تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 43 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 43

042

قوله: 257- "الله ولي الذين آمنوا" الولي فعيل بمعنى فاعل، وهو الناصر. وقوله: "يخرجهم" تفسير للولاية، أو حال من الصمير في ولي، وهذا يدل على أن المراد بقوله: "الذين آمنوا" الذين أرادوا الإيمان، لأن من قد وقع منه الإيمان قد خرج من الظلمات إلى النور إلا أن يراد بالإخراج إخراجهم من الشبه التي تعرض للمؤمنين فلا يحتاج إلى تقدير الإرادة، والمراد بالنور في قوله: "يخرجونهم من النور إلى الظلمات" ما جاء به أنبياء الله من الدعوة إلى الدين، فإن ذلك نور للكفار أخرجهم أولياؤهم عنه إلى ظلمة الكفر: أي قررهم أولياؤهم على ما هم عليه من الكفر بسبب صرفهم عن إجابة الداعي إلى الأنبياء. وقيل: المرد بالذين كفروا هنا الذين ثبت في علمه تعالى كفرهم يخرجهم أولياؤهم من الشياطين ورؤوس الضلال من النور الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها إلى ظلمات الكفر التي وقعوا فيها بسبب ذلك الإخراج. وقد أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد ابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن سعيد بن جبير نحو ما تقدم عن ابن عباس من ذكر سبب نزول قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" وزاد أن النبي صلى الله عليه وسلم خير الأبناء. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الشعبي نحوه أيضاً، وقال: فلحق بهم: أي ببني النضير من لم يسلم وبقي من أسلم. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان الناس من الأنصار مسترضعين في بني قريظة فثبتوا على دينهم، فلما جاء الإسلام أراد أهلوهم أن يكرهوهم على الإسلام فنزلت. وأخرج ابن جرير عن الحسن نحوه. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله: "لا إكراه في الدين" قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلاً مسلماً، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فنزلت. وأخرج عبد بن حميد بن عبد الله بن عبيدة نحوه. وكذلك أخرج أبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر عن السدي نحوه. وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة قال: كانت العرب ليس لها دين، فأكرهوا على الدين بالسيف. قال: ولا تكرهوا اليهود ولا النصارى والمجوس إذا أعطوا الجزية. وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن نحوه. وأخرج البخاري عن أسلم: سمعت عمر بن الخطاب يقول لعجوز نصرانية: أسلمي تسلمي، فأبت، فقال: اللهم اشهد، ثم تلا "لا إكراه في الدين" وروي عنه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم أنه قال لزنبق الرومي غلامه: لو أسلمت استغنت بك على أمانة المسلمين فأبى، فقال: "لا إكراه في الدين". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سليمان بن موسى في قوله: "لا إكراه في الدين" قال نسختها: "جاهد الكفار والمنافقين". وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال: الطاغوت الشيطان. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الطاغوت الكاهن. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: الطاغوت الساحر. وأخرج ابن أبي حاتم عن مالك بن أنس قال: الطاغوت ما يعبد من دون الله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: العروة الوثقى لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن أنس بن مالك: أنها القرآن. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد: أنها الإيمان. وعن سفيان: أنها كلمة الإخلاص. وقد ثبت في الصحيحين تفسير العروة الوثقى في غير هذه الآية بالإسلام مرفوعاً في تعبيره صلى الله عليه وسلم لرؤيا عبد الله بن سلام. وأخرج ابن عساكر عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر فإنهما حبل الله الممدود، فمن تمسك بهما فقد تمسك بعروة الله الوثقى التي لا انفصام لها". وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: إذا وحد الله وآمن بالقدر فهي العروة الوثقى. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن معاذ أنه سئل عن قوله: "لا انفصام لها" قال: لا انقطاع لها دون دخول الجنة. وأخرج ابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله: "الله ولي الذين آمنوا" الآية، قال: هم قوم كانوا كفروا بعيسى فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم "الذين كفروا أولياؤهم الطاغوت" الآية، قال: هم قوم آمنوا بعيسى فلما بعث محمد كفروا به. وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: الظلمات الكفر. والنور: الإيمان. وأخرج أبو الشيخ عن السدي مثله.
في هذه الآية استشهاد على ما تقدم ذكره من أن الكفرة أولياؤهم الطاغوت، وهمزة الاستفهام لإنكار النفي والتقرير المنفي: أي ألم ينته علمك أو نظرك إلى هذا الذي صدرت منه هذه المحاجة. قال الفراء: ألم تر بمعنى هل رأيت: أي هل رأيت الذي حاج إبراهيم وهو النمروذ بن كوس بن كنعان بن سلم بن نوح، وقيل: إنه النمروذ بن فالخ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام. وقوله: 258- "أن آتاه الله الملك" أي لأن آتاه الله، أو من أجل أن آتاه الله على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتو، فحاج لذلك، أو على أنه وضع المحاجة التي هي أقبح وجوه الكفر موضع ما يجب عليه من الشكر، كما يقال: عاديتني لأني أحسنت إليك، أو وقت أن آتاه الله الملك. وقوله: "إذ قال إبراهيم" هو ظرف لحاج، وقيل: بدل من قوله: "أن آتاه الله الملك" على الوجه الأخير وهو بعيد. قوله: "ربي الذي يحيي ويميت" بفتح ياء ربي، وقرئ بحذفها. قوله: "أنا أحيي" قرأ جمهور القراء أنا أحيي بطرح الألف التي بعد النون من أنا في الوصل وأثبتها نافع وابن أبي أويس كما في قول الشاعر: أنا شيخ العشيرة فاعرفوني حميداً قد تذربت السناما أراد إبراهيم عليه السلام أن الله هو الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد، وأراد الكافر أنه يقدر أن يعفو عن القتل فيكون ذلك إحياءً، وعلى أن يقتل فيكون ذلك إماتة، فكان هذا جواباً أحمق لا يصح نصبه في مقابلة حجة إبراهيم، لأنه أراد غير ما أراده الكافر، فلو قال له: ربه الذي يخلق الحياة والموت في الأجساد فهل تقدر على ذلك؟ لبهت الذي كفر بادئ بدء وفي أول وهلة، ولكنه انتقل معه إلى حجة أخرى تنفيساً لخناقه، وإرسالاً لعنان المناظرة فقال: "فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب" لكون هذه الحجة لا تجري فيها المغالطة ولا يتيسر للكافر أن يخرج عنها بمخرج مكابرة ومشاغبة. قوله: "فبهت الذي كفر" بهت الرجل وبهت وبهت: إذا انقطع وسكت متحيراً. قال ابن جرير: وحكي عن بعض العرب في هذا المعنى بهت بفتح الباء والهاء. قال ابن جني: قرأ أبو حيوة فبهت بفتح الباء وضم الهاء، وهي لغة في بهت بكسر الهاء، قال: وقرأ ابن السميفع فبهت بفتح الباء والهاء على معنى فبهت إبراهيم الذي كفر، فـ"الذي" في موضع نصب، قال: وقد يجوز أن يكون بهت بفتحهما لغة في بهت. وحكى أبو الحسن الأخفش قراءة فبهت بكسر الهاء، قال: والأكثر بالفتح في الهاء. قال ابن عطية: وقد تأول قوم في قراءة من قرأ فبهت بفتحهما أنه بمعنى سب وقذف، وأن النمروذ هو الذي سب حين انقطع ولم يكن له حيلة انتهى. وقال سبحانه: "فبهت الذي كفر" ولم يقل فبهت الذي حاج، إشعاراً بأن تلك المحاجة كفر. وقوله: "والله لا يهدي القوم الظالمين" تذييل مقرر لمضمون الجملة التي قبله. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب أن الذي حاج إبراهيم في ربه هو نمروذ بن كنعان. وأخرجه ابن جرير عن مجاهد وقتادة والربيع والسدي. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن زيد بن أسلم: أن أول جبار كان في الأرض نمروذ، وكان الناس يخرجون يمتارون من عنده الطعام، فخرج إبراهيم عليه السلام يمتار مع من يمتار، فإذا مر به ناس قال: من ربكم؟ قالوا: أنت، حتى مر به إبراهيم، فقال: من ربك؟ قال: الذي يحيي ويميت، قال: أنا أحيي وأميت، قال: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر، فرده بغير طعام. فرجع إبراهيم إلى أهله فمر على كثيب من رمل أصفر فقال: ألا آخذ من هذا فآتي به أهلي، فتطيب أنفسهم حين أدخل عليهم، فأخذ منه فأتى أهله فوضع متاعه ثم نام، فقامت امرأته إلى متاعه ففتحته فإذا هي بأجود طعام رآه آخذ، فصنعت له منه فقربته إليه، وكان عهده بأهله أنه ليس عندهم طعام، فقال: من أين هذا؟ قالت: من الطعام الذي جئت به، فعرف أن الله رزقه فحمد الله. ثم بعث الله إلى الجبار ملكاً أن آمن وأتركك على ملكك. قال: فهل رب غيري؟ فجاءه الثانية فقال له ذلك فأبى عليه، ثم أتاه الثالثة فأبى عليه، فقال له الملك: فاجمع جموعك إلى ثلاثة أيام، فجمع الجبار جموعه فأمر الله الملك ففتح عليه باباً من البعوض وطلعت الشمس فلم يروها كثرتها، فبعثها الله عليهم فأكلت شحومهم وشربت دماءهم فلم يبق إلا العظام، والملك كما هو لا يصيبه من ذلك شيء، فبعث الله عليه بعوضة فدخلت في منخره فمكث أربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه ثم ضرب بهما رأسه، وكان جباراً أربعمائة سنة، فعذبه الله أربعمائة سنة كملكه، ثم أماته الله، وهو الذي كان بنى صرحاً إلى السماء فأتى الله بنياته من القواعد. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في الآية، قال: هو نمروذ بن كنعان يزعمون أنه أول من ملك في الأرض أتى برجلين قتل أحدهما وترك الآخر، فقال: "أنا أحيي وأميت". وأخرج أبو الشيخ عن السدي "والله لا يهدي القوم الظالمين" قال: إلى الإيمان.
قوله: 259- " أو كالذي" أو للعطف حملاً على المعنى، والتقدير: هل رأيت كالذي حاج أو كالذي مر على قرية. قاله الكسائي والفراء. وقال المبرد: إن المعنى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه، ألم تر من هو كالذي مر على قرية فحذف قوله من هو. وقد اختار جماعة أن الكاف زائدة، واختار آخرون أنها إسمية. والمشهور أن القرية هي بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها، وقيل: المراد بالقرية أهلها. وقوله: "خاوية على عروشها" أي ساقطة على عروشها، أي سقط السقف ثم سقطت الحيطان عليه، قاله السدي واختاره ابن جرير وقيل: معناه خالية من الناس والبيوت قائمة، وأصل الخواء الخلو، يقال: خوت الدار وخويت تخوي خواءً ممدود وخوياً وخوياً: أقفرت، والخواء أيضاً الجوع لخلو البطن عن الغذاء. والظاهر القول الأول بدلالة قوله: "على عروشها" من خوى البيت إذا سقط، أو من خوت الأرض إذا تهدمت، وهذه الجملة حالية: أي من حال كونها كذلك. وقوله: "أنى يحيي هذه الله" أي متى يحيي أو كيف يحيي، وهو استبعاد لإحيائها وهي على تلك الحالة المشابهة لحالة الأموات المباية لحالة الأحياء، وتقديم المفعول لكون الاستبعاد ناشئاً من جهته لا من جهة الفاعل. فلما قال المار هذه المقالة مستبعداً لإحياء القرية المذكورة بالعمارة لها والسكون فيها ضرب الله له المثل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه "فأماته الله مائة عام ثم بعثه" وحكى الطبري عن بعضهم أنه قال: كان هذا القول شكاً في قدرة الله سبحانه على إحياء قرية بجلب العمارة إليها، وإنما يتصور الشك إذا كان سؤاله عن إحياء موتاها. وقوله: "مائة عام" منصوب على الظرفية. والعام: السنة أصله مصدر كالعوم سمي به هذا القدر من الزمان. وقوله: "بعثه" معناه أحياه. قوله: "قال كم لبثت" هو استئناف كأن سائلاً سأله ماذا قال له بعد بعثه. واختلف في فاعل قال، فقيل: هو الله عز وجل، وقيل: ناداه بذلك ملك السماء، قيل هو جبريل، وقيل غيره، وقيل إنه نبي من الأنبياء، قيل رجل من المؤمنين من قومه شاهده عنده أن أماته الله وعمر إلى عند بعثه. والأول أولى لقوله فيما بعد: "وانظر إلى العظام كيف ننشزها" وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة إلا عاصماً " كم لبثتم " بإدغام الثاء في التاء. وكم في موضع نصب على الظرفية، وإنما قال: "يوماً أو بعض يوم" بناءً على ما عنده وفي ظنه فلا يكون كاذباً، ومثله قول أصحاب الكهف: " قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم " ومثله قوله صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين: "لم تقصر ولم أنس" وهذا مما يؤيذ قول من قال: إن الصدق ما طابق الاعتقاد، والكذب ما خالفه. وقوله: "قال بل لبثت مائة عام" هو استئناف أيضاً كما سلف: أي ما لبثت يوماً أو بعض يوم بل لبث مائة عام. وقوله: "فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه" أمره سبحانه أن ينظر إلى هذا الأثر العظيم من آثار القدرة، وهو عدم تغير طعامه وشرابه مع طول تلك المدة. وقرأ ابن مسعود وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه وقرأ طلحة بن مصرف وانظر لطعامك وشرابك لمائة سنة. وروي عن طلحة أيضاً أنه قرأ لم يسن بإدغام التاء في السين وحذف الهاء. وقرأه الجمهور بإثبات الهاء في الوصل، والتسنه مأخوذ من السنة: أي لم تغيره السنون، وأصلها سنهة أو سنوة من سنهت النخلة وتسنهت: إذا أتت عليها السنون، ونخلة سنا: أي تحمل سنة ولا تحمل أخرى، وأسنهت عند بني فلان: أقمت عندهم، وأصله يتسنا سقطت الألف للجزم والهاء للسكت وقيل: هو من أسن الماء: إذا تغير، وكان يجب على هذا أن يقال: يتأسن من قوله: "حمإ مسنون" قاله أبو عمرو الشيبانس. وقاله الزجاج: ليس كذلك، لأن قوله: "مسنون" ليس معناه متغير، وإنما معناه مصبوب على سنه الأرض. وقوله: "وانظر إلى حمارك" اختلف المفسرون في معناه، فذهب الأكثر إلى أن معناه انظر إليه كيف تفرقت أجزاؤه، ونخرت عظامه ثم أحياه الله وعاد كما كان. وقال الضحاك ووهب بن منبه: انظر إلى حمارك قائماً في مربطه لم يصبه شيء بعد أن مضت عليه مائة عام، ويؤيد القول الأول قوله تعالى: "وانظر إلى العظام كيف ننشزها" ويؤيد القول الثاني مناسبته لقوله: "فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه" وإنما ذكر سبحانه عدم تغير طعامه وشرابه بعد إخباره أنه لبث مائة عام، مع أن عدم تغير ذلك الطعام والشراب لا يصلح أن يكون دليلاً على تلك المدة الطويلة، بل على ما قاله من لبثه يوماً أو بعض يوم لزيادة استعظام ذلك الذي أماته الله تلك المدة، فإنه إذا رأى طعامه وشرابه لم يتغير مع كونه قد ظن أنه لم يلبث إلا يوماً أو بعض يوم زادت الحيرة وقويت عليه الشبهة، فإذا نظر إلى حماره عظاماً نخرة تقرر لديه أن ذلك صنع من تأتي قدرته بما لا تحيط به العقول، فإن الطعام والشراب سعيد التغير. وقد بقي هذه المدة الطويلة غير متغير، والحمار يعيش المدة الطويلة. وقد صار كذلك "فتبارك الله أحسن الخالقين". قوله: "ولنجعلك آية للناس" قال الفراء: إنه أدخل الواو في قوله: "ولنجعلك" دلالة على أنها شرط لفعل بعدها، معناه: ولنجعلك آية للناس ودلالة على البعث بعد الموت جعلنا ذلك. وإن شئت جعلت الواو مقحمة زائدة. قال الأعمش: موضع كونه آية هو أنه جاء شباباً على حاله يوم مات، فوجد الأبناء والحفدة شيوخاً. قوله: "وانظر إلى العظام كيف ننشزها" قرأ الكوفيون وابن عامر بالزاي والباقون بالراء. وروى أبان عن عاصم نشرها بفتح النون الأولى وسكون الثانية وضم الشين والراء. وقد أخرج الحاكم وصححه عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قرأ كيف ننشزها بالزاي. فمعنى القراءة بالزاي نرفعها، ومنه النشز: وهو المرتفع من الأرض: أي يرفع بعضها إلى بعض. وأما معنى القراءة بالراء المهملة فواضحة من أنشر الله الموتى: أي أحياهم وقوله: "ثم نكسوها لحماً" أي: نسترها به كما نستر الجسد باللباس فاستعار اللباس لذلك، كما استعارة النابغة للإسلام فقال: الحمد لله إذ لم يأتني أجلي حتى اكتسيت من الإسلام سربالا قوله: "فلما تبين له" أي ما تقدم ذكره من الآيات التي أراه الله سبحانه وأمره بالنظر إليها والتفكر فيها "قال أعلم أن الله على كل شيء قدير" لا يستعصي عليه شيء من الأشياء. قال ابن جرير: المعنى في قوله: "فلما تبين له" أي لما اتضح له عياناً ما كان مستنكراً في قدرة الله عنده قبل عيانه. "قال أعلم" وقال أبو علي الفارسي معناه: أعلم أن هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته. وقرأ حمزة والكسائي " قالوا ربكم أعلم " على لفظ الأمر خطاباً لنفسه على طريق التجريد. وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن علي في قوله: "أو كالذي مر على قرية" قال: خرج عزير نبي الله من مدينته وهو شاب، فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها، فقال: "أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه" فأول ما خلق الله عيناه فجعل ينظر إلى عظامه ينضم بعضها إلى بعض، ثم كسيت لحماً، ثم نفخ فيه الروح، فقيل له: "كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام" فأتى مدينته. وقد ترك جاراً له إسكافاً شاباً فجاء وهو شيخ كبير. وقد ورد عن جماعة من السلف أن الذي أماته الله عزير، منهم ابن عباس عند ابن جرير وابن عساكر، ومنهم عبد الله بن سلام عند الخطيب وابن عساكر، ومنهم عكرمة وقتادة وسليمان وبريدة والضحاك والسدي عند ابن جرير، وورد عن جماعة آخرين أن الذي أماته الله هو نبي اسمه أرمياء، فمنهم عبد الله بن عبيد بن عمير عند عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، ومنهم وهب بن منبه عند عبد الرزاق وابن جرير وأبي الشيخ. وأخرج ابن إسحاق عنه أيضاً أنه الخضر. وأخرج ابن أبي حاتم عن رجل من أهل الشام أنه حزيقل. وروى ابن كثير عن مجاهد أنه رجل من بني إسرائيل. والمشهور القول الأول. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "خاوية" قال: خراب. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: "خاوية" ليس فيها أحد. وأخرج أيضاً عن الضحاك قال: "على عروشها" سقوفها. وأخرج ابن جرير عن السدي قال: ساقطة على سقوفها. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: "لبثت يوماً" ثم التفت فرأى الشمس فقال "أو بعض يوم". وأخرج عنه أيضاً قال: كان طعامه الذي معه سلة من تين، وشرابه زق من عصير. وأخرج أيضاً عن مجاهد نحوه. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "لم يتسنه" قال: لم يتغير. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير قال: "لم يتسنه" لم ينتن. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود في قوله: "ولنجعلك آية للناس" مثل ما تقدم عن الأعمش، وكذلك أخرج مثله أيضاً عن عكرمة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "كيف ننشزها" قال: نخرجها. وأخرج ابن جرير عن زيد بن ثابت قال: نحييها.