تفسير الطبري تفسير الصفحة 336 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 336
337
335
 الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { حُنَفَآءَ للّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَكَأَنّمَا خَرّ مِنَ السّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ الطّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ }.
يقول تعالـى ذكره: اجتنبوا أيها الناس عبـادة الأوثان, وقول الشرك, مستقـيـمين لله علـى إخلاص التوحيد له, وإفراد الطاعة والعبـادة له خالصا دون الأوثان والأصنام, غير مشركين به شيئا من دونه فإنه من يُشرك بـالله شيئا من دونه فمثله فـي بعده من الهدى وإصابة الـحقّ وهلاكه وذهابه عن ربه, مَثل من خرّ من السماء فتـخطفه الطير فهلك, أو هوت به الريح فـي مكان سحيق, يعنـي من بعيد, من قولهم: أبعده الله وأسحقه, وفـيه لغتان: أسحقته الريح وسحقته, ومنه قـيـل للنـخـلة الطويـلة: نـخـلة سحوق ومنه قول الشاعر:
كانَتْ لَنا جارَةٌ فَأزْعَجَهاقاذُورَةٌ تَسْحَقُ النّوَى قُدُمَا
ويُروى: «تُسْحِقُ». يقول: فهكذا مَثل الـمشرك بـالله فـي بُعده من ربه ومن إصابة الـحقّ, كبُعد هذا الواقع من السماء إلـى الأرض, أو كهلاك من اختطفته الطير منهم فـي الهواء.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19015ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قَتادة: فَكأنّـمَا خَرّ منَ السّماءِ قال: هذا مَثل ضربه الله لـمن أشرك بـالله فـي بُعده من الهُدى وهلاكه فَتَـخْطَفُهُ الطّيْرُ أوْ تَهْوِى بِهِ الرّيحُ فِـي مَكانٍ سَحِيقٍ.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, مثله.
19016ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: فِـي مَكانٍ سَحِيقٍ قال: بعيد.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
وقـيـل: فَتَـخْطَفُهُ الطّيْرُ وقد قـيـل قبله: فكأنّـمَا خَرّ منَ السّماءِ وخرّ فعل ماض, وتـخطفه مستقبل, فعطف بـالـمستقبل علـى الـماضي, كما فعل ذلك فـي قوله: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا ويَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ وقد بـيّنت ذلك هناك.
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللّهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }.
يقول تعالـى ذكره: هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس وأمرتكم به من اجتناب الرجس من الأوثان واجتناب قول الزور, حنفـاء لله, وتعظيـم شعائر الله, وهو استـحسان البُدن واستسمانها وأداء مناسك الـحجّ علـى ما أمر الله جلّ ثناؤه, من تقوى قلوبكم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19017ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم, قال: حدثنا مـحمد بن زياد, عن مـحمد بن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم, عن مِقْسم, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ فإنّها مِنْ تَقْوَى القُلوبِ قال: استعظامها, واستـحسانها, واستسمانها.
19018ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بَزّة عن مـجاهد, فـي قوله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ قال: الاستسمان والاستعظام.
19019ـ وبه عن عنبسة, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله, إلا أنه قال: والاستـحسان.
حدثنا عبد الـحميد بن بـيان الواسطيّ, قال: أخبرنا إسحاق, عن أبـي بشر, وحدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ قال: استعظام البدن, واستسمانها, واستـحسانها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19020ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن مـحمد بن أبـي موسى, قال: الوقوف بعرفة من شعائر الله, وبجَمْع من شعائر الله, ورمي الـجمار من شعائر الله, والبُدْن من شعائر الله, ومن يعظمها فإنها من شعائر الله فـي قوله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ فمن يعظمها فإنها من تقوى القلوب.
19021ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ قال: الشعائر: الـجمار, والصفـا والـمروة من شعائر الله, والـمَشْعَر الـحرام والـمزدلفة, قال: والشعائر تدخـل فـي الـحرم, هي شعائر, وهي حرم.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب: أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أخبر أن تعظيـم شعائره, وهي ما جعله أعلاما لـخـلقه فـيـما تعبّدهم به من مناسك حجهم, من الأماكن التـي أمرهم بأداء ما افترض علـيهم منها عندها والأعمال التـي ألزمهم عملها فـي حجهم: من تقوى قلوبهم لـم يخصص من ذلك شيئا, فتعظيـم كلّ ذلك من تقوى القلوب, كما قال جلّ ثناؤه وحقّ علـى عبـاده الـمؤمنـين به تعظيـم جميع ذلك. وقال: إنّها مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ وأنّث ولـم يقل: «فإنه», لأنه أريد بذلك. فإن تلك التعظيـمة مع اجتناب الرجس من الأوثان من تقوى القلوب, كما قال جلّ ثناؤه: إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ. وعنـي بقوله: فإنّها مِنْ تَقْوَى القُلوبِ فإنها من وجل القلوب من خشية الله, وحقـيقة معرفتها بعظمته وإخلاص توحيده.
الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ثُمّ مَحِلّهَآ إِلَىَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ }.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـمنافع التـي ذكر الله فـي هذه الاَية وأخبر عبـاده أنها إلـى أجل مسمى, علـى نـحو اختلافهم فـي معنى الشعائر التـي ذكرها جلّ ثناؤه فـي قوله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ فإنّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ فقال الذين قالوا عنـي بـالشعائر البدن. معنى ذلك: لكم أيها الناس فـي البدن منافع. ثم اختلف أيضا الذين قالوا هذه الـمقالة فـي الـحال التـي لهم فـيها منافع, وفـي الأجل الذي قال عزّ ذكره: إلـى أجَلٍ مُسَمّى فقال بعضهم: الـحال التـي أخبر الله جلّ ثناؤه أن لهم فـيها منافع, هي الـحال التـي لـم يوجبها صاحبها ولـم يسمها بدنة ولـم يقلّدْها. قالوا: ومنافعها فـي هذه الـحال: شرب ألبـانها, وركوب ظهورها, وما يرزقهم الله من نتاجها وأولادها. قالوا: والأجل الـمسمى الذي أخبر جلّ ثناؤه أن ذلك لعبـاده الـمؤمنـين منها إلـيها, هو إلـى إيجابهم إياها, فإذا أوجبوها بطل ذلك ولـم يكن لهم من ذلك شيء. ذكر من قال ذلك:
19022ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يحيى بن عيسى, عن ابن أبـي لـيـلـى, عن الـحكم, عن مقسم, عن ابن عبـاس فـي: لَكُمْ فِـيها مَنَافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: ما لـم يُسَمّ بُدْنا.
19023ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: لَكُمْ فِـيها مَنَافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: الركوب واللبن والولد, فإذا سميت بدنة أو هديا ذهب كله.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, فـي هذه الاَية: لَكُمْ فِـيها مَنَافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: لكم فـي ظهورها وألبـانها وأوبـارها, حتـى تصير بُدْنا.
قال: حدثنا ابن عديّ, قال: حدثنا شعبة, عن الـحكم, عن مـجاهد, بـمثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبـي نـجيح, ولـيث عن مـجاهد: لَكُمْ فِـيها مَنَافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: فـي أشعارها وأوبـارها وألبـانها, قبل أن تسميها بدنة.
قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة, عن عنبسة, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: لَكُمْ فِـيها مَنَافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: فـي البدن لـحومها وألبـانها وأشعارها وأوبـارها وأصوافها قبل أن تسمى هديا.
19024ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله, وزاد فـيه: وهي الأجل الـمسمى.
19025ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء أنه قال فـي قوله: لَكُمْ فِـيها مَنَافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى ثُمّ مَـحِلّها إلـى البَـيْت العَتِـيق قال: منافع فـي ألبـانها وظهورها وأوبـارها, إلـى أجَلٍ مُسَمّى: إلـى أن تقلد.
19026ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, مثل ذلك.
19027ـ حدثنـي يعقوب, قال: قال ابن علـية: سمعت ابن أبـي نـجيح يقول فـي قوله: لَكُمْ فِـيها مَنافعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: إلـى أن تُوجِبها بَدَنة.
19028ـ قال: حدثنا ابن علـية, عن ابن أبـي نـجيح, عن قَتادة: لَكُمْ فِـيها مَنافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول: فـي ظهورها وألبـانها, فإذا قلدت فمـحلها إلـى البـيت العتـيق.
وقال آخرون مـمن قال الشعائر البدن فـي قوله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ الله فإنّها مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ والهاء فـي قوله: لَكُمْ فِـيها من ذكر الشعائر, ومعنى قوله: لَكُمْ فِـيها مَنافعُ لكم فـي الشعائر إلـى تعظمونها لله منافع بعد اتـخاذكموها لله بدنا أو هدايا, بأن تركبوا ظهورها إذا احتـجتـم إلـى ذلك, وتشربوا ألبـانها إن اضطررتـم إلـيها. قالوا: والأجل الـمسمى الذي قال جلّ ثناؤه: إلـى أجَل مُسَمّى إلـى أن تنـحر. ذكر من قال ذلك:
19029ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبـي نـجيح, عن عطاء: لَكُمْ فِـيها مَنافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: هو ركوب البدن, وشرب لبنها إن احتاج.
19030ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال عطاء بن أبـي ربـاح فـي قوله: لَكُمْ فِـيها مَنافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: إلـى أن تنـحر, قال: له أن يحملها علـيها الـمُعِيْـي والـمنقطع به من الضرورة, كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يأمر بـالبدنة إذا احتاج إلـيها سيدها أن يحمل علـيها ويركب عند منهوكه. قلت لعطاء: ما؟ قال: الرجل الراجل, والـمنقطع به, والـمتبع وإن نتـجت, أن يحمل علـيها ولدها, ولا يشرب من لبنها إلا فضلاً عن ولدها, فإن كان فـي لبنها فضل فلـيشرب من أهداها ومن لـم يهدها.
وأما الذين قالوا: معنى الشعائر فـي قوله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ الله: شعائر الـحجّ, وهي الأماكن التـي يُنْسك عندها لله, فإنهم اختلفوا أيضا فـي معنى الـمنافع التـي قال الله: لَكُمْ فِـيها مَنافِعُ فقال بعضهم: معنى ذلك: لكم فـي هذه الشعائر التـي تعظمونها منافع بتـجارتكم عندها وبـيعكم وشرائكم بحضرتها وتسوّقكم. والأجل الـمسمى: الـخروج من الشعائر إلـى غيرها ومن الـمواضع التـي ينسك عندها إلـى ما سواها فـي قول بعضهم.
19031ـ حدثنـي الـحسن بن علـيّ الصّدائَي, قال: حدثنا أبو أسامة عن سلـيـمان الضبـي, عن عاصم بن أبـي النّـجود, عن أبـي رزين, عن ابن عبـاس, فـي قوله: لَكُمْ فِـيها مَنافِعُ قال: أسواقهم, فإنه لـم يذكر منافع إلا للدنـيا.
19032ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن مـحمد بن أبـي موسى, قوله: لَكُمْ فِـيها مَنافعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى قال: والأجل الـمسمى: الـخروج منه إلـى غيره.
وقال آخرون منهم: الـمنافع التـي ذكرها الله فـي هذا الـموضع: العمل لله بـما أمر من مناسك الـحجّ. قالوا: والأجل الـمسمّى: هو انقضاء أيام الـحجّ التـي يُنْسَك لله فـيهنّ. ذكر من قال ذلك:
19033ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لَكُمْ فِـيها مَنافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى ثُمّ مَـحِلّها إلـى الَبْـيتَ العَتِـيق فقرأ قول الله: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ الله فإنّها مِنْ تَقْوَى القُلُوب لكم فـي تلك الشعائر منافع إلـى أجل مسمى, إذا ذهبت تلك الأيام لـم تر أحدا يأتـي عرفة يقـف فـيها يبتغي الأجر, ولا الـمزدلفة, ولا رمي الـجمار, وقد ضربوا من البلدان لهذه الأيام التـي فـيها الـمنافع, وإنـما منافعها إلـى تلك الأيام, وهي الأجل الـمسمى, ثم مـحلّها حين تنقضي تلك الأيام إلـى البـيت العتـيق.
قال أبو جعفر: وقد دللنا قبل علـى أن قول الله تعالـى ذكره: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ معنـيّ به: كلّ ما كان من عمل أو مكان جعله الله علـما لـمناسك حجّ خـلقه, إذ لـمن يخصص من ذلك جلّ ثناؤه شيئا فـي خبر ولا عقل. وإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن معنى قوله: لَكُمْ فِـيها مَنافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى فـي هذه الشعائر منافع إلـى أجل مسمى, فما كان من هذه الشعائر بدنا وهديا, فمنافعها لكم من حين تـملكون إلـى أن أوجبتـموها هدايا وبدنا, وما كان منها أماكن ينسك لله عندها, فمنافعها التـجارة لله عندها والعمل بـما أمر به إلـى الشخوص عنها, وما كان منها أوقاتا بأن يُطاع الله فـيها بعمل أعمال الـحجّ وبطلب الـمعاش فـيها بـالتـجارة, إلـى أن يطاف بـالبـيت فـي بعض, أو يوافـى الـحرم فـي بعض ويخرج عن الـحرم فـي بعض.
وقال اختلف الذين ذكرنا اختلافهم فـي تأويـل قوله: لَكُمْ فِـيها مَنافِعُ إلـى أجَلٍ مُسَمّى فـي تأويـل قوله: ثُمّ مَـحِلّها إلـى البَـيْتِ العَتِـيقِ فقال الذين قالوا عنـي بـالشعائر فـي هذا الـموضع البُدْن: معنى ذلك ثم مـحل البدن إلـى أن تبلغ مكة, وهي التـي بها البـيت العتـيق. ذكر من قال ذلك:
19034ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: أخبرنا هشيـم, قال: أخبرنا حجاج, عن عطاء: ثُمّ مَـحِلّها إلـى البَـيْتِ العَتِـيقِ إلـى مكة.
19035ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: ثُمّ مَـحِلّها إلـى البَـيْتِ العَتِـيقِ يعنـي مـحل البدن حين تسمى إلـى البـيت العتـيق.
19036ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جرَيج, عن مـجاهد, قال: ثُمّ مَـحِلّها حين تسمى هديا إلـى البـيت العتـيق, قال: الكعبة أعتقها من الـجبـابرة.
فوجه هؤلاء تأويـل ذلك إلـى ثَمّ منـحر البدن والهدايا التـي أوجبتـموها إلـى أرض الـحرم. وقالوا: عنـي بـالبـيت العتـيق أرض الـحرم كلها. وقالوا: وذلك نظير قوله: فَلا يَقْرَبُوا الـمَسْجِدَ الـحَرَامَ والـمراد: الـحرم كله.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثم مـحلكم أيها الناس من مناسك حجكم إلـى البـيت العتـيق أن تطوفوا به يوم النـحر بعد قضائكم ما أوجبه الله علـيكم فـي حجكم. ذكر من قال ذلك:
19037ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا داود بن أبـي هند, عن مـحمد بن أبـي موسى: ثُمّ مَـحِلّها إلـى البَـيْتِ العَتِـيقِ قال: مـحلّ هذه الشعائر كلها الطواف بـالبـيت.
وقال آخرون: معنى ذلك: ثم مـحلّ منافع أيام الـحجّ إلـى البـيت العتـيق بـانقضائها. ذكر من قال ذلك:
19038ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ثُمّ مَـحِلّها إلـى البَـيْتِ العَتِـيقِ حين تنقضي تلك الأيام, أيام الـحجّ إلـى البـيت العتـيق.
وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: ثم مـحلّ الشعائر التـي لكم فـيها منافع إلـى أجل مسمى إلـى البـيت العتـيق, فما كان من ذلك هديا أو بدنا فبـموافـاته الـحرم فـي الـحرم, وما كان من نُسُك فـالطواف بـالبـيت.
وقد بـيّنا الصواب فـي ذلك من القول عندنا فـي معنى الشعائر.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَلِكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَىَ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ الأنْعَامِ فَإِلَـَهُكُمْ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشّرِ الْمُخْبِتِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلِكُلّ أُمّةٍ ولكلّ جماعة سَلَف فـيكم من أهل الإيـمان بـالله أيها الناس, جعلنا ذبحا يُهَرِيقون دمه لِـيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلـى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيـمَةِ الأنْعامِ بذلك لأن من البهائم ما لـيس من الأنعام, كالـخيـل والبغال والـحمير. وقـيـل: إنـما قـيـل للبهائم بهائم لأنها لا تتكلـم.
وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل قوله: جَعَلْنا مَنْسَكا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19039ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَلِكُلّ أُمّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكا قال: إهراق الدماء لِـيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
وقوله: فَإِلهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ يقول تعالـى ذكره: فـاجتنبوا الرجس من الأوثان, واجتنبوا قول الزور, فإلهكم إله واحد لا شريك له, فإياه فـاعبدوا وله أخـلصوا الألوهة. وقوله: فَلَهُ أسْلِـمُوا يقول: فلإلهكم فـاخضعوا بـالطاعة, وله فذلّوا بـالإقرار بـالعبودية.) وقوله: وَبَشّرِ الـمُخْبِتِـينَ يقول تعالـى ذكره: وبشر يا مـحمد الـخاضعين لله بـالطاعة, الـمذعنـين له بـالعبودية, الـمنـيبـين إلـيه بـالتوبة. وقد بـيّنا معنى الإخبـاث بشواهده فـيـما مضى من كتابنا هذا.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي الـمراد به فـي هذا الـموضع, فقال بعضهم: أريد به: وبشّر الـمطمئنـين إلـى الله. ذكر من قال ذلك:
19040ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَبَشّرِ الـمُخْبِتِـينَ قال: الـمطمئنـين.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: وَبَشّرِ الـمُخْبِتِـينَ الـمطمئنـين إلـى الله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى. وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَبَشّرِ الـمُخْبِتِـينَ قال: الـمطمئنـين.
19041ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة, فـي قوله: وَبَشّرِ الـمُخْبِتِـينَ قال: الـمتواضعين.
وقال آخرون فـي ذلك بـما:
19042ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا مـحمد بن مسلـم, عن عثمان بن عبد الله بن أوس, عن عمرو بن أوس, قال: الـمخبتون: الذين لا يَظْلـمون, وإذا ظُلـموا لـم ينتصروا.
حدثنـي مـحمد بن عثمان الواسطي, قال: حدثنا حفص بن عمر, قال: حدثنا مـحمد بن مسلـم الطائفـي, قال: ثنـي عثمان بن عبد الله بن أوس, عن عمرو بن أوس مثله.

الآية : 35
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { الّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصّابِرِينَ عَلَىَ مَآ أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصّلاَةِ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }.
فهذا من نعت الـمخبتـين يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: وبشّر يا مـحمد الـمخبتـين الذين تـخشع قلوبهم لذكر الله وتـخضع من خشيته, وَجَلاً من عقابه وخوفـا من سخطه. كما:
19043ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: الّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ قال: لا تقسو قلوبهم. والصّابِرِينَ عَلـى ما أصَابَهُمْ من شدّة فـي أمر الله, ونالهم من مكروه فـي جنبه. والـمُقِـيـمِي الصّلاَةِ الـمفروضة. وَمِـمّا رَزَقْناهُمْ من الأموال. يُنْفِقُونَ فـي الواجب علـيهم إنفـاقها فـيه, فـي زكاة ونفقة عيال ومن وجبت علـيه نفقته وفـي سبـيـل الله.

الآية : 36
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مّن شَعَائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا صَوَآفّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرّ كَذَلِكَ سَخّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والبُدْنَ وهي جمع بَدَنة, وقد يقال لواحدها: بَدَن, وإذا قـيـل بَدَن احتـمل أن يكون جمعا وواحدا, يدلّ علـى أنه قد يقال ذلك للواحد قول الراجز:
عَلـيّ حِينَ تَـمْلِكُ الأُمُورَاصَوْمَ شُهُورٍ وَجَبَتْ نُذُورَا
وَحَلْقَ رأسِي وَافِـيا مَضْفُورَاوَبَدًنا مُدَرّعا مَوْفُورَا
والبَدَن: هو الضخم من كلّ شيء, ولذلك قـيـل لامرىء القـيس بن النعمان صاحب الـخورنق والسّدِير: البَدَن, لضخمه واسترخاء لـحمه, فإنه يقال: قد بَدّن تبدينا. فمعنى الكلام: والإبل العظام الأجسام الضخام, جعلناها لكم أيها الناس من شعائر الله يقول: من أعلام أمر الله الذي أمركم به فـي مناسك حجكم إذا قلدتـموها وجللتـموها وأشعرتـموها, علـم بذلك وشعر أنكم فعلتـم ذلك من الإبل والبقر. كما:
19044ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن ابن جُرَيج, قال: قال عطاء: والبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِن شَعائِرِ اللّهِ قال: البقرة والبعير.
وقوله: لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ يقول: لكم فـي البدن خير وذلك الـخير هو الأجر فـي الاَخرة بنـحرها والصدقة بها, وفـي الدنـيا: الركوب إذا احتاج إلـى ركوبها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19045ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ قال: أجر ومنافع فـي البدن.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19046ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم: لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ قال: اللبن والركوب إذا احتاج.
حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن منصور, عن إبراهيـم: لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ قال: إذا اضطررت إلـى بدنتك ركبتها وشربت لبنها.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم: لَكُمْ فِـيها خَيْرٌ من احتاج إلـى ظهر البدنة ركب, ومن احتاج إلـى لبنها شرب.
وقوله: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ يقول تعالـى ذكره: فـاذكروا اسم الله علـى البدن عند نـحركم إياها صوافّ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الأمصار: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ بـمعنى مصطفة, واحدها: صافة, وقد صفت بـين أيديها. ورُوي عن الـحسن ومـجاهد وزيد بن أسلـم وجماعة أُخر معهم, أنهم قرءوا ذلك: «صَوَافِـيَ» بـالـياء منصوبة, بـمعنى: خالصة لله لا شريك له فـيها صافـية له. وقرأ بعضهم ذلك: «صَوَافٍ» بإسقاط الـياء وتنوين الـحرف, علـى مثال: عوارٍ وعوادٍ. ورُوي عن ابن مسعود أنه قرأه: «صَوَافِنٌ» بـمعنى: مُعْقلة.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندي قراءة من قرأه بتشديد الفـاء ونصبها, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه بـالـمعنى الذي ذكرناه لـمن قرأه كذلك. ذكر من تأوّله بتأويـل من قرأه بتشديد الفـاء ونصبها:
19047ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن الأعمش, عن أبـي ظبـيان, عن ابن عبـاس, فـي قوله: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ قال: الله أكبر الله أكبر, اللهمّ منك ولك. صوافّ: قـياما علـى ثلاث أرجل. فقـيـل لابن عبـاس: ما نصنع بجلودها؟ قال: تصدّقوا بها, واستـمتعوا بها.
19048ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: حدثنا أيوب بن سويد, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي ظبـيان, عن ابن عبـاس, فـي قوله: صَوَافّ قال: قائمة, قال: يقول: الله أكبر, لا إله إلا الله, اللهمّ منك ولك.
حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة, عن سلـيـمان, عن أبـي ظبـيان, عن ابن عبـاس: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ قال: قـياما علـى ثلاث قوائم معقولة بـاسم الله, الله أكبر, اللهمّ منك ولك.
19049ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي قوله: صَوَافّ قال: معقولة إحدى يديها, قال: قائمة علـى ثلاث قوائم.
19050ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ يقول: قـياما.
19051ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ والصوافّ: أن تعقل قائمة واحدة, وتصفها علـى ثلاث فتنـحرها كذلك.
19052ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يعلـى بن عطاء, قال: أخبرنا بجير بن سالـم, قال: رأيت ابن عمر وهو ينـحر بدنته, قال: فقال: صَوَافّ كما قال الله, قال: فنـحرها وهي قائمة معقولة إحدى يديها.
19053ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: أخبرنا لـيث, عن مـجاهد, قال: الصّوافّ: إذا عقلت رجلها وقامت علـى ثلاث.
19054ـ قال: حدثنا لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ قال: صوافّ بـين أوظافها.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: صَوَافّ قال: قـيام صواف علـى ثلاث قوائم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ قال: بـين وظائفها قـياما.
19055ـ حدثنا ابن البرقـي, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: أخبرنا يحيى بن أيوب, عن خالد بن يزيد, عن ابن أبـي هلال, عن نافع, عن عبد الله: أنه كان ينـحر البُدن وهي قائمة مستقبلة البـيت تصفّ أيديها بـالقـيود, قال: هي التـي ذكر الله: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ.
19056ـ حدثنا ابن حميد, قال: ثنـي جرير, عن منصور, عن رجل, عن أبـي ظبـيان, عن ابن عبـاس, قال: قلت له: قول الله فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ؟ قال: إذا أردت أن تنـحر البدنة فـانـحرها, وقل: الله أكبر, لا إله إلا الله, اللهم منك ولك, ثم سمّ ثم انـحرها. قلت: فأقول ذلك للأضحية؟ قال: وللأضحية.
ذكر من تأوّله بتأويـل من قرأه: «صَوَافِـيَ» بـالـياء:
19057ـ حدثنا ابن عبد الأعلـىء, قال: حدثنا الـمعتـمر, عن أبـيه, عن الـحسن أنه قال: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافِـيَ» قال: مُخْـلَصين.
قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, قال: قال الـحسن: «صَوَافِـيَ»: خالصة.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, قال: قال الـحسن: «صَوَافِـيَ»: خالصة لله.
19058ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن قـيس بن مسلـم, عن شقـيق الضبـيّ: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافِـيَ» قال: خالصة.
19059ـ قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا أيـمن بن نابل, قال: سألت طاوسا عن قوله: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافِـيَ» قال: خالصا.
19060ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافِـيَ» قال: خالصة لـيس فـيها شريك كما كان الـمشركون يفعلون, يجعلون لله ولاَلهتهم صوافـي صافـية لله تعالـى.
ذكر من تأوّله بتأويـل من قرأه «صَوَافِنَ»:
19061ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قَتادة: فـي حرف ابن مسعود: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافنَ»: أي معقلة قـياما.
حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قَتادة: فـي حرف ابن مسعود: «فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافنَ» قال: أي معقلة قـياما.
19062ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, قال: من قرأها «صَوَافِنَ» قال: معقولة. قال: ومن قرأها: صَوَافّ قال: تصفّ بـين يديها.
19063ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فـاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَـيْها صَوَافّ يعنـي صوافن, والبدنة إذا نـحرت عقلت يد واحدة, فكانت علـى ثلاث, وكذلك تُنـحر.
قال أبو جعفر: وقد تقدم بـيان أولـى هذه الأقوال بتأويـل قوله: صَوَافّ وهي الـمصطفة بـين أيديها الـمعقولة إحدى قوائمها.
وقوله: فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها يقول: فإذا سقطت فوقعت جنوبها إلـى الأرض بعد النـحر, فَكُلُوا مِنْها وهو من قولهم: قد وجبت الشمس: إذا غابت فسقطت للتغيب, ومنه قول أوس ابن حجر:
ألَـمْ تُكْسَفِ الشّمْسُ والبَدْرُ والْكوَاكِبُ للْـجَبَلِ الوَاجِبِ
يعنـي بـالواجب: الواقع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19064ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثنـي عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها سقطت إلـى الأرض.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
19065ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, فـي قوله: فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها قال: إذا فرغت ونُـحِرت.
19066ـ حدثنـي مـحمد بن عمارة, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي يحيى, عن مـجاهد: فإذَا وَجَبَتْ نـحرت.
19067ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها قال: إذا نـحرت.
19068ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فإذَا وَجَبَتْ جُنُوبُها قال: فإذا ماتت.
وقوله: فَكُلُوا مِنْها وهذا مخرجه مخرج الأمر ومعناه الإبـاحة والإطلاق يقول الله: فإذا نـحرت فسقطت ميتة بعد النـحر فقد حلّ لكم أكلها, ولـيس بأمر إيجاب.
وكان إبراهيـم النـخعي يقول فـي ذلك ما:
19069ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: الـمشركون كانوا لا يأكلون من ذبـائحهم, فرخص للـمسلـمين, فأكلوا منها, فمن شاء أكل ومن شاء لـم يأكل.
19070ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مؤمل, قال: حدثنا سفـيان, عن حصين, عن مـجاهد, قال: إن شاء أكل وإن شاء لـم يأكل, فهي بـمنزلة: فإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا.
19071ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: فَكُلُوا مِنْها وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ يقول: يأكل منها ويطعم.
19072ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن. وأخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم, وأخبرنا حجاج, عن عطاء. وأخبرنا حصين, عن مـجاهد, فـي قوله: فَكُلُوا مِنْها قال: إن شاء أكل وإن شاء لـم يأكل, قال مـجاهد: هي رخصة, هي كقوله: فإذَا قُضِيَتِ الصّلاةُ فـانْتَشِرُوا فِـي الأرْضِ ومثل قوله: وَإذَا حَلَلْتُـمْ فـاصْطادُوا, وقوله: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ يقول: فأطعموا منها القانع.
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالقانع والـمعترّ, فقال بعضهم: القانع الذي يقنع بـما أعطي أو بـما عنده ولا يسأل, والـمعترّ: الذي يتعرّض لك أن تطعمه من اللـحم ولا يسأل. ذكر من قال ذلك:
19073ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع: الـمستغنـي بـما أعطيته وهو فـي بـيته, والـمعترّ: الذي يتعرّض لك ويـلـمّ بك أن تطعمه من اللـحم ولا يسأل. وهؤلاء الذين أمر أن يطعموا من البُدن.
19074ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: القانع: جارك الذي يقنع بـما أعطيته, والـمعترّ: الذي يتعرّض لك ولا يسألك.
19075ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي أبو صخر, عن القرظي أنه كان يقول فـي هذه الاَية: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ القانع: الذي يقنع بـالشيء الـيسير يرضى به, والـمعترّ: الذي يـمرّ بجانبك لا يسأل شيئا فذلك الـمعترّ.
وقال آخرون: القانع: الذي يقنع بـما عنده ولا يسأل والـمعترّ: الذي يعتريك فـيسألك. ذكر من قال ذلك:
19076ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: القانِعَ والـمُعْتَرّ يقول: القانع الـمتعفف والـمُعْتَرّ يقول: السائل.
19077ـ حدثنا ابن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد, قال: حدثنا خصيف, قال: سمعت مـجاهدا يقول: القانع: أهل مكة والـمعترّ: الذي يعتريك فـيسألك.
حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا عطاء, عن خصيف, عن مـجاهد مثله.
19078ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: ثنـي كعب بن فروخ, قال: سمعت قَتادة يحدث, عن عكرمة, فـي قوله: القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع: الذي يقعد فـي بـيته, والـمعترّ: الذي يسأل.
19079ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قال: القانع: الـمتعفف الـجالس فـي بـيته والـمعترّ: الذي يعتريك فـيسألك.
حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع: الطامع بـما قِبلك ولا يسألك والـمعترّ: الذي يعتريك ويسألك.
19080ـ حدثنـي نصر بن عبد الرحمن, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد وإبراهيـم قالا: القانع: الـجالس فـي بـيته والـمعترّ: الذي يسألك.
19081ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فـي القانع والـمعترّ, قال: القانع: الذي يقنع بـما فـي يديه والـمعترّ: الذي يعتريك, ولكلـيهما علـيك حقّ يا ابن آدم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد: فَكُلُوا منْها وأطْعمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع الذي يجلس فـي بـيته. والـمعترّ: الذي يعتريك.
وقال آخرون: القانع: هو السائل, والـمعترّ: هو الذي يعتريك ولا يسأل. ذكر من قال ذلك:
19082ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا يونس, عن الـحسن, قال: القانع: الذي يقنع إلـيك ويسألك والـمعترّ: الذي يتعرّض لك ولا يسألك.
19083ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور بن زاذان, عن الـحسن, فـي هذه الاَية: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع: الذي يقنع, والـمعترّ: الذي يعتريك. قال: وقال الكلبـي: القانع: الذي يسألك والـمعترّ: الذي يعتريك, يتعرّض ولا يسألك.
حدثنـي نصر بن عبد الرحمن الأودي, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن سفـيان, عن يونس, عن الـحسن, فـي قوله: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع: الذي يسألك, والـمعترّ: الذي يتعرّض لك.
19084ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أبـيه, قال: قال سعيد بن جُبـير: القانع: السائل.
19085ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي, قال: ثنـي غالب, قال: ثنـي شريك, عن فرات القزاز, عن سعيد بن جُبـير, فـي قوله: القانِعَ قال: هو السائل, ثم قال: أما سمعت قول الشماخ.
لَـمَالُ الـمَرْءِ يُصْلِـحُهُ فَـيُغْنىمَفـاقَرهُ أعَفّ مِنَ القُنُوعِ
قال: من السؤال.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا يونس, عن الـحسن, أنه قال فـي قوله: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع: الذي يقنع إلـيك يسألك, والـمعترّ: الذي يريك نفسه ويتعرّض لك ولا يسألك.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشام, قال: أخبرنا منصور ويونس, عن الـحسن, قال: القانع: السائل, والـمعترّ: الذي يتعرّض ولا يسأل.
19086ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عبد الله بن عياش, قال: قال زيد بن أسلـم: القانع: الذي يسأل الناس.
وقال آخرون: القانع: الـجار, والـمعترّ: الذي يعتريك من الناس. ذكر من قال ذلك:
19087ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت لـيثا, عن مـجاهد, قال: القانع: جارك وإن كان غنـيّا, والـمعترّ: الذي يعتريك.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن ابن أبـي نـجيح, قال: قال مـجاهد, فـي قوله: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع: جارك الغنـيّ, والـمعترّ: من اعتراك من الناس.
19088ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم, فـي قوله: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ أنه قال: أحدهما السائل, والاَخر الـجار.
وقال آخرون: القانع: الطوّاف, والـمعترّ: الصديق الزائر. ذكر من قال ذلك:
19089ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: ثنـي أبـي وشعيب بن اللـيث, عن اللـيث, عن خالد بن يزيد, عن ابن أبـي هلال, قال: قال زيد بن أسلـم, فـي قول الله تعالـى: القانِعَ والـمُعْتَرّ فـالقانع: الـمسكين الذي يطوف, والـمعترّ: الصديق والضعيف الذي يزور.
وقال آخرون: القانع: الطامع, والـمعترّ: الذي يعترّ بـالبدن. ذكر من قال ذلك:
19090ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: القانِعَ قال: الطامع والـمعترّ: من يعترّ بـالبدن من غنـيّ أو فقـير.
19091ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: أخبرنـي عمر بن عطاء, عن عكرِمة, قال: القانع: الطامع.
وقال آخرون: القانع: هو الـمسكين, والـمعترّ: الذي يتعرّض للـحم. ذكر من قال ذلك:
19092ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وأطْعِمُوا القانِعَ والـمُعْتَرّ قال: القانع: الـمسكين, والـمعترّ: الذي يعترّ القوم للـحمهم ولـيس بـمكسين, ولا تكون له ذبـيحة, يجيء إلـى القوم من أجل لـحمهم, والبـائس الفقـير: هو القانع.
وقال آخرون بـما:
19093ـ حدثنا به ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن فرات, عن سعيد بن جُبـير, قال: القانع: الذي يقنع, والـمعترّ: الذي يعتريك.
19094ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن يونس, عن الـحسن بـمثله.
19095ـ قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم ومـجاهد: القانِعَ والـمُعْتَرّ القانع: الـجالس فـي بـيته, والـمعترّ: الذي يتعرّض لك.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: عنـي بـالقانع: السائل لأنه لو كان الـمعنـيّ بـالقانع فـي هذا الـموضع الـمكتفـي بـما عنده والـمستغنـي به, لقـيـل: وأطعموا القانع والسائل, ولـم يقل: وأطعموا القانع والـمعترّ. وفـي إتبـاع ذلك قوله: والـمعترّ الدلـيـل الواضح علـى أن القانع معنـيّ به السائل, من قولهم: قنع فلان إلـى فلان, بـمعنى سأله وخضع إلـيه, فهو يقنع قنوعا ومنه قول لبـيد:
وأعْطانِـي الـمَوْلـى عَلـى حِينَ فَقْرِهِإذَا قالَ أبْصِرْ خَـلّتِـي وَقُنُوعي
وأما القانع الذي هو بـمعنى الـمكتفـي, فإنه من قَنِعْت بكسر النون أقنع قناعة وقنعا وقنعانا. وأما الـمعترّ: فإنه الذي يأتـيك معترّا بك لتعطيه وتطعمه.
وقوله: كَذلكَ سَخّرْناها لَكُمْ يقول هكذا سخرنا البدن لكم أيها الناس لَعَلّكُمْ تَشكُرونَ يقول: لتشكرونـي علـى تسخيرها لكم.
الآية : 37
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { لَن يَنَالَ اللّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَـَكِن يَنَالُهُ التّقْوَىَ مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبّرُواْ اللّهَ عَلَىَ مَا هَدَاكُمْ وَبَشّرِ الْمُحْسِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: (لن) يصل إلـى الله لـحوم بدنكم ولا دماؤها, ولكن يناله اتقاؤكم إياه إن اتقـيتـموه فـيها فأردتـم بها وجهه وعملتـم فـيها بـما ندبكم إلـيه وأمركم به فـي أمرها وعظمتـم بها حرماته.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
19096ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم, فـي قول الله: لَنْ يَنالَ اللّهَ لُـحُومُها وَلا دِماؤُها وَلَكِنْ يَنالُهُ التّقْوَى مِنْكُمْ قال: ما أريد به وجه الله.
19097ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لَنْ يَنالَ اللّهَ لُـحُومُها وَلا دِماؤُها وَلَكنْ يَنالُهُ التّقْوَى مِنْكُمْ قال: إن اتقـيت الله فـي هذه البُدن, وعملت فـيها لله, وطلبت ما قال الله تعظيـما لشعائر الله ولـحرمات الله, فإنه قال: وَمَنْ يُعَظّمْ شَعائِرَ اللّهِ فإنّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ قال: وَمَنْ يُعَظّمْ حُرُماتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبّهِ قال: وجعلته طيبـا, فذلك الذي يتقبل الله. فأما اللـحوم والدماء, فمن أين تنال الله؟
وقوله: كَذلكَ سَخّرَها لَكُمْ يقول: هكذا سخر لكم البُدن لِتُكُبّرُوا اللّهَ عَلـى ما هَداكُمْ يقول: كي تعظموا الله علـى ما هداكم, يعنـي علـى توفـيقه إياكم لدينه وللنسك فـي حجكم. كما:
19098ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: لِتُكَبّرُوا اللّهَ عَلـى ما هَداكُمْ قال: علـى ذبحها فـي تلك الأيام.
وَبَشّرِ الـمُـحْسِنِـينَ يقول: وبشّر يا مـحمد الذين أطاعوا الله فأحسنوا فـي طاعتهم إياه فـي الدنـيا بـالـجنة فـي الاَخرة.
الآية : 38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { إِنّ اللّهَ يُدَافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوَاْ إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ خَوّانٍ كَفُورٍ }.
يقول تعالـى ذكره: إن الله يدفع غائلة الـمشركين عن الذين آمنوا بـالله وبرسوله, إن الله لا يحبّ كلّ خوان يخون الله فـيخالف أمره ونهيه ويعصيه ويطيع الشيطان كَفُورٍ يقول: جَحود لنعمه عنده, لا يعرف لـمنعمها حقه فـيشكره علـيها. وقـيـل: إنه عنـي بذلك دفع الله كفـار قريش عمن كان بـين أظهرهم من الـمؤمنـين قبل هجرتهم