تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 560 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 560

559

هي اثنا عشرة آية وهي مدنية. قال القرطبي: في قول الجميع، وتسمى سورة النبي. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال نزلت سورة التحريم بالمدينة، ولفظ ابن مردويه سورة المحرم. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال: أنزلت بالمدينة سورة النساء "يا أيها النبي لم تحرم". قوله: 1- "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" اختلف في سبب نزول الآية على أقوال: الأول قول أكثر المفسرين. قال الواحدي: قال المفسرون: كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فزارت أباها، فلما رجعت أبصرت مارية في بيتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تدخل حتى خرجت مارية ثم دخلت، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه حفصة الغيرة والكآبة قال لها: لا تخبري عائشة ولك علي أن لا أقربها أبداً، فأخبرت حفصة عائشة وكانت متصافيتين، فغضبت عائشة ومل تزل بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى حلف أن لا يقرب مارية، فأنزل الله هذه السورة. قال القرطبي: أكثر المفسرين على أن الآية نزلت في حفصة، وذكر القصة. وقيل السبب أنه كان صلى الله عليه وسلم يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، فتواطأت عائشة وحفصة أن تقولا له إذا دخل عليهما إنا نجد منك ريح مغافير. وقيل السبب المرأة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. وسيأتي دليل هذه الأقوال آخر البحث إن شاء الله وستعرف كيفية الجمع بينها، وجملة " تبتغي مرضاة أزواجك " مستأنفة، أو مفسرة لقوله تحرم، أو في محل نصب على الحال من فاعل تحرم: أي مبتغياً به مرضاة أزواجك، ومرضاة اسم مصدر، وهو الرضى وأصله مرضوة، وهو مضاف إلى المفعول: أي أن ترضي أزواجك، أو إلى الفاعل: أي أن يرضين هن "والله غفور رحيم" أي بليغ المغفرة والرحمة لما فرط منك من تحريم ما أحل الله لك، قيل وكان ذلك ذنباً من الصغائر، فلذا عاتبه الله عليه، وقيل إنها معاتبة على ترك الأولى.
2- "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" أي شرع لكم تحليل أيمانكم وبين لكم ذلك، وتحلة أصلها تحللة، فأدغمت. وهي من مصادر التفعيل كالتوصية والتسمية، فكأن اليمين عقد، والكفارة حل، لأنها تحل للحالف ما حرمه على نفسه. قال مقاتل: المعنى قد بين الله كفارة أيمانكم في سورة المائدة. أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكفر يمينه ويراجع وليدته فأعتق رقبة. قال الزجاج: وليس لأحد أن يحرم ما أحل الله. قلت: وهذا هو الحق أن تحريم ما أحل الله لا ينعقد ولا يلزم صاحبه. فالتحليل والتحريم هو إلى الله سبحانه لا إلى غيره، ومعاتبته لنبيه صلى الله عليه وسلم في هذه السورة أبلغ دليل ذلك، والبحث طويل والمذاهب فيه كثيرة والمقالات فيه طويلة، وقد حققناه في مؤلفاتنا بما يشفي. واختلف العلماء هل مجرد التحريم يمين يوجب الكفارة أم لا؟ وفي ذلك خلاف، وليس في الآية ما يدل على أنه يمين، لأن الله سبحانه عاتبه على تحريم ما أحله له، ثم قال: "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" وقد ورد في القصة التي ذهب أكثر المفسير إلى أنها هي سبب نزول الآية أنه حرم أولاً ثم حلف ثانياً كما قدمنا "والله مولاكم" أي وليكم وناصركم والمتولي لأموركم "وهو العليم" بما فيه صلاحكم وفلاحكم "الحكيم" في أفعاله وأقواله.
3- "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" قال أكثر المفسرين: هي حفصة كما سبق، والحديث هو تحريم مارية، أو العسل، أو تحريم التي وهبت نفسها له، والعامل في الظرف فعل مقدر: أي واذكر إذا أسر. وقال الكلبي: أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خيلفتي على أمتي من بعدي "فلما نبأت به" أي أخبرت به غيرها "وأظهره الله عليه" أي أطلع الله نبيه على ذلك الواقع منها من الإخبار لغيرها "عرف بعضه" أي عرف حفصة بعض ما أخبرت به. قرأ الجمهور "عرف" مشدداً من التعريف، وقرأ علي وطلحة بن مصرف وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والكسائي بالتخفيف، واختار أبو عبيد وأبو حاتم القراءة الأولى لقوله: "وأعرض عن بعض" أي لم يعرفها إياه، ولو كان مخففاً لقال في ضده: وأنكر بعضاً "وأعرض عن بعض" أي وأعرض عن تعريف بعض ذلك كراهة أن ينتشر في الناس، وقيل الذي أعرض عنه هو حديث مارية. وللمفسرين هاهنا خبط وخلط، وكل جماعة منهم ذهبوا إلى تفسير التعريف والإعراض بما يطابق بعض ما ورد في سبب النزول، وسنوضح لك ذلك إن شاء الله "فلما نبأها به" أي أخبرها بما أفشت من الحديث "قالت من أنبأك هذا" أي من أخبرك به "قال نبأني العليم الخبير" أي أخبرني الذي لا تخفى عليه خافية.
4- "إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما" الخطاب لعائشة وحفصة: أي إن تتوبا إلى الله فقد وجد منكما ما يوجب التوبة، ومعنى "صغت" عدلت ومالت عن الحق، وهو أنها أحبتا ما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو إفشاء الحديث. وقيل المعنى: إن تتوبا إلى الله فقد مالت قلوبكما إلى التوبة، وقال قلوبكما ولم يقل قلباكما لأن العرب تستكره الجمع بين تثنيتين في لفظ واحد " وإن تظاهرا عليه " أي تتظاهرا، قرأ الجمهور تظاهرا بحذف إحدى التاءين تخفيفاً. وقرأ عكرمة تتظاهرا على الأصل. وقرأ الحسن وأبو رجاء ونافع وعاصم في رواية عنهما تظهرا بتشديد الظاء والهاء بدون ألف، والمراد بالتظاهر التعاضد والتعاون، والمعنى: وإن تعاضدا وتعاونا في الغيرة عليه منكما وإفشاء سره "فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين" أي فإن الله يتولى نصره، وكذلك جبريل ومن صلح من عباده المؤمنين فلن يعدم ناصراً ينصره "والملائكة بعد ذلك" أي بعد نصر الله له ونصر جبريل وصالح المؤمنين "ظهير" أي أعوان يظاهرونه، والملائكة مبتدأ وخبره ظهير. قال أبو علي الفارسي: قد جاء فعيل للكثرة كقوله: "ولا يسأل حميم حميماً" قال الواحدي: وهذا من الواحد الذي يؤدى عن الجمع كقوله: "وحسن أولئك رفيقاً" وقد تقرر في علم النحو أن مثل جريح وصبور وظهير يوصف به الواحد والمثنى والجمع. وقيل كان التظاهر بين عائشة وحفصة في التحكم على النبي صلى الله عليه وسلم في النفقة.
5- "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن" أي يعطيه بدلكن أزواجاً أفضل منكن، وقد علم الله سبحانه أنه لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن وقع منه الطلاق أبدله خيراً منهن تخويفاً لهن، وهو كقوله: "وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم" فإنه إخبار عن القدرة وتخويف لهم. ثم نعت سبحانه الأزواج بقوله: "مسلمات مؤمنات" أي قائمات بفرائض الإسلام مصدقات بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره. وقال سعيد بن جبير: مسلمات أي مخلصات وقيل معناه: مسلمات لأمر الله ورسوله "قانتات" مطيعات لله. والقنوات الطاعة، وقيل مصليات: "تائبات" يعني من الذنوب "عابدات" لله متذللات له. قال الحسن وسعيد بن جبير: كثيرات العبادة "سائحات" أي صائمات. وقال زيد بن أسلم: مهاجرات، وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة. قال ابن قتيبة والفراء وغيرهما: وسمي الصيام سياحة لأن السائح لا زاد معه. وقيل المعنى: ذاهبات في طاعة الله، من ساح الماء إذا ذهب، وأصل السياحة الجولان في الأرض، وقد مضى الكلام على السياحة في سورة براءة "ثيبات وأبكاراً" وسط بينهما العاطف لتنافيهما، والثيبات: جمع ثيب، وهي المرأة التي قد تزوجت ثم ثابت عن زوجها فعادت كما كانت غير ذات زوج. والأبكار جمع بكر، وهي العذراء، سميت بذلك لأنها على أول حالها التي خلقت عليه. وقد أخرج البخاري وغيره عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها لبناً أو عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة إن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم فلتقل إني أجد منك ريح مغافير، فدخل على إحداهما فقالت ذلك له، فقال: لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش ولن أعود، فنزلت: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" إلى قوله: "إن تتوبا إلى الله" لعائشة وحفصة "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا" لقوله: بل شربت عسلاً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب من شراب عند سودة من العسل، فدخل على عائشة فقالت: إني أجد منك ريحاً، فدخل على حفصة فقالت: إني أجد منك ريحاً، فقال: أراه من شراب شربته عند سودة، والله لا أشربه أبداً، فأنزل الله "يا أيها النبي لم تحرم" الآية". وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن رافع قال: سألت أم سلمة عن هذه الآية "يا أيها النبي لم تحرم" قالت: كانت عندي عكة من عسل أبيض، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يلعق منها وكان يحبه، فقالت له عائشة: نحلها تجرس عرفطاً فحرمها، فنزلت الآية. وأخرج النسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراماً، فأنزل الله هذه الآية "يا أيها النبي لم تحرم"" وأخرج البزار الطبراني قال السيوطي: بسند صحيح عن ابن عباس قال: قلت لعمر بن الخطاب: من المرأتان اللتان تظاهرتا؟ قال: عائشة وحفصة، وكان بدو الحديث في شأن مارية القبطية أم إبراهيم أصابها النبي صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة في يومها، فوجدت حفصة فقالت: يا رسول الله لقد جئت إلي بشيء ما جئته إلى أحد من أزواجك في يومي وفي دوري على فراشي، قال ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها أبداً؟ قالت: بلى، فحرمها وقال: لا تذكري ذلك لأحد، فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه، فأنزل الله "يا أيها النبي لم تحرم" الآيات كلها، فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر عن يمينه وأصاب مارية. وأخرجه ابن سعد وابن مردويه عنه بأطول من هذا. وأخرجه ابن مردويه أيضاً من وجه آخر عنه بأخصر منه، وأخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مردويه عنه مختصراً بلفظ قال: حرم سريته وجعل ذلك سبب النزول في جميع ما روي عنه من هذه الطرق، وأخرج الهيثم بن كليب في مسنده والضياء المقدسي في المختارة من طريق نافع عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحفصة لا تحدثي أحداً، وإن أم إبراهيم علي حرام، فقالت: أتحرم ما أحل الله لك؟ قال: فوالله لا أقربها، فلم يقربها حتى أخبرت عائشة، فأنزل الله "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي هريرة أن سبب نزول الآية تحريم مارية كما سلف، وسنده ضعيف. فهذان سببان صحيحان لنزول الآية، والجمع ممكن بوقوع القصتين: قصة العسل، وقصة مارية، وأن القرآن نزل فيهما جميعاً، وفي كل واحد منهما أنه أسر الحديث إلى بعض أزواجه، وأما ما قيل من أن السبب هو تحريم المرأة التي وهبت نفسها، فلريس في ذلك إلا ما روى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" في المراة التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم. قال السيوطي: وسنده ضعيف. ويرد هذا أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل تلك الواهبة لنفسها، فكيف يصح أن يقال إنه نزل في شأنها "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" فإن من رد ما وهب له لم يصح أن يقال إنه حرمه على نفسه، وأيضاً لا ينطبق على هذا السبب قوله "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" إلى آخر ما حكاه الله. وأما ما ثبت في الصحيحين وغيرهما أن ابن عباس سأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنهما عائشة وحفصة، ثم ذكر قصة الإيلاء كما في الحديث الطويل، فليس في هذا نفي لكون السبب هو ما قدمنا من قصة العسل وقصة السرية، لأنه إنما أخبره بالمتظاهرتين، وذكر فيه أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، وأن ذلك سبب الاعتزال لا سبب نزول "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك". ويؤيد هذا ما قدمنا عن ابن عباس أنه قال لعمر من المراتان اللتان تظاهرتا؟ فأخبره بأنهما حفصة وعائشة، وبين له أن السبب قصة مارية. هذا ما تيسر من تلخيص سبب نزول الآية، ودفع الاختلاف في شأنه فاشدد عليه يديك لتنجو به من الخبط والخلط الذي وقع للمفسرين. وأخرج عبد الرزاق والبخاري وابن مردويه عن ابن عباس قال: في الحرام يكفر، وقال "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة". وأخرج ابن المنذر والطبراني والحاكم وابن مردويه عنه أنه جاءه رجل فقال: إني جعلت امرأتي علي حراماً، فقال كذبت ليست عليك بحرام، ثم تلا "لم تحرم ما أحل الله لك" قال: عليك أغلظ الكفارات عتق رقبة. وأخرج الحارث بن أبي أسامة عن عائشة قالت: لما حلف أبو بكر أن لا ينفق على مسطح، فأنزل الله "قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم" فأحل يمينه وأنفق عليه. وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن عائشة في قوله: " وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا " قالت: أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي. وأخرج ابن عدي وأبو نعيم في والصحابة والعشاري في فضائل الصديق وابن مردويه وابن عساكر من طرق عن علي وابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب "وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً" قال لحفصة: أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي، فإياك أن تخبري أحداً بهذا. قلت: وهذا ليس فيه أنه سبب نزول قوله: "يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك" بل فيه أن الحديث الذي أسره رسول الله صلى الله عليه وسلم هو هذا. فعلى فرض أن له إسناداً يصلح للاعتبار هو معارض بما سبق من تلك الروايات الصحيحة، وهي مقدمة عليه ومرجحة بالنسبة إليه. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "فقد صغت قلوبكما" قال: زاغت وأثمت. وأخرج ابن المنذر عنه قال: مالت. وأخرج ابن عساكر من طريق الله بن بريدة عن أبيه في قوله: "وصالح المؤمنين" قال: أبو بكر وعمر. وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود مثله. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في فضائل الصحابة من وجه آخر عنه مثله. وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وابن عباس مثله. وأخرج الحاكم عن أبي أمامة مرفوعاً مثله. وأخرج ابن أبي حاتم. قال السيوطي بسند ضعيف عن علي مرفوعاً قال: هو علي بن أبي طالب. وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "وصالح المؤمنين" علي بن أبي طالب". وأخرج ابن مردويه وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: ""وصالح المؤمنين" قال: هو علي بن أبي طالب". وأخرج الطبراني وابن مردويه عن بريدة في قوله: "ثيبات وأبكاراً" قال: وعد الله نبيه صلى الله عليه وسلم في هذه أن يزوجه بالثيب آسية امرأة فرعون، وبالبكر مريم بنت عمران.
قوله: 6- "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم" بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه "وأهليكم" بأمرهم بطاعة الله ونهيهم عن معاصيه "ناراً وقودها الناس والحجارة" أي ناراً عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كمنا يتوقد غيرها بالحطب، وقد تقدم بيان هذا في سورة البقرة. قال مقاتل بن سليمان: المعنى قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح النار في الآخرة. وقال مقاتل ومجاهد: قوا أنفسكم بأفعالكم، وقوا أهليكم بوصيتكم. قال ابن جرير: فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب، ومن هذا قوله: "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها" وقوله: "وأنذر عشيرتك الأقربين" "عليها ملائكة غلاظ شداد" أي على النار خزنة من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها غلاظ على أهل النار شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم، لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه وحبب إليهم تعذيب خلقه، وقيل المراد غلاظ القلوب شداد الأبدان، وقيل غلاظ الأقوال شداد الأفعال، وقيل الغلاظ ضخام الأجسام، والشداد الأقوياء "لا يعصون الله ما أمرهم" أي لا [يخالفونه] في أمره، وما في "ما أمرهم" يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف: أي لا يعصون الله الذي أمرهم به، ويجوز أن تكون مصدرية: أي لا يعصون الله أمره على أن يكون ما أمرهم بدل اشتمال من الاسم الشريف، أو على تقدير نزع الخافض: أي لا يعصون الله في أمره "ويفعلون ما يؤمرون" أي يؤدونه في وقته من غير تارخ لا يؤخرونه عنه ولا يقدمونه.
7- "يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم" أي يقال لهم هذا القول عند إدخالهم النار [تأييساً] لهم وقطعاً لأطماعهم "إنما تجزون ما كنتم تعملون" من الأعمال في الدنيا ومثل هذا قوله: " فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ".