تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 70 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 70

069

قوله 155- "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" أي انهزموا يوم أحد: وقيل المعنى: إن الذين تولو المشركين يوم أحد "إنما استزلهم الشيطان" استدعى زللهم بسبب بعض ما كسبوا من الذنوب التي منها مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولقد عفا الله عنهم" لتوبتهم واعتذارهم. وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: أمنهم الله يومئذ بنعاس غشاهم، وإنما ينعس من يأمن. وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن أبا طلحة قال: غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه، فذلك قوله: "ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً" الآية. وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن الزبير بن العوام قال: رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت حجفته من النعاس، وتلا هذه الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: إن المنافقين قالوا لعبد الله بن أبي، وكان سيد المنافقين: قتل اليوم بنو الخزرج، فقال: وهل لنا من الأمر شيء، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله "ظن الجاهلية" قال: ظن أهل الشرك. وأخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: معتب هو الذي قال يوم أحد: لو كان لنا من الأمر شيء. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أن الذي قال ذلك عبد الله بن أبي. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن عوف في قوله "إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان" قال: هم ثلاثة، واحد من المهاجرين، واثنان من الأنصار. وأخرج ابن منده وابن عساكر عن ابن عباس في الآية قال: نزلت في عثمان ورافع بن المعلى وخارجة بن زيد. وقد روي في تعيين من في الآية روايات كثيرة.
قوله 156- "لا تكونوا كالذين كفروا" هم المنافقون الذين قالوا: لو كان لنا من الأمر شيء ما ها هنا. قوله "وقالوا لإخوانهم" في النفاق أو في النسب: أي قالوا لأجلهم "إذا ضربوا في الأرض" إذا ساروا فيها للتجارة أو نحوها، قيل: إن إذا هنا المفيدة لمعنى الاستقبال بمعنى إذ المفيدة لمعنى المضي، وقيل: هي على معناها، والمراد هنا حكاية الحال الماضية. وقال الزجاج: إذا هنا تنوب عن ما مضى من الزمان وما يستقبل " أو كانوا غزى " جمع غاز كراكع وركع، وغائب وغيب، قال الشاعر: قل للقوافل والغزى إذا غزو "ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم" اللام متعلقة بقوله "قالوا" أي: قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم. والمراد أنه صار ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا حسرة، أو متعلقة بقوله "لا تكونوا" أي: لا تكونوا مثلهم في اعتقاد ذلك ليجعله الله حسرة في قلوبهم فقط دون قلوبكم، وقيل: المعنى لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم، وقيل: المراد حسرة في قلوبهم يوم القيامة لما فيه من الخزي والندامة "والله يحيي ويميت" فيه رد على قولهم، أي: ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء ويحكم ما يريد، فيحيي من يريد ويميت من يريد من غير أن يكون للسفر أو الغزو أثر في ذلك.
واللام في قوله 157- "ولئن قتلتم" موطئة. وقوله "لمغفرة" جواب القسم ساد مسد جواب الشرط، والمعنى: أن السفر والغزو ليسا مما يجلب الموت ولئن وقع ذلك بأمر الله سبحانه "لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون" أي: الكفرة من منافع الدنيا وطيباتها مدة أعمارهم على قراءة من قرأ بالياء التحتية، أو خير مما تجمعون أيها المسلمون من الدنيا ومنافعها على قراءة من قرأ بالفوقية. والمقصود في الآية بيان مزية القتل أو الموت في سبيل الله وزيادة تأثيرهما في استجلاب المغفرة والرحمة.