تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 45 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 45

044

قوله: 265- " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم " قيل إن قوله: " ابتغاء مرضاة الله " مفعول له، وتثبيتاً معطوف عليه، وهو أيضاً مفعول له: أي الإنفاق لأجل الابتغاء. والتثبيت كذا قال مكي في المشكل. قال ابن عطية: وهو مردود لا يصح في تثبيتاً أنه مفعول من أجله، لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت. قال: وابتغاء نصب على المصدر في موضع الحال، وكان يتوجه فيه النصب على المفعول من أجله، لكن النصب على المصدر هو الصواب من جهة عطف المصدر الذي هو تثبيتاً عليه، وابتغاء معناه طلب، ومرضات مصدر رضي يرضى، وتثبيتاً معناه: أنهم يثبتون من أنفسهم ببذل أموالهم على الإيمان وسائر العبادات رياضةً لها وتدريباً وتمريناً، أو يكون التثبيت بمعنى التصديق: أي تصديقاً للإسلام ناشئاً من جهة أنفسهم. وقد اختلف السلف في معنى هذا الحرف، فقال الحسن ومجاهد: معناه أنهم يتثبتون أن يضعوا صدقاتهم، وقيل: معناه تصديقاً ويقيناً، وروي ذلك عن ابن عباس، وقيل: معناه احتساباً من أنفسهم، قاله قتادة، وقيل: معناه أن أنفسهم لها بصائر فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتاً، قاله الشعبي والسدي وابن زيد وأبو صالح وهذا أرجح مما قبله. يقال: ثبت فلاناً في هذا الأمر أثبته تثبيتاً: أي صححت عزمه. قوله: "كمثل جنة بربوة أصابها وابل" الجنة: البستان، وهي أرض تنبت فيها الأشجار حتى تغطيها، مأخوذة من لفظ الجن والجنين لاستتارها. والربوة: المكان المرتفع ارتفاعاً يسيراً، وهي مثلثة الراء، وبها قرئ، وإنما خص الربوة لأن نباتها يكون أحسن من غيره، مع كونه لا يصطلمه البرد في الغالب للطافة هوائه بهبوب الرياح المطلفة له. قال الطبري: وهي رياض الحزن منسوبة إلى نجد. لأنها خير من رياض تهامة، ونبات نجد أعطر، ونسيمه أبرد وأرق. ونجد يقال لها حزن، وليست هذه المذكورة هنا من ذاك، ولفظ الربوة مأخوذ من ربا يربو إذا زاد. وقال الخليل الربوة: أرض مرتفعة طيبة. والوابل المطر الشديد كما تقدم، يقال: وبلت السماء تبل، والأرض موبلة. قال الأخفش: ومنه قوله تعالى: "أخذاً وبيلاً" أي شديداً، وضرب وبيل، وعذاب وبيل "فآتت أكلها" بضم الهمزة: الثمر الذي يؤكل كقوله تعالى: "تؤتي أكلها كل حين" وإضافته إلى الجنة إضافة اختصاص كسرج الفرس وباب الدار.قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأكلها بضم الهمزة وسكون الكاف تخفيفاً. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي بتحريك الكاف بالضم. وقوله: "ضعفين" أي مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل. فالمراد بالضعف المثل، وقيل أربعة أمثال، ونصبه على الحال من أكلها: أي مضاعفاً. قوله: "فإن لم يصبها وابل فطل" أي فإن الطل يطفيها: وهو المطر الضعيف المستدق القطر. قال المبرد وغيره: وتقديره فطل يكفيها. وقال الزجاج: تقديره فالذي يصيبها طل والمراد أن الطل ينوب مناب الوابل في إخراج الثمرة ضعفين. وقال قوم: الطل الندى. وفي الصحاح الطل: أضعف المطر، والجمع أطلال. قال الماوردي: وزرع الطل أضعف من زرع المطر. والمعنى: أن نفقات هؤلاء زاكية عند الله لا تضيع بحال وإن كانت متفاوتة، ويجوز أن يعتبر التمثيل ما بين حالهم باعتبار ما صدر عنهم من النفقة الكثيرة والقليلة، وبين الجنة المعهودة باعتبار ما أصابها من المطر الكثير والقليل، فكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكلها، فكذلك نفقتهم جلت أو قلت بعد أن يطلب بها وجه الله زاكية زائدة في أجورهم. وقوله: "والله بما تعملون بصير". قرأ الزهري بالتاء التحتية. وقرأ الجمهور بالفوقية، وفي هذا ترغيب لما لهم في الإخلاص مع ترهيب من الرياء ونحوه، فهو وعد ووعيد. وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله: "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل" عن الربيع قال: "كان من بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ورابط معه بالمدينة ولم يذهب وجهاً إلا بإذنه كانت له الحسنة بسبعمائة ضعف، ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها". وأخرج مسلم وأحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن ابن مسعود "أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن خزيم بن فاتك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف". وأخرجه البخاري في تاريخه من حديث أنس. وأخرجه أحمد من حديث أبي عبيدة وزاد "ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضاً فالحسنة بعشر أمثالها". وأخرج نحوه النسائي في الصوم. وأخرج ابن ماجه وابن أبي حاتم من حديث عمران بن حصين وعلي وأبي الدرداء وأبي هريرة وأبي أمامة وعبد الله بن عمرو وجابر كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة درهم، ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه ذلك فله بكل درهم يوم القيامة سبعمائة ألف درهم، ثم تلا هذه الآية "والله يضاعف لمن يشاء"". وأخرجه أيضاً ابن ماجه من حديث الحسن بن علي. وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله، يقول الله: إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به". وأخرجه أيضاً مسلم. وأخرج الطبراني من حديث معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "طوبى لمن أكثر في الجهاد في سبيل الله من ذكر الله، فإن له بكل كلمة سبعين الف حسنة، كل حسنة منها عشرة أضعاف" وقد تقدم ذكر طرف من أحاديث التضعيف للحسنات عند قوله تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة". وقد وردت الأحاديث الصحيحة في أجر من جهز غازياً. وأخرج أبو داود والحاكم وصححه عن سهل بن معاذ عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الصلاة والصوم والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله سبعمائة ضعف". وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط والبيهقي في سننه عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف". وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال في تفسير قوله تعالى: "ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى" إن أقواماً يبعثون الرجل منهم في سبيل الله أو ينفق على الرجل أو يعطيه النفقة ثم يمن عليه ويؤذيه: يعني أن هذا سبب النزول. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه. وقد وردت الأحاديث الصحيحة في النهي عن المن والأذى وفي فضل الإنفاق في سبيل الله وعلى الأقارب وفي وجوه الخير، ولا حاجة إلى التطويل بذكرها فهي معروفة في مواطنها. وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن دينار قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من صدقة أحب إلى الله من قول الحق، ألم تسمع قول الله تعالى: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى"". وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: "قول معروف" قال: رد جميل، تقول: يرحمك الله، يرزقك الله، ولا تنهره ولا تغلظ له القول. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "لا يدخل الجنة منان وذلك في كتاب الله "لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى"". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "صفوان" يقول: الحجر "فتركه صلداً" يقول: ليس عليه شيء. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الوابل المطر. وأخرجا عن قتادة قال: الوابل المطر الشديد، قال: وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يوم القيامة: "لا يقدرون على شيء مما كسبوا" يومئذ كما ترك هذا المطر هذا الحجر ليس عليه شيء أنقى مما كان. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "فتركه صلداً" قال: يابساً جاثياً لا ينبت شيئاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع في قوله: " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله " قال: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الشعبي في قوله: "وتثبيتاً من أنفسهم" قال: تصديقاً ويقيناً. وأخرج ابن جرير عن أبي صالح نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير قال: يتثبتون أين يضعون أموالهم. وأخرجا عن الحسن قال: كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان الله أمضاه، وإن خالطه شيء من الرياء أمسك. وأخرج ابن المنذر عن قتادة في قوله: "تثبيتاً" قال: النية. وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: الربوة النشز من الأرض. وأخرج ابن جرير عن مجاهد قال: الربوة الأرض المستوية المرتفعة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: هي المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار. وأخرج ابن جرير عنه في قوله تعالى: "فطل" قال: الندى. أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك قال: الطل الرذاذ من المطر: يعني اللين منه. وأخرجا عن قتادة قال: هذا مثل ضربه الله لعمل المؤمن يقول: ليس لخيره خلف كما ليس لخير هذه الجنة خلف على أي حال كان، إن أصابها وابل وإن أصابها طل.
الود: الحب للشيء مع تمنيه، والهمزة الداخلة على الفعل لإنكار الوقوع، والجنة تطلق على الشجر الملتف وعلى الأرض التي فيها الشجر. والأول أولى هنا لقوله: 266- "تجري من تحتها الأنهار" بإرجاع الضمير إلى الشجر من دون حاجة إلى مضاف محذوف وأما على الوجه الثاني فلا بد من تقديره أي من تحت أشجارها وهكذا قوله: "فاحترقت" لا يحتاج إلى تقدير مضاف على الوجه الأول، وأما على الثاني فيحتاج إلى تقديره: أي فاحترقت أشجارها، وخص النخيل والأعناب بالذكر مع قوله: "له فيها من كل الثمرات" لكونهما أكرم الشجر، وهذه الجمل صفات للجنة، والواو في قوله: "وأصابه الكبر" قيل: عاطفة على قوله: "تكون" ماض على مستقبل، وقيل على قوله: "يود" وقيل إنه محمول على المعنى إذ تكون في معنى كانت وقيل إنها واو الحال أي وقد أصابه الكبر وهذا أرجح. وكبر السن هو مظنة شدة الحاجة لما يلحق صاحبه من العجز عن تعاطي الأسباب. وقوله: "وله ذرية ضعفاء" حال من الضمير في أصابه: أي والحال أن له ذرية ضعفاء، فإن من جمع بين كبر السن وضعف الذرية كان تحسره على تلك الجنة في غاية الشدة. والإعصار: الريح الشديدة التي تهب من الأرض إلى السماء كالعمود، وهي التي يقال لها الزوبعة، قاله الزجاج. قال الجوهري: الزوبعة رئيس من رؤساء الجن، ومنه سمي الإعصار زوبعة، ويقال أم زوبعة: وهي ريج يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود، وقيل: هي ريح تثير سحاباً ذات رعد وبرق. وقوله: "فاحترقت" عطف على قوله: "فأصابها" وهذه الآية تمثيل من يعمل خيراً ويضم إليه ما يحبطه فيجده يوم القيامة عند شدة حاجته إليه لا يسمن ولا يغني من جوع بحال من له هذه الجنة الموصوفة وهو متصف بتلك الصفة. وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال: قال عمر يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيم ترون هذه الآية نزلت "أيود أحدكم أن تكون له جنة" قالوا: الله أعلم، قال: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، فقال عمر: يابن أخي قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لرجل غني يعمل لطاقة الله، ثم بعث الله له الشيطان فعمل في المعاصي حتى أغرق عمله. وأخرج ابن جرير عن عمر قال: هذا مثل ضرب لإنسان يعمل عملاً صالحاً حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: "إعصار فيه نار" قال: ريح فيها سموم شديدة.
قوله: 267- "من طيبات ما كسبتم" أي: من جيد ما كسبتم ومختاره، كذا قال الجمهور. وقال جماعة: إن معنى الطيبات هنا الحلال. ولا مانع من اعتبار الأمرين جميعاً، لأن جيد الكسب ومختاره إنما يطلق على الحلال عند أهل الشرع، وإن أطلقه أهل اللغة على ما هو جيد في نفسه حلالاً كان أو حراماً، فالحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية. وقوله: "ومما أخرجنا لكم من الأرض" أي: ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الأرض، وحذف لدلالة ما قبله عليه، وهي النباتات والمعادن والركاز. قوله: "ولا تيمموا الخبيث" أي: لا تقصدوا المال الرديء، وقرأه الجمهور بفتح حرف المضارعة وتخفيف الياء، وقرأ ابن كثير بتشديدها. وقرأ ابن مسعود ولا تأمموا وهي لغة. وقرأ أبو مسلم بن خباب بضم الفوقية وكسر الميم. وحكى أبو عمرو أن ابن مسعود قرأ تئمموا بهمزة بعد المضمومة. وفي الآية الأمر بإنفاق الطيب والنهي عن إنفاق الخبيث. وقد ذهب جماعة من السلف إلى أن الآية في الصدقة المفروضة، وذهب آخرون إلى أنها تعم صدقة الفرض والتطوع، وهو الظاهر، وسيأتي من الأدلة ما يؤيد هذا، وتقديم الظرف في قوله: "منه تنفقون" يفيد التخصيص أي لا تخصوا الخبيث بالإنفاق، والجملة في محل نصب على الحال: أي لا تقصدوا المال الخبيث مخصصين الإنفاق به قاصرين له عليه. قوله: "ولستم بآخذيه" أي: والحال أنكم لا تأخذونه في معاملاتكم في وقت من الأوقات هكذا بين معناه الجمهور، وقيل معناه: ولستم بآخذيه لو وجدتموه في السوق يباع. وقوله: "إلا أن تغمضوا فيه" هو من أغمض الرجل في أمر كذا: إذا تساهل ورضي ببعض حقه وتجاوز وغض بصره عنه، ومنه قول الشاعر: إلى كم وكم أشياء منك تريبني أغمض عنها لست عنها بذي عمى وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففاً. وروي عنه أنه قرا بضم التاء وفتح الغين وكسر الميم مشددة وكذلك قرأ قتادة، والمعنى على القراءة الأولى من هاتين القراءتين: إلا أن تهضموا سومها من البائع منكم، وعلى الثانية: إلا أن تأخذوا بنقصان. قال ابن عطية: وقراءة الجمهور تخرج على التجاوز أو على تغميض العين، لأن أغمض بمنزلة غمض، وعلى أنها بمعنى حتى: أي حتى تأتوا غامضاً من التأويل، والنظر في أخذ ذلك.
قوله: 268- " الشيطان يعدكم الفقر " قد تقدم معنى الشيطان واشتقاقه. ويعدكم معناه يخوفكم الفقر: أي بالفقر لئلا تنفقوا، فهذه الآية متصلة بما قبلها. وقرئ الفقر بضم الفاء وهي لغة. قال الجوهري: والفقر لغة في الفقر، مثل الضعف والضعف. والفحشاء الخصلة الفحشاء، وهي المعاصي والإنفاق فيها والبخل عن الإنفاق في الطاعات. قال في الكشاف: والفاحش عند العرب البخيل انتهى. ومنه قول طرفة بن العبد: أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد ولكن العرب وإن أطلقته على البخيل فذلك لا ينافي إطلاقهم له على غيره من المعاصي، وقد وقع كثيراً في كلامهم. وقوله: "والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً" الوعد في كلام العرب: إذا أطلق فهو في الخير، وإذا قيد فقد يقيد تارة بالخير وتارة بالشر. ومنه قوله تعالى: "النار وعدها الله الذين كفروا" ومنه أيضاً ما في هذه الآية من تقييد وعد الشيطان بالفقر، وتقييد وعد الله سبحانه بالمغفرة، والفضل. والمغفرة: الستر على عباده في الدنيا والآخرة لذنوبهم وكفارتها، والفضل أن يخلف عليهم أفضل مما أنفقوا فيوسع لهم في أرزاقهم وينعم عليهم في الآخرة بما هو أفضل وأكثر وأجل وأجمل.
269-قوله "يؤتي الحكمة" هي العلم، وقيل: الفهم وقيل: الإصابة في القول، ولا مانع من الحمل على الجميع شمولاً أو بدلاً، وقيل: إنها النبوة، وقيل: العقل، وقيل: الخشية، وقيل: الورع وأصل الحكمة ما يمنع من السفه، وهو كل قبيح. والمعنى: أن من أعطاه الله الحكمة فقد أعطاه خيراً كثيراً: أي عظيماً قدره جليلاً خطره. وقرأ الزهري ويعقوب ومن يؤتى الحكمة على البناء للفاعل وقرأه الجمهور على البناء للمفعول والألباب: العقول، واحدها لب، وقد تقدم الكلام فيه.