تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 314 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 314

313

38- "إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى" أي مننا ذلك الوقت وهو وقت الإيحاء فإذا ظرف للإيحاء، والمراد بالإيحاء إليها إما مجرد الإلهام لها أو في النوم بأن أراها ذلك أو على لسان نبي أو على لسان ملك، لا على طريق النبوة كالوحي إلى مريم أو بإخبار الأنبياء المتقدمين بذلك وانتهى الخبر إليها، والمراد بـ "ما يوحى" ما سيأتي من الأمر لها، أبهمه أولاً وفسره ثانياً تفخيماً لشأنه.
وجملة 39- "أن اقذفيه في التابوت" مفسرة لأن الوحي فيه معنى القول، أو مصدرية على تقدير بأن اقذفيه، والقذف ها هنا الطرح: أي اطرحيه في التابوت، وقد مر تفسير التابوت في البقرة في قصة طالوت "فاقذفيه في اليم" أي اطرحيه في البحر، واليم: البحر أو النهر الكبير. قال الفراء: هذا أمر وفيه المجازاة: أي اقذفيه يلقه باليم بالساحل والأمر للبحر مبني على تنزيله منزلة من يفهم ويميز، لما كان إلقاؤه إياه بالساحل أمراً واجب الوقوع، والساحل هو شط البحر، سمي ساحلاً لأن الماء سحله قاله ابن دريد، والمراد هنا ما يلي الساحل من البحر لا نفس الساحل، والضمائر هذه كلها لموسى لا للتابوت، وإن كان قد ألقي معه لكن المقصود هو موسى مع كون الضمائر قبل هذا وبعده له، وجملة "يأخذه عدو لي وعدو له" جواب الأمر بالالقاء، والمراد بالعدو فرعون، فإن أم موسى لما ألقته في البحر وهو النيل المعروف، وكان يخرج منه نهر إلى دار فرعون فساقه الله في ذلك النهر إلى داره، فأخذ التابوت فوجد موسى فيه، وقيل إن البحر ألقاه بالساحل فنظره فرعون فأمر من يأخذه، وقيل وجدته ابنة فرعون، والأول أولى "وألقيت عليك محبة مني" أي ألقى الله على موسى محبة كائنة منه تعالى في قلوب عباده لا يراه أحد إلا أحبه، وقيل جعل عليه مسحة من جمال لا يراه أحد من الناس إلا أحبه. وقال ابن جرير: المعنى وألقيت عليك رحمتي: وقيل كلمة من متعلقة بألقيت، فيكون المعنى: ألقيت مني عليك محبة: أي أحببتك، ومن أحبه الله أحبه الناس "ولتصنع على عيني" أي ولتربى وتغذى بمرأى مني، يقال صنع الرجل جاريته: إذا رباها، وصنع فرسه: إذا داوم على علفه والقيام عليه، وتفسير على عيني بمرأى مني صحيح. قال النحاس: وذلك معروف في اللغة، ولكن لا يكون في هذا تخصيص لموسى، فإن جميع الأشياء بمرأى من الله. وقال أبو عبيدة وابن الأخباري: إن المعنى لتغذى على محبتي وإرادتي، تقول: أتخذ الأشياء على عيني: أي على محبتي. قال ابن الأنباري: العين في هذه الآية يقصد بها قصد الإرادة والاختيار، من قول العرب: غدا فلان على عيني: أي على المحبة مني. قيل واللام متعلقة بمحذوف: أي فعلت ذلك لتصنع، وقيل متعلقة بألقيت، وقيل متعلقة بما بعده: أي ولتصنع على عيني قدرنا مشي أختك. وقرأ ابن القعقاع ولتصنع بإسكان اللام على الأمر، وقرأ أبو نهيك بفتح التاء. والمعنى: ولتكون حركتك وتصرفك بمشيئتي، وعلى عين مني.
40- "إذ تمشي أختك" ظرف لألقيت، أو لتصنع، ويجوز أن يكون بدلاً من "إذ أوحينا" وأخته اسمها مريم "فتقول هل أدلكم على من يكفله" وذلك أنها خرجت متعرفة لخبره فوجدت فرعون وامرأته آسية يطلبان له مرضعة، فقالت لهما هذا القول: أي هل أدلكم على من يضمه إلى نفسه ويربيه، فقالا لها ومن هو؟ قالت أمي، فقالا هل لها لبن؟ قالت نعم لبن أخي هارون، وكان هارون أكبر من موسى بسنة، وقيل بأكثر، فجاءت الأم فقبل ثديها، وكان لا يقبل ثدي مرضعة غيرها، وهذا هو معنى "فرجعناك إلى أمك" وفي مصحف أبي فرددناك، والفاء فصيحة " كي تقر عينها " قرأ ابن عامر في رواية عبد الحميد عنه "كي تقر" بكسر القاف، وقرأ الباقون بفتحها. قال الجوهري: قررت به عيناً قرة وقروراً، ورجل قرير العين، وقد قرت عينه تقر وتقر. نقيض سخنت، والمراد بقرة العين: السرور برجوع ولدها إليها بعد أن طرحته في البحر وعظم عليها فراقه "ولا تحزن" أي لا يحصل لها ما يكدر ذلك السرور من الحزن بسبب من الأسباب، ولو أراد الحزن بالسبب الذي قرت عينها بزواله لقدم نفي الحزن على قرة العين، فيحمل هذا النفي للحزن على ما يحصل بسبب يطرأ بعد ذلك، ويمكن أن يقال إن الواو لما كانت لمطلق الجمع كان هذا الحمل غير متعين، وقيل المعنى: ولا تحزن أنت يا موسى بفقد إشفاقها، وهو تعسف "وقتلت نفساً" المراد بالنفس هنا: نفس القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه، وكان قتله خطأ "فنجيناك من الغم" أي الغم الحاصل معك من قتله خوفاً من العقوبة الأخروية أو الدنيوية أو منهما جميعاً، وقيل الغم هو القتل بلغة قريش، وما أبعد هذا "وفتناك فتوناً" الفتنة تكون بمعنى المحنة، وبمعنى الأمر الشاق، وكل ما يبتلى به الإنسان، والفتون يجوز أن يكون مصدراً كالثبور والشكور والكفور: أي ابتليناك ابتلاءً، واختبرناك اختباراً، ويجوز أن يكون جمع فتنة على ترك الاعتداد بتاء التأنيث كحجور في حجرة ويدور في بدرة: أي خلصناك مرة بعد مرة مما وقعت فيه من المحن التي سبق ذكرها قبل أن يصطفيه الله لرسالته، ولعل المقصود بذكر تنجيته من الغم الحاصل له بذلك السبب وتنجيته من المحن هو الامتنان عليه بصنع الله سبحانه له وتقوية قلبه عند ملاقاة ما سيقع له من ذلك مع فرعون وبني إسرائيل "فلبثت سنين في أهل مدين" قال الفراء: تقدير الكلام وفتناك فتوناً، فخرجت إلى أهل مدين فلبث سنين ومثل هذا الحذف كثير في التنزيل، وكذا في كلام العرب فإنهم يحذفون كثيراً من الكلام إذا كان المعنى معروفاً، ومدين هي بلد شعيب، وكانت على ثماني مراحل من مصر، هرب إليها موسى فأقام بها عشر سنين، وهي أتم الأجلين، وقيل أقام عند شعيب ثمان وعشرين سنة منها عشر مهر امرأته ابنة شعيب، ومنها ثماني عشرة بسنة بقي فيها عنده حتى ولد له، والفاء "فلبثت" تدل على أن المراد بالمحن المذكورة هي ما كان قبل لبثه في أهل مدين "ثم جئت على قدر يا موسى" أي في وقت سبق في قضائي وقدري أن أكلمك وأجعلك نبياً، أو على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء، وهو رأس أربعين سنة، أو على موعد قد عرفته بإخبار شعيب لك به. قال الشاعر: نال الخلافة إذ كانت له قدراً كما أتى ربه موسى على قدر وكلمة ثم المفيدة للتراخي للدلالة على أن مجيئه عليه السلام كان بعد مدة، وذلك بسبب ما وقع له من ضلال الطريق وتفرق غنمه ونحو ذلك.
41- "واصطنعتك لنفسي" الاصطناع: اتخاذ الصنعة، وهي الخير تسديه إلى إنسان، والمعنى: اصطنعتك لوحيي ورسالتي لتتصرف على أرادتي. قال الزجاج: تأويله اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خفي، وصرت بالتبليغ عني بالمنزلة التي أكون أنا بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم. قيل وهو تمثيل لما خوله الله سبحانه من الكرامة العظمى بتقريب الملك لبعض خواصه.
42- "اذهب أنت وأخوك" أي وليذهب أخوك، وهو كلام مستأنف مسوق لبيان ما هو المقصود من الاصطناع ومعنى "بآياتي" بمعجزاتي التي جعلتها لك آية، وهي التسع الآيات "ولا تنيا في ذكري" أي لا تضعفا ولا تفترا، يقال ونى يني ونياً: إذا ضعف. قال الشاعر: فما ونى محمد مذ أن غفر له الإله ما مضى وما غير وقال امرؤ القيس: يسيح إذا ما السابحات على الونى أثرن غباراً بالكديد الموكل قال الفراء: في ذكري وعن ذكري سواء، والمعنى: لا تقصرا عن ذكري بالإحسان إليكما، والإنعام عليكما وذكر النعمة شكرها. وقيل معنى لا تنيا لا تبطئا في تبليغ الرسالة، وفي قراءة ابن مسعود لا تهنا في ذكري.
43- "اذهبا إلى فرعون إنه طغى" هذا أمر لهما جميعاً بالذهاب، وموسى حاضر وهارون غائب تغليباً لموسى، لأنه الأصل في أداء الرسالة، وعلل الأمر بالذهاب لقوله: "إنه طغى" أي جاوز الحد في الكفر والتمرد، وخص موسى وحده بالأمر بالذهاب فيما تقدم، وجمعهما هنا تشريفاً لموسى بإفراده، وتأكيداً للأمر بالذهاب بالتكرير. وقيل إن في هذا دليلاً على أنه لا يكفي ذهاب أحدهما. وقيل الأول أمر لموسى بالذهاب إلى كل الناس، والثاني أمر لهما بالذهاب إلى فرعون.
ثم أمرهما سبحانه بإلانة القول له لما في ذلك من التأثير في الإجابة، فإن التخشين بادئ بدء يكون من أعظم أسباب النفور والتصلب في الكفر، والقول اللين هو الذي لا خشونة فيه، يقال: لا الشيء يلين ليناً، والمراد تركهما للتعنيف كقولهما "هل لك إلى أن تزكى" وقيل القول اللين هو الكنية له، وقيل أن يعداه بنعيم الدنيا إن أجاب، ثم علل الأمر بإلانة القول له بقوله: 44- "لعله يتذكر أو يخشى" أن باشرا ذلك مباشرة من يرجو ويطمع، فالرجاء راجع إليهما كما قاله جماعة من النحويين: سيبويه وغيره. وقد تقدم تحقيقه في غير موضع قال الزجاج: لعل لفظة طمع وترج، فخاطبهم بما يعقلون، وقيل لعل ها هنا بمعنى الاستفهام. والمعنى: فانظروا هل يتذكر أو يخشى، وقيل بمعنى كي. والتذكر: النظر فيما بلغاه من الذكر وإمعان الفكر فيه حتى يكون ذلك سبباً في الإجابة، والخشية هي خشية عقاب الله الموعود به على لسانهما، وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "فاقذفيه في اليم" قال: هو النيل. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وألقيت عليك محبة مني" قال: كان كل من رآه ألقيت عليه منه محبته. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل قال: حببتك إلى عبادي. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي عمران الجوني في قوله: "ولتصنع على عيني" قال: تربى بعين الله. وأخرج عبد الرزاق ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: لتغذى على عيني. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال: يقول أنت بعيني إذ جعلتك أمك في التابوت، ثم في البحر، وإذ تمشي أختك. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والخطيب عن ابن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ يقول الله سبحانه: "وقتلت نفساً فنجيناك من الغم" قال: من قتل النفس "وفتناك فتوناً" قال: أخلصناك إخلاصاً". وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وفتناك فتوناً" قال: ابتليناك ابتلاءً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه قال: اختبرناك اختباراً. وقد أخرج عبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس أثراً طويلاً في تفسير الآية، فمن أحب استيفاء ذلك فلينظره في كتاب التفسير من سنن النسائي. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "ثم جئت على قدر" قال: لميقات. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد وقتادة "على قدر" قال: موعد. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "ولا تنيا" قال: لا تبطئا. وأخرج ابن أبي حاتم عن علي في قوله: "قولاً ليناً" قال: كنه. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس قال: كنياه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "لعله يتذكر أو يخشى" قال: هل يتذكر.
قرأ الجمهور 45- "أن يفرط" بفتح الياء وضم الراء، ومعنى ذلك: أننا نخاف أن يجعل ويبادر بقعوبتنا، يقال فرط منه أمر: أي بدر، ومنه الفارط، وهو الذي يتقدم القوم إلى الماء: أي يعذبنا عذاب الفارط في الذنب، وهو المتقدم فيه، كذا قال المبرد. وقال أيضاً: فرد منه أمر وأفرط: أسرف، وفرط: ترك. وقرأ ابن محيصن يفرط بضم الياء وفتح الراء: أي يحمله حامل على التسرع إلينا، وقرأت طائفة بضم الياء وكسر الراء، ومنهم ابن عباس مجاهد وعكرمة من الإفراط: أي يشتط في أذيتنا. قال الراجز: قد أفرط العلج علينا وعجل ومعنى "أو أن يطغى" قد تقدم قريباً.
وجملة 46- "قال لا تخافا" مستأنفة جواب سؤال مقدر، نهي لهما عن الخوف الذي حصل معهما من فرعون، ثم علل ذلك بقوله: "إنني معكما" أي بالنصر لهما، والمعونة على فرعون، ومعنى "أسمع وأرى" إدراك ما يجري بينهما وبينه بحيث لا يخفى عليه سبحانه منه خافية، وليس بغافل عنهما.
ثم أمرهما بإتيانه الذي هو عبارة عن الوصول إليه بعد أمرهما بالذهاب إليه فلا تكرار 47- "فقولا إنا رسولا ربك" أرسلنا إليك "فأرسل معنا بني إسرائيل" أي خل عنهم وأطلقهم من الأسر "ولا تعذبهم" بالبقاء على ما كانوا عليه، وقد كانوا عند فرعون في عذاب شديد: يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويكلفهم من العمل ما لا يطيقونه، ثم أمرهما سبحانه أن يقولا لفرعون "قد جئناك بآية من ربك" قيل هي العصا واليد، وقيل إن فرعون قال لهما: وما هي؟ فأدخل موسى يده في جيب قميصه، ثم أخرجها لها شعاع كشعاع الشمس، فعجب فرعون من ذلك، ولم يره موسى العصا إلا يوم الزينة "والسلام على من اتبع الهدى" أي السلامة. قال الزجاج: أي من اتبع الهدى سلم من سخط الله عز وجل من عذابه، وليس بتحية. قال: والدليل على ذلك أنه ليس بابتداء لقاء ولا خطاب. قال الفراء: السلام على من اتبع الهدى، ولمن اتبع الهدى سواء.
48- "إنا قد أوحي إلينا" من جهة الله سبحانه "أن العذاب على من كذب وتولى" المراد بالعذاب: الهلاك والدمار في الدنيا والخلود في النار، والمراد بالتكذيب: التكذيب بآيات الله وبرسله، والتولي: الإعراض عن قبولها والإيمان بها.
49- "قال فمن ربكما يا موسى" أي قال فرعون لهما: فمن ربكما؟ فأضاف الرب إليهما ولم يضفه إلى نفسه لعدم تصديقه لهما ولجحده للربوبية، وخص موسى بالنداء لكونه الأصل في الرسالة، وقيل لمطابقة رؤوس الآي.
50- "قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه" أي قال موسى مجيباً له، وربنا مبتدأ، وخبره الذي أعطى كل شيء خلقه، ويجوز أن يكون ربنا خبر مبتدأ محذوف، وما بعده صفته، قرأ الجمهور "خلقه" بسكون اللام، وروى زائدة عن الأعمش أنه قرأ خلقه بفتح اللام على أنه فعل، وهي قراءة ابن أبي إسحاق، ورواها نصير عن الكسائي. فعلى القراءة الأولى يكون خلقه ثاني مفعولي أعطى. والمعنى: أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به المطابقة له كاليد للبطش، والرجل للمشي واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع، كذا قال الضحاك وغيره. وقال الحسن وقتادة: أعطى كل شيء صلاحه وهداه لما يصلحه. وقال مجاهد: المعنى لم يخلق خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان، ولكن خلق كل شيء فقدره تقديراً، ومنه قول الشاعر: وله في كل شيء خلقه وكذاك الله ما شاء فعل وقال الفراء: المعنى خلق للرجل والمرأة، ولكل ذكر ما يوافقه من الإناث، ويجوز أن يكون خلقه على القراءة الأولى هو المفعول الأول لأعطى: أي أعطى خلقه كل شيء يحتاجون إليه، ويرتفقون به، ومعنى "ثم هدى" أنه سبحانه هداهم إلى طرق الانتفاع بما أعطاهم فانتفعوا بكل شيء فيما خلق له، وأما على القراءة الآخرة، فيكون الفعل صفة للمضاف أو للمضاف إليه: أي أعطى كل شيء خلقه الله سبحانه ولم يخله من عطائه، وعلى هذه القراءة يكون المفعول الثاني محذوفاً: أي أعطى كل شيء خلقه ما يحتاج إليه، فيوافق معناها معنى القراءة الأولى.
51- "قال فما بال القرون الأولى" لما سمع فرعون ما احتج به موسى في ضمن هذا الكلام على إثبات الربوبية كما لا يخفى من أن الخلق والهداية ثابتان بلا خلاف، ولا بد لهما من خالق وهاد، وذلك الخالق والهادي هو الله سبحانه لا رب غيره. قال فرعون: فما بال القرون الأولى فإنها لم تقر بالرب الذي تدعو إليه يا موسى بل عبدت الأوثان ونحوهما من المخلوقات، ومعنى البال الحال والشأن: أي ما حالهم وما شأنهم؟ وقيل إن سؤال فرعون عن القرون الأولى فإنها لم تقر بالرب الذي تدعو إليه يا موسى بل عبدت الأوثان ونحوها من المخلوقات، ومعنى البال الحال والشأن: أي ما حالهم وما شأنهم؟ وقيل إن سؤال فرعون عن القرون الأولى مغالطة لموسى لما خاف أن يظهر لقومه أنه قد قهره بالحجة: أي ما حال القرون الماضية، وماذا جرى عليهم من الحوادث؟.