تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 566 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 566

565

وانتصاب 43- "خاشعة أبصارهم" على الحال من ضمير يدعون، وأبصارهم مرتفع به على الفاعلية، ونسبة الخشوع إلى الأبصار، وهو الخضوع والذلة لظهور أثره فيها "ترهقهم ذلة" أي تغشاهم ذلة شديدة وحسرة وندامة "وقد كانوا يدعون إلى السجود" أي في الدنيا "وهم سالمون" أي معافون عن العلل متمكنون من الفعل. قال إبراهيم التميمي: يدعون بالأذان والإقامة فيأبون. وقال سعيد بن جبير: يسمعون حي على الفلاح فلا يجيبون. قال كعب الأحبار: والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات. وقيل يدعون بالتكليف المتوجه عليهم بالشرع فلا يجيبون، وجملة "وهم سالمون" في محل نصب على الحال من ضمير يدعون.
44- "فذرني ومن يكذب بهذا الحديث" أي حل بيني وبينه وكل أمره إلي فأنا أكفيكه. قال الزجاج: معناه لا يشتغل به قلبك، كله إلي فأنا أكفيك أمره. والفاء لترتيب ما بعدها من الأمر على ما قبلها، ومن منصوب بالعطف على ضمير المتكلم أو على أنه مفعول معه، والمراد بهذا الحديث القرآن، قاله السدي: وقيل يوم القيامة، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجملة "سنستدرجهم من حيث لا يعلمون" مستأنفة لبيان كيفية التعذيب لهم المستفاد من قوله "ذرني ومن يكذب بهذا الحديث"، والضمير عائد إلى من باعتبار معناها، والمعنى: سنأخذهم بالعذاب على غفلة ونسوقهم إليه درجة فدرجة حتى نوقعهم فيه من حيث لا يعلمون أن ذلك استدراج، لأنهم يظنونه إنعاماً ولا يفكرون في عاقبته وما سيلقون في نهايته. قال سفيان الثوري: يسبغ عليهم النعم وينسيهم الشكر. وقال الحسن: كم من مستدرج بالإحسان إليه، وكم من مفتون بالثناء عليه، وكم من مغرور بالستر عليه. والاستدراج ترك المعاجلة، وأصله النقل من حال إلى حال، ويقال استدرج فلان فلاناً: أي استخرج ما عنده قليلاً قليلاً، ويقال درجه إلى كذا واستدرجه: يعني أدناه إلى التدريج فتدرج هو.
ثم ذكر سبحانه أنه يمهل الظالمين فقال: 45- "وأملي لهم" أي أمهلهم ليزدادوا إثماً، وقد مضى تفسير هذا في سورة الأعراف والطور، وأصل الملاوة المدة من الدهر، يقال أملى الله له: أي أطال له المدة، والملا مقصور: الأرض الواسعة، سميت به لامتدادها "إن كيدي متين" أي قوي شديد فلا يفوتني شيء، وسمى سبحانه إحسانه كيداً كما سماه استدراجاً لكونه في صورة الكيد باعتبار عاقبته ووصفه بالمتانة لقوة أثره في التسبب للهلاك.
46- "أم تسألهم أجراً" أعاد سبحانه الكلام إلى ما تقدم من قوله: "أم لهم شركاء" أي أم تلتمس منهم ثواباً على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله "فهم من مغرم مثقلون" المغرم الغرامة: أي فهم من غرامة ذلك الأجر، ومثقلون: أي يثقل عليهم حمله لشحهم ببذل المال، فأعرضوا عن إجابتك بهذا السبب، والاستفهام للتوبيخ والتقريع لهم، والمعنى: أنك لم تسألهم ذلك ولم تطلبه منهم.
47- "أم عندهم الغيب فهم يكتبون" أي اللوح المحفوظ، أو كل ما غاب عنهم، فهم من ذلك الغيب يكتبون ما يريدون من الحجج التي يزعمون أنها تدل على قولهم ويخاصمونك بما يكتبونه من ذلك ويحكمون لأنفسهم بما يريدون ويستغنون بذلك عن الإجابة لك والامتثال لما تقوله.
48- "فاصبر لحكم ربك" أي لقضائه الذي قد قضاه في سابق علمه، قيل والحكم هنا هو إمهالهم وتأخير نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم، وقيل هو ما حكم به عليه من تبليغ الرسالة، قيل وهذا منسوخ بآية السيف "ولا تكن كصاحب الحوت" يعني يونس عليه السلام: لا تكن مثله في الغضب والضجر والعجلة، والظرف في قوله: "إذ نادى" منصوب بمضاف محذوف: أي لا تكن حالك كحاله وقت ندائه، وجملة "وهو مكظوم" في محل نصب على الحال من فاعل نادى، والمكظوم المملوء غيظاً وكرباً. قال قتادة: إن الله يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم ويأمره بالصبر ولا يعجل كما عجل صاب الحوت، وقد تقدم بيان قصته في سورة الأنبياء ويونس والصافات، وكان النداء منه بقوله: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وقيل إن المكظوم: المأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس. قاله المبرد، وقيل هو المحبوس، والأول أولى، ومنه قول ذي الرمة: وأنت من حب مي مضمر حزناً عاني الفؤاد قريح القلب مكظوم
49- "لولا أن تداركه نعمة من ربه" أي لولا أن تدارك صاحب الحوت نعمة من الله وهي توفيقه للتوبة فتاب الله عليه "لنبذ بالعراء" أي لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض الخالية من النبات "وهو مذموم" أي يذم ويلام بالذنب الذي أذنبه ويطرد من الرحمة، والجملة في محل نصب على الحال من ضمير نبذ. قال الضحاك: النعمة هنا النبوة. وقال سعيد بن جبير: عبادته التي سلفت. وقال ابن زيد: هي نداؤه بقوله: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" وقيل مذموم مبعد. وقيل مذنب. قرأ الجمهور "تداركه" على صيغة الماضي، وقرأ الحسن وابن هرمز والأعمش بتشديد الدال، والأصل تتداركه بتاءين مضارعاً فأدغم، وتكون هذه القراءة على حكاية الحال الماضية، وقرأ أبي وابن مسعود وابن عباس " تداركه " بتاء التأنيث.
50- "فاجتباه ربه" أي استخلصه واصطفاه واختاره للنبوة "فجعله من الصالحين" أي الكاملين في الصلاح وعصمه من الذنب، وقيل رد إليه النبوة وشفعه في نفسه وفي قومه وأرسله إلى مائة ألف أو يزيدون كما تقدم.
51- "وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم" إن هي المخففة من الثقيلة. قرأ الجمهور "ليزلقونك" بضم الياء من أزلقه: أي أزل رجله، يقال أزلقه عن موضعه إذا نحاه، وقرأ نافع وأهل المدينة بفتحها من زلق عن موضعه: إذا تنحى. قال الهروي: أي فيغتالونك بعيونهم فيزلقونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك، وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش ومجاهد وأبو وائل ليرهقونك أييهلكونك. وقال الكلبي يزلقونك أي يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة، وكذا قال السدي وسعيد بن جبير. وقال النضر بن شميل والأخفش: يفتنونك. وقال الحسن وابن كيسان: ليقتلونك. قال الزجاج في الآية مذهب أهل اللغة والتأويل أنهم من شدة إبغاضهم وعداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك، وهذا مستعمل في الكلام، يقول القائل نظر إلي نظراً يكاد يصرعني، ونظراً يكاد يأكلني. قال ابن قتيبة: ليس يريد الله أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك، كما قال الشاعر: يتعارضون إذا التقوا في مجلس نظراً يزيل مواطئ الأقدام "لما سمعوا الذكر" أي وقت سماعهم للقرآن لكراهتهم لذلك أشد كراهة، ولما ظرفية منصوبة بيزلقونك، وقيل هي حرف، وجوابها محذوف لدلالة ما قبله عليه أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك "ويقولون إنه لمجنون" أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن.
فرد الله عليهم بقوله: 52- "وما هو إلا ذكر للعالمين" والجملة مستأنفة، أو في محل نصب على الحال من فاعل يقولون: أي والحال أنه تذكير وبيان لجميع ما يحتاجون إليه، أو شرف لهم كما قال سبحانه "وإنه لذكر لك ولقومك" وقيل الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنه مذكر للعالمين أو شرف لهم. وقد أخرج البخاري وغيره عن أبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً" وهذا الحديث ثابت من طرق في الصحيحين وغيرهما، وله ألفاظ في بعضها طول، وهو حديث مشهور معروف. وأخرج ابن منده عن أبي هريرة في الآية قال: يكشف الله عز وجل عن ساقه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن منده عن ابن مسعود في الآية قال: يكشف عن ساقه تبارك وتعالى، وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه وابن عساكر عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الآية قال: "عن نور عظيم فيخرون له سجداً". وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي عن إبراهيم النخعي عن ابن عباس في الآية قال: يكشف عن أمر عظيم، ثم قال: قد قامت الحرب على ساق. قال: وقال ابن مسعود: يكشف عن ساقه فيسجد كل مؤمن، ويقسو ظهر الكافر فيصير عظماً واحداً. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: "يوم يكشف عن ساق" قال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر: وقامت الحرب بنا على ساق قال ابن عباس: هذا يوم كرب شديد، روي عنه نحو هذا من طرق أخرى، وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عرفت، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً فليس كمثله شيء. دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون" قال: هم الكفار يدعون في الدنيا وهم آمنون فاليوم يدعون وهم خائفون. وأخرج البيهقي في الشعب عنه في الآية قال: الرجل يسمع الأذان فلا يجيب الصلاة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً في قوله: "ليزلقونك بأبصارهم" قال: ينقذونك بأبصارهم. سورة الحاقة هي إحدى وخمسون آية، وقيل اثنتان وخمسون وهي مكية. قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة الحاقة بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج الطبراني عن أبي برزة "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بالحاقة ونحوها". قوله: 1- "الحاقة" هي القيامة، لأن المر يحق فيها، وهي تحق في نفسها من غير شك. قال الأزهري: يقال حاققته فحققته أحقه غالبته فغلبته أغلبه، فالقيامة حاقة لأنها تحاق كل محاق في دين الله بالباطل وتخصم كل مخاصم. وقال في الصحاح: حاقه أي خاصمه في صغار الأشياء، ويقال ماله فيها حق ولا حقاق ولا خصومة، والتحاق التخاصم، والحاقة والحقة والحق ثلاث لغت بمعنى. قال الواحدي: هي القيامة في قول كل المفسرين، وسميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود. قال الكسائي والمؤرج: الحاقة يوم الحق، وقيل سميت بذلك لأن كل إنسان فيها حقيق بأن يجزى بعلمه، وقيل مسيت بذلك لأنها أحقت لقوم النار، وأحقت لقوم الجنة.
وهي مبتدأ وخبرها قوله: 2- "ما الحاقة" على أن ما الاستفهامية مبتدأ ثان وخبره الحاقة، والجملة خبر للمبتدأ الأول، والمعنى: أي شيء هي في حالها أو صفاتها، وقيل إن ما الاستفهامية خبر لما بعدها، وهذه الجملة وإن كان لفظها لفظ الاستفهام فمعناها التعظيم والتفخيم لشأنها كما تقول: زيد ما زيد، وقد قدمنا تحقيق هذا المعنى في سورة الواقعة.
ثم زاد سبحانه في تفخيم أمرها وتفظيم شأنها وتهويل حالها فقال: 3- "وما أدراك ما الحاقة" أي أي شيء أعلمك ما هي؟ أي كأنك لست تعلمها إذا لم تعاينها وتشاهد ما فيها من الأهوال فكأنها خارجة عن دائرة علم المخلوقين. قال يحيى بن سلام: بلغني أن كل شيء في القرآن وما أدراك. فقد أدراه إياه وعلمه، وكل شيء قال فيه وما يدريك فإنه أخبره به، وما مبتدأ، وخبره أدراك، وما الحاقة جملة من مبتدأ وخبر محلها النصب بإسقاط الخافض، لأن أدري يتعدى إلى المفعول الثاني بالياء كما في قوله: "ولا أدراكم به" فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة له كانت في موضع المفعول الثاني، وبدون الهمزة يتعدى إلى مفعول واحد بالباء نحو دريت بكذا، وإن كان بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين، وجملة وما أدراك معطوفة على جملة ما الحاقة.
4- "كذبت ثمود وعاد بالقارعة" أي بالقيامة، وسميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها. وقال المبرد: عنى بالقارعة القرآن الذي نزل في الدنيا على أنبيائهم، وكانوا يخوفونهم بذلك فيكذبونهم، وقيل القارعة مأخوذة من القرعة لأنها ترفع أقواماً وتحط آخرين، والأول أولى، ويكون وضع القارعة موضع ضمير الحاقة للدلالة على عظيم هولها وفظاعة حالها والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوال الحاقة.
5- "فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية" ثمود هم قوم صالح، وقد تقدم بيان هذا في غير موضع وبيان منازلهم وأين كانت، والطاغية الصيحة التي جاوزت الحد، وقيل بطغيانهم وكفرهم، وأصل الطغيان مجاوزة الحد.
6- "وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر" عاد هم قوم هود، وقد تقدم بيان هذا، وذكر منازلهم، وأين كانت في غير موضع، والريح الصرصر هي الشديدة البرد، مأخوذ من الصر وهو البرد، وقيل هي الشديدة الصوت. وقال مجاهد: الشديدة السموم، والعاتية التي عتت عن الطاعة فكأنها عتت على خزانها، فلم تطعهم ولم يقدروا على ردها لشدة هبوبها، أو عتت على عاد، فلم يقدروا على ردها. بل أهلكتهم.
7- "سخرها عليهم سبع ليال" هذه الجملة مستأنفة لبيان كيفية إهلاكهم، ومعنى سخرها سلطها، كذا قال مقاتل، وقيل أرسلها. وقال الزجاج: أقامها عليهم كما شاء، والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار، ويجوز أن تكون هذه الجملة صفة لريح، وأن تكون حالاً منها لتخصيصها بالصفة، أو من الضمير في عاتية "وثمانية أيام" معطوف على سبع ليال، وانتصاب "حسوماً" على الحال: أي ذات حسوم، أو على المصدر بفعل مقدر: أي تحسمهم حسوماً، أو على أنه مفعول به، والحسوم التتابع، فإذا تتابع الشيء ولم ينقطع أوله عن آخره قيل له الحسوم. قال الزجاج: الذي توجبه اللغة في معنى قوله حسوماً: أي تحسمهم حسوماً تفنيهم وتذهبهم. قال النضر بن شميل: حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم. قال الفراء: الحسوم الاتباع، من حسم الداء وهو الكبي، لأن صاحبه يكوى بالمكواة، ثم يتابع ذلك عليه ومنه قول أبي دؤاد: يفرق بينهم زمن طويل تتابع فيه أعواماً حسوماً وقال المبرد: هو من قولك حسمت الشيء: إذا قطعته وفصلته عن غيره، وقيل الحسم الاستئصال، ويقال للسيف حسام لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته، والمعنى: أنها حسمتهم: أي قطعتهم وأذهبتهم، ومنه قول الشاعر: فأرسلت ريحاً دبوراً عقيماً فدارت عليهم فكانت حسوماً قال ابن زيد: أي حسمتهم فلم تبق منهم أحداً. وروي عنه أنه قال: حسمت الأيام والليالي حتى استوفتها، لأنها بدأت بطلوع الشمس من أول يوم وانقطعت بغروب الشمس من آخر يوم. وقال الليث: الحسوم هي الشؤم: أي تحسم الخير عن أهلها، كقوله "في أيام نحسات". واختلف في أولها، فقيل غداة الأحد، وقيل غداة الجمعة، وقيل غداة الأربعاء. قال وهب: وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز، كان فيها برد شديد وريح شديدة، وكان أولها يومالأربعاء، وآخرها يوم الأربعاء "فترى القوم فيها صرعى" الخطاب لكل من يصلح له على تقدير أنه لو كان حاضراً حينئذ لرأى ذلك، والضمير في فيها يعود إلى الليالي والأيام، وقيل إلى مهاب الريح، والأول أولى. وصرعى جمع صريع: يعني موتى "كأنهم أعجاز نخل خاوية" أي أصول نخل ساقطة، أو بالية، وقيل خالية لا جوف فيها، والنخل يذكر ويؤنث، ومثله قوله: "كأنهم أعجاز نخل منقعر" وقد تقدم تفسيره وهو إخبار عن عظم أجسامهم. قال يحيى بن سلام: إنما قال خاوية لأن أبدانهم خلت من أرواحهم مثل النخل الخاوية.
8- "فهل ترى لهم من باقية" أي من فرقة باقية، أو من نفس باقية، أو من بقية على أن باقية مصدر كالعاقبة والعافية. قال ابن جريج: أقاموا سبع ليال وثمانية أيام أحياء في عذاب الريح فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر.