: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}.
واعلم أن الله تعالى سمى كل كتبه ذكراً فقال: {فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ} ا هـ المراد من كلام الرازي.
ويدل للوجه الثاني في كلامه قوله تعالى:
كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ ءَايَـٰتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلاٌّلْبَـٰبِ} ، وقوله تعالى: {وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْر} . قوله تعالى: {مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْراً خَـٰلِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْل}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من أعرض عن هذا الذكر الذي هو القرآن العظيم، أي صد وأدبر عنه، ولم يعمل بما فيه من الحلال والحرام، والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد ويعتبر بما فيه من القصص والأمثال، ونحو ذلك فإنه يحمل يوم القيامة وزراً، قال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: يريد بالوزر العقوبة الثقيلة الباهظة. سماها وزراً تشبيهاً في ثقلها على المعاقب وصعوبة احتمالها، بالحمل الذي يفدح الحامل وينقض ظهره، ويلقي عليه بهره. أو لأنها جزاء الوزر وهو الإثم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: قد دلت آيات كثيرة من كتاب الله: على أن المجرمين يأتون يوم القيامة يحملون أوزارهم. أي أثقال ذنوبهم. أي أثقال ذنوبهم على ظهورهم. كقوله في سورة «الأنعام»: {قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} ، وقوله في «النحل»: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ ٱلَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} ، وقوله في «العنكبوت»: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِم وَلَيُسْألُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} ، وقوله في «فاطر»: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} .
وبهذه الآيات التي ذكرنا وأمثالها في القرآن ـ تعلم أن معنى قوله تعالى: {فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وِزْر}، وقوله: {وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ حِمْل} أن المراد بذلك الوزر المحمول أثقال ذنوبهم وكفرهم يأتون يوم القيامة يحملونها: سواء قلنا إن أعمالهم السيئة تتجسم في أقبح صورة وأنتنها، أو غبر ذلك كما تقدم إيضاحه. والعلم عند الله. وقد قدمنا عمل «ساء» التي بمعنى يئس مراراً. فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقوله تعالى: {خَـٰلِدِينَ فِيهِ} . قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: {خَـٰلِدِينَ فِيهِ} يريد مقيمين فيه، أي في جزائه، وجزاؤه جهنم.
تنبيه
إفراد الضمير في قوله: {أَعْرَضَ}، وقوله: {فَإِنَّهُ} وقوله: {يَحْمِلُ} باعتبار لفظ «من» وأما جمع {خَـٰلِدِينَ} وضمير لهم {يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ} فباعتبار معنى من كقوله: {وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَـٰلِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاٌّنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَ} ، وقوله: {وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَد} .
وقال الزمخشري في تفسير هذه الآية الكريمة: فإن قلت: اللام في «لهم» ما هي؟ وبم تتعلق؟ قلت: هي للبيان كما في {هَيْتَ لَكَ} . قوله تعالى: {وَيَسْألُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْف}. ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنهم يسألونه عن الجبال، وأمره أن يقول لهم: إن ربه ينسفها نسفاً، وذلك بأن يقلعها من أصولها، ثم يجعلها كالرمل المتمايل الذي يعيل، وكالصوف المنفوش تطيرها الرياح هكذا وهكذا.
واعلم أنه جل وعلا بين الأحوال التي تصير إليها الجبال يوم القيامة في آيات من كتابه. فبين أنه ينزعها من أماكنها. ويحملها فيدكها دكاً. وذلك في قوله: {فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَٰحِدَةٌوَحُمِلَتِ ٱلاٌّرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَٰحِدَةً} .
ثم بين أنه يسيرها في الهواء بين السماء والأرض. وذلك في قوله {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلاٌّرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَٰخِرِينَ وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} ، وقوله: {„ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ٱلْجِبَالَ وَتَرَى ٱلاٌّرْضَ بَارِزَةً} ، وقوله: {وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيّرَتْ}، وقوله تعالى: {وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاب} ، وقوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْر} .
ثم بين أنه يفتنها ويدقها كقوله {وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّ} أي فتت حتى صارت كالبسيسة، وهي دقيق ملتوت بسمن أو نحوه على القول بذلك، وقوله: {وَحُمِلَتِ ٱلاٌّرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَٰحِدَةً} .
ثم بين أنه يصيرها كالرمل المتهايل، وكالعن المنفوش؟ وذلك في قوله: {يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلاٌّرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيل} ، وقوله تعالى: {يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ} في «المعارج، والقارعة». والعهن: الصوف المصبوغ. ومنه قول زهير بن أبي سلمى في معلقته: كأن فتات العهن في كل منزل نزلن به حب الفنا لم يحطم

ثم بين أنها تصير كالهباء المنبث في قوله: {وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّ} ثم بين أنها تصير سراباً، وذلك في قوله: {وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاب} وقد بين في موضع آخر: أن السراب لا شيء. وذلك قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئ} وبين أنه ينسفها نسفاً في قوله هنا: {وَيَسْألُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْف}.
تنبيه
جرت العادة في القرآن: أن الله إذا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَسْـئَلُونَكَ} قال له {قُلْ} بغير فاء. كقوله: {وَيَسْألُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ} ، وقوله تعالى: {يَسْألُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ} ، وقوله: {يَسْألُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ} ، وقوله {يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُ} ، وقوله: {يَسْألُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} إلى غير ذلك من الآيات، أما في آية «طه» هذه فقال فيها: {فَقُلْ يَنسِفُهَ} بالفاء. وقد أجاب القرطبي رحمه الله عن هذا في تفسير هذه الآية بما نصه: {وَيَسْألُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ} أي عن حال الجبال يوم القيامة، فقل. جاء هذا بفاء، وكل سؤال في القرآن «قل» بغير فاء إلا هذا. لأن المعنى: إن سألوك عن الجبال فقل، فتضمن الكلام معنى الشرط، وقد علم الله أنهم يسألونه عنها فأجابهم قبل السؤال. وتلك أسئلة تقدمت، سألوا عنها النَّبي صلى الله عليه وسلم فجاء الجواب عقب السؤال. فلذلك كان بغير فاء. وهذا سؤال لم يسألوه عنه بعد فتفهمه ـ انتهى منه. وما ذكره يحتاج إلى دليل، والعلم عند الله تعالى.