تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 384 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 384

383

77- "وإنه لهدى ورحمة للمؤمنين" أي وإن القرآن لهدى ورجمة لمن آمن بالله وتابع رسوله، وخص المؤمنين لأنهم المنتفعون به، ومن جملتهم من آمن من بني إسرائيل.
78- "إن ربك يقضي بينهم بحكمه" أي يقضي بين المختلفين من بني إسرائيل بما يحكم به من الحق فيجازي المحق ويعاقب المبطل، وقيل يقضي بينهم في الدنيا فيظهر ما حرفوه. قرأ الجمهور "بحكمه" بضم الحاء وسكون الكاف. وقرأ جناح بكسرها وفتح الكاف جمع حكمة "وهو العزيز العليم" العزيز الذي لا يغالب، والعليم بما يحكم به، أو الكثير العلم.
ثم أمره سبحانه بالتوكل وقلة المبالاة، فقال: 79- "فتوكل على الله" والفاء لترتيب الأمر على ما تقدم ذكره، والمعنى: فوض إليه أمرك واعتمد عليه فإنه ناصرك. ثم علل ذلك بعلتين: الأولى قوله: "إنك على الحق المبين" أي الظاهر، وقيل المظهر.
والعلة الثانية قوله: 80- "إنك لا تسمع الموتى" لأنه إذا علم أن حالهم كحال الموتى في انتفاء الجدوى بالسماع أو كحال الصم الذين لا يسمعون ولا يفهمون ولا يهتدون صار ذلك سبباً قوياً في عدم الاعتداء بهم، شبه الكفار بالموتى الذين لا حس لهم ولا عقل، وبالصم الذين لا يسمعون المواعظ ولا يجيبون الدعاء إلى الله. ثم ذكر جملة لتكميل التشبيه وتأكيده فقال: "إذا ولوا مدبرين" أي إذا أعرضوا عن الحق إعراضاً تاماً، فإن الأصم لا يسمع الدعاء إذا كان مقبلاً فكيف إذا كان معرضاً عنه مولياً مدبراً. وظاهر نفي إسماع الموتى العموم، فلا يخص منه إلا ما ورد بدليل كما ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم خاطب القتلى في قليب بدر، فقيل له يا رسول الله إنما تكلم أجساداً أرواح لها، وكذلك ما ورد من أن الميت يسمع خفق نعال المشيعين له أذا انصرفوا. وقرأ ابن محيصن وحميد وابن كثير وابن أبي إسحاق "لا يسمع" بالتحتية مفتوحة وفتح الميم، وفاعله "الصم". وقرأ الباقون "تسمع" بضم الفوقية وكسر الميم من أسمع. قال قتادة الأصم إذا ولى مدبراً ثم ناديته لم يسمع، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان.
ثم ضرب العمي مثلاً لهم فقال: 81- "وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم" أي ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الحق إرشاداً يوصله إلى المطلوب منه وهو الإيمان، وليس في وسعك ذلك، ومثله قوله: "إنك لا تهدي من أحببت" قرأ الجمهور بإضافة هادي إلى العمي. وقرأ يحيى بن الحارث وأبو حيان بهاد العمي بتنوين هاد. وقرأ حمزة تهدي فعلاً مضارعاً، وفي حرف عبد الله وما أن تهدي العمي "إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا" أي ما تسمع إلا من يؤمن لا من يكفر، والمراد بمن يؤمن بالآيات من يصدق القرآن، وجملة "فهم مسلمون" تعليل للإيمان: أي فهم مناقدون مخلصون. ثم هدد العباد بذكر طرف من أشراط الساعة وأهوالها.
فقال: 82- "وإذا وقع القول عليهم". واختلف في معنى وقوع القول عليهم، فقال قتادة: وجب الغضب عليهم. وقال مجاهد: حق القول عليهم بأنهم لا يؤمنون، وقيل حق العذاب عليهم، وقيل وجب السخط، والمعاني متقاربة. وقيل المراد بالقول ما نطق به القرآن من مجيء الساعة وما فيها من فنون الأهوال التي كانوا يستعجلونها، وقيل وقع القول بموت العلماء وذهاب العلم، وقيل إذا لم يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر. والحاصل أن المراد بوقع وجب، والمراد بالقول مضمونه، أو أطلق المصدر على المفعول: أي المقول، وجواب الشرط "أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم". واختلف في هذه الدابة على أقوال، فقيل إنها فصيل ناقة صالح يخرج عند اقتراب القيامة ويكون من أشراط الساعة. وقيل هي دابة ذات شعر وقوائم طوال يقال لها الجساسة. وقيل هي دابة على خلقة بني آدم وهي في السحاب وقوائمها في الأرض. وقيل رأسها رأس ثور وعينها عين خنزير وأذنها أذن فيل وقرنها قرن إيل، وعنقها عنق نعامة، وصدرها صدر أسد، ولونها لون نمر وخاصرتها خاصرة هر، وذنبها ذنب كبش وقوائمها قوائم بعير، بين كل مفصل ومفصل إثنا عشر ذراعاً. وقيل هي الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة، والمراد أنها هي التي تخرج في آخر الزمان وقيل هي دابة ما لها ذنب ولها لحية وقيل هي إنسان ناطق متكلم يناظر أهل البدع ويراجع الكفار، وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره وقد رجح القول الأول القرطبي في تفسيره. واختلف من أي موضع تخرج؟ فقيل من جبل الصفا بمكة، وقيل تخرج من جبل أبي قبيس. وقيل لها ثلاث خرجات: خرجة في بعض البوادي حتى يتقاتل عليها الناس، وتكثر الدماء ثم تكمن، وتخرج في القرى ثم تخرج من أعظم المساجد وأكرمها وأشرفها، وقيل تخرج من بين الركن والمقام، وقيل تخرج في تهامة، وقيل من مسجد الكوفة من حيث فار التنور، وقيل من أرض الطائف، وقيل من صخرة من شعب أجياد، وقيل من صدع في الكعبة. واختلف في معنى قوله تكلمهم فقيل: تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام وقيل تكلمهم بما يسوؤهم وقيل تكلمهم بقوله تعالى: "أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون" أي بخروجها لأن خروجها من الآيات. قرأ الجمهور تكلمهم من التكليم، ويدل عليه قراءة أبي تنبئهم وقرأ ابن عباس وأبو زرعة وأبو رجاء والحسن: تكلمهم بفتح الفوقية وسكون الكاف من الكلم، وهو الجرح. قال عكرمة: أي تسمهم وسماً، وقيل تجرحهم، وقيل إن قراءة الجمهور مأخوذة من الكلم بفتح الكاف وسكون اللام وهو الجرح، والتشديد للتكثير، قاله أبو حاتم. قرأ الجمهور: " أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " بكسر إن على الاستئناف، وقرأ الكوفيون وابن أبي إسحاق بفتح "أن" قال الأخفش: المعنى على قراءة الفتح بأن الناس وكذا قرأ ابن مسعود بأن الناس بالباء. وقال أبو عبيد: موضعها نصب بوقوع الفعل عليها: أي تخبرهم أن الناس، وعلى هذه القراءة فالذي تكلم الناس به هو قوله: "أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون" كما قدمنا الإشارة إلى ذلك. وأما على قراءة الكسر فالجملة مستأنفة كما قدمنا، ولا تكون من كلام الدابة. وقد صرح بذلك جماعة من المفسرين، وجزم به الكسائي والفراء. وقال الأخفش: إن كسر إن هو على تقدير القول أي تقول لهم إن الناس إلخ، فيرجع معنى القراءة الأولى على هذا إلى معنى القراءة الثانية، والمارد بالناس في الآية: هم الناس على العموم، فيدخل في ذلك كل مكلف، وقيل المراد الكفار خاصة، وقيل كفار مكة، والأول أولى. وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "عسى أن يكون ردف لكم" قال: اقترب لكم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون" قال: يعلم ما عملوا بالليل والنهار. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضاً "وما من غائبة" الآية يقول: ما من شيء في السماء والأرض سراً ولا علانية إلا يعلمه. وأخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد وعبد ابن حميد وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه عن ابن عمر في قوله: "وإذا وقع القول عليهم" الآية قال: إذا لم يأمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر. وأخرجه ابن مردويه عنه مرفوعاً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي العالية أنه فسر "وقع القول عليهم" بما أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "دابة من الأرض تكلمهم" قال: تحدثهم. وأخرج ابن جرير عنه قال كلامها تنبئهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي داود نفيع الأعمى قال: سألت ابن عباس عن قوله: "تكلمهم" يعني هل هو من التكليم باللسان أو من الكلم وهو الجرح، فقال: كل ذلك والله تفعل تكلم المؤمن وتكلم الكافر: أي تجرحه. وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ليس ذلك حديث ولا كلام، ولكنها سمة تسم من أمرها الله به، فيكون خروجها من الصفا ليلة منى، فيصبحون بين رأسها وذنبها لا يدحض داحض ولا يجرح جارح، حتى إذا فرغت مما أمرها الله به فهلك من هلك ونجا من نجا، كان أول خطوة تضعها بإنطاكية". وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: الدابة ذات وبر وريش مؤلفة فيها من كل لون، لها أربع قوائم تخرج بعقب من الحاج. وأخرج أحمد وابن مردويه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تخرج الدابة فتسم على خراطيمهم، ثم يعمرون فيكم حتى يشتري الرجل الدابة، فيقال له ممن اشتريتها؟ فيقول: من الرجل المخطم". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس إن للدابة ثلاثة خرجات، وذكر نحو ما قدمنا. وأخرج ابن مردويه عن حذيفة بن أسيد رفعه قال "تخرج الدابة من أعظم المساجد حرمة". وأخرج سعيد بن منصور ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تخرج من بعض أودية تهامة. وأخرج الطيالسي وأحمد ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تخرج من بعض أودية تهامة. وأخرج الطيالسي وأحمد ونعيم بن حماد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تخرج دابة الأرض ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن بالخاتم، وتخطم أنف الكافر بالعصا، حتى يجتمع الناس على الخوان يعرف المؤمن من الكافر". وأخرج الطيالسي ونعيم بن حماد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: "ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: لها ثلاث خرجات من الدهر" وذكر نحو ما قدمنا في حديث طويل. وفي صفتها ومكان خروجها وما تصنعه ومتى تخرج أحاديث كثيرة بعضها صحيح، وبعضها حسن، وبعضها ضعيف. وأما كونها تخرج، وكونها من علامات الساعة فالأحاديث الواردة في ذلك صحيحة. ومنها ما هو ثابت في الصحيح كحديث حذيفة مرفوعاً "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات" وذكر منها الدابة فإنه في صحيح مسلم وفي السنن الأربعة وكحديث "بادروا بالأعمال قبل طلوع الشمس من مغربها، والدجال، والدابة" فإنه في صحيح مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وكحديث ابن عمر مرفوعاً "إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى" فإنه في صحيح مسلم أيضاً.
ثم ذكر سبحانه طرفاً مجملاً من أهوال يوم القيامة، فقال: 83- "ويوم نحشر من كل أمة فوجاً" العامل في الظرف فعل محذوف خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم، والحشر الجمع. قيل والمراد بهذا الحشر هو حشر العذاب بعد الحشر الكلي الشامل لجميع الخلق، ومن لابتداء الغاية، والفوج: الجماعة كالزمرة، ومن في "ممن يكذب بآياتنا" بيانية "فهم يوزعون" أي يحبس أولهم على آخرهم، وقد تقدم تحقيقه في هذه السورة مستوفى، وقيل معناه: يدفعون، ومنه قول الشماخ: وسمه وزعنا من خمس جحفل ومعنى الآية: واذكر يا محمد يوم نجمع من كل أمة من الأمم جماعة مكذبين بآياتنا فهم عند ذلك الحشر يرد أولهم على آخرهم أو يدفعون: أي اذكر لهم هذا أو بينه تحذيراً لهم وترهيباً.
84- " حتى إذا جاؤوا " إلى موقف الحساب قال الله لهم توبيخاً وتقريعاً "أكذبتم بآياتي" التي أنزلتها على رسلي، وأمرتهم بإبلاغها إليكم "و" الحال أنكم "لم تحيطوا بها علماً" بل كذبتم بها بادئ بدء جاهلين لها غير ناظرين فيها ولا مستدلين على صحتها أو بطلانها تمرداً وعناداً وجرأة على الله وعلى رسله، وفي هذا مزيد تقريع وتوبيخ، لأن من كذب بشيء ولم يحط به علماً فقد كذب في تكذيبه، ونادى على نفسه بالجهل وعدم الإنصاف، وسوء الفهم، وقصور الإدراك، ومن هذا قبيل من تصدى لذم علم من العلوم الشرعية أو لذم علم هو مقدمة من مقدماتها، ووسيلة يتوسل بها إليها، ويفيد زيادة بصيرة في معرفتها، وتعقل معانيها كعلوم اللغة العربية بأسرها، وهي إثنا عشر علماً، وعلم أصول الفقه فإنه يتوصل به إلى استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية مع اشتماله على بيان قواعد اللغة الكلية، وهكذا كل علم من العلوم التي لها مزيد نفع في فهم كتاب الله وسنة رسوله، فإنه قد نادى على نفسه بأرفع صوت بأنه جاهل مجادل بالباطل طاعن على العلوم الشرعية، مستحق لأن تنزل به قارعة من قوارع العقوبة التي تزجره عن جهله وضلاله وطعنه على ما لا يعرفه، ولا يعلم به، ولا يحيط بكنهه حتى يصير عبرة لغيره، وموعظة يتعظ بها أمثاله من ضعاف العقول وركاك الأديان، ورعاع المتلبسين بالعلم زوراً وكذباً، وأم في قوله: " أماذا كنتم تعملون " هي المنقطعة، والمعنى: أم أي شيء كنتم تعملون حتى شغلكم ذلك عن النظر فيها والتفكر في معانيها، وهذا الاستفهام على طريق التبكيت لهم.
85- "ووقع القول عليهم" قد تقدم تفسيره قريباً، والباء في "بما ظلموا" للسببية: أي وجب القول عليهم بسبب الظلم الذي أعظم أنواعه الشرك بالله "فهم لا ينطقون" عند وقوع القول عليهم: أي ليس لهم عذر ينطقون به، أو لا يقدرون على القول لما يرونه من الهول العظيم. وقال أكثر المفسرين: يختم على أفواههم فلا ينطقون، ثم بعد أن خوفهم بأهوال القيامة ذكر سبحانه ما يصلح أن يكون دليلاً على التوحيد، وعلى الحشر، وعلى النبوة مبالغة في الإرشاد وإبلاء للمعذرة.
فقال: 86- "ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصراً" أي جعلنا الليل للسكون، والاستقرار والنوم، وذلك بسبب ما فيه من الظلمة فإنهم لا يسعون فيه للمعاش، والنهار مبصراً ليبصروا فيه ما يسعون له من المعاش الذي لا بد له منهم، ووصف النهار بالإبصار، وهو وصف للناس مبالغة في إضاءته كأنه يبصر ما فيه. قيل في الكلام حذف، والتقدير: وجعلنا الليل مظلماً ليسكنوا، وحذف مظلماً لدلالة مبصراً عليه، وقد تقدم تحقيقه في الإسراء وفي يونس "إن في ذلك" المذكور "لآيات" أي علامات ودلالات "لقوم يؤمنون" بالله سبحانه. ثم ذكر سبحانه علامة أخرى للقيامة فقال "ويوم ينفخ في الصور" هو معطوف على ويوم نحشر منصوب بناصبه المتقدم. قال الفراء: إن المعنى: وذلكم يوم ينفخ في الصور، والأول أولى. والصور: قرن ينفخ فيه إسرافيل، وقد تقدم تحقيقه في الإسراء وفي يونس "إن في ذلك" المذكور "لآيات" أي علامات ودلالات "لقوم يؤمنون" بالله سبحانه.
ثم ذكر سبحانه علامة أخرى للقيامة فقال: 87- "ويوم ينفخ في الصور" هو معطوف على ويوم نحشر منصوب بناصبه المتقدم. قال الفراء: إن المعنى: وذلكم يوم ينفخ في الصور، والأول أولى. والصور: قرن ينفخ فيه إسرافيل، وقد تقدم في الأنعام استيفاء الكلام عليه. والنفخات في الصور ثلاث: الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة البعث. وقيل إنها نفختان، وإن نفخة الفزع إما أن تكون راجعة إلى نفخة الصعق أو إلى نفخة البعث، واختار هذا القشيري والقرطبي وغيرهما. وقال الماوردي: هذه النفخة المذكورة هنا يوم النشور من القبور "ففزع من في السموات ومن في الأرض" أي خافوا وانزعجوا لشدة ما سمعوا، وقيل المراد بالفزع هنا: الإسراع والإجابة إلى النداء من قولهم فزعت إليك في كذا: إذا أسرعت إلى إجابتك، والأول أولى بمعنى الآية. وإنما عبر بالماضي مع كونه معطوفاً على مضارع للدلالة على تحقق الوقوع حسبما ذكره علماء البيان. وقال الفراء: هو محمول على المعنى لأن المعنى إذا نفخ "إلا ما شاء الله" أي إلا من شاء الله أن يفزع عند تلك النفخة. واختلف في تعيين من وقع الاستثناء له، فقيل هم الشهداء والأنبياء، وقيل الملائكة، وقيل جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وقيل الحور العين، وقيل هم المؤمنون كافة بدليل قوله فيما بعد "من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون" ويمكن أن يكون الاستثناء شاملاً لجميع المذكورين فلا مانع من ذلك "وكل أتوه داخرين" قرأ الجمهور "آتوه" على صيغة اسم الفاعل مضافاً إلى الضمير الراجع إلى الله سبحانه. وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب وحمزة وحفص عن عاصم "أتوه" فعلاً ماضياً، وكذا قرأ ابن مسعود. وقرأ قتادة وكل أتاه. قال الزجاج: إن من قرأ على الفعل الماضي فقد وحد على لفظ كل، ومن قرأ على اسم الفاعل فقد جمع على معناه، وهو غلط ظاهر، فإن كلا القراءتين لا توحيد فيها، بل التوحيد في قراءة قتادة فقط، ومعنى داخرين صاغرين ذليلين، وهو منصوب على الحال، قرأ الجمهور داخرين وقرأ الأعرج دخرين بغير ألف، وقد مضى تفسير هذا في سورة النحل.
88- "وترى الجبال تحسبها جامدة" معطوف على ينفخ. والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يصلح للرؤية، و تحسبها جامدة في محل نصب على الحال من ضمير ترى أو من مفعوله، لأن الرؤية بصرية، وقيل هي بدل من الجملة الأولى، وفيه ضعف، وهذه هي العلامة الثالثة لقيام الساعة، ومعنى تحسبها جامدة: أي قائمة ساكنة، وجملة "وهي تمر مر السحاب" في محل نصب على الحال: أي وهي تسير سيراً حثيثاً كسير السحاب التي تسيرها الرياح. قال القتيبي: وذكل أن الجبال تجمع وتسير وهي في رؤية العين كالقائمة وهي تسير. قال القشيري وهذا يوم القيامة، ومثله قوله تعالى: "وسيرت الجبال فكانت سراباً" قرأ أهل الكوفة "تحسبها" بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها "صنع الله الذي أتقن كل شيء" انتصاب صنع على المصدرية عند الخليل وسيبويه وغيرهما: أي صنع الله ذلك صنعاً، وقيل هو مصدر مؤكد لقوله "ويوم ينفخ في الصور" وقيل منصوب على الإغراء: أي انظروا صنع الله، ومعنى "الذي أتقن كل شيء" الذي أحكمه، يقال رجل تقن: أي حاذق بالأشياء، وجملة "إنه خبير بما تفعلون" تعليل لما قبلها من كونه سبحانه صنع ما صنع وأتقن كل شيء. والخبير: المطلع على الظواهر والضمائر. قرأ الجمهور بالتاء الفوقية على الخطاب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وهشام بالتحتية على الخبر.