تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 567 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 567

566

9- "وجاء فرعون ومن قبله" أي من الأمم الكافرة. قرأ الجمهور "قبله" بفتح القاف وسكون الباء: أي ومن تقدمه من القرون الماضية والأمم الخالية وقرأ أبو عمرو والكسائي بكسر القاف وفتح الباء: أي ومن هو في جهته من أتباعه، واختار أبو حاتم وأبو عبيد القراءة الثانية لقراءة ابن مسعود وأبي ومن معه، ولقراءة أبي موسى ومن يلقاه. "والمؤتفكات" قرأ الجمهور "المؤتفكات" بالجمع وهي قرى قوم لوط، وقرأ الحسن والجحدري المؤتفكة بالإفراد، واللام للجنس، فهي في معنى افلجمع، والمعنى: وجاءت المؤتفكات "بالخاطئة" أي بالفعلة الخاطئة، أو الخطأ على أنها مصدر. والمراد أنها جاءت بالشرك والمعاصي. قال مجاهد: بالخطايا، وقال الجرجاني: بالخطأ العظيم.
10- "فعصوا رسول ربهم" أي فعصت كل أمة رسولها المرسل إليها. قال الكلبي: هو موسى، وقيل لوط لأنه أقرب، قيل ورسول هنا بمعنى رسالة، ومنه قول الشاعر: لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول أي برسالة "فأخذهم أخذة رابية" أي أخذهم الله أخذة نامية زائدة على أخذات الأمم، والمعنى: أنها بالغة في الشدة إلى الغاية، يقال ربي الشيء يربو: إذا زاد وتضاعف. قال الزجاج: تزيد على الأخذات، قال مجاهد: شديدة.
11- "إنا لما طغى الماء" أي تجاوز حده في الارتفاع والعلو، وذلك في زمن نوح لما أصر قومه على الكفر وكذبوه، وقيل طغى على خزانه من الملائكة غضباً لربه فلم يقدروا على حبسه. قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً "حملناكم في الجارية" أي في أصلاب آبائكم، أو حملناهم وحملناكم في أصلابهم تغليباً للمخاطبين على الغائبين. والجارية سفينة نوح، وسميت جارية لأنها تجري في الماء، ومحل في الجارية النصب على الحال: أي رفعناكم فوق الماء حال كونكم في السفينة.
ولما كان المقصود من ذكر قصص الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول قال: 12- "لنجعلها لكم تذكرة" أي لنحعل هذه الأمور المذكورة لكم يا أمة محمد عبرة وموعظة تستدلون بها على عظيم قدرة الله وبديع صنعه، أو لنجعل هذه الفعلة التي هي عبارة عن إنجاء المؤمنين وإغراق الكافرين لكم تذكرة "وتعيها أذن واعية" أي تحفظها بعد سماعها أذن حافظة لما سمعت. قال الزجاج: يقال أوعيت كذا: أي حفظته في نفسي أعيه وعياً، ووعيت العلم ووعيت ما قلته كله بمعنى، وأوعيت المتاع في الوعاء، ويقال لكل ما وعيته في غير نفسك أوعيته بالألف ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف. قال قتادة في تفسير الآية: أذن سمعت وعقلت ما سمعت. قال الفراء: المعنى لتحفظها كل أذن عظة لمن يأتي بعد. قرأ الجمهور "تعيها" بكسر العين. وقرأ طلحة بن مصرف وحميد الأعرج وأبو عمرو في رواية عنه بإسكان العين تشبيهاً لهذه الكلمة برحم وشهد وإن لم تكن من ذلك. قال الرازي: وروي عن ابن كثير إسكان العين، جعل حرف المضارعة مع ما بعده بمنزلة كلمة واحدة فخفف وأسكن كما أسكن الحرف المتوسط من فخذ وكبد وكتف انتهى، والأول أولى يكون هذا من باب إجراء الوصل مجرى الوقف كما في قراءة من قرأ "وما يشعركم" بسكون الراء، قال القرطبي: واختلفت القراءة فيها عن عاصم وابن كثير: يعني تعيها.
13- " فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة" هذا شروع في بيان الحاقة وكيف وقوعها بعد بيان شأنا بإهلاك المكذبين. قال عطاء: يريد النفخة الأولى. وقال الكلبي ومقاتل يريد النفخة الأخيرة. قرأ الجمهور " نفخة واحدة " بالرفع فيهما على أن نفخة مرتفعة على النيابة، وواحدة تأكيد لها، وحسن تذكير الفعل لوقوع الفصل. وقرأ أبو السماك بنصبهما على أن النائب هو الجار والمجرور. قال الزجاج: قوله: "في الصور" يقوم مقام ما لم يسم فاعله.
14- "وحملت الأرض والجبال" أي رفعت من أماكنها وقلعت عن مقارها بالقدرة الإلهية. قرأ الجمهور "حملت" بتخفيف الميم. وقرأ الأعمش وابن أبي عبلة وابن مقسم وابن عامر في رواية عنه بتشديدها للتكثير أو للتعدية "فدكتا دكة واحدة" أي فكسرتا كسرة واحدة لا زيادة عليها، أو ضربتا ضربة واحدة بعضهما ببعض حتى صارتا كثيباً مهيلاً وهباءً منبثاً. قال الفراء: ولم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة، ومثله قوله تعالى: " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما " وقيل دكتا بسطتا بسطة واحدة، ومنه اندك سنام البعير: إذا انفرش على ظهره.
15- "فيومئذ وقعت الواقعة" أي قامت القيامة.
16- "وانشقت السماء فهي يومئذ واهية" أي انشقت بنزول ما فيها من الملائكة فهي في ذلك اليوم ضعيفة مسترخية. قال الزجاج: يقال لكل ما ضعف جداً قد وهي فهو واه، وقال الفراء وهيها تشققها.
17- "والملك على أرجائها" أي جنس الملك على أطرافها وجوانبها، وهي جمع رجى مقصور وتثنيته رجوان مثل قفا وقفوان، والمعنى: أنها لما تشققت السماء، وهي مساكنهم لجأوا إلى أطرافها. قال الضحاك: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت، وتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الرب فينزلون إلى الأرض ويحيطون بالأرض ومن عليها. وقال سعيد بن جبير: المعنى والملك على حافات الدنيا: أي ينزلون إلى الأرض، وقيل إذا صارت السماء قطعاً يقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" أي يحمله فوق رؤسهم يوم القيامة ثمانية أملاك، وقيل ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله عز وجل، وقيل ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، قاله الكلبي وغيره.
18- "يومئذ تعرضون" أي تعرض العباد على الله لحسابهم، ومثله "وعرضوا على ربك صفا"، وليس ذلك العرض عليه سبحانه ليعلم به ما لم يكن عالماً به. وإنما هو عرض الاختبار والتوبيخ بالأعمال وجملة " لا تخفى منكم خافية " في محل نصب على الحال من ضمير تعرضون: أي تعرضون حال كونه لا يخفى على الله سبحانه من ذواتكم أو أقوالكم وأفعالكم خافية كائنة ما كانت، والتقدير: أي نفس خافية أو فعلة خافية. وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "الحاقة" من أسماء القيامة. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عنه قال: ما أرسل الله شيئاً من رسح إلا بمكيال، ولا قطرة من ماء إلا بمكيال إلا يوم نوح ويم عاد. فأما يوم نوح فإن الماء طغى على خزانه فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ " إنا لما طغى الماء " وأما يوم عاد فإن الريح عتت على خزانها فلم يكن لهم عليها سبيل، ثم قرأ "بريح صرصر عاتية". وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب نحوه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر مرفوعاً: "قال ما أمر الخزان على عاد إلا مثل موضع الخاتم من الريح، فعتت على الخزان فخرجت من نواحي الأبواب، فذلك قوله: "بريح صرصر عاتية" قال: عتوها عتت على الخزان". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "بريح صرصر عاتية" قال: الغالبة. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطيبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود في قوله: "حسوماً" قال: متتابعات. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طرق عن ابن عباس في قوله: "حسوماً" قال: تباعاً، وفي لفظ: متتابعات. وأخرج ابن المنذر عنه "كأنهم أعجاز نخل" قال: هي أصولها، وفي قوله: "خاوية" قال: خربة. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أيضاً في قوله: "إنا لما طغى الماء" قال: طغى على خزانه فنزل، ولم ينزل من السماء ماء إلا بمكيال أو ميزان إلا زمن نوح فإنه طغى على خزانة فنزل بغير كيل ولا وزن. وأخرج سعيد بن منصور وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق مكحول عن علي بن أبي طالب "في قوله: "وتعيها أذن واعية" قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي، فقال علي: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيئاً فنسيته" قال ابن كثير: وهو حديث مرسل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والواحدي وابن مردويه وابن عساكر وابن النجار عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقضيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق لك أن تعي، فنزلت هذه الآية "وتعيها أذن واعية" فأنت أذن واعية، لعلي" قال ابن كثير: ولا يصح. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عمر في قوله: "أذن واعية" قال: أذن عقلت عن الله. وأخرج الحاكم والبيهقي في البعث عن أبي بن كعب في قوله: "وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة" قال: تصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين، وذلك قوله: " وجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة ". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "فهي يومئذ واهية" قال مخترقة. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "والملك على أرجائها" قال: على حافاتها على ما لم [يهي] منها. وأخرج عبد بن حميد وعثمان بن سعيد الدارمي في الرد على الجهمية وأبو يعلى وابن المنذر وابن خزيمة والحاكم وصححه وابن مردويه والخطيب في [تالي التلخيص] عنه أيضاً في قوله: "ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" قال: ثمانية أملاك على صورة الأوعال. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً من طرق في الآية قال: يقال ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، ويقال ثمانية أملاك رؤوسهم عند العرش في السماء السابعة وأقدامهم في الأرض السفلى، ولهم قرون كقرون الوعلة، ما بين أصل قرن أحدهم إلى منتهاه خمسمائة عام. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله". وأخرج ابن جرير والبيهقي في البعث عن ابن مسعود نحوه.
لما ذكر سبحانه العرض ذكر ما يكون فيه، فقال: 19- "فأما من أوتي كتابه بيمينه" أي أعطي كتابه الذي كتبته الحفظة عليه من أعماله " فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه " يقول ذلك سروراً وابتهاجاً. قال ابن السكيت والكسائي: العرب تقول: ها يا رجل، وللاثنين هاؤما يا رجلان، وللجمع هاؤم يا رجال، قيل والأصل هاؤكم، فأبدلت الهمزة من الكاف، قال ابن زيد: ومعنى هاؤم تعالوا. وقال مقاتل: هلم، وقيل خذوا، فهي اسم فعل، وقد يكون فعلاً صريحاً لاتصال الضمائر البارزة المرفوعة بها، وفيها ثلاث لغات كما هو معروف في علم الإعراب، وقوله: كتابيه معمول لقوله: اقرأوا لأنه أقرب الفعلين، ومعمول هاؤم محذوف يدل عليه معمول اقرأوا والتقدير: هاؤم كتابيه اقرأوا كتابيه، والهاء في كتابيه وحسابيه وسلطانيه وماليه هي هاء السكت. قرأ الجمهور في هذه بإثبات الهاء وقفاً ووصلاً مطابقة لرسم المصحف، ولولا ذلك لحذفت في الوصل كما هو شأن هاء السكت، واختار أبو عبيد أن يتعمد الوقف عليها ليوافق اللغة في إلحاق الهاء في السكت ويوافق الخط، يعني خط المصحف. وقرأ ابن محيصن وابن أبي إسحاق وحميد ومجاهد والأعمش ويعقوب بحذفها وصلاً وإثباتاً وقفاً في جميع هذه الألفاظ. ورويت هذه القراءة عن حمزة، واختار أبو حاتم هذه القراءة اتباعاً للغة. وروي عن ابن محيصن أنه قرأ بحذفها وصلاً ووقفاً.
20- "إني ظننت أني ملاق حسابيه" أي علمت وأيقنت في الدنيا أني أحاسب في الآخرة، وقيل المعنى: إني ظننت أن يأخذني الله بسيئاتي فقد تفضل علي بعفوه ولم يؤاخذني. قال الضحاك: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. قال مجاهد: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك. قال الحسن في هذه الآية: إن المؤمن أحسن الظن بربه، فأحسن العمل للآخرة، وإن الكافر أساء الظن بريه فأساء العمل. قيل والتعبير بالظن هنا للإشعار بأنه لا يقدح في الاعتقاد ما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالباً.
21- "فهو في عيشة راضية" أي في عيشة مرضية لا مكروهة، أو ذات رضى: أي يرضى بها صاحبها. قال أبو عبيدة والفراء: راضية أي مرضية كقوله: "ماء دافق" أي مدفوق فقد أسند إلى العيشة ما هو لصاحبها، فكان ذلك من [المجاز] في الإسناد.
22- "في جنة عالية" أي مرتفعة المكان لأنها في السماء، أو مرتفعة المنازل، أو عظيمة في النفوس.
23- "قطوفها دانية" القطوف: جمع قطف بكسر القاف ما يقطف من الثمار، والقطف بالفتح المصدر، والقطاف بالفتح والكسر وقت القطف، والمعنى: أن ثمارها قريبة ممن يتناولها من قائم أو قاعد أو مضطجع.
24- "كلوا واشربوا" أي يقال لهم كلوا واشربوا في الجنة "هنيئاً" أي أكلا وشربا هنيئاً لا تكدير فيه ولا تنغيص "بما أسلفتم في الأيام الخالية" أي بسبب ما قدمتم من الأعمال الصالحة في الدنيا. وقال مجاهد: هي أيام الصيام "وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول" حزناً وكرباً لما رأى فيه من سيئاته.
25- "يا ليتني لم أوت كتابيه" أي لم أعط كتابيه.
26- "ولم أدر ما حسابيه" أي لم أدر: أي شيء حسابي لأن كله عليه.
27- "يا ليتها كانت القاضية" أي ليت الموتة التي [متها] كانت القاضية ولم أحي بعدها، ومعنى: القاضية القاطعة للحياة، والمعنى: أنه تمنى دوام الموت وعدم البعث لما شاهد من سوء عمله وما يصير إليه من العذاب، فالضمير في ليتها يعود إلى الموتة التي قد كان ماتها وإن لم تكن مذكورة، لأنها لظهورها كانت كالمذكورة. قال قتادة: تمنى [الموت] ولم يكن في الدنيا شيء عنده أكره منه، وشر من الموت ما يطلت منه الموت. وقيل الضمير يعود إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب، والمعنى: يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت علي.
28- "ما أغنى عني ماليه" أي لم يدفع عني من عذاب الله شيئاً على أن ما نافية أو استفهامية، والمعنى: أي شيء أغنى عني مالي.
29- "هلك عني سلطانيه" أي هلكت عني حجتي وضلت عني، كذا قال مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك. وقال ابن زيد: يعني سلطاني الذي في الدنيا، وهو الملك، وقيل تسلطي على جوارحي. قال مقاتل: يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك.
وحينئذ يقول الله عز وجل: 30- "خذوه فغلوه" أي اجمعوا يده إلى عنقه بالأغلال.
31- "ثم الجحيم صلوه" أي أدخلوه الجحيم، والمعنى: لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظيمة.
32- "ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه" السلسلة حلق منتظمة، وذرعها طولها. قال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هو. قال نوف الشامي: كل ذراع سبعون باعاً كل باع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان نوف في رحبة الكوفة. قال مقاتل: لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص، ومعنى "فاسلكوه" فاجعلوه فيها، يقال سلكته الطريق إذا أدخلته فيه. قال سفيان: بلغنا أنها تدخل في دبرة حتى تخرج من فيه. قال الكلبي: تسلك سلك الخيط في اللؤلؤ. وقال سويد بن أبي نجيح: بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة، وتقديم السلسلة للدلالة على الاختصاص كتقديم الجحيم.
وجملة 33- "إنه كان لا يؤمن بالله العظيم" تعليل لما قبلها.
34- "ولا يحض على طعام المسكين" أي لا يحث على إطعام المسكين من ماله، أو لا يحث الغير على إطعامه، ووضع الطعام موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء كما قال الشاعر: أكفراً بعد رد موتي عني وبعد عطائك المال الرعابا أي بعد إعطائك، ويجوز أن يكون الطعام على معناه غير موضوع موضع المصدر، والمعنى: أنه لا يحث نفسه أو غيره على بذل نفس طعام المسكين، وفي جعل هذا قريناً لترك الإيمان بالله من الترغيب في التصدق على المساكين وسد فاقتهم، وحث النفس والناس على ذلك ما يدل أبلغ دلالة ويفيد أكمل فائدة على أن منعهم من أعظم الجرائم وأشد المآثم.