تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 109 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 109

108

قوله: 10- "أصحاب الجحيم" أي ملابسوها.
قوله: 11- "إذ هم قوم" ظرف لقوله: "اذكروا" أو للنعمة أو لمحذوف وقع حالاً منها: "أن يبسطوا" أي بأن يبسطوا. وقوله: "فكف" معطوف على قوله: "هم" وسيأتي بيان سبب نزول هذه الآية، وبه يتضح المعنى. وقد أخرج ابن جرير والطبراني في الكبير عن ابن عباس في قوله: "إذ قلتم سمعنا وأطعنا" يعني حيث بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب قالوا: آمنا بالنبي والكتاب وأقررنا بما في التوراة، فذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: النعم الآلاء، " وميثاقه الذي واثقكم به " قال الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام. وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط" الآية. قال: نزلت في يهود خيبر، ذهب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتيهم في دية فهموا أن يقتلوه، فذلك قوله: " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا " الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة، فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله، قال الأعرابي، مرتين أو ثلاثاً من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله، فشام الأعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه". قال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا. ويذكر أن قوماً من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي، ويتأول "اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" الآية، وأخرج الحاكم وصححه عنه بنحوه، وذكر أن اسم الرجل غورث بن الحارث، وأنه" لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الله سقط السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك مني؟، قال: كن خير آخذ، قال: فشهد أن لا إله إلا الله". وأخرجه أيضاً ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل عنه. وأخرج ابن نعيم في الدلائل عن ابن عباس: أن بني النضير هموا أن يطرحوا حجراً على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، فجاء جبريل فأخبره بما هموا، فقام ومن معه، فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم " الآية، وروي نحو هذا من طرق عن غيره، وقصة الأعرابي وهو غورث المذكور ثابتة في الصحيح.
قوله: 12- "ولقد أخذ الله" كلام مستأنف يتضمن ذكر بعض ما صدر من بني إسرائيل من الخيانة. وقد تقدم بيان الميثاق الذي أخذه الله عليهم. واختلف المفسرون في كيفية بعث هؤلاء النقباء بعد الإجماع منهم على أن النقيب كبير القوم العالم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها. والنقاب: الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة، ويقال: نقيب القوم لشاهدهم وضمينهم. والنقيب: الطريق في الجبل هذا أصله، وسمي به نقيب القوم لأنه طريق إلى معرفة أمورهم. والنقيب: أعلى مكاناً من العريف، فقيل: المراد ببعث هؤلاء النقباء أنهم بعثوا أمناء على الاطلاع على الجبارين والنظر في قوتهم ومنعتهم فساروا ليختبروا حال من بها ويخبروا بذلك، فاطلعوا من الجبارين على قوة عظيمة وظنوا أنهم لا قبل لهم بها، فتعاقدوا بينهم على أن يخفوا ذلك عن بني إسرائيل وأن يعلموا به موسى، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فأخبروا قراباتهم، ففشا الخبر حتى بطل أمر الغزو وقالوا: "اذهب أنت وربك فقاتلا" وقيل: إن هؤلاء النقباء كفل كل واحد منهم على سبطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله، وهذا معنى بعثهم، وسيأتي ذكر بعض ما قاله جماعة من السلف في ذلك. قوله: "وقال الله إني معكم" أي قال ذلك لبني إسرائيل، وقيل: للنقباء، والمعنى: إني معكم بالنصر والعون، واللام في قوله: "لئن أقمتم الصلاة" هي الموطئة للقسم المحذوف، وجوابه: "لأكفرن" وهو ساد مسد جواب الشرط. والتعزير: التعظيم والتوقير، وأنشد أبو عبيدة: وكم من ماجد لهم كريم ومن ليث يعـــزر في النــــدي أي يعظم ويوقر. ويطلق التعزير على الضرب والرد، يقال: عزرت فلاناً: إذا أدبته ورددته عن القبيح، فقوله: "وعزرتموهم" أي عظمتموهم على المعنى الأول، أو رددتم عنهم أعداءهم ومنعتموهم على الثاني. قوله: "وأقرضتم الله قرضاً حسناً" أي أنفقتم في وجوه الخير، و "قرضاً" مصدر محذوف الزوائد كقوله تعالى: "وأنبتها نباتاً حسناً" أو مفعول ثان لأقرضتم. والحسن: قيل هو ما طابت به النفس، وقيل ما ابتغي به وجه الله، وقيل الحلال. قوله: "فمن كفر بعد ذلك" أي بعد الميثاق أو بعد الشرط المذكور "فقد ضل سواء السبيل" أي أخطأ وسط الطريق.
قوله: 13- "فبما نقضهم ميثاقهم" الباء سببية وما زائدة، أي فبسبب نقضهم ميثاقهم "لعناهم" أي طردناهم وأبعدناهم "وجعلنا قلوبهم قاسية" أي صلبة لا تعي خيراً ولا تعقله. وقرأ حمزة والكسائي قسية بتشديد الياء من غير ألف، وهي قراءة ابن مسعود والنخعي ويحيى بن وثاب، يقال درهم قسي مخفف السين مشدد الياء: أي زائف، ذكر ذلك أبو عبيد. وقال الأصمعي وأبو عبيدة: درهم قسي كأنه معرب قاس. وقرأ الأعمش قسية بتخفيف الياء. وقرأ الباقون: "قاسية". "يحرفون الكلم عن مواضعه" الجملة مستأنفة لبيان حالهم أو حالية: أي يبدلونه بغيره أو يتأولونه على غير تأويله. وقرأ السلمي والنخعي الكلام. قوله: "ولا تزال تطلع على خائنة منهم" أي لا تزال يا محمد تقف على خائنة منهم، والخائنة: الخيانة، وقيل هو نعت لمحذوف، والتقدير فرقة خائنة، وقد تقع للمبالغة نحو علامة ونسابة إذا أردت المبالغة في وصفه بالخيانة، وقيل خائنة معصية. قوله: "إلا قليلاً منهم" استثناء من الضمير في "منهم" "فاعف عنهم واصفح" قيل هذا منسوخ بآية السيف، وقيل خاص بالمعاهدين.