تفسير الطبري تفسير الصفحة 146 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 146
147
145
 الآية : 138
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ هَـَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاّ يَطْعَمُهَآ إِلاّ مَن نّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.
وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن هؤلاء الجهلة من المشركين أنهم كانوا يحرّمون ويحلّلون من قِبَل أنفسهم من غير أن يكون الله أذن لهم بشيء من ذلك. يقول تعالى ذكره: وقال هؤلاء العادلون بربهم من المشركين جهلاً منهم, لأنعام لهم وحرث: هذه أنعام, وهذا حرث حجر, يعني بالأنعام والحرث ما كانوا جعلوه لله ولاَلهتهم التي قد مضى ذكرها في الاَية قبل هذه. وقيل: إن الأنعام: السائبة والوَصيلة والبحيرة التي سَمّوْا.
10900ـ حدثني بذلك محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: الأنعام: السائبة والبحيرة التي سموا.
والحِجْر في كلام العرب: الحرام, يقال: حجرت على فلان كذا: أي حرّمت عليه, ومنه قول الله: وَيَقُولُونَ حِجْرا مَحْجُورا. ومنه قول المتلمس:
حَنّتْ إلى النّخلَةِ القُصْوَى فقُلْتُ لهَاحِجْرٌ حَرامٌ ألا ثَم الدّهاريسُ
وقول رُؤبة:
جارَةُ البَيْتِ لهَا حُجْرِيّ
يعني: المحرم. ومنه قول الاَخر:
فَبِتّ مُرْتَفِقا والعَيْنُ ساهِرَةٌكأنّ نَوْمي عليّ اللّيْلَ مَحْجُورُ
أي حرام, يقال: حِجْر وحُجْر, بكسر الحاء وضمها. وبضمها كان يقرأ فيما ذكر الحسين وقتادة.
10901ـ حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي قال: ثني أبي, عن الحسين, عن قتادة, أنه كان يقرؤها: «وحَرْثٌ حُجْرٌ» يقول: حرام, مضمومة الحاء.
وأما القرّاء من الحجاز والعراق والشام فعلى كسرها, وهي القراءة التي لا أستجيز خلافها لإجماع الحجة من القرّاء عليها, وأنها اللغة الجُودَي من لغات العرب.
ورُوي عن ابن عباس أنه كان يقرؤها: «وحَرْثٌ حِرْجٌ» بالراء قبل الجيم.
10902ـ حدثني بذلك الحرث, قال: ثني عبد العزيز, قال: حدثنا ابن عيينة, عن عمرو, عن ابن عباس: أنه كان يقرؤها كذلك.
وهي لغة ثالثة معناها ومعنى الحجر واحد, وهذا كما قالوا: جذب وجبذ, وناء ونأى, ففي الحجر إذن لغات ثلاث: «حِجْر» بكسر الحاء والجيم قبل الراء, و«حُجُر» بضم الحاء والجيم قبل الراء, و«حِرْجٌ» بكسر الحاء والراء قبل الجيم.
وبنحو الذي قلنا في تأويل الحجر قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10903ـ حدثني عمران بن موسى القزّاز, قال: حدثنا عبد الوارث, عن حميد, عن مجاهد وأبي عمرو: وحَرْثٌ حِجْرٌ يقول: حرام.
10904ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: وَحَرْثٌ حِجْرٌ فالحجر: ما حرّموا من الوصيلة, وتحريم ما حرّموا.
10905ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَحَرْثٌ حِجْرٌ قال: حرام.
10906ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: هَذِهِ أنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ... الاَية, تحريم كان عليهم من الشياطين في أموالهم وتغليظ وتشديد, وكان ذلك من الشياطين ولم يكن من الله.
10907ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, أما قوله: وقالُوا هَذِهِ أنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ فيقولون: حرام أن نطعم إلا من شئنا.
10908ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هَذِهِ أنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ نحتجرها على من نريد وعمن لا نريد, لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم, قال: إنما احتجروا ذلك لاَلهتهم, وقالوا: لا يَطْعَمُها إلا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ قالوا: نحتجرها عن النساء, ونجعلها للرجال.
10909ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: أنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ أما حجر, يقول: محرّم. وذلك أنهم كانوا يصنعون في الجاهلية أشياء لم يأمر الله بها, كانوا يحرّمون من أنعامهم أشياء لا يأكلونها, ويعزلون من حرثهم شيئا معلوما لاَلهتهم, ويقولون: لا يحلّ لنا ما سمينا لاَلهتنا.
10910ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: أنْعامٌ وحَرْثٌ حِجْرٌ ما جعلوه لله ولشركائهم.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
القول في تأويل قوله تعالى: وأنْعامٌ حُرّمَتْ ظُهُورُها وأنْعامٌ لاَ يَذْكُرُونَ اسَمَ اللّهِ عَلَيْها افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كانُوا يَفْتَرُونَ.
يقول تعالى ذكره: وحرّم هؤلاء الجهلة من المشركين, ظهور بعض أنعامهم, فلا يركبون ظهورها, وهم ينتفعون برَسْلها ونِتاجها, وسائر الأشياء منها غير ظهورها للركوب, وحرّموا من أنعامهم أنعاما أخر فلا يحجون عليها ولا يذكرون اسم الله عليها إن ركبوها بحال ولا إن حلبوها ولا إن حملوا عليها.
وبما قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10911ـ حدثنا سفيان, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن عاصم, قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما أنعام لا يذكرون اسم الله عليها؟ قال: قلت: لا, قال: أنعام لا يحجون عليها.
حدثنا محمد بن عباد بن موسى, قال: حدثنا شاذان, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن عاصم, قال: قال لي أبو وائل: أتدري ما قوله: حُرّمَتْ ظُهُورُها وأنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّه عَلَيْها؟ قال: قلت: لا, قال: هي البحيرة كانوا لا يحجون عليها.
10912ـ حدثنا أحمد بن عمرو البصريّ, قال: حدثنا محمد بن سعيد الشهيد, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن عاصم, عن أبي وائل: وأنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْها قال: لا يحجون عليها.
10913ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, أما: أنْعامٌ حُرّمَتْ ظُهُورُها فهي البحيرة والسائبة والحام وأما الأنعام التي لا يذكرون اسم الله عليها, قال: إذا ولدوها, ولا إن نحروها.
10914ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, قوله: وأنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْها قال: كان من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها ولا في شيء من شأنها لا إن ركبوها, ولا إن حلبوا, ولا إن حملوا, ولا إن منحوا, ولا إن عملوا شيئا.
10915ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وأنعامٌ حُرّمَتْ ظُهورُها قال: لا يركبها أحد, وأنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْها.
وأما قوله: افْتِرَاءً على الله, فإنه يقول: فعل هؤلاء المشركون ما فعلوا من تحريمهم ما حرّموا, وقالوا ما قالوا من ذلك, كذبا على الله, وتخرّصا الباطلَ عليه لأنهم أضافوا ما كانوا يحرّمون من ذلك على ما وصفه عنهم جلّ ثناؤه في كتابه إلى أن الله هو الذي حرّمه, فنفى الله ذلك عن نفسه, وأكذبهم, وأخبر نبيه والمؤمنين أنهم كذبة فيما يزعمون. ثم قال عزّ ذكره: سَيَجْزيهِمْ يقول: سيثيبهم ربهم, بِمَا كانُوا يَفْتَرُونَ على الله الكذب ثوابهم, ويجزيهم بذلك جزاءهم.
الآية : 139
القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـَذِهِ الأنْعَامِ خَالِصَةٌ لّذُكُورِنَا وَمُحَرّمٌ عَلَىَ أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ }.
اختلف أهل التأويل في المعنىّ بقوله: ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ فقال بعضهم: عنى بذلك اللبن. ذكر من قال ذلك:
10916ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن عطية, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عبد الله بن أبي الهذيل, عن ابن عباس: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنَا قال: اللبن.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن ابن أبي الهذيل, عن ابن عباس مثله.
10917ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الأنْعام خالِصَةٌ لِذُكُورِنا ومُحَرّمٌ على أزْوَاجِنا ألبان البحائر كانت للذكور دون النساء, وإن كانت ميتة اشترك فيها ذكورهم وإناثهم.
10918ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: خالِصَةٌ لِذكُورنا ومُحَرّمٌ على أزْوَاجِنا قال: ما فِي بُطون البحائر: يعني ألبانها, كانوا يجعلونه للرجال دون النساء.
10919ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن زكريا, عن عامر, قال: البحيرة لا يأكل من لبنها إلا الرجال, وإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء.
10920ـ حدثني محمد بن سعد,قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورنا... الاَية, فهو اللبن كانوا يحرّمونه على إناثهم ويشربه ذكرانهم وكانت الشاة إذا ولدت ذكرا ذبحوه وكان للرجال دون النساء, وإن كانت أنثى تركب فلم تذبح, وإن كانت ميتة فهم فيه شركاء. فنهى الله عن ذلك.
وقال آخرون: بل عنى بذلك ما في بطون البحائر والسوائب من الأجنة. ذكر من قال ذلك:
10921ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هَذِهِ الأنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورنا ومُحَرّمٌ على أزْوَاجِنا وَإنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ فهذه الأنعام ما ولد منها من حيّ فهو خالص للرجال دون النساء وأما ما ولد من ميت فيأكله الرجال والنساء.
10922ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن ابن جريج, عن مجاهد: ما في بُطُونِ هَذِهِ الأنعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا السائبة والبحيرة.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الكفرة أنهم قالوا في أنعام بأعيانها: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا دون إناثنا. واللبن مما في بطونها, وكذلك أجنتها, ولم يخصص الله بالخبر عنهم أنهم قالوا بعض ذلك حرام عليهنّ دون بعض. وإذ كان ذلك كذلك, فالواجب أن يقال: إنهم قالوا ما في بطون تلك الأنعام من لبن وجنين حلّ لذكورهم خالصة دون إناثهم, وإنهم كانوا يؤثرون بذلك رجالهم, إلا أن يكون الذي في بطونها من الأجنة ميتا فيشترك حينئذٍ في أكله الرجال والنساء.
واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أنثت الخالصة, فقال بعض نحويي البصرة وبعض الكوفيين: أنثت لتحقيق الخلوص, كأنه لما حقق لهم الخلوص أشبه الكثرة, فجرى مجرى راوية ونسّابة. وقال بعض نحويي الكوفة: أنثت لتأنيث الأنعام, لأن ما في بطونها مثلها, فأنثت لتأنيثها. ومن ذكّره فلتذكير «ما» قال: وهي في قراءة عبد الله: «خالصٌ» قال: وقد تكون الخالصة في تأنيثها مصدرا, كما تقول العافية والعاقبة, وهو مثل قوله: إنّا أخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: أريد بذلك المبالغة في خلوص ما في بطون الأنعام التي كانوا حرّموا ما في بطونها على أزواجهم, لذكورهم دون إناثهم, كما فعل ذلك بالراوية والنسّابة والعلاّمة, إذا أريد بها المبالغة في وصف من كان ذلك من صفته, كما يقال: فلان خالصة فلان وخُلْصانه.
وأما قوله: ومُحَرّمٌ على أزْوَاجِنا فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنّي بالأزواج, فقال بعضهم: عنى بها النساء. ذكر من قال ذلك:
10923ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: ومُحَرّمٌ على أزْوَاجِنا قال: النساء.
وقال آخرون: بل عنى بالأزواج البنات. ذكر من قال ذلك:
10924ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: ومُحَرّمٌ على أزْوَاجنا قال: الأزواج: البنات. وقالوا: ليس للبنات منه شيء.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أخبر عن هؤلاء المشركين أنهم كانوا يقولون لما في بطون هذه الأنعام, يعني أنعامهم: هذا محرّم على أزواجنا. والأزواج إنما هي نساؤهم في كلامهم, وهن لا شكّ بنات من هن أولاده, وحلائل من هنّ أزواجه. وفي قول الله عزّ وجلّ: وَمَحَرّمٌ على أزواجِنا الدليل الواضح على أن تأنيث «الخالصة» كان لما وصفت من المبالغة في وصف ما في بطون الأنعام بالخلوصة للذكور, لأنه لو كان لتأنيث الأنعام لقيل: ومحرّمة على أزواجنا, ولكن لما كان التأنيث في الخالصة لما ذكرت, ثم لم يقصد في المحرّم ما قصد في الخالصة من المبالغة, رجع فيها إلى تذكير «ما», واستعمال ما هو أولى به من صفته.
وأما قوله: وَإنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ فاختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأه يزيد بن القعقاع وطلحة بن مصرّف في آخرين: «وَإنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ» بالتاء في «تكن» ورفع «ميتة», غير أن يزيد كان يشدّد الياء من ميتة, ويخففها طلحة.
10925ـ حدثني بذلك المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي حماد, قال: حدثنا عيسى, عن طلحة بن مصرف.
10926ـ وحدثنا أحمد بن يوسف, عن القاسم, وإسماعيل بن جعفر, عن يزيد.
وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والكوفة والبصرة: وَإنْ يَكُنْ مَيْتَةً بالياء وميتة بالنصب وتخفيف الياء. وكأنّ من قرأ: وَإنْ يَكُنْ بالياء مَيْتَةً بالنصب, أرادوا إن يكن ما في بطون تلك الأنعام, فذكّر «يكن» لتذكير «ما», ونصب «الميتة» لأنه خبر «يكن». وأما من قرأ: «وَإنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ» فإنه إن شاء الله أراد وإن يكن ما في بطونها ميتة, فأنث «تكن» لتأنيث «ميتة».
وقوله: فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ فإنه يعني أن الرجال وأزواجهم شركاء في أكله لا يحرّمونه على أحد منهم, كما ذكرنا عمن ذكرنا ذلك عنه قبل من أهل التأويل. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما:
10927ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد: وَإنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ قال: تأكل النساء مع الرجال, إن كان الذي يخرج من بطونها ميتة فهم فيه شركاء, وقالوا: إن شئنا جعلنا للبنات فيه نصيبا وإن شئنا لم نجعل.
وظاهر التلاوة بخلاف ما تأوّله ابن زيد, لأن ظاهرها يدلّ على أنهم قالوا: إن لم يكن ما في بطونها ميتة, فنحن فيه شركاء بغير شرط مشيئة. وقد زعم ابن زيد أنهم جعلوا ذلك إلى مشيئتهم.
القول في تأويل قوله تعالى: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إنّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.
يقول جلّ ثناؤه: سيجزي: أي سيثيب ويكافىء هؤلاء المفترين عليه الكذب في تحريمهم ما لم يحرّمه الله, وتحليلهم ما لم يحلله الله, وإضافتهم كذبهم في ذلك إلى الله. وقوله: وَصْفَهُمْ يعني بوصفهم الكذب على الله, وذلك كما قال جلّ ثناؤه في موضع آخر من كتابه: وَتَصِفُ ألْسِنَتُهُمْ الكَذِبَ والوصف والصفة في كلام العرب واحد, وهما مصدران مثل الوزن والزنة.
وبنحو الذي قلنا في معنى «الوصف» قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
10928ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن نجيح, عن مجاهد, في قوله: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ قال: قولهم الكذب في ذلك.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
10929ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نمير, عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس, عن أبي العالية: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ: أي كذبهم.
10930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ: أي كذبهم.
وأما قوله: حَكِيمٌ عَلِيمٌ فإنه يقول جلّ ثناؤه: إن الله في مجازاتهم على وصفهم الكذب وقيلهم الباطل عليه, حكيم في سائر تدبيره في خلقه, عليم بما يصلحهم وبغير ذلك من أمورهم.
الآية : 140
القول في تأويل قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوَاْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَآءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ }.
يقول تعالى ذكره: قد هلك هؤلاء المفترون على ربهم الكذب, العادلون به الأوثان والأصنام, الذين زيّن لم شركاؤهم قتل أولادهم, وتحريم ما حرّمت عليهم من أموالهم, فقتلوا طاعة لها أولادهم, وحرّموا ما أحلّ الله لهم, وجعله لهم رزقا من أنعامهم سفها منهم, يقول: فعلوا ما فعلوا من ذلك جهالة منهم بما لهم وعليهم, ونقص عقول, وضعف أحلام منهم, وقلة فهم بعاجل ضرّه وآجل مكروهه من عظيم عقاب الله عليه لهم. افْتِرَاءً على الله يقول: تكذيبا على الله وتخرّصا عليه الباطل. قَدْ ضَلّوا يقول: قد تركوا محجة الحقّ في فعلهم ذلك, وزالوا عن سواء السبيل. وَما كانُوا مُهْتَدِينَ يقول: ولم يكن فاعلو ذلك على هدى واستقامة في أفعالهم التي كانوا يفعلون قبل ذلك, وَلا كانُوا مُهْتَدِينَ للصواب فيها ولا موفقين له. ونزلت هذه الاَية في الذين ذكر الله خبرهم في هذه الاَيات, من قوله: وَجَعَلُوا لله مِمّا ذَرَأ مِنَ الحَرْثِ والأنْعامِ نَصِيبا الذين كانوا يبحرون البحائر, ويسيبون السوائب, ويئدون البنات. كما:
10931ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال عكرمة, قوله: الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ سَفَها بغيرِ عِلْمٍ قال: نزلت فيمن يئد البنات من ربيعة ومضر, كان الرجل يشترط على امرأته أن تستحيي جارية وتئد أخرى, فإذا كانت الجارية التي تُوأد غدا الرجل أو راح من عند امرأته وقال لها: أنت عليّ كظهر أمي إن رجعت إليك ولم تئديها فتخدّ لها في الأرض خَدّا, وترسل إلى نسائها فيجتمعن عندها, ثم يتداولنها, حتى إذا أبصرته راجعا دسّتها في حفرتها, ثم سوّت عليها التراب.
10932ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, ثم ذكر ما صنعوا في أولادهم وأموالهم, فقال: قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ سَفَها بغيرِ عِلْمٍ وحَرّموا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ.
10933ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ سَفَها بغير عِلْمٍ فقال: هذا صنيع أهل الجاهلية, كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة ويَغْذُو كلبه. وقوله: وَحَرّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ... الاَية, وهم أهل الجاهلية جعلوا بحيرة وسائبة ووصيلة وحاميا, تحكّما من الشياطين في أموالهم.
10934ـ حدثني الحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: إذا سرّك أن تعلم جهل العرب, فاقرأ ما بعد المائة من سورة الأنعام, قوله: قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ سَفَها بغيرِ عِلْمٍ... الاَية.
وكان أبو رزين يتأوّل قوله: قَدْ ضَلّوا أنه معنيّ به قد ضلوا قبل هؤلاء الأفعال من قتل الأولاد وتحريم الرزق الذي رزقهم الله بأمور غير ذلك.
10935ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن سفيان, عن الأعمش, عن أبي رزين, في قوله: قَدْ خَسِرَ الّذِينَ قَتَلُوا أوْلادَهُمْ... إلى قوله: قَدْ ضَلّوا قال: قد ضلوا قبل ذلك.
الآية : 141
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الّذِيَ أَنشَأَ جَنّاتٍ مّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنّخْلَ وَالزّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزّيْتُونَ وَالرّمّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ }.
وهذا إعلام من الله تعالى ذكره ما أنعم به عليهم من فضله, وتنبيه منه لهم على موضع إحسانه, وتعريف منه لهم ما أحلّ وحرّم وقسمَ في أموالهم من الحقوق لمن قسم له فيها حقّا. يقول تعالى ذكره: وربكم أيها الناس أنْشَأ: أي أحدث وابتدع خلقا, لا الاَلهة والأصنام, جَنّاتٍ يعني: بساتين, مَعْرُوشاتٍ وهي ما عرش الناس من الكروم, وغيرَ مَعْرُوشاتٍ: غير مرفوعات مبنيات, لا ينبته الناس ولا يرفعونه, ولكن الله يرفعه وينبته وينميه. كما:
10936ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: مَعْرُوشاتٍ يقول: مسموكات.
10937ـ وبه عن ابن عباس: وَهُوَ الّذِي أنْشأَ جَنّاتٍ مَعرُوشاتٍ وغيْرَ مَعْرُوشاتٍ فالمعروشات: ما عَرَش الناس وغير معروشات: ما خرج في البرّ والجبال من الثمرات.
10938ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: أما «جنات» فالبساتين وأما «المعروشات»: فما عُرِش كهيئة الكرم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس, قوله: وَهُوَ الّذِي أنْشأَ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ قال: ما يُعْرَش من الكروم. وغيرَ مَعْرُوشاتٍ قال: ما لا يعرش من الكرم.
القول في تأويل قوله تعالى: والنّخْلَ وَالزّرْعَ مُخْتَلِفا أُكُلُهُ والزّيْتُونَ والرّمّانَ مُتَشابها وغيرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَره إذَا أثْمَرَ.
يقول جلّ ثناؤه: وأنشأ النخل والزرع مختلفا أكله, يعني بالأُكل: الثمر, يقول: وخلق النخل والزرع مختلفا ما يخرج منه مما يؤكل من الثمر والحبّ والزيتون والرمان, متشابها وغير متشابه في الطعم, منه الحلو والحامض والمزّ كما:
10939ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قوله: مُتَشابِها وغيرَ مُتَشابِهٍ قال: متشابها في المنظر, وغير متشابه في الطعم.
وأما قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أْثمَرَ فإنه يقول: كلوا من رطبه ما كان رطبا ثمره. كما:
10940ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو همام الأهوازي, قال: حدثنا موسى بن عبيدة, عن محمد بن كعب, في قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَره إذَا أْثمَرَ قال: من رطبه وعنبه.
10941ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا محمد بن الزبرقان, قال: حدثنا موسى بن عبيدة في قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أثْمَرَ قال: من رطبه وعنبه.
القول في تأويل قوله تعالى: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ.
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: هذا أمر من الله بإيتاء الصدقة المفروضة من الثمر والحبّ. ذكر من قال ذلك:
10942ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا يونس, عن الحسن, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَاده قال: الزكاة.
10943ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا عبد الصمد, قال: حدثنا يزيد بن درهم, قال: سمعت أنس بن مالك يقول: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَاده قال: الزكاة المفروضة.
10944ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا معلى بن أسد, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, قال: حدثنا الحجاج بن أوطاة, عن الحكم, عن مجاهد, عن ابن عباس, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: العشر ونصف العشر.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن سعيد, عن حجاج, عن محمد بن عبيد الله, عن عبد الله بن شداد, عن ابن عباس: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: العشر ونصف العشر.
10945ـ حدثنا عمرو بن عليّ وابن وكيع وابن بشار, قالوا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إبراهيم بن نافع المكيّ, عن ابن عباس, عن أبيه, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: الزكاة.
10946ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا أبو هلال, عن حيان الأعرج, عن جابر بن زيد: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: الزكاة.
10947ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: أخبرنا يونس, عن الحسن, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: هي الصدقة. قال: ثم سئل عنها مرّة أخرى, فقال: هي الصدقة من الحبّ والثمار.
10948ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج, قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الله, عن عمرو بن سليمان وغيره, عن سعيد بن المسيب, أنه قال: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: الصدقة المفروضة.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: هي الصدقة من الحبّ والثمار.
10949ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ يعني بحقه: زكاته المفروضة, يوم يُكال أو يُعلم كيله.
10950ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِه وذلك أن الرجل كان إذا زرع فكان يوم حصاده, وهو أن يعلم ما كيله وحقه, فيخرج من كلّ عشرة واحدا, وما يلتقط الناس من سنبله.
10951ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وحقه يوم حصاده: الصدقة المفروضة, ذُكِر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم سنّ فيما سقت السماء أو العين السائحة, أو سقاه الطلّ والطلّ الندى أو كان بعلاً العشر كاملاً وإن سقى برشاء: نصف العشر. قال قتادة: وهذا فيما يكال من الثمرة, وكان هذا إذا بلغت الثمرة خمسة أوسق, وذلك ثلاث مئة صاع, فقد حقّ فيها الزكاة, وكانوا يستحبون أن يعطوا مما لا يكال من الثمرة على قدر ذلك.
10952ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة وطاوس: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قالا: هو الزكاة.
10953ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيم, عن الحجاج, عن سالم المكيّ, عن محمد ابن الحنفية, قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: يوم كيله, يعطي العشر أو نصف العشر.
حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن سالم المكيّ, عن محمد ابن الحنفية, قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: العشر, ونصف العشر.
10954ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن معمر, عن ابن طاوس, عن أبيه, وعن قتادة: وآتُوا حَقّهُ يَوْم حَصَادِهِ قالا: الزكاة.
حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أبو معاوية الضرير, عن الحجاج, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: العشر ونصف العشر.
حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن شريك, عن الحكم بن عتيبة, عن ابن عباس, مثله.
10955ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: أخبرنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك, يقول في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصادِهِ يعني: يوم كيله ما كان من برّ أو تمر أو زبيب. وحقه: زكاته.
10956ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أثْمَرَ, وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: كل منه, وإذا حصدته فآت حقه. وحقه: عشوره.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن يونس بن عبيد, عن الحسن أنه قال في هذه الاَية: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: الزكاة إذا كِلْته.
حدثنا عمرو, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي رجاء, قال: سألت الحسن, عن قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: الزكاة.
10957ـ حدثني ابن البرقي, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سألت ابن زيد بن أسلم عن قول الله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ فقلت له: هو العشور؟ قال: نعم, فقلت له: عن أبيك؟ قال: عن أبي وغيره.
وقال آخرون: بل ذلك حقّ أوجبه الله في أموال أهل الأموال, غير الصدقة المفروضة. ذكر من قال ذلك:
10958ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: حدثنا محمد بن جعفر, عن أبيه: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: شيئا سوى الحقّ الواجب. قال: وكان في كتابه «عن عليّ بن الحسين».
10959ـ حدثنا عمرو, قال: حدثنا يحيى, قال: حدثنا عبد الملك, عن عطاء, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: القبضة من الطعام.
10960ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جرير, عن عطاء: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: من النخل والعنب والحبّ كله.
10961ـ حدثنا ابن وكيع,قال: حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: أرأيت ما حصدت من الفواكه؟ قال: ومنها أيضا تؤتي. وقال: من كلّ شيء حصدت تؤتي منه حقه يوم حصاده, من نخل أو عنب أو حبّ أو فواكه أو خضر أو قصب, من كلّ شيء من ذلك. قلت لعطاء: أواجب على الناس ذلك كله؟ قال: نعم ثم تلا: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. قال: قلت لعطاء: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ هل في ذلك شيء مؤقت معلوم؟ قال: لا.
10962ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن عبد الملك, عن عطاء, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: يعطي من حصاده يومئذٍ ما تيسر, وليس بالزكاة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عيسى بن يونس, عن عبد الملك, عن عطاء: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حصَادِهِ قال: ليس بالزكاة, ولكن يطعم من حضره ساعتئذٍ حَصَده.
10963ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن العلاء بن المسيب, عن حماد: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: كانوا يعطون رطبا.
10964ـ حدثنا ابن حميد وابن وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن منصور, عن مجاهد: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: إذا حضرك المساكين طرحتَ لهم منه, وإذا أنقيته وأخذت في كيله حثوت لهم منه, وإذا علمت كيله عزلت زكاته, وإذا أخذت في جداد النخل طرحت لهم من التفاريق وإذا أخذت في كيله حثوت لهم منه, وإذا علمت كيله عزلت زكاته.
10965ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن ليث, عن مجاهد: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: سوى الفريضة.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن مجاهد: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: يُلِقي إلى السّؤّال عند الحصاد من السنبل, فإذا طبن أو طين الشكّ من أبي جعفر ألقى إليهم. فإذا حمله فأراد أن يجعله كُدْسا ألقى إليهم, وإذا داس أطعم منه, وإذا فرغ وعلم كم كيله عزل زكاته. وقال: في النخل عند الجَدَاد يطعم من الثمرة والشماريخ, فإذا كان عند كيله أطعم من التمر, فإذا فرغ عزل زكاته.
حدثنا عمرو بن عليّ ومحمد بن بشار, قالا: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: إذا حصد الزرع ألقى من السنبل, وإذا جلّ النخل ألقى من الشماريخ, فإذا كاله زكّاه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: عند الحصاد, وعند الدّياس, وعند الصرام يقبض لهم منه, فإذا كاله عزل زكاته.
وبه عن سفيان, عن مجاهد مثله, إلا أنه قال: سوى الزكاة.
حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: شيء سوى الزكاة في الحصاد والجداد, إذا حصدوا وإذا جدّوا.
10966ـ حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبي نجيح, في قول الله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: واجب حين يصرم.
حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن منصور, عن مجاهد أنه قال: قال في هذه الاَية: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: إذا حصد أطعم, وإذا أدخله البيدر, وإذا داسه أطعم منه.
10967ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن أشعث, عن ابن عمر, قال: يطعم المُعترّ سوى ما يعطي من العشر ونصب العشر.
وبه عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد, قال: قبضة عند الحصاد, وقبضة عند الجَدَاد.
10968ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص, عن أشعث, عن ابن سيرين, قال: كانوا يعطون من اعترّ بهم الشيء.
10969ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, قال: الضّغْث.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, قال: يعطي مثل الضغث.
حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا يحيى بن سعيد, قال: حدثنا سفيان, قال: حدثنا حماد, عن إبراهيم: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: مثل هذا من الضغث. ووضع يحيى إصبعه الإبهام على المفصل الثاني من السبّابة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, قال: نحو الضعث.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن إسرائيل, عن جابر, عن أبي جعفر, عن سفيان, عن حماد, عن إبراهيم, قال: يعطي ضغثا.
10970ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا كثير بن هشام, قال: حدثنا جعفر بن برقان, عن يزد بن الأصمّ, قال: كان النخل إذا صُرم يجيء الرجل بالعِذق من نخله فيعلقه في جانب المسجد, فيجيء المسكين فيضربه بعصاه, فإذا تناثر أكل منه. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن أو حسين, فتناول تمرة, فانتزعها من فيه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لايأكل الصدقة, ولا أهل بيته. فذلك قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ.
10971ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا خالد بن حيان, عن جعفر بن برقان, عن ميمون بن مهران, ويزيد بن الأصمّ, قالا: كان أهل المدينة إذا صَرموا يجيئون بالعذق فيضعونه في المسجد, ثم يجيء السائل فيضربه بعصاه, فيسقط منه, وهو قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ.
حدثنا عليّ بن سهل, قال: حدثنا زيد بن أبي الزرقاء, عن جعفر, عن يزيد وميمون, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قالا: كان الرجل إذا جدّ النخل يجيء بالعذق فيعلقه في جانب المسجد, فيأتيه المسكين فيضربه بعصاه, فيأكل ما يتناثر منه.
10972ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبيد الله, عن أبي جعفر الرازي, عن الربيع بن أنس: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: لَقَطُ السنبل.
10973ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن عبد الكريم الجزريّ, عن مجاهد, قال: كانوا يعلقون العذق في المسجد عند الصرام, فيأكل منه الضعيف.
وبه عن معمر, قال: قال مجاهد: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ يطعم الشيء عند صرامه.
10974ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن سالم, عن سعيد بن جبير: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: الضغث وما يقع من السنبل.
10975ـ وبه عن سالم, عن سعيد: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: العلف.
حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن شريك, عن سالم, عن سعيد, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: كان هذا قبل الزكاة للمساكين, القبضة والضغث لعلف دابته.
10976ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا محمد بن رفاعة, عن محمد بن كعب, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: ما قلّ منه أو كثر.
10977ـ حدثنا الحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيينة, عن ابن أبي نجيح: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: عند الزرع يعطي القبض, وعند الصرام يعطي القبض, ويتركهم فيتتبعون آثار الصرام.
وقال آخرون: كان هذا شيئا أمر الله به المؤمنين قبل أن تفرض عليهم الصدقة المؤقتة, ثم نسخته الصدقة المعلومة, فلا فرض في مال كائنا ما كان زرعا كان أو غرسا, إلا الصدقة التي فرضها الله فيه. ذكر من قال ذلك:
10978ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو معاوية, عن حجاج, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس, قال: نسخها العشر ونصف العشر.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حفص, عن الحجاج, عن الحكم, عن ابن عباس, قال: نسخها العشر ونصف العشر.
10979ـ وبه عن حجاج, عن سالم, عن ابن الحنفية, قال: نسخها العشر, ونصف العشر.
10980ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن سالم, عن سعيد بن جبير: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: هذا قبل الزكاة, فلما نزلت الزكاة نسختها, فكانوا يعطون الضغث.
10981ـ حدثنا ابن حميد وأبو وكيع, قالا: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: كانوا يفعلون ذلك حتى سنّ العشر ونصف العشر فلما سنّ العشر ونصف العشر ترك.
حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهديّ, قال: حدثنا سفيان, عن مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: هي منسوخة, نسختها العشر ونصف العشر.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفيان, عن المغيرة, عن إبراهيم: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: نسختها العشر ونصف العشر.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن سفيان, عن مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم, قال: نسختها العشر ونصف العشر.
10982ـ وبه عن سفيان, عن يونس, عن الحسن, قال: نسختها الزكاة.
10983ـ وبه عن سفيان, عن السديّ, قال: نسختها الزكاة: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ.
حدثني يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: هذه السورة مكية نسختها العشر ونصف العشر, قلت: عمن؟ قال: عن العلماء.
وبه عن سفيان, عن مغيرة, عن شباك, عن إبراهيم, قال: نسختها العشء ونصف العشر.
10984ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ, أما: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ فكانوا إذا مرّ بهم أحد يوم الحصاد أو الجداد أطعموه منه, فنسخها الله عنهم بالزكاة, وكان فيما أنبتت الأرض العشر ونصف العشر.
10985ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الأعلى, عن يونس, عن الحسن, قال: كانوا يرضخون لقرابتهم من المشركين.
10986ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أبيه, عن عطية: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: نسخه العشر ونصف العشر كانوا يعطون إذا حصدوا وإذا ذروا, فنسختها العشر ونصف العشر.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب, قول من قال: كان ذلك فرضا فرضه الله على المؤمنين في طعامهم وثمارهم التي تخرجها زروعهم وغروسهم, ثم نسخه الله بالصدقة المفروضة, والوظيفة المعلومة من العشر ونصف العشر وذلك أن الجميع مجمعون لا خلاف بينهم أن صدقة الحرث لا تؤخذ إلا بعد الدياس والتنقية والتذرية, وأن صدقة التمر لا تؤخذ إلا بعد الجفاف. فإذا كان ذلك كذلك, وكان قوله جلّ ثناؤه: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ينبىء عن أنه أمر من الله جلّ ثناؤه بإيتاء حقه يوم حصاده, وكان يوم حصاده هو يوم جدّه وقطعه والحبّ لا شكّ أنه في ذلك اليوم في سنبله, والثمر وإن كان ثمر نخل أو كرم غير مستحكم جفوفه ويبسه, وكانت الصدقة من الحبّ إنما تؤخذ بعد دياسه وتذريته وتنقيته كيلاً, والتمر إنما تؤخذ صدقته بعد استحكام يبسه وجفوفه كيلاً عُلم أن ما يؤخذ صدقة بعد حين حصده غير الذي يجب إيتاؤه المساكني يوم حصاده.
فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون ذلك إيجابا من الله في المال حقا سوى الصدقة المفروضة؟ قيل: لأنه لا يخلو أن يكون ذلك فرضا واجبا أو نفلاً, فإن يكن فرضا واجبا فقد وجب أن يكون سبيله سبيل الصدقات المفروضات التي من فرّط في أدائها إلى أهلها كان بربه آثما ولأمره مخالفا, وفي قيام الحجة بأن لا فرض لله في المال بعد الزكاة يجب وجوب الزكاة سوى ما يجب من النفقة لمن يلزم المرء نفقته ما ينبيء عن أن ذلك ليس كذلك. أو يكون ذلك نفلاً, فإن يكن ذلك كذلك فقد وجب أن يكون الخيار في إعطاء ذلك إلى ربّ الحرث والثمر, وفي إيجاب القائلين بوجوب ذلك ما ينبيء عن أن ذلك ليس كذلك. وإذا خرجت الاَية من أن يكون مرادا بها الندب, وكان غير جائز أن يكون لها مخرج في وجوب الفرض بها في هذا الوقت, علم أنها منسوخة. ومما يؤيد ما قلنا في ذلك من القول دليلاً على صحته, أنه جلّ ثناؤه أتبع قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ ومعلوم أن من حكم الله في عباده مذ فرض في أموالهم الصدقة المفروضة المؤقتة القدر, أن القائم بأخذ ذلك ساستهم ورعاتهم. وإذا كان ذلك كذلك, فما وجه نهي ربّ المال عن الإسراف في إيتاء ذلك, والاَخذ مجبرٌ, وإنما يأخذ الحقّ الذي فرض الله فيه؟.
فإن ظنّ ظانّ أن ذلك إنما هو نهي من الله القّيمَ بأخذ ذلك من الرعاة عن التعدّي في مال ربّ المال والتجاوز إلى أخذ ما لم يبح له أخذه, فإن آخر الاَية, وهو قوله: وَلا تُسْرِفُوا معطوف على أوّله وهو قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. فإن كان المنهي عن الإسراف القيم بقبض ذلك, فقد يجب أن يكون المأمور بإيتانه المنهي عن الإسراف فيه, وهو السلطان. وذلك قولٌ إن قاله قائل, كان خارجا من قول جميع أهل التأويل ومخالفا المعهود من الخطاب, وكفى بذلك شاهدا على خطئه.
فإن قال قائل: وما تنكر أن يكون معنى قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ: وآتوا حقه يوم كيله, لا يوم فَصْله وقطعه, ولا يوم جَدَاده وقطافه, فقد علمت من قال ذلك من أهل التأويل؟ وذلك ما:
10987ـ حدثنا يعقوب بن إبراهيم, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: يوم كيله.
10988ـ وحدثنا المثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيم, عن الحجاج, عن سالم المكيّ, عن محمد ابن الحنفية, قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: يوم كيله يعطي العشر ونصف العشر.
مع آخرين, قد ذُكرت الرواية فيما مضى عنهم بذلك؟ قيل: لأن يوم كيله غير يوم حصاده. ولن يخلو معنى قائلي هذا القول من أحد أمرين: إما أن يكونوا وجهوا معنى الحصاد إلى معنى الكيل, فذلك ما لا يعقل في كلام العرب لأن الحصاد والحصد في كلامهم الجدّ والقطع, لا الكيل. أو يكونوا وجهوا تأويل قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ إلى وآتوا حقه بعد يوم حصاده إذا كلتموه. فذلك خلاف ظاهر التنزيل, وذلك أن الأمر في ظاهر التنزيل بإيتاء الحقّ منه يوم حصاده لا بعد يوم حصاده. ولا فرق بين قائل: إنما عنى الله بقوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ بعد يوم حصاده, وآخر قال: عنى بذلك قبل يوم حصاده, لأنهما جميعا قائلان قولاً دليل ظاهر التنزيل بخلافه.
القول في تأويل قوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ.
اختلف أهل التأويل في الإسراف الذي نهى الله عنه بهذه الاَية, ومن المنهي عنه. فقال بعضهم: المنهيّ عنه: ربّ النخل والزرع والثمر والسرف الذي نهى الله عنه في هذه الاَية, مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف بربّ المال. ذكر من قال ذلك:
10989ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, قال: حدثنا عاصم, عن أبي العالية, في قوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا... الاَية, قال: كانوا يعطون شيئا سوى الزكاة, ثم تسارفوا, فأنزل الله: وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفينَ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا معتمر بن سليمان, عن عاصم الأحول, عن أبي العالية: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا سوى الزكاة, ثم تباروا فيه وأسرفوا, فقال الله: وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفينَ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: حدثنا معتمر بن سليمان, عن عاصم الأحول, عن أبي العالية: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ قال: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا, ثم تسارفوا, فقال الله: وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يِحِبّ المُسْرِفِينَ.
10990ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس, جَدّ نخلاً فقال: لا يأتينّ اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة, فقال الله: وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ.
10991ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج, قال: قلت لعطاء: وَلا تُسْرِفُوا يقول: لا تسرفوا فيما يؤتى يوم الحصاد, أم في كلّ شيء؟ قال: بلى في كلّ شيء ينهى عن السرف. قال: ثم عاودته بعد حين, فقلت: ما قوله: وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفينَ؟ قال: ينهى عن السرف في كل شيء. ثم تلا: لَمْ يُسْرِفُوا ولَمْ يَقْتُرُوا.
10992ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا سفيان بن حسين, عن أبي بشر, قال: أطاف الناس بإياس بن معاوية بالكوفة,فسألوه: ما السرف؟ فقال: ما تجاوز أمر الله فهو سرف.
10993ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَلا تُسْرِفُوا لا تعطوا أموالكم فتغدوا فقراء.
وقال آخرون: الإسراف الذي نهى الله عنه في هذا الموضع: منع الصدقة والحقّ الذي أمر الله ربّ المال بإيتائه أهله بقوله: وآتُوا حَقّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ. ذكر من قال ذلك:
10994ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا محمد بن بكر, عن ابن جريج, قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الله, عن عمرو بن سليم وغيره, عن سعيد بن المسيب, في قوله: وَلا تُسْرِفُوا قال: لا تمنعوا الصدقة فتعصوا.
10995ـ حدثنا عمرو بن عليّ, قال: حدثنا محمد بن الزبرقان, قال: حدثنا محمد بن عبيدة, عن محمد بن كعب: وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ والسرف: أن لا يعطي في حقّ.
وقال آخرون: إنما خوطب بهذا السلطان: نهي أن يأخذ من ربّ المال فوق الذي ألزم الله ماله. ذكر من قال ذلك:
10996ـ حدثنا يونس بن عبد الأعلى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال ابن زيد, في قوله: وَلا تُسْرِفُوا قال: قال للسلطان: لا تسرفوا, لا تأخذوا بغير حقّ فكانت هذه الاَية بين السلطان وبين الناس, يعني قوله: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إذَا أثْمَرَ... الاَية.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى بقوله: ولاَ تُسْرِفُوا عن جميع معاني الإسراف, ولم يخصص منها معنى دون معنى. وإذ كان ذلك كذلك, وكان الإسرف في كلام العرب: الإخطاء بإصابة الحقّ في العطية, إما بتجاوز حدّه في الزيادة وإما بتقصير عن حدّه الواجب كان معلوما أن المفرق ماله مباراة والباذله للناس حتى أجحفت به عطيته, مسرف بتجاوزه حدّ الله إلى ما كيفته له, وكذلك المقصر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه, وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهل سهمان الصدقة إذا وجبت فيه, أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله ما ألزمه منها, وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه. كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون, داخلون في معنى من أتى ما نهى الله عنه من الإسراف بقوله: وَلا تُسْرِفُوا في عطيتكم من أموالكم ما يجحف بكم, إذ كان ما قبله من الكلام أمرا من الله بإيتاء الواجب فيه أهله يوم حصاده, فإن الاَية قد كانت تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب خاص من الأمور والحكم بها على العامّ, بل عامة آي القرآن كذلك, فكذلك قوله: وَلا تُسْرِفُوا إنّهُ لا يُحِبّ المُسْرِفِينَ. ومن الدليل على صحة ما قلنا من معنى الإسراف أنه على ما قلنا قول الشاعر:
أعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدوها ثَمانِيَةٌما في عَطائِهِمُ مَنّ وَلا سَرَفُ
يعني بالسرف: الخطأ في العطية.
الآية : 142
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مّبِينٌ }.
يقول تعالى ذكره: وأنشأ من الأنعام حَمولة وفرشا, مع ما أنشأ من الجنات المعروشات وغير المعروشات. والحمولة: ما حمل عليه من الإبل وغيرها, والفرش: صغار الإبل التي لم تدرك أن يحمل عليها.
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك, فقال بعضهم: الحمولة: ما حمل عليه من كبار الإبل ومسانها والفرش: صغارها التي لا يحمل عليها لصغرها. ذكر من قال ذلك:
10997ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, في قوله: حَمُولَةً وفَرْشا قال: الحمولة: الكبار من الإبل وفَرْشا: الصغار من الإبل.
وقال: حدثنا أبي, عن أبي بكر الهذلي, عن عكرمة, عن ابن عباس: الحمولة هي الكبار, والفرش: الصغار من الإبل.
10998ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد, قال: الحمولة: ما حمل من الإبل, والفرش: ما لم يحمل.
وبه عن إسرائيل, عن خصيف, عن مجاهد: الحمولة: ما حمل من الإبل, والفرش: ما لم يحمل.
حدثني محمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قول الله: وَفَرْشا قال: صغار الإبل.
حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, في قوله: حَمُولَةً وَفَرْشا قال: الحمولة: الكبار, والفرش: الصغار.
حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن ابن مسعود في قوله: حَمُولَةً وَفَرْشا الحمولة: ما حمل من الإبل, والفرش: هنّ الصغار.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص عن عبد الله, أنه قال في هذه الاَية: حَمُولَةً وفَرْشا قال: الحمولة: ما حمل عليه من الإبل, والفرش: الصغار. قال ابن المثنى, قال محمد, قال شعبة: إنما كان حدثني سفيان عن ابن إسحاق.
10999ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا المعتمر بن سليمان, عن أبيه, قال: قال الحسن: الحمولة من الإبل والبقر.
وقال بعضهم: الحمولة من الإبل, وما لم يكن من الحمولة فهو الفرش.
11000ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن الحسن: حَمُولَةً وفَرْشا قال: الحمولة: ما حمل عليه, والفرش: حواشيها, يعني صغارها.
11001ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: حدثنا عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: وَمِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشا فالحمولة ما حمل من الإبل, والفرش: صغار الإبل, الفصيل وما دون ذلك مما لا يحمل.
ويقال: الحمولة: من البقر والإبل, والفرش: الغنم.
وقال آخرون: الحمولة: ما حمل عليه من الإبل والخيل والبغال وغير ذلك, والفرش: الغنم. ذكر من قال ذلك:
11002ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: وَمِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشا فأما الحمولة: فالإبل والخيل والبغال والحمير, وكلّ شيء يحمل عليه وأما الفرش: فالغنم.
11003ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبيد الله, عن أبي جعفر, عن الربيع بن أنس: الحمولة من الإبل: والبقر, وفرشا: المعز والضأن.
11004ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَمِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وفَرْشا قال: أما الحمولة: فالإبل والبقر. قال: وأما الفرش: فالغنم.
11005ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, كان غير الحسن يقول: الحمولة: الإبل والبقر, والفرش: الغنم.
11006ـ حدثني محمد بن الحسين, قال: حدثنا أحمد بن المفضل, قال: حدثنا أسباط, عن السديّ: وَمِنَ الأنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشا أما الحمولة: فالإبل. وأما الفرش: فالفُصلان والعجاجيل والغنم, وما حمل عليه فهو حمولة.
11007ـ حُدثت عن الحسين بن الفرج, قال: سمعت أبا معاذ, قال: حدثنا عبيد بن سليمان, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: حَمُولَةً وَفَرْشا الحمولة: الإبل, والفرش, الغنم.
11008ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن أبي بكر الهذلي, عن الحسن: وفَرْشا قال: الفرش: الغنم.
11009ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: حَمُولَةً وفَرْشا قال: الحمولة: ما تركبون, والفرش: ما تأكلون وتحلبون, شاة لا تحمل, تأكلون لحمها, وتتخذون من أصوافها لحافا وفرشا.
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الحمولة: هي ما حمل من الأنعام, لأن ذلك من صفتها إذا حملت, لا أنه اسم لها كالإبل والخيل والبغال فإذا كانت إنما سميت حمولة لأنها تحمل, فالواجب أن يكون كلّ ما حمل على ظهره من الأنعام فحمولة, وهي جمع لا واحد لها من لفظها, كالرّكوبة والجَزُورة. وكذلك الفرش إنما هو صفة لما لطف فقرب من الأرض جسمه, ويقال له الفرش. وأحسبها سميت بذلك تمثيلاً لها في استواء أسنانها ولطفها بالفرش من الأرض, وهي الأرض المستوية التي يتوطؤها الناس. فأما الحُمولة بضمّ الحاء: فإنها الأحمال, وهي الحُمُول أيضا بضم الحاء.
القول في تأويل قوله تعالى: كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلا تَتّبِعُوا خُطُوَاتِ الشّيْطانِ إنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ.
يقول جلّ ثناؤه: كلوا مما رزقكم الله أيها المؤمنون, فأحلّ لكم ثمرات حروثكم وغروسكم ولحوم أنعامكم, إذ حرّم بعض ذلك على أنفسهم المشركون بالله, فجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا, وللشيطان مثله, فقالوا: هذا لله بزعمهم, وهذا لشركائنا. وَلا تَتّبِعُوا خُطُوَاتِ الشّيْطانِ كما اتبعها باحرو البحيرة ومسيبو السوائب, فتحرموا على أنفسكم من طيب رزق الله الذي رزقكم ما حرموه, فتطيعوا بذلك الشيطان وتعصوا به الرحمن. كما:
11010ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَلا تَتّبِعُوا خُطُواتِ الشّيْطانِ: لا تتبعوا طاعته هي ذنوب لكم, وهي طاعة للخبيث.
إن الشيطان لكم عدوّ يبغي هلاككم وصدّكم عن سبيل ربكم, مُبِينٌ قد أبان لكم عدوانه بمناصبته أباكم بالعداوة, حتى أخرجه من الجنة بكيده وخدعه, وحسدا منه له وبغيا عليه