تفسير الشنقيطي تفسير الصفحة 99 من المصحف


تفسير أضواء البيان - صفحة القرآن رقم 99

 {وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }
، وَأُحْضِرَتِ ٱلأنفُسُ ٱلشُّحَّ ذكر تعالىٰ في هذه الآية الكريمة أن الأنفس أحضرت الشح ، أي : جعل شيئًا حاضرًا لها كأنه ملازم لها لا يفارقها ؛ لأنها جبلت عليه .
وأشار في موضع آخر أنه لا يفلح أحدًا إلا إذا وقاه اللَّه شح نفسه وهو قوله تعالىٰ : {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} ، ومفهوم الشرط أن من لم يوقَ شحّ نفسه لم يفلح وهو كذلك ، وقيده بعض العلماء بالشحّ المؤدي إلى منع الحقوق التي يلزمها الشرع ، أو تقتضيها المروءة ، وإذا بلغ الشحّ إلى ذلك ، فهو بخل وهو رذيلة ، والعلم عند اللَّه تعالىٰ .
{وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً }
، وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ هذا العدل الذي ذكر تعالىٰ هنا أنه لا يستطاع هو العدل في المحبة ، والميل الطبيعي ؛ لأنه ليس تحت قدرة البشر بخلاف العدل في الحقوق الشرعية فإنه مستطاع ، وقد أشار تعالىٰ إلى هذا بقوله : {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُو} ، أي : تجوروا في الحقوق الشرعية ، والعرب تقول : عال يعول إذا جار ومال ، وهو عائل ، ومنه قول أبي طالب : بميزان قسط لا يخيس شعيرة له شاهد من نفسه غير عائل

أي : غير مائل ولا جائر ، ومنه قول الآخر : قالوا تبعنا رسول اللَّه واطرحوا قول الرسول وعالوا في الموازين

أي : جاروا ، وقول الآخر : ثلاثة أنفس وثلاث ذود لقد عال الزمان على عيالي

أي : جار ومال ، أما قول أحيحة بن الجلاح الأنصاريّ : وما يدري الفقير متى غناه وما يدري الغني متى يعيل

وقول جرير : اللَّه نزل في الكتاب فريضة لابن السبيل وللفقير العائل

وقوله تعالىٰ : {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَىٰ} ، فكل ذلك من العيلة ، وهي الفقر ، ومنه قوله تعالىٰ : {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} ، فعال التي بمعنى جار واوية العين ، والتي بمعنىٰ افتقر يائية العين .
وقال الشافعي رحمه اللَّه : معنى قوله : {أَلاَّ تَعُولُو} ، أي : يكثر عيالكم من عال الرجل يعول إذا كثر عياله ، وقول بعضهم : إنّ هذا لا يصح وإنّ المسموع أعال الرجل بصيغة الرباعي على وزن أفعل ، فهو معيل إذا كثر عياله فلا وجه له ؛ لأنّ الشافعي من أدرى الناس باللغة العربية ، ولأنّ عال بمعنى كثر عياله لغة حمير ، ومنه قول الشاعر : وأن الموت يأخذ كل حي بلا شك وإن أمشى وعالا

يعني : وإن كثرت ماشيته وعياله ، وقرأ الآية طلحة بن مصرف {إِل} وا بضم التاء من أعال إذا كثر عياله على اللغة المشهورة .
{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعاً حَكِيماً * وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلاٌّرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلاٌّرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً * وَللَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلاٌّرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }
، وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ ذكر في هذه الآية الكريمة أن الزوجين إن افترقا أغنى اللَّه كل واحد منهما من سعته وفضله الواسع، وربط بين الأمرين بأن جعل أحدهما شرطا والآخر جزاء .
وقد ذكر أيضًا أن النكاح سبب للغنى ، بقوله : {وَأَنْكِحُواْ ٱلايَـٰمَىٰ مِنْكُمْ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء * يُغْنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ} .

{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِـاخَرِينَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ ذٰلِكَ قَدِيراً * مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنْيَا وَٱلاٌّخِرَةِ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً * يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءِ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلاٌّقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً * يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِى نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِىۤ أَنَزلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلَـٰئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلاٌّخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَـٰلاً بَعِيداً * إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً * بَشِّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }
، إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِـاخَرِينَ ذكر تعالىٰ في هذه الآية الكريمة أنه إن شاء أذهب الناس الموجودين وقت نزولها ، وأتي بغيرهم بدلاً منهم ، وأقام الدليل على ذلك في موضع آخر ، وذلك الدليل هو أنه أذهب من كان قبلهم وجاء بهم بدلاً منهم ، وهو قوله تعالىٰ : {وَرَبُّكَ ٱلْغَنِىُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَا أَنشَأَكُمْ} .
وذكر في موضع آخر أنهم إن تولوا أبدل غيرهم وأن أولئك المبدلين لا يكونون مثل المبدل منهم بل يكونون خيرًا منهم ، وهو قوله تعالىٰ : {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم} .
وذكر في موضع آخر أن ذلك هين عليه غير صعب ، وهو قوله تعالىٰ : {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ} ، أي : ليس بممتنع ولا صعب .