تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 63 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 63

 {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}
. {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ}، أكثر العلماء على أنها منسوخة بقوله : {فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ} .
وقال بعضهم : هي مبينة للمراد منها فقوله : {حَقَّ تُقَاتِهِ} ، أي : بقدر الطاقة ، واللَّه تعالىٰ أعلم .
{وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مِّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
، وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً لم يبيّن هنا ما بلغته معاداتهم من الشدة ، ولكنّه بيّن في موضع آخر أن معاداتهم بلغت من الشدة أمرًا عظيمًا حتى لو أنفق ما في الأرض كله ؛ لإزالتها وللتأليف بين قلوبهم لم يفد ذلك شيئًا وذلك في قوله : {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِى أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى ٱلاْرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ} .

{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ * تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَـٰلَمِينَ * وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلاٌّرْضِ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلاٍّمُورُ * كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ * لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَـٰتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلاٌّدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِأايَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلاٌّنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }
، وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ بيّن في هذه الآية الكريمة أن من أسباب اسوداد الوجوه يوم القيامة الكفر بعد الإيمان ، وذلك في قوله : {فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ} .
وبيّن في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكذب على اللَّه تعالىٰ وهو قوله تعالىٰ : {وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} . وبيّن في موضع آخر أن من أسباب ذلك اكتساب السيئات ، وهو قوله : {وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ} ، وبيّن في موضع آخر أن من أسباب ذلك الكفر والفجور وهو قوله تعالىٰ : {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَفَرَةُ ٱلْفَجَرَةُ} .
وهذه الأسباب في الحقيقة شىء واحد عبّر عنه بعبارات مختلفة ، وهو الكفر باللَّه تعالىٰ ، وبيّن في موضع آخر شدة تشويه وجوههم بزرقة العيون ، وهو قوله : {وَنَحْشُرُ ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمِئِذٍ زُرْق} ، وأقبح صورة أن تكون الوجوه سودًا والعيون زرقًا ، إلا ترى الشاعر لما أراد أن يصور علل البخيل في أقبح صورة وأشوهها اقترح لها زرقة العيون ، واسوداد الوجوه في قوله :
وللبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود