تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 336 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 336

335

وانتصاب 31- "حنفاء" على الحال: أي مستقيمين على الحق، أو مائلين إلى الحق. ولفظ حنفاء من الأضداد يقع على الاستقامة، ويقع على الميل، وقيل معناه حجاجاً، ولا وجه هذا "غير مشركين به" هو حال كالأول: أي غير مشركين به شيئاً من الأشياء كما يفيده الحذف من العموم، وجملة "ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء" مبتدأة مؤكدة لما قبلها من الأمر بالاجتناب، ومعنى خر من السماء: سقط إلى الأرض: أي انحط من رفيع الإيمان إلى حضيض الكفر "فتخطفه الطير"، يقال خطفه يخطفه إذا سلبه، ومنه قوله: "يخطف أبصارهم" أي تخطف لحمه وتقطعه بمخالبها. قرأ أبو جعفر ونافع بتشديد الطاء وفتح الخاء، وقرئ بكسر الخاء والطاء وبكسر التاء مع كسرهما "أو تهوي به الريح" أي تقذفه وترمي به "في مكان سحيق" أي بعيد، يقال سحق يسحق سحقاً فهو سحاق إذا بعد. قال الزجاج: أعلم الله أن بعد من أشرك به من الحلق كبعد ما خر من السماء، فتذهب به الطير أو هوت به الريح في مكان بعيد.
32- "ذلك ومن يعظم شعائر الله" الكلام في هذه الإشارة قد تقدم قريباً والشعائر جمع الشعيرة، وهي كل شيء فيه لله تعالى شعار، ومنه شعار القوم في الحرب، وهو علامتهم التي يتعارفون بها، ومنه إشعار البدن، وهو الطعن في جانبها الأيمن، فشعائر الله أعلام دينه، وتدخل الهدايا في الحج دخولاً أولياً، والضمير في قوله: "فإنها من تقوى القلوب" راجع إلى الشعائر بتقدير مضاف محذوف: أي فإن تعظيمها من تقوى القلوب: أي من أفعال القلوب التي هي من التقوى، فإن هذا التعظيم ناشئ من التقوى.
33- "لكم فيها منافع" أي في الشعائر على العموم، أو على الخصوص، وهي البدن كما يدل عليه السياق. ومن منافعها الركوب والدر والنسل والصوف وغير ذلك "إلى أجل مسمى" وهو وقت نحرها "ثم محلها إلى البيت العتيق" أي حيث يحل نحرها، والمعنى: أنها تنتهي إلى البيت وما يليه من الحرم، فمنافعهم الدنيوية المستفادة منها مستمرة إلى وقت نحرها، ثم تكون منافعها بعد ذلك دينية. وقيل إن محلها ها هنا مأخوذ من إحلال الحرام، والمعنى: أن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي تنتهي إلى طواف الإفاضة بالبيت، فالبيت على هذا مراد بنفسه.
34- "ولكل أمة جعلنا منسكاً" المنسك ها هنا المصدر من نسك ينسك إذا ذبح القربان، والذبيحة نسيكة، وجمعها نسك. وقال الأزهري: إن المراد بالمنسك في الآية موضع النحر، ويقال منسك بكسر السين وفتحها لغتان قرأ بالكسر الكوفيون إلا عاصماً وقرأ الباقون بالفتح. وقال الفراء: المنسك في كلام العرب: الموضع المعتاد في خير أو شر، وقال ابن عرفة "ولكل أمة جعلنا منسكاً" أي مذهباً من طاعة الله. وروي عن الفراء أن المنسك العيد، وقيل الحج، والأول أولى لقوله: "ليذكروا اسم الله" إلى آخره، والأمة: الجماعة المجتمعة على مذهب واحد، والمعنى: وجعلنا لكل أهل دين من الأديان ذبحاً يذبحونه ودماً يريقونه، أو متعبداً أو طاعة أو عيداً أو حجاً يحجونه، ليذكروا اسم الله وحده ويجعلوا نسكهم خاصاً به "على ما رزقهم من بهيمة الأنعام" أي على ذبح ما رزقهم منها، وفيه إشارة إلى أن القربان لا يكون إلا من الأنعام دون غيرها، وفي الآية دليل على أن المقصود من الذبح المذكور هو ذكر اسم الله عليه. ثم أخبرهم سبحانه بتفرده بالإلهية وأنه لا شريك له، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، ثم أمرهم بالإسلام له، والانقياد لطاعته وعبادته، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر، والفاء هنا كالفاء التي قبلها، ثم أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبشر "المخبتين" من عباده: أي المتواضعين الخاشعين المخلصين، وهو مأخوذ من الخبيث، وهو المنخفض من الأرض، والمعنى: بشرهم يا محمد بما أعد الله لهم من جزيل ثوابه وجليل عطائه. وقيل إن المخبتين هم الذين لا يظلمون غيرهم وإذا ظلمهم غيرهم لم ينتصروا.
ثم وصف سبحانه هؤلاء المخبتين بقوله: 35- "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" أي خافت وحذرت مخالفته، وحصول الوجل منهم عند الذكر له سبحانه دليل على كمال يقينهم وقوة إيمانهم، ووصفهم بالصبر "على ما أصابهم" من البلايا والمحن في طاعة الله ثم وصفهم بإقامة "الصلاة" أي الإتيان بها في أوقاتها على وجه الكمال. قرأ الجمهور: "والمقيمي الصلاة" بالجر على ما هو الظاهر، وقرأ أبو عمرو بالنصب على توهم بقاء النون، وأنشد سيبويه على ذلك قول الشاعر: الحافظ عورة العشيرة البيت بنصب عورة. وقيل لم يقرأ بهذه القراءة أبو عمرو، وقرأ ابن محيصن والمقيمين بإثبات النون على الأصل، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود، ثم وصفهم سبحانه بقوله: "ومما رزقناهم ينفقون" أي يتصدقون به وينفقونه في وجوه البر، ويضعونه في مواضع الخير ومثل هذه الآية قوله سبحانه: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون". وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "حرمات الله" قال: الحرمة مكة والحج والعمرة وما نهى الله عنه من معاصيه كلها. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "فاجتنبوا الرجس من الأوثان" يقول: اجتنبوا طاعة الشيطان في عبادة الأوثان "واجتنبوا قول الزور" يعني الافتراء على الله والتكذيب به. وأخرج أحمد والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أيمن بن حريم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال:"يا أيها الناس عدلت شهادة الزور شركاً بالله ثلاثاً، ثم قرأ " فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور "". قال أحمد غريب إنما نعرفه من حديث سفيان بن زيد. وقد اختلف عنه في رواية هذا الحديث، ولا نعرف لأيمن بن حريم سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبوداود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب من حديث حريم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثاً، قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً، فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: " حنفاء لله غير مشركين به " قال: حجاجاً لله غير مشركين به، وذلك أن الجاهلية كانوا يحجون مشركين، فلما أظهر الله الإسلام، قال الله للمسلمين: حجوا الآن غير مشركين بالله. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر الصديق نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ومن يعظم شعائر الله" قال: البدن. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "ومن يعظم شعائر الله" قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام، وفي قوله: "لكم فيها منافع إلى أجل مسمى" قال: إلى أن تسمى بدناً. واخرج هؤلاء عن مجاهد نحوه، وفيه قال: ولكم فيها منافع إلى أجل مسمى، في ظهورها وألبانها وأوبارها وأشعارها وأصوافها إلى أن تسمى هدياً، فإذا سميت هدياً ذهبت المنافع "ثم محلها" يقول: حين تسمى "إلى البيت العتيق"، وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال: إذا دخلت الحرم فقد بلغت محلها. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولكل أمة جعلنا منسكاً" قال: عيداً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: إهراق الدماء. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: ذبحاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في الآية قال: مكة لم يجعل الله لأمة منسكاً غيرها. وقد وردت أحاديث في الأضحية ليس هذا موضع ذكرها. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "وبشر المخبتين" قال: المطمئنين. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عمرو بن أوس قال: المخبتون في الآية الذين لا يظلمون الناس، وإذا ظلموا لم ينتصروا.
قرأ ابن أبي إسحاق 36- "والبدن" بضم الباء والدال، وقرأ الباقون بإسكان الدال وهما لغتان، وهذا الاسم خاص بالإبل، وسميت بدنة لأنها تبدن والبدانة: السمن. وقال أبو حنيفة ومالك: إنه يطلق على غير الإبل، والأول أولى لما سيأتي من الأوصاف التي هي ظاهرة في الإبل، ولما تفيده كتب اللغة من اختصاص هذا الإسم بالإبل. وقال ابن كثير في تفسيره: واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين: أصحهما أنه يطلق عليهما ذلك شرعاً كما صح في الحديث "جعلناها لكم" وهي ما تقدم بيانه قريباً "لكم فيها خير" أي منافع دينية ودنيوية كما تقدم "فاذكروا اسم الله عليها" أي على نحوها ومعنى "صواف" أنها قائمة قد صفت قوائمها، لأنها تنحر قائمة معقولة، وأصل هذا الوصف في الخيل يقال: صفن الفرس فهو صافن إذا قام على ثلاث قوائم وثنى الرابعة. وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وزيد بن أسلم وأبو موسى الأشعري صوافي أي خوالص لله لا تشركون به في التسمية على نحرها أحداً، وواحد صواف صافة، وهي قراءة الجمهور. وواحد صوافي صافية، وقرأ ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وأبو جعفر ومحمد بن علي صوافن بالنون جمع صافنة، والصافنة هي التي قد رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب، ومنه قوله تعالى: "الصافنات الجياد" ومنه قول عمر بن كلثوم: تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا وقال الآخر: ألف الصفون فما يزال كأنه مما يقوم على الثلاث كسير "فإذا وجبت جنوبها" الوجوب السقوط: أي سقطت بعد نحرها، وذلك عند خروج روحها "فكلوا منها" ذهب الجمهور أن هذا الأمر للندب "وأطعموا القانع والمعتر" هذا الأمر قيل هو للندب كالأول، وبه قال مجاهد والنخعي وابن جرير وابن سريج. وقال الشافعي وجماعة: هو الوجوب. واختلف في القانع من هو؟ فقيل هو السائل، يقال قنع الرجل بفتح النون يقنع بكسرها إذا سأل، ومنه قول الشماخ: لمال المرء يصلحه فيغني مفاقره أعف من القنوع أي السؤال، وقيل هو المتعفف عن السؤال المستغني ببلغة، ذكر معناها الخليل. قال ابن السكيت:من العرب من ذكر القنوع بمعنى القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك المسألة. وبلأول قال زيد بن أسلم وابنه سعيد بن جبير والحسن، وروي عن ابن عباس. وبالثاني قال عكرمة وقتادة. وأما المعتر، فقال محمد بن كعب القرظي ومجاهد وإبراهيم والكلبي والحسن أنه الذي يتعرض من غير سؤال. وقيل هو الذي يعتريك ويسألك. وقال مالك:أحسن ما سمعت أن القانع: الفقير، والمعتر: الزائر. وروي عن ابن عباس: أن كلاهما الذي لا يسأل، ولكن القانع الذي يرضى بما عنده ولا يسأل، والمعتر الذي يتعرض لك ولا يسألك. وقرأ الحسن والمعتري ومعناه كمعنى المعتر، ومنه قول زهير: على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل يقال اعتره واعتراه وعره وعراه: إذا تعرض لما عنده أو طلبه، ذكره النحاس "كذلك سخرناها لكم" أي مثل ذلك التسخير البديع سخرناها لكم، فصارت تنقاد لكم إلى مواضع نحرها فتنحرونها وتنتفعون بها بعد أن كانت مسخرة للحمل عليها والركوب على ظهرها والحلب لها ونحو ذلك "لعلكم تشكرون" هذه النعمة التي أنعم الله بها عليكم .
37- "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها" أي لن يصعد إليه ولا يبلغ رضاه ولا يقع موقع القبول منه لحوم هذه الإبل التي تتصدقون بها ولا دماؤها التي تنصب عند نحرها من حيث إنها لحوم ودماء "ولكن يناله" أي يبلغ إليه تقوى قلوبكم، ويصل إليه إخلاصكم له وإرادتكم بذلك وجهه، فإن ذلك هو الذي يقبله الله ويجازي عليه. وقيل المراد أصحاب اللحوم والدماء: أي لن يرضى المضحون والمتقربون إلى ربهم باللحوم والدماء ولكن بالتقوى. قال الزجاج: أعلم الله أن الذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به، وحقيقة معنى هذا الكلام تعود إلى القبول، وذلك أن ما يقبله الإنسان يقال قد ناله ووصل إليه، فخاطب الله الخلق كعادتهم في مخاطبتهم "كذلك سخرها لكم" كرر هذا للتذكير، ومعنى "لتكبروا الله على ما هداكم" هو قول الناحر: الله أكبر عند النحر، فذكر في الآية الأولى الأمر بذكر اسم الله عليها، وذكر هنا التكبير للدلالة على مشروعية الجمع بين التسمية والتكبير. وقيل المراد بالتكبير وصفه سبحانه بما يدل على الكبرياء، ومعنى "على ما هداكم" على ما أرشدكم إليه من علمكم بكيفية التقرب بها، وما مصدرية، أو موصولة "وبشر المحسنين" قيل المراد بهم المخلصون، وقيل الموحدون. والظاهر أن المراد بهم كل من يصدر منه من الخير ما يصح به إطلاق اسم المحسن عليه. وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عبد الله بن عمر قال: لا نعلم البدن إلا من الإبل والبقر. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: البدن ذات الجوف. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: ليس البدن إلا من الإبل، وأخرجوا عن الحكم نحوه، وأخرجوا عن عطاء نحو ما قال ابن عمر. وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن نحوه أيضاً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن يعقوب الرباحي عن أبيه قال: أوصى ببدنة، فأتيت ابن عباس فقلت له: إن رجلاً أوصى إلي وأوصى ببدنة، فهل تجزىء عني بقرة؟ قال نعم، ثم قال: ممن صاحبكم؟ فقلت من بني رباخ، فقال: ومتى اقتنى بنو رباح البقر إلى الإبل؟ وهم صاحبكم، إنما البقر للأسد وعبد القيس. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في الأضاحي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي ظبيان قال: سألت ابن عباس عن قوله: "فاذكروا اسم الله عليها صواف" قال: إذا أردت أن تنحر البدنة فأقمها على ثلاث قوائم معقولة، ثم قل بسم الل والله أكبر. وأخرج الفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن ابي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: "صواف" قال: قياماً معقولة، وفي الصحيحين وغيرهما عنه أنه رأى رجلاً قد أناخ بدنته وهو ينحرها، فقال: ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج أبو عبيدة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ميمون بن مهرانقال: في قراءة ابن مسعود صوافن يعني قياماً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "فإذا وجبت" قال: سقطت على جنبها. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال نحرت. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: "القانع" المتعفف "والمعتر" السائل. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال القانع الذي يقنع بما آتيته. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: القانع الذي يقنع بما أوتي، والمعتر الذي يعترض. وأخرج عنه أيضاً قال: القانع الذي يجلس في بيته. وأخرج عبد بن حميد والبيهقي في سننه عنه أنه سئل عن هذه الآية، فقال: أما القانع فالقانع بما أرسلت إليه في بيته، والمعتر الذي يعتريك. وأخرج ابن المنذر عنه أيضاً قال: القانع الذي يسأل، والمعتر الذي يتعرض، ولا يسأل. وقد روي عن التابعين في تفسير هذه الآية أقوال مختلفة، والمرجع المعنى اللغوي لا سيما مع الاختلاف بين الصحابة ومن بعدهم في تفسير ذلك. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: كان المشركون إذا ذبحوا استقبلوا الكعبة بالدماء فينضحون بها نحو الكعبة، فأراد المسلمون أن يفعلوا ذلك، فأنزل الله "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها" وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جريح نحوه.
قرأ أبو عمرو وابن كثير يدفع وقرأ الباقون يدافع وصيغة المفاعلة هنا مجردة عن معناها الأصلي، وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدل عله القراءة الأخرى. وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيراً مثل عاقبت اللص ونحو ذلك، وقد قدمنا تحقيقه. وقيل إن إيراد هذه الصيغة هنا للمبالغة وقيل للدلالة على تكرر الواقع. والمعنى: يدافع عن المؤمنين غوائل المشركين وقيل يعلي حجتهم وقيل يوفقهم والجملة مستأنفة لبيان هذه المزية الحاصلة للمؤمنين من رب العالمين، وأنه المتولي للمدافعة عنهم، وجملة 38- "إن الله لا يحب كل خوان كفور" مقررة لضمون الجملة الأولى، فإن المدافعة من الله لهم عن عباده المؤمنين مشعرة أتم إشعار بأنهم مبغضون إلى الله غير محبوبين له. قال الزجاج: من ذكر غير اسم الله وتقرب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوان كفور، وإيراد صيغتي المبالغة للدلالة على أنهم كذلك في الواقع لا لإخراج من خان دون خيانتهم،.