تفسير الطبري تفسير الصفحة 175 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 175
176
174
 الآية : 188
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لاّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاّ مَا شَآءَ اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسّنِيَ السّوَءُ إِنْ أَنَاْ إِلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }..
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لسائلـيك عن الساعة أيّان مرساها: لا أمْلِك لِنَفْسِي نَفْعا وَة ضَرّا يقول: لا أقدر علـى اجتلاب نفع إلـى نفسي, ولا دفع ضرّ يحلّ بها عنها إلاّ ما شاء الله أن أملكه من ذلك بأن يقوّينـي علـيه ويعيننـي. وَلَوْ كُنْتُ أعْلَـمُ الغَيْبَ يقول: لو كنت أعلـم ما هو كائن مـما لـم يكن بعد لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الـخَيْرِ يقول: لأعددت الكثـير من الـخير.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـخير الذي عناه الله بقوله: لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الـخَيْرِ فقال بعضهم: معنى ذلك: لاستكثرت من العمل الصالـح. ذكر من قال ذلك.
12098ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: قوله: قُلْ لا أمْلِك لِنَفْسِي نَفْعا وَلا ضَرّا قال: الهدى والضلالة. لَوْ كُنْتُ أعْلَـمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الـخَيْرِ قال: أعلـم الغيب متـى أموت لاستكثرت من العمل الصالـح.
12099ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
12100ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَوْ كُنْتُ أعْلَـمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الـخَيْرِ وَما مَسّنِـيَ السّوءُ: قال: لاجتنبت ما يكون من الشرّ واتقـيته.
وقال آخرون: معنى ذلك: ولو كنت أعلـم الغيب لأعددت للسنّة الـمـجدبة من الـمخصبة, ولعرفت الغلاء من الرخص, واستعددت له فـي الرخص.
وقوله: وَما مَسّنِـيَ السّوءُ يقول: وما مسنـي الضرّ. إنْ أنا إلاّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ يقول: ما أنا إلاّ رسول الله أرسلنـي إلـيكم, أنذر عقابه من عصاه منكم وخالف أمره, وأبشر بثوابه وكرامته من آمن به وأطاعة منكم. قولوه: لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول: يصدّقون بأنـي لله رسول, ويقرّون بحقـية ما جئتهم به من عنده.
الآية : 189
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماّ تَغَشّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرّتْ بِهِ فَلَمّآ أَثْقَلَتْ دّعَوَا اللّهَ رَبّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لّنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: هُوَ الّذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ. يعنـي بـالنفس الواحدة: آدم كما:
12101ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد: خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ قال: آدم علـيه السلام.
12102ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هُوَ الّذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ من آدم.
ويعنـي بقوله: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها: وجعل من النفس الواحدة, وهو آدم, زوجها حوّاء كما:
12103ـ حدثنـي بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها: حوّاء, فجُعلت من ضِلَع من أضلاعه لـيسكن إلـيها.
ويعنـي بقوله: لِـيَسْكُنَ إلَـيْها: لـيأوى إلـيها لقضاء الـحاجة ولذّته. ويعنـي بقوله: فَلَـمّا تَغَشّاها فلـما تدثرها لقضاء حاجته منها فقضى حاجته منها, حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِـيفـا وفـي الكلام مـحذوف ترك ذكره استغناء بـما ظهر عما حذف, وذلك قوله: فَلَـمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ وإنـما الكلام: فلـما تغشاها فقضى حاجته منها حملت. وقوله: حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِـيفـا يعنـي بخفة الـحمل: الـماء الذي حملته حوّاء فـي رحمها من آدم أنه كان حملاً خفـيفـا, وكذلك هو حمل الـمرأة ماء الرجل خفـيف علـيها. وأما قوله: فَمَرّتْ بِهِ فإنه يعنـي: استـمرّت بـالـماء: قامت به وقعدت, وأتـمت الـحمل. كما:
12104ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن أبـي عمير, عن أيوب, قال: سألت الـحسن عن قوله: حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِـيفـا فَمَرّتْ بِهِ قال: لو كنت امرأً عربـيّا لعرفت ما هي, إنـما هي: فـاستـمرّت به.
12105ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَلَـمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِـيفـا فَمَرّتْ بِهِ استبـان حملها.
12106ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَمَرتْ بِهِ قال: استـمرّ حملها.
12107ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِـيفـا قال: هي النطفة. وقوله فَمَرتْ بِهِ يقول: استـمرّت به.
وقال آخرون: معنى ذلك: فشكّت فـيه. ذكر من قال ذلك.
12108ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, فـي قوله: فَمَرّتْ بِهِ قال: فشكت أحملت أم لا.
ويعنـي بقوله: فَلَـمّا أثْقَلَتْ فلـما صار ما فـي بطنها من الـحمل الذي كان خفـيفـا ثقـيلاً ودنت ولادتها, يقال منه: أثقلت فلانة إذا صارت ذات ثقل بحملها كما يقال: أتـمر فلان: إذا صار ذا تـمر. كما:
12109ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَلَـمّا أثْقَلَتْ: كبر الولد فـي بطنها.
قال أبو جعفر: دَعَوَا اللّهَ رَبّهُما, يقول: نادى آدم وحوّاء ربهما وقالا: يا ربنا لئن آتـيتنا صالـحا لنكوننّ من الشاكرين.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى الصلاح الذي أقسم آدم وحوّاء علـيهما السلام أنه إن آتاهما صالـحا فـي حمل حوّاء لنكوننّ من الشاكرين. فقال بعضهم: ذلك هو أن يكون الـحمل غلاما. ذكر من قال ذلك.
12110ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, قال: قال الـحسن, فـي قوله: لَئِنْ آتَـيْتَنا صَالِـحا قال: غلاما.
وقال آخرون: بل هو أن يكون الـمولود بشرا سويّا مثلهما, ولا يكون بهيـمة. ذكر من قال ذلك.
12111ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن زيد بن جبـير الـحسمي, عن أبـي البَخْتري, فـي قوله: لَئِنْ آتَـيْتَنا صَالِـحا لَنَكُونَنّ مِن الشّاكِرِينَ قال: أشفقا أن يكون شيئا دون الإنسان.
قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن سفـيان, عن زيد بن جبـير, عن أبـي البَخْتري, قال: أشفقا أن لا يكون إنسانا.
12112ـ قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد, عن إسماعيـل, عن أبـي صالـح, قال: لـما حملت امرأة آدم فأثقلت, كان يشفقان أن يكون بهيـمة, فَدَعَوَا رَبّهُما لَئنْ آتَـيْتَنا صَالِـحا... الاَية.
12113ـ قال: حدثنا جابر بن نوح, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: أشفقا أن يكون بهيـمة.
12114ـ حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال سعيد بن جبـير: لـما هبط آدم وحوّاء, أُلقـيت الشهوة فـي نفسه فأصابها, فلـيس إلاّ أن أصابها حملت, فلـيس إلاّ أن حملت تـحرّك فـي بطنها ولدها, قالت: ما هذا؟ فجاءها إبلـيس, فقال: أترين فـي الأرض إلاّ ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة؟ هو بعض ذلك. قالت: والله ما منى شيء إلاّ وهو يضيق عن ذلك. قال: فأطيعينـي وسميه عبد الـحرث تلدي شِبْهكما مثلكما قال: فذكرت ذلك لاَدم علـيه السلام, فقال: هو صاحبنا الذي قد أخرجنا من الـجنة. فمات, ثم حملت بآخر, فجاءها فقال: أطيعينـي وسميه عبد الـحرث وكان اسمه فـي الـملائكة الـحارث وإلاّ ولدتِ ناقة أو بقرة أو ضائنة أو ماعزة, أو قتلتُه, فإنـي أنا قتلت الأول قال: فذكرت ذلك لاَدم, فكأنه لـم يكرهه, فسمّته عبد الـحرث, فذلك قوله: لَئِنْ آتَـيْتَنا صَالِـحا يقول: شبهنا مثلنا, فلـما آتَاهُمَا صَالِـحا قال: شِبْههما مثلهما.
12115ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَلَـمّا أثْقَلَتْ كبر الولد فـي بطنها جاءها إبلـيس, فخوّفها وقال لها: ما يدريك ما فـي بطنك, لعله كلب أو خنزير أو حمار؟ وما يدريك من أين يخرج؟ أمن دبرك قـيقتلك, أو من قُبلك, أو ينشقّ بطنك فـيقتلك؟ فذلك حين دَعَوَا اللّهَ رَبّهُما لَئِنْ آتَـيْتَنا صَالِـحا يقول: مثلنا, لَنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن آدم وحوّاء أنهما دعوا الله ربهما بحمل حَوّاء, وأقسما لئن أعطاهما فـي بطن حوّاء صالـحا لـيكونان لله من الشاكرين. والصلاح قد يشمل معانـي كثـيرة: منها الصلاح فـي استواء الـخـلق. ومنها الصلاح فـي الدين, والصلاح فـي العقل والتدبـير. وإذ كان ذلك كذلك, ولا خبر عن الرسول يوجب الـحجة بأن ذلك علـى بعض معانـي الصلاح دون بعض, ولا فـيه من العقل دلـيـل وجب أن يَعُمّ كما عمه الله, فـيقال إنهما قالا لئن آتـيتنا صالـحا بجميع معانـي الصلاح.
وأما معنى قوله: لَنَكُونَنّ مِنَ الشاكِرِينَ فإنه لنكوننّ مـمن يشكرك علـى ما وهبت له من الولد صالـحا.
الآية : 190
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّآ آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَآءَ فِيمَآ آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: فلـما رزقهما الله ولدا صالـحا كما سألا جعلا له شركاء فـيـما آتاهما ورزقهما.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الشركاء التـي جعلاها فـيـما أوتـيا من الـمولود, فقال بعضهم: جعلا له شركاء فـي الاسم. ذكر من قال ذلك.
12116ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الصمد, قال حدثنا عمر بن إبراهيـم, عن قتادة, عن الـحسن, عن سمرة بن جندب, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «كانَتْ حَوّاءُ لا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ, فَنَذَرَتْ لَئِنْ عاشَ لَهَا وَلَدٌ لَتُسَمّيَنه عَبْدَ الـحَرْثِ, فعاشَ لَهَا وَلَدٌ, فَسَمّتْهُ عَبْدَ الـحَرْثِ, وإنّـمَا كانَ ذلكَ مِنْ وَحْيِ الشّيْطانِ».
12117ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا معتـمر, عن أبـيه, قال: حدثنا أبو العلاء, عن سَمُرة بن جندب: أنه حدث أن آدم علـيه السلام سمى ابنه عبد الـحرث.
قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي العلاء بن الشّخيّر, عن سمرة بن جندب, قال: سمى آدم ابنه: عبد الـحرث.
12118ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن داود بن الـحصين, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: كانت حوّاء تلد لاَدم, فتعبّدهم لله, وتسميه عبد الله وعُبـيد الله ونـحو ذلك, فـيصيبهم الـموت, فأتاها إبلـيسُ وآدمَ, فقال: إنكما لو تسميانه بغير الذي تسميانه لعاش فولدت له رجلاً, فسماه عبد الـحرث, ففـيه أنزل الله تبـارك وتعالـى: هُوَ الّذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ... إلـى قوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا... إلـى آخر الاَية.
12119ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله فـي آدم: هُوَ الذِي خَـلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ... إلـى قوله: فَمَرّتْ بِهِ فشكّت أحبلت أم لا؟ فَلَـمّا أثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبّهُما لَئِنْ آتَـيْتَنا صَالِـحا... الاَية, فأتاهما الشيطان فقال: هل تدريان ما يولد لكما أم هل تدريان ما يكون أبهيـمة تكون أم لا؟ وزين لهما البـاطل إنه غويّ مبـين. وقد كانت قبل ذلك ولد ولدين فماتا, فقال لهما الشيطان: إنكما إن لـم تسمياه بـي لـم يخرج سويّا ومات كما مات الأوّلان فسميا ولديهما عبد الـحرث فذلك قوله: فَلَـمّا آتاهُمَا صَالِـحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا... الاَية.
12120ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: لـما وُلد له أوّل ولد, أتاه إبلـيس فقال: إنـي سأنصح لك فـي شأن ولدك هذا تسميه عبد الـحرث فقال آدم: أعوذ بـالله من طاعتك قال ابن عبـاس: وكان اسمه فـي السماء الـحارث. قال آدم: أعوذ بـالله من طاعتك إنـي أطعتك فـي أكل الشجرة, فأخرجتنـي من الـجنة, فلن أطيعك. فمات ولده, ثم وُلد له بعد ذلك ولد آخر, فقال: أطعنـي وإلاّ مات كما مات الأوّل فعصاه, فمات, فقال: لا أزال أقتلهم حتـى تسميه عبد الـحرث. فلـم يزل به حتـى سماه عبد الـحرث, فذلك قوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا: أشركه فـي طاعته فـي غير عبـادة, ولـم يُشرك بـالله, ولكن أطاعه.
12121ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن هارون, قال: أخبرنا الزبـير بن الـخريت, عن عكرمة, قال: ما أشرك آدمُ ولا حوّاء, وكان لا يعيش لهما ولد, فأتاهما الشيطان فقال: إن سرّكما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الـحرث فهو قوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا.
12122ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فَلَـمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِـيفـا قال: كان آدم علـيه السلام لا يولد له ولد إلاّ مات, فجاءه الشيطان, فقال: إن سرّك أن يعيش ولدك هذا, فسميه عبد الـحرث ففعل, قال: فأشركا فـي الاسم ولـم يُشركا فـي العبـادة.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَلَـمّا آتاهُمَا صَالـحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا ذُكر لنا أنه كان لا يعيش لهما ولد, فأتاهما الشيطان, فقال لهما: سمياه عبد الـحرث وكان من وحي الشيطان وأمره, وكان شركا فـي طاعته, ولـم يكن شركا فـي عبـادته.
12123ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَلَـمّا آتاهُمَا صَالِـحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ قال: كان لا يعيش لاَدم وامرأته ولد, فقال لهما الشيطان: إذا ولد لكما ولد, فسمياه عبد الـحرث ففعلا وأطاعاه, فذلك قول الله: فَلَـمّا آتاهُمَا صَالِـحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ... الاَية.
12124ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن سالـم بن أبـي حفصة, عن سعيد بن جبـير, قوله: أثْقَلَتْ دَعَوَا اللّهَ رَبّهُما... إلـى قوله تعالـى: فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ قال: لـما حملت حوّاء فـي أوّل ولد ولدته حين أثقلت, أتاها إبلـيس قبل أن تلد, فقال: يا حوّاء ما هذا الذي بطنك؟ فقالت: ما أدري. فقال: من أين يخرج؟ من أنفك, أو من عينك, أو من أذنك؟ قالت: لا أدري. قال: أرأيت إن خرج سلـيـما أتطيعينـي أنت فـيـما آمرك به؟ قالت: نعم. قال: سميه عبد الـحرث وقد كان يسمى إبلـيس الـحرث, فقالت: نعم. ثم قالت بعد ذلك لاَدم: أتانـي آت فـي النوم فقال لـي كذا وكذا, فقال: إن ذلك الشيطان فـاحذريه, فإنه عدوّنا الذي أخرجنا من الـجنة ثم أتاها إبلـيس, فأعاد علـيها, فقالت: نعم. فلـما وضعته أخرجه الله سلـيـما, فسمته عبد الـحرث, فهو قوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ.
12125ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير وابن فضيـل, عن عبد الـملك, عن سعيد بن جبـير, قال: قـيـل له: أشرك آدم؟ قال: أعوذ بـالله أن أزعم أن آدم أشرك ولكن حوّاء لـما أثقلت, أتاها إبلـيس فقال لها: من أين يخرج هذا, من أنفك أو من عينك أو من فـيك؟ فقنطها, ثم قال: أرأيت إن خرج سويّا زاد ابن فضيـل لـم يضرّك ولـم يقتلك أتطيعينـي؟ قالت: نعم. قال: فسميه عبد الـحرث ففعلت. زاد جرير: فإنـما كان شركه فـي الاسم.
12126ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: فولدت غلاما, يعنـي حوّاء, فأتاهما إبلـيس فقال: سموه عبدي وإلاّ قتلته قال له آدم علـيه السلام: قد أطعتك وأخرجتنـي من الـجنة, فأبى أن يطيعه, فسماه عبد الرحمن, فسلط الله علـيه إبلـيس فقتله. فحملت بآخر فلـما ولدته قال لها: سميه عبدي وإلاّ قتلته قال له آدم: قد أطعتك فأخرجتنـي من الـجنة. فأبى, فسماه صالـحا فقتله. فلـما أن كان الثالث, قال لهما: فإذا غُلبتـم فسموه عبد الـحرث وكان اسمَ إبلـيس وإنـما سمي إبلـيس حين أُبلس. ففعلوا, فذلك حين يقول الله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا يعنـي فـي التسمية.
وقال آخرون: بل الـمعنـيّ بذلك رجل وامرأة من أهل الكفر من بنـي آدم جعلا لله شركاء من الاَلهة والأوثان حين رزقهما فـارزقهما من الولد. وقالوا: معنى الكلام: هو الذي خـلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها لـيسكن إلـيها, فلـما تغشاها: أي هذا الرجل الكافر, حملت حملاً خفـيفـا, فلـما أثقلت دعوتـما الله ربكما. قالوا: وهذا مـما ابتدىء به الكلام علـى وجه الـخطاب, ثم ردّ إلـى الـخبر عن الغائب, كما قـيـل: هُوَ الّذِي يُسَيّرُكُمْ فِـي البَرّ والبَحْرِ حتـى إذَا كُنْتُـمْ فِـي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيّبَةٍ. وقد بـيّنا نظائر ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل. ذكر من قال ذلك.
12127ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا سهل بن يوسف, عن عمرو, عن الـحسن: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا قال: كان هذا فـي بعض أهل الـملل, ولـم يكن بآدم.
12128ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, قال: قال الـحسن: عنـي بهذا ذرية آدم, من أشرك منهم بعده. يعنـي بقوله: فَلَـمّا آتاهُمَا صَالِـحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا.
12129ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان الـحسن يقول: هم الـيهود والنصارى, رزقهم الله أولادا فهوّدوا ونصروا.
قال أبو جعفر: وأولـى القولـين بـالصواب قول من قال: عنـي بقوله: فَلَـمّا آتاهُمَا صَالِـحا جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فـي الاسم لا فـي العبـادة, وأن الـمعنـيّ بذلك آدم وحوّاء لإجماع الـحجة من أهل التأويـل علـى ذلك.
فإن قال قائل: فما أنت قائل إذ كان الأمر علـى ما وصفت فـي تأويـل هذه الاَية, وأن الـمعنـيّ بها آدم وحوّاء فـي قوله: فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ؟ أهو استنكاف من الله أن يكون له فـي الأسماء شريك أو فـي العبـادة؟ فإن قلت فـي الأسماء دلّ علـى فساده قوله: أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْـلُقُ شَيْئا وَهُمْ يُخْـلَقُونَ وإن قلت فـي العبـادة, قـيـل لك: أفكان آدم أشرك فـي عبـادة الله غيره؟ قـيـل له: إن القول فـي تأويـل قوله: فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ لـيس بـالذي ظننت, وإنـما القول فـيه: فتعالـى الله عما يشرك به مشركو العرب من عبدة الأوثان. فأما الـخبر عن آدم وحوّاء فقد انقضى عند قوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا ثم استؤنف قوله: فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ. كما:
12130ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ يقول: هذه فصل من آية آدم خاصة فـي آلهة العرب.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: شُرَكاءَ فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الـمكيـين والكوفـيـين: «جَعَلا لَهُ شِرْكا» بكسر الشين, بـمعنى الشركة. وقرأه بعض الـمكيـين وعامة قرّاء الكوفـيـين وبعض البصريـين: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ بضمّ الشين, بـمعنى جمع شريك.
وهذه القراءة أولـى القراءتـين بـالصواب, لأن القراءة لو صحت بكسر الشين لوجب أن يكون الكلام: فلـما آتاهما صالـحا جعلا لغيره فـيه شركا لأن آدم وحوّاء لـم يَدينا بأن ولدهما من عطية إبلـيس ثم يجعلا لله فـيه شركا لتسميتهما إياه بعبد الله, وإنـما كانا يدينان لا شكّ بأن ولدهما من رزق الله وعطيته, ثم سمياه عبد الـحرث, فجعلا لإبلـيس فـيه شركا بـالاسم, فلو كانت قراءة من قرأ: «شِرْكا» صحيحة وجب ما قلنا أن يكون الكلام: جعلا لغيره فـيه شركا, وفـي نزول وحي الله بقوله: جَعَلا لَهُ ما يوضح عن أن الصحيح من القراءة: شُرَكاءَ بضم الشين علـى ما بـينت قبل.
فإن قال قائل: فإن آدم وحوّاء إنـما سميا ابنهما عبد الـحرث, والـحرث واحد, وقوله: شُرَكاءَ جماعة, فكيف وصفهما جلّ ثناؤه بأنهما جعلا له شركاء, وإنـما أشركا واحدا؟ قـيـل: قد دللنا فـيـما مضى علـى أن العرب تـخرج الـخبر عن الواحد مخرج الـخبر عن الـجماعة إذا لـم تقصد واحدا بعينه ولـم تسمه, كقوله: الّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ وإنـما كان القائل ذلك واحدا, فأخرج الـخبر مخرج الـخبر عن الـجماعة, إذ لـم يقصد قصده, وذلك مستفـيض فـي كلام العرب وأشعارها.
وأما قوله: فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ فتنزيه من الله تبـارك وتعالـى نفسه, وتعظيـم لها عما يقول فـيه الـمبطلون ويدعون معه من الاَلهة والأوثان. كما:
12131ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ قال: هو الإنكاف, أنكف نفسه جلّ وعزّ, يقول: عظم نفسه, وأنكفته الـملائكة وما سبح له.
12132ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, قال: سمعت صدقة يحدّث عن السديّ, قال: هذا من الـموصول والـمفصول قوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِـيـما آتاهُمَا فـي شأن آدم وحوّاء, ثم قال الله تبـارك وتعالـى: فَتَعالـى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ قال: عما يشرك الـمشركون, ولـم يعنهما.
الآية : 191
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: أيشركون فـي عبـادة الله, فـيعبدون معه ما لا يخـلق شيئا والله يخـلقها وينشئها, وإنـما العبـادة الـخالصة للـخالق لا للـمخـلوق؟
وكان ابن زيد يقول فـي ذلك بـما: 12133ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قال: وُلد لاَدم وحوّاء ولد, فسمّياه عبد الله, فأتاهما إبلـيس فقال: ما سميتـما يا آدم ويا حوّاء ابنكما؟ قال: وكان وُلد لهما قبل ذلك ولد, فسمياه عبد الله, فمات فقالا: سميناه عبد الله. فقال إبلـيس: أتظنان أن الله تارك عبده عندكما؟ لا والله لـيذهبن به كما ذهب بـالاَخر ولكن أدلكما علـى اسم يبقـى لكما ما بقـيتـما؟ فسمياه عبد شمس قال: فذلك قول الله تبـارك وتعالـى: أيُشْرِكُونَ ما لا يَخْـلُقُ شَيْئا وَهُمْ يُخْـلَقُونَ الشمس تـخـلق شيئا حتـى يكون لها عبد؟ إنـما هي مخـلوقة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خَدَعَهُما مَرّتَـيْنِ: خَدَعَهُما فِـي الـجَنّةِ, وَخَدَعَهُما فِـي الأرْضِ».
وقـيـل: وَهُمْ يُخْـلَقُونَ, فأخرج مكنـيهم مخرج مكنّى بنـي آدم, وقد قال: أيُشْرِكُونَ ما فأخرج ذكرهم ب «ما» لا ب «من» مخرج الـخبر عن غير بنـي آدم, لأن الذي كانوا يعبدونه إنـما كان حجرا أو خشبـا أو نـجاسا, أو بعض الأشياء التـي يخبر عنها ب «ما» لا ب «من», فقـيـل لذلك «ما», ثم قـيـل: «وهم», فأخرجت كنايتهم مخرج كناية بنـي آدم, لأن الـخبر عنها بتعظيـم الـمشركين إياها نظير الـخبر عن تعظيـم الناس بعضهم بعضا.
الآية : 192
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْراً وَلاَ أَنْفُسَهُمْ يَنصُرُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: أيشرك هؤلاء الـمشركون فـي عبـادة الله ما لا يخـلق شيئا من خـلق الله, ولا يستطيع أن ينصرهم إن أراد الله بهم سوءا أو أحلّ بهم عقوبة, ولا هو قادر إن أراد به سوءا نصر نفسه ولا دفع ضرّ عنها, وإنـما العابد يعبد ما يعبده لاجتلاب نفع منه أو لدفع ضرّ منه عن نفسه, وآلهتهم التـي يعبدونها ويشركونها فـي عبـادة الله لا تنفعهم ولا تضرّهم, بل لا تـجتلب إلـى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرّا, فهي من نفع غير أنفسها أو دفع الضرّ عنها أبعد. يعجّب تبـارك وتعالـى خـلقه من عظيـم خطإ هؤلاء الذين يشركون فـي عبـادتهم الله غيره.
الآية : 193
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىَ لاَ يَتّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ }..
يقول تعالـى ذكره فـي وصفه وعيبه ما يشرك هؤلاء الـمشركون فـي عبـادتهم ربهم إياه: ومن صفته أنكم أيها الناس إن تدعوهم إلـى الطريق الـمستقـيـم, والأمر الصحيح السديد لا يَتّبِعُوكُمْ لأنها لـيست تعقل شيئا, فتترك من الطرق ما كان عن القصد منعدلاً جائرا, وتركب ما كان مستقـيـما سديدا. وإنـما أراد الله جلّ ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها تنبـيههم علـى عظيـم خطئهم, وقُبح اختـيارهم, يقول جلّ ثناؤه: فكيف يهديكم إلـى الرشاد من إن دعي إلـى الرشاد وعرفه لـم يعرفه, ولـم يفهم رشادا من ضلال, وكان سواءً دعاء داعيه إلـى الرشاد وسكوته, لأنه لا يفهم دعاءه, ولا يسمع صوته, ولا يعقل ما يقال له؟ يقول: فكيف يُعبد من كانت هذه صفته, أم كيف يشكل عظيـم جهل من اتـخذ ما هذه صفته إلها؟ وإنـما الربّ الـمعبود هو النافع من يعبده, الضارّ من يعصيه, الناصر ولـيه, الـخاذل عدوّه, الهادي إلـى الرشاد من أطاعه, السامع دعاء من دعاه. وقـيـل: سَوَاءٌ عَلَـيْكُمْ أدَعَوْتُـموهُمْ أمْ أنْتُـمْ صَامِتُونَ فعطف بقوله: «صامتون», وهو اسم علـى قوله: «أدعوتـموهم», وهو فعل ماض, ولـم يقل: أم صَمَتّـم, كما قال الشاعر:
سَوَاءٌ عَلَـيْكَ القَـفْرُ أمْ بِتّ لَـيْـلَةًبأهْلِ القِبـابِ مِنْ نُـمَيْرِ بْنِ عامِرِ
وقد ينشد: «أم أنت بـائت».
الآية : 194
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }..
يقول جلّ ثناؤه لهؤلاء الـمشركين من عبدة الأوثان موبخهم علـى عبـادتهم ما لا يضرّهم ولا ينفعهم من الأصنام: إن الذين تدعون أيها الـمشركون آلهة من دون الله, وتعبدونها شركا منكم وكفرا بـالله, عِبَـادٌ أمْثَالُكُمْ يقول: هم أملاك لربكم, كما أنتـم له مـمالـيك. فإن كنتـم صادقـين أنها تضرّ وتنفع وأنها تستوجب منكم العبـادة لنفعها إياكم, فلـيستـجيبوا لدعائكم إذا دعوتـموهم, فإن لـم يستـجيبوا لكم لأنها لا تسمع دعاءكم, فأيقنوا بأنها لا تنفع ولا تضرّ لأن الضرّ والنفع إنـما يكونان مـمن إذا سئل سمع مسألة سائل وأعطى وأفضل ومن إذا شُكِيَ إلـيه من شيء سمع فضرّ من استـحقّ العقوبة ونفع من لا يستوجب الضرّ.
الآية : 195
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَآ أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ }..
يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الذين عبدوا الأصنام من دونه معرّفهم جهل ما هم علـيه مقـيـمون: ألأصنامكم هذه أيها القوم أرْجُلٌ يَـمْشُونَ بِها فـيسعون معكم ولكم فـي حوائجكم ويتصرّفون بها فـي منافعكم, أمْ لَهُمْ أيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها فـيدفعون عنكم وينصرونكم بها عند قصد من يقصدكم بشرّ ومكروه, أمْ لَهُمْ أعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِها فـيعرّفوكم ما عاينوا وأبصروا مـما تغيبون عنه فلا ترونه, أمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِها فـيخبروكم بـما سمعوا دونكم مـما لـم تسمعوه؟ يقول جلّ ثناؤه: فإن كانت آلهتكم التـي تعبدونها لـيس فـيها شيء من هذه الاَلات التـي ذكرتها, والـمعظّم من الأشياء إنـما يعظّم لـما يرجى منه من الـمنافع التـي توصل إلـيه بعض هذه الـمعانـي عندكم, فما وجه عبـادتكم أصنامكم التـي تعبدونها, وهي خالـية من كلّ هذه الأشياء التـي بها يوصل إلـى اجتلاب النفع ودفع الضرّ؟
وقوله: قُلْ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ ثُمّ كِيدُونِ أنتـم وهن, فَلا تُنْظِرُونِ يقول: فلا تؤخرون بـالكيد والـمكر, ولكن عجلوا بذلك. يُعلـمه جلّ ثناؤه بذلك أنهم لـم يضرّوه, وأنه قد عصمه منهم, ويعرّف الكفرة به عجز أوثانهم عن نصرة من بغى أولـياءهم بسوء