سورة القمر | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 529 من المصحف
أو بقوله: 7- "خشعاً" وسقطت الواو من يدع اتباعاً للفظ، وقد وقعت في الرسم هكذا وحذفت الياء من الداع للتخفيف واكتفاء بالكسرة، والداع هو إسرافيل، والشيء النكر: الأمر الفظيع الذي ينكرونه استعظاماً له لعدم تقدم العهد لهم بمثله. قرأ الجمهور بضم الكاف. وقرأ ابن كثير بسكونها تخفيفاً. وقرأ مجاهد وقتادة بكسر الكاف وفتح الراء على صيغة الفعل المجهول "خشعاً أبصارهم" قرأ الجمهور "خشعاً" جمع خاشع. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو "خاشعاً" على الإفراد، ومنه قول الشاعر: وشباب حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد وقرأ ابن مسعود خاشعة قال الفراء: الصفة إذا تقدمت على الجماعة جاز فيها التذكير والتأنيث والجمع: يعني جمع التكسير لا جمع السلامة، لأنه يكون من الجمع بين فاعلين، ومثل قراءة الجمهور قول امرئ القيس: وقوفاً بها صحبي علي مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجلد وانتصاب خشعاً على الحال من فاعل يخرجون، أو من الضمير في عنهم، والخشوع في البصر الخضوع والذلة، وأضاف الخضوع والذلة، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن العز والذل يتبين فيها "يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر" أي يخرجون من القبور، وواحد الأجداث جدث وهو القبر، كأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض جراد منتشر: أي منبث في الأقطار مختلط بعضه ببعض.
8- "مهطعين إلى الداع" الإهطاع: الإسراع أي قال كونهم مسرعين إلى الداعي، وهو إسرافيل، ومنه قول الشاعر: بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع أي مسرعين إليه. وقال الضحاك: مقبلين. وقال قتادة: عامدين. وقال عكرمة: فاتحين آذانهم إلى الصوت، والأول أولى، وبه قال أبو عبيدة وغيره، وجملة "يقول الكافرون هذا يوم عسر" في محل نصب على الحال من ضمير مهطعين، والرابط مقدر أو مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل، فماذا يكون حينئذ. والعسر: الصعب الشديد، وفي إسناد هذا القول إلى الكفار دليل على أن اليوم ليس بشديد على المؤمنين.
ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدك من الأنباء المجملة فقال: 9- "كذبت قبلهم قوم نوح" أي كذبوا نبيهم، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: "فكذبوا عبدنا" تفسير لما قبله من التكذيب المبهم، وفيه مزيد تقرير وتأكيد: أي فكذبوا عبدنا نوحاً، وقيل المعنى: كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا نوحاً بتكذيبهم للرسل فإنه منهم. ثم بين سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرد التكذيب فقال: "وقالوا مجنون" أي نسبوا نوحاً إلى الجنون، وقوله: "وازدجر" معطوف على قالوا: أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر، والدال معطوف على قالوا: أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر: أي ازدجرته الجن وذهبت بلبه، والأول أولى. قال مجاهد: هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسب بأنواع الأذى. قال الرازي: وهذا أصح، لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر من تقدمه.
10- "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" أي دعا ربه على قومه بأني مغلوب من جهة قومي لتمردهم عن الطاعة وزجرهم لي عن تبليغ الرسالة، فانتصر لي: أي انتقم لي منهم. طلب من ربه سبحانه النصرة عليهم لما أيس من إجابتهم وعلم تمردهم وعتوهم وإصرارهم على ضلالتهم. قرأ الجمهور "أني" بفتح الهمزة: أي بأني. وقرأ ابن أبي إسحاق والأعمش بكسر الهمزة، ورويت هذه القراءة عن عاصم على تقدير إضمار القول: أي فقال.
ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال: 11- "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" أي منصب انصباباً شديداً، والهمر: الصب بكثرة، يقال: همر الماء والدمع يهر همراً وهموراً: إذا كثر، ومنه قول الشاعر: أعيني جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر ومنه قول امرئ القيس يصف عينا: راح تمر به الصبا ثم انتحى فيه بشؤبوب جنوب منهمر قرأ الجمهور "فتحنا" مخففاً. وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد.
12- "وفجرنا الأرض عيوناً" أي جعلنا الأرض كلها عيوناً متفجرة، والأصل فجرنا عيون الأرض. قرأ الجمهور "فجرنا" بالتشديد. وقرأ ابن مسعود وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالتخفيف. قال عبيد بن عمير: أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها فتفجرت بالعيون "فالتقى الماء على أمر قد قدر" أي التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضي عليهم: أي كائناً على حال قدرها الله وقضى بها. وحكى ابن قتيبة أن المعنى على مقدار لم يرد أحدهما على الآخر، بل كان ماء السماء وماء الأرض على سواء. قال قتادة: قدر لهم إذ كفروا أن يغرقوا. وقرأ الجحدري فالتقى الماآن وقرأ الحسن فالتقى الماوان ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب ومحمد بن كعب.
13- "وحملناه على ذات ألواح ودسر" أي وحملنا نوحاً على سفينة ذات ألواح، وهي الأخشاب العريضة "ودسر" قال الزجاج: هي المسامير التي تشد بها الألواح واحدها دسار، وكل شيء أدخل في شيء يشده فهو الدسر، وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب وابن زيد وسعيد بن جبير وغيرهم. وقال الحسن وشهر بن حوشب وعكرمة: الدسر ظهر السفينة التي يضربها الموج، سميت بذلك لأنها تدسر الماء: أي تدفعه، والدسر الدفع. وقال الليث: الدسار خيط تشد به ألواح السفينة. قال في الصحاح: الدسار واحد الدسر وهي خيوط تشد بها ألواح السفينة، ويقال هي المسامير.
14- "تجري بأعيننا" أي بمنظر ومرأى منا وحفظ لها كما في قوله: "واصنع الفلك بأعيننا" وقيل بأمرنا، وقيل بوحينا، وقيل بالأعين النابعة من الأرض، وقيل بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها "جزاء لمن كان كفر" قال الفراء: فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثواباً لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه السلام، فإنه كان لهم نعمة كفروها فانتصاب جزاء على العلة، وقيل على المصدرية بفعل مقدر: أي جازيناهم جزاء. قرأ الجمهور "كفر" مبنياً للمفعول، والمراد به نوح. وقيل هو الله سبحانه، فإنهم كفروا به وجحدوا نعمته. وقرأ يزيدي بن رومان وقتادة ومجاهد وحميد وعيسى كفر بفتح الكاف والفاء مبنياً للفاعل: أي جزاءً وعقاباً لمن كفر بالله.
15- "ولقد تركناها آية" أي السفينة تركها الله عبرة للمعتبرين، وقيل المعنى: ولقد تركنا هذه الفعلة التي فعلناها بهم عبرة وموعظة "فهل من مدكر" أصله مذتكر فأبدلت التاء دالاً مهملة، ثم أبدلت المعجمة مهملة لتقاربهما وأدغمت الدال في الذال، والمعنى: هل من معتظ ومعتبر يتعظ بهذه الآية ويعتبر بها.
16- "فكيف كان عذابي ونذر" أي إنذاري. قال الفراء: الإنذار والنذر مصدران، والاستفهام للتهويل والتعجيب: أي كانا على كيفية هائلة عجيبة لا يحيط بها الوصف، وقيل نذر جمع نذير، ونذير بمعنى الإنذار كنكير بمعنى الإنكار.
17- "ولقد يسرنا القرآن للذكر" أي سهلناه للحفظ، وأعنا عليه من أراد حفظه، وقيل هيأناه للتكذر والاتعاظ "فهل من مدكر" أي متعظ بمواعظه ومعتبر بعبره. وفي الآية الحث على درس القرآن والاستكثار من تلاوته والمسارعة في تعلمه ومدكر أصله مذتكر كما تقدم قريباً. وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما". وروي عنه من طريق أخرى عند مسلم والترمذي وغيرهم قال: فنزلت "اقتربت الساعة وانشق القمر" وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال: "انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا". وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه قال: رأيت القمر منشقاً شقتين مرتين: مرة بمكة قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم: شقة على أبي قبيس، وشقة على السويداء. وذكر أن هذا سبب نزول الآية. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم عنه أيضاً قال: رأيت القمر وقد انشق. وأبصرت الجبل بين فرجتي القمر. وله طرق عنه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال: "اقتربت الساعة وانشق القمر" قال: كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فرقتين: فرقة من دون الجبل. وفرقة خلفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم عن أبي في قوله: "وانشق القمر" قال: انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقال الناس: سحرنا محمد، فقال رجل: إن كان سحركم فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم عن عبد الرحمن السلمي قال: "خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "اقتربت الساعة وانشق القمر" ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، اليوم المضمار وغداً السباق" وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "مهطعين" قال: ناظرين. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" قال كثير: لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب وفتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماآن. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً "على ذات ألواح ودسر" قال: الألواح ألواح السفينة، والدسر: معاريضها التي تشد بها السفينة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "ودسر" قال: المسامير. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: الدسر كلكل السفينة. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه أيضاً في قوله: "ولقد يسرنا القرآن للذكر" قال: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلموا بكلام الله. وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس "فهل من مدكر" قال: هل من متذكر.
قوله: 18- "كذبت عاد" هم قوم عاد "فكيف كان عذابي ونذر" أي فاسمعوا كيف كان عذابي لهم وإنذاري إياهم، ونذر مصدر بمعنى إنذار كما تقدم تحقيقه، والاستفهام للتهويل والتعظيم.
19- "إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً" هذه الجملة مبينة لما أجمله سابقاً من العذاب، والصرصر شدة البرد: أي ريح شديدة البرد، وقيل الصرصر شدة الصوت، وقد تقدم بيان في سورة حم السجدة "في يوم نحس مستمر" أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه، وقد كانوا يتشاءمون بذلك اليوم. قال الزجاج: قيل في يوم الأربعاء في آخر الشهر. قرأ الجمهور "في يوم نحس" بإضافة يوم إلى نحس مع سكون الحاء، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، أو على تقدير مضاف أي في يوم عذاب نحس. وقرأ الحسن بتنوين يوم على أن نحس صفة له. وقرأ هارون بكسر الحاء. قال الضحاك: كان ذلك اليوم مراً عليهم. وكذا حكى الكسائي عن قوم أنهم قالوا: هو من المرارة، وقيل هو من المرة بمعنى القوة: أي في يوم قوي الشؤم مستحكمه كالشيء المحكم الفتل الذي لا يطاق نقضه، والظاهر أنه من الاستمرار، لا من المرارة ولا من المرة: أي دام عليهم العذاب فيه حتى أهلكهم، وشمل بهلاكه كبيرهم وصغيرهم.
وجملة 20- "تنزع الناس" في محل نصب على أنها صفة لريحاً أو حال منها، ويجوز أن يكون استئنافاً: أي تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها. قال مجاهد: كانت تقلعهم من الأرض فترمي بهم على رؤوسهم فتدق أعناقهم وتبين رؤوسهم من أجسادهم، وقيل تنزع الناس من البيوت، وقيل من قبورهم لأنهم حفروا حفائر ودخلوها "كأنهم أعجاز نخل منقعر" الأعجاز جمع عجز، وهو مؤخر الشيء، والمنقعر: المنقطع المنقلع من أصله، يقال قعرت النخلة: إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط، شبههم في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح وطرحتهم على وجوههم بالنخل الساقط على الأرض التي ليست لها رؤوس، وذلك أن الريح قلعت رؤوسهم أولاً ثم كتبتهم على وجوههم وتذكير منقعر مع كونه صفة لأعجاز نخل وهي مؤنثة اعتباراً باللفظ ويجوز تأنيثه اعتباراً بالمعنى كما قال "أعجاز نخل خاوية" قال المبرد: كل ما ورد عليك من هذا الباب إن شئت رددته إلى اللفظ تذكيراً أو إلى المعنى تأنيثاً. وقيل إن النخل والنخيل يذكر هذا الباب إن شئت رددته إلى اللغظ تذكيراً أو إلى المعنى تأنيثاً. وقيل إن النخل والنخيل يذكر ويؤنث.
21- "فكيف كان عذابي ونذر" قد تقدم تفسيره قريباً.
وكذلك قوله: 22- "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".
ثم لما ذكر سبحانه تكذيب عاد أتبعه بتكذيب ثمود فقال: 23- "كذبت ثمود بالنذر" يجوز أن يكون جمع نذير: أي كذبت بالرسل المرسلين إليهم، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الإنذار: أي كذبت بالإنذار الذي أنذروا به، وإنما كان تكذيبهم لرسولهم وهو صالح تكذيباً للرسل، لأن من كذب واحداً من الأنبياء الذي أنذروا به، وإنما كان تكذيبهم لرسولهم وهو صالح تكذيباً للرسل، لأن من كذب واحداً من الأنبياء فقد كذب سائرهم لاتفاقهم في الدعوة إلى كليات الشرائع.
24- "فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه" الاستفهام للإنكار: أي كيف نتبع بشراً كائناً من جنسنا منفرداً وحده لا متابع له على ما يدعوا إليه. قرأ الجمهور بنصب بشراً على الاشتغال: أي أنتبع بشراً واحداً. وقرأ أبو السماك والداني وأبو الأشهب وابن السميفع بالرفع على الابتداء، وواحداً صفته، ونتبعه خبره. وروي عن أبي السماك أنه قرأ برفع بشراً ونصب واحداً على الحال "إنا إذاً لفي ضلال" أي إنا إذا اتبعناه لفي خطأ وذهاب عن الحق "وسعر" أي عذاب وعناء وشدة كذا قال الفراء وغيره. وقال أبو عبيدة: هو جمع سعير، وهو لهب النار، والسعر: الجنون يذهب كذا وكذا لما يلتهب به من الحدة. وقال مجاهد: وسعر وبعد عن الحق. وقال السدي: في احتراق، وقيل المراد به هنا الجنون، من قولهم: ناقة مسعورة: أي كأنها من شدة نشاطها مجنونة، ومنه قول الشاعر يصف ناقة: تخال بها سعراً إذا السعر هزها ذميل وإيقاع من السير متعب
ثم كرروا الإنكار والاستبعاد فقالوا: 25- "أألقي الذكر عليه من بيننا" أي كيف خص من بيننا بالوحي والنبوة، وفينا من هو أحق بذلك منه؟ ثم أضربوا عن الاستنكار وانتقلوا إلى الجزم بكونه كذاباً أشراً فقالوا: "بل هو كذاب أشر" والأشر: المرح والنشاط، أو البطر والتكبر، وتفسيره بالبطر والتكبر أنسب بالمقام، ومنه قول الشاعر: أشرتم بلبس الخز لما لبستم ومن قبل لا تدرون من فتح القرى قرأ الجمهور "أشر" كفرح. وقرأ أبو قلابة وأبو جعفر بفتح الشين وتشديد الراء على أنه أفعل تفضيل. ونقل الكسائي عن مجاهد أنه قرأ بضم الشين مع فتح الهمزة.
ثم أجاب سبحانه عليهم بقوله: 26- "سيعلمون غداً من الكذاب الأشر" والمراد بقوله غداً وقت نزول العذاب بهم في الدنيا، أو في يوم القيامة جرياً على عادة الناس في التعبير بالغد عن المستقبل من الأمر وإن بعد، كما في قولهم: إن مع اليوم غداً، وكما في قول الحطيئة: للموت فيهـا سهـام غير مخـطئـة من لم يكن ميتاً في الـيوم مـات غدا ومنه قول أبي الطماح: ألا علـلاني قبـل نـوح النـوائـح وقيل اضطراب النفس بين الجوانـح وقبل غد يا لهف نفسي على غد إذا راح أصحـــابي ولست برائــح قرأ الجمهور "سيعلمون" بالتحتية إخبار من الله سبحانه لصالح عن وقوع العذاب عليهم بعد مدة. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة بالفوقية على أنه خطاب من صالح لقومه.
وجملة 27- " إنا مرسلو الناقة " مستأنفة لبيان ما تقدم إجماله من الوعيد: أي إنا مخرجوها من الصخرة على حسب ما اقترحوه "فتنة لهم" أي ابتلاءً وامتحاناً، وانتصاب فتنة على العلة "فارتقبهم" أي انتظر ما يصنعون "واصطبر" على ما يصيبك من الأذى منهم.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 529
528أو بقوله: 7- "خشعاً" وسقطت الواو من يدع اتباعاً للفظ، وقد وقعت في الرسم هكذا وحذفت الياء من الداع للتخفيف واكتفاء بالكسرة، والداع هو إسرافيل، والشيء النكر: الأمر الفظيع الذي ينكرونه استعظاماً له لعدم تقدم العهد لهم بمثله. قرأ الجمهور بضم الكاف. وقرأ ابن كثير بسكونها تخفيفاً. وقرأ مجاهد وقتادة بكسر الكاف وفتح الراء على صيغة الفعل المجهول "خشعاً أبصارهم" قرأ الجمهور "خشعاً" جمع خاشع. وقرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو "خاشعاً" على الإفراد، ومنه قول الشاعر: وشباب حسن أوجههم من إياد بن نزار بن معد وقرأ ابن مسعود خاشعة قال الفراء: الصفة إذا تقدمت على الجماعة جاز فيها التذكير والتأنيث والجمع: يعني جمع التكسير لا جمع السلامة، لأنه يكون من الجمع بين فاعلين، ومثل قراءة الجمهور قول امرئ القيس: وقوفاً بها صحبي علي مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجلد وانتصاب خشعاً على الحال من فاعل يخرجون، أو من الضمير في عنهم، والخشوع في البصر الخضوع والذلة، وأضاف الخضوع والذلة، وأضاف الخشوع إلى الأبصار لأن العز والذل يتبين فيها "يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر" أي يخرجون من القبور، وواحد الأجداث جدث وهو القبر، كأنهم لكثرتهم واختلاط بعضهم ببعض جراد منتشر: أي منبث في الأقطار مختلط بعضه ببعض.
8- "مهطعين إلى الداع" الإهطاع: الإسراع أي قال كونهم مسرعين إلى الداعي، وهو إسرافيل، ومنه قول الشاعر: بدجلة دارهم ولقد أراهم بدجلة مهطعين إلى السماع أي مسرعين إليه. وقال الضحاك: مقبلين. وقال قتادة: عامدين. وقال عكرمة: فاتحين آذانهم إلى الصوت، والأول أولى، وبه قال أبو عبيدة وغيره، وجملة "يقول الكافرون هذا يوم عسر" في محل نصب على الحال من ضمير مهطعين، والرابط مقدر أو مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل، فماذا يكون حينئذ. والعسر: الصعب الشديد، وفي إسناد هذا القول إلى الكفار دليل على أن اليوم ليس بشديد على المؤمنين.
ثم ذكر سبحانه تفصيل بعض ما تقدك من الأنباء المجملة فقال: 9- "كذبت قبلهم قوم نوح" أي كذبوا نبيهم، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله: "فكذبوا عبدنا" تفسير لما قبله من التكذيب المبهم، وفيه مزيد تقرير وتأكيد: أي فكذبوا عبدنا نوحاً، وقيل المعنى: كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا نوحاً بتكذيبهم للرسل فإنه منهم. ثم بين سبحانه أنهم لم يقتصروا على مجرد التكذيب فقال: "وقالوا مجنون" أي نسبوا نوحاً إلى الجنون، وقوله: "وازدجر" معطوف على قالوا: أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر، والدال معطوف على قالوا: أي وزجر عن دعوى النبوة وعن تبليغ ما أرسل به بأنواع الزجر: أي ازدجرته الجن وذهبت بلبه، والأول أولى. قال مجاهد: هو من كلام الله سبحانه أخبر عنه بأنه انتهر وزجر بالسب بأنواع الأذى. قال الرازي: وهذا أصح، لأن المقصود تقوية قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر من تقدمه.
10- "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" أي دعا ربه على قومه بأني مغلوب من جهة قومي لتمردهم عن الطاعة وزجرهم لي عن تبليغ الرسالة، فانتصر لي: أي انتقم لي منهم. طلب من ربه سبحانه النصرة عليهم لما أيس من إجابتهم وعلم تمردهم وعتوهم وإصرارهم على ضلالتهم. قرأ الجمهور "أني" بفتح الهمزة: أي بأني. وقرأ ابن أبي إسحاق والأعمش بكسر الهمزة، ورويت هذه القراءة عن عاصم على تقدير إضمار القول: أي فقال.
ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال: 11- "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" أي منصب انصباباً شديداً، والهمر: الصب بكثرة، يقال: همر الماء والدمع يهر همراً وهموراً: إذا كثر، ومنه قول الشاعر: أعيني جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر ومنه قول امرئ القيس يصف عينا: راح تمر به الصبا ثم انتحى فيه بشؤبوب جنوب منهمر قرأ الجمهور "فتحنا" مخففاً. وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد.
12- "وفجرنا الأرض عيوناً" أي جعلنا الأرض كلها عيوناً متفجرة، والأصل فجرنا عيون الأرض. قرأ الجمهور "فجرنا" بالتشديد. وقرأ ابن مسعود وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالتخفيف. قال عبيد بن عمير: أوحى الله إلى الأرض أن تخرج ماءها فتفجرت بالعيون "فالتقى الماء على أمر قد قدر" أي التقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قضي عليهم: أي كائناً على حال قدرها الله وقضى بها. وحكى ابن قتيبة أن المعنى على مقدار لم يرد أحدهما على الآخر، بل كان ماء السماء وماء الأرض على سواء. قال قتادة: قدر لهم إذ كفروا أن يغرقوا. وقرأ الجحدري فالتقى الماآن وقرأ الحسن فالتقى الماوان ورويت هذه القراءة عن علي بن أبي طالب ومحمد بن كعب.
13- "وحملناه على ذات ألواح ودسر" أي وحملنا نوحاً على سفينة ذات ألواح، وهي الأخشاب العريضة "ودسر" قال الزجاج: هي المسامير التي تشد بها الألواح واحدها دسار، وكل شيء أدخل في شيء يشده فهو الدسر، وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب وابن زيد وسعيد بن جبير وغيرهم. وقال الحسن وشهر بن حوشب وعكرمة: الدسر ظهر السفينة التي يضربها الموج، سميت بذلك لأنها تدسر الماء: أي تدفعه، والدسر الدفع. وقال الليث: الدسار خيط تشد به ألواح السفينة. قال في الصحاح: الدسار واحد الدسر وهي خيوط تشد بها ألواح السفينة، ويقال هي المسامير.
14- "تجري بأعيننا" أي بمنظر ومرأى منا وحفظ لها كما في قوله: "واصنع الفلك بأعيننا" وقيل بأمرنا، وقيل بوحينا، وقيل بالأعين النابعة من الأرض، وقيل بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها "جزاء لمن كان كفر" قال الفراء: فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثواباً لمن كفر به وجحد أمره وهو نوح عليه السلام، فإنه كان لهم نعمة كفروها فانتصاب جزاء على العلة، وقيل على المصدرية بفعل مقدر: أي جازيناهم جزاء. قرأ الجمهور "كفر" مبنياً للمفعول، والمراد به نوح. وقيل هو الله سبحانه، فإنهم كفروا به وجحدوا نعمته. وقرأ يزيدي بن رومان وقتادة ومجاهد وحميد وعيسى كفر بفتح الكاف والفاء مبنياً للفاعل: أي جزاءً وعقاباً لمن كفر بالله.
15- "ولقد تركناها آية" أي السفينة تركها الله عبرة للمعتبرين، وقيل المعنى: ولقد تركنا هذه الفعلة التي فعلناها بهم عبرة وموعظة "فهل من مدكر" أصله مذتكر فأبدلت التاء دالاً مهملة، ثم أبدلت المعجمة مهملة لتقاربهما وأدغمت الدال في الذال، والمعنى: هل من معتظ ومعتبر يتعظ بهذه الآية ويعتبر بها.
16- "فكيف كان عذابي ونذر" أي إنذاري. قال الفراء: الإنذار والنذر مصدران، والاستفهام للتهويل والتعجيب: أي كانا على كيفية هائلة عجيبة لا يحيط بها الوصف، وقيل نذر جمع نذير، ونذير بمعنى الإنذار كنكير بمعنى الإنكار.
17- "ولقد يسرنا القرآن للذكر" أي سهلناه للحفظ، وأعنا عليه من أراد حفظه، وقيل هيأناه للتكذر والاتعاظ "فهل من مدكر" أي متعظ بمواعظه ومعتبر بعبره. وفي الآية الحث على درس القرآن والاستكثار من تلاوته والمسارعة في تعلمه ومدكر أصله مذتكر كما تقدم قريباً. وقد أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما". وروي عنه من طريق أخرى عند مسلم والترمذي وغيرهم قال: فنزلت "اقتربت الساعة وانشق القمر" وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود قال: "انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرقتين: فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا". وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عنه قال: رأيت القمر منشقاً شقتين مرتين: مرة بمكة قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم: شقة على أبي قبيس، وشقة على السويداء. وذكر أن هذا سبب نزول الآية. وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم عنه أيضاً قال: رأيت القمر وقد انشق. وأبصرت الجبل بين فرجتي القمر. وله طرق عنه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس قال: "اقتربت الساعة وانشق القمر" قال: كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فرقتين: فرقة من دون الجبل. وفرقة خلفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اشهد. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن جبير بن مطعم عن أبي في قوله: "وانشق القمر" قال: انشق القمر ونحن بمكة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صار فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقال الناس: سحرنا محمد، فقال رجل: إن كان سحركم فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن مردويه وأبو نعيم عن عبد الرحمن السلمي قال: "خطبنا حذيفة بن اليمان بالمدائن، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "اقتربت الساعة وانشق القمر" ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، اليوم المضمار وغداً السباق" وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "مهطعين" قال: ناظرين. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" قال كثير: لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب وفتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماآن. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه أيضاً "على ذات ألواح ودسر" قال: الألواح ألواح السفينة، والدسر: معاريضها التي تشد بها السفينة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "ودسر" قال: المسامير. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: الدسر كلكل السفينة. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه أيضاً في قوله: "ولقد يسرنا القرآن للذكر" قال: لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلموا بكلام الله. وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس "فهل من مدكر" قال: هل من متذكر.
قوله: 18- "كذبت عاد" هم قوم عاد "فكيف كان عذابي ونذر" أي فاسمعوا كيف كان عذابي لهم وإنذاري إياهم، ونذر مصدر بمعنى إنذار كما تقدم تحقيقه، والاستفهام للتهويل والتعظيم.
19- "إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً" هذه الجملة مبينة لما أجمله سابقاً من العذاب، والصرصر شدة البرد: أي ريح شديدة البرد، وقيل الصرصر شدة الصوت، وقد تقدم بيان في سورة حم السجدة "في يوم نحس مستمر" أي دائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه، وقد كانوا يتشاءمون بذلك اليوم. قال الزجاج: قيل في يوم الأربعاء في آخر الشهر. قرأ الجمهور "في يوم نحس" بإضافة يوم إلى نحس مع سكون الحاء، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، أو على تقدير مضاف أي في يوم عذاب نحس. وقرأ الحسن بتنوين يوم على أن نحس صفة له. وقرأ هارون بكسر الحاء. قال الضحاك: كان ذلك اليوم مراً عليهم. وكذا حكى الكسائي عن قوم أنهم قالوا: هو من المرارة، وقيل هو من المرة بمعنى القوة: أي في يوم قوي الشؤم مستحكمه كالشيء المحكم الفتل الذي لا يطاق نقضه، والظاهر أنه من الاستمرار، لا من المرارة ولا من المرة: أي دام عليهم العذاب فيه حتى أهلكهم، وشمل بهلاكه كبيرهم وصغيرهم.
وجملة 20- "تنزع الناس" في محل نصب على أنها صفة لريحاً أو حال منها، ويجوز أن يكون استئنافاً: أي تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم اقتلاع النخلة من أصلها. قال مجاهد: كانت تقلعهم من الأرض فترمي بهم على رؤوسهم فتدق أعناقهم وتبين رؤوسهم من أجسادهم، وقيل تنزع الناس من البيوت، وقيل من قبورهم لأنهم حفروا حفائر ودخلوها "كأنهم أعجاز نخل منقعر" الأعجاز جمع عجز، وهو مؤخر الشيء، والمنقعر: المنقطع المنقلع من أصله، يقال قعرت النخلة: إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط، شبههم في طول قاماتهم حين صرعتهم الريح وطرحتهم على وجوههم بالنخل الساقط على الأرض التي ليست لها رؤوس، وذلك أن الريح قلعت رؤوسهم أولاً ثم كتبتهم على وجوههم وتذكير منقعر مع كونه صفة لأعجاز نخل وهي مؤنثة اعتباراً باللفظ ويجوز تأنيثه اعتباراً بالمعنى كما قال "أعجاز نخل خاوية" قال المبرد: كل ما ورد عليك من هذا الباب إن شئت رددته إلى اللفظ تذكيراً أو إلى المعنى تأنيثاً. وقيل إن النخل والنخيل يذكر هذا الباب إن شئت رددته إلى اللغظ تذكيراً أو إلى المعنى تأنيثاً. وقيل إن النخل والنخيل يذكر ويؤنث.
21- "فكيف كان عذابي ونذر" قد تقدم تفسيره قريباً.
وكذلك قوله: 22- "ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر".
ثم لما ذكر سبحانه تكذيب عاد أتبعه بتكذيب ثمود فقال: 23- "كذبت ثمود بالنذر" يجوز أن يكون جمع نذير: أي كذبت بالرسل المرسلين إليهم، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى الإنذار: أي كذبت بالإنذار الذي أنذروا به، وإنما كان تكذيبهم لرسولهم وهو صالح تكذيباً للرسل، لأن من كذب واحداً من الأنبياء الذي أنذروا به، وإنما كان تكذيبهم لرسولهم وهو صالح تكذيباً للرسل، لأن من كذب واحداً من الأنبياء فقد كذب سائرهم لاتفاقهم في الدعوة إلى كليات الشرائع.
24- "فقالوا أبشراً منا واحداً نتبعه" الاستفهام للإنكار: أي كيف نتبع بشراً كائناً من جنسنا منفرداً وحده لا متابع له على ما يدعوا إليه. قرأ الجمهور بنصب بشراً على الاشتغال: أي أنتبع بشراً واحداً. وقرأ أبو السماك والداني وأبو الأشهب وابن السميفع بالرفع على الابتداء، وواحداً صفته، ونتبعه خبره. وروي عن أبي السماك أنه قرأ برفع بشراً ونصب واحداً على الحال "إنا إذاً لفي ضلال" أي إنا إذا اتبعناه لفي خطأ وذهاب عن الحق "وسعر" أي عذاب وعناء وشدة كذا قال الفراء وغيره. وقال أبو عبيدة: هو جمع سعير، وهو لهب النار، والسعر: الجنون يذهب كذا وكذا لما يلتهب به من الحدة. وقال مجاهد: وسعر وبعد عن الحق. وقال السدي: في احتراق، وقيل المراد به هنا الجنون، من قولهم: ناقة مسعورة: أي كأنها من شدة نشاطها مجنونة، ومنه قول الشاعر يصف ناقة: تخال بها سعراً إذا السعر هزها ذميل وإيقاع من السير متعب
ثم كرروا الإنكار والاستبعاد فقالوا: 25- "أألقي الذكر عليه من بيننا" أي كيف خص من بيننا بالوحي والنبوة، وفينا من هو أحق بذلك منه؟ ثم أضربوا عن الاستنكار وانتقلوا إلى الجزم بكونه كذاباً أشراً فقالوا: "بل هو كذاب أشر" والأشر: المرح والنشاط، أو البطر والتكبر، وتفسيره بالبطر والتكبر أنسب بالمقام، ومنه قول الشاعر: أشرتم بلبس الخز لما لبستم ومن قبل لا تدرون من فتح القرى قرأ الجمهور "أشر" كفرح. وقرأ أبو قلابة وأبو جعفر بفتح الشين وتشديد الراء على أنه أفعل تفضيل. ونقل الكسائي عن مجاهد أنه قرأ بضم الشين مع فتح الهمزة.
ثم أجاب سبحانه عليهم بقوله: 26- "سيعلمون غداً من الكذاب الأشر" والمراد بقوله غداً وقت نزول العذاب بهم في الدنيا، أو في يوم القيامة جرياً على عادة الناس في التعبير بالغد عن المستقبل من الأمر وإن بعد، كما في قولهم: إن مع اليوم غداً، وكما في قول الحطيئة: للموت فيهـا سهـام غير مخـطئـة من لم يكن ميتاً في الـيوم مـات غدا ومنه قول أبي الطماح: ألا علـلاني قبـل نـوح النـوائـح وقيل اضطراب النفس بين الجوانـح وقبل غد يا لهف نفسي على غد إذا راح أصحـــابي ولست برائــح قرأ الجمهور "سيعلمون" بالتحتية إخبار من الله سبحانه لصالح عن وقوع العذاب عليهم بعد مدة. وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة بالفوقية على أنه خطاب من صالح لقومه.
وجملة 27- " إنا مرسلو الناقة " مستأنفة لبيان ما تقدم إجماله من الوعيد: أي إنا مخرجوها من الصخرة على حسب ما اقترحوه "فتنة لهم" أي ابتلاءً وامتحاناً، وانتصاب فتنة على العلة "فارتقبهم" أي انتظر ما يصنعون "واصطبر" على ما يصيبك من الأذى منهم.
الصفحة رقم 529 من المصحف تحميل و استماع mp3