تفسير الطبري تفسير الصفحة 384 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 384
385
383
 الآية : 77-78
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤمِنِينَ * إِن رَبّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ }.
يقول تعالـى ذكره: إن هذا القرآن لهدى, يقول: لبـيان من الله, بـين به الـحقّ فـيـما اختُلف فـيه خـلقه من أمور دينهم وَرَحْمَةٌ للْـمُؤْمِنِـينَ يقول: ورحمة لـمن صدق به وعمل بـما فـيه إنّ رَبّكَ يَقْضِي بَـيْنَهُمْ يقول: إن ربك يقضي بـين الـمختلفـين من بـين إسرائيـل بحكمه فـيهم, فـينتقم من الـمبطل منهم, ويجازي الـمـحسن منهم الـمـحقّ بجزائه وَهُوَ العَزِيزُ العَلِـيـمُ يقول: وربك العزيز فـي انتقامه من الـمبطل منهم ومن غيرهم, لا يقدر أحد علـى منعه من الانتقام منه إذا انتقم العلـيـم بـالـمـحقّ الـمـحسن من هؤلاء الـمختلفـين من بنـي إسرائيـل فـيـما اختلفوا فـيه, ومن غيرهم من الـمبطل الضالّ عن الهدى.

الآية : 79-80
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّكَ عَلَى الْحَقّ الْمُبِينِ * إِنّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَىَ وَلاَ تُسْمِعُ الصّمّ الدّعَآءَ إِذَا وَلّوْاْ مُدْبِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ففوّض إلـى الله يا مـحمد أمورك, وثق به فـيها, فإنه كافـيك إنّكَ عَلـى الـحَقّ الـمُبِـين لـمن تأمّله, وفكر ما فـيه بعقل, وتدبره بفهم, أنه الـحقّ, دون ما علـيه الـيهود والنصارى الـمختلفون من بنـي إسرائيـل, ودون ما علـيه أهل الأوثان الـمكذّبوك فـيـما أتـيتهم به من الـحقّ, يقول: فلا يحزنك تكذيب من كذّبك, وخلاف من خالفك, وامض لأمر ربك الذي بعثك به. وقوله: إنّكَ لا تُسْمِعُ الـمَوْتَـى يقول: إنك يا مـحمد لا تقدر أن تُفهِم الـحقّ من طبع الله علـى قلبه فأماته, لأن الله قد ختـم علـيه أن لا يفهمه ولاَ تُسْمِعَ الصّمّ الدّعاءَ يقول: ولا تقدر أن تسمع ذلك من أصمّ الله عن سماعه سمعه إذَا وَلّوْا مُدْبِرِينَ يقول: إذا هم أدبروا معرضين عنه, لا يسمعون له لغلبة دين الكفر علـى قلوبهم, ولا يُصغون للـحقّ, ولا يتدبرونه, ولا ينصتون لقائله, ولكنهم يعرضون عنه, وينكرون القول به, والاستـماع له.

الآية : 81-82
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مّسْلِمُونَ * وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبّةً مّنَ الأرْضِ تُكَلّمُهُمْ أَنّ النّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ }.
اختلف القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الكوفـيـين: وما أنْتَ بِهادِي بـالـياء والألف وإضافته إلـى العمي بـمعنى: لست يا مـحمد بهادي من عمي عن الـحقّ عَنْ ضَلالَتِهِ. وقراءة عامة قرّاء الكوفة «وَما أنْتَ تَهْدِي العُمْىَ» بـالتاء ونصب العمي, بـمعنى: ولست تهديهم عَنْ ضَلالَتهِمْ ولكن الله يهديهم إن شاء.
والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى مشهورتان فـي قرّاء الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وتأويـل الكلام ما وصفت وَما أنتَ يا مـحمد بِهادِي من أعماه الله عن الهدى والرشاد فجعل علـى بصره غشاوة أن يتبـين سبـيـل الرشاد عن ضلالته التـي هو فـيها إلـى طريق الرشاد وسبـيـل الرشاد. وقوله: إنْ تُسْمِعُ إلاّ مَنْ يُؤْمِنُ بآياتِنا يقول: ما تقدر أن تُفهم الـحقّ وتوعيه أحدا إلا سمع من يصدّق بآياتنا, يعنـي بأدلته وحججه وآي تنزيـله فَهُمْ مُسْلـمُونَ فإن أولئك يسمعون منك ما تقول ويتدبرونه, ويفكرون فـيه, ويعملون به, فهم الذين يسمعون. ذكر من قال مثل الذي قلنا فـي قوله تعالـى: وَقَع:
20612ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ قال: حقّ علـيهم.
20613ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهُمْ يقول: إذا وجب القول علـيهم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ قال: حقّ العذاب.
قال ابن جُرَيج: القول: العذاب. ذكر من قال قولنا فـي معنى القول:
20614ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ والقول: الغضب.
20615ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن هشام, عن حفصة, قالت: سألت أبـا العالـية, عن قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ فقال: أوحى الله إلـى نوح إنّهُ لَنْ يُؤْمِنُ مِنَ قَوْمِكَ إلاّ مَنْ قَدْ آمَنَ قالت: فكأنـما كان علـى وجهي غطاء فكشف.
وقال جماعة من أهل العلـم: خروج هذه الدابة التـي ذكرها حين لا يأمر الناس بـمعروف ولا ينهون عن منكر. ذكر من قال ذلك:
20616ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا الأشجعي, عن سفـيان, عن عمرو بن قـيس, عن عطية العوفـي, عن ابن عمر فـي قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ قال: هو حين لا يأمرون بـمعروف ولا ينهون عن منكر.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا مـحمد بن الـحسن أبو الـحسن, قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـملائي, عن عطية, عن ابن عمر, فـي قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ قال: ذاك إذا ترك الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن قـيس, عن عطية, عن ابن عمر, فـي قوله: أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّـمُهُمْ قال: حين لا يأمرون بـالـمعروف, ولا ينهون عن الـمنكر.
20617ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو الـمقدسي, قال: حدثنا أشعث بن عبد الله السجستانـي, قال: حدثنا شعبة, عن عطية, فـي قوله: وَإذَا وَقَعَ القَوْلُ عَلَـيْهِمْ أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّـمُهُمْ قال: إذا لـم يعرفوا معروفـا, ولـم ينكروا منكرا.
وذُكر أن الأرض التـي تـخرج منها الدابة مكة. ذكر من قال ذلك:
20618ـ حدثنا أبو كُريب, قال: ثنـي الأشجعي, عن فضيـل بن مرزوق, عن عطية, عن ابن عمر, قال: تـخرج الدابة من صَدع فـي الصفـا كجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها.
20619ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس, عن الفرات القزاز, عن عامر بن واثلة أبـي الطفـيـل, عن حُذيفة بن أسيد الغفـاري, قال: إن الدابة حين تـخرج يراها بعض الناس فـيقولون: والله لقد رأينا الدابة, حتـى يبلغ ذلك الإمام, فـيطلب فلا يقدر علـى شيء. قال: ثم تـخرج فـيراها الناس, فـيقولون: والله لقد رأيناها, فـيبلغ ذلك الإمام فـيطلب فلا يرى شيئا, فـيقول: أما إنـي إذا حدث الذي يذكرها قال: حتـى يعدّ فـيها القتل, قال: فتـخرج, فإذا رآها الناس دخـلوا الـمسجد يصلون, فتـجيء إلـيهم فتقول: الاَن تصلون, فتـخطم الكافر, وتـمسح علـى جبـين الـمسلـم غرّة, قال: فـيعيش الناس زمانا يقول هذا: يا مؤمن, وهذا: يا كافر.
20620ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا عثمان بن مطر, عن واصل مولـى أبـي عيـينة, عن أبـي الطفـيـل عن حُذيفة, وأبـي سفـيان, حدثنا عن معمر, عن قـيس بن سعد, عن أبـي الطفـيـل, عن حُذيفة بن أسيد, فـي قوله: أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّـمُهُمْ قال: للدابة ثلاث خرجات: خرجة فـي بعض البوادي ثم تكمن, وخرجة فـي بعض القُرى حين يرَيق فـيها الأمراء الدماء, ثم تكمن, فبـينا الناس عند أشرف الـمساجد وأعظمها وأفضلها, إذ ارتفعت بهم الأرض, فـانطلق الناس هرابـا, وتبقـى طائفة من الـمؤمنـين, ويقولون: إنه لا ينـجينا من الله شيء, فتـخرج علـيهم الدابة تـجلو وجوههم مثل الكوكب الدرّيّ ثم تنطلق فلا يدركها طالب ولا يفوتها هارب, وتأتـي الرجل يصلـيّ, فـيقول: والله ما كنت من أهل الصلاة, فـيـلتفت إلـيها فتـخطمه, قال: تـجلو وجه الـمؤمن, وتـخطم الكافر, قلنا: فما الناس يومئذٍ؟ قال: جيران فـي الربـاع, وشركاء فـي الأموال, وأصحاب فـي الأسفـار.
20621ـ حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن الولـيد بن جميع, عن عبد الـملك بن الـمُغيرة, عن عبد الرحمن بن البـيـلـمانـي, عن ابن عمر: يبـيت الناس يسيرون إلـى جمع, وتبـيت دابة الأرض تسايرهم, فـيصبحون وقد خطمتهم من رأسها وذنبها, فما من مؤمن إلا مسحته, ولا من كافر ولا منافق إلا تـخبطه.
20622ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا الـخيبري, عن حيان بن عمير, عن حسان بن حمصة, قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: لو شئت لانتعلت بنعلـيّ هاتـين, فلـم أمسّ الأرض قاعدا حتـى أقـف علـى الأحجار التـي تـخرج الدابة من بـينها, ولكأنـي بها قد خرجت فـي عقب ركَب من الـحاجّ, قال: فما حججت قطّ إلا خفت تـخرج بعقبنا.
حدثنا عمرو بن عبد الـحميد الاَمَلـي, قال: حدثنا أبو أسامة, عن هشام, عن قـيس بن سعد, عن عطاء, قال: رأيت عبد الله بن عمرو, وكان منزله قريبـا من الصفـا, رفع قدمه وهو قائم, وقال: لو شئت لـم أضعها حتـى أضعها علـى الـمكان الذي تـخرج منه الدابة.
20623ـ حدثنا عصام بن روّاد بن الـجراح, قال: حدثنا أبـي, قال: حدثنا سفـيان بن سعيد الثوريّ, قال: حدثنا منصور بن الـمعتـمر, عن ربعي بن حراش, قال: سمعت حُذيفة بن الـيـمان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وذكر الدابة, فقال حُذيفة: قلت يا رسول الله, من أين تـخرج؟ قال: «مِنْ أعْظَمِ الـمَساجِدِ حُرْمَةً عَلـى اللّهِ, بَـيْنَـما عِيَسى يَطُوفُ بـالبَـيْتِ وَمَعَهُ الـمُسْلِـمُونَ, إذْ تَضْطَربُ الأرْضُ تَـحْتَهُمْ, تَـحَرّكَ القِنْدِيـلِ, وَيَنْشَق الصّفـا مِـمّا يَـلـي الـمَسْعَى, وَتـخْرُجُ الدّابّةُ مِنَ الصّفـا أوّلُ ما يَبْدُو رأسُها مُلَـمّعَةٌ ذَاتُ وّبَرٍ وَرِيشٍ, لَـمْ يُدْرِكْها طالِبٌ, وَلَنْ يَفُوَتها هارِبٌ, تَسِمُ النّاسَ مُؤْمِنٌ وكافِرٌ, أمّا الـمُؤْمِنُ فَتَتْرُكَ وَجْهَهُ كأنّهُ كَوْكَبٌ دُرّيّ, وتَكْتُبُ بـينَ عَيْنَـيْهِ مُؤْمِنٌ, وأمّا الكافِرُ فَتَنْكُتُ بـينَ عَيْنَـيْهِ نُكْتَةً سَوْدَاءَ كافِرٌ».
20624ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو الـحسين, عن حماد بن سلـمة, عن علـيّ بن زيد بن جدعان, عن أوس بن خالد, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَـخْرُجُ الدّابّةُ مَعَها خاتَـمُ سَلَـيْـمانَ وَعَصا مُوسَى, فَتَـجْلُو وَجْهَ الـمُؤْمِنِ بـالْعَصَا, وَتـخْتِـمُ أنْفَ الكافِرِ بـالـخاتِـمِ, حتـى إنّ أهْلَ البَـيْتِ لَـيَجْتَـمِعُونَ فَـيَقُولُ هَذَا. يا مُؤْمِنُ, وَيَقُولُ هَذَا: يا كاِفُر».
20625ـ قال: ثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة, قال: هي دابة ذات زغب وريش, ولها أربع قوائم تـخرج من بعض أودية تهامة, قال: قال عبد الله بن عمر: إنها تنكت فـي وجه الكافر نكتة سوداء, فتفشو فـي وجهه, فـيسودّ وجهه, وتنكت فـي وجه الـمؤمن نكتة بـيضاء فتفشو فـي وجه, حتـى يبـيضّ وجهه, فـيجلس أهل البـيت علـى الـمائدة, فـيعرفون الـمؤمن من الكافر, ويتبـايعون فـي الأسواق, فـيعرفون الـمؤمن من الكافر.
20626ـ حدثنـي ابن عبد الرحيـم البرقـي, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا ابن لهيعة ويحيى بن أيوب, قالا: حدثنا ابن الهاد, عن عمر بن الـحكم, أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: تـخرج الدابة من شعب, فـيـمسّ رأسها السحاب, ورجلاها فـي الأرض ما خرجتا, فتـمرّ بـالإنسان يصلـي, فتقول: ما الصلاة من حاجتك فتـخطمه.
20627ـ حدثنا صالـح بن مسمار, قال: حدثنا ابن أبـي فديك, قال: حدثنا يزيد بن عياض, عن مـحمد بن إسحاق, أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو, قال: تـخرج دابة الأرض ومعها خاتـم سلـيـمان وعصا موسى, فأما الكافر فتـختـم بـين عينـيه بخاتـم سلـيـمان, وأما الـمؤمن فتـمسح وجهه بعصا موسى فـيبـيضّ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: تُكَلّـمُهُمْ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: تُكلّـمُهُمْ بضمُ التاء وتشديد اللام, بـمعنى تـخبرهم وتـحدثهم, وقرأه أبو زرعة بن عمرو: «تَكْلِـمُهُمْ» بفتـح التاء وتـخفـيف اللام بـمعنى: تسمهم.
والقراءة التـي لا أستـجيز غيرها فـي ذلك ما علـيه قرّاء الأمصار. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20628ـ حدثنا علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلّـمُهُمْ قال: تـحدثهم.
20629ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: أخْرَجْنا لَهُمْ دَابّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلّـمُهُمْ وهي فـي بعض القراءة «تـحدثهم» تقول لهم: أَنّ النّاس كَانُوا بِآياتِنَا لاَ يُوقِنُونَ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس, فـي قوله: تُكَلّـمُهُمْ قال: كلامها تنبئهم أنّ النّاس كانُوا بِآياتِنَا لاَ يُوقِنُونَ.
وقوله: أنّ النّاسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والبصرة والشام: «إنّ النّاسَ» بكسر الألف من «إن» علـى وجه الابتداء بـالـخبر عن الناس أنهم كانوا بآيات الله لا يوقنون وهي وإن كسرت فـي قراءة هؤلاء فإن الكلام لها متناول. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة وبعض أهل البصرة: أنّ النّاسَ كانُوا بفتـح أن بـمعنى: تكلـمهم بأن الناس, فـيكون حينئذٍ نصب بوقوع الكلام علـيها.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان متقاربتا الـمعنى مستفـيضتان فـي قراءة الأمصار, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

الآية : 83 -84
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلّ أُمّةٍ فَوْجاً مّمّن يُكَذّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتّىَ إِذَا جَآءُوا قَالَ أَكَذّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُواْ بِهَا عِلْماً أَمّا ذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويوم نـجمع من كلّ قرن وملة فوجا, يعنـي جماعة منهم, وزمرة مِـمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا يقول: مـمن يكذّب بأدلتنا وحججنا, فهو يحبس أوّلهم علـى آخرهم, لـيجتـمع جميعهم, ثم يساقون إلـى النار. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20630ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَيَوْمَ نَـحْشُرُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا مِـمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ يعنـي: الشيعة عند الـحشر.
20631ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا قال: زمرة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قوله: نَـحْشُرُ مِنْ كُلّ أُمّةٍ فَوْجا قال: زمرة زمرة فَهُمْ يُوزَعُونَ.
20632ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: مِـمّنْ يُكَذّبُ بآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يقول: فهم يدفعون.
20633ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: يحبس أوّلهم علـى آخرهم.
20634ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَهُمْ يُوزَعُونَ قال: وزعة تردّ أولاهم علـى أخرهم.
وقد بـيّنت معنى قوله: يُوزَعُونَ فـيـما مضى قبل بشواهده, فأغنـي ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: حتـى إذَا جاءُوا قالَ أكَذّبْتُـمْ بآياتِـي يقول تعالـى ذكره: حتـى إذا جاء من كلّ أمة فوج مـمن يكذّب بآياتنا فـاجتـمعوا قال الله: أكذّبتـم بآياتـي: أي بحججي وأدلتـي وَلَـمْ تُـحِيطُوا بِهَا عِلْـما يقول ولـم تعرفوها حقّ معرفتها؟ أمْ مَاذَا كُنْتُـمْ تَعْمَلُونَ فـيها من تكذيب أو تصديق.

الآية : 85 -86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ بِمَا ظَلَمُواْ فَهُمْ لاَ يَنطِقُونَ * أَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا جَعَلْنَا الْلّيْلَ لِيَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنّهَارَ مُبْصِراً إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ووجب السخط والغضب من الله علـى الـمكذّبـين بآياته بِـمَا ظَلَـمُوا يعنـي بتكذيبهم بآيات الله, يوم يحشرون فَهُمْ لاَ يَنَطِقُونَ يقول: فهم لا ينطقون بحجة يدفعون بها عن أنفسهم عظيـم ما حلّ بهم ووقع علـيهم من القول. وقوله: أَلْـم يَرَوْا أنّا جَعَلَنْا اللّـيْـلَ لِـيَسْكُنُوا فِـيهِ يقول تعالـى ذكره: ألـم ير هؤلاء الـمكذّبون بآياتنا تصريفنا اللـيـل والنهار, ومخالفتنا بـينهما بتصيـيرنا هذا سكنا لهم يسكنون فـيه, ويهدءون راحة أبدانهم من تعب التصرّف والتقلب نهارا, وهذا مضيئا يبصرون فـيه الأشياء ويعاينونها فـيتقلبون فـيه لـمعايشهم, فـيتفكروا فـي ذلك, ويتدبروا, ويعلـموا أن مصرّف ذلك كذلك هو الإله الذي لا يُعجزه شيء, ولا يتعذّر علـيه إماتة الأحياء, وإحياء الأموات بعد الـمـمات, كما لـم يتعذّر علـيه الذهاب بـالنهار والـمـجيء بـاللـيـل, والـمـجيء بـالنهار والذهاب بـاللـيـل مع اختلاف أحوالهما إنّ فـي ذلكَ لاَياتٍ لقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي تصيـيرنا اللـيـل سكنا, والنهار مبصرا لدلالة لقوم يؤمنون بـالله علـى قدرته علـى ما آمنوا به من البعث بعد الـموت, وحجة لهم علـى توحيد الله.
الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ إِلاّ مَن شَآءَ اللّهُ وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله تعالـى: وَيَوْمَ يُنْفَخ فِـي الصورِ وقد ذكرنا اختلافهم فـيـما مضى, وبـيّنا الصواب من القول فـي ذلك عندنا بشواهده, غير أنا نذكر فـي هذا الـموضع بعض ما لـم يذكر هناك من الأخبـار, فقال بعضهم: هو قرن يُنفخ فـيه. ذكر بعض من لـم يُذكر فـيـما مضى قبل من الـخبر عن ذلك:
20635ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء, جمِيعا, عَن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فـي الصُورِ قال كهيئة البوق.
20636ـ حدثنا القاسم قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, قال: الصور: البوق قال: هو البوق صاحبه آخذ به يقبض قبضتـين بكفـيه علـى طرف القرن بـين طرفه, وبـين فـيه قدر قبضة أو نـحوها, قد برك علـى ركبة إحدى رجلـيه, فأشار, فبرك علـى ركبة يساره مقعيا علـى قدمها عقبها تـحت فخذه وألـيته وأطراف أصابعها فـي التراب.
20637ـ قال: ثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, قال: الصور كهيئة القرن قد رفع إحدى ركبتـيه إلـى السماء, وخفض الأخرى, لـم يـلق جفون عينه علـى غمض منذ خـلق الله السموات مستعدّا مستـجدّا, قد وضع الصور علـى فـيه ينتظر متـى يؤمر أن ينفخ فـيه.
20638ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن إسماعيـل بن رافع الـمدنـي, عن يزيد بن زياد قال أبو جعفر: والصواب: يزيد بن أبـي زياد عن مـحمد بن كعب القرظي, عن رجل من الأنصار عن أبـي هُريرة: أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله, ما الصّور؟ قال: «قَرْنٌ», قال: وكيف هو؟ قال: «قَرْنٌ عَظِيـمٌ يُنْفَخُ فِـيهِ ثَلاثُ نَفخاتٍ: الأُولـى: نَفْخَةُ الفَزَعِ, والثّانِـيَةُ: نَفْخَةُ الصّعْقِ, والثّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِـيامِ لِلّهِ رَبّ العَالَـمِينَ, يأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِـيـلَ بـالنّفْخَةِ الأُولـى, فَـيَقُولُ: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ, فَـيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ, فَـيَفْزَعُ أهْلُ السّمَواتِ وأهْلُ الأرْضِ, إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ, وَيَأْمُرُهُ اللّهُ فَـيَـمُدّ بِها ويطوّلهَا, فَلا يَفْتُرُ, وَهِيَ التـي يَقُولُ اللّهُ: ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ فَـيُسَيّرُ اللّهُ الـجِبـالَ, فَتَكُونُ سَرَبـا, وَتُرَجّ الأرْضُ بأهْلِها رَجّا, وهي التـي يَقُولُ اللّهُ: يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ, قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ فَتَكُونُ الأرْضُ كالسّفِـينَةِ الـمُوثَقَةِ فِـي البَحْرِ, تَضْرُبها الأَمْوَاجُ, تُكْفأُ بأْهْلِها, أوْ كالقِنْدِيـلِ الـمُعَلّقِ بـالوَتَرِ, تُرَجّحُهُ الأرْياحُ, فَتَـمِيدُ النّاسُ علـىَ ظَهْرِها, فَتَذْهَلُ الـمَرَاضِعُ, وَتَضَعُ الـحَوَامِلُ, وَتَشِيبُ الوِلْدَانُ, وَتَطِيرُ الشّياطِينُ هارِبَةً, حتـى تَأتِـيَ الأقْطارَ, فَتَتَلَقّاها الـمَلائِكَةُ, فَتَضْرِبُ وُجُوهَها, فَترْجِعُ, وَيُوَلّـي النّاسُ مُدْبِرِينَ يُنادي بَعْضُهُمْ بَعْضا, وَهُوَ الّذِي يَقُولُ اللّهُ: يَوْمَ التّنادِ, يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ, وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ. فَبَـيْنَـما هُمْ عَلـى ذلكَ إذْ تَصَدّعَت الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلـى قُطْرٍ, فَرَأَوْا أمْرا عَظِيـما, فأخَذَهُمْ لِذَلَكَ مِنَ الكَرْبِ ما اللّهُ أعْلَـمُ بِهِ, ثم نَظَرُوا إلـى السّماءِ, فإذَا هِي كالـمُهْلِ, ثمّ خُسِفَ شَمْسُها وَقَمَرُها, وانْتَثَرتْ نُـجُومُها, ثُمّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ». قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والأَمْوَاتُ لا يعْلَـمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ», فقال أبو هريرة: يا رسول الله, فمن استثنى الله حين يقول: فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ ومَنْ فـي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ قال: «أُولَئِكَ الشّهَدَاءُ, وإنّـمَا يَصِلُ الفَزَعُ إلـى الأحْياءِ, أُولَئِكَ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ, وَقاهُمُ اللّهُ فَزَعَ ذلكَ الـيَوْمِ وآمَنَهُمْ, وَهُوَ عَذَابُ اللّهِ يَبْعثُهُ علـى شِرَارِ خَـلْقِهِ».
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا إسماعيـل بن رافع, عن مـحمد بن كعب القُرَظيّ, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ تَبـارَكَ وَتَعالـى لَـمّا فَرَغَ مِنَ السّمَوَاتِ والأرْضِ, خَـلَقَ الصّورَ, فأعْطَاهُ مَلَكا, فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلـى فِـيهِ, شاخِصٌ بِبَصَرِه العَرْشِ, يَنْتَظِرُ مَتـى يُؤْمَرُ». قال: قُلْتُ: يا رسول الله, وما الصّورُ؟ قال: «قُرْنٌ», قلت: فكيف هو؟ قال: «عَظِيـمٌ, وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ, إنّ عَظَمِ دائِرَةٍ فِـيهِ, لَكَعَرْضِ السّمَوَاتِ والأرْضِ, يَأْمُرُهُ فَـيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ, فَـيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ», ثم ذكر بـاقـي الـحديث نـحو حديث أبـي كُرَيب عن الـمـحاربـيّ, غير أنه قال فـي حديثه «كالسّفِـينَةِ الـمُرْفأَةِ فِـي البَحْرِ».
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ونُفخ فـي صُوَر الـخـلق. ذكر من قال ذلك:
20639ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصّورِ: أي فـي الـخـلق, قوله: فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ يقول: ففزع من فـي السموات من الـملائكة ومن فـي الأرض من الـجنّ والإنس والشياطين, من هول ما يعاينون ذلك الـيوم.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: ففزع, فجعل فزع وهي فعل مردودة علـى ينفخ, وهي يَفْعُلُ؟ قـيـل: العرب تفعل ذلك فـي الـمواضع التـي تصلـح فـيها إذا, لأن إذا يصلـح معها فعل ويفعل, كقولك: أزورك إذا زرتنـي, وأزورك إذا تزورنـي, فإذا وضع مكان إذايوم أجرى مـجرى إذا. فإن قـيـل: فأين جواب قوله: وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِـي الصورِ فَفَزِعَ قـيـل: جائز أن يكون مضمرا مع الواو, كأنه قـيـل: ووقع القول علـيهم بـما ظلـموا فهم لا ينطقون, وذلك يوم ينفخ فـي الصور. وجائز أن يكون متروكا اكتفـي بدلالة الكلام علـيه منه, كما قـيـل: وَلَوْ يَرَى الّذِينَ ظَلَـمُوا فترك جوابه.
وقوله: إلا مَنْ شاءَ الله قـيـل: إن الذين استثناهم الله فـي هذا الـموضع من أن ينالهم الفزع يومئذٍ الشهداء, وذلك أنهم أحياء عند ربهم يُرزقون, وإن كانوا فـي عداد الـموتـى عند أهل الدنـيا, وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد ذكرناه فـي الـخبر الـماضي.
20640ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا العوّام عمن حدثه, عن أبـي هريرة, أنه قرأ هذه الاَية: فَفَزِعَ مَنْ فِـي السّمَواتِ وَمَنْ فِـي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ قال: هم الشهداء.
وقوله: وكُلّ أتَوْهُ داخرِينَ يقول: وكلّ أتوه صاغرين. وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20641ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وكُلّ أتَوْهُ دَاخِرِينَ يقول: صاغرين.
20642ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ قال: صاغرين.
20643ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وكلّ أتَوْهُ دَاخرِينَ قال: الداخر: الصاغر الراغم, قال: لأن الـمرء الذي يفزع إذا فزع إنـما همته الهرب من الأمر الذي فزع منه, قال: فلـما نُفخ فـي الصور فزعوا, فلـم يكن لهم من الله منـجى.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار: «وكُلّ آتَوهُ» بـمدّ الألف من أتوه علـى مثال فـاعلوه, سوى ابن مسعود, فإنه قرأه: «وكُلّ أَتُوهُ» علـى مثال فعلوه, واتبعه علـى القراءة به الـمتأخرون الأعمش وحمزة, واعتلّ الذين قرءوا ذلك علـى مثال فـاعلوه بإجماع القرّاء علـى قوله: وكُلّهُمْ آتِـيهِ قالوا: فكذلك قوله: «آتُوهُ» فـي الـجمع. وأما الذين قرءوا علـى قراءة عبد الله, فإنهم ردّوه علـى قوله: فَفَزِع كأنهم وجّهوا معنى الكلام إلـى: ويوم ينفخ فـي الصور ففزع من فـي السموات ومن فـي الأرض, وأتوه كلهم داخرين, كما يقال فـي الكلام: رأى وفر وعاد وهو صاغر.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرأة الأمصار, ومتقاربتا الـمعنى, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

الآية : 88
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِيَ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ إِنّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَتَرى الـجِبَـالَ يا مـحمد تَـحْسَبُها قائمة وَهِيَ تَـمُرُ. كالذي.
20644ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَتَرَى الـجبـالَ تَـحْسَبُها جامِدَةً يقول: قائمة, وإنـما قـيـل: وَهِيَ تَـمُرّ مَرّ السّحابِ لأنها تـجمع ثم تسير, فـيحسب رائيها لكثرتها أنها واقـفة, وهي تسير سيرا حثـيثا, كما قال الـجعدي:
بأرْعَنَ مِثْلِ الطّوْدِ تَـحْسِبُ أنّهُمْوُقُوفٌ لِـحاجٍ والرّكابُ تُهَمْلـجُ
قوله: صُنْعَ اللّهِ الّذِي أتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ وأوثق خـلقه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20645ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: صُنْعَ اللّهِ الّذِي أتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ يقول: أحكم كلّ شيء.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: صُنعَ اللّهِ الّذِي أتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ يقول: أحسن كلّ شيء خـلقه وأوثقه.
20646ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: الّذِين أتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ قال: أوثق كلّ شيء وسوّى.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد أتْقَنَ أوثق.
20647ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إنّهُ خَبِـيرٌ بِـمَا يَفْعَلونَ يقول تعالـى ذكره: إن الله ذو علـم وخبرة بـما يفعل عبـاده من خير وشرّ وطاعة له ومعصية, وهو مـجازي جميعهم علـى جميع ذلك علـى الـخير الـخيرَ, وعلـى الشرّ الشرّ نظيره