تفسير الطبري تفسير الصفحة 121 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 121
122
120
 الآية : 77
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ يَـَأَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقّ وَلاَ تَتّبِعُوَاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلّواْ كَثِيراً وَضَلّواْ عَن سَوَآءِ السّبِيلِ }..
وهذا خطاب من الله تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم. يقول تعالـى ذكره: قل يا مـحمد لهؤلاء الغالـية من النصارى فـي الـمسيح: يا أهْلَ الكِتابِ يعنـي بـالكتاب: الإنـجيـل, لا تَغْلُوا فِـي دِينِكُمْ يقول: لا تفْرطوا فـي القول فـيـما تدينون به من أمر الـمسيح, فتـجاوزوا فـيه الـحقّ إلـى البـاطل, فتقولوا فـيه: هو الله, أو هو ابنه ولكن قولوا: هو عبد الله وكلـمته ألقاها إلـى مريـم وروح منه. وَلا تَتّبِعُوا أهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلّوا مِنْ قَبْلُ وأضَلّوا كَثِـيرا يقول: ولا تتبعوا أيضا فـي الـمسيح أهواء الـيهود الذين قد ضلوا قبلكم عن سبـيـل الهدي فـي القول فـيه, فتقولون فـيه كما قالوا: هو لغير رِشْدة, وتَبْهتوا أمه كما بـيهتونها بـالفرية, وهي صدّيقة. وأضَلّوا كَثِـيرا يقول تعالـى ذكره: وأضلّ هؤلاء الـيهود كثـيرا من الناس, فحادوا بهم عن طريق الـحقّ وحملوهم علـى الكفر بـالله والتكذيب بـالـمسيح. وَضَلّوا عَنْ سَوَاءِ السّبِـيـلِ يقول: وضلّ هؤلاء الـيهود عن قصد الطريق, وركبوا غير مـحجة الـحقّ وإنـما يعنـي تعالـى ذكره بذلك كفرهم بـالله وتكذيبهم رسله عيسى ومـحمدا صلى الله عليه وسلم, وذهابهم عن الإيـمان وبُعْدهم منه. وذلك كان ضلالهم الذي وصفهم الله به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9678ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: وَضَلّوا عَنْ سَوَاءِ السّبِـيـلِ قال: يهود.
9679ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لا تَتّبِعُوا أهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضلّوا مِنْ قَبْلُ وأضَلّوا كَثِـيرا فهم أولئك الذين ضلوا وأضلوا أتبـاعهم. وَضَلّوا عَنْ سَوَاءِ السّبِـيـلِ عن عدل السبـيـل.
الآية : 78
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }..
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء النصارى الذين وصف تعالـى ذكره صفتهم: لا تغلوا فتقولوا فـي الـمسيح غير الـحقّ, وة تقولوا فـيه ما قالت الـيهود الذين قد لعنهم الله علـى لسان أنبـيائه ورسله داود وعيسى ابن مريـم. وكان لعن الله إياهم علـى ألسنتهم, كالذي:
9680ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ قال: لعنوا بكلّ لسان, لعنوا علـى عهد موسى فـي التوراة, ولعنوا علـى عهد داود فـي الزبور, ولعنوا علـى عهد عيسى فـي الإنـجيـل, ولعنوا علـى عهد مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي القرآن.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ عَلـى لِسَان دَاوُدَ وَعيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ يقول: لعنوا فـي الإنـجيـل علـى لسان عيسى ابن مريـم, ولعنوا فـي الزبور علـى لسان داود.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن أبـيه, عن خصيف, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ قال: خالطوهم بعد النهي فـي تـجاراتهم, فضرب الله قلوب بعضهم ببعض, فهم ملعونون علـى لسان داود وعيسى ابن مريـم.
9681ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن حصين, عن مـجاهد: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ قال: لعنوا علـى لسان داود فصاروا قردة, ولعنوا علـى لسان عيسى فصاروا خنازير.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ بكلّ لسان لعنوا علـى عهد موسى فـي التوراة, وعلـى عهد داود فـي الزبور, وعلـى عهد عيسى فـي الإنـجيـل, ولعنوا علـى لسان مـحمد صلى الله عليه وسلم فـي القرآن.
قال ابن جريج, وقال آخرون: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ علـى عهده, فلعنوا بدعوته. قال: مرّ داود علـى نفر منهم وهم فـي بـيت, فقال من فـي البـيت؟ قالوا: خنازير, قال: اللهمّ اجعلهم خنازير فكانوا خنازير ثم أصابتهم لعنته. ودعا علـيهم عيسى فقال: اللهمّ العن من افترى علـيّ وعلـى أمي, واجعلهم قردة خاسئين
9682ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ... الاَية, لعنهم الله علـى لسان داود فـي زمانه فجعلهم قردة خاسئين, وفـي الإنـجيـل علـى لسان عيسى فجعلهم خنازير.
9683ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا أو مـحصن حصين بن نـمير, عن حصين, يعنـي ابن عبد الرحمن, عن أبـي مالك, قال: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ قال: مسخوا علـى لسان داود قردة, وعلـى لسان عيسى خنازير.
حدثنـي يعقوب, قال, حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن أبـي مالك, مثله.
9684ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مـحمد الـمـحاربـي, عن العلاء بن الـمسيب, عن عبد الله بن عمرو بن مرّة, عن سالـم الأفطس, عن أبـي عبـيدة, عن ابن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الرّجُلَ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ كانَ إذَا رأس أخاهُ علـى الذّنْبِ نَهاهُ عَنْهُ تَعْذيرا, فإذَا كانَ مِنَ الغَدِ لَـمْ يَـمْنَعْهُ ما رأى مِنْهُ أنْ يَكُونَ أكِيـلَهُ وَخَـلِـيطَهُ وشَرِيبَه. فَلَـمّا رأى ذَلِكَ مِنْهُمْ ضَرَبَ بِقُلُوبِ بَعْضِهِمْ علـى بَعْضٍ, وَلَعَنَهُمْ علـى لِسانِ نَبِـيّهِمْ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ». ثم قال: «وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ لَتَأمُرُنّ بـالـمَعْرُوفِ, ولَتَنْهَوُنّ عَنِ الـمُنْكَرِ, ولَتَأْخُذُنّ علـى يَدَيِ الـمُسِيء, ولتأطرُنّه علـى الـحقّ أَطْرا لَـيَضْرِبَنّ اللّهُ قُلُوبَ بَعْضِكُمْ علـى بَعْضٍ, ولَـيَـلْعَنَنّكُمْ كمَا لَعَنَهُمْ».
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير بن سلـيـمان, قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـملائي, عن علـيّ بن بذيـمة, عن أبـي عبـية, عن عبد الله, قال: لـما فشا الـمنكر فـي بنـي إسرائيـل, جعل الرجل يـلقـي الرجل فـيقول: يا هذا اتق الله ثم لا يـمنعه ذلك أن يؤاكله ويشاربه. فلـما رأى الله ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم علـى بعض, ثم أنزل فـيهم كتابـا: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُون كانُوا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا, فجلس وقال: «كَلاّ وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ حتـى تأْطِرُوا الظّالِـمَ علـى الـحَقّ أطْرا».
حدثنا علـيّ بن سهل الرملـي, قال: حدثنا الـمومل بن إسماعيـل, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا علـيّ بن بذيـمة عن أبـي عبـيدة أظنه عن مسروق عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ بَنِـي إسْرَائِيـلَ لَـمّا ظَهَرَ مِنْهُمُ الـمُنْكَرُ جَعَلَ الرّجُلُ يَرَى أخاه وَجارَهُ وَصَاحِبَهُ علـى الـمُنْكَرِ فَـيَنْهاهُ, ثُمّ لا يَـمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ أنْ يَكُونَ أكِيـلَهُ وَشَرِيبَهُ ونَدِيـمَهُ, فَضَرَبَ اللّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ علـى بَعْضٍ, وَلُعِنُوا علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مِرْيَـمَ ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ... إلـى (فـاسِقُونَ)». قال عبد الله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فـاستوى جالسا, فغضب وقال: «لا وَاللّهِ حتـى تأْخُذُوا علـى يَدَيِ الظّالِـمِ فَتَأْطِرُوهُ علـى الـحَقّ أطْرا».
حدثنا ابن بشار, قال حدثنا ابن مهدي, قال: حدثنا سفـيان عن علـيّ بن بذيـمة, عن أبـي عبـيدة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ بَنِـي إسْرائِيـلَ لَـمّا وَقَعَ فِـيهِم النّقْصُ كانَ الرّجُلُ يَرَى أخاهُ علـى الرّيْبِ فَـيَنْهاهُ عَنْهُ, فإذَا كانَ الغَدُ لَـمْ يَـمْنَعْهُ ما رأى مِنْهُ أنْ يَكُونَ أكِيـلَهُ وشَرِيبَهُ وَخَـلِـيطَهُ فَضَرَبَ اللّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ, ونزل فـيهم القرآن, فقال: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ حتـى بلغ: وَلَكِنّ كَثـيرا مِنْهُمْ فـاسِقُونَ». قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا, فجلس وقال: «لا حتـى تَأْخُذُوا يَدَيِ الظّالِـمِ فَتَأْطِرُوه علـى الـحَقّ أطْرا».
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو داود, قال: أملاه علـيّ, قال: حدثنا مـحمد بن أبـي الوضاح, عن علـيّ بن بذيـمة, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله, عن النبـي صلى الله عليه وسلم بـمثله.
حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن علـيّ بن بذيـمة, قال: سمعت أبـا عبـيدة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر نـحوه. غير أنهما قالا فـي حديثهما: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا, فـاستوى جالسا ثم قال: «كَلاّ وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ حتـى تَأْخُذُوا علـى يَدَيِ الظّالِـمِ, فَتأطِرُوه علـى الـحَقّ أطْرا».
9685ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ قال: فقال: لعنوا فـي الإنـجيـل وفـي الزبور. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ رَحَى الإيـمَانِ قَدْ دَارَتْ, فَدُورُوا مَعَ القُرآنِ حَيْثُ دَارَ, فإنّهُ قَدْ فَرَغَ اللّهُ مِـمّا افْتَرَضَ فِـيهِ. وإنّهُ كانَتْ أُمّةٌ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ كانُوا أهْلَ عَدْلٍ, يَأْمُرُونَ بـالـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الـمُنْكَرِ, فأخَذَهُمْ قَوْمُهُمْ فَنَشَرُوهِمْ بـالـمَناشِيرِ, وَصَلَبُوهُمْ علـى الـخَشَبِ, وَبَقِـيَتْ مِنْهُمْ بَقِـيّةٌ, فَلَـمْ يَرْضَوْا حتـى دَاخَـلُوا الُـملُوكَ وَجالَسُوهُمْ, ثُمّ لَـمْ يَرْضَوْا حتـى وَاكَلُوهُمْ, فَضَرَبَ اللّهُ تِلْكَ القُلُوبَ بَعْضَها بِبَعْضٍ فَجَعَلَها وَاحِدَةً», فذلك قول الله تعالـى: لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ علـى لِسانِ دَاوُدَ... إلـى ذَلِكَ بِـمَا عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ ماذا كانت معصيتهم؟ قال: «كَانُوا لايَتَنَاهَوْنَ عن مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ, لَبِئْسَ ما كَانُوا يَفْعَلُونَ».
فتأويـل الكلام إذن: لعن لله الذين كفروا من الـيهود بـالله علـى لسان داود وعيسى ابن مريـم, ولعن والله آبـاؤهم علـى لسان داود وعيسى ابن مريـم, بـما عصوا الله فخالفوا أمره وكانوا يعتدون, يقول: وكانوا يتـجاوزون حدوده.
الآية : 79
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: كان هؤلاء الـيهود الذين لعنهم الله لا يَتَنَاهَوْنَ يقول: لا ينتهون عن منكر فعلوه, ولا ينهى بعضهم بعضا. ويعنـي بـالـمنكر: الـمعاصي التـي كانوا يعصون الله بها. فتأويـل الكلام: كانوا لا ينتهون عن منكر أتوه, لبْئْسَ ما كَانُوا يَفْعَلُونَ وهذا قسم من الله تعالـى ذكره, يقول: أقسم لبِئس الفعل كانوا يفعلون فـي تركهم الانتهاء عن معاصي الله تعالـى وركوب مـحارمه وقتل أنبـياء الله ورسله كما:
9686ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: كانُوا لا يَتَناهْوَنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لا تتناهى أنفسهم بعد أن وقعوا فـي فـي الكفر.
الآية : 80
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَرَىَ كَثِيراً مّنْهُمْ يَتَوَلّوْنَ الّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: ترى يا مـحمد كثـيرا من بنـي إسرائيـل يتولون الذين كفروا, يقول: يتولون الـمشركين من عبدة الأوثان, يعادون أولـياء الله ورسله لبِئْسَ ما قَدّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ يقول تعالـى ذكره: أُقْسم لبئس الشيء الذي قدمت لهم أنفسهم أمامهم إلـى معادهم فـي الاَخرة. أنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَـيْهِمْ فـي موضع رفع ترجمة عن «ما» الذي فـي قوله: لَبِئْسَ ما. وَفـي العذابِ همْ خالدونَ يقول: وفـي عذاب الله يوم القـيامة هم خالدون, دائم مُقامهم ومُكثهم فـيه.
الآية : 81
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنّبِيّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـَكِنّ كَثِيراً مّنْهُمْ فَاسِقُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: ولو كان هؤلاء الذين يتولون الذين كفروا من بنـي إسرائيـل يُؤْمِنُونَ بـالله والنّبِـيّ يقول: يصدّقون بـالله ويقرّون به ويوحدونه ويصدّقون نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم, بأنه لله نبـيّ مبعوث ورسول مرسل. وما أُنْزِلَ إلَـيْهِ يقول: يقرّون بـما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم من عند الله من آي الفرقان. ما اتّـخَذُوهُمْ أوْلِـيَاءٍ يقول: ما اتـخذوهم أصحابـا وأنصارا من دون الـمؤمنـين. وَلَكِنّ كَثِـيرا مِنْهُمْ فـاسِقُونَ يقول: ولكن كثـيرا منهم أهل خروج عن طاعة الله إلـى معصيته وأهل استـحلال لـما حرّم الله علـيهم من القول والفعل. وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما:
9687ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَالنّبِـيّ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِ ما اتّـخَذُوهُمْ أوْلِـياءَ قال: الـمنافقون.
الآية : 82
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{لَتَجِدَنّ أَشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنّ أَقْرَبَهُمْ مّوَدّةً لّلّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ قَالُوَاْ إِنّا نَصَارَىَ ذَلِكَ بِأَنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }..
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: لَتَـجِدَنّ يا مـحمد أشَدّ النّاسِ عَدَاوَةٍ للذين صدّقوك واتبعوك وصدّقوا بـما جئتهم به من أهل الإسلام, الـيَهُودَ والّذِينَ أشْرَكُوا يعنـي عبدة الأوثان الذين اتـخذوا الأوثان آلهة يعبدونها من دون الله. وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةٍ للّذِينَ آمَنُوا يقول: ولتـجدنّ أقرب الناس مودّة ومـحبة. والـمودّة: الـمفعلة, من قول الرجل: وَدِدْتُ كذا أودّه وُدّا ووِدّا ووَدّا ومودّة: إذا أحببته. للذين آمنوا, يقول: للذين صدّقوا الله ورسوله مـحمدا صلى الله عليه وسلم. الّذِينَ قالوا إنّا نَصَارَى ذَلكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا وأنّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن قبول الـحقّ واتبـاعه والإذعان به. وقـيـل: إن هذه الاَية والتـي بعدها نزلت فـي نفر قِدموا علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى الـحبشة, فلـما سمعوا القرآن أسلـموا واتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقـيـل: إنها نزلت فـي النـجاشي ملك الـحبشة وأصحاب له أسلـموا معه. ذكر من قال ذلك:
9688ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الـملك بن أبـي الشوارب, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, قال: حدثنا خَصِيف, عن سعيد بن جبـير, قال: بعث النـجاشيّ وفدا إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقرأ علـيهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم فأسلـموا. قال: فأنزل الله تعالـى فـيهم: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الـيَهُودَ وَالّذِينَ أشْرَكُوا... إلـى آخر الاَية. قال: فرجعوا إلـى النـجاشي فأخبروه, فأسلـم النـجاشيّ, فلـم يزل مسلـما حتـى مات. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ أخاكُمُ النّـجاشِي قَدْ ماتَ, فَصلّوا عَلَـيْهِ» فصلـى علـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالـمدينة والنـجاشيّ بـالـحبشة.
9689ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله الله: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى قال: هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأصحابه من أرض الـحبشة.
9690ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بـمكة خاف علـى أصحابه من الـمشركين, فبعث جعفر بن أبـي طالب وابن مسعود وعثمان بن مظعون فـي رهط من أصحابه إلـى النـجاشيّ ملك الـحبشة فلـما بلغ ذلك الـمشركين, بعثوا عمور بن العاص فـي رهط منهم ذكر أنهم سبقوا أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى النـجاشيّ, فقالوا: إنه خرج فـينا رجل سفّه عقول قريش وأحلامها زعم أنه نبـيّ, وإنه بعث إلـيك رهطا لـيفسدوا علـيك قومك, فأحببنا أن نأتـيك ونـخبرك خبرهم. قال: إن جاءونـي نظرت فـيـما يقولون. فقدم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأقاموا ببـاب النـجاشي, فقالوا: أتأذن لأولـياء الله؟ فقال: ائذن لهم, فمرحبـا بأولـياء الله فلـما دخـلوا علـيه سلـموا, فقال له الرهط من الـمشركين: ألا ترى أيها الـملك أنا صدقناك, لـم يحيوك بتـحيتك التـي تـحيا بها؟ فقال لهم: ما منعكم أن تـحيّونـي بتـحيتـي؟ فقالوا: إنا حيـيناك بتـحية أهل الـجنة وتـحية الـملائكة. قال لهم: ما يقول صاحبكم فـي عيسى وأمه؟ قال: يقول: هو عبد الله وكلـمة من الله ألقاها إلـى مريـم وروح منه, ويقول فـي مريـم: إنها العذراء البتول. قال: فأخذ عودا من الأرض, فقال: ما زاد عيسى وأمه علـى ما قال صاحبكم قدر هذا العود فكره الـمشركون قوله, وتغيرت وجوههم. قال لهم: هل تعرفون شيئا مـما أنزل علـيكم؟ قالوا: نعم. قال: اقراءوا فقرءوا, وهنالك منهم قسيسون ورهبـان وسائر النصارى, فعرفت كلّ ما قرءوا, وانـحدرت دموعهم مـما عرفوا من الـحقّ. قال الله تعالـى ذكره: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسيّسِينَ وَرُهْبـانا وأنّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ... الاَية.
9691ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: ثنـي أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى... الاَية. قال: بعث النـجاشيّ إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنـي عشر رجلاً من الـحبشة, سبعة قسيسين وخمسة رهبـانا, ينظرون إلـيه ويسألونه. فلـما لقوه فقرأ علـيهم ما أنزل الله بكوا وآمنوا, فأنزل الله علـيه فـيهم: وإنّهُمْ لا يَسْتَكبرُونَ وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدّمْعِ مِـمّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ يَقُولُونَ رَبّنا آمَنّا فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ فآمنوا ثم رجعوا إلـى النـجاشيّ. فهاجر النـجاشيّ معهم, فمات فـي الطريق, فصلـى علـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والـمسلـمون واستغفروا له.
9692ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال عطاء فـي قوله: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ قالُوا إنّا نَصَارَى... الاَية, هم ناس من الـحبشة آمنوا, إذ جاءتهم مهاجرة الـمؤمنـين.
وقال آخرون: بل هذه صفة قوم كانوا علـى شريعة عيسى من أهل الإيـمان فلـما بعث الله تعالـى ذكره نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم آمنوا به. ذكر من قال ذلك:
9693ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَتَـجِدَنّ أقْرَبَهُمْ مَوَدّةً للّذِينَ آمَنُوا, فقرأ حتـى بلغ: فـاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ: أناس من أهل الكتاب كانوا علـى شريعة من الـحقّ مـما جاء به عيسى, ويؤمنون به وينتهون إلـيه فلـما بعث الله نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم صدّقوا به وآمنوا, وعرفوا الذي جاء به أنه الـحقّ, فأثنى علـيهم ما تسمعون.
والصواب فـي ذلك من القول عندي أن الله تعالـى وصف صفة قوم قالوا: إنا نصارى, أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أقرب الناس ودادا لأهل الإيـمان بـالله ورسوله, ولـم يسمّ لنا أسماءهم. وقد يجوز أن يكون أريد بذلك أصحاب النـجاشيّ, ويجوز أن يكون أريد به قوم كانوا علـى شريعة عيسى فأدركهم الإسلام فأسلـموا لـما سمعوا القرآن وعرفوا أنه الـحقّ, ولـم يستكبروا عنه.
وأما قوله تعالـى: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا فإنه يقول: قربت مودّة هؤلاء الذين وصف الله صفتهم للـمؤمنـين من أجل أن منهم قسيسين ورهبـانا. والقسيسون: جمع قسيس, وقد يجمع القسيس: «قُسوس», لأن القسّ والقسيس بـمعنى واحد. وكان ابن زيد يقول فـي القسيس بـما:
9694ـ حدثنا يونس, قال: حدثنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: القسيسين: عُبّـادهم.
وأما الرّهبـان, فإنه يكون واحدا وجمعا فأما إذا كان جمعا, فإن واحدهم يكون راهبـا, ويكون الراهب حينئذ فـاعلاً من قول القائل: رَهب الله فلان, بـمعنى: خافه, يَرْهَبُه رَهَبـا ورَهْبـا, ثم يجمع الراهب رهبـان, مثل راكب وركبـان, وفـارس وفرسان. ومن الدلـيـل علـى أنه قد يكون عند العرب جمعا قول الشاعر:
رُهْبـانُ مَدْيَنَ لَوْ رأوْكِ تَنَزّلُواوالعُصْمُ منْ شَعَفِ العُقولِ الفـادِرِ
وقد يكون الرهبـان واحدا, وإذا كان واحدا كان جمعه رهابـين, مثل قربـان وقرابـين, وجُردان وجرادين. ويجوز جمعه أيضا رهابنة إذا كان كذلك. ومن الدلـيـل علـى أنه قد يكون عند العرب واحدا قول الشاعر:
لَوْ عايَنَتْ رُهْبـانَ دَيْرٍ فِـي القُلَلْلانـحَدَرَ الرّهْبـانُ يَـمْشِي وَنَزَلْ
واختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بقوله: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا فقال بعضهم: عنـي بذلك قوم كانوا استـجابوا لعيسى ابن مريـم حين دعاهم, واتبعوه علـى شريعته. ذكر من قال ذلك:
9695ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, عن حصين عمن حدّثه, عن ابن عبـاس فـي قوله: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا قال: كانوا نَوَاتـيّ فـي البحر يعنـي مَلاّحين قال: فمرّ بهم عيسى ابن مريـم, فدعاهم إلـى الإسلام فأجابوه. قال: فذلك قوله: قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا.
وقال آخرون: بل عنـي بذلك القوم الذين كان النـجاشيّ بعثهم إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
9696ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام بن سلـم, قال: حدثنا عنبسة عمن حدثه, عن أبـي صالـح فـي قوله: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا قال: ستة وستون, أو سبعة وستون, أو اثنان وستون من الـحبشة, كلهم صاحب صومعة, علـيهم ثـياب الصوف.
9697ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ, عن سفـيان, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا قال: بعث النـجاشيّ إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم خمسين أو سبعين من خيارهم, فجعلوا يبكون, فقال: هم هؤلاء.
9698ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا قـيس, عن سالـم الأفطس, عن سعيد بن جبـير: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا قال: هم رسل النـجاشيّ الذين أرسل بإسلامه وإسلام قومه, كانوا سبعين رجلاً اختارهم الـخير فـالـخير. فدخـلوا علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقرأ علـيهم: يس والقُرْآنِ الـحَكِيـمِ فبكوا وعرفوا الـحقّ, فأنزل الله فـيهم: ذَلِكَ بأنّ مِنْهُمْ قِسّيسِينَ وَرُهْبـانا, وأنّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ, وأنزل فـيهم: الّذِينَ آتَـيْناهُمُ الكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ... إلـى قوله: يُؤْتَوْنَ أجْرَهْمْ مَرّتـينِ بِـمَا صَبرُوا.
والصواب فـي ذلك من القول عندنا أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أخبر عن النفر الذين أثنى علـيهم من النصارى بقرب مودتهم لأهل الإيـمان بـالله ورسوله, أن ذلك إنـما كان منهم لأن منهم أهل اجتهاد فـي العبـادة وترهيب فـي الديارات والصوامع, وأن منهم علـماء بكتبهم وأهل تلاوة لها, فهم لا يبعدون من الـمؤمنـين لتواضعهم للـحقّ إذا عرفوه, ولا يستكبرون عن قبوله إذا تبـينوه لأنهم أهل دين واجتهاد فـيه ونصيحة لأنفسهم فـي ذات الله, ولـيسوا كالـيهود الذين قد دَرِبُوا بقتل الأنبـياء والرسل ومعاندة الله فـي أمره ونهيه وتـحريف تنزيـله الذي أنزله فـي كتبه