تفسير الطبري تفسير الصفحة 161 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 161
162
160
 الآية : 82
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَن قَالُوَاْ أَخْرِجُوهُمْ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وما كان جواب قوم لوط للوط إذ وبخهم علـى فعلهم القبـيح وركوبهم ما حرّم الله علـيهم من العمل الـخبـيث إلا أن قال بعضهم لبعض: أخرجوا لوطا وأهله ولذلك قـيـل: أخرجوهم, فجمع وقد جرى قبل ذكر لوط وحده دون غيره. وقد يحتـمل أن يكون إنـما جمع بـمعنى: أخرجوا لوطا ومن كان علـى دينه من قريتكم, فـاكتفـى بذكر لوط فـي أوّل الكلام عن ذكر أتبـاعه, ثم جمع فـي آخر الكلام, كما قـيـل: يا أيّها النّبِـيّ إذَا طَلّقْتُـمُ النّساءَ وقد بـيّنا نظائر ذلك فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ يقول: إن لوطا ومن تبعه أناس يتنزّهون عما نفعله نـحن من إتـيان الرجال فـي الأدبـار.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11587ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن سعيد النـخعي, عن الـحجاج, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: من أدبـار الرجال وأدبـار النساء.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن مـجاهد: إنّهُم أُناسٌ يَتطَهّرُونَ من أدبـار الرجال وأدبـار النساء.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد, عن الـحجاج, عن القاسم بن أبـي بزة, عن مـجاهد فـي قوله: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: يتطهرون من أدبـار الرجال والنساء.
11588ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الـحسن بن عمارة, عن الـحكم, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي قوله: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: من أدبـار الرجال ومن أدبـار النساء.
11589ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ قال: يتـحرّجون.
11590ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: إنّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهّرُونَ يقول: عابوهم بغير غيب, وذموهم بغير ذم.
الآية : 83
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما أبى قوم لوط مع توبـيخ لوط إياهم علـى ما يأتون من الفـاحشة, وإبلاغه إياهم رسالة ربه بتـحريـم ذلك علـيهم, إلا التـمادي فـي غيهم, أنـجينا لوطا وأهله الـمؤمنـين به إلا امرأته فإنها كانت للوط خائنة وبـالله كافرة.
وقوله: مِنَ الغابِرينَ يقول: من البـاقـين. وقـيـل «من الغابرين» ولـم يقل «الغابرات», لأنه يريد أنها مـمن بقـي مع الرجال, فلـما ضمّ ذكرها إلـى ذكر الرجال قـيـل من الغابرين, والفعل منه: غَبَرَ يَغْبُرُ غُبُورا وغَبْرا, وذلك إذا بقـي كما قال الأعشى:
عَضّ بِـمَا أبْقَـى الـمَوَاسِي لَهُمِنْ أمّهِ فِـي الزّمَنِ الغابِرِ
وكما قال الاَخر:
وأبِـي الّذي فَتَـحَ البِلادَ بسَيْفِهِفَأذَلّها لِبَنِـي أبـانَ الغابِرِ
يعنـي: البـاقـي.
فإن قال قائل: فكانت امرأة لوط مـمن نـجا من الهلاك الذي هلك به قوم لوط؟ قـيـل: لا, بل كانت فـيـمن هلك. فإن قال: فكيف قـيـل: إلاّ امْرأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ وقد قلت إن معنى الغابر البـاقـي, فقد وجب أن تكون قد بقـيت؟ قـيـل: إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إلـيه وإنـما عنى بذلك: إلا مرأته كانت من البـاقـين قبل الهلاك والـمعمرين الذين قد أتـى علـيهم دهر كبـير ومرّ بهم زمن كثـير, حتـى هرمت فـيـمن هرم من الناس, فكانت مـمن غبر الدهر الطويـل قبل هلاك القوم, فهلكت مع من هلك من قوم لوط حين جاءهم العذاب. وقـيـل: معنى ذلك: من البـاقـين فـي عذاب الله. ذكر من قال ذلك:
11591ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: إلاّ عَجُوزًا فِـي الغابِرينَ: فـي عذاب الله.
الآية : 84
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مّطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وأمطرنا علـى قوم لوط الذين كذّبوا لوطا ولـم يؤمنوا به مطرا من حجارة من سجيـل أهلكناهم به. فـانُظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الـمُـجْرِمِينَ يقول جلّ ثناؤه: فـانظر يا مـحمد إلـى عاقبة هؤلاء الذين كذّبوا الله ورسوله من قوم لوط, فـاجترموا معاصي الله وركبوا الفواحش واستـحلوا ما حرّم الله من أدبـار الرجال, كيف كانت وإلـى أي شيء صارت هل كانت إلا البوار والهلاك؟ فإن ذلك أو نظيره من العقوبة, عاقبة من كذّبك واستكبر عن الإيـمان بـالله وتصديقك إن لـم يتوبوا, من قومك.
الآية : 85
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيّنَةٌ مّن رّبّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُمْ مّؤْمِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وأرسلنا إلـى ولد مدين. ومدين: هم ولد مدين بن إبراهيـم خـلـيـل الرحمن, فـيـما:
11592ـ حدثنا به ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق.
فإن كان الأمر كما قال: فمدين قبـيـلة كتـميـم. وزعم أيضا ابن إسحاق أن شعيبـا الذي ذكر الله أنه أرسله إلـيهم من ولد مدين هذا, وأنه شعيب بن ميكيـل بن يشجر, قال: واسمه بـالسريانـية بثرون.
فتأويـل الكلام علـى ما قاله ابن إسحاق: ولقد أرسلنا إلـى ولد مدين أخاهم شعيب بن ميكيـل, يدعوهم إلـى طاعة الله والانتهاء إلـى أمره وترك السعي فـي الأرض بـالفساد والصدّ عن سبـيـله, فقال لهم شعيب: يا قوم اعبدوا الله وحده لا شريك له, ما لكم من إله يستوجب علـيكم العبـادة غير الإله الذي خـلقكم وبـيده نفعكم وضرّكم. قَدْ جاءَتْكُمْ بَـيّنَةٌ مِنْ رَبّكُمْ يقول: قد جاءتكم علامة وحجة من الله بحقـيقة ما أقول وصدق ما أدعوكم إلـيه. فَأَوْفُوا الكَيْـلَ والـمِيزَانَ يقول: أتـموا للناس حقوقهم بـالكيـل الذي تكيـلون به وبـالوزن الذي تزنون به. وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ يقول ولا تظلـموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياها. ومن ذلك قولهم: تـحسبها حمقاء وهي بـاخسة, بـمعنى ظالـمة, ومنه قول الله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يعنـي به: رديء.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11593ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: وَلا نَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهّمْ يقول: لا تظلـموا الناس أشياءهم.
11594ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهمْ: قال: لا تظلـموا الناس أشياءهم.
وقوله: وَلا تُفْسِدُوا فِـي الأرْض يقول: ولا تعملوا فـي أرض الله بـمعاصيه وما كنتـم تعملونه قبل أن يبعث الله إلـيكم نبـيه, من عبـادة غير الله والإشراك به وبخس الناس فـي الكيـل والوزن. بَعْدَ إصْلاحِها يقول: بعد أن قد أصلـح الله الأرض بـابتعاث النبـيّ علـيه السلام فـيكم, ينهاكم عما لا يحلّ لكم وما يكرهه الله لكم. ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ يقول: هذا الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من إخلاص العبـادة لله وحده لا شريك له وإيفـاء الناس حقوقهم من الكيـل والوزن وترك الفساد فـي الأرض, خير لكم فـي عاجل دنـياكم وآجل آخرتكم عند الله يوم القـيامة. إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: إن كنتـم مصدقـيّ فـيـما أقول لكم وأودّي إلـيكم عن الله من أمره ونهيه.
الآية : 86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُوَاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثّرَكُمْ وَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }.
يعنـي بقوله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ: ولا تـجلسوا بكلّ طريق وهو الصراط توعدون الـمؤمنـين بـالقتل. وكانوا فـيـما ذكر يقعدوه علـى طريق من قصد شعيبـا وأراده لـيؤمن به, فـيتوعدونه ويخوّفونه ويقولون: إنه كذّاب. ذكر من قال ذلك:
11595ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ قال: كانوا يوعدون من أتـى شعيبـا وغشيه فأراد الإسلام.
11596ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تَقْعَدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ والصراط: الطريق, يخوّفون الناس أن يأتوا شعيبـا.
11597ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ قال: كانوا يجلسون فـي الطريق, فـيخبرون من أتـى علـيهم أن شعيبـا علـيه السلام كذّاب, فلا يفتنْكم عن دينكم.
11598ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله تعالـى: بِكُرّ صِراطٍ تُوعِدُونَ: كلّ سبـيـل حقّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.
11599ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ كانوا يقعدون علـى كلّ طريق يوعدون الـمؤمنـين.
11600ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن قـيس, عن السديّ: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ قال: العشّارون.
11601ـ حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا حجاج, قال: حدثنا أبو جعفر الرازي, عن الربـيع بن أنس, عن أبـي العالـية, عن ابـي هريرة أو غيره, شكّ أبو جعفر الرازي قال: أتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيـلة أُسري به علـى خشبة علـى الطريق لا يـمرّ بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته, قال: «ما هَذَا يا جُبْريـلُ؟» قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون علـى الطريق فـيقطعونه ثم تلا: وَلا تَقْعُدُوا بكُلّ صِرَاطٍ تُوعَدُونَ وَتَصُدّونَ.
وهذا الـخبر الذي ذكرناه عن أبـي هريرة يدلّ علـى أن معناه كان عند أبـي هريرة أن نبـيّ الله شعيبـا إنـما نهى قومه بقوله: وَلا تَقْعُدُا بِكُلّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ عن قطع الطريق, وأنهم كانوا قطاع الطريق. وقـيـل: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلّ صِراطٍ تُوعِدُونَ ولو قـيـل فـي غير القرآن: لا تقعدوا فـي كل صراط كان جائزا فصيحا فـي الكلام وإنـما جاز ذلك لأن الطريق لـيس بـالـمكان الـمعلوم, فجاز ذلك كما جاز أن يقال: قعد له بـمكان كذا, وعلـى مكان كذا, وفـي مكان كذا. قال: تُوعِدونَ ولـم يقل: «تعدون», لأن العرب كذلك تفعل فـيـما أبهمت ولـم تفصح به من الوعيد, تقول: «أوعدته» بـالألف «وتقدّم منـي إلـيه وعيد», فإذا بـينتْ عما أوعدت وأفصحت به, قالت: «وعدته خيرا, ووعدته شرّا» بغير ألف, كما قال جلّ ثناؤه: النّارُ وَعَدَها اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا.
وأما قوله: وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ فإنه يقول: وتردّون عن طريق الله وهو الردّ عن الإيـمان بـالله والعمل بطاعته من آمن به, يقول: تردّون عن طريق الله من صدّق بـالله ووحده. وتَبْغُونَها عِوَجا يقول: وتلتـمسون لـمن سلك سبـيـل الله وآمن به وعمل بطاعته, عوجا عن القصد والـحقّ إلـى الزّيغ والضلال. كما:
11602ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ قال: أهلها, وتَبْغُونَها عِوَجا تلتـمسون لها الزيغ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
11603ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وتَبْغُونَها عِوَجا قال: تبغون السبـيـل عن الـحقّ عوجا.
11604ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَتَصُدّونَ عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ عن الإسلام تبغون السبـيـل عِوَجا: هلاكا.
وقوله: وَاذْكُرُوا إذْ كُنْتُـمْ قَلِـيلاً فَكَثّرَكُمْ يذكرهم شعيب نعمة الله عندهم بأن كثر جماعتهم بعد أن كانوا قلـيلاً عددهم, وأن رفعهم من الذلة والـخساسة. يقول لهم: فـاشكروا الله الذي أنعم علـيكم بذلك وأخـلصوا له العبـادة, واتقوا عقوبته بـالطاعة, واحذروا نقمته بترك الـمعصية. وَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الـمُفْسِدِينَ يقول: وانظروا ما نزل بـمن كان قبلكم من الأمـم حين عتوا علـى ربهم وعصوا رسله من الـمثلات والنقمات, وكيف وجدوا عقبى عصيانهم إياه, ألـم يهلك بعضهم غرقا بـالطوفـان وبعضهم رجما بـالـحجارة وبعضهم بـالصيحة؟ والإفساد فـي هذا الـموضع معناه: معصية الله.
الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مّنكُمْ آمَنُواْ بِالّذِيَ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتّىَ يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ }.
يعنـي بقوله تعالـى ذكره: وَإنْ كان طائِفَةً مِنْكُمْ وإن كانت جماعة منكم وفرقة آمنوا, يقول: صدّقوا, بـالّذِي أرْسِلَتُ بِهِ من إخلاص العبـادة لله وترك معاصيه وظلـم الناس وبخسهم فـي الـمكايـيـل والـموازين, فـاتبعونـي علـى ذلك. وَطائِفَةٌ لَـمْ يُؤْمِنُوا يقول: وجماعة أخرى لـم يصدّقوا بذلك, ولـم يتبعونـي علـيه. فـاصْبِرُوا حتـى يَحْكُمَ اللّهُ بَـيْنَنا يقول: فـاحتبسوا علـى قضاء الله الفـاصل بـيننا وبـينكم. وَهُوَ خَيْرُ الـحاكمِينَ يقول: والله خير من يفصل وأعدل من يقضي, لأنه لا يقع فـي حكمه ميـل إلـى أحد, ولا مـحابـاة لأحد والله أعلـم