تفسير الشوكاني تفسير الصفحة 9 من المصحف



فتح القدير - صفحة القرآن رقم 9

008

وقوله: 59- "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" قيل إنهم قالوا: حنطة، وقيل غير ذلك. والصواب أنهم قالوا حبة في شعرة كما سيأتي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: "فأنزلنا على الذين ظلموا" هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة كما تقرر في علم البيان، وهي هنا تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم، ومنه قول عدي بن زيد: لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغص الموت ذا الغنى والفقيرا فكرر الموت في البيت ثلاثاً تهويلاً لأمره وتعظيماً لشأنه. وقوله: "رجزاً" بكسر الراء في قراءة الجميع إلا ابن محيصن فإنه قرأ بضم الراء. والرجز: العذاب. والفسق قد تقدم تفسيره. وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ادخلوا هذه القرية" قال: بيت المقدس. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: هي أريحاء قرية من بيت المقدس. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "ادخلوا الباب" قال: باب ضيق "سجداً" قال: ركعاً. وقوله: "حطة" قال: مغفرة، فدخلوا من قبل أستاههم وقالوا حنطة استهزاءً، قال: فذلك قوله تعالى: "فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم" وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الباب هو أحد أبواب بيت المقدس، وهو يدعى باب حطة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الكبير وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال: قيل لهم: "ادخلوا الباب سجداً" فدخلوا مقنعي رؤوسهم وقالوا حنطة: حبة حمراء فيها شعيرة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "ادخلوا الباب سجداً" قال: طأطئوا رؤوسكم، "وقولوا حطة" قال: قولوا: لا إله إلا الله. وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "قولوا حطة" قال: لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: كان الباب قبل القبلة. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قيل لبني إسرائيل: ادخلوا الباب سجداً وقولوا: حطة فبدلوا فدخلوا يزحفون على أستاهم وقالوا حبة في شعرة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلوا الباب الذي أمروا أن يدخلوا فيه سجداً يزحفون على أستاهم وهم يقولون حنطة في شعيرة" والأول أرجح لكونه في الصحيحين. وقد أخرجه معهما من أخرج هذا الحديث الآخر: أعني ابن جرير وابن المنذر. وأخرج ابن أبي شيبة عن علي قال: إنما مثلنا في هذه الأمة كسفينة نوح وكباب حطة في بني إسرائيل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل شيء في كتاب الله من الرجز يعني به العذاب. وأخرج مسلم وغيره من حديث أسامة بن زيد وسعد بن مالك وخزيمة بن ثابت قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن هذا الطاعون رجز وبقية عذاب عذب به أناس من قبلكم، فإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها، وإذا بلغكم أنه بأرض فلا تدخلوها".
الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس المطر. ومعناه في اللغة: طلب السقيا. وفي الشراع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفته من الصلاة والدعاء. والحجر يحتمل أن يكون حجراً معيناً فتكون اللام للعهد، ويحتمل أن لا يكون معيناً فتكون للجنس، وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة. وقوله: 60- "فانفجرت" الفاء مترتبة على محذوف تقديره فضرب فانفجرت، والانفجار: الانشقاق، وانفجر الماء انفجاراً تفتح، والفجرة: موضع تفتح الماء. قال ابن عطية: ولا خلاف أنه كان حجراً مربعاً يخرج من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى سالت العيون، وإذا استغنوا عن الماء جفت. والمشرب: موضع الشرب، وقيل: هو المشروب نفسه. وفيه دليل على أنه يشرب من كل عين قوم منهم لا يشاركهم غيرهم. قيل: كان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها إلى غيرها، والأسباط ذرية الاثنى عشر من أولاد يعقوب. وقوله: "كلوا" أي قلنا لهم: كلوا المن والسلوى واشربوا الماء المتفجر من الحجر. وعثا يعثي عثياً، وعثا يعثو عثواً، وعاث يعيث عيثاً، لغات: بمعنى أفسد. وقوله: "مفسدين" حال مؤكدة. قال في القاموس: عثى كرمى، وسعى ورضى، عثياً وعثياناً، وعثا يعثو عثواً: أفسد: وقال في الكشاف: العثي أشد الفساد. فقيل لهم: لا تمادوا في الفساد في حال فسادكم، لأنهم كانوا متمادين فيه انتهى.
قوله: 61- "لن نصبر على طعام واحد" تضجر منهم بما صاروا فيه من النعمة والرزق الطيب والعيش المستلذ، ونزوع إلى ما ألفوه قبل ذلك من خشونة العيش: إن الشقي بالشقاء مولع لا يملك الرد له له إذا أتى ويحتمل أن لا يكون هذا منهم تشوقاً إلى ما كانوا فيه، ونظراً لما صاروا إليه من العيشة الرافهة، بل هو باب من تعنتهم، وشعبة من شعب تعجرفهم كما هو دأبهم وهيجراهم في غالب ما قص علينا من أخبارهم. وقال الحسن البصري: إنهم كانوا أهل كراث وأبصال وأعداس فنزعوا إلى عكرهم: أي أصلهم عكر السوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم فقالوا: "لن نصبر على طعام واحد" والمراد بالطعام الواحد هو المن والسلوى، وهما وإن كانا طعامين لكن لما كانوا يأكلون أحدهما بالآخر جعلوهما طعاماً واحداً. وقيل: لتكررهما في كل يوم وعدم وجود غيرهما معهما ولا تبدلة بهما. ومن في قوله: "مما تنبت" تخرج. قال الأخفش زائدة، وخالفه سيبويه لكونهما لا تزاد في الكلام الموجب. قال النحاس: وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولاً ليخرج فأراد أن يجعل ما مفعولاً، والأولى أن يكون المفعول محذوفاً دل عليه سياق الكلام: أي تخرج لنا مأكولاً. وقوله: "من بقلها" بدل من ما بإعادة الحرف، والبقل: كل نبات ليس له ساق، والشجر: ما له ساق. قال في الكشاف: البقل ما أنبتته الأرض من الخضر، والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها انتهى. والقثاء بكسر القاف وفتحها. والأولى قراءة الجمهور. والثانية قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف وهو معروف. والفوم: قيل: هو الثوم، وقد قرأه ابن مسعود بالثاء. وروي نحو ذلك عن ابن عباس، وقيل: الفوم الحنطة، وإليه ذهب أكثر المفسرين، كما قال القرطبي. وقد رجح هذا ابن النحاس. وقال الجوهري: الفوم الحنطة، وممن قال بهذا الزجاج والأخفش، وأنشد: قد كنت أحسبني كأغنى واحد ترك المدينة عن زراعة فوم وقال بالقول الأول الكسائي والنضر بن شميل، ومنه قول أمية بن أبي الصلت: كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة فيها الفراديس والفومات والبصل أي الثوم، وقال حسان: وأنتم أناس لئام الأصول طعامكم الفوم والحوقل يعني الثوم والبصل، وقيل: الفوم: السنبلة، وقيل: الحمص، وقيل: الفوم كل حب يخبز. والعدس والبصل معروفان. والاستبدال: وضع الشيء موضع الآخر "وأدنى" قال الزجاج: إنه مأخوذ من الدنو: أي القرب والمراد: أتضعون هذه الأشياء التي هي دون موضع المن والسلوى اللذين هما خير منها من جهة الاستلذاذ والوصول من عند الله بغير واسطة أحد من خلقه، والحل الذي لا تطرقه الشبهة وعدم الكلفة بالسعي له والتعب في تحصيله، وقوله: "اهبطوا مصراً" أي انزلوا، وقد تقدم معنى الهبوط. وظاهر هذا أن الله أذن لهم بدخول مصر، وقيل: إن الأمر للتعجيز لأنهم كانوا في التيه، فهو مثل قوله تعالى: "كونوا حجارة أو حديداً"، وصرف مصر هنا مع اجتماع العلمية والتأنيث لأنه ثلاثي ساكن الوسط، وهو يجوز صرفه مع حصول السببين، وبه قال الأخفش والكسائي. وقال الخليل وسيبويه: إن ذلك لا يجوز وقالا: إنه لا علمية هنا لأنه أراد مصراً من الأمصار ولم يرد المدينة المعروفة، وهو خلاف الظاهر. وقرأ الحسن وأبان بن تغلب وطلحة بن مصرف بترك التنوين، وهو كذلك في مصحف أبي وابن مسعود. ومعنى ضرب الذلة والمسكنة إلزامهم بذلك والقضاء به عليهم قضاءً مستمراً لا يفارقهم ولا ينفصل عنهم، مع دلالته على أن ذلك مشتمل عليهم اشتمال القباب على من فيها، ومنه قول الفرزدق يهجو جريراً: ضربت عليك العنكبوت بوزنها وقضى عليك به الكتاب المنزل وهو ضرب من الهجاء بليغ، كما أنه إذا استعمل في المديح كان في منزلة رفيعة، ومنه قول الشاعر: إن المروءة والشجاعة والندى في قبة ضربت على ابن الحشرج وهذا الخبر الذي أخبرنا الله به هو معلوم في جميع الأزمنة، فإن اليهود أقماهم الله [أذل] الفرق وأشدهم مسكنة وأكثرهم تصاغراً، لم ينتظم لهم جمع ولا خفقت على رؤوسهم راية، ولا ثبتت لهم ولاية، بل ما زالوا عبيد العصى في كل زمن، وطروقة كل فحل في كل عصر، ومن تمسك منهم بنصيب من المال وإن بالغ في الكثرة أي مبلغ، فهو متظاهر بالفقر مترد بأثواب المسكنة ليدفع عن نفسه أطماع الطامعين في ماله، إما بحق كتوفير ما عليه من الجزية، أو بباطل كما يفعله كثير من الظلمة من [التجرؤ] على الله بظلم من لا يستطيع الدفع عن نفسه. ومعنى "باءوا" رجعوا، يقال باء بكذا: أي رجع به، وباء إلى المباءة: أي رجع إلى المنزل، والبواء: الرجوع، ويقال: هم في هذا الأمر بواء: أي سواء: يرجعون فيه إلى معنى واحد، وباء فلان بفلان: إذا كان حقيقياً بأن يقبل به لمساواته له، ومنه قول الشاعر: ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي محاربنا لا يبوء الدم بالدم والمراد في الآية أنهم رجعوا بغضب من الله، أو صاروا أحقاء بغضبه، وقد تقدم تفسير الغضب. والإشارة بقوله: "وذلك" إلى ما تقدم من حديث الذلة وما بعده بسبب كفرهم بالله وقتلهم لأنبيائه بغير حق يحق عليهم اتباعه والعمل به، ولم يخرج هذا مخرج التقييد حتى يقال: إنه لا يكون قتل الأنبياء بحق في حال من الأحوال لمكان العصمة، بل المراد نعي هذا الأمر عليهم وتعظيمه، وأنه ظلم بحت في نفس الأمر. ويمكن أن يقال أنه ليس بحق في اعتقادهم الباطل، لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لم يعارضوهم في مال ولا جاه، بل أرشدوهم إلى مصالح الدين والدنيا كما كان من شعيبا وزكريا يحيى، فإنهم قتلوهم وهم يعلمون ويعتقدون أنهم ظالمون. وتكرير الإشارة لقصد التأكيد وتعظيم الأمر عليهم وتهويله، ومجموع ما بعد الإشارة الأولى والإشارة الثانية هو السبب لضرب الذلة وما بعده، وقيل: يجوز أن تكون الإشارة الثانية إلى الكفر والقتل فيكون ما بعدها سبباً لسبب وهو بعيد جداً. والاعتداء تجاوز الحد في كل شيء. وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: " وإذ استسقى موسى لقومه " قال: ذلك في التيه، ضرب لهم موسى الحجر فصار فيها اثنتا عشرة عيناً من ماء، لكل سبط منهم عين يشربون منها. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة ومجاهد وابن أبي حاتم عن جويبر نحو ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولا تعثوا في الأرض" قال: لا تسعوا في الأرض فساداً. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: يعني ولا تمشوا بالمعاصي. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: لا تسيروا في الأرض مفسدين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: " لن نصبر على طعام واحد " قال: المن والسلوى استبدلوا به البقل وما حكى معه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وفومها" قال: الخبز، وفي لفظ: البر، وفي لفظ: الحنطة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: الفوم الثوم. وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس مثله. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن مسعود أنه قرأ وثومها وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه قال: قراءتي قراءة زيد، وأنا آخذ ببضعة عشر حرفاً من قراءة ابن مسعود هذا أحدها من بقلها وقثائها وثومها. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "الذي هو أدنى" قال: أردأ. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: "اهبطوا مصراً" قال: مصراً من الأمصار. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية: أنه مصر فرعون. وأخرج نحوه ابن أبي داود وابن الأنباري عن الأعمش. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وضربت عليهم الذلة" قال: هم أصحاب الجزية. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة والحسن قال: ضربت عليهم الذلة والمسكنة: أي يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: المسكنة الفاقة. وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: "وباءوا بغضب من الله" قال: استحقوا الغضب من الله. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: "وباءوا" قال: انقلبوا. وأخرج أبو داود الطيالسي وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: كانت بنو إسرائيل في اليوم تقتل ثلثمائة نبي ثم يقيمون سوق بقلهم في آخر النهار.
قيل المراد بالذين آمنوا المنافقين، بدلالة جعلهم مقترنين باليهود والنصارى والصابئين: أي آمنوا في الظاهر. والأولى أن يقال: إن المراد الذين صدقوا النبي صلى الله عليه وسلم وصاروا من جملة أتباعه، وكأنه سبحانه أراد أن يبين أن حال هذه الملة الإسلامية وحال من قبلها من سائر الملل يرجع إلى ئيء واحد، وهو أن آمن منهم بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً استحق ما ذكره الله من الأجر، ومن فاته ذلك فاته الخير كله والأجر دقه وجله. والمراد بالإيمان هاهنا هو ما بينه رسول الله من قوله لما سأله جبريل عن الإيمان فقال: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره" ولا يتصف بهذا الإيمان إلا من دخل في الملة الإسلامية، فمن لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا بالقرآن فليس بمؤمن، ومن آمن بهما صار مسلماً مؤمناً ولم يبق يهودياً ولا نصرانياً ولا مجوسياً. وقوله: 62- "هادوا" معناه صاروا يهوداً، قيل: هو نسبة لهم إلى يهوا بن يعقوب بالذال المعجمة فقلبتها العرب دالاً مهملة، وقيل: معنى هادوا: تابوا لتوبتهم عن عبادة العجل، ومنه قوله تعالى: "إنا هدنا إليك" أي تبنا-وقيل: إن معناه السكون والموادعة. وقال في الكشاف: إن معناه دخل في اليهودية. والنصارى قال سيبويه: مفرده نصران ونصرانة كندمان وندمانة، وأنشد شاهداً على ذلك قول الشاعر: تراه إذا زار العشا متخففاً ويضحى لديه وهو نصران شامس وقال الآخر: فكلتاهما خرت وأسجد رأسها كما سجدت نصرانة لم تحنف قال: ولكن لا يستعمل إلا بياء النسب فيقال: رجل نصراني وامرأة نصرانية. وقال الخليل: واحد النصارى نصري. وقال الجوهري: ونصران قرية بالشام تنسب إليها النصارى، ويقال: ناصرة، وعلى هذا فالياء للنسب. وقال في الكشاف: إن الياء للمبالغة كالتي في أحمري، سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح. والصابين جمع صابي- وقيل: صاب. وقد اختلف فيه القراء فهمزوه جميعاً لإلا نافعاً، فمن همزة جعله من صبأت النجوم: إذا طلعت، وصبأت ثنية الغلام: إذا خرجت. ومن لم يهمزه جعله من صبا يصبو: إذا مال، والصابىء في اللغة: من خرج ومال من دين إلى دين، ولهذا كانت العرب تقول لمن أسلم قد صبأ، وسموا هذه الفرقة صابئة، لأنها خرجت من دين اليهود والنصارى وعبدوا الملائكة. وقوله: "من آمن بالله" في موضع نصب بدلا من الذين آمنوا وما بعده وقد تقدم معنى الإيمان ، ويكون خبر إن قوله " فلهم أجرهم " ويجوز أن يكون قوله " من آمن بالله " في محل رفع على أنه مبتدأ خبره قوله: فلهم أجرهم وهما جميعاً خبر إن، والعائد مقدر في الجملة الأولى: أي من آمن منهم ودخلت الفاء في الخبر لتضمن المبتدأ معنى الشرط. وقد تقدم تفسير قوله تعالى: "فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سلمان قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل دين كنت معهم فذكرت من صلاتهم وعبادتهم، فنزلت "إن الذين آمنوا والذين هادوا" الآية. وأخرج الواحدي عن مجاهد نحو ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في ذكر السبب بنخو ما سبق، وحكى قصة طويلة. وأخرج أبو داود في الناسخ والمنسوخ وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إن الذين آمنوا والذين هادوا" قال: فأنزل الله بعد هذا "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن علي قال: إنما سميت اليهود لأنهم قالوا: "إنا هدنا إليك". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: نحن أعلم من أين سميت اليهود باليهودية من كلمة موسى عليه السلام "إنا هدنا إليك" ولم تسمت النصارى بالنصرانية؟ من كلمة عيسى عليه السلام "كونوا أنصار الله" وأخرج أبو الشيخ نحوه عنه. وأخرج ابن جرير عن قتادة: إنما تسموا نصارى بقرية يقال لها ناصرة. وأخرج ابن سعد في طبقاته وابن جرير عن ابن عباس قال: إنما سميت النصارى لأن قرية عيسى كانت تسمى ناصرة. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الصابئون فرقة بين اليهود والنصارى والمجوس ليس لهم دين. وأخرج عبد الرزاق عنه قال: قال ابن عباس: فذكر نحوه. وقد روي في تفسير الصابئين غير هذا.