تفسير الطبري تفسير الصفحة 124 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 124
125
123
 الآية : 96
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لّكُمْ وَلِلسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتّقُواْ اللّهَ الّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: أُحِلّ لَكُمْ أيها الـمؤمنون صَيْدُ البَحْرِ وهو ما صيد طربّـا. كما:
9956ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عمر بن أبـي سلـمة, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, قال: قال عمر بن الـخطاب فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: صَيْدُه: ما صِيدَ منه.
9957ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن سماك, قال: حُدثت, عن ابن عبـاس, قال: خطب أبو بكر الناس, فقال: أحلّ لكم صيد البحر. قال: فَصْيدُه: ما أخذ.
9958ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: صيده: ما صيد منه.
9959ـ حدثنا سلـيـمان بن عمر بن خالد البرقـي, قال: حدثنا مـحمد بن سلـمة الـحرانـي, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: صَيْدهُ الطريّ.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الهذيـل بن بلال, قال: حدثنا عبد الله بن عبـيد بن عمير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: صَيْدُه: ما صِيدَ.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: الطريّ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـحسن بن علـيّ الـجعفـي أو الـحسين, شكّ أبو جعفر عن الـحكم بن أبـان, عن عكرمة, قال: كان ابن عبـاس يقول: صيد البحر: ما اصطاده.
9960ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: الطري.
9961ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن الـحجاج, عن العلاء بن بدر, عن أبـي سلـمة, قال: صيد البحر: ما صيد.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: الطريّ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير مثله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: السمك الطريّ.
9962ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ أما صيد البحر: فهو السمك الطريّ, هي الـحيتان.
9963ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب, قال: صيده: ما اصطدته طريّا. قال معمر: وقال قتادة: صيده: ما اصطدته.
9964ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ قال: حيتانه.
9965ـ حدثنا ابن البرقـي, قال: حدثنا عمر بن أبـي سلـمة, قال: سئل سعيد عن صيد البحر, فقال: قال مكحول: قال زيد بن ثابت: صَيْدُه: ما اصطدتَ.
9966ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: يصطاد الـمـحرم والـمـحلّ من البحر, ويأكل من صيده.
9967ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عمرو, عن عكرمة, قال: قال أبو بكر: طعام البحر: كلّ ما فـيه. وقال جابر بن عبد الله: ما حصر عنه فكُلْ. وقال: كل ما فـيه يعنـي: جميع ما صيد.
9968ـ حدثنا سعيد بن الربـيع, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو, سمع عكرمة يقول: قال أبو بكر: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: هو كل ما فـيه.
وعنى بـالبحر فـي هذا الـموضع: الأنهار كلها والعرب تسمي الأنهار بحارا, كما قال تعالـى ذكره: ظَهَرَ الفَسادُ فـي البَرّ والبَحْرِ.
فتأويـل الكلام: أحلّ لكم أيها الـمؤمنون طريّ سمك الأنهار الذي صدتـموه فـي حال حلكم وحرمكم, وما لـم تصيدوه من طعامه الذي قتله ثم رمي به إلـى ساحله.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: وَطَعامُهُ فقال بعضهم: عُنـي بذلك: ما قذف به إلـى ساحله ميتا, نـحو الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
9969ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن سماك, قال: حدثت, عن ابن عبـاس, قال: خطب أبو بكر الناس, فقال: أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم, وطعامُه: ما قذف.
9970ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عمر بن أبـي سلـمة, عن أبـيه, عن أبـي هريرة, قال: كنت بـالبحرين, فسألونـي عما قذف البحر, قال: فأفتـيتهم أن يأكلوا. فلـما قدمت علـى عمر بن الـخطاب رضي الله عنه, ذكرت ذلك له, فقال لـي: بـم أفتـيتهم؟ قال: قلت: أفتـيتهم أن يأكلوا, قال: لو أفتـيتهم بغير ذلك لعلوتك بـالدرّة. قال: ثم قال: إن الله تعالـى قال فـي كتابه: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ فصيده: ما صيد منه, وطعامه: ما قذف.
9971ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وطَعَامُهُ مَتَاعا لَكُمْ قال: طعامه: ما قذف.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي مـجلز, عن ابن عبـاس, فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال: طعامه: ما قذف.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي مـجلز, عن ابن عبـاس, مثله.
9972ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حسين بن علـيّ, عن زائدة, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: طعامه: كلّ ما ألقاه البحر.
9973ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـحسن بن علـيّ أو الـحسين بن علـيّ الـجعفـي, شكّ أبو جعفر عن الـحكم بن أبـان, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: طعامه: ما لفظ من ميتته.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الهذيـل بن بلال, قال: حدثنا عبد الله بن عبـيد بن عمير, عن ابن عبـاس: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال: طعامه: ما وجد علـى الساحل ميتا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن سلـيـمان التـيـمي, عن أبـي مـجلز, عن ابن عبـاس, قال: طعامه: ما قذف به.
9974ـ حدثنا سعيد بن الربـيع, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو, سمع عكرمة يقول: قال أبو بكر رضي الله عنه: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: هو كلّ ما فـيه.
9975ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي عمرو بن دينار عن عكرمة مولـى ابن عبـاس, قال: قال أبو بكر: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: ميتته. قال عمرو: وسمع أبـا الشعثاء يقول: ما كنت أحسب طعامه إلا مالـحه.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: ثنـي الضحاك بن مخـلد, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: ميتته.
9976ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا يزيد بن زريع, عن عثمان, عن عكرمة: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: ما قذف.
9977ـ حدثنا بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا معمر بن سلـيـمان, قال: سمعت عبـيد الله, عن نافع, قال: جاء عبد الرحمن إلـى عبد الله, فقال: البحر قد ألقـى حيتانا كثـيرة؟ قال: فنهاه عن أكلها, ثم قال: يا نافع هات الـمصحف فأتـيته به, فقرأ هذه الاَية: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: قلت: طعامه: هو الذي ألقاه. قال: فألـحقه, فمره بأكله.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا أيوب, عن نافع أن عبد الرحمن بن أبـي هريرة سأل ابن عمر, فقال: إن البحر قذف حيتانا كثـيرة ميتة أفنأكلها؟ قال: لا تأكلوها فلـما رجع عبد الله إلـى أهله, أخذ الـمصحف, فقرأ سورة الـمائدة, فأتـى علـى هذه الاَية: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: اذهب, فقل له: فلـيأكله, فإنه طعامه
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, قال: أخبرنا أيوب, عن نافع, عن ابن عمر, بنـحوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد, عن ابن جريج, قال: أخبرنـي عمرو بن دينار, عن عكرمة, مولـى ابن عبـاس, قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: ميتته, قال عمرو: سمعت أبـا الشعثاء يقول: ما كنت أحسب طعامه: إلا مالـحه.
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد, عن ابن جريج, قال: أخبرنا نافع أن عبد الرحمن بن أبـي هريرة سأل ابن عمر عن حيتان كثـيرة ألقاها البحر, أميتة هي؟ قال: نعم فنهاه عنها. ثم دخـل البـيت, فدعا بـالـمصحف, فقرأ تلك الاَية: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: كل شيء أخرج منه فكُلْه فلـيس به بأس, وكل شيء فـيه يؤكل ميتا أو بساحله.
9978ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, قال قتادة: طعامه: ما قذف منه.
9979ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد, عن لـيث, عن شهر, عن أبـي أيوب, قال: ما لفظ البحر فهو طعامه, وإن كان ميتا.
9980ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن لـيث, عن شهر, قال: سئل أبو أيوب عن قول الله تعالـى: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا قال: هو ما لفظ البحر.
وقال آخرون: عنـي بقوله: وَطَعامُهُ: الـملـيح من السمك. فـيكون تأويـل الكلام علـى ذلك من تأويـلهم: أحلّ لكم سمك البحر وملـيحه فـي كلّ حال, إحلالكم وإحرامكم. ذكر من قال ذلك:
9981ـ حدثنا سلـيـمان عمرو بن خالد البرقـي, قال: حدثنا مـحمد بن سلـمة, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وَطَعامُهُ قال: طعامه الـمالـح منه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ يعنـي بطعامه: مالـحه, وما قذف البحر من مالـحه.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وهو الـمالـح.
9982ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن مـجمع التـيـمي, عن عكرمة, فـي قوله: مَتاعا لَكُمْ قال: الـملـيح.
9983ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن سالـم الأفطس وأبـي حصين, عن سعيد بن جبـير, قال: الـملـيح.
9984ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: الـملـيح وما لفظ.
9985ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن سالـم, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: يأتـي الرجل أهل البحر فـيقول: «أطعمونـي», فإن قال: «غريضا», ألقوا شبكتهم فصادروا له, وإن قال: «أطعمونـي من طعامكم», أطعموه من سمكهم الـمالـح.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن فضيـل: عن عطاء, عن سعيد: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال: الـمنبوذ, السمك الـمالـح.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: وَطَعَامُهُ قال: الـمالـح.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم: وطَعَامُهُ قال: هو مالـحه. ثم قال: ما قذف.
9986ـ حدثنا ابن معاذ, قال: حدثنا جامع بن حماد, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَطَعامُهُ قال: مـملوح السمك.
حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنـي الثوري, عن منصور, قال: كان إبراهيـم يقول: طعامه: السمك الـملـيح. ثم قال بعدُ: ما قذف به.
حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا الثوري, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير, قال: طَعَامُهُ: الـملـيح.
9987ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن عبد الكريـم, عن مـجاهد, قال: طَعَامُهُ: السمك الـملـيح.
9988ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: الصير. قال شعبة: فقلت لأبـي بشر: ما الصيّر؟ قال: الـمالـح.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا هشام بن الولـيد, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن جعفر بن أبـي وحشية, عن سعيد بن جبـير, قوله: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: الصّير. قال: قلت: ما الصير؟ قال: الـمالـح.
9989ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: أما طعامه فهو الـمالـح.
9990ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن معمر, عن الزهري, عن سعيد بن الـمسيب: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: طعامه: ما تزوّدت مـملوحا فـي سفرك.
9991ـ حدثنا عمرو بن عبد الـحميد وسعيد بن الربـيع الرازي, قالا: حدثنا سفـيان عن عمرو, قال: قال جابر بن زيد: كنا نتـحدّث أن طعامه ملـيحه, ونكره الطافـي منه.
وقال آخرون: طَعَامُهُ: ما فـيه. ذكر من قال ذلك:
9992ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عمرو, عن عكرمة, قال: طعام البحر: ما فـيه.
9993ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن حريث, عن عكرمة: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: ما جاء به البحر بوجه.
9994ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن حسن بن صالـح, عن لـيث, عن مـجاهد, قال: طعامه: كلّ ما صيد منه.
وأولـى هذه الأقوال بـالصواب عندنا, قول من قال: طعامه: ما قذفه البحر أو حسر عنه فوجد ميتا علـى ساحله. وذلك أن الله تعالـى ذكر قبله صيد الذي يصاد, فقال: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ فـالذي يجب أن يعطف علـيه فـي الـمفهوم ما لـم يصد منه, فقال: أحلّ لكم صيدُ ما صدتـموه من البحر وما لـم تصيدوه منه. وأما الـملـيح, فإنه ما كان منه ملّـح بعد الاصطياد, فقد دخـل فـي جملة قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ فلا وجه لتكريره, إذ لا فـائدة فـيه. وقد أعلـم عبـاده تعالـى إحلاله ما صيد من البحر بقوله أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ فلا فـائدة أن يقال لهم بعد ذلك: وملـيحه الذي صيد حلال لكم, لأن ما صيد منه فقد بـين تـحلـيـله طريا كان أو ملـيحا بقوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ والله يتعالـى عن أن يخاطب عبـاده بـما لا يفـيدهم به فـائدة.
وقد رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنـحو الذي قلنا خبر, وإن كان بعض نقلته يقـف به علـى ناقله عنه من الصحابة, وذلك ما:
9995ـ حدثنا به هناد بن السريّ, قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان, عن مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو سلـمة, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: «طَعَامُهُ: ما لَفَظَهُ مَيْتا فَهُوَ طَعَامُهُ».
وقد وقـف هذا الـحديث بعضهم علـى أبـي هريرة.
9996ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن مـحمد بن عمرو, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة فـي قوله: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ قال: طعامه: ما لفظه ميتا.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: مَتاعا لَكُمْ منفعة لـمن كان منكم مقـيـما أو حاضرا فـي بلده يستـمتع بأكله وينتفع به. وللسّيّارة يقول: ومنفعة أيضا ومتعة للسائرين من أرض إلـى أرض, ومسافرين يتزوّدونه فـي سفرهم ملـيحا. والسيّارة: جمع سيّار.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
9997ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنـي أبو إسحاق, عن عكرمة, أنه قال فـي قوله: مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: لـمن كان بحضرة البحر, وللسيّارَةِ السفر.
9998ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن سعيد بن أبـي عروبة, عن قتادة, فـي قوله: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسيّارَةِ ما قذف البحر, وما يتزوّدون فـي أسفـارهم من هذا الـمالـح. يتأوّلها علـى هذا.
حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا جامع بن حماد, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ: مـملوح السمك ما يتزوّدون فـي أسفـارهم.
9999ـ حدثنا سلـيـمان بن عمرو بن خالد البرقـي, قال: حدثنا مسكين بن بكير, قال: حدثنا عبد السلام بن حبـيب النـجاري, عن الـحسن فـي قوله: وللسّيّارَةِ قال: هم الـمـحرمون.
10000ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ أما طعامه: فهو الـمالـح منه, بلاغ يأكل منه السيّارة فـي الأسفـار.
10001ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: طعامه: مالـحه وما قذف البحر منه يتزوّده الـمسافر. وقال مرّة أخرى: مالـحه وما قذفه البحر, فمالـحه يتزوّده الـمسافر.
10002ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ يعنـي الـمالـح فـيتزوّده.
وكان مـجاهد يقول فـي ذلك بـما:
10003ـ حدثنـي مـحمد بن عمر, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ قال: أهل القرى, وللسيّارة: أهل الأمصار.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: مَتاعا لَكُمْ قال لأهل القرى, وللسّيّارَةِ: قال: أهل الأمصار وأجناس الناس كلهم.
وهذا الذي قاله مـجاهد من أن السيارة هم أهل الأمصار لا وجه له مفهوم, إلا أن يكون أراد بقوله هم أهل الأمصار: هم الـمسافرون من أهل الأمصار, فـيجب أن يدخـل فـي ذلك كلّ سيارة من أهل الأمصار كانوا أو من أهل القُرى, فأما السيّارة فلا يشمل الـمقـيـمين فـي أمصارهم.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما.
يعنـي تعالـى ذكره: وحرّم علـيكم أيها الـمؤمنون صيد البرّ ما دمتـم حرما, يقول: ما كنتـم مـحرمين لـم تـحلوا من إحرامكم.
ثم اختلف أهل العلـم فـي الـمعنى الذي عنـي الله تعالـى ذكره بقوله: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ فقال بعضهم: عنـي بذلك: أنه حرّم علـينا كلّ معانـي صيد البرّ من اصطياد وأكل وقتل وبـيع وشراء وإمساك وتـملك. ذكر من قال ذلك:
10004ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن يزيد بن أبـي زياد, عن عبد الله بن الـحرث, عن نوفل, عن أبـيه, قال: حجّ عثمان بن عفـان, فحجّ علـيّ معه. قال: فأُتِـي بلـحم صيد صاده حلال, فأكل منه ولـم يأكل علـيّ, فقال عثمان: والله ما صدنا ولا أمرنا ولا أشرنا فقال علـيّ: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ الْبَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما.
10005ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة, عن عمرو بن أبـي قـيس, عن سماك, عن صبـيح بن عبـيد الله العبسي, قال: بعث عثمان بن عفـان أبـا سفـيان بن الـحرث علـى العَرُوض, فنزل قديدا, فمرّ به رجل من أهل الشام معه بـاز وصقر, فـاستعاره منه, فـاصطاد به من الـيعاقـيب, فجعلهنّ فـي حظيرة. فلـما مرّ به عثمان طبخهنّ, ثم قدمهنّ إلـيه, فقال عثمان: كلوا فقال بعضهم: حتـى يجيء علـيّ بن أبـي طالب. فلـما جاء فرأى ما بـين أيديهم, قال علـيّ: إنا لن نأكل منه فقال عثمان: مالك لا تأكل؟ فقال: هو صيد, ولا يحلّ أكله وأنا مـحرم. فقال عثمان: بـيّن لنا فقال علـيّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاتَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ فقال عثمان: أو نـحن قتلناه؟ فقرأ علـيه: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما.
10006ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر وعبد الـحميد بن بـيان القناد, قالا: أخبرنا أبو إسحاق الأزرق, عن شريك, عن سماك بن حرب, عن صبـيح بن عبـيد الله العبسي, قال: استعمل عثمان بن عفـان أبـا سفـيان بن الـحرث علـى العَرُوض. ثم ذكر نـحوه, وزاد فـيه: قال: فمكث عثمان ما شاء الله أن يـمكث, ثم أتـى فقـيـل له بـمكة: هل لك فـي ابن أبـي طالب أهدي له صفـيف حمار فهو يأكل منه فأرسل إلـيه عثمان وسأله عن أكل الصفـيف, فقال: أما أنت فتأكل, وأما نـحن فتنهانا؟ فقال: إنه صيد عام أوّل, وأنا حلال, فلـيس علـيّ بأكله بأس, وصِيدَ ذلك يعنـي الـيعاقـيب وأنا مـحرم, وذُبحن وأنا حرام.
10007ـ حدثنا عمران بن موسى القزّاز, قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد, قال: حدثنا يونس, عن الـحسن: أن عمر بن الـخطاب لـم يكن يرى بأسا بلـحم الصيد للـمـحرم, وكرهه علـيّ بن أبـي طالب رضي الله عنه.
10008ـ حدثنا مـحمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب: أن علـيّا كره لـحم الصيد للـمـحرم علـى كلّ حال.
10009ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن يزيد بن أبـي زياد, عن عبد الله بن الـحرث: أنه شهد عثمان وعلـيّا أُتـيا بلـحم, فأكل عثمان ولـم يأكل علـيّ, فقال عثمان: أنـحن صدنا أو صيد لنا؟ فقرأ علـيّ هذه الاَية: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمُتـمْ حُرُما.
10010ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عمر بن أبـي سلـمة, عن أبـيه, قال: حجّ عثمان بن عفـان, فحجّ معه علـيّ, فأُتـي بلـحم صيد صاده حلال, فأكل منه وهو مـحرم, ولـم يأكل منه علـيّ, فقال عثمان: إنه صيد قبل أن نـحرم. فقال له علـيّ: ونـحن قد بدا لنا وأهالـينا لنا حلال, أفـيحللن لنا الـيوم؟
10011ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن عمرو, عن عبد الكريـم, عن مـجاهد, عن عبد الله بن الـحرث بن نوفل: أن علـيّا أُتـي بشقّ عَجُز حمار وهو مـحرم, فقال: إنـي مـحرم.
10012ـ حدثنا ابن بزيع, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا سعيد, عن يعلـى بن حكيـم, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: أنه كان يكرهه علـى كلّ حال ما كان مـحرما.
10013ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا ابن جريج, قال: أخبرنا نافع أن ابن عمر كان يكره كل شيء من الصيد وهو حرام, أُخذ له أو لـم يؤخذ له, وشيقة وغيرها.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان, عن عبد الله, قال: أخبرنـي نافع: أن ابن عمر كان لا يأكل الصيد وهو مـحرم وإن صاده الـحلال.
10014ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنـي الـحسن بن مسلـم بن يناق: أن طاوسا كان ينهى الـحرام عن أكل الصيد وشيقة وغيرها صيد له أو لـم يصد له.
10015ـ حدثنا عبد الأعلـى, قال: حدثنا خالد بن الـحرث, قال: حدثنا الأشعث, قال: قال الـحسن: إذا صاد الصيد ثم أحرم لـم يأكل من لـحمه حتـى يحلّ. فإن أكل منه وهو مـحرم لـم ير الـحسن علـيه شيئا.
10016ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام وهارون عن عنبسة, عن سالـم, قال: سألت سعيد بن جبـير, عن الصيد يصيده الـحلال, أيأكل منه الـمـحرم؟ فقال: سأذكر لك من ذلك, إن الله تعالـى قال: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصّيْدَ وأنْتُـمْ حُرُمٌ فنهي عن قتله, ثم قال: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمّدا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النّعَمِ ثم قال تعالـى: أُحِلّ لَكُمْ صَيْدُ البَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعا لَكُمْ وللسّيّارَةِ قال: يأتـي الرجل أهل البحر فـيقول: أطعمونـي فإن قال: «غريضا», ألقوا شبكتهم فصادوا له, وإن قال: أطعمونـي من طعامكم أطعموه من سمكهم الـمالـح. ثم قال: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما وهو علـيك حرام, صدته أو صاده حلال.
وقال آخرون: إنـما عنى الله تعالـى بقوله: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما ما استـحدث الـمـحرم صيده فـي حال إحرامه أو ذبحه, أو أستـحدث له ذلك فـي تلك الـحال. فأما ما ذبحه حلال وللـحلال فلا بأس بأكله للـمـحرم, وكذلك ما كان فـي ملكه قبل حال إحرامه فغير مـحرّم علـيه إمساكه. ذكر من قال ذلك:
10017ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن بزيع, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا سعيد, قال: حدثنا قتادة, أن سعيد بن الـمسيب حدثه, عن أبـي هريرة, أنه سئل عن صيد صاده حلال أيأكله الـمـحرم؟ قال: فأفتاه هو بأكله, ثم لقـي عمر بن الـخطاب فأخبره بـما كان من أمره, فقال: لو أفتـيتهم بغير هذا لأوجعت لك رأسك
10018ـ حدثنا أحمد بن عبدة الضبـيّ, قال: حدثنا أبو عوانة, عن عمر بن أبـي سلـمة, عن أبـيه, قال: نزل عثمان بن عفـان العَرْج وهو مـحرم, فأهدى صاحب العَرْج له قَطا, قال: فقال لأصحابه: كلوا فإنه إنـما اصطيد علـى اسمي قال: فأكلوا ولـم يأكل.
10019ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى, قالا: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن سعيد, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب: أن أبـا هريرة كان بـالربذة, فسألوه عن لـحم صيد صاده حلال. ثم ذكر نـحو حديث ابن بزيع عن بشر.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن قتادة, عن سعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة, عن عمر, نـحوه.
10020ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن شعبة, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الشعثاء, قال: سألت ابن عمر عن لـحم صيد يُهديه الـحلال إلـى الـحرام, فقال: أكله عمر, وكان لا يرى به بأسا. قال: قلت: تأكله؟ قال: عمر خير منـي.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن شعبة, قال: حدثنا أبو إسحاق, عن أبـي الشعثاء, قال: سألت ابن عمر عن صيد صاده حلال يأكل منه حرام؟ قال: كان عمر يأكله. قال: قلت: فأنت؟ قال: كان عمر خيرا منـي.
10021ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن هشام, عن يحيى, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة, قال: استفتانـي رجل من أهل الشام فـي لـحم صيد أصابه وهو مـحرم, فأمرته أن يأكله. فأتـيت عمر بن الـخطاب فقلت له: إن رجلاً من أهل الشام استفتانـي فـي لـحم صيد أصابه وهو مـحرم. قال: فما أفتـيته؟ قال: قلت أفتـيته أن يأكله. قال: فوالذي نفسي بـيده لو أفتـيته بغير ذلك لعلوتك بـالدرّة وقال عمر: إنـما نهيت أن تصطاده.
10022ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا مصعب بن الـمقدام, قال: حدثنا خارجة عن زيد بن أسلـم, عن عطاء, عن كعب, قال: أقبلت فـي أناس مـحرمين, فأصبنا لـحم حمار وحش, فسألنـي الناس عن أكله, فأفتـيتهم بأكله وهم مـحرمون. فقدمنا علـى عمر, فأخبروه أنـي أفتـيتهم بأكل حمار الوحش وهم مـحرمون, فقال عمر: قد أمّرته علـيكم حتـى ترجعوا.
10023ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا يحيى بن سعيد, عن سعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة, قال: مررت بـالربذة, فسألنـي أهلها عن الـمـحرم يأكل ما صاده الـحلال, فأفتـيتهم أن يأكلوه. فلقـيت عمر بن الـخطاب, فذكرت ذلك له, قال: فبـم أفتـيتهم؟ قال: أفتـيتهم أن يأكلوا. قال: لو أفتـيتهم بغير ذلك لـخالفتك.
10024ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, عن يونس, عن أبـي الشعثاء الكندي, قال: قلت لابن عمر: كيف ترى فـي قوم حرام لقوا قوما حلالاً ومعهم لـحم صيد, فإما بـاعوهم وإما أطعموهم؟ فقال: حلال.
10025ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأموي, قال: حدثنا مـحمد بن سعيد, قال: حدثنا هشام, يعنـي ابن عروة, قال: حدثنا عروة, عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب, أن عبد الرحمن حدثه: أنه اعتـمر مع عثمان بن عفـان فـي ركب فـيهم عمرو بن العاص حتـى نزلوا بـالروحاء, فقُرّب إلـيهم طير وهم مـحرمون, فقال لهم عثمان: كلوا فإنـي غير آكله فقال عمرو بن العاص: أتأمرنا بـما لست آكلاً؟ فقال عثمان: إنـي لولا أظنّ أنه صيد من أجلـي لأكلت. فأكل القوم.
10026ـ حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن هشام بن عروة, عن أبـيه: أن الزبـير كان يتزوّد لـحوم الوحش وهو مـحرم.
10027ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا إسحاق, عن شريك, عن سماك بن حرب, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: ما صيد أو ذبح وأنت حلال فهو لك حلال, وما صيد أو ذبح وأنت حرام فهو علـيك حرام.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون, عن عمرو, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: ما صيد من شيء وأنت حرام فهو علـيك حرام, وما صيد من شيء وأنت حلال فهو لك حلال.
10028ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما فجعل الصيد حراما علـى الـمـحرم صيده وأكله ما دام حراما, وإن كان الصيد صيد قبل أن يحرم الرجل فهو حلال, وإن صاده حرام لـحلال فلا يحلّ له أكله.
10029ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: سألت أبـا بشر عن الـمـحرم يأكل مـما صاده الـحلال, قال: كان سعيد بن جبـير ومـجاهد يقولان: ما صيد قبل أن يحرم أكل منه, وما صيد بعد ما أحرم لـم يأكل منه.
10030ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا ابن جريج, قال: كان عطاء يقول إذا سئل فـي العلانـية أيأكل الـحرام الوشيقة والشيء الـيابس؟ يقول بـينـي وبـينه: لا أستطيع أن أبـين لك فـي مـجلس, إن ذبح قبل أن يحرم فكل, وإلاّ فلا تبع لـحمه ولا تبتع.
وقال آخرون: إنـما عنى الله تعالـى بقوله: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما وحرّمَ علـيكم اصطياده. قالوا: فأما شراؤه من مالك يـملكه وذبحه وأكله بعد أن يكون ملكه إياه علـى غير وجه الاصطياد له وبـيعه وشراؤه جائز. قالوا: والنهي من الله تعالـى عن صيده فـي حال الإحرام دون سائر الـمعانـي. ذكر من قال ذلك:
10031ـ حدثنـي عبد الله بن أحمد بن شبويه, قال: حدثنا ابن أبـي مريـم, قال: حدثنا يحيى بن أيوب, قال: أخبرنـي يحيى, أن أبـا سلـمة اشترى قَطا وهو بـالعرج وهو مـحرم ومعه مـحمد بن الـمنكدر, فأكله. فعاب علـيه ذلك الناس.
والصواب فـي ذلك من القول عندنا أن يقال: إن الله تعالـى عمّ تـحريـم كلّ معانـي صيد البرّ علـى الـمـحرم فـي حال إحرامه من غير أن يخصّ من ذلك شيئا دون شيء, فكل معانـي الصيد حرام علـى الـمـحرم ما دام حراما بـيعه وشراؤه واصطياده وقتله وغير ذلك من معانـيه, إلاّ أن يجده مذبوحا قد ذبحه حلال لـحلال, فـيحلّ له حينئذٍ أكله, للثابت من الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, الذي:
10032ـ حدثناه يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن ابن جريج. وحدثنـي عبد الله بن أبـي زياد, قال: حدثنا مكي بن إبراهيـم, قال: حدثنا عبد الـملك بن جريج, قال: أخبرنـي مـحمد بن الـمنكدر, عن معاذ بن عبد الرحمن بن عثمان, عن أبـيه عبد الرحمن بن عثمان, قال: كنا مع طلـحة بن عبـيد الله ونـحن حُرُم, فأهدي لنا طائر, فمنا من أكل ومنا من تورّع فلـم يأكل. فلـما استـيقظ طلـحة وفّق من أكل, وقال: أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما رُوي عن الصعب بن جثامة: أنه أَهْدَى إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم رِجْلَ حمار وحش يقطر دما, فردّه فقال: «إنّا حُرُمٌ». وفـيـما رُوِي عن عائشة: «أن وشيقة ظبـي أهديت إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مـحرم, فردّها», وما أشبه ذلك من الأخبـار؟ قـيـل: إنه لـيس فـي واحد من هذه الأخبـار التـي جاءت بهذا الـمعنى بـيان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ من ذلك ما ردّ وقد ذبحه الذابح إذ ذبحه, وهو حلال لـحلال, ثم أهداه إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام فردّه وقال: إنه لا يحلّ لنا لأنا حرم وإنـما ذكر فـيه أنه أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لـحم صيد فردّه, وقد يجوز أن يكون ردّه ذلك من أجل أن ذابحه ذبحه أو صائده صاده من أجله صلى الله عليه وسلم وهو مـحرم, وقد بـين خبر جابر عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «لَـحْمُ صَيْدِ البَرّ للـمُـحْرِمِ حَلاَلٌ, إلاّ ما صَادَهُ أوْ صِيدَ لَهُ». معنى ذلك كله. فإذْ كان كلا الـخبرين صحيحا مخرجهما, فواجب التصديق بهما وتوجيه كل واحد منهما إلـى الصحيح من وجه, وأن يقال ردّه ما ردّ من ذلك من أجل أنه كان صيد من أجله, وإذنه فـي كل ما أذن فـي أكله منه من أجل أنه لـم يكن صيد لـمـحرم ولا صاده مـحرم, فـيصحّ معنى الـخبرين كلـيهما.
واختلفوا فـي صفة الصيد الذي عنى الله تعالـى بـالتـحريـم فـي قوله: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صَيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما فقال بعضهم: صيد البرّ: كلّ ما كان يعيش فـي البرّ والبحر وإنـما صيد البحر ما كان يعيش فـي الـماء دون البرّ ويأوي إلـيه. ذكر من قال ذلك:
10033ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن عمران بن حُدَير, عن أبـي مـجلز: وَحُرّمَ عَلَـيْكُمْ صيْدُ البَرّ ما دُمْتُـمْ حُرُما قال: ما كان يعيش فـي البرّ والبحر لا يصيده, وما كان حياته فـي الـماء فذاك.
10034ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا الـحجاج, عن عطاء, قال: ما كان يعيش فـي البرّ فأصابه الـمـحرم فعلـيه جزاؤه, نـحو السلـحفـاة والسرطان والضفـادع.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا هارون بن الـمغيرة, عن عمرو بن أبـي قـيس, عن الـحجاج, عن عطاء, قال: كلّ شيء عاش فـي البرّ والبحر, فأصابه الـمـحرم فعلـيه الكفّـارة.
10035ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب, قالا: حدثنا ابن إدريس, قال: حدثنا يزيد بن أبـي زياد, عن عبد الـملك, عن سعيد بن جبـير, قال: خرجنا حجاجا معنا رجل من أهل السواد معه شصوص طير ماء, فقال له أبـي حين أحرمنا: اعزل هذا عنا
10036ـ وحدثنا به أبو كريب مرّة أخرى, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت يزيد بن أبـي زياد, قال: حدثنا حجاج, عن عطاء: أنه كره للـمـحرم أن يذبح الدجاج الزنـجي, لأن له أصلاً فـي البرّ.
وقال بعضهم: صيد البرّ ما كان كونه فـي البرّ أكثر من كونه فـي البحر. ذكر من قال ذلك:
10037ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عاصم, قال ابن جريج: أخبرناه, قال: سألت عطاء عن ابن الـماء, أصيد برّ, أم بحر؟ وعن أشبـاهه, فقال: حيث يكون أكثر فهو صيده.
10038ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي وكيع, عن سفـيان, عن رجل, عن عطاء بن أبـي ربـاح, قال: أكثر ما يكون حيث يُفرِخ, فهو منه.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي إلَـيْهِ تُـحْشَرُونَ.
وهذا تقدّم من الله تعالـى ذكره إلـى خـلقه بـالـحذر من عقابه علـى معاصيه, يقول تعالـى: واخشوا الله أيها الناس, واحذروه بطاعته فـيـما أمركم به من فرائضه وفـيـما نهاكم عنه فـي هذه الاَيات التـي أنزلها علـى نبـيكم صلى الله عليه وسلم من النهي عن الـخمر والـميسر والأنصاب والأزلام, وعن إصابة صيد البرّ وقتله فـي حال إحرامكم, وفـي غيرها, فإن الله مصيركم ومرجعكم فـيعاقبكم بـمعصيتكم إياه, ومـجازيكم فمثـيبكم علـى طاعتكم له.
الآية : 97
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لّلنّاسِ وَالشّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره: صير الله الكعبة البـيت الـحرام قواما للناس الذين لا قوام لهم, من رئيس يحجز قويهم عن ضعيفهم ومسيئهم عن مـحسنهم وظالـمهم عن مظلومهم والشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقلائِدَ فحجز بكلّ واحد من ذلك بعضهم عن بعض, إذ لـم يكن لهم قـيام غيره, وجعلها معالـم لدينهم ومصالـح أمورهم.
والكعبة فـيـما قـيـل كعبة لتربـيعها. ذكر من قال ذلك:
10039ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد قال: إنـما سميت الكعبة لأنها مربعة.
10040ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هاشم بن القاسم, عن أبـي سعيد الـمؤدّب, عن النضر بن عربـي, عن عكرمة, قال: إنـما سميت الكعبة لتربـيعها.
وقـيـل قِـياما للنّاسِ بـالـياء, وهو من ذوات الواو, لكسرة القاف وهي فـاء الفعل, فجعلت العين منه بـالكسرة ياء, كما قـيـل فـي مصدر: «قمت» قـياما, و «صمت» صياما, فحوّلت العين من الفعل وهي واء ياء لكسرة فـائه, وإنـما هو فـي الأصل: قمت قواما, وصمت صواما. وكذلك قوله: جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ فحوّلت واوها ياء, إذ هي «قوام». وقد جاء ذلك من كلامهم مقولاً علـى أصله الذي هو أصله, قال الراجز:
(قِوَامُ دُنْـيا وَقِوَامُ دِين )
فجاء به بـالواو علـى أصله. وجعل تعالـى ذكره الكعبة والشهر الـحرام والهدي والقلائد قواما لـمن كان يحترم ذلك من العرب ويعظمه, بـمنزلة الرئيس الذي يقوم به أمر تبـاعه.
وأما الكعبة فـالـحرم كله, وسماها الله تعالـى حراما لتـحريـمه إياها أن يصاد صيدها أو يختلـى خلاها أو يعضد شجرها. وقد بـينا ذلك بشواهده فـيـما مضى قبل.
وقوله: وَالشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ وَالقَلائِدَ يقول تعالـى ذكره: وجعل الشهر الـحرام والهدي والقلائد أيضا قـياما للناس, كما جعل الكعبة البـيت الـحرام لهم قـياما. والناس الذين جعل ذلك لهم قـياما مختلف فـيهم, فقال بعضهم: جعل الله ذلك فـي الـجاهلـية قـياما للناس كلهم. وقال بعضهم: بل عَنَى به العربَ خاصة. وبـمثل الذي قلنا فـي تأويـل القوام قال أهل التأويـل. ذكر من قال: عنى الله تعالـى بقوله: جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ القوام علـى نـحو ما قلنا:
10041ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا من سمع خَصيفـا يحدّث عن مـجاهد فـي: جعلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَـيْتَ الـحَرَامَ قِـيَاما لِلنّاسِ قال: قواما للناس.
10042ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبـيد الله, عن إسرائيـل, عن خصيف, عن سعيد بن جبـير: قِـياما للنّاسِ قال: صلاحا لدينهم.
10043ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا داود, عن ابن جريج, عن مـجاهد فـي: جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَـيْتَ الـحَرامَ قـيَاما للنّاسِ قال: حين لا يرجون جنة ولا يخافون نارا, فشدّد الله ذلك بـالإسلام.
حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن إسرائيـل, عن أبـي الهيثم, عن سعيد بن جبـير, قوله: جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ قال: شدّة لدينهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن أبـي الهيثم, عن سعيد بن جبـير, مثله.
10044ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ قال: قـيامها أن يأمن من توجه إلـيها.
10045ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ والشّهْرَ الـحَرَامَ وَالهَدْيَ وَالقَلائِدَ يعنـي قـياما لدينهم, ومعالـم لـحجهم.
10046ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ والشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ وَالقَلائِدَ جعل الله هذه الأربعة قـياما للناس, هو قوام أمرهم.
وهذه الأقوال وإن اختلفت من قائلها ألفـاظها, فإن معانـيها آيـلة إلـى ما قلنا فـي ذلك من أن القوام للشيء هو الذي به صلاحه, كالـملك الأعظم قوام رعيته ومن فـي سلطانه, لأنه مدبر أمرهم وحاجز ظالـمهم عن مظلومهم والدافع عنهم مكروه من بغاهم وعاداهم. وكذلك كانت الكعبة والشهر الـحرام والهدي والقلائد قوام أمر العرب الذي كان به صلاحهم فـي الـجاهلـية, وهي فـي الإسلام لأهله معالـم حجهم ومناسكهم ومتوجههم لصلاتهم وقبلتهم التـي بـاستقبـالها يتـمّ فرضهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قالت جماعة أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
10047ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا جامع بن حماد, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ والشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقَلائدَ حواجز أبقاها الله بـين الناس فـي الـجاهلـية فكان الرجل لو جرّ كلّ جريرة ثم لـجأ إلـى الـحرم لـم يُتناول ولـم يُقرب. وكان الرجل لو لقـي قاتل أبـيه فـي الشهر الـحرام لـم يعرض له ولـم يقربه. وكان الرجل إذا أراد البـيت تقلد قلادة من شعر فأحمته ومنعته من الناس, وكان إذا نفر تقلد قلادة من الإذخر أو من الـحاء السّمُر, فمنعته من الناس حتـى يأتـي أهله حواجز أبقاها الله بـين الناس فـي الـجاهلـية.
10048ـ حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: جَعَلَ اللّهُ الكَعْبَةَ البَـيْتَ الـحَرَامَ قِـياما للنّاسِ والشّهْرَ الـحَرَامَ والهَدْيَ والقَلائِدَ قال: كان الناس كلهم فـيهم ملوك تدفع بعضهم عن بعض. قال: ولـم يكن فـي العرب ملوك تدفع بعضهم عن بعض, فجعل الله تعالـى لهم البـيت الـحرام قـياما يدفع بعضهم عن بعض به, والشهر الـحرام كذلك يدفع الله بعضهم عن بعض بـالأشهر الـحرم والقلائد. قال: ويـلقـى الرجل قاتل أخيه أو ابن عمه فلا يعرض له. وهذا كله قد نسخ.
10049ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَالقَلائِدَ كان ناس بتقلدون لـحاء الشجر فـي الـجاهلـية إذا أرادوا الـحجّ, فـيعرفون بذلك.
وقد أتـينا علـى البـيان عن ذكر الشهر الـحرام والهدي والقلائد فـيـما مضى, بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ذَلِكَ لِتَعْلَـمُوا أنّ اللّهَ يَعْلَـمُ ما فِـي السّمَوَاتِ وَما فِـي الأرْضِ وأنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: ذَلكَ تصيـيره الكعبة البـيت الـحرام قـياما للناس والشهر الـحرام والهدي والقلائد. يقول تعالـى ذكره: صَيّرت لكم أيها الناس ذلك قـياما كي تعلـموا أن من أُحدِث لكم لـمصالـح دنـياكم ما أحدث مـما به قوامكم, علـما منه بـمنافعكم ومضارّكم أنه كذلك يعلـم جميع ما فـي السموات وما فـي الأرض مـما فـيه صلاح عاجلكم وآجلكم, ولتعلـموا أنه بكلّ شيء علـيـم, لا يخفـى علـيه شيء من أموركم وأعمالكم, وهو مـحصيها علـيكم حتـى يجازي الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء منكم بإساءته.
الآية : 98
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اعْلَمُوَاْ أَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنّ اللّهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره: اعلـموا أيها الناس أن ربكم الذي يعلـم ما فـي السموات وما فـي الأرض, ولا يخفـى علـيه شيء من سرائر أعمالكم وعلانـيتها, وهو يحصيها علـيكم لـيجازيكم بها, شديد عقابه من عصاه وتـمرّد علـيه علـى معصيته إياه, وهو غفور الذنوب من أطاعه وأناب إلـيه فساترٌ علـيه وتاركٌ فضيحته بها, رحيـم به أن يعاقـيه علـى ما سلف من ذنوبه بعد إنابته وتوبته منها.
الآية : 99
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّا عَلَى الرّسُولِ إِلاّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ }..
وهذا من الله تعالـى ذكره تهديد لعبـاده ووعيد, يقول تعالـى ذكره: لـيس علـى رسولنا الذي أرسلناه إلـيكم أيها الناس بإنذاركم عقابنا بـين يدي عذاب شديد وإعذارنا إلـيكم بـما فـيه قطع حججكم, إلاّ أن يؤدي إلـيكم رسالتنا, ثم إلـينا الثواب علـى الطاعة, وعلـينا العقاب علـى الـمعصية. وَاللّهُ يَعْلَـمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُـمُونَ يقول: وغير خفـيّ علـينا الـمطيع منكم القابل رسالتنا العامل بـما أمرته بـالعمل به من العاصي التارك العمل بـما أمرته بـالعمل به لأنا نعلـم ما عمله العامل منكم فأظهره بجوارحه ونطق به لسانه. وَما تَكْتُـمُونَ يعنـي: ما تـخفونه فـي أنفسكم من إيـمان وكفر أو يقـين وشكّ ونفـاق. يقول تعالـى ذكره: فمن كان كذلك لا يخفـى علـيه شيء من ضمائر الصدور وظواهر أعمال النفوس, مـما فـي السموات وما فـي الأرض, وبـيده الثواب والعقاب, فحقـيق أن يُتقَـى وأن يطاع فلا يعصَى.
الآية : 100
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُل لاّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتّقُواْ اللّهَ يَأُوْلِي الألْبَابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ }..
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لا يعتدل الردىء والـجيد, والصالـح والطالـح, والـمطيع والعاصي. وَلَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الـخَبِـيثِ يقول: لا يعتدل العاصي والـمطيع لله عند الله ولو كثر أهل الـمعاصي فعجبت من كثرتهم, لأن أهل طاعة الله هم الـمفلـحون الفـائزون بثواب الله يوم القـيامة وإن قلوا دون أهل معصيته, وإنّ أهل معاصيه هم الأخسرون الـخائبون وإن كثروا. يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم: فلا تعجبنّ من كثرة من يعصى الله فـيـمهله ولا يعاجله بـالعقوبة فإن العقبى الصالـحة لأهل طاعة الله عنده دونهم. كما:
10050ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لا يَسْتَوِي الـخَبِـيثُ وَالطّيّبُ وَلَوْ أعْجَبَكَ كَثْرَةُ الـخَبِـيثِ قال: الـخبـيث: هم الـمشركون والطيّب: هم الـمؤمنون.
وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرج الـخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فـالـمراد به بعض أتبـاعه, يدلّ علـى ذلك قوله: فـاتّقُوا اللّهَ يا أُولـي الألْبـابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاتّقُوا اللّهَ يا أُولـي الألْبـابِ لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ.
يقول تعالـى ذكره: واتقوا الله بطاعته فـيـما أمركم ونهاكم, واحذروا أن يستـحوذ علـيكم الشيطان بإعجابكم كثرة الـخبـيث, فتصيروا منهم. يا أؤلـي الألْبـابِ يعنـي بذلك: أهل العقول والـحجا, الذين عقلوا عن الله آياته, وعرفوا مواقع حججه. لَعَلّكُمْ تُفْلِـحُونَ يقول: اتقوا الله لتفلـحوا: أي كي تنـجحوا فـي طلبتكم ما عنده.
الآية : 101
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }..
ذكر أن هذه الاَية أنزلت علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام, امتـحانا له أحيانا, واستهزاء أحيانا, فـيقول له بعضهم: من أبـي؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته: أين ناقتـي؟ فقال لهم تعالـى ذكره: لا تسألوا عن أشياء من ذلك, كمسألة عبد الله بن حذافة إياه من أبوه, إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ يقول: إن أبدينا لكم حقـيقة ما تسألون عنه ساءكم إبداؤها وإظهارها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك تظاهرت الأخبـار عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر الرواية بذلك:
10051ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا بعض بنـي نفـيـل, قال: حدثنا زهير بن معاوية, قال: حدثنا أبو الـجويرية, قال: قال ابن عبـاس لأعرابـي من بنـي سلـيـم: هل تدري فـيـما أنزلت هذه الاَية يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ؟ حتـى فرغ من الاَية, فقال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء, فـيقول الرجل: من أبـي؟ والرجل تضلّ ناقته فـيقول: أين ناقتـي؟ فأنزل الله فـيهم هذه الاَية.
10052ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو عامر وأبو داود, قالا: حدثنا هشام, عن قتادة, عن أنس, قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتـى أحفوه بـالـمسألة, فصعد الـمنبر ذات يوم, فقال: «لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَـيّنْتُهُ لَكُمْ». قال أنس: فجعلت أنظر يـمينا وشمالاً, فأرى كلْ إنسان لافّـا ثوبه يبكي فأنشأ رجل كان ذا لاحى يدعى إلـى غير أبـيه, فقال: يا رسول الله, من أبـي؟ فقال: «أبُوكَ حُذَافَةُ». قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بـالله ربّـا وبـالإسلام دينا وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً, وأعوذ بـالله من سوء الفتن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَـمْ أرَ فِـي الشّرّ والـخَيْرِ كالـيَوْم قَطّ, إنّهُ صُوّرَتْ لِـيَ الـجَنّةُ وَالنّارُ حتـى رأيْتُهُما وَرَاءَ الـحائِطِ». وكان قتادة يذكر هذا الـحديث عند هذه الاَية: لا تَسأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
10053ـ حدثنـي مـحمد بن معمر البحرانـي, قال: حدثنا روح بن عبـادة, قال: حدثنا شعبة, قال: أخبرنـي موسى بن أنس, قال: سمعت أنسا يقول: قال رجل: يا رسول الله من أبـي؟ قال: «أبُوكَ فُلانٌ». قال: فنزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْألُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: فحُدّثنا أن أنس بن مالك حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتـى أحفوه بـالـمسألة, فخرج علـيهم ذات يوم فصعد الـمنبر, فقال: «لا تَسْأَلُونِـي الـيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إلاّ بَـيّنْتُهُ لَكُمْ» فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بـين يديه أمر قد حضر, فجعلت لا ألتفت يـمينا ولا شمالاً إلاّ وجدت كلاّ لافـاّ رأسه فـي ثوبه يبكي. فأنشأ رجل كان يُلاحَى فـيدعى إلـى غير أبـيه, فقال: يا نبـيّ الله من أبـي؟ قال: «أبُوكَ حُذَافة». قال: ثم قام عمر أو قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بـالله ربّـا وبـالإسلام دينا وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً عائذا بـالله أو قال: أعوذ بـالله من سوء الفتن. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَـمْ أرَ فِـي الـخَيْرِ والشّرّ كالـيَوْمِ قَطّ, صُوّرَتْ لـيَ الـجَنّةُ والنّارُ حتـى رأيْتُهُما دُونَ الـحائِطِ».
10054ـ حدثنا أحمد بن هشام وسفـيان بن وكيع, قالا: حدثنا معاذ, قال: حدثنا ابن عون, قال: سألت كرمة مولـى ابن عبـاس عن قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: ذاك يوم قام فـيهم النبـي صلى الله عليه وسلم, فقال: «لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُكُمْ بِهِ» قال: فقام رجل, فكره الـمسلـمون مقَامه يومئذ, فقال: يا رسول الله من أبـي؟ قال: «أبُوكَ حُذَافَة» قال: فنزلت هذه الاَية.
10055ـ حدثنا الـحسين بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن ابن طاوس, عن أبـيه قال: نزلت: لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ فـي رجل قال: يا رسول الله من أبـي؟ قال: «أبُوك فلان».
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي سفـيان, عن معمر, عن قتادة, قال: سألوا النبـي صلى الله عليه وسلم حتـى أكثروا علـيه, فقام مغضبـا خطيبـا, فقال: سَلُونـي فَوَاللّهِ لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْءٍ ما دُمْتُ فـي مَقامي إلاّ حَدّثْتُكُمْ» فقام رجل فقال: من أبـي؟ قال: «أبُوكَ حُذَافَة» واشتدّ غضبه وقال: «سَلُونِـي» فلـما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم, فجثا عمر علـى ركبتـيه فقال: رضينا بـالله ربّـا, قال معمر: قال الزهري: قال أنس مثل ذلك: فجثا عمر علـى ركبتـيه, فقال: رضينا بـالله ربـا, وبـالإسلام دينا, وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمَا وَالّذِي نَفْسِي بِـيَدِهِ, لَقَدْ صُوّرَتْ لـيَ الـجَنّةُ وَالنّارُ آنِفـا فِـي عَرْضِ هَذَا الـحائِطِ, فَلَـمْ أرَ كالـيَوْمِ فِـي الـخَيْرِ والشّرّ». قال الزهريّ: فقالت أمّ عبد الله بن حُذافة: ما رأيت ولدا أعقّ منك قطّ, أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الـجاهلـية, فتفضحها علـى رؤوس الناس فقال: والله لو ألـحقنـي بعبد أسود للـحقته.
10056ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام فقام خطيبـا, فقال: «سَلُونِـي فإنّكُمْ لا تَسْأَلُونِـي عَنْ شَيْء إلاّ أنْبَأْتُكُمْ بِهِ» فقام إلـيه رجل من قريش من بنـي سَهْم يقال له عبد الله بن حُذَاقة, وكان يُطعنَ فـيه, قال: فقال يا رسول الله من أبـي؟ قال: «أبُوكَ فُلانٌ» فدعاه لأبـيه فقام إلـيه عمر, فقبّل رجله وقال: يا رسول الله, رضينا بـالله ربـا, وبك نبـيا, وبـالإسلام دينا, وبـالقرآن إماما, فـاعف عنا عفـا الله عنك فلـم يزل به حتـى رضي, فـيومئذ قال: «الوَلَدُ للفِرَاش وللعاهِرِ الـحَجَرُ».
10057ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا قـيس, عن أبـي حصين, عن أبـي صالـح, عن أبـي هريرة, قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبـان مـحمارّ وجههُ, حتـى جلس علـى الـمنبر, فقام إلـيه رجل, فقال أين أبـي؟ قال: «فـي النّارِ» فقام آخر فقال: من أبـي؟ قال: «أبُوكَ حُذَافَةُ». فقام عمر بن الـخطاب فقال: رضينا بـالله ربـا, وبـالإسلام دينا, وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم نبـيا, وبـالقرآن إماما, إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلـية وشرك, والله يعلـم من آبـاؤنا. قال: فسكن غضبه, ونزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
وقال آخرون: نزلت هذه الاَية علـى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء فـي أمر الـحجّ. ذكر من قال ذلك:
10058ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا منصور بن وردان الأسديّ, قال: حدثنا علـيّ بن عبد الأعلـى, قال: لـما نزلت هذه الاَية: وَللّهِ علـى النّاسِ حِجّ البَـيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إلَـيْهِ سَبِـيلاً قالوا: يا رسول الله أفـي كلّ عام؟ فسكت, ثم قالوا: أفـي كلّ عام؟ فسكت, ثم قال: «لا, ولَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ» فأنزل الله هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
10059ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلـيـمان, عن إبراهيـم بن مسلـم الهَجَريّ, عن ابن عياض, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ اللّهَ كَتَبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ» فقال رجل: أفـي كلّ عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه, حتـى عاد مرّتـين أو ثلاثا, فقال: «مَنِ السّائِلُ؟» فقال فلان, فقال: «والذي نَفْسِي بِـيَدِهِ, لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ, وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَـيْكُمْ ما أطَقْتُـموه, وَلَوْ تَرَكْتُـمُوهُ لَكَفَرْتـمْ». فأنزل الله هذه الاَية: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ حتـى ختـم الاَية.
10060ـ حدثنـي مـحمد بن علـيّ بن الـحسين بن شقـيق, قال سمعت أبـي, قال: أخبرنا الـحسين بن واقد, عن مـحمد بن زياد, قال: سمعت أبـا هريرة يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيّهَا النّاسُ, كَتَبَ اللّهُ عَلَـيْكُمْ الـحَجّ». فقام مـحصن الأسديّ, فقال: أفـي كلّ عام يا رسول الله؟ فقال: «أمَا إنّـي لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ, ولَوْ وَجَبَتْ ثُمّ تَرَكْتُـمْ لَضَلَلْتُـمْ. اسْكُتُوا عَنّى ما سَكَتّ عَنْكُمْ, فإنّـمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ واخْتِلافِهِمْ علـى أنْبِـيائِهمْ» فأنزل الله تعالـى: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ إلـى آخر الاَية.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين وقد, عن مـحمد بن زيادة, قال: سمعت أبـا هريرة يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكر مثله, إلا أنه قام: فقام عُكاشة ابنِ مـحْصَن الأسديّ.
10061ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصري, قال: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبـي العمر, قال: حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى, عن صفوان بن عمرو, قال: ثنـي سلـيـم بن عامر, قال: سمعت أبـا أمامة البـاهلـي يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فـي الناس فقال: «كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ» فقام رجل من الأعراب, فقال: أفـي كل عام؟ قال: فعلا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسكت وأغضب واستغضب. فمكث طويلاً ثم تكلـم فقال: مَنِ السّائِلُ؟» فقال الأعرابـيّ: أنا ذا, فقال: «وَيْحَكَ ماذَا يُؤْمِنُكَ أنْ أقُولَ نَعَمْ, وَلَوْ قُلْتُ نَعَمُ لَوَجَبَتْ, وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُـمْ؟ ألا إنّهُ إنّـمَا أهْلَكَ الّذِينَ قبْلَكُمْ أئِمّةُ الـحَرَجِ, وَاللّهُ لَوْ أنّـي أحْلَلْتُ لَكُمْ جَمِيعَ ما فِـي الأرْضِ وَحَرّمْتُ عَلَـيْكُمْ مِنْها مَوْضِعَ خُفّ لَوَقَعْتُـمْ فِـيهِ» قال: فأنزل الله تعالـى عند ذلك يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ... إلـى آخر الاَية.
10062ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْيَاء إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذّن فـي الناس, فقال: «يا قَوْمِ, كُتِبَ عَلَـيْكُمُ الـحَجّ» فقام رجل من بنـي أسد فقال: يا رسول الله, أفـي كلّ عام؟ فأُغْضِبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبـا شديدا, فقال: «وَالّذِي نَفْسُ مُـحَمّدِ بَـيَدِهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ, وَلَوْ وَجَبَتْ ما اسْتَطَعْتُـمْ, وِإذَنْ لَكَفَرْتُـمْ فـاتْرُكُونِـي ما تَرَكْتُكُمْ, فإذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فـافْعَلُوا, وإذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْء فـانُتَهُوا عَنْهُ». فأنزل الله تعالـى: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ. نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من الـمائدة, فأصبحوا بها كافرين فنهى الله تعالـى عن ذلك, وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فـيها بتغلـيظ ساءكم ذلك, ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن فإنّكُمْ لا تسألون عن شيء إلا وجدتـم تبـيانه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, قال: حدثنا علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنزّل القُرْآنِ تُبْدَ لَكُمْ قال: لـما أنزلت آية الـحجّ, نادى النبـي صلى الله عليه وسلم فـي الناس, فقال «يا أيّها النّاسُ, إنّ اللّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَـيْكُمْ الـحَجّ فَحُجّوا» فقالوا: يا رسول الله, أعاما واحدا أم كل عام؟ فقال «لا بَلْ عاما وَاحِدا, وَلَوْ قُلْتُ كُلّ عامٍ لَوَجَبَتْ, وَلَوْ وَجَبَتْ لَكَفَرْتُـمْ» ثم قال الله تعالـى: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: سألوا النبـي صلى الله عليه وسلم عن أشياء فوعظهم, فـانتهوا.
10063ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الـحجّ, فقـيـل: أواجب هو يا رسول الله كلّ عام؟ قال: «لا, لَوْ قُلْتُها لَوَجَبَتْ, وَلَوْ وَجَبَتْ ما أطَقْتُـمْ, وَلَوْ لَـمْ تُطِيقُوا لَكَفَرْتُـمْ» ثم قال: «سَلُونِـي فَلا يَسْأَلُنِـي رَجُلٌ فـي مَـجْلِسِي هَذَا عَنْ شَيْءٍ إلاّ أخْبَرْتُهُ, وإنْ سَأَلَنِـي عَنْ أبِـيهِ» فقام إلـيه رجل, فقال: من أبـي؟ قال: «أبُوكَ حُذَافَةُ بْنُ قَـيْسٍ» فقام عمر, فقال: يا رسول اصلى الله عليه وسلم رضينا بـالله ربـا, وبـالإسلام دينا, وبـمـحمد صلى الله عليه وسلم نبـيا, ونعوذ بـالله من غضبه وغضب رسوله.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الاَية من أجل أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحامي. ذكر من قال ذلك:
10064ـ حدثنـي إسحاق بن إبراهيـم بن حبـيب بن الشهيد, قال: حدثنا عتاب بن بشير, عن خصيف, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ قال: هي البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحام. ألا ترى أنه يقول بعد ذلك: ما جعل الله من كذا ولا كذا؟ قال: وأما عكرمة فإنه قال: إنهم كانوا يسألونه عن الاَيات فنهوا عن ذلك. ثم قال: قَدْ سَأَلها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمّ أصْبَحُوا بها كَافِرينَ قال: فقلت: قد حدثنـي مـجاهد بخلاف هذا ابن عبـاس, فما لك تقول هذا؟ فقال هَيْهَ.
10065ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن ابن عون, عن عكرمة عن الأعمش, قال: هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أبـي؟. وقال سعيد بن جبـير: هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة.
وأولـى الأقوال بـالصواب فـي ذلك قول من قال: نزلت هذه الاَية من أجل إكثار السائلـين رسول الله صلى الله عليه وسلم الـمسائل, كمسئلة ابن حذافة إياه من أبوه, ومسئلة سائله إذ قال: «إنّ اللّهَ فَرَضَ عَلَـيْكُمْ الـحَجّ»: أفـي كلّ عام؟ وما أشبه ذلك من الـمسائل, لتظاهر الأخبـار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويـل, وأما القول الذي رواه مـجاهد عن ابن عبـاس, فقول غير بعيد من الصواب, ولكن الأخبـار الـمتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه, وكرهنا القول به من أجل ذلك. علـى أنه غير مستنكر أن تكون الـمسئلة عن البحيرة والسائبة والوصيـلة والـحام كانت فـيـما سألوا النبـي صلى الله عليه وسلم عنه من الـمسائل التـي كره الله لهم السؤال عنها, كما كره الله لهم الـمسئلة عن الـحجّ, أكلّ عام هو أم عاما واحدا؟ وكما كره لعبد الله بن حذافة مسئلته عن أبـيه, فنزلت الاَية بـالنهي عن الـمسائل لها, فأخبر كلّ مخبر منهم ببعض ما نزلت الاَية من أجله وأجل غيره. وهذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصحة, لأن مخارج الأخبـار بجميع الـمعانـي التـي ذُكرت إصحاح, فتوجيهها إلـى الصواب من وجودها أوْلـى.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَإنْ تَسْأَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزّلُ القُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفـا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِـيـمٌ:
يقول تعالـى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, عن مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم, عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه, من فرائض لـم يفرضها الله علـيهم, وتـحلـيـل أمور لهم يحللها لهم, وتـحريـم أشياء لـم يحرّمها علـيهم قبل نزول القرآن بذلك: أيها الـمؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولـي مـما لـم أنزل به كتابـا ولا حيا, لا تسألوا عنه, فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبـيان بوحي وتنزيـل ساءكم لأن التنزيـل بذلك إذا جاءكم يجيئكم بـما فـيه امتـحانكم واختبـاركم, إما بإيجاب عمل علـيكم, ولزوم فرض لكم, وفـي ذلك علـيكم مشقة ولزوم مؤنة وكلفة وإما بتـحريـم ما لو لـم يأتكم بتـحريـمه وحي كنتـم من التقدّم علـيه فـي فسحة وسعة وإما بتـحلـيـل ما تعتقدون تـحريـمه, وفـي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتـم ترونه حقا إلـى ما كنتـم ترونه بـاطلاً, ولكنكم إن سألتـم عنها بعد نزول القرآن بها وبعد ابتدائكم شأن أمرها فـي كتابـي إلـى رسولـي إلـيكم, بـين لكم ما أنزلته إلـيه من إتـيان كتابـي وتأويـل تنزيـلـي ووحي وذلك نظير الـخبر الذي رُويَ عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, الذي:
10066ـ حدثنا به هناد بن السريّ, قال: حدثنا أبو معاوية, عن داود بن أبـي هند, عن مكحول, عن أبـي ثعلبة الـخشنـي, قال: «إن الله تعالـى فرض فرائض فلا تضيعوها, ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها, وحدّ حدودا فلا تعتدوها, وعفـا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها».
10067ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, قال: أخبرنا ابن جريج, عن عطاء, قال: كان عبـيد بن عمير يقول: إن الله تعالـى أحلّ وحرّم, فما أحلّ فـاستـحلوه وما حرّم فـاجتنبوه, وترك من ذلك أشياء لـم يحلها ولـم يحرّمها فذلك عفو من الله عفـاه ثم يتلو: يا أيّها الّذِين آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا الضحاك, قال: أخبرنا ابن جريج, قال: أخبرنـي عطاء, عن عبـيد ابن عمير, أنه كان يقول: إن الله حرّم وأحلّ, ثم ذكر نـحوه.
وأما قوله: عَفـا اللّهُ عَنْها فإنه يعنـي به: عفـا الله لكم عن مسألتكم عن الأشياء التـي سألتـم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كره الله لكم مسألتكم إياه عنها, أن يؤاخذكم بها, أو يعاقبكم علـيها, إن عرف منها توبتكم وإنابتكم. وَاللّهُ غَفُورٌ يقول: والله ساتر ذنوب من تاب منها, فتارك أن يصفحه فـي الاَخرة حَلِـيـمٌ أن يعاقبه بها لتغمده التائب منها برحمته وعفوه, عن عقوبته علـيها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك رُوي الـخبر عن ابن عبـاس الذي ذكرناه آنفـا. وذلك ما:
10068ـ حدثنـي به مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: لا تسْأَلُوا عَنْ أشْيَاءَ إن نزل القرآن فـيها بتغلـيظ ساءكم ذلك, ولكن انتظروا فإذا نزل القرآن, فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتـم تبـيانه.
الآية : 102
القول في تأويل قوله تعالى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مّن قَبْلِكُمْ ثُمّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: قد سأل الاَيات قوم من قبلكم: فلـما آتاهموها الله, أصبحوا بها جاحدين منكرين أن تكون دلالة علـى حقـيقة ما احتـجّ بها علـيهم, وبرهانا علـى صحة ما جعلت برهانا علـى تصحيحه, كقوم صالـح الذين سألوا الاَية فلـما جاءتهم الناقة آية عقروها, وكالذين سألوا عيسى مائدة تنزل علـيهم من السماء: فلـما أُعْطُوها كفروا بها وما أشبه ذلك, فحذّر الله تعالـى الـمؤمنـين بنبـيه صلى الله عليه وسلم أن يسلكوا سبـيـل مَن قبلهم من الأمـم التـي هلكت بكفرهم بآيات الله لـما جاءتهم عند مسألتهموها, فقال لهم: لا تسألوا الاَيات, ولا تبحثوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم, فقد سأل الاَيات من قبلكم قوم فلـما أوتوها أصبحوا بها كافرين. كالذي:
10069ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أشْياءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من الـمائدة, فأصبحوا بها كافرين, فنهى الله عن ذلك.
10070ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: قَدْ سأَلهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ قد سأل الاَيات قوم من قبلكم, وذلك حين قـيـل له: غيّر لنا الصفـا ذهبـا.
الآية : 103
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـَكِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىَ اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: ما بحر الله بحيرة, ولا سيب سائبة, ولا وصل وصيـلة, ولا حمي حاميا, ولكنكم الذين فعلتـم ذلك أيها الكفرة, فحرّمتـموه افتراء علـى ربكم. كالذي:
10071ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الله بن عبد الـحكم, قال: ثنـي أبـي وشعيب بن اللـيث, عن اللـيث, عن ابن الهاد: وحدثنـي يونس, قال: حدثنا عبد الله بن يوسف, قال: ثنـي اللـيث, قال: ثنـي ابن الهاد, عن ابن شهاب, عن سعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «رأيْتُ عَمْرَو بْنَ عامِرٍ الـخزَاعِيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ, وكانَ أوّلَ مَنْ سَيّبَ السّائِبَةَ».
10072ـ حدثنا هناد بن السريّ, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن إبراهيـم بن الـحرث, عن أبـي صالـح, عن أبـي هريرة, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلميقول لأكثم بن الـجون: «يا أكْثَمُ, رأيْتُ عَمْرَو بنَ لُـحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بنِ خِنْدَفٍ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ, فَمَا رأيْتُ رَجْلاً أشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ وَلا بِهِ مِنْكَ» فقال أكثم: أخشى أن يضرّنـي شبهه يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا, إنّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كافِرٌ, إنّهُ أوّلُ مَنْ غير دين إسماعيـل وبحّر البحيرة, وسيب السائبة, وحمى الـحامي».
10073ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا يونس, قال: ثنـي هشام بن سعد, عن زيد بن أسلـم, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قَدْ عَرَفْتُ أوّلَ مَنْ بَحّرَ البَحائِر رَجُلٌ مِنْ مُدْلِـجٍ, كانَتْ لَهُ ناقَتانِ, فَجَدَعَ آذَانَهُما وَحَرّمَ ألْبـانَهُما وظُهُورَهُما وقال: هاتانِ لِلّهِ, ثُمّ احْتاجَ إلَـيْهما فَشَرِبَ ألْبـانَهُما وَرَكِبَ ظُهُورَهُما» قالَ: «فَلَقَدْ رأيْتُهُ فِـي النّارِ يُؤْذِي أهْلَ النّارِ رِيحُ قُصْبِهِ».
10074ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا عبـيدة, عن مـحمد بن عمرو, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عُرِضَتْ علـيّ النّارُ فَرأيْتُ فِـيها عَمْرَو ابْنَ فُلان ابْنِ فُلان ابْنِ خِنْدَفٍ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ, وَهُوَ أوّلُ مَنْ غَيّرَ دِينَ إبْرَاهِيـمَ وَسَيّبَ السّائِبَةَ, وأشْبَهُ مَنْ رأيْتُ بِهِ أكْثَمُ بْنُ الـجَوْنِ». فقال أكثم: يا رسول الله, أيضرّنـي شبههه؟ قال: «لا, لأنّكَ مُسْلِـمٌ, وَإنّهُ كافِرٌ».
10075ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: رأيت عمرو بن عامر الـخزاعي يجرّ قصبه فـي النار, وهو أوّل من سيب السوائب.
10076ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن زيد بن أسلـم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّـي لأَعْرِفُ أوّلَ مَنْ سَيّبَ السّوَائبَ وأوّلَ مَنْ غَيّرَ عَهْدَ إبْرَاهِيـمَ» قالُوا: مَنْ هُوَ يا رَسُولَ اللّهِ؟ قال: «عَمْرُو بْنُ لُـحَيَ أخُو بَنِـي كَعْبٍ, لَقَدْ رأيْتُهُ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ, يُؤْذِي رِيحُهُ أهْلَ النّارِ. وإنّـي لأَعْرِفُ أوّلَ مَنْ بَحّرَ البَحائِرَ». قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: «رَجُلٌ مِنْ بَنِـي مُدْلِـجٍ كانَتْ لَهُ ناقَتانِ, فَجَدَعَ آذَانَهُما وَحَرّمَ ألْبـانَهُما, ثُمّ شَرِبَ ألْبـانَهُما بَعْدَ ذَلِكَ, فَلَقَدْ رأيْتُهُ فِـي النّارِ هُوَ وهُمَا يَعَضّانِهِ بأفْوَاهِهِما, ويَخْبِطانِهِ بأخفْـافِهِما».
والبحيرة: الفَعيـلة, من قول القائل: بَحرتُ أذنَ هذه الناقة: إذا شقها, أبْحَرُها بحرا, والناقة مبحورة, ثم تصرف الـمفعولة إلـى فعَيـلة, فـيقال: هي بحيرة. وأما البَحِرُ من الإبل: فهو الذي قد أصابه داء من كثرة شرب الـماء, يقال منه: بَحِرَ البعير يبحرُ بَحَرا, ومنه قول الشاعر:
لأَعْلِطَنّكَ وَسَما لا تُفـارِقُهُكما يُحَزّ بحُمّى الـمِيسَمِ البَحِرُ
وبنـحو الذي قلنا فـي معنى البحيرة, جاء الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10077ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان, قال: أخبرنا مـحمد بن زيزيد, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن أبـي إسحاق عن أبـي الأحوص, عن أبـيه, قال: دخـلت علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أرأيْتَ إبِلَكَ ألَسْتَ تُنْتِـجُها مُسَلّـمَةً آذَانُها, فَتأْخُذُ الـمُوسَى فَتَـجْدَعُها تَقُولُ هَذِهِ بَحِيرَةٌ, وَتَشُقّ آذَانَها تَقُولُ هَذِهِ حُرُمٌ؟» قال: نعم, قال: «فإنّ ساعِدَ اللّهِ أشَدّ, وَمُوسَى اللّهِ أحَدّ, كُلّ مالِكَ لَكَ حَلالٌ لا يُحَرّمُ عَلَـيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ».
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي إسحاق, قال: سمعت أبـا الأحوص, عن أبـيه, قال أتـيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقال: «هَلْ تُنْتِـجُ إبِلُ قَوْمِكَ صِحَاحا آذَانُها فَتَعمِدُ إلـى الـمُوسَى فَتَقْطَعُ آذَانَها فَتَقُولُ هَذِهِ بُحْرٌ, وَتَشُقّها أوْ تَشُقّ جُلُودَها فَتَقُولُ هَذِهِ حُرُمٌ, فَتُـحَرّمُها عَلَـيْكَ وَعلـى أهْلِكَ؟» قال: نعم. قال: «فإنّ ما آتاكَ اللّهُ لَكَ حِلّ, وَساعِدُ اللّهُ أشَدّ, ومُوسَى اللّهِ أحَدّ» وربـما قال: «سَاعِدُ الله أشَدّ مِنْ سَاعِدِكَ, ومُوسَى الله أحَدّ مِنْ مُوسَاكَ».
وأما السائبة: فإنها الـمسيبة الـمخلاة, وكانت الـجاهلـية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه, فـيحرم الانتفـاع به علـى نفسه, كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبده سائبة فلا ينتفع به ولا بولائه. وأخرجت الـمسيبة بلفظ السائبة, كما قـيـل: «عِيشَة رَاضِيَة», بـمعنى: مرضية.
وأما الوصيـلة, فإن الأنثى من نعمهم فـي الـجاهلـية كانت إذا أتأمت بطنا بذكر وأنثى, قـيـل: قد وصلت الأنثى أخاها, بدفعها عنه الذبح, فسموها وصيـلة.
وأما الـحامي: فإنه الفحل من النعم يحمى ظهره من الركوب, والانتفـاع بسبب تتابع أولاد تـحدث من فِحْلَته.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي صفـات الـمسميات بهذه الأسماء وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك. ذكر الرواية بـما قـيـل فـي ذلك:
10078ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة بن الفضل, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن إبراهيـم بن الـحرث التـيـمي أن أبـا صالـح السمان, حدثه أنه سمع أبـا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الـجون الـخواعي: «يا أكْثَمُ رأيْتُ عَمْرَ بْنَ لُـحَيّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدَفٍ يَجُرّ قُصْبَهُ فِـي النّارِ, فَمَا رأيْتُ مِنْ رَجُلٍ أشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ وَلا بِهِ مِنْكَ» فقال أكثم: أيضرّنـي شبهه يا نبـيّ الله؟ قال: «لا, لأنك مُؤْمِنٌ وَهُوَ كافِرٌ, وإنّهُ كانَ أوّلَ مَنْ غَيّرَ دِينَ إسْماعِيـلَ وَنَصَبَ الأوْثانَ, وَسَيّبَ السّوَائِب فِـيهِمْ».
وذلك أن الناقة إذا تابعت ثنتـي عشرة إناثا لـيس فـيها ذكر سيبت, فلـم يركب ظهرها ولـم يجزّ وبرها ولـم يشرب لبنها إلا ضيف. فما نتـجت بعد ذلك من أنثى شُقّ أذنها ثم خـلـي سبـيـلها مع أمها فـي الإبل, فلـم يركب ظهرها ولـم يجزّ وبرها ولـم يشرب لبنها إلا ضيف, كما فُعِل بأمها فهي البحيرة ابنة السائبة. والوصيـلة: أن الشاة إذا نتـجت عشر إناث متتابعات فـي خمسة أبطن لـيس فـيهنّ ذكر جعلت وصيـلة, قالوا: وصلت, فكان ما ولدت بعد ذلك لذكورهم دون إناثهم, إلا أن يـموت منها شيء فـيشتركون فـي أكله ذكورهم وإناثهم. والـحامي: أن الفحل إذا نتـج له عشر إناث متتابعات لـيس بـينهنّ ذكر حُمِي ظهره, ولـم يركب, ولـم يجزّ وبره, ويخـلـى فـي إبله يضرب فـيها, لا ينتفع به بغير ذلك. يقول الله تعالـى ذكره: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ.... إلـى قوله: وَلاَ يهْتَدُونَ.
10079ـ حدثنا ابن بشار قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن الأعمش, عن أبـي الضحى, عن مسروق فـي هذه الاَية: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ قال أبو جعفر: سقط علـيّ فـيـما أظنّ كلام منه قال: فأتـيت علقمة فسألته, فقال: ما تريد إلـى شيء كانت تصنعه أهل الـجاهلـية؟
10080ـ حدثنـي يحيى بن إبراهيـم الـمسعودي, قال: حدثنا أبـي, عن أبـيه, عن جده, عن الأعمش, عن مسلـم, قال: أتـيت علقمة, فسألته عن قول الله تعالـى: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ فقال: وما تصنع بهذا؟ إنـما هذا شيء من فعل الـجاهلـية قال: فأتـيت مسروقا, فسألته, فقال: البحيرة: كانت الناقة إذا ولدت بطنا خمسا أو سبعا, شقوا أذنها وقالوا: هذه بحيرة. قال: وَلا سائبَةٍ قال: كان الرجل يأخذ بعض ماله, فـيقول: هذه سائبة. قال: وَلا وَصِيـلَةٍ قال: كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث, وإذا ولدت ذكرا وأنثى فـي بطن قالوا: وصلت أخاها, فلا يأكلونهما قال: فإذا مات الذكر, أكله الذكور دون الإناث. قال: ولا حام, قال: كان البعير إذا ولد وولد ولده, قالوا: قد قضى هذا الذي علـيه, فلـم ينتفعوا بظهره, قالوا: هذا حام.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد, عن الأعمش, عن مسلـم بن صبـيح, قال: سألت علقمة, عن قوله: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ قال: ما تصنع بهذا؟ هذا شيء كان يفعله أهل الـجاهلـية.
10081ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان ويحيى بن آدم, عن إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ قال: البحيرة: التـي قد ولت خمسة أبطن ثم تركت.
10082ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير بن عبد الـحميد, عن مغيرة, عن الشعبـي: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ قال: البحيرة: الـمخضرمة. وَلا سائِبَةٍ والسائبة: ما سيب للهدي. والوصيـلة: إذا ولدت بعد أربعة أبطن فـيـما يرى جرير ثم ولدت الـخامس ذكرا وأنثى وصلت أخاها. والـحام: الذي قد ضرب أولاد أولاده فـي الإبل.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن الشعبـيّ بنـحوه, إلا أنه قال: والوصيـلة: التـي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها. وسائر الـحديث مثل حديث ابن حميد.
10083ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق الأزرق, عن زكريا, عن الشعبـي, أنه سئل عن البحيرة, فقال: هي التـي تـجدع آذانها. وسئل عن السائبة, فقال: كانوا يهدون لاَلهتهم الإبل والغنـم فـيتركونها عند آلهتهم لتذبح, فتـخـلط بغنـم الناس, فلا يشرب ألبـانها إلا الرجال, فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا.
10084ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله تعالـى: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وما معها: البحيرة من الإبل, يحرّم أهل الـجاهلـية وبرها وظهرها ولـحمها ولبنها إلا علـى الرجال, فما ولدت من ذكر وأنثى فهو علـى هيئتها, وإن ماتت اشترك الرجال والنساء فـي أكل لـحمها, فإذا ضَرَب الـجمل من ولد البحيرة فهو الـحامي والسائبة من الغنـم علـى نـحو ذلك إلا أنها ما ولدت من ولد بـينها وبـين ستة أولاد كان علـى هيئتها, فإذا ولدت فـي السابع ذكرا أو أنثى أو ذكرين, ذبحوه فأكله رجالهم دون نسائهم وإن توأمت أنثى وذكرا فهي وصيـلة, ترك ذبح الذكر بـالأنثى, وإن كانتا أنثـيـين تركتا.
10085ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ فـالبحيرة: الناقة, كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن, فـيعمد إلـى الـخامسة, فما لـم يكن سَقْبـا, فـيبتك آذانها, ولا يجزّ لها وبرا, ولا يذوق لها لبنا, فتلك البحيرة. وَلا سائِبَةٍ كان الرجل يسيب من ماله ما شاء. وَلا وَصِيـلَةٍ فهي الشاة إذا ولدت سبعا, عمد إلـى السابع, فإن كان ذكرا ذبح, وإن كانت أنثى تركت, وإن كان فـي بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما, قالوا: وصلت أخاها, فـيتركان جميعا لا يذبحان, فتلك الوصيـلة. وقوله: وَلا حامٍ كان الرجل يكون له الفحل فإذا لقح عشرا قـيـل: حام, فـاتركوه
10086ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: حدثنا معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ لـيسيبوها لأصنامهم. وَلا وَصِيـلَةٍ يقول: الشاة. وَلا حامٍ يقول: الفحل من الإبل.
10087ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ تشديد شدّده الشيطان علـى أهل الـجاهلـية فـي أموالهم, وتغلـيظ علـيهم, فكانت البحيرة مثل الإبل إذا نتـج الرجل خمسا من إبله نظر البطن الـخامس, فإن كانت سقبـا ذبح فأكله الرجال دون النساء, وإن كان ميتة اشترك فـيه ذكرهم وأنثاهم, وإن كانت حائلاً وهي الأنثى تركت فبتكت أذنها, فلـم يجزّ لها وبر ولـم يشرب لها لبن ولـم يركب لها ظهر ولـم يذكر لله علـيها اسم. وكانت السائبة: يسيبون ما بدا لهم من أموالهم, فلا تـمتنع من حوض أن تشرع فـيه ولا من حمى أن ترتع فـيه. وكانت الوصيـلة من الشاء: من البطن السابع, إذا كان جديا ذبح فأكله الرجال دون النساء, وإن كان ميتة اشترك فـيه ذكرهم وأنثاهم, وإن جاءت بذكر وأنثى قـيـل وصلت أخاها فمنعته الذبح. والـحام: كان الفحل إذا ركب من بنـي بنـيه عشرة أو ولد ولده, قـيـل حام, حمى ظهره, فلـم يزم ولـم يخطم ولـم يركب.
10088ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ فـالبحيرة من الإبل: كانت الناقة إذا نتـجت خمسة أبطن, إن كان الـخامس سقبـا ذبحوه فأهدوه إلـى آلهتهم وكانت أمه من عرض الإبل, وإن كانت رُبَعة استـحيوها, وشقوا أذن أمها, وجزّوا وبرها, وخـلوها فـي البطحاء, فلـم تَـجُزْ لهم فـي دية, ولـم يحلبوا لها لبنا, ولـم يجزّوا لها وبرا, ولـم يحملوا علـى ظهرها, وهي من الأنعام التـي حرّمت ظهورها. وأما السائبة: فهو الرجل يسيب من ماله ما شاء علـى وجه الشكر إن كثر ماله, أو برأ من وجع, أو ركب ناقة فأنـجح, فإنه يسمي السائبة يرسلها فلا يعرض لها أحد من العرب إلا أصابته عقوبة فـي الدنـيا. وأما الوصيـلة, فمن الغنـم, هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة, فكان آخر ذلك جديا ذبحوه وأهدوه لبـيت الاَلهة, وإن كانت عَناقا استـحيوها, وإن كانت جديا وعناقا استـحيوا الـجدي من أجل العناق, فإنها وصيـلة وصلت أخاها. وأما لـحام: فـالفحل يضرب فـي الإبل عشر سنـين, ويقال: إذا ضرب ولد ولده قـيـل: قد حمي ظهره, فـيتركونه لا يـمسّ, ولا ينـحر أبدا, ولا يـمنع من كلإ يريده, وهو من الأنعام التـي حرمت ظهورها.
10089ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن الزهري, عن ابن الـمسيب, فـي قوله: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ قال: البحيرة من الإبل التـي يـمنع درّها للطواغيت. والسائبة من الإبل: كانوا يسيبونها لطواغيتهم. والوصيـلة من الإبل كانت الناقة تبكر بأنثى, ثم تثنـي بأنثى, فـيسمونها الوصيـلة, يقولون: وصلت اثنتـين لـيس بـينهما ذكر, فكانوا يجدعونها لطواغيتهم, أو يذبحونها, الشكّ من أبـي جعفر. والـحام: الفحل من الإبل, كان يضرب الضراب الـمعدود, فإذا بلغ ذلك, قالوا: هذا حام, قد حمى ظهره فترك, فسموه الـحام. قال معمر, قال قتادة: إذا ضرب عشرة.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, قال: البحيرة من الإبل: كانت الناقة إذا نتـجت خمسة أبطن, فإن كان الـخامس ذكرا كان للرجال دون النساء, وإن كانت أنثى بتكوا آذانها, ثم أرسلوها, فلـم ينـحروا لها ولدا, ولـم يشربوا لها لبنا, ولـم يركبوا لها ظهرا. وأما السائبة, فإنهم كانوا يسيبون بعض إبلهم, فلا تـمنع حوضا أن تشرع فـيه, ولا مرعى أن ترتع فـيه. والوصيـلة: الشاة: كانت إذا ولدت سبعة أبطن, فإن كان السابع ذكرا ذبح وأكله الرجال دون النساء, وإن كانت أنثى تركت.
10090ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد, قال: حدثنا عبـيد بن سلـمان, عن الضحاك: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ أما البحيرة: فكانت الناقة إذا نتـجوها خمسة أبطن نـحروا الـخامس إن كان سقبـا, وإن كان رُبَعة شقوا أذنها واستـحيوها, وهي بحيرة. وأما السقب فلا يأكل نساؤهم منه, وهو خالص لرجالهم, فإن ماتت الناقة أو نتـجوها ميتا فرجالهم ونساؤهم فـيه سواء يأكلون منه. وأما السائبة: فكان يسيب الرجل من ماله من الأنعام, فـيهمل فـي الـحمى فلا ينتفع بظهره ولا بولده, ولا بلبنه, ولا بشعره, ولا بصوفه. وأما الوصيـلة, فكانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن ذبحوا السابع إذا كان جديا, وإن كان عناقا استـحيوه, وإن كان جديا وعناقا استـحيوهما كلـيهما, وقالوا: إن الـجدي وصلته أخته, فحرمته علـينا. وأما الـحامي: فـالفحل إذا ركبوا أولاد ولده, قالوا: قد حمى هذا ظهره, وأحرز أولاد ولده, فلا يركبونه, ولا يـمنعونه من حمى شجر, ولا حوض مّا شرع فـيه, وإن لـم يكن الـحوض لصاحبه, وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله علـيها فـي شيء من شأنهم, لا إن ركبوا, ولا إن حملوا, ولا إن حلبوا, ولا إن نتـجوا, ولا إن بـاعوا, ففـي ذلك أنزل الله تعالـى: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ... إلـى قوله: وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ.
10091ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيـلَةٍ وَلا حامٍ قال: هذا شيء كانت تعمل به أهل الـجاهلـية, وقد ذهب. قال: البحيرة: كان الرجل يجدع أذنى ناقته ثم يعتقها, كما يعتق جاريته وغلامه, لا تـحلب, ولا تركب. والسائبة: يسيبها بغير تـجديع. والـحام: إذا نتـج له سبع إناث متوالـيات حمت لـحمها أن يؤكل.
حدثنا يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا عبد الله بن يوسف, قال: حدثنا اللـيث بن سعد, قال: ثنـي ابن الهاد, عن ابن شهاب, قال: قال سعيد بن الـمسيب: السائبة: التـي كانت تسيب فلا يحمل علـيها شيء. والبحيرة: التـي يـمنع درّها للطواغيت فلا يحلبها أحد. والوصيـلة: الناقة البكر تبكر أوّل نتاج الإبل بأنثى, ثم تثنـي بعد بأنثى, وكانوا يسمونها للطواغيت, يدعونها الوصيـلة, إن وصلت إحداهما بـالأخرى. والـحامي: فحل الإبل يضرب العشر من الإبل, فإذا نقص ضرابه يدعونه للطواغيت, وأعفوه من الـحمل, فلـم يحملوا علـيه شيئا, وسموه الـحامي.
وهذه أمور كانت فـي الـجاهلـية فأبطلها الإسلام, فلا نعرف قوما يعملون بها الـيوم. فإذا كان ذلك كذلك, وكان ما كانت الـجاهلـية تعمل به لا يوصل إلـى علـمه إذ لـم يكن له فـي الإسلام الـيوم أثر, ولا فـي الشرك نعرفه إلا بخبر, وكانت الأخبـار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلاف الذي ذكرنا فـالصواب من القول فـي ذلك أن يقال: أما معانـي هذه الأسماء, فما بـينا فـي ابتداء القول فـي تأويـل هذه الاَية. وأما كيفـية عمل القوم فـي ذلك, فما لا علـم لنا به. وقد وردت الأخبـار بوصف عملهم ذلك علـى ما قد حكينا, وغير ضائر الـجهل بذلك إذا كان الـمراد من علـمه الـمـحتاج إلـيه, موصلاً إلـى حقـيقته, وهو أن القوم كانوا مـحرمين من أنعامهم علـى أنفسهم ما لـم يحرمه الله اتبـاعا منهم خطوات الشيطان, فوبخهم الله تعالـى بذلك, وأخبرهم أن كلّ ذلك حلال, فـالـحرام من كلّ شيء عندنا, ما حرّم الله تعالـى ورسوله صلى الله عليه وسلم, بنصّ أو دلـيـل. والـحلال منه: ما أحلّه الله ورسوله كذلك.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ علـى اللّهِ الكَذِبَ وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ.
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنـيّ بـالذين كفروا فـي هذا الـموضع والـمراد بقوله: وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. فقال بعضهم: الـمعنـيّ بـالذين كفروا: الـيهود, وبـالذين لا يعقلون: أهل الأوثان. ذكر من قال ذلك:
10092ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن سفـيان, عن دواد بن أبـي هند, عن مـحمد بن أبـي موسى: وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ علـى اللّهِ الكَذِبَ قال: أهل الكتاب. وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ قال: أهل الأوثان.
وقال آخرون: بل هم أهل ملة واحدة, ولكن «الـمفترين» الـمتبوعون, و«الذين لا يعقلون»: الأتبـاع. ذكر من قال ذلك:
10093ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا خارجة, عن داود بن أبـي هند, عن الشعبـيّ فـي قوله: وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ علـى اللّهِ الكَذِبَ وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ هم الأتبـاع. وأما «الذين افتروا», يعقلون أنهم افتروا.
وأولـى الأقوال فـي ذلك عندنا بـالصواب أن يقال: إن الـمعنـيـين بقوله: وَلَكِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ علـى اللّهِ الكَذِبَ الذين بحروا البحائر, وسيبوا السوائب, ووصلوا الوصائل, وحموا الـحوامي مثل عمرو بن لـحي وأشكاله, مـمن سنوا لأهل الشرك السنن الرديئة وغيروا دين الله دين الـحقّ وأضافوا إلـى الله تعالـى أنه هو الذي حرّم ما حرّموا وأحلّ ما أحلوا, افتراء علـى الله الكذب وهم يعلـمون, واختلاقا علـيه الإفك وهم يعمهون. فكذّبهم الله تعالـى فـي قـيـلهم ذلك, وإضافتهم إلـيه ما أضافوا من تـحلـيـل ما أحلوا وتـحريـم ما حرموا, فقال تعالـى ذكره: ما جعلت من بحيرة ولا سائبة, ولكن الكفـار هم الذين يفعلون ذلك ويفترون علـى الله الكذب. وأن يقال: إن الـمعنـيـين بقوله وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ هم أتبـاع من سنّ لهم هذه السنن من جهلة الـمشركين, فهم لا شكّ أنهم أكثر من الذين لهم سنوا ذلك فوصفهم الله تعالـى بأنهم لا يعقلون, لأنهم لـم يكونوا يعقلون أن الذين سنوا لهم تلك السنن, وأخبروهم أنها من عند الله كذبة فـي إخبـارهم أفكة, بل ظنوا أنهم فـيـما يقولون مـحقون فـي إخبـارهم صادقون. وإنـما معنى الكلام: وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التـحريـم الذي حرّمه هؤلاء الـمشركون وأضافوه إلـى الله تعالـى كذب وبـاطل. وهذا القول الذي قلنا فـي ذلك نظير قول الشعبـيّ الذي ذكرناه, ولا معنى لقول من قال: عنـي بـالذي كفروا: أهل الكتاب, وذلك أن النكير فـي ابتداء الاَية من الله تعالـى علـى مشركي العرب, فـالـختـم بهم أولـى من غيرهم, إذ لـم يكن عرض فـي الكلام ما يصرف من أجله عنهم إلـى غيرهم. وبنـحو ذلك كان يقول قتادة.
10094ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ يقول: لا يعقلون تـحريـم الشيطان الذي يحرّم علـيهم, إنـما كان من الشيطان ولا يعقلون