تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 194 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 194

193

ثم لما توعد من لم ينفر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وضرب له من الأمثال ما ذكره عقبه بالأمر الجزم فقال: 41- "انفروا خفافاً وثقالاً" أي حال كونكم خفافاً وثقالاً، قيل المراد منفردين أو مجتمعين، وقيل نشاطاً وغير نشاط، وقيل فقراء وأغنياء، وقيل شباباً وشيوخاً، وقيل رجالاً وفرساناً، وقيل من لا عيال له ومن له عيال، وقيل من يسبق إلا الحرب كالطلائع، ومن يتأخر كالجيش، وقيل غير ذلك. ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني، لأن معنى الآية: انفروا خفت عليكم الحركة أو ثقلت. قيل: وهذه الآية منسوخة بقوله تعالى: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى"، وقيل الناسخ لها قوله: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة" الآية، وقيل هي محكمة وليست بمنسوخة، ويكون إخراج الأعمى والأعرج بقوله: "ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج" وإخراج الضعيف والمريض بقوله: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى" من باب التخصيص، لا من باب النسخ على فرض دخول هؤلاء تحت قوله: "خفافاً وثقالاً" والظاهر عدم دخولهم تحت العموم. قوله: "وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله" فيه الأمر بالجهاد بالأنفس والأموال وإيجابه على العباد، فالفقراء يجاهدون بأنفسهم، والأغنياء بأموالهم وأنفسهم. والجهاد من آكد الفرائض وأعظمها، وهو فرض كفاية مهما كان البعض يقوم بجهاد العدو وبدفعه، فإن كان لا يقوم بالعدو إلا جميع المسلمين في قطر من الأرض أو أقطار وجب عليهم ذلك وجوب عين، والإشارة بقوله: "ذلكم" إلى ما تقدم من الأمر بالنفير والأمر بالجهاد "خير لكم" أي خير عظيم في نفسه، وخير من السكون والدعة "إن كنتم تعلمون" ذلك وتعرفون الأشياء الفاضلة وتميزونها عن المفضولة.
قوله: 42- "لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك". قال الزجاج: لو كان المدعو إليه فحذف لدلالة ما تقدم عليه، والعرض: ما يعرض من منافع الدنيا. والمعنى: غنيمة قريبة غير بعيدة "وسفراً قاصداً" عطف على ما قبله: أي سفراً متوسطاً بين القرب والبعد، وكل متوسط بين الإفراط والتفريط فهو قاصد "ولكن بعدت عليهم الشقة". قال أبو عبيدة وغيره: إن الشقة السفر إلى أرض بعيدة، يقال منه شقة شاقة. قال الجوهري: الشقة بالضم من الثياب، والشقة أيضاً: السفر البعيد، وربما قالوه بالكسر، والمراد بهذا غزوة تبوك فإنها كانت سفرة بعيدة شاقة. وقرأ عيسى بن عمر بعدت عليهم الشقة بكسر العين والشين "وسيحلفون بالله" أي المتخلفون عن غزوة تبوك حال كونكم قائلين "لو استطعنا لخرجنا معكم" أي لو قدرنا على الخروج ووجدنا ما نحتاج إليه فيه مما لا بد منه "لخرجنا معكم" هذه الجملة سادة مسد جواب القسم والشروط. قوله: "يهلكون أنفسهم" هو بدل من قوله: "سيحلفون" لأن من حلف كاذباً فقد أهلك نفسه أو يكون حالاً: أي مهلكين أنفسهم موقعين لها موقع الهلاك "والله يعلم إنهم لكاذبون" في حلفهم الذي سيحلفون به لكم. وقد أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا" الآية، قال هذا حين أمروا بغزوة تبوك بعد الفتح، وحين أمرهم بالنفير في الصيف وحين خرفت النخل وطابت الثمار واشتهوا الظلال وشق عليهم المخرج، فأنزل الله: "انفروا خفافاً وثقالاً". وأخرج أبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً" قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حياً من أحياء العرب فتثاقلوا عنه، فأنزل الله هذه الآية فأمسك عنهم المطر فكان ذلك عذابهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما نزلت: "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً" وقد كان تخلف عنه أناس في البدو يفقهون قومهم، فقال المؤمنون: قد بقي ناس في البوادي وقالوا هلك أصحاب البوادي فنزلت: "وما كان المؤمنون لينفروا كافة". وأخرج أبو داود وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "إلا تنفروا" الآية قال: نسختها "وما كان المؤمنون لينفروا كافة". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "إلا تنصروه فقد نصره الله" قال: ذكر ما كان من أول شأنه حين بعث، يقول: فأنا فاعل ذلك به، وناصره كما نصرته إذ ذاك وهو ثاني اثنين. وأخرج أبو نعيم والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب وعروة: أنهم ركبوا في كل وجه يعني المشركين يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم، وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم ويجعلون لهم الحمل العظيم، وأتوا على ثور، الجبل الذي فيه الغار والذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أصواتهم، فأشفق أبو بكر وأقبل عليه الهم والخوف، فعند ذلك يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحزن إن الله معنا" ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت عليه السكينة من الله فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين الآية. وأخرج ابن شاهين وابن مردويه وابن عساكر عن حبشي بن جنادة قال:" قال أبو بكر: يا رسول الله لو أن أحداً من المشركين رفع قدمه لأبصرنا، فقال: يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا". وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الزهري في قوله: "إذ هما في الغار" قال: هو الغار الذي في الجبل الذي يسمى ثوراً. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس في قوله: "فأنزل الله سكينته عليه" قال: على أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل معه السكينة. وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: "دخل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر غار حراء، فقال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم يبصر موضع قدمه لأبصرني وإياك، فقال صلى الله عليه وسلم: ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر؟ إن الله أنزل سكينته عليك وأيدني بجنود لم يروها". وأخرج الخطيب في تاريخه عن حبيب بن أبي ثابت "فأنزل الله سكينته عليه" قال: على أبي بكر، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت عليه السكينة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "وجعل كلمة الذين كفروا السفلى" قال: هي الشرك بالله "وكلمة الله هي العليا" قال: لا إله إلا الله. وأخرج الفريابي وأبو الشيخ عن أبي الضحى قال: أول ما أنزل من براءة "انفروا خفافاً وثقالاً" ثم نزل أولها وآخرها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي مالك نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "خفافاً وثقالاً" قال: نشاطاً وغير نشاط. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم في الآية قال: مشاغيل وغير مشاغيل. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال: في العسر واليسر. وأخرج ابن المنذر عن زيد بن أسلم قال: فتياناً وكهولاً. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عكرمة قال: شباباً وشيوخاً. أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: قالوا إن فينا الثقيل وذا الحاجة والضيعة والشغل فأنزل الله: "انفروا خفافاً وثقالاً" وأبى أن يعذرهم دون أن ينفروا خفافاً وثقالاً، وعلى ما كان منهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي قال: جاء رجل زعموا أنه المقداد، وكان عظيماً سميناً، فشكا إليه وسأله أن يأذن له فأبى، فنزلت: "انفروا خفافاً وثقالاً" فلما نزلت هذه الآية اشتد على الناس شأنها فنسخها الله، فقال: "ليس على الضعفاء ولا على المرضى" الآية. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ألا تغزو بني الأصفر لعلك أن تصيب ابنة عظيم الروم؟ فقال رجلان: قد علمت يا رسول الله أن النساء فتنة فلا تفتنا بهن فأذن لنا، فأذن لهما، فلما انطلقنا قال أحدهما: إن هو إلا شحمة لأول آكل، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل عليه شيء في ذلك، فلما كان بعض الطريق نزل عليه وهو على بعض المناة "لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك" ونزل عليه: "عفا الله عنك لم أذنت لهم" ونزل عليه: "إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر" ونزل عليه: "إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون". وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس: "لو كان عرضاً قريباً" قال: غنيمة قريبة، "ولكن بعدت عليهم الشقة". قال: المسير. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: "والله يعلم إنهم لكاذبون" قال: لقد كانوا يستطيعون الخروج ولكن كان تبطئة من عند أنفسهم وزهادة في الجهاد.
الاستفهام في 43- "عفا الله عنك لم أذنت لهم" للإنكار من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم حيث وقع منه اإذن لمن استأذنه في القعود قبل أن يتبين من هو صادق منهم في عذره الذي أبداه، ومن هو كاذب فيه. وفي ذكر العفو عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن هذا الإذن الصادر منه كان خلاف الأولى، وفي هذا عتاب لطيف من الله سبحانه، وقيل إن هذا عتاب له صلى الله عليه وسلم في إذنه للمنافقين بالخروج معه، لا في إذنه لهم بالقعود عن الخروج. والأول أولى، وقد رخص له سبحانه في سورة النور بقوله: "فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم" ويمكن أن يجمع بين الآيتين بأن العتاب هنا موجه إلى الإذن قبل الاستثبات حتى يتبين الصادق من الكاذب، والإذن هنالك متوجه إلى الإذن بعد الاستثبات والله أعلم. وقيل: إن قوله: "عفا الله عنك" هي افتتاح كلام كما تقول: أصلحك الله وأعزك ورحمك كيف فعلت كذا، وكذا حكاه مكي والنحاس والمهدوي، وعلى هذا التأويل يحسن الوقف على "عفا الله عنك"، وعلى التأويل الأول لا يحسن. ولا يخافك أن التفسير الأول هو المطابق لما يقتضيه اللفظ على حسب اللغة العربية، ولا وجه لإخراجه عن معناه العربي. وفي الآية دليل على جواز الاجتهاد منه صلى الله عليه وسلم، والمسألة مدونة في الأصول، وفيها أيضاً دلالة على مشروعية الاحتراز عن العجلة والاغترار بظواهر الأمور، و حتى في "حتى يتبين لك الذين صدقوا" للغاية، كأنه قيل: لما سارعت إلى الإذن لهم، وهلا تأنيث حتى يتبين لك صدق من هو صادق منهم في العذر الذي أبداه، وكذب من هو كاذب منهم في ذلك؟.
ثم ذكر سبحانه أنه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعود عن الجهاد، بل كان من عادتهم أنهم صلى الله عليه وسلم إذا أذن لواحد منهم بالقعود شق عليه ذلك. فقال: 44- "لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا" وهذا على أن معنى الآية أن لا يجاهدوا على حذف حرف النفي، وقيل المعنى: لا يستأذنك المؤمنون في التخلف كراهة الجهاد، وقيل: إن معنى الاستئذان في الشيء الكراهة له، وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى: لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلاً عن أن يستأذنوك في التخلف. قال الزجاج: أن يجاهدوا في موضع نصب بإضمار في: أي في أن يجاهدوا "والله عليم بالمتقين" وهم هؤلاء الذين لم يستأذنوا.
45- "إنما يستأذنك" في القعود عن الجهاد، والتخلف عنه "الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر" وهم المنافقون، وذكر الإيمان بالله أولاً، ثم باليوم الآخر ثانياً في الموضعين، لأنهما الباعثان على الجهاد في سبيل الله. قوله: "وارتابت قلوبهم" عطف على قوله: "الذين لا يؤمنون" وجاء بالماضي للدلالة على تحقق الريب في قلوبهم، وهو الشك. قوله: "فهم في ريبهم يترددون" أي في شكهم الذي حل بقلوبهم يتحيرون، والتردد التحير. والمعنى: فهؤلاء الذين يستأذنوك ليسوا بمؤمنين بل مرتابين حائرين لا يهتدون إلى طريق الصواب، ولا يعرفون الحق.
قوله: 46- "ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة" أي لو كانوا صادقين فيما يدعونه ويخبرونك به من أنهم يريدون الجهاد معك، ولكن لم يكن معهم من العدة للجهاد ما يحتاج إليه لما تركوا إعداد العدة وتحصيلها قبل وقت الجهاد كما يستعد لذلك المؤمنون، فمعنى هذا الكلام: أنهم لا يريدوا الخروج أصلاً ولا استعدوا للغزو. والعدة ما يحتاج إليه المجاهد من الزاد والراحلة والسلاح. قوله: "ولكن كره الله انبعاثهم" أي ولكن كره الله خروجهم فتثبطوا عن الخروج، فيكون المعنى: ما خرجوا ولكن تثبطوا، لأن كراهة الله انبعاثهم تستلزم تثبطهم عن الخروج، والانبعاث الخروج: أي حبسهم الله عن الخروج معك وخذلهم، لأنهم قالوا: إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على المؤمنين، وقيل المعنى: لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، ولكن ما أرادوه لكراهة الله له قوله: "وقيل اقعدوا مع القاعدين" قيل القائل لهم هو الشيطان بما يلقيه إليهم من الوسوسة، وقيل قاله بعضهم لبعض، وقيل قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً عليهم، وقيل هو عبارة عن الخذلان: أي أوقع الله في قلوبهم القعود خذلاناً لهم. ومعنى "مع القاعدين" أي مع أولي الضرر من العميان والمرضى والنساء والصبيان، وفيه من الذم لهم والإزراء عليهم والتنقص بهم ما لا يخفى.
قوله: 47- "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً" هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين عن تخلف المنافقين. والخبال: الفساد والنميمة وإيقاع الاختلاف والأراجيف. قيل هذا الاستثناء منقطع: أي ما زادوكم قوة، ولكن طلبوا الخبال، وقيل المعنى: لا يزيدونكم فيما ترددون فيه من الرأي إلا خبالاً فيكون متصلاً، وقيل هو استثناء من أعم العام: أي ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً، فيكون الاستثناء من قسم المتصل، لأن الخبال من جملة ما يصدق عليه الشيء. قوله: "ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة" الإيضاع: سرعة السير، ومنه قول ورقة بن نوفل: يا ليتني فيها جذع أخب فيها وأضع يقال: أوضع البعير: إذا أسرع السير، وقيل: الإيضاع سير الخبب، والخلل الفرجة بين الشيئين، والجمع الخلال: أي الفرج التي تكون بين الصفوف. والمعنى: لسعوا بينكم بالإفساد بما يختلقونه من الأكاذيب المشتملة على الإرجاف والنمائم الموجبة لفساد ذات البين. قوله: "يبغونكم الفتنة" يقال: بغيته كذا: طلبته له، وأبغيته كذا: أعنته على طلبه. والمعنى: يطلبون لكم الفتنة في ذات بينكم بما يصنعونه من التحريش والإفساد، وقيل: الفتنة هنا الشرك. وجملة "وفيكم سماعون لهم" في محل نصب على الحال: أي والحال أن فيكم من يستمع ما يقولونه من الكذب فينقله إليكم فيتأثر من ذلك الاختلاف بينكم، والفساد لإخوانكم "والله عليم بالظالمين" وبما يحدث منهم لو خرجوا معكم، فلذلك اقتضت حكمته البالغة أن لا يخرجوا معكم، وكره انبعاثهم معكم، ولا ينافي حالهم هذا لو خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقدم من عتابه على الإذن لهم في التخلف، لأنه سارع إلى الإذن لهم، ولم يكن قد علم من أحوالهم لو خرجوا أنهم يفعلون هذه الأفاعيل، فعوتب صلى الله عليه وسلم على تسرعه إلى الإذن لهم قبل أن يتبين له الصادق منهم في عذره من الكاذب، ولهذا قال الله سبحانه فيما يأتي في هذه السورة: "فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل لن تخرجوا معي أبداً" الآية، وقال في سورة الفتح: "سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم" إلى قوله: "قل لن تتبعونا".