تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 307 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 307

306

26- "فكلي واشربي" أي من ذلك الرطب وذلك الماء، أو من الرطب وعصيره، وقدم الأكل مع أن ذكر النهر مقدم على الرطب، لأن احتياج النفساء إلى أكل الرطب أشد من احتياجها إلى شرب الماء، ثم قال "وقري عيناً" قرأ الجمهور بفتح القاف. وحكى ابن جرير أنه قرئ بكسرها قال: وهي لغة نجد. والمعنى: طيبي نفساً وارفضي عنك الحزن، وهو مأخوذ من القر والقرة وهما البرد، والمسرور بارد القلب ساكن الجوارح، وقيل المعنى: وقري عيناً برؤية الولد الموهوب لك. وقال الشيباني: معناه نامي. قال أبو عمرو: أقر الله عينه: أي أنام عينه وأذهب سهره "فإما ترين من البشر أحداً" أصله ترءين: مثل تسمعين خففت الهمزة وسقطت النون للجزم وياء الضمير للساكنين بعد لحوق نون التوكيد، ومثل هذا مع عدم لحون نون التوكيد قول ابن دريد: أما ترى رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى وقرأ طلحة وشيبة "ترين" بسكون الياء وفتح النون مخففة. قال أبو الفتح: وهي شاذة، وجواب الشرط "فقولي إني نذرت للرحمن صوماً" أي قولي إن طلب منك الكلام أحد من الناس إني نذرت للرحمن صوماً أي صمتاً، وقيل المراد به الصوم الشرعي، وهو الإمساك عن المفطرات، والأول أولى. وفي قراءة أبي إني نذرت للرحمن صوماً صمتاً بالجمع بين اللفظين، وكذا روي عن أنس. وروي عنه أنه قرأ صوماً وصمتاً بالواو، والذي عليه جمهور المفسرين أن الصوم هنا الصمت، ويدل عليه "فلن أكلم اليوم إنسياً" ومعنى الصوم في اللغة أوسع من المعنيين. قال أبو عبيدة: كل ممسك عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم. وقراءة أبي تدل على أن المراد بالصوم هنا الصمت، لأنه تفسير للصوم. وقراءة أنس تدل على أن الصوم هنا غير الصمت كما تفيده الواو، ومعنى "فلن أكلم اليوم إنسياً" أنها لا تكلم أحداً من الإنس بعد إخبارهم بهذا الخبر، بل إنما تكلم الملائكة وتناجي ربها، وقيل إنها لم تخبرهم هنا باللفظ، بل بالإشارة المقيدة للنذر. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً" قال: مكاناً أظلها الشمس أن يراها أحد منهم. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: إنما اتخذت النصارى المشرق قبلة، لأن مريم اتخذت من أهلها مكاناً شرقياً، فاتخذوا ميلاده قبلة، وإنما سجدت اليهود على حرف حين نتق فوقهم الجبل، فجعلوا ينحرفون وهم ينظرون إليه، يتخوفون أن يقع عليهم، فسجدوا سجدة رضيها الله، فاتخذوها سنة. وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدي عن أبي مالك عن ابن عباس. وعن مرة عن ابن مسعود قالا: خرجت مريم بنت عمران إلى جانب المحراب لحيض أصابها، فلما طهرت إذا هي برجل معها "فتمثل لها بشراً" ففزعت و"قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقياً" فخرجت وعليها جلبابها، فأخذ بكمها فنفخ في جنب درعها، وكان مشقوقاً من قدامها، فدخلت النفخة صدرها فحملت، فأتتها أختها امرأة زكرياء ليلة تزورها، فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقال امرأة زكرياء: يا مريم أشعرت أني حبلى، قالت مريم: أشعرت أني حبلى، فقالت امرأة زكرياء: فإني وجدت ما في بطني سجد للذي في بطنك، فذلك قوله تعالى: "مصدقاً بكلمة من الله" فولدت امرأة زكرياء يحيى، ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب "فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا" الآية "فناداها" جبريل " من تحتها أن لا تحزني " فلما ولدته ذهب الشيطان، فأخبر بني إسرائيل أن مريم ولدت، فلما أرادوها على الكلام أشارت إلى عيسى فتكلم فـ "قال إني عبد الله آتاني الكتاب" الآيات، ولما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خر لوجهه. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في مريم قال: حين حملت وضعت. وأخرج ابن عساكر عنه قال: وضعت لثمانية أشهر. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "فأرسلنا إليها روحنا" قال: جبريل وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر عن أبي بن كعب في الآية قال: تمثل لها روح عيسى في صورة بشر فحملته، قال حملت الذي خاطبها دخل في فيها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "مكاناً قصياً" قال: نائياً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله: "إلى جذع النخلة" قال: كان جذعاً يابساً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "وكنت نسياً منسياً" قال: لم أخلق ولم أك شيئاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة "وكنت نسياً منسياً" قال: حيضة ملقاة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن نوف البكالي والضحاك مثله. وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: "فناداها من تحتها" قال: الذي ناداها جبريل. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: الذي ناداها من تحتها جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها. وقد اختلفت الروايات عن السلف، هل هذا المنادي هو جبريل أو عيسى. وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال: قرأ عاصم بن أبي النجود "فناداها من تحتها" بالنصب، قال: وقال عاصم من قرأ بالنصب فهو عيسى، ومن قرأ بالخفض فهو جبريل. وأخرج الطبراني وابن مردويه وابن النجار عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن السري الذي قال الله لمريم "قد جعل ربك تحتك سرياً" نهر أخرجه الله لها لتشرب منه". وفي إسناده أيوب بن نهيك الجبلي قال فيه أبو حاتم الرازي: ضعيف، وقال أبو زرعة: منكر الحديث، وقال أبو فتح الأزدي: متروك الحديث، وقال الطبراني بعد إخراج هذا الحديث: إنه غريب جداً. وأخرج الطبراني في الصغير وابن مردويه عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله "قد جعل ربك تحتك سرياً" قال: النهر. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه والحاكم وابن مردويه عن البراء قال في الآية: هو الجدول، وهو النهر الصغير، فظهر بهذا أن الموقوف أصح. وقد روي عن جماعة من التابعين أن السري هو عيسى، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "رطباً جنياً" قال: طرياً. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه في قوله: "إني نذرت للرحمن صوماً" قال: صمتاً. وأخرج عبد بن حميد وابن الأنباري عنه أنه قرأ صوماً صمتاً.
لما اطمأنت مريم عليها السلام بما رأت من الآيات وفرغت من نفاسها 27- "أتت به" أي بعيسى، وجملة "تحمله" في محل نصب على الحال، وكان إتيانها إليهم من المكان القصي الذي انتبذت فيه، فلما رأوا الولد معها حزنوا، وكانوا أهل بيت صالحين "قالوا" منكرين لذلك "يا مريم لقد جئت" أي فعلت "شيئاً فرياً" قال أبو عبيدة: الفري العجيب النادر، وكذا قال الأخفش. والفري القطع، كأنه مما يخرق العادة، أو يقطع بكونه عجيباً نادراً. وقال قطرب: الفري الجديد من الأسقية: أي جئت بأمر بديع جديد لم تسبقي إليه وقال سعيد بن مسعدة: الفري المختلق المفتعل، يقال فريت وأفريت بمعنى واحد، والولد من الزنا كالسيء المفتري، قال تعالى: "ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن" وقال مجاهد: الفري العظيم.
28- "يا أخت هارون". قد وقع الخلاف في معنى هذه الأخوة، وفي هارون المذكور من هو؟ فقيل هو هارون أخو موسى، والمعنى: أن من كانت نظنها مثل هارون في العبادة كيف تأتي بمثل هذا، وقيل كانت مريم من ولد هارون أخي موسى، فقيل لها يا أخت هارون، كما يقال لمن كان من العرب: يا أخا العرب، وقيل: كان لها أخ من أبيها اسمه هارون، وقيل هارون هذا رجل صالح في ذلك الوقت، وقيل بل كان في ذلك الوقت رجل فاجر اسمه هارون، فنسبوها إليه على وجهة التعبير والتوبيخ، حكاه ابن جرير لوم يسم قائله وهو ضعيف " ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " هذا فيه تقريره لما تقدم من التعبير والتوبيخ، وتنبيه على أن الفاحشة من ذرية الصالحين مما لا ينبغي أن تكون.
29- "فأشارت إليه" أي إلى عيسى، وإنما اكتفت بالإشارة ولم تأمره بالنطق، لأنها نذرت للرحمن صوماً عن الكلام كما تقدم، هذا على تقدير أنها كانت إذ ذاك في أيام نذرها، وعلى تقدير أنها قد خرجت من أيام نذرها، فيمكن أن يقال إن اقتصارها على الإشارة للمبالغة في إظهار الآية العظيمة، وأن هذا المولود يفهم الإشارة ويقدر على العبارة "قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً" هذا الاستفهام للإنكار والتعجب من إشارتها إلى ذلك المولود بأن يكلمهم. قال أبو عبيدة: في الكلام حشو زائد. والمعنى: كيف نكلم صبياً في المهد كقول الشاعر: وجيران لنا كانوا كرام وقال الزجاج: الأجود أن تكون من في معنى الشرط والجزاء، والمعنى: من يكون في المهد صبياً فكيف نكلمه، ورجحه ابن الأنباري وقال: لا يجوز أن يقال إن كان زائدة وقد نصبت صبياً، ويجاب عنه بأن القائل بزيادتها يجعل الناصب له الفعل، وهو نكلم كما سبق تقديره، وقيل إن كان هنا هي التامة التي بمعنى الحدوث والوجود، ورد بأنها لو كانت تامة لاستغنت عن الخبر، والمهد هو شيء معروف يتخذ لتنويم الصبي. والمعنى كيف نكلم من سبيله أن ينوم في المهد لصغره، وقيل هنا حجر الأم، وقيل سرير كالمهد.
فلما سمع عيسى كلامهم 30- "قال إني عبد الله" فكان أول ما نطق به الاعتراف بالعبودية له "آتاني الكتاب" أي الإنجيل: أي حكم لي بإيتائي الكتاب والنبوة في الأزل، وإن لم يكن قد نزل عليه في تلك الحال ولا قد صار نبياً، وقيل: إنه آتاه الكتاب وجعله نبياً في تلك الحال، وهو بعيد.
31- "وجعلني مباركاً أين ما كنت" أي حيثما كنت، والبركة أصلها من بروك البعير، والمعنى: جعلني ثابتاً في دين الله، وقيل البركة هي الزيادة والعلو، فكأنه قال: جعلني في جميع الأشياء زائداً عالياً منجحاً، وقيل معنى المبارك النفاع للعباد، وقيل المعلم للخير، وقيل الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر "وأوصاني بالصلاة" أي أمرني بها "والزكاة" زكاة المال، أو تطهير النفس "ما دمت حياً" أي مدة دوام حياتي، وهذه الأفعال الماضية هي من باب تنزيل ما لم يقع منزلة الواقع تنبيهاً على تحقق وقوعه لكونه قد سبق في القضاء المبرم.
32- "وبراً بوالدتي" معطوف على مباركاً، واقتصر على البر بوالدته لأنه قد علم في تلك الحال أنه لم يكن له أب، وقرئ وبراً بكسر الباء على أنه مصدر وصف به مبالغة "ولم يجعلني جباراً شقياً" الجبار المتعظم الذي لا يرى لأحد عليه حقاً، والشقي العاصي لربه، وقيل الخائب، وقيل العاق.
33- "والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً" قال المفسرون: السلام هنا بمعنى السلامة: أي السلامة علي يوم ولدت، فلم يضرني الشيطان في ذلك الوقت لا أغواني عند الموت ولا عند البعث، وقيل المراد به التحية. قيل واللام للجنس، وقيل للعهد: أي وذلك السلام الموجه إلى يحيى في هذه المواطن الثلاثة موجه إلي. قيل إنه لم يتكلم المسيح بعد هذا الكلام حتى بلغ المدة التي تتكلم فيها الصبيان في العادة. وقد أخرج سعيد بن منصور وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: "فأتت به قومها تحمله" قال: بعد أربعين يوماً بعد ما تعالت من نفاسها. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران، فقالوا: أرأيت ما تقرأون: "يا أخت هارون" وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم"؟ وهذا التفسير النبوي يغني عن سائر ما روي عن السلف في ذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: كان عيسى قد درس الإنجيل وأحكامها في بطن أمه، فذلك قوله: "إني عبد الله آتاني الكتاب". وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "آتاني الكتاب" الآية. قال: قضي أن أكون كذلك. وأخرج الإسماعيلي في معجمه وأبو نعيم في الحلية وابن مردويه وابن النجار عن أبي هريرة قال "قال النبي صلى الله عليه وسلم في قول عيسى "وجعلني مباركاً أين ما كنت" قال: جعلني نفاعاً للناس أينما اتجهت". وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وجعلني مباركاً" قال: معلماً ومؤدباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولم يجعلني جباراً شقياً" يقول: عصياً.
الإشارة بقوله: 34- "ذلك" إلى المتصف بالأوصاف السابقة. قال الزجاج: ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم، لا ما تقوله النصارى من أنه ابن الله وأنه إله. وقرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب "قول الحق" بالنصب، وقرأ الباقون بالرفع. فوجه القراءة الأولى أنه منتصب على المدح، أو على أنه مصدر مؤكد لقال إني عبد الله قاله الزجاج. ووجه القراءة الثانية أنه نعت لعيسى: أي ذلك عيسى ابن مريم قول الحق، قاله الكسائي. وسمي قول الحق كما سمي كلمة الله، والحق هو الله عز وجل. وقال أبو حاتم: المعنى هو قول الحق، وقيل التقدير: هذا لكلام قول الحق، وهو من باب إضافة الموصوف إلى الصفة مثل حق اليقين، وقيل الإضافة للبيان، وقرئ قال الحق وروي ذلك عن ابن مسعود، وقرأ الحسن قول الحق بضم القاف، والقول والقول والقال والمقال بمعنى واحد، و"الذي فيه يمترون" صفة لعيسى: أي ذلك عيسى ابن مريم الذي فيه يمترون قول الحق، ومعنى يمترون بختلفون على أنه من المماراة، أو يشكو على أنه من المرية. وقد وقع الاختلاف في عيسى، فقالت اليهود هو ساحر، وقالت النصارى هو ابن الله.
35- "ما كان لله أن يتخذ من ولد" أي ما صح ولا استقام ذلك، فأن في محل رفع على أنها اسم كان. قال الزجاج: من في من ولد مؤكدة تدل على نفي الواحدة والجماعة، ثم نزه سبحانه نفسه فقال: "سبحانه" أي تنزه وتقدس عن مقالتهم هذه، ثم صرح سبحانه بما هو شأنه تعالى سلطانه لقال: "إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون" أى إذا قضى أمراً من الأمور فيكون حينئذ بلا تأخير. وقد سبق الكلام على هذا مستوفى في البقرة، وفي إيراده في هذا الموضع تبكيت عظيم للنصارى: أي من كان هذا شأنه كيف يتوهم أن يكون له ولد؟
36- " إن الله ربي وربكم فاعبدوه " قرأ أهل المدينة وابن كثير وأبو عمرو بفتح أن. وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بكسرها، وهو من تمام كلام عيسى، وقرأ أبي إن الله بغير واو، قال الخليل وسيبويه: في توجيه قراءة النصب بأن المعنى: ولأن الله ربي وربكم، وأجاز الفراء أن يكون في موضع خفض عطفاً على الصلاة، وجوز أبو عمرو بن العلاء عطفه على أمراً "هذا صراط مستقيم" أي هذا الذي ذكرته لكم من أنه ربي وربكم، هو الطريق القيم الذي لا اعوجاج فيه ولا يضل سالكه.
37- "فاختلف الأحزاب من بينهم" من زائدة للتوكيد، والأحزاب اليهود والنصارى: أي فاختلفت الفرق من أهل الكتاب في أمر عيسى، فاليهود قالوا إنه ساحر كما تقدم، وقالوا إنه ابن يوسف النجار، والنصارى اختلفت فرقهم فيه، فقالت النسطورية منهم: هو ابن الله، وقالت الملكية: ثالث ثلاثة، وقالت اليعقوبية: هو الله تعالى فأفرطت النصارى وغلت، وفرطت اليهود وقصرت "فويل للذين كفروا" وهم المختلفون في أمره "من مشهد يوم عظيم" أي من شهود يوم القيامة وما يجري فيه من الحساب والعقاب، أو من مكان الشهود فيه، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم، وقيل المعنى: فويل لهم من حضورهم المشهد العظيم الذي اجتمعوا فيه للتشاور.
38- "أسمع بهم وأبصر" قال أبو عباس: العرب تقول هذا في موضع التعجب، فيقولون: أسمع تريد وأبصر به: أي ما أسمعه وأبصره، فعجب الله سبحانه نبينه صلى الله عليه وسلم منهم "يوم يأتوننا" أي للحساب والجزاء "لكن الظالمون اليوم" أي في الدنيا "في ضلال مبين" أي واضح ظاهر ولكنهم أغفلوا التفكر، والاعتبار والنظر في الآثار.