تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 175 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 175

174

قوله: 188- "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله" هذه الجملة متضمنة لتأكيد ما تقدم من عدم علمه بالساعة أيان تكون ومتى تقع، لأنه إذا كان لا يقدر على جلب نفع له أو دفع ضر عنه إلا ما شاء الله سبحانه من النفع له والدفع عنه فبالأولى أن يقدر على علم ما استأثر الله بعلمه، وفي هذا من إظهار العبودية والإقرار بالعجز عن الأمور التي ليست من شأن العبيد والاعتراف بالضعف عن انتحال ما ليس له صلى الله عليه وسلم ما فيه أعظم زاجر، وأبلغ واعظ لمن يدعي لنفسه ما ليس من شأنها، وينتحل علم الغيب بالنجامة أو الرمل أو الطرق بالحصا أو الزجر، ثم أكد هذا وقرره بقوله: "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" أي لو كنت أعلم جنس الغيب لتعرضت لما فيه الخير فجلبته إلى نفسي وتوقيت ما فيه السوء حتى لا يمسني ولكني عبد لا أدري ما عند ربي، ولا ما قضاه في وقدره لي، فكيف أدري غير ذلك وأتكلف علمه، وقيل المعنى: لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرفنيه لفعلته، وقيل: لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب، وقيل: لو كنت أعلم الغيب لأجبت عن كل ما أسأل عنه، والأولى حمل الآية على العموم فتندرج هذه الأمور وغيرها تحتها، وقد قيل إن " وما مسني السوء " كلام مستأنف أي ليس بي ما تزعمون من الجنون والأولى أنه متصل بما قبله، والمعنى: لو علمت الغيب ما مسنى السوء ولحذرت عنه كما قدمنا ذلك. قوله: "إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" أي ما أنا إلا مبلغ عن الله لأحكامه أنذر بها قوماً وأبشر بها آخرين ولست أعلم بغيب الله سبحانه، واللام في "لقوم" متعلق بكلا الصفتين: أي بشير لقوم، ونذير لقوم، وقيل هو متعلق ببشير، والمتعلق بنذير محذوف: أي نذير لقوم يكفرون، وبشير لقوم يؤمنون.
قوله: 189- "هو الذي خلقكم من نفس واحدة" هذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر نعم الله على عباده وعدم مكافأتهم لها مما يجب من الشكر والاعتراف بالعبودية وأنه المنفرد بالإلهية. قال جمهور المفسرين: المراد بالنفس الواحدة آدم، وقوله: "وجعل منها زوجها" معطوف على "خلقكم" أي هو الذي خلقكم من نفس آدم وجعل من هذه النفس زوجها، وهي حواء خلقها من ضلع من أضلاعه، وقيل المعنى "جعل منها" من جنسها كما في قوله: "جعل لكم من أنفسكم أزواجاً" والأول أولى "ليسكن إليها" علة للجعل: أي جعله منها لأجل يسكن إليها يأنس إليها ويطمئن بها فإن الجنس بجنسه أسكن وإليه آنس، وكان هذا في الجنة كما وردت بذلك الأخبار: ثم ابتدأ سبحانه بحالة أخرى كانت بينهما في الدنيا بعد هبوطهما، فقال: "فلما تغشاها"، والتغشي كناية عن الوقاع: أي فلما جامعها "حملت حملاً خفيفاً" علقت به بعد الجماع، ووصفه بالخفة لأنه عند إلقاء النطفة أخف منه عند كونه علقة، وعند كونه علقة أخف منه عند كونه مضغة وعند كونه مضغة أخف مما بعده وقيل: إنه خف عليها هذا الحمل من ابتدائه إلى انتهائه، ولم تجد منه ثقلاً كما تجده الحوامل من النساء لقوله: "فمرت به" أي استمرت بذلك الحمل تقوم وتقعد وتمضي في حوائجها لا تجد به ثقلاً، والوجه الأول أولى لقوله: "فلما أثقلت" فإن معناه: فلما صارت ذات ثقل لكبر الولد في بطنها، وقرئ فمرت به بالتخفيف: أي فجزعت لذلك، وقرئ فمارت به من المور، وهو المجيء والذهاب، وقيل المعنى: فاستمرت به. وقد رويت قراءة التخفيف عن ابن عباس ويحيى بن يعمر، ورويت قراءة فمارت عن عبد الله بن عمر، وروي عن ابن عباس أنه قرأ فاستمرت به قوله: "دعوا الله ربهما" جواب لما: أي دعا آدم وحواء ربهما ومالك أمرهما "لئن آتيتنا صالحاً" أي ولداً صالحاً، واللام جواب قسم محذوف، و "لنكونن من الشاكرين" جواب القسم ساد مسد جواب الشرط: أي من الشاكرين لك على هذه النعمة، وفي هذا الدعاء دليل على أنهما قد علما أن ما حدث في بطن حواء من أثر ذلك الجماع هو من جنسهما وعلما بثبوت النسل المتأثر عن ذلك السبب.
190- "فلما آتاهما" ما طلباه من الولد الصالح وأجاب دعاءهما "جعلا له شركاء فيما آتاهما". قال كثير من المفسرين: إنه جاء إبليس إلى حواء وقال لها: إن ولدت ولداً فسميه باسمي فقالت: وما اسمك؟ قال: الحرث ولو سمى لها نفسه لعرفته فسمته عبد الحرث، فكان هذا شركاً في التسمية ولم يكن شركاً في العبادة. وإنما قصدا أن الحرث كان سبب نجاة الولد كما يسمي الرجل نفسه عبد ضيفه كما قال حاتم الطائي: وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً وما في إلا تلك من شيمة العبد وقال جماعة من المفسرين: إن الجاعل شركاً فيما آتاهما هم جنس بني آدم كما وقع من المشركين منهم ولم يكن ذلك من آدم وحواء، ويدل على هذا جمع الضمير في قوله: "فتعالى الله عما يشركون" وذهب جماعة من الفسرين إلى أن معنى "من نفس واحدة" من هيئة واحدة وشكل واحد "وجعل منها زوجها" أي من جنسها "فلما تغشاها" يعني جنس الذكر جنس الأنثى، وعلى هذا لا يكون لآدم وحواء ذكر في الآية وتكون ضمائر التثنية راجعة إلى الجنسين. وقد قدمنا الإشارة إلى نحو هذا وذكرنا أنه خلاف الأولى لأمور منها "وجعل منها زوجها" بأن هذا إنما هو لحواء، ومنها "دعوا الله ربهما" فإن كل مولود يولد بين الجنسين لا يكون منهما عند مقاربة وضعه هذا الدعاء. وقد قرأ أهل المدينة وعاصم شركاً على التوحيد، وقرأ أبو عمرو وسائر أهل الكوفة بالجمع. وأنكر الأخفش سعيد القراءة الأولى، وأجيب عنه بأنها صحيحة على حذف المضاف: أي جعلا له ذا شرك، أو ذوي شرك.
والاستفهام في 191- "أيشركون ما لا يخلق شيئاً" للتقريع والتوبيخ: أي كيف يجعلون لله شريكاً لا يخلق شيئاً ولا يقدر على نفع لهم ولا دفع عنهم. قوله: "وهم يخلقون" عطف على "ما لا يخلق" والضمير راجع إلى الشركاء الذين لا يخلقون شيئاً: أي وهؤلاء الذين جعلوهم شركاء من الأصنام أو الشياطين مخلوقون، وجمعهم جمع العقلاء لاعتقاد من جعلهم شركاء أنهم كذلك.
192- "ولا يستطيعون لهم" أي لمن جعلهم شركاء "نصراً" إن طلبه منهم "ولا أنفسهم ينصرون" إن حصل عليهم شيء من جهة غيرهم، ومن عجز عن نصر نفسه فهو عن نصر غيره أعجز. وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: قال حمل بن أبي قيس وشمول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً كما تقول فإنا نعلم ما هي؟ فأنزل الله "يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي" إلى قوله: "ولكن أكثر الناس لا يعلمون". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة "أيان مرساها" أي متى قيامها؟ "قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو" قال: قالت قريش يا محمد أسر إلينا الساعة لما بيننا وبينك من القرابة؟ قال: "يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله" وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "تهيج الساعة بالناس والرجل يسقى على ماشيته، والرجل يصلح حوضه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه، والرجل يقيم سلعته في السوق قضاء الله لا تأتيكم إلا بغتة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أيان مرساها" قال: منتهاها. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد "لا يجليها لوقتها إلا هو" يقول: لا يأتي بها إلا الله. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هو يجليها لوقتها لا يعلم ذلك إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ثقلت في السموات والأرض" قال: ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ثقلت في السموات والأرض" قال: ثقل علمها على أهل السموات والأرض يقول كبرت عليهم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: "ثقلت في السموات والأرض" قال: إذا جاءت انشقت السماء، وانتثرت النجوم، وكورت الشمس، وسيرت الجبال، وما يصيب الأرض، وكان ما قال الله سبحانه فذلك ثقلها فيهما. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "لا تأتيكم إلا بغتة" قال: فجأة آمنين. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في البعث عن مجاهد في قوله: "كأنك حفي عنها" قال: استحفيت عنها السؤال حتى علمتها. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "كأنك حفي عنها" يقول: كأنك عالم بها: أي لست تعلمها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عنه "كأنك حفي عنها" قال: لطيف بها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عنه أيضاً "كأنك حفي عنها" يقول: كأن بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم، قال: لما سأل الناس محمداً صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم، فأوحى الله إليه "إنما علمها عند الله" استأثر بعلمها فلم يطلع ملكاً ولا رسولاً. وأخرج عبد بن حميد عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرأ: كأنك حفي بها. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن جريج "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً" قال: الهدى والضلالة "ولو كنت أعلم الغيب" متى أموت "لاستكثرت من الخير" قال: العمل الصالح. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير" قال: لعلمت إذا اشتريت شيئاً ما أربح فيه فلا أبيع شيئاً لا ربح فيه "وما مسني السوء" قال: لاجتنبت ما يكون من الشر قبل أن يكون. وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم والروياني والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما ولدت حواء طاف بها إبليس، وكان لا يعيش لها ولد، فقال: سميه عبد الحرث فإنه يعيش، فسمته عبد الحرث فعاش، فكان ذلك من وحي الشيطان وأمره". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن سمرة في قوله: "فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاءً" قال: سمياه عبد الحرث. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن أبي بن كعب نحو حديث سمرة المرفوع موقوفاً عليه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: حملت حواء فأتاها إبليس فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعنني أو لأجعلن له قرني أيل فيخرج من بطنك فيشقه ولأفعلن ولأفعلن يخوفهما، سمياه عبد الحرث، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما أيضاً فقال مثل ذلك، فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتاً، ثم حملت فأتاهما فذكر لهما فأدركهما حب الولد فسمياه عبد الحرث، فذلك قوله: "جعلا له شركاء فيما آتاهما". وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: كان هذا في بعض أهل الملل وليس بآدم. وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن سمرة في قوله: "حملت حملاً خفيفاً" لم يستبن "فمرت به" لما استبان حملها. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فمرت به" قال: فشكت أحملت أم لا. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن أيوب قال: سئل الحسن عن قوله: "فمرت به" قال: لو كنت عربياً لعرفتها إنما هي استمرت بالحمل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "حملت حملاً خفيفاً" قال: هي النطفة "فمرت به" يقول: استمرت به. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "فمرت به" يقول: استخفته. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي صالح في قوله: "لئن آتيتنا صالحاً" فقال: أشفقا أن يكون بهيمة، فقالا: لئن آتيتنا بشراً سوياً. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: غلاماً سوياً. وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله: "جعلا له شركاء" قال: كان شريكاً في طاعة ولم يكن شريكاً في عبادة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: ما أشرك آدم إن أولها شكر، وآخرها مثل ضربه لمن بعده. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "فتعالى الله عما يشركون" هذا فصل من آية آدم خاصة في آلهة العرب. وأخرج ابن أبي مالك نحوه. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن الحسن في الآية قال: هذا في الكفار يدعون الله فإذا آتاهما صالحاً هودا أو نصرا، ثم قال: "أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يخلقون" يقول: يطيعون ما لا يخلق شيئاً، وهي الشياطين لا تخلق شيئاً وهي تخلق "ولا يستطيعون لهم نصراً" يقول: لمن يدعوهم.
قوله: 193- "وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم" هذا خطاب للمشركين: أي وإن تدعوا هؤلاء الشركاء إلى الهدى والرشاد بأن تطلبوا منهم أن يهدوكم ويرشدوكم لا يتبعوكم ولا يجيبوكم إلى ذلك، وهو دون ما تطلبونه منهم من جلب النفع ودفع الضر، والنصر على الأعداء. قال الأخفش معناه وإن تدعوهم: أي الأصنام إلى الهدى لا يتبعوكم، وقيل: المراد من سبق في علم الله أنه لا يؤمن. وقرئ لا يتبعوكم مشدداً ومخففاً وهما لغتان. وقال بعض أهل اللغة أتبعه مخففاً: إذا مضى خلفه ولم يدركه، واتبعه مشدداً: إذا مضى خلفه فأدركه، وجملة "سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون" مقررة لمضمون ما قبلها: أي دعاؤكم لهم عند الشدائد وعدمه سواء لا فرق بينهما، لأنهم لا ينفعون ولا يضرون ولا يسمعون ولا يجيبون، وقال: "أم أنتم صامتون" مكان أصمتم لما في الجملة الإسمية من المبالغة. وقال محمد بن يحيى: إنما جاء بالجملة الإسمية لكونها رأس آية، يعني لمطابقة "ولا أنفسهم ينصرون" وما قبله.
قوله: 194- "إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم" أخبرهم سبحانه بأنه هؤلاء الذين جعلتموهم آلهة هم عباد لله كما أنتم عباد له مع أنكم أكمل منهم، لأنكم أحياء تنطقون وتمشون وتسمعون وتبصرون، وهذه الأصنام ليست كذلك، ولكنها مثلكم في كونها مملوكة لله مسخرة لأمره، وفي هذا تقريع لهم بالغ وتوبيخ لهم عظيم، وجملة "فادعوهم فليستجيبوا لكم" مقررة لمضمون ما قبلها من أنهم إن دعوهم إلى الهدى لا يتبعوهم، وأنهم لا يستطيعون شيئاً: أي ادعوا هؤلاء الشركاء، فإن كانوا كما تزعمون "فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين" فيما تدعونه لهم من قدرتهم على النفع والضر.
والاستفهام في قوله: 195- "ألهم أرجل" وما بعده للتقريع والتوبيخ: أي هؤلاء الذين جعلتموهم شركاء ليس لهم شيء من الآلات التي هي ثابتة لكم فضلاً عن أن يكونوا قادرين على ما تطلبونه منهم، فإنهم كما ترون هذه الأصنام التي تعكفون على عبادتها ليست لهم "أرجل يمشون بها" في نفع أنفسهم فضلاً عن أن يمشوا في نفعكم وليس "لهم أيد يبطشون بها" كما يبطش غيرهم من الأحياء، وليس "لهم أعين يبصرون بها" كما تبصرون، وليس "لهم آذان يسمعون بها" كما تسمعون، فكيف تدعون من هم على هذه الصفة من سلب الأدوات، وبهذه المنزلة من العجز، وأم في هذه المواضع هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة كما ذكره أئمة النحو. وقرأ سعيد بن جبير "إن الذين تدعون" بتخفيف إن ونصب عباداً: أي ما الذين تدعون " من دون الله عباد أمثالكم " على إعمال إن النافية عمل ما الحجازية وقد ضعفت هذه القراءة بأنها خلاف ما رجحه سيبويه وغيره من اختيار الرفع في خبرها، وبأن الكسائي قال: إنها لا تكاد تأتي في كلام العرب بمعنى ما إلا أن يكون بعدها إيجاب كما في قوله: "إن الكافرون إلا في غرور"، والبطش: الأخذ بقوة. وقرأ أبو جعفر "يبطشون" بضم الطاء، وهي لغة، ثم لما بين لهم حال هذه الأصنام، وتعاور وجوه النقص والعجز لها من كل باب، أمره الله بأن يقول لهم ادعوا شركاءكم الذين تزعمون أن لهم قدرة على النفع والضر "ثم كيدون" أنتم وهم جميعاً بما شئتم من وجوه الكيد "فلا تنظرون" أي فلا تمهلوني ولا تؤخرون إنزال الضرر بي من جهتها، والكيد: المكر، وليس بعد هذا التحدي لهم والتعجيز لأصنامهم شيء.