تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 529 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 529


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 67

 {ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلاٌّنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَـٰلِغَةٌ فَمَا تُغْنِـى ٱلنُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْءٍ نُّكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَـٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلاٌّجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ * مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنُّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ * فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا ٱلاٌّرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَٰحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ * فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَٰحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ وَسُعُرٍ * أَءُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ * سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلاٌّشِرُ}
قوله تعالى: {ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة النحل في الكلام على قوله تعالى {أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ} وفي غير ذلك من المواضع. قوله تعالى: {وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةً يُعْرِضُو}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الأنعام، في الكلام على قوله تعالى {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَـٰباً فِى قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ}. قوله تعالى: {يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلاٌّجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة يسۤ في الكلام على قوله تعالى {فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلاٌّجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} وفي سورة قۤ في الكلام على قوله تعالى {يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلاٌّرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعا}. قوله تعالى: {يَقُولُ ٱلْكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الفرقان، في الكلام على قوله تعالى {أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيل} وفي سورة الحج في الكلام على قوله تعالى {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ}. قوله تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنُّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ فَفَتَحْنَآ أَبْوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا ٱلاٌّرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}.
قرأ هذا الحرف هذا عامر، {فَفَتَحْناَ} بتشديد التاء للتكثير، وباقي السبعة بتخفيفها.
وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن نبيه نوحاً دعاه قائلاً: إن قومه غلبوه سائلاً ربه أن ينتصر له منهم، وأن الله انتصر له منهم، فأهلكهم بالغرق، لأنه تعالى فتح أبواب السماء بماء منهمر أي متدفق منصب بكثرة وأنه تعالى فجر الأرض عيوناً.
وقوله: {عُيُون}، تمييز محول عن المفعول، والأصل فجرنا عيون الأرض. والتفجير: إخراج الماء منها بكثرة، وأل، في قوله: {فَالْتَقَى ٱلمَآءُ} للجنس، ومعناه التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدر، أي قدره الله وقضاه.
وقيل: إن معناه أن الماء النازل من السماء والمتفجر من الأرض جعلهما الله بمقدار ليس أحدهما أكثر من الآخر، والأول أظهر.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من دعاء نوح ربه جل وعلا، أن ينتصر له، من قومه فينتقم منهم، وأن الله أجابه فانتصر له منهم فأهلكهم جميعاً بالغرق في هذا الماء المتلقى من السماء والأرض، جاء موضحاً في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى في الأنبياء: {وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ وَنَصَرْنَـٰهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِأايَـٰتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَـٰهُمْ أَجْمَعِينَ}.
وقوله تعالى في الصافات {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ وَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ ـ الى قوله تعالى  ـ {ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلاٌّخَرِينَ}.
وقد بين جل وعلا أن دعاء نوح فيه سؤاله الله أن يهلكهم إهلاكاً مستأصلاً، وتلك الآيات فيها بيان لقوله هنا: فانتصر وذلك كقوله تعالى {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلاٌّرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّار} وما دعا نوح على قومه إلا بعد أن أوحى الله إليه أنه لا يؤمن منهم أحد غير القليل الذي آمن، وذلك في قوله تعالى {وَأُوحِىَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ}وقد قال تعالى  {وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}.
وقوله تعالى {عُيُون} قرأه ابن كثير وابن عامر في رواية ابن ذكوان وعاصم، في رواية شعبة وحمزة والكسائي: {عُيُون} بكسر العين لمجانسة الياء
وقرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر في رواية هشام وعاصم في رواية حفص عيوناً بضم العين على الأصل. قوله تعالى:
{وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَٰحٍ وَدُسُرٍ}. لم يبين هنا ذات الألواح والدسر، ولكنه بين في مواضع أخر أن المراد وحملناه على سفينة ذات ألواح، أي من الخشب ودسر: أي مسامير تربط بعض الخشب ببعض، وواحد الدسر دسار ككتاب وكتب، وعلى هذا القول أكثر المفسرين.
وقال بعض العلماء وبعض أهل اللغة: الدسور الخيوط التي تشد بها ألواح السفينة.
وقال بعض العلماء: الدستور جؤجؤ السفينة أي صدرها ومقدمها الذي تدسر به الماء أي تدفعه وتمخره به، قالوا: هو من الدسر وهو الدفع.
فمن الآيات الدالة على أن ذات الألواح والدسر السفينة. قوله تعالى
{إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ} أي السفينة كما أوضحناه في سورة شورى في الكلام على قوله تعالى {وَمِنْ ءَايَـٰتِهِ ٱلْجَوَارِ فِى ٱلْبَحْرِ كَٱلاٌّعْلَـٰمِ}.
وقوله تعالى  {فأَنْجَيْنـٰهُ وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ} وقوله تعالى  {وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ} إلى غير ذلك من الآيات. قوله تعالى: {وَلَقَدْ تَّرَكْنَـٰهَا ءايَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.  والضمير في قوله تعالى: {تَّرَكْنَـٰهَا}، قال بعض العلماء إنه عائد إلى هذه الفعلة العظيمة التي فعل بقوم نوح.
والمعنى، ولقد تركنا فعلتنا بقوم نوح وإهلاكنا لهم آية لمن بعدهم، لينزجروا ويكفوا عن تكذيب الرسل، لئلا نفعل بهم مثل ما فعلنا بقوم نوح. وكون هذه الفعلة آية نص عليه تعالى بقوله
{وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ أَغْرَقْنَـٰهُمْ وَجَعَلْنَـٰهُمْ لِلنَّاسِ ءَايَةً} وقوله تعالى: {فَأَنجَيْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَـٰقِينَإِنَّ فِى ذَلِكَ لاّيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ}.
وقال بعض العلماء: الضمير في تركناها عائد إلى السفينة، وكون سفينة نوح آية بينه الله تعالى في آيات من كتابه كقوله تعالى {فأَنْجَيْنـٰهُ وأَصْحَـٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَـٰهَآ ءَايَةً لِّلْعَـٰلَمِينَ} وقوله تعالى: {وَءَايَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}.وقوله تعالى:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}. قد قدمنا إيضاحه في سورة القتال في كلامنا الطويل على قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَ}.وقوله تعالى:: {إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ}. قد قدمنا الآيات الموضحة له، وكلام أهل العلم في يوم النحس المستمر، في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِىۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ}. وقوله تعالى: {فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَٰحِداً نَّتَّبِعُهُ}.وقوله تعالى: {أَءُلْقِىَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَ}. وقد قدمنا الآيات الموضحة لهما في الكلام على قوله تعالى: {وَعَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُم مٌّنذِرٌ مِّنْهُمْ} (صۤ: 4)، وقوله تعالى: {أَءَنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل هُمْ فَى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى}.