تفسير الطبري تفسير الصفحة 120 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 120
121
119
 الآية : 71
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَحَسِبُوَاْ أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمّواْ ثُمّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمّ عَمُواْ وَصَمّواْ كَثِيرٌ مّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }..
يقول تعالـى: وظنّ هؤلاء الإسرائيـلـيون الـين وصف تعالـى ذكره صفتهم أنه أخذ ميثاقهم وأنه أرسل إلـيهم رسلاً, وأنهم كانوا كلـما جاءهم رسول بـما لا تهوى أنفسم كذّبوا فريقا وقتلوا فريقا, أن لا يكون من الله لهم ابتلاء واختبـار بـالشدائد من العقوبـات بـما كانوا يفعلون. فَعَمُوا وصَمّوا يقول: فعموا عن الـحقّ والوفـاء بـالـميثاق الذي أخذته علـيهم من إخلاص عبـادتـي, والانتهاء إلـى أمري ونهيـي, والعمل بطاعتـي بحسبـانهم ذلك وظنهم, وصموا عنه. ثم تبت علـيهم, يقول: ثم هديتهم بلطف منـي لهم, حتـى أنابوا ورجعوا عما كانوا علـيهم من معاصيّ وخلاف أمري, والعمل بـما أكرهه منهم إلـى العمل بـما أحبه, والانتهاء إلـى طاعتـي وأمري ونهيـي. ثُمّ عَمُوا وصَمّوا كَثِـيرٌ مِنْهُمْ يقول: ثم عموا أيضا عن الـحقّ والوفـاء بـميثاقـي الذي أخذته علـيهم من العمل بطاعتـي والانتهاء إلـى أمري واجتناب معاصيّ, وَصمّوا كَثِـيرٌ منهم يقول: عمي كثـير من هؤلاء الذين كنت أخذت ميثاقهم من بنـي إسرائيـل بـاتبـاع رسلـي والعمل بـما أنزلت إلـيهم من كتبـي عن الـحقّ, وصموا بعد توبتـي علـيهم واستنقاذي إياهم من الهلكة. وَاللّهُ بَصِيرٌ بِـمَا يَعْمَلُونَ يقول: بصير فـيرى أعمالهم خيرها وشرّها, فـيجازيهم يوم القـيامة بجميعها, إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9670ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ...الاَية, يقول: حسب القوم أن لا يكون بلاء فعموا وصموا, كلـما عرض بلاء ابتلوا به هلكوا فـيه.
9671ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمّوا يقول: حسبوا أن لا يبتلوا, فعموا عن الـحقّ وصمّوا.
9672ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن مبـارك, عن الـحسن: وَحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ قال بلاء.
9673ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَحَسِبُوا أنْ لا تكونَ فِتْنَةٌ قال: الشرك.
9674ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قوله: وَحَسِبُوا أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمّوا قال: الـيهود.
9675ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج عن ابن جريج, عن مـجاهد: فَعَمُوا وَصَمّوا قال: يهود. قال ابن جريج, عن عبد الله بن كثـير, قال: هذه الاَية لبنـي إسرائيـل. قال: والفتنة: البلاء والتـمـحيص.
الآية : 72
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِيَ إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ إِنّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنّةَ وَمَأْوَاهُ النّارُ وَمَا لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }..
وهذا خبر من الله تعالـى ذكره عن بعض ما فَتَن به الإسرائيـلـيـين الذين أخبر عنهم أنهم حسبوا أن لا تكون فتنة. يقول تعالـى ذكره: فكان مـما ابتلـيتهم واختبرتهم به فنقضوا فـيه ميثاقـي وغيروا عهدي الذي كنت أخذته علـيهم, بأن لا يعبدوا سواي ولا يتـخذوا ربـا غيري, وأن يوحدونـي, وينتهوا إلـى طاعتـي عبدي عيسى ابن مريـم, فإنـي خـلقته وأجريت علـى يده نـحو الذي أجريت علـى يد كثـير من رسلـي, فقالوا كفرا منهم: هو الله. وهذا قول الـيعقوبـية من النصارى, علـيهم غضب الله يقول الله تعالـى ذكره: فلـما اختبرتهم وابتلـيتهم بـما ابتلـيتهم به أشركوا بـي قالوا لـخـلق من خـلقـي وعبد مثلهم من عبـيدي وبَشَر نـحوهم معروف نسبه وأصله مولود من البشر يدعوهم إلـى توحيدي ويأمرهم بعبـادتـي وطاعتـي ويقرّ لهم بأنـي ربه وربهم وينهاهم عن أن يشركوا بـي شيئا, هو إلههم جهلاً منهم الله وكفرا به, ولا يَنبغي لله أن يكون والدا ولا مولودا.
ويعنـي بقوله: وَقالَ الـمَسيحُ يا بَنِـي إسْرَائِيـلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبـي وَرَبّكُمْ يقول: اجعلوا العبـادة والتذلل للذي له يذلّ كلّ شيء وله يخضع كل موجود, ربـي وربكم, يقول: مالكي ومالككم, وسيدي وسيدكم, الذي خـلقنـي وإياكم. إنّهُ مَنْ يُشْركْ بـاللّهِ فَقَدْ حَرّمَ اللّهُ عَلَـيْهِ الـجَنّةَ أن يسكنها فـي الاَخرة, وَمأْوَاهُ النّارُ يقول: ومرجعه ومكانه الذي يأوي إلـيه ويصير فـي معاده, من جعل لله شريكا فـي عبـادته نار جهنـم. وَما للظّالِـمِينَ يقول: ولـيس لـمن فعل غير ما أبـاح الله له وعبد غير الذي له عبـادة الـخـلق, مِنْ أنْصَارٍ ينصرونه يوم القـيامة من الله, فـينقذونه منه إذا أورده جهنـم.
الآية : 73
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـَهٍ إِلاّ إِلَـَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لّمْ يَنتَهُواْ عَمّا يَقُولُونَ لَيَمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }..
وهذا أيضا خبر من الله تعالـى ذكره عن فريق آخر من الإسرائيـلـيـين الذين وصف صفتهم فـي الاَيات قبل أنه لـما ابتلاهم بعد حسبـانهم أنهم لا يتبلون ولا يفتنون, قالوا كفرا بربهم وشركا: الله ثالث ثلاثة. وهذا قول كان علـيه جماهير النصارى قبل افتراق الـيعقوبـية والـملكانـية والنسطورية, كانوا فـيـما بلغنا يقولون: الإله القديـم جوهر واحد يعمّ ثلاثة أقانـيـم: أبـا والدا غير مولود, وابنا مولودا غير والد, وزوجا متتبعة بـينهما. يقول الله تعالـى ذكره مكذّبـا لهم فـيـما قالوا من ذلك: وما مِنْ إلهٍ إلاّ إلهٌ وَاحِدٌ يقول: ما لكم معبود أيها الناس إلا معبود واحد, وهو الذي لـيس بوالد لشيء ولا مولود, بل هو خالق كلّ والد ومولود. وإنْ لـم يَنْتَهُوا عَمّا يَقُولُونَ يقول: إن لـم ينتهوا قائلوا هذه الـمقالة عما يقولون من قولهم: الله ثالث ثلاثة, لَـيَـمَسّنّ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ يقول: لـيـمسنّ الذين يقولون هذه الـمقالة, والذين يقولون الـمقالة الأخرى هو الـمسيح ابن مريـم لأن الفريقـين كلاهما كفرة مشركون, فلذلك رجع فـي الوعيد بـالعذاب إلـى العموم. ولـم يقل: «لـيـمسنهم عذاب ألـيـم», لأن ذلك لو قـيـل كذلك صار الوعيد من الله تعالـى ذكره خاصّا لقائل القول الثانـي, وهم القائلون: الله ثالث ثلاثة, ولـم يدخـل فـيهم القائلون: الـمسيح هو الله. فعمّ بـالوعيد تعالـى ذكره كل كافر, لـيعلـم الـمخاطبون بهذه الاَيات أن وعيد الله وقد شمل كلا الفريقـين من بـين إسرائيـل ومن كان من الكفـار علـى مثل الذي هم علـيه.
فإن قال قائل: وإن كان الأمر علـى ما وصفت فعلـى من عادت الهاء والـميـم اللتان فـي قوله: «مِنْهُمْ»؟ قـيـل: علـى بنـي إسرائيـل.
فتأويـل الكلام إذ ان الأمر علـى ما وصفنا: وإن لـم ينته هؤلاء الإسرائيـلـيون عما يقولون فـي الله من عظيـم القول, لـيـمسنّ الذين يقولون منهم إن الـمسيح هو الله والذين يقولون إن الله ثالث ثلاثة وكلّ كافر سلك سبـيـلهم عذابٌ ألـيـم بكفرهم بـالله.
وقد قال جماعة من أهل التأوي نـحو قولنا فـي أنه عنى بهذه الاَيات: النصارى. ذكر من قال ذلك:
9676ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ قال: قالت النصارى: هو الـمسيح وأمه, فذلك قول الله تعالـى: أأنْتَ قُلْتَ للنّاسِ اتّـخِذُونِـي وأُمّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللّهِ.
9677ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد: لَقَدْ كَفَرَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ نـحوه.
الآية : 74
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىَ اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رّحِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره: أفلا يرجع هذان الفريقان الكافران, القائل أحدهما: إن الله هو الـمسيح ابن مريـم والاَخر القائل: إن الله ثالث ثلاثة, عما قالا من ذلك, ويتوبـان بـما قالا وقطعا به من كفرهما, ويسألان ربهما الـمغفرة مـما قالا. والله غفور لذنوب التائبـين من خـلقه, الـمنـيبـين إلـى طاعته بعد معصيتهم, رحيـم بهم ي قبوله توبتهم ومراجعتهم إلـى ما يحب مـما يكره, فـيصفح بذلك من فعلهم عما سلف من إجرامهم قبل ذلك.
الآية : 75
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ وَأُمّهُ صِدّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيّنُ لَهُمُ الاَيَاتِ ثُمّ انْظُرْ أَنّىَ يُؤْفَكُونَ }..
وهذا (خبرٌ) من الله تعالـى ذكره احتـجاجا لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم علـى فرق النصارى فـي قولهم فـي الـمسيح. يقول مكذّبـا للـيعقوبـية فـي قـيـلهم: هو الله, والاَخرين قـي قـيـلهم: هو ابن الله: لـيس القول كما قال هؤلاء الكفرة فـي الـمسيح, ولكنه ابن مريـم ولدته ولادة الأمهات أبناءهنّ, وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر, وإنـما هو لله رسول كسائر رسله الذين كانوا قبله فمضوا وخـلوا, أجرى علـى يده ما شاء أن يجريه علـيها من الاَيات والعبر حجة له علـى صدقه وعلـى أنه لله رسول إلـى من أرسله إلـيه من خـلقه, كما أجرى علـى أيدي من قبله من الرسل من الاَيات والعبر حجة لهم علـى حقـيقة صدقهم فـي أنهم لله رسل. وأُمّهُ صِدّيقَة يقول تعالـى ذكره: وأمّ الـمسيح صدّيقة, والصدّيقة: الفِعّيـلة من الصدق, وكذلك قولهم فلان صدّيق: فعيـل من الصدق, ومنه قوله تعالـى ذكره: وَالصّدّيقِـينَ والشّهَدَاءِ. وقد قـيـل: إنّ أبـا بكر الصدّيق رضي الله عنه إنـما قـيـل له الصدّيق لصدقه, وقد قـيـل: إنـما سمي صدّيقا لتصديقه النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي مسيره فـي لـيـلة واحدة إلـى بـيت الـمقدس من مكة وعوده إلـيها. وقوله: كانَا يَأكُلانِ الطّعامَ خبر من الله تعالـى ذكره عن الـمسيح وأمه أنهما كانا أهل حاجة إلـى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من الـمطاعم والـمشارب كسائر البشر من بنـي آدم. فإنّ من كان كذلك, فعير كائن إلها لأن الـمـحتاج إلـى الغذاء قوامه بغيره, وفـي قوامه بغيره وحاجته إلـى ما يقـيـمه دلـيـل واضح علـى عجزه, والعاجز لا يكون إلاّ مربوبـا لا ربّـا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: انْظُرْ كَيْفَ نُبَـيّنُ لَهُمُ الاَياتِ ثُمّ انْظُرْ أنّى يُؤْفَكُونَ.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: انظر يا مـحمد كيف نبـين لهؤلاء الكفرة من الـيهود والنصارى الاَيات, وهي الأدلة والأعلام والـحجج علـى بطول ما يقولون فـي أنبـياء الله, وفـي فريتهم علـى الله, وادّعائهم له ولدا, وشهادتهم لبعض خـلقه بأنه لهم ربّ وإله, ثم لا يرتدعون عن كذبهم وبـاطل قـيـلهم, ولا ينزجرون عن فِرْيتهم علـى ربهم وعظيـم جهلهم, مع ورود الـحجج القاطعة عذرهم علـيهم. يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: ثم انظر يا مـحمد أنّى يؤفكون؟ يقول: ثم انظر مع تبـيـيننا لهم آياتنا علـى بطول قولهم: أيّ وجه يُصْرفون عن بـياننا الذي بـينته لهم, وكيف عن الهدى الذي نهديهم إلـيه من الـحقّ يضِلون؟ والعرب تقول لكلّ مصروف عن شيء: هو مأفوك عنه, يقال: قد أَفَكْتُ فلانا عن كذا: أي صرفته عنه, فأنا آفِكه أفْكا, وهو مأفوك, وقد أُفِكَتِ الأرضُ: إذا صرف عنها الـمطر.
الآية : 76
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ }..
وهذا أيضا احتـجاج من الله تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم علـى النصارى القائلـين فـي الـمسيح ما وصف من قـيـلهم فـيه قبل. يقول تعالـى ذكره لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لهؤلاء الكفرة من النصارى الزاعمين أن الـمسيح ربهم والقائلـين إن الله ثالث ثلاثة: أتعبدون سوى الله الذي يـملك ضُرّكم ونفعكم وهو الذي خـلقكم ورزقكم وهو يحيـيكم ويـميتكم, شيئا لا يـملك لكم شرّا ولا نفعا؟ يخبرهم تعالـى ذكره أن الـمسيح الذي زعم من زعم من النصارى أنه إله, والذي زعم من زعم منهم أنه لله ابن, لا يـملك لهم ضرّا يدفعه عنهم إن أحله الله بهم, ولا نفعا يجلبه إلـيهم إن لـم يقضه الله لهم. يقول تعالـى ذكره: فكيف يكون ربـا وإلها من كانت هذه صفته؟ بل الربّ الـمعبود الذي بـيده كلّ شيء والقادر علـى كلّ شيء, فإياه فـاعبدوا وأخـلصوا له العبـادة دون غيره من العجزة الذين لا ينفعونكم ولا يضرّون.
وأما قوله: وَاللّهُ هُوَ السّمِيعُ العَلِـيـمُ فإنه يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والله هو السميع لاستغفـارهم لو استغفروه من قـيـلهم ما أخبر عنهم أنهم يقولونه فـي الـمسيح, ولغير ذلك من منظقهم ومنطق خـلقه, العلـيـم بتوبتهم لو تابوا منه, وبغير ذلك من أمورهم