تفسير الطبري تفسير الصفحة 387 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 387
388
386
 الآية : 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّهُ وَاسْتَوَىَ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلـمّا بَلَغَ موسى أشُدّهُ, يعنـي حان شدّه بدنه وقواه, وانتهى ذلك منه. وقد بّـينا معنى الأشدّ فـيـما مضى بشواهده, فأغنـي ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: وَاسْتَوَى يقول: تناهى شبـابه, وتـمّ خـلقه واستـحكم. وقد اختلف فـي مبلغ عدد سنـي الاستواء, فقال بعضهم: يكون ذلك فـي أربعين سنة. ذكر من قال ذلك:
20740ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله: وَاسْتَوَى قال: أربعين سنة.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَلَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال: ثلاثا وثلاثـين سنة. قوله: وَاسْتَوَى قال: بلغ أربعين سنة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
20741ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس وَلَـما بَلَغَ أشُدّهُ قال: بضعا وثلاثـين سنة.
قال: ثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وَلـما بَلَغَ أشُدّهُ قال: ثلاثا وثلاثـين سنة.
20742ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة أشُدّهُ وَاسْتَوَى قال: أربعين سنة, وأشدّه: ثلاثا وثلاثـين سنة.
20743ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: وَلـمّا بَلَغَ أشُدّهُ واسْتَوَى قال: كان أبـي يقول: الأشدّ: الـجلَد, والاستواء: أربعون سنة.
وقال بعضهم: يكون ذلك فـي ثلاثـين سنة.
وقوله: وآتَـيْناهُ حُكْما وَعِلْـما يعنـي الـحكم: الفهم بـالدين والـمعرفة. كما:
20744ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد آتَـيْناهُ حُكْما وَعِلْـما قال: الفقه والعقل والعمل قبل النبوّة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد آتَـيْناه حُكْما وَعِلْـما قال: الفقه والعمل قبل النبوّة.
20745ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق وَلـمّا بَلَغَ أشُدّهُ وَاسْتَوَى آتاه الله حكما وعلـما وفقها فـي دينه ودين آبـائه, وعلـما بـما فـي دينه وشرائعه وحدوده.
وقوله: وكذلكَ نَـجّزِي الـمُـحْسِنِـينَ يقول تعالـى ذكره: كما جزينا موسى علـى طاعته إيانا وإحسانه بصبره علـى أمرنا, كذلك نـجزي كلّ من أحسن من رسلنا وعبـادنا, فصبر علـى أمرنا وأطاعنا, وانتهى عما نهيناه عنه.
الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىَ حِينِ غَفْلَةٍ مّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـَذَا مِنْ عَدُوّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىَ فَقَضَىَ عَلَيْهِ قَالَ هَـَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ إِنّهُ عَدُوّ مّضِلّ مّبِينٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وَدَخَـلَ موسى الـمَدِينَةَ مدينة مَنْف من مصر عَلـى حِينَ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها وذلك عند القائلة نصف النهار.
واختلف أهل العلـم فـي السبب الذي من أجله دخـل موسى هذه الـمدينة فـي هذا الوقت, فقال بعضهم: دخـلها متبعا أثر فرعون, لأن فرعون ركب وموسى غير شاهد فلـما حضر علـم بركوبه فركب واتبع أثره, وأدركه الـمقـيـل فـي هذه الـمدينة. ذكر من قال ذلك:
20746ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كان موسى حين كبر يركب مراكب فرعون, ويـلبس مثل ما يـلبس, وكان إنـما يُدعى موسى بن فرعون, ثم إن فرعون ركب مركبـا ولـيس عنده موسى فلـما جاء موسى قـيـل له: إن فرعون قد ركب, فركب فـي أثره فأدركه الـمقـيـل بأرض يقال لها منف, فدخـلها نصف النهار, وقد تغلقت أسواقها, ولـيس فـي طرقها أحد, وهي التـي يقول الله: وَدَخَـلَ الـمدَينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها.
وقال آخرون: بل دخـلها مستـخفـيا من فرعون وقومه, لأنه كان قد خالفهم فـي دينهم, وعاب ما كانوا علـيه. ذكر من قال ذلك:
20747ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لَـمّا بلغ موسى أشده واستوى, آتاه الله حكما وعلـما, فكانت له من بنـي إسرائيـل شيعة يسمعون منه ويطيعونه ويجتـمعون إلـيه, فلـما استد رأيه, وعرف ما هو علـيه من الـحقّ, رأى فراق فرعون وقومه علـى ما هم علـيه حقا فـي دينه, فتكلـم وعادى وأنكر, حتـى ذكر منه, وحتـى أخافوه وخافهم, حتـى كان لا يدخـل قرية فرعون إلا خائفـا مستـخفـيا, فدخـلها يوما علـى حين غفلة من أهلها.
وقال آخرون: بل كان فرعون قد أمر بإخراجه من مدينته حين علاه بـالعصا, فلـم يدخـلها إلا بعد أن كبر وبلغ أشدّه. وقالوا: ومعنى الكلام: ودخـل الـمدينة علـى حين غفلة من أهلها لذكر موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره. ذكر من قال ذلك:
20748ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: عَلـى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال: لـيس غفلة من ساعة, ولكن غفلة من ذكر موسى وأمره. وقال فرعون لامرأته: أخرجيه عنـي, حين ضرب رأسه بـالعصا, هذا الذي قُتِلتْ فـيه بنو إسرائيـل, فقالت: هو صغير, وهو كذا, هات جمرا, فأتـي بجمر, فأخذ جمرة فطرحها فـي فـيه فصارت عقدة فـي لسانه, فكانت تلك العقدة التـي قال الله وَاحُلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِـي يَفْقَهُوا قَوْلِـي قال: أخرجيه عنـي, فأخرج, فلـم يدخـل علـيهم حتـى كبر, فدخـل علـى حين غفلة من ذكره.
وأولـى الأقوال فـي الصحة بذلك أن يقال كما قال الله جلّ ثناؤه: وَلـمّا أشُدّهُ وَاسْتَوَى وَدَخَـلَ الـمَدِينَةَ عَلَـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها.
واختلفوا فـي الوقت الذي عُنى بقوله: عَلـى حِين غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها فقال بعضهم: ذلك نصف النهار. ذكر من قال ذلك:
20749ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـحمد بن الـمنكدر, عن عطاء بن يسار, عن ابن عبـاس, قوله: وَدَخَـلَ الـمَدينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال: نصف النهار. قال ابن جُرَيج, عن عطاء الـخراسانـي, عن ابن عبـاس, قال: يقولون فـي القائلة, قال: وبـين الـمغرب والعشاء.
20750ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَدَخَـل الـمَدِينَةَ عَلـى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهْلِها قال: دخـلها بعد ما بلغ أشدّه عند القائلة نصف النهار.
20751ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: دخـل نصف النهار.
وقوله: فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ يقول: هذا من أهل دين موسى من بنـي إسرائيـل وَهَذَا مِنْ عَدُوهِ من القبط من قوم فرعون فـاسْتَغاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ يقول: فـاستغاثه الذي هو من أهل دين موسى علـى الذي من عدوّه من القبط فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ يقول: فلكزه ولهزه فـي صدره بجمع كفه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20752ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا حفص, عن الأعمش, عن سعيد بن جُبَـير, قال: أساء موسى من حيث أساء, وهو شديد الغضب شديد القوّة, فمرّ برجل من القبط قد تسخّر رجلاً من الـمسلـمين, قال: فلـما رأى موسى استغاث به, قال: يا موسى, فقال موسى: خـلّ سبـيـله, فقال: قد همـمت أن أحمله علـيك فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضى عَلَـيْهِ قال: حتـى إذا كان الغد نصف النهار خرج ينظر الـخبر قال: فإذا ذاك الرجل قد أخذه آخر فـي مثل حدّه قال: فقال: يا موسى, قال: فـاشتدّ غضب موسى, قال: فأهوى, قال: فخاف أن يكون إياه يريد, قال: فقال: أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟ قال: فقال الرجل: ألا أراك يا موسى أنت الذي قتلت؟.
حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عثام بن علـيّ, قال: حدثنا الأعمش, عن سعيد بن جُبـير فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـينِ يَقْتَتِلانِ قال: رجل من بنـي إسرائيـل يقاتل جبـارا لفرعون فـاسْتَغاثَهُ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ فلـما كان من الغد, استصرخ به فوجده يقاتل آخر, فأغاثه, فقال أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كما قَتَلْتَ نَفْسا بـالأمْسِ فعرفوا أنه موسى, فخرج منها خائفـا يترقب, قال عثام: أو نـحو هذا.
20753ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَوَجَدَ فِـيها رَجُلَـيْن يَقْتَتِلانِ, هذَا مِنْ شِيعَتِهِ, وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ أما الذي من شيعته فمن بنـي إسرائيـل, وأما الذي من عدوّه فقبطيّ من آل فرعون.
20754ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فَوَجدَ فِـيها رَجُلَـينِ يَقْتَتِلان, هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوّهِ يقول: من القبط فـاسْتَغاثَهُ الّذي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الّذي مِنْ عَدُوّهِ.
20755ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: حدثنا القاسم ابن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما بلغ موسى أشدّه, وكان من الرجال, لـم يكن أحد من آل فرعون يخـلص إلـى أحد من بنـي إسرائيـل معه بظلـم ولا سخرة, حتـى امتنعوا كلّ الامتناع, فبـينا هو يـمشي ذات يوم فـي ناحية الـمدينة, إذا هو برجلـين يقتتلان: أحدهما من بنـي إسرائيـل, والاَخر من آل فرعون, فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـي, فغضب موسى واشتدّ غضبه, لأنه تناوله وهو يعلـم منزلة موسى من بنـي إسرائيـل, وحفظه لهم, ولا يعلـم الناس إلا أنـما ذلك من قِبل الرضاعة من أمّ موسى إلا أن يكون الله أطلع موسى من ذلك علـى علـم ما لـم يطلع علـيه غيره, فوكز موسى الفرعونـي فقتله, ولـم يرهما أحد إلا الله والإسرائيـلـي, فقَالَ موسى حين قتل الرجل هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطان... الاَية.
20756ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق فَوَجَدَ فِـيهَا رَجُلَـيْنِ يَقْتَتِلانِ, هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ مسلـم, وهذا من أهل دين فرعون كافر فـاسْتَغَاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ وكان موسى قد أوتـي بسطة فـي الـخـلق, وشدّة فـي البطش فغضب بعدوّهما فنازعه فَوَكَزَهُ مُوسَى وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله, فقال هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ إنّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ.
20757ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ قال: من قومه من بنـي إسرائيـل, وكان فرعون من فـارس من إصطخر.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, بنـحوه.
20758ـ قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, عن أصحابه هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ إسرائيـلـي وَهَذا مِنْ عَدُوّهِ قبطي فـاسْتَغاثَهُ الّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلـى الّذِي مِنْ عَدُوّهِ. وبنـحوه الذي قلنا أيضا قالوا فـي معنى قوله: فَوَكَزَهُ مُوسَى. ذكر من قال ذلك:
20759ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فَوَكَزَهُ مُوسَى قال: بجمع كفه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
20760ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَوَكَزَهُ مُوسَى نبـيّ الله, ولـم يتعمد قتله.
20761ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: قتله وهو لا يريد قتله.
وقوله: فَقَضَى عَلَـيْهِ يقول: ففرغ من قتله. وقد بـيّنت فـيـما مضى أن معنى القضاء: الفراغ بـما أغنـي عن إعادته ههنا. ذكر أنه قتله ثم دفنه فـي الرمل, كما:
20762ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, عن أصحابه فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَـيْهِ ثم دفنه فـي الرمل.
وقوله: قالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ إنّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ يقول تعالـى ذكره: قال موسى حين قتل القتـيـل: هذا القتل من تسبب الشيطان لـي بأن هيّج غضبـي حتـى ضربت هذا فهلك من ضربتـي, إنّهُ عَدُوّ يقول: إن الشيطان عدوّ لابن آدم مُضِلّ له عن سبـيـل الرشاد بتزيـينه له القبـيح من الأعمال, وتـحسينه ذلك له مُبِـينٌ يعنـي أنه يبـين عداوته لهم قديـما, وإضلاله إياهم.
الآية : 16 -17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرّحِيمُ * قَالَ رَبّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لّلْمُجْرِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن ندم موسى علـى ما كان من قتله النفس التـي قتلها, وتوبته إلـيه منه ومسألته غفرانه من ذلك رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي بقتل النفس التـي لـم تأمرنـي بقتلها, فـاعف عن ذنبـي ذلك, واستره علـيّ, ولا تؤاخذنـي به فتعاقبنـي علـيه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20763ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, فـي قوله: رَبّ إنّـي ظَلَـمْتُ نَفْسِي قال: بقتلـي من أجل أنه لا ينبغي لنبـيّ أن يقتل حتـى يؤمر, ولـم يُؤمر.
20764ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قال: عرف الـمخرج, فقال: ظَلَـمْتُ نَفْسِي فـاغْفِرْ لـي, فَغَفَرَ لَهُ.
وقوله: فَغَفَرَ لَهُ يقول تعالـى ذكره: فعفـا الله لـموسى عن ذنبه ولـم يعاقبه به إنّهُ هُوَ الغَفُورُ الرّحِيـمُ يقول: إن الله هو الساتر علـى الـمنـيبـين إلـيه من ذنوبهم علـى ذنوبهم, الـمتفضل علـيهم بـالعفو عنها, الرحيـم للناس أن يعاقبهم علـى ذنوبهم بعد ما تابوا منها. وقوله: قالَ رَبّ بِـمَا أنْعَمْتَ عَلـيّ يقول تعالـى ذكره: قال موسى ربّ بـانعامك علـيّ بعفوك عن قتل هذه النفس فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْـمُـجْرِمِينَ يعنـي الـمشركين, كأنه أقسم بذلك, وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «فَلا تَـجْعَلْنِـي ظَهِيرا للْـمُـجْرِمِينَ» كأنه علـى هذه القراءة دعا ربه, فقال: اللهمّ لن أكون ظهيرا ولـم يستثن علـيه السلام حين قال فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْـمُـجْرِمِينَ فـابتلـي. وكان قَتادة يقول فـي ذلك ما:
20765ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة فَلَنْ أكُونَ ظَهِيرا للْـمُـجْرِمِينَ يقول: فلن أعين بعدها ظالِـما علـى فُجره, قال: وقلـما قالها رجل إلا ابتُلـي, قال: فـابتلـي كما تسمعون.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقّبُ فَإِذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَىَ إِنّكَ لَغَوِيّ مّبِينٌ }.
يقول تعالـى ذكره: فأصبح موسى فـي مدينة فرعون خائفـا من جنايته التـي جناها, وقتله النفس التـي قتلها أن يُؤخذ فـيقتل بها يَتَرقّبُ يقول: يترقب الأخبـار: أي ينتظر ما الذي يتـحدّث به الناس, مـما هم صانعون فـي أمره وأمر قتـيـله. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20766ـ حدثنـي العبـاس بن الولـيد, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا أصبغ بن زيد, قال: حدثنا القاسم عن أبـي أيوب, قال: حدثنا سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس فأصْبَحَ فِـي الـمَدِينَةِ خائِفـا يَتَرَقّبُ قال: خائفـا من قتله النفس, يترقب أن يؤخذ.
20767ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدّي: فأصْبَح فـي الـمَدِينَةِ خائِفـا يَتَرَقّبُ قال: خاتفـا أن يُؤخذ.
وقوله: فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ يقول تعالـى ذكره: فرأى موسى لـما دخـل الـمدينة علـى خوف مترقبـا الأخبـار عن أمره وأمر القتـيـل, فإذا الإسرائيـلـي الذي استنصره بـالأمس علـى الفرعونـيّ يقاتله فرعونـيّ آخر, فرآه الإسرائيـلـي فـاستصرخه علـى الفرعونـيّ. يقول: فـاستغاثه أيضا علـى الفرعونـيّ, وأصله من الصّراخ, كما يقال: قال بنو فلان: يا صبـاحاه, قال له موسى: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ يقول جَلّ ثناؤه: قال موسى للإسرائيـلـي الذي استصرخه, وقد صادف موسى نادما علـى ما سلف منه من قتله بـالأمس القتـيـل, وهو يستصرخه الـيوم علـى آخر: إنك أيها الـمستصرخ لغويّ: يقول: إنك لذو غواية, مبـين: يقول: قد تبـيّنت غوايتك بقتلك أمس رجلاً, والـيوم آخر. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك, قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20768ـ حدثنـي العبـاس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا أصبغ بن زيد, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: أتِـي فرعون, فقـيـل له: إن بنـي إسرائيـل قد قتلوا رجلاً من آل فرعون, فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم فـي ذلك, قال: ابغونـي قاتله ومن يشهد علـيه, لا يستقـيـم أن نقضي بغير بـينة ولا ثَبَتَ فـاطّلبوا ذلك, فبـينـما هم يطوفون لا يجدون شيئا, إذ مرّ موسى من الغد, فرأى ذلك الإسرائيـلـي يقاتل فرعونـيا, فـاستغاثه الإسرائيـلـي علـى الفرعونـيّ, فصادف موسى وقد ندم علـى ما كان منه بـالأمس, وكره الذي رأى, فغضب موسى, فمدّ يده وهو يريد أن يبطش بـالفرعونـيّ, فقال للإسرائيـلـي لِـما فعل بـالأمس والـيوم إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ, فنظر الإسرائيـلـي إلـى موسى بعد ما قال هذا, فإذا هو غضبـان كغضبه بـالأمس إذ قتل فـيه الفرعونـيّ, فخاف أن يكون بعد ما قال له: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ إياه أراد, ولـم يكن أراده, إنـما أراد الفرعونـيّ, فخاف الإسرائيـلـي فحاجه, فقال يا مُوسَى أَتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟ إنّ تُرِيدُ إلا أنْ تكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ وإنـما قال ذلك مخافة أن يكون إياه أراد موسى لـيقتله, فتتاركا.
20769ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد عن قَتادة: فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قال: الاستنصار والاستصراخ واحد.
20770ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ فإذَا الّذِي اسْتَنْصَرَهُ بـالأمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ يقول: يستغيثه.
20771ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما قتل موسى القتـيـل, خرج فلـحق بـمنزله من مصر, وتـحدّث الناس بشأنه, وقـيـل: قتل موسى رجلاً حتـى انتهى ذلك إلـى فرعون, فأصبح موسى غاديا الغَدَ, وإذا صاحبه بـالأمس معانق رجلاً آخر من عدوّه, فقال له موسى: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ أمس رجلاً, والـيوم آخر؟.
20772ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا حفص, عن الأعمش, عن سعيد بن جُبَـير والشّيْبـانـي, عن عكرِمة, قال: الذي استنصره: هو الذي استصرخه.
الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالّذِي هُوَ عَدُوّ لّهُمَا قَالَ يَمُوسَىَ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاّ أَن تَكُونَ جَبّاراً فِي الأرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما أراد موسى أن يبطش بـالفرعونـيّ الذي هو عدوّ له وللإسرائيـلـي, قال الإسرائيـلـي لـموسى وظنّ أنه إياه يريد أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كما قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20773ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة: فَلَـمّا أنْ أرَادَ أنْ يَبْطِشَ بِـالّذِي هُوَ عَدُوّ لَهُمَا قالَ: خافه الذي من شيعته حين قال له موسى: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ.
20774ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال موسى للإسرائيـلـي: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ ثم أقبل لـينصره, فلـما نظر إلـى موسى قد أقبل نـحوه لـيبطش بـالرجل الذي يقاتل الإسرائيـلـي, قالَ الإسرائيـلـي, وفَرِق من موسى أن يبطش به من أجل أنه أغلظ له الكلام: يَا مُوسَى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ, إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ وَما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ الـمُصْلِـحِينَ فتركه موسى.
20775ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, عن أصحابه, قال: ندم بعد أن قتل القتـيـل, فقال: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشّيْطانِ إنّهُ عَدُوّ مُضِلّ مُبِـينٌ قال: ثم استنصره بعد ذلك الإسرائيـلـي علـى قبطي آخر, فقال له موسى: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ فلـما أراد أن يبطش بـالقبطي, ظنّ الإسرائيـلـي أنه إياه يريد, فقال: يا موسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟. قال: وقال ابن جُرَيج, أو ابن أبـي نـجيح الطبري يشكّ وهو فـي الكتاب ابن أبـي نـجيح أن موسى لـما أصبح, أصبح نادما تائبـا, يودّ أن لـم يبطش بواحد منهما, وقد قال للإسرائيـلـي: إنّكَ لَغَوِيّ مُبِـينٌ فعلـم الإسرائيـلـي أن موسى غير ناصره فلـما أراد الإسرائيـلـي أن يبطش بـالقبطي نهاه موسى, ففرق الإسرائيـلـي من موسى, فقال: أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟ فسعى بها القبطيّ.
وقوله: إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل الإسرائيـلـيّ لـموسى: إن تريد ما تريد إلاّ أن تكون جبـارا فـي الأرض. وكان من فعل الـجبـابرة: قتل النفوس ظلـما, بغير حقّ. وقـيـل: إنـما قال ذلك لـموسى الإسرائيـل, لأنه كان عندهم مَن قتل نفسين: من الـجبـابرة. ذكر من قال ذلك:
20776ـ حدثنا مـجاهد بن موسى, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا هشيـم بن بشير, عن إسماعيـل بن سالـم, عن الشعبـيّ قال: من قتل رجلـين فهو جبـار قال: ثم قرأ أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ, إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ, وَما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ الـمُصْلِـحِينَ.
20777ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جَبّـارا فِـي الأرْضِ إن الـجبـابرة هكذا, تقتل النفس بغير النفس.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, إنْ تُرِيدُ إلاّ أنْ تَكُونَ جبّـارا فِـي الأرْضِ قال: تلك سِيرة الـجبـابرة أن تقتل النفس بغير النفس. وقوله: وَما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ منَ الـمُصْلِـحِينَ يقول: ما تريد أن تكون مـمن يعمل فـي الأرض بـما فـيه صلاح أهلها, من طاعة الله. وذكر عن ابن إسحاق أنه قال فـي ذلك ما:
20778ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق وَما تُرِيدُ أنْ تَكُونَ مِنَ الـمُصْلِـحِينَ أي ما هكذا يكون الإصلاح.
الآية : 20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَآءَ رَجُلٌ مّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىَ قَالَ يَمُوسَىَ إِنّ الْمَلأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنّي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ }.
ذُكِر أن قول الإسرائيـلـيّ سمعه سامع فأفشاه, وأعلـم به أهل القتـيـل, فحينئذٍ طلب فرعون موسى, وأمر بقتله فلـما أمر بقتله, جاء موسى مخبر, وخبره بـما قد أمر به فرعون فـي أمره, وأشار علـيه بـالـخروج من مصر, بلد فرعون وقومه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
20779ـ حدثنـي العبـاس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: حدثنا القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: انطلق الفرعونـيّ الذي كان يقاتل الإسرائيـلـيّ إلـى قومه, فأخبرهم بـما سمع من الإسرائيـلـي من الـخبر حين يقول أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْتَ نَفْسا بـالأَمْسِ؟ فأرسل فرعون الذبّـاحين لقتل موسى, فأخذوا الطريق الأعظم, وهم لا يخافون أن يفوتهم, وكان رجل من شيعة موسى فـي أقصى الـمدينة, فـاختصر طريقا قريبـا, حتـى سبقهم إلـى موسى, فأخبره الـخبر.
20780ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قال: أعلـمهم القبطيّ الذي هو عدوّ لهما, فأتـمر الـملأ لـيقتلوه, فجاء رجل من أقصى الـمدينة, وقرأ إنّ... إلـى آخر الاَية, قال: كنا نـحدّث أنه مؤمن آل فرعون.
20781ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: ذهب القبطي, يعنـي الذي كان يقاتل الإسرائيـلـي, فأفشى علـيه أن موسى هو الذي قتل الرجل, فطلبه فرعون وقال: خذوه فإنه صاحبنا, وقال للذين يطلبونه: اطلبوه فـي بنـيات الطريق, فإن موسى غلام لا يهتدي الطريق, وأخذ موسى فـي بنـيات الطريق, وقد جاءه الرجل فأخبره إنّ الـمَلأَ يأْتَـمرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ.
20782ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر بن عبد الله, عن أصحابه, قالوا: لـما سمع القبطيّ قول الإسرائيـلـيّ لـموسى أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْت نَفْسا بـالأَمْسِ سعى بها إلـى أهل الـمقتول فقال: إن موسى هو قتل صاحبكم, ولو لـم يسمعه من الإسرائيـلـي لـم يعلـمه أحد فلـما علـم موسى أنهم قد علـموا خرج هاربـا, فطلبه القوم فسبقهم قال: وقال ابن أبـي نـجيح: سعى القبطي.
20783ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, قال: قال الإسرائيـلـي لـموسى: أتُرِيدُ أنْ تَقْتُلَنِـي كمَا قَتَلْت نَفْسا بـالأَمْسِ وقبطي قريب منهما يسمع, فأفشى علـيهما.
20784ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, قال: سمع ذلك عدوّ, فأفشى علـيهما.
وقوله: وَجاءَ رَجُلٌ ذُكر أنه مؤمن آل فرعون, وكان اسمه فـيـما قـيـل: سمعان. وقال بعضهم: بـا كان اسمه شمعون. ذكر من قال ذلك:
20785ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, أخبرنـي وهب بن سلـيـمان, عن شعيب الـجبئيّ, قال: اسمه شمعون الذي قال لـموسى: إنّ الـمَلأَ يَأْتَـمِرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ.
20786ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: أصبح الـملأ من قوم فرعون قد أجمعوا لقتل موسى فـيـما بلغهم عنه, فجاء رجل من أقصى الـمدينة يسعى يقال له سمعان, فقال: يا مُوسَى إنّ الـمَلأَ يأتـمِرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ, فـاخْرُجْ إنّـي لَكَ مِنَ النّاصحِينَ.
20787ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة, قال: وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أقْصَى الـمَدِينَةِ يَسْعَى إلـى موسى قالَ يا مُوسَى إنّ الـمَلأَ يأتَـمِرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ, فـاخْرُجْ إنّـي لَكَ مِنَ النّاصحِينَ.
وقوله مِنْ أقْصَى الـمَدِينَةِ يقول: من آخر مدينة فرعون يَسْعَى يقول: يعجل. كما:
20788ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن حُرَيج وَجاءَ رَجُلٌ مِن أقْصَى الـمَدِينَةِ يَسْعَى قال: يعجل, لـيس بـالشدّ.
وقوله: قالَ يا مُوسَى إنّ الـمَلأَ يأتـمِرُونَ بِكَ لِـيَقْتُلُوكَ يقول جلّ ثناؤه: قال الرجل الذي جاءه من أقصى الـمدينة يسعى لـموسى: يا موسى إن أشراف قوم فرعون ورؤساءهم يتآمرون بقتلك, ويتشاورون ويرتؤون فـيك ومنه قول الشاعر:
ما تَأْتَـمِرْ فِـينا فَأمْرُكَ فـي يَـمِنِكَ أو شِمالكْ
يعنـي: ما ترتئي, وتهمّ به ومنه قول النـمر بن تولب:
أرَى النّاسَ قَدْ أحْدَثُوا شِيـمَة ًوفـي كُلّ حادِثَةٍ يُؤْتَـمَرْ
أَيْ يُتَشَاوَرُ وَيُرْتَأَىَ فِـيهَا.
وقوله: فـاخْرُجْ إنّـي لَكَ مِنَ النّاصِحِينَ يقول: فـاخرج من هذه الـمدينة, إنـي لك فـي إشارتـي علـيك بـالـخروج منها من الناصحين.
الآية : 21 -22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقّبُ قَالَ رَبّ نَجّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ * وَلَمّا تَوَجّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىَ رَبّيَ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السّبِيلِ }.
يقول تعالـى ذكره: فخرج موسى من مدينة فرعون خائفـا من قتله النفس أن يقتل به يترقب يقول: ينتظر الطلب أن يدركه فـيأخذه. كما:
20789ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة فَخَرَجَ مِنْها خائِفـا يتَرَقّبُ خائفـا من قتله النفس يترقب الطلب قالَ رَبّ نَـجّنِـي مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة فَخَرَجَ مِنْها خائِفـا يَتَرقّبُ قال: خائفـا من قتل النفس, يترقب أن يأخذه الطلب.
20790ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ذُكر لـي أنه خرج علـى وجهه خائفـا يترقب ما يدري أيّ وجه يسلك, وهو يقول: رَبّ نَـجّنِـي مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ.
20791ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله فَخَرَجَ مِنْها خائِفـا يَترَقّبُ قال: يترقب مخافة الطلب.
وقوله: قالَ رَبّ نَـجّنِـي مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ يقول تعالـى ذكره: قال موسى وهو شاخص عن مدينة فرعون خائفـا: ربّ نـجنـي من هؤلاء القوم الكافرين, الذين ظلـموا أنفسهم بكفرهم بك.
وقوله: ولَـمّا تَوَجّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ يقول تعالـى ذكره: ولِـما جعل موسى وجهه نـحو مدين, ماضيا إلـيها, شاخصا عن مدينة فرعون, وخارجا عن سلطانه, قال: عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ وعنى بقوله: «تلقاء»: نـحو مدين ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه, يعنـي به: مِن قِبَل نفسه ويقال: داره تلقاءَ دار فلان: إذا كانت مـحاذيتها, ولـم يصرِف اسم مدين لأنها اسم بلدة معروفة, كذلك تفعل العرب بأسماء البلاد الـمعروفة ومنه قول الشاعر:
رُهْبـانُ مَدْيَنَ لَوْ رأوْكِ تَنزّلُواوالعُصْمُ مِنْ شَعَفِ العُقولِ الفـادِرِ
وقوله: عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ يقول: عسى ربـي أن يبـين لـي قصد السبـيـل إلـى مدين, وإنـما قال ذلك لأنه لـم يكن يعرف الطريق إلـيها.
وذُكر أن الله قـيّض له إذ قال: رَبّ نَـجّنِـي مِنَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ ملَكا سدّده الطريق, وعرفه إياه. ذكر من قال ذلك:
20792ـ حدثنا موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما أخذ موسى فـي بنـيات الطريق جاءه مَلَك علـى فرس بـيده عَنْزة فلـما رآه موسى سجد له من الفَرَق قال: لا تسجد لـي ولكن اتبعنـي, فـاتبعه, فهداه نـحو مدين. وقال موسى وهو متوجه نـحو مدين: عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ فـانطلق به حتـى انتهى به إلـى مَدين.
20793ـ حدثنا العبـاس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا سعيد بن جُبَـير, عن ابن عبـاس, قال: خرج موسى متوجها نـحو مدين, ولـيس له علـم بـالطريق إلاّ حُسن ظنه بربه, فإنه قال عَسَى رَبـي أنْ يَهْدِينِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ.
20794ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ذُكِرَ لـي أنه خرج وهو يقول: رَبّ نَـجّنِـي منَ القَوْمِ الظّالِـمِينَ فهيأ الله الطريق إلـى مدين, فخرج من مصر بلا زاد ولا حذاء ولا ظهر ولا درهم ولا رغيف, خائفـا يترقب, حتـى وقع إلـى أمة من الناس يسقون بـمَدين.
20795ـ حدثنا أبو عمار الـحسين بن حريث الـمَرْوِزِيّ, قال: حدثنا الفضل بن موسى, عن الأعمش, عن الـمنهال بن عمرو, عن سعيد بن جُبَـير, قال: خرج موسى من مصر إلـى مَدْين, وبـينها وبـينها مسيرة ثمان, قال: وكان يُقال نـحو من الكوفة إلـى البصرة, ولـم يكن له طعام إلاّ وَرَق الشجر, وخرج حافـيا, فما وصل إلـيها حتـى وقع خفّ قدمه.
20796ـ حدثنا أبو كُرَيب, قال: حدثنا عَثّام, قال: حدثنا الأعمش, عن الـمنهال, عن سعيد, عن ابن عبـاس, قال: لـما خرج موسى من مصر إلـى مدين, وبـينه وبـينها ثمان لـيال, كان يقال: نَـحوٌ من البصرة إلـى الكوفة ثم ذكر نـحوه. ومدين كان بها يومئذٍ قوم شعيب علـيه السلام. ذكر من قال ذلك:
20797ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قَتادة, قوله: وَلـما تَوَجّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ ومدين: ماء كان علـيه قوم شعيب قالَ عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ.
وأما قوله: سَوَاءَ السّبِـيـلِ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله نـحو قولنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
20798ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث, قال: حدثنا الـحسن, قال: حدثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد سَوَاءَ السّبِـيـلِ قال: الطريق إلـى مدين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جُرَيج, عن مـجاهد, مثله.
20799ـ قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن قَتادة قالَ عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ قال: قصد السبـيـل.
20800ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا عَبّـاد بن راشد, عن الـحسن عَسَى رَبّـي أنْ يَهْدِيَنِـي سَوَاءَ السّبِـيـلِ قال: الطريق الـمستقـيـم