سورة القصص | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 387 من المصحف
قوله: 14- "ولما بلغ أشده" قدم الكلام في بلوغ الأشد في الأنعام، وقد قال ربيعة ومالك: هو الحلم لقوله تعالى: "حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً" الآية، وأقصاه أربع وثلاثون سنة كما قال مجاهد وسفيان الثوري وغيرهما. وقيل الأشد ما بين الثمانية عشر إلى الثلاثين، والاستواء من الثلاثين إلى الأربعين، وقيل الاستواء هو بلوغ الأربعين، وقيل الاستواء إشارة إلى كمال الخلقة، وقيل هو بمعنى واحد، وهو ضعيف لأن العطف يشعر بالمغايرة "آتيناه حكماً وعلماً" الحكم الحكمة على العموم، وقيل النبوة، وقيل الفقه في الدين. والعلم الفهم قاله السدي. وقال مجاهد الفقه. وقال ابن إسحاق: العلم بدينه ودين آبائه، وقيل كان هذا قبل النبوة، وقد تقدم بيان معنى ذلك في البقرة "وكذلك نجزي المحسنين" أي مثل ذلك الجزاء الذي جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله وألقت ولدها في البحر وصدقت بوعد الله نجزي المحسنين على إحسانهم، والمراد العموم.
15- "ودخل المدينة" أي ودخل موسى مدينة مصر الكبرى، وقيل مدينة غيرها من مدائن مصر، ومحل قوله "على حين غفلة من أهلها" النصب على الحال: إما من الفاعل: أي مستخفياً، وإما من المفعول. قيل لما عرف موسى ما هو عليه من الحق في ديةنه عاب ما عليه قوم فرعون وفشا ذلك منه، فأخافوه فخافهم، فكان لا يدخل المدينة إلا مستخفياً. قيل كان دخوله بين العشاء والعتمة، وقيل وقت القائلة. قال الضحاك: طلب أن يدخل المدينة وقت غفلة أهلها فدخل على حين علم منهم، فكان منه ما حكى الله بقوله: "فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته" أي ممن شايعه على دينه، وهم بنو إسرائيل "وهذا من عدوه" أي من المعادين له على دينه وهم قوم فرعون "فاستغاثه الذي من شيعته" أي طلب منه أن ينصره ويعينه على خصمه "على الذي من عدوه" فأغاثه لأن نصر المظلوم واجب في جمع الملل. قيل أراد القطبي أن يسخر الإسرائيلي ليحمل حطباً لمطبخ فرعون فأبى عليه واستثغاث بموسى "فوكزه موسى" الوكزالضرب بجمع الكف، وهكذا اللكز واللهز. وقيل اللكز على اللحى، والوكز على القلب. وقيل ضربه بعصاه. وقرأ ابن مسعود فلكزه وحكى الثعلبي أن في مصحف عثمان فنكزه بالنون. قال الأصمعي: نكزه بالنون: ضربه ودفعه. قال الجوهري: اللكز الضرب على الصدر. وقال أبو زيد: في جميع الجسد: يعني أنه يقال له لكز. واللهز الضرب بجميع اليدين في الصدر، ومثله عن أبي عبيدة "فقضى عليه" أي قتله، وكل شيء أتيت عليه وفرغت منه: فقد قضيت عليه، ومنه قول الشاعر: قد عضه فقضى عليه الأشجع قيل لم يقصد موسى قتل القبطي، وإنما قصد دفعه فأتى ذلك على نفسه، ولهذا قال "هذا من عمل الشيطان" وإنما قال بهذا القول مع أن المقتول كافر حقيق بالقتل لأنه لم يكن إذ ذاك مأموراً بقتل الكفار. وقيل إن تلك الحالة حالة كف عن القتال لكونه مأموناً عندهم، فلم يكن له أن يغتالهم. ثم وصف الشيطان بقوله: "إنه عدو مضل مبين" أي عدو للإنسان يسعى في إضلاله، ظاهر العداوة والإضلال. وقيل إن الإشارة بقوله هذا إلى عمل المقتول لكونه كافراً مخالفاً لما يريده الله. وقيل إنه إشارة إلى المقتول نفسه: يعني أنه من جند الشيطان وحزبه. ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه.
16- " قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر " الله "له" ذلك "إنه هو الغفور الرحيم" ووجه استغفاره أنه لم يكن لنبي أن يقتل حتى يؤمر، وقيل إنه طلب المغفرة من تركه للأولى كما هو سنة المرسلين، أو أراد إني ظلمت نفسي بقتل هذا الكافر، لأن فرعون لو يعرف ذلك لقتلني به، ومعنى فاغفر لي: فاستر ذلك علي لا تطلع عليه فرعون، وهذا خلاف الظاهر فإن موسى عليه السلام ما زال نادماً على ذلك خائفاً من العقوبة بسببه: حتى إنه يوم القيامة عند طلب الناس الشفاعة منه يقول: إني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، كما ثبت ذلك في حديث الشفاعة الصحيح. وقد قيل إن هذا كان قبل النبوة، وقيل كان ذلك قبل بلوغه سن التكليف وإنه كان إذ ذاك في إثنتي عشرة سنة، وكل هذه التأويلات البعيدة محافظة على ما تقرر من عصمة الأنبياء ولا شك أنهم معصومون من الكبائر، والقتل الواقع منه لم يكن عن عمد فليس بكبيرة، لأن الوكزة في الغالب لا تقتل. ثم لما أجاب الله سؤاله وغفر له ما طلب منه مغفرته.
17- "قال رب بما أنعمت علي" هذه الباء يجون أن تكون باء القسم والجواب مقدر: أي أقسم بإنعامك علي لأتوبن وتكون جملة "فلن أكون ظهيراً للمجرمين" كالتفسير للجواب وكأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرماً. ويجوز أن تكون هذه الباء هي باس السببية متعلقة بمحذوف: أي اعصمني بسبب ما أنعمت به علي، ويكون قوله فلن أكون ظهيراً أتومترتباً عليه، ويكون في ذلك استعطاف لله تعالى وتوصل إلى إنعامه بإنعامه، و ما في قوله بما أنعمت إما موصولة أو مصدرية، والمراد بما أنعم به عليه: هو ما آتاه من الحكم والعلم أو بالمغفرة أو بالجميع، وأراد بمظاهرة المجرمين: إما صحبة فرعون والانتظام في جملته في ظاهر الأمر، أو مظاهرته على ما فيه إثم. قال الكسائي والفراء: ليس قوله: "فلن أكون ظهيراً للمجرمين" خبراً بل هو دعاء: أي فلا تجعلني يا رب ظهيراً لهم. قال الكسائي، وفي قراءة عبد الله فلا تجعلني يا رب ظهيراً للمجرمين وقال الفراء: المعنى اللهم فلن أكون ظهيراً للمجرمين. وقال النحاس: إن جعله من باب الخبر أوفى وأشبه بنسق الكلام.
18- "فأصبح في المدينة خائفاً يترقب" أي دخل في وقت الصباح في المدينة التي قتل فيها القبطي، وخائفاً خبر أصبح، ويجوز أن يكون حالاً، والخبر في المدينة، ويترقت يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً ثانية، وأن يكون بدلاً من خائفاً، ومفعول يترقب محذوف، والمعنى: يترقب المكروه أو يترقب الفرح "فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه" إذا هي الفجائية والموصول مبتدأ وخبره يستصرخه: أي فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي استغاثه بالأمس يقاتل قبطياً آخر أراد أن يسخره ويظلمه كما أراد القبطي الذي قد قتله موسى بالأمس، والاستصراخ الاستغاثة، وهو من الصراخ، وذلك أن المستغيث يصوت ويصرخ في طلب الغوث، ومنه قول الشاعر: كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الجواب له قرع الظنابيب "قال له موسى إنك لغوي مبين" أي بين الغواية، وذلك أنك تقاتل من لا تقدر على مقاتلته ولا تطيقه، وقيل إنما قال له هذه المقالة لأنه تسبب بالأمس لقتل رجل يريد اليوم ان يتسبب لقتل آخر.
19- "فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما" أي يبطش بالقبطي الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي حيث لم يكن على دينهما، وقد تقدم معنى يبطش واختلاف القراء فيه "قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس" القائل هو الإسرائيلي لما سمع موسى يقول له: "إنك لغوي مبين" ورآه يريد أن يبطش بالقبطي ظن أنه يريد أن يبطش به، فقال لموسى "أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس" فلما سمع القبطي ذلك أفشاه، ولم يكن قد علم أحد من أصحاب فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس حتى أفشى عليه الإسرائيلي، هكذا قال جمهور المفسرين. وقيل إن القائل "أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس" هو القبطي، وكان قد بلغه الخبر من جهة الإسرائيلي، وهذا هو الظاهر، وقد سبق ذكر القبطي قبل هذا بلا فصل لأنه هو المراد بقوله عدو لهما، ولا موجب لمخالفة الظاهر حتى يلزم عنه أن المؤمن بموسى المستغيث به المرة الأولى، والمرة الأخرى هو الذي أفشى عليه، وأيضاً إن قوله: "إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض" لا يليق صدور مثله إلا من كافر، وإن في قوله: "إن تريد" هي النافية أي ما تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض. قال الزجاج: الجبار في اللغة الذي لا يتواضع لأمر الله، والقاتل بغير حق جبار. وقيل الجبار الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل ولا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن "وما تريد أن تكون من المصلحين" أي الذين يصلحون بين الناس.
20- "وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى" قيل المراد بهذا الرجل حزقيل هو مؤمن آل فرعون، وكان ابن عم موسى، وقيل اسمه شمعون، وقيل طالوت، وقيل شمعان. والمراد بأقصى المدينة: آخرها وأبعدها، ويسعى يجوز أن يكون في محل رفع صفة لرجل، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال، لأن لفظ رجل وإن كان نكرة فقد تخصص بقوله: من أقصى المدينة "قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك" أي يتشاورون في قتلك ويتآمرون بسببك. قال الزجاج: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك. وقال أبو عبيد: يتشاورون فيك ليقتلوك: يعني أشارف قوم فرعون. قال الأزهري: ائتمر القوم وتآمروا: أي أمر بعضهم بعضاً، نظيره قوله " وأتمروا بينكم بمعروف " قال النمر بن تولب: أرى الناس قد أحدثوا شيمة وفي كل حادثة يؤتمر " فاخرج إني لك من الناصحين " في الأمر بالخروج، واللام للبيان لأن معمول المجرور لا يتقدم عليه.
21- "فخرج منها خائفاً يترقب" فخرج موسى من المدينة حال كونه خائفاً من الظالمين مترقباً لحوقهم به وإدراكهم له، ثم دعا ربه بأن ينجيه مما خافه قائلاً: "رب نجني من القوم الظالمين" أي خلصني من القوم الكافرين وادفعهم عني، وحل بين وبينهم.
فتح القدير - صفحة القرآن رقم 387
386قوله: 14- "ولما بلغ أشده" قدم الكلام في بلوغ الأشد في الأنعام، وقد قال ربيعة ومالك: هو الحلم لقوله تعالى: "حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً" الآية، وأقصاه أربع وثلاثون سنة كما قال مجاهد وسفيان الثوري وغيرهما. وقيل الأشد ما بين الثمانية عشر إلى الثلاثين، والاستواء من الثلاثين إلى الأربعين، وقيل الاستواء هو بلوغ الأربعين، وقيل الاستواء إشارة إلى كمال الخلقة، وقيل هو بمعنى واحد، وهو ضعيف لأن العطف يشعر بالمغايرة "آتيناه حكماً وعلماً" الحكم الحكمة على العموم، وقيل النبوة، وقيل الفقه في الدين. والعلم الفهم قاله السدي. وقال مجاهد الفقه. وقال ابن إسحاق: العلم بدينه ودين آبائه، وقيل كان هذا قبل النبوة، وقد تقدم بيان معنى ذلك في البقرة "وكذلك نجزي المحسنين" أي مثل ذلك الجزاء الذي جزينا أم موسى لما استسلمت لأمر الله وألقت ولدها في البحر وصدقت بوعد الله نجزي المحسنين على إحسانهم، والمراد العموم.
15- "ودخل المدينة" أي ودخل موسى مدينة مصر الكبرى، وقيل مدينة غيرها من مدائن مصر، ومحل قوله "على حين غفلة من أهلها" النصب على الحال: إما من الفاعل: أي مستخفياً، وإما من المفعول. قيل لما عرف موسى ما هو عليه من الحق في ديةنه عاب ما عليه قوم فرعون وفشا ذلك منه، فأخافوه فخافهم، فكان لا يدخل المدينة إلا مستخفياً. قيل كان دخوله بين العشاء والعتمة، وقيل وقت القائلة. قال الضحاك: طلب أن يدخل المدينة وقت غفلة أهلها فدخل على حين علم منهم، فكان منه ما حكى الله بقوله: "فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته" أي ممن شايعه على دينه، وهم بنو إسرائيل "وهذا من عدوه" أي من المعادين له على دينه وهم قوم فرعون "فاستغاثه الذي من شيعته" أي طلب منه أن ينصره ويعينه على خصمه "على الذي من عدوه" فأغاثه لأن نصر المظلوم واجب في جمع الملل. قيل أراد القطبي أن يسخر الإسرائيلي ليحمل حطباً لمطبخ فرعون فأبى عليه واستثغاث بموسى "فوكزه موسى" الوكزالضرب بجمع الكف، وهكذا اللكز واللهز. وقيل اللكز على اللحى، والوكز على القلب. وقيل ضربه بعصاه. وقرأ ابن مسعود فلكزه وحكى الثعلبي أن في مصحف عثمان فنكزه بالنون. قال الأصمعي: نكزه بالنون: ضربه ودفعه. قال الجوهري: اللكز الضرب على الصدر. وقال أبو زيد: في جميع الجسد: يعني أنه يقال له لكز. واللهز الضرب بجميع اليدين في الصدر، ومثله عن أبي عبيدة "فقضى عليه" أي قتله، وكل شيء أتيت عليه وفرغت منه: فقد قضيت عليه، ومنه قول الشاعر: قد عضه فقضى عليه الأشجع قيل لم يقصد موسى قتل القبطي، وإنما قصد دفعه فأتى ذلك على نفسه، ولهذا قال "هذا من عمل الشيطان" وإنما قال بهذا القول مع أن المقتول كافر حقيق بالقتل لأنه لم يكن إذ ذاك مأموراً بقتل الكفار. وقيل إن تلك الحالة حالة كف عن القتال لكونه مأموناً عندهم، فلم يكن له أن يغتالهم. ثم وصف الشيطان بقوله: "إنه عدو مضل مبين" أي عدو للإنسان يسعى في إضلاله، ظاهر العداوة والإضلال. وقيل إن الإشارة بقوله هذا إلى عمل المقتول لكونه كافراً مخالفاً لما يريده الله. وقيل إنه إشارة إلى المقتول نفسه: يعني أنه من جند الشيطان وحزبه. ثم طلب من الله سبحانه أن يغفر له ما وقع منه.
16- " قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر " الله "له" ذلك "إنه هو الغفور الرحيم" ووجه استغفاره أنه لم يكن لنبي أن يقتل حتى يؤمر، وقيل إنه طلب المغفرة من تركه للأولى كما هو سنة المرسلين، أو أراد إني ظلمت نفسي بقتل هذا الكافر، لأن فرعون لو يعرف ذلك لقتلني به، ومعنى فاغفر لي: فاستر ذلك علي لا تطلع عليه فرعون، وهذا خلاف الظاهر فإن موسى عليه السلام ما زال نادماً على ذلك خائفاً من العقوبة بسببه: حتى إنه يوم القيامة عند طلب الناس الشفاعة منه يقول: إني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، كما ثبت ذلك في حديث الشفاعة الصحيح. وقد قيل إن هذا كان قبل النبوة، وقيل كان ذلك قبل بلوغه سن التكليف وإنه كان إذ ذاك في إثنتي عشرة سنة، وكل هذه التأويلات البعيدة محافظة على ما تقرر من عصمة الأنبياء ولا شك أنهم معصومون من الكبائر، والقتل الواقع منه لم يكن عن عمد فليس بكبيرة، لأن الوكزة في الغالب لا تقتل. ثم لما أجاب الله سؤاله وغفر له ما طلب منه مغفرته.
17- "قال رب بما أنعمت علي" هذه الباء يجون أن تكون باء القسم والجواب مقدر: أي أقسم بإنعامك علي لأتوبن وتكون جملة "فلن أكون ظهيراً للمجرمين" كالتفسير للجواب وكأنه أقسم بما أنعم الله عليه أن لا يظاهر مجرماً. ويجوز أن تكون هذه الباء هي باس السببية متعلقة بمحذوف: أي اعصمني بسبب ما أنعمت به علي، ويكون قوله فلن أكون ظهيراً أتومترتباً عليه، ويكون في ذلك استعطاف لله تعالى وتوصل إلى إنعامه بإنعامه، و ما في قوله بما أنعمت إما موصولة أو مصدرية، والمراد بما أنعم به عليه: هو ما آتاه من الحكم والعلم أو بالمغفرة أو بالجميع، وأراد بمظاهرة المجرمين: إما صحبة فرعون والانتظام في جملته في ظاهر الأمر، أو مظاهرته على ما فيه إثم. قال الكسائي والفراء: ليس قوله: "فلن أكون ظهيراً للمجرمين" خبراً بل هو دعاء: أي فلا تجعلني يا رب ظهيراً لهم. قال الكسائي، وفي قراءة عبد الله فلا تجعلني يا رب ظهيراً للمجرمين وقال الفراء: المعنى اللهم فلن أكون ظهيراً للمجرمين. وقال النحاس: إن جعله من باب الخبر أوفى وأشبه بنسق الكلام.
18- "فأصبح في المدينة خائفاً يترقب" أي دخل في وقت الصباح في المدينة التي قتل فيها القبطي، وخائفاً خبر أصبح، ويجوز أن يكون حالاً، والخبر في المدينة، ويترقت يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً ثانية، وأن يكون بدلاً من خائفاً، ومفعول يترقب محذوف، والمعنى: يترقب المكروه أو يترقب الفرح "فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه" إذا هي الفجائية والموصول مبتدأ وخبره يستصرخه: أي فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي استغاثه بالأمس يقاتل قبطياً آخر أراد أن يسخره ويظلمه كما أراد القبطي الذي قد قتله موسى بالأمس، والاستصراخ الاستغاثة، وهو من الصراخ، وذلك أن المستغيث يصوت ويصرخ في طلب الغوث، ومنه قول الشاعر: كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الجواب له قرع الظنابيب "قال له موسى إنك لغوي مبين" أي بين الغواية، وذلك أنك تقاتل من لا تقدر على مقاتلته ولا تطيقه، وقيل إنما قال له هذه المقالة لأنه تسبب بالأمس لقتل رجل يريد اليوم ان يتسبب لقتل آخر.
19- "فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما" أي يبطش بالقبطي الذي هو عدو لموسى وللإسرائيلي حيث لم يكن على دينهما، وقد تقدم معنى يبطش واختلاف القراء فيه "قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس" القائل هو الإسرائيلي لما سمع موسى يقول له: "إنك لغوي مبين" ورآه يريد أن يبطش بالقبطي ظن أنه يريد أن يبطش به، فقال لموسى "أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس" فلما سمع القبطي ذلك أفشاه، ولم يكن قد علم أحد من أصحاب فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي بالأمس حتى أفشى عليه الإسرائيلي، هكذا قال جمهور المفسرين. وقيل إن القائل "أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس" هو القبطي، وكان قد بلغه الخبر من جهة الإسرائيلي، وهذا هو الظاهر، وقد سبق ذكر القبطي قبل هذا بلا فصل لأنه هو المراد بقوله عدو لهما، ولا موجب لمخالفة الظاهر حتى يلزم عنه أن المؤمن بموسى المستغيث به المرة الأولى، والمرة الأخرى هو الذي أفشى عليه، وأيضاً إن قوله: "إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض" لا يليق صدور مثله إلا من كافر، وإن في قوله: "إن تريد" هي النافية أي ما تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض. قال الزجاج: الجبار في اللغة الذي لا يتواضع لأمر الله، والقاتل بغير حق جبار. وقيل الجبار الذي يفعل ما يريد من الضرب والقتل ولا ينظر في العواقب ولا يدفع بالتي هي أحسن "وما تريد أن تكون من المصلحين" أي الذين يصلحون بين الناس.
20- "وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى" قيل المراد بهذا الرجل حزقيل هو مؤمن آل فرعون، وكان ابن عم موسى، وقيل اسمه شمعون، وقيل طالوت، وقيل شمعان. والمراد بأقصى المدينة: آخرها وأبعدها، ويسعى يجوز أن يكون في محل رفع صفة لرجل، ويجوز أن يكون في محل نصب على الحال، لأن لفظ رجل وإن كان نكرة فقد تخصص بقوله: من أقصى المدينة "قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك" أي يتشاورون في قتلك ويتآمرون بسببك. قال الزجاج: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك. وقال أبو عبيد: يتشاورون فيك ليقتلوك: يعني أشارف قوم فرعون. قال الأزهري: ائتمر القوم وتآمروا: أي أمر بعضهم بعضاً، نظيره قوله " وأتمروا بينكم بمعروف " قال النمر بن تولب: أرى الناس قد أحدثوا شيمة وفي كل حادثة يؤتمر " فاخرج إني لك من الناصحين " في الأمر بالخروج، واللام للبيان لأن معمول المجرور لا يتقدم عليه.
21- "فخرج منها خائفاً يترقب" فخرج موسى من المدينة حال كونه خائفاً من الظالمين مترقباً لحوقهم به وإدراكهم له، ثم دعا ربه بأن ينجيه مما خافه قائلاً: "رب نجني من القوم الظالمين" أي خلصني من القوم الكافرين وادفعهم عني، وحل بين وبينهم.
الصفحة رقم 387 من المصحف تحميل و استماع mp3