تفسير الطبري تفسير الصفحة 165 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 165
166
164
 الآية : 120-122
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأُلْقِيَ السّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوَاْ آمَنّا بِرَبّ الْعَالَمِينَ * رَبّ مُوسَىَ وَهَارُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: وألقـي السحرة عندما عاينوا من عظيـم قدرة الله, ساقطين علـى وجوههم, سجدا لربهم, يقولون: آمنا بربّ العالـمين, يقولون صدّقنا بـما جاءنا به موسى, وأن الذي علـينا عبـادته هو الذي يـملك الـجنّ والإنس وجميع الأشياء, وغير ذلك, ويدبّر ذلك كله, رب موسى وهارون, لا فرعونُ. كالذي:
11683ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـما رأت السّحَرة ما رأت, عرفت أن ذلك أمر من السماء ولـيس بسحر, خرّوا سجدا, وقالوا: آمنا بربّ العالـمين ربّ موسى وهارون.
الآية : 123
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنّ هَـَذَا لَمَكْرٌ مّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: قال فرعون للسحرة إذ آمنوا بـالله, يعنـي صدّقوا رسوله موسى علـيه السلام لـما عاينوا من عظيـم قدرة الله وسلطانه: آمنتـم يقول: أصدقتـم بـموسى وأقررتـم بنبوّته, قبل أن أذن لكم بـالإيـمان به. إن هذا يقول: تصديقكم إياه, وإقراركم بنبوّته, لـمكرٌ مكرتـمُوهُ فـي الـمَدينةِ يقول لـخُدْعة خدعتـم بها من فـي مدينتنا لتـخرجوهم منها. فَسَوْفَ تَعْلَـمونَ ما أفعل بكم, وتلقون من عقابـي إياكم علـى صنـيعهم هذا. وكان مكرهم ذلك فـيـما:
11684ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, فـي حديث ذكره عن أبـي مالك وعلـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, وعن مُرّة, عن ابن مسعود, وعن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: التقـي موسى وأمير السّحَرة, فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بـي وتشهد أن ما جئتُ به حقّ؟ قال السّاحر: لاَتـينّ غدا بسحر لا يغلبه سحر, فوالله لئن غلبتنـي لأومننّ بك ولأشهدنّ أنك حقّ وفرعون ينظر إلـيهم فهو قول فرعون: إنّ هَذَا لـمَكْرٌ مَكَرْتُـمُوهُ فِـي الـمَدِينَةِ إذ التقـيتـما لتظاهرا فتـخرجا منها أهلها.
الآية : 124
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاُقَطّعَنّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ ثُمّ لاُصَلّبَنّكُمْ أَجْمَعِينَ }..
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قِـيـل فرعون للسحرة إذ آمنوا بـالله وصدّقوا رسوله موسى: لأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وذلك أن يقطع من أحدهم يده الـيـمنى ورجله الـيسرى, أو يقطع يده الـيسرى ورجله الـيـمنى, فـيخالف بـين العضوين فـي القطع, فمخالفته فـي ذلك بـينهما هو القطع من خلاف.
ويقال: إن أوّل من سنّ هذا القطع فرعون. ثُم لأُصَلّبَنّكُمْ أجمَعِينَ وإنـما قال هذا فرعون, لـما رأى من خذلان الله إياه وغلبة موسى علـيه السلام وقهره له.
11685ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو داود الـحَفَريّ وحَبّوية الرازيّ, عن يعقوب القميّ, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: لأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمّ وأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلاف ثُمّ لأُصَلّبَنّكُمْ أجمَعِينَ قال: أوّل من صلب وأوّل من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعونُ.
الآية : 125-126
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ إِنّآ إِلَىَ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ * وَمَا تَنقِمُ مِنّآ إِلاّ أَنْ آمَنّا بِآيَاتِ رَبّنَا لَمّا جَآءَتْنَا رَبّنَآ أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفّنَا مُسْلِمِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: قال السحرة مـجيبة لفرعون, إذ توعدهم بقطع الأيدي والأرجل من خلاف, والصلب: إنّا إلـى رَبّنا مُنْقَلِبُونَ يعنـي بـالانقلاب إلـى الله الرجوع إلـيه والـمصير. وقوله: وَما تَنْقِمُ مِنّا إلاّ أنْ آمَنّا بآياتِ رَبّنا يقول: ما تنكر منا يا فرعون وما تـجد علـينا, إلا من أجل أن آمنا: أي صدّقنا بآيات ربنا, يقول: بحجج ربنا وأعلامه وأدلته التـي لا يقدر علـى مثلها أنت, ولا أحد سوى الله, الذي له ملك السموات والأرض. ثم فزعوا إلـى الله, بـمسئلته الصبر علـى عذاب فرعون, وقبض أرواحهم علـى الإسلام, فقالوا: رَبّنا أفْرغْ عَلَـيْنا صَبْرا يعنون بقولهم: أفرغ: أنزل علـينا حبسا يحبسنا عن الكفر بك عند تعذيب فرعون إيانا. وَتَوَفّنا مُسْلِـمِينَ يقول: واقبضنا إلـيك علـى الإسلام, دين خـلـيـلك إبراهيـم صلى الله عليه وسلم, لا علـى الشرك بك.
11686ـ فحدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط عن السديّ: لأُقَطّعَنّ أيْدِيَكُمْ وأرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ فقتلهم وصَلَبهم, كما قال عبد الله بن عبـاس حين قالوا: رَبّنا أفْرغْ عَلَـيْنا صَبْرا وَتَوَفّنا مُسْلِـمِينَ قال: كانوا فـي أوّل النهار سحرة, وفـي آخر النهار شهداء.
11687ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن عبد العزيز بن رفـيع, عن عبـيد بن عمير, قال: كانت السحرة أوّل النهار سحرة, وآخر النهار شهداء.
11688ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأُلْقِـيَ السّحَرَةُ ساجِدِينَ قال: ذكر لنا أنهم كانوا فـي أوّل النهار سحرة, وآخره شهداء.
11689ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: رَبّنا أفْرِغْ عَلَـيْنا صَبْرا وَتَوَفّنا مُسْلِـمِينَ قال: كانوا أوّل النهار سحرة, وآخره شهداء.
الآية : 127
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىَ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَآءَهُمْ وَإِنّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: وقالت جماعة رجال من قوم فرعون لفرعون: أتدع موسى وقومه من بنـي إسرائيـل لـيفسدوا فـي الأرض, يقول: كي يفسدوا خدمك وعبـيدك علـيك فـي أرضك من مصر, وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ يقول: ويذرك: ويدع خدمتك موسى, وعبـادتك وعبـادة آلهتك.
وفـي قوله: وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ وجهان من التأويـل: أحدهما أتذر موسى وقومه لـيفسدوا فـي الأرض وقد تركك وترك عبـادتك وعبـادة آلهتك؟ وإذا وجه الكلام إلـى هذا الوجه من التأويـل كان النصب فـي قوله: وَيَذَرَكَ علـى الصرف, لا علـى العطف به علـى قوله «لـيفسدوا». والثانـي: أتذر موسى وقومه لـيفسدوا فـي الأرض ولـيذرك وآلهتك كالتوبـيخ منهم لفرعون علـى ترك موسى لـيفعل هذين الفعلـين. وإذا وجه الكلام إلـى هذا الوجه كان نصب: وَيَذَرَكَ علـى العطف علـى لـيُفْسِدُوا.
والوجه الأوّل أولـى الوجهين بـالصواب, وهو أن يكون نصب: وَيَذَرَكَ علـى الصرف, لأن التأويـل من أهل التأويـل به جاء.
وبعد, فإن فـي قراءة أُبـيّ بن كعب الذي:
11690ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج عن هارون, قال: فـي حرف أبـيّ بن كعب: وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك.
دلالة واضحة علـى أن نصب ذلك علـى الصرف.
وقد روى عن الـحسن البصريّ أنه كان يقرأ ذلك: وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ عطفـا بقوله: وَيَذَرَكَ علـى قوله: أتَذَرُ مُوسَى كأنه وجّه تأويـله إلـى: أتذرُ موسى وقومه ويذرك وآلهتك لـيفسدوا فـي الأرض؟ وقد تـحتـمل قراءة الـحسن هذه أن يكون معناها: أتذرُ موسى وقومه لـيفسدوا فـي الأرض وهو يذرُك وآلهتك؟ فـيكون «يذرُك» مرفوعا علـى ابتداء الكلام.
وأما قوله: وآلِهَتَكَ فإن قرّاء الأمصار علـى فتـح الألف منها ومدّها, بـمعنى: وقد ترك موسى عبـادتك وعبـادة آلهتك التـي تعبدها. وقد ذكر عن ابن عبـاس أنه كان له بقرةٌ يعبدوها. وقد رُوى عن ابن عبـاس ومـجاهد أنهما كانا يقرآنها: «وَيَذَرَكَ وإلا هَتَكَ» بكسر الألف, بـمعنى: ويذرك وعبُودتك.
والقراءة التـي لا نرى القراءة بغيرها, هي القراءة التـي علـيها قرّاء الأمصار لإجماع الـحجة من القراء علـيها.
ذكر من قال: كان فرعون يعبُد آلهة علـى قراءة من قرأ: وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ:
11691ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ وآلهته فـيـما زعم ابن عبـاس, كانت البقرة كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها, فلذلك أخرج لهم عجلاً وبقرة.
11692ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو سفـيان, عن عمرو, عن الـحسن, قال: كان لفرعون جُمَانة معلقة فـي نـحره يعبدها ويسجد لها.
11693ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا أبـان بن خالد, قال: سمعت الـحسن يقول: بلغنـي أن فرعون كان يعبد إلها فـي السرّ. وقرأ: «وَيَذَرَكَ وآلِهَتَكَ».
حدثنا مـحمد بن سنان, قال: حدثنا أبو عاصم, عن أبـي بكر, عن الـحسن, قال: كان لفرعون إله يعبده فـي السرّ.
ذكر من قال معنى ذلك: ويذرك وعبـادتك, علـى قراءة من قرأ: «وإلاهتك»:
11694ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عن مـحمد بن عمرو, عن الـحسن, عن ابن عبـاس: «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ» قال: إنـما كان فرعون يُعبد ولا يعَبد.
قال ثنا أبـي, عن نافع, عن ابن عمر, عن عمرو بن دينار, عن ابن عبـاس أنه قرأ: «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ» قال: وعبـادتك, ويقول إنه كان يُعبد ولا يَعبد.
11695ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ» قال: يترك عبـادتك.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل عن عمرو بن دينار, عن ابن عبـاس أنه كان يقرأ: «وإلاهَتَكَ» يقول: وعبـادتك.
11696ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ» قال: عبـادتك.
حدثنا سعيد بن الربـيع الرازي, قال: حدثنا سفـيان, عن عمرو بن دينار, عن مـحمد بن عمرو بن حسين, عن ابن عبـاس, أنه كان يقرأ: «وَيَذَرَكَ وإلاهَتَكَ» وقال: إنـما كان فرعون يُعبد ولا يَعبد.
وقد زعم بعضهم: أن من قرأ: «وإلاهَتَكَ» إنـما يقصد إلـى نـحو معنى قراءة من قرأ: وآلِهَتَكَ غير أنه أنث وهو يريد إلها واحدا, كأنه يريد «وَيَذَرَكَ وإلاهَكَ» ثم أنث الإله فقال: «وإلاهتك».
وذكر بعض البصريـين أن أعرابـيا سُئِل عن الإلاهة فقال: «هي عَلَـمة» يريد علـما, فأنث «العلـم», فكأنه شيء نصب للعبـادة يُعبد. وقد قالت بنت عتـيبة بن الـحارث الـيربوعي:
تَرَوّحْنا منَ اللّعْبـاءِ عَصْراوأعْجَلْنا الإلاهَةَ أنْ تَئُوبـا
يعنـي بـالإلاهة فـي هذا الـموضع: الشمس. وكأن هذا الـمتأوّل هذا التأويـل, وجّه الإلاهة إذا أدخـلت فـيها هاء التأنـيث, وهو يريد واحد الاَلهة, إلـى نـحو إدخالهم الهاء فـي وِلْدَتِـي وكَوْكَبَتِـي ومَاءَتـي, وهو أهْلَة ذاك, وكما قال الراجز:
يا مُضَرُ الـحَمْرَاءِ أنْتِ أُسْرَتِـيوَأنْتِ مَلْـجاتِـي وأنْتِ ظَهْرَتـي
يريد: ظهري. وقد بـين ابن عبـاس ومـجاهد ما أرادا من الـمعنى فـي قراءتهما ذلك علـى ما قرآ, فلا وجه لقول هذا القائل ما قال مع بـيانهما عن أنفسهما ما ذهبـا إلـيه من معنى ذلك.
وقوله: قالَ سَنُقَتّلُ أبْناءَهُمْ يقول: قال فرعون: سنقتل أبناءهم الذكور من أولاد بنـي إسرائيـل. وَنَسْتَـحِيـي نساءَهُمْ يقول: ونستبقـي إناثهم. وَإنّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ يقول: وإنا عالون علـيهم بـالقهر, يعنـي بقهر الـملك والسلطان. وقد بـينا أن كلّ شيء عال بقهر وغلبة علـى شيء, فإن العرب تقول: هو فوقه.
الآية : 128
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ مُوسَىَ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُوَاْ إِنّ الأرْضَ للّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: قال موسى لقومه من بنـي إسرائيـل لـما قال فرعون للـملإ من قومه سنقتل أبناء بنـي إسرائيـل ونستـحيـي نساءهم: اسْتَعِينُوا بَـاللّهِ علـى فرعون وقومه فـيـما ينوبكم من أمركم, واصبروا علـى ما نالكم من الـمكاره فـي أنفسكم وأبنائكم من فرعون.
وكان قد تبع موسى من بنـي إسرائيـل علـى ما:
11697ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: لـما آمنت السحرة, اتبع موسى ستـمائة ألف من بنـي إسرائيـل.
وقوله: إنّ الأرْضَ لِلّهِ يُوِرُثها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبـاده يقول: إن الأرض لله, لعلّ الله أن يُورِثَكم إن صَبَرتـم علـى ما نالكم من مكروه فـي أنفسكم وأولادكم من فرعون, واحتسبتـم ذلك, واستقمتـم علـى السداد أرضَ فرعون وقومه, بأن يهلكهم ويستـخـلفكم فـيها, فإن الله يورث أرضه من يشاء من عبـاده. والعاقِبَةُ للْـمُتّقِـينَ يقول: والعاقبة الـمـحمودة لـمن اتقـى الله وراقبه, فخافه بـاجتناب معاصيه وأدّى فرائضه.
الآية : 129
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىَ رَبّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: قال قوم موسى لـموسى حين قال لهم استعينوا بـالله واصبروا: أُوذِينا بقتل أبنائنا مِنْ قبلِ أنْ تأْتِـيَنا يقول: من قبل أن تأتـينا برسالة الله إلـينا لأن فرعون كان يقتل أولادهم الذكور حين أظله زمان موسى علـى ما قد بـينت فـيـما مضى من كتابنا هذا. وقوله: وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا يقول: ومن بعد ما جئتنا برسالة الله, لأن فرعون لـما غُلبت سحرته وقال للـملأ من قومه ما قال, أراد تـجديد العذاب علـيهم بقتل أبنائهم واستـحياء نسائهم. وقـيـل: إن قوم موسى قالوا لـموسى ذلك حين خافوا أن يدركهم فرعون وهم منه هاربون, وقد تراءى الـجمعان, ف قالوا له يا موسى أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أنْ تَأْتـيَنا كانوا يذبحون أبناءنا ويستـحيون نساءنا, وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا الـيوم يدركنا فرعون فـيقتلنا.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل االتأويـل. ذكر من قال ذلك:
11698ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: مِنْ قَبْلِ أنْ تَأْتِـيَنا من قبل إرسال الله إياك وبعده.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
11699ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فلـما تراءى الـجمعان فنظرت بنو إسرائيـل إلـى فرعون قد ردفهم, قالوا: إنّا لـمُدْرَكُونَ وقالوا: أو ذِيَنا مِنْ قَبْلِ أنْ تَأْتِـيَنَا. كانوا يذبحون أبناءنا ويستـحيون نساءنا. ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنَا الـيوم يدركنا فرعون فـيقتلنا, إنّا لَـمُدْرَكُونَ.
11700ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا إبراهيـم, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: سار موسى ببنـي إسرائيـل حتـى هجموا علـى البحر, فـالتفتوا فإذا هم برَهْج دوابّ فرعون, فقالوا: يا موسى أوذينا من قبل أن تأتـينا ومن بعد ما جئتنا, هذا البحر أمامنا وهذا فرعون بـمن معه قال عَسَى رَبكُمْ أنْ يَهْلِكَ عَدْوّكُمْ وَيَسْتَـخْـلِفَكُمْ فـي الأرْضِ فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ.
وقوله: قالَ عَسَى رَبّكُمْ أنْ يُهْلكَ عَدُوّكُمْ يقول جلّ ثناؤه: قال موسى لقومه: لعلّ ربكم أن يهلك عدوّكم: فرعون وقومه, ويَسْتَـخْـلِفَكُمْ يقول: يجعلكم تـخـلفونهم فـي أرضهم بعد هلاكهم, لا تـخافونهم ولا أحدا من الناس غيرهم فَـيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يقول: فـيرى ربكم ما تعملون بعدهم من مسارعتكم فـي طاعته وتثاقلكم عنها.
الآية : 130
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِالسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: ولقد اختبرنا قوم فرعون وأتبـاعه علـى ما هم علـيه من الضلالة بـالسنّـين, يقول: بـالـجدوب سنة بعد سنة والقحوط. يقال منه: أسْنَتَ القوم: إذا أجدبوا. وَنَقْصٍ مِنَ الثّمراتِ يقول: واختبرناهم مع الـجدوب بذهاب ثمارهم وغلاتهم إلا القلـيـل. لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ يقول: عظة لهم وتذكيرا لهم, لـينزجروا عن ضلالتهم ويفزعوا إلـى ربهم بـالتوبة.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11701ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله: وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ قال: سنـي الـجوع.
11702ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: بـالسّنِـينَ الـجائحة. وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ دون ذلك.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
11703ـ حدثنـي القاسم بن دينار, قال: حدثنا عبـيد الله بن موسى, عن شيبـان, عن أبـي إسحاق, عن رجاء بن حيوة فـي قوله: وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال: حيث لا تـحمل النـخـلة إلا تـمرة واحدة.
11704ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن رجاء بن حيوة, عن كعب قال: يأتـي علـى الناس زمان لا تـحمل النـخـلة إلا تـمرة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق, عن رجاء بن حيوة: وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ قال: يأتـي علـى الناس زمان لا تـحمل النـخـلة إلا تـمرة.
11705ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ: أخذهم الله بـالسنـين بـالـجوع عاما فعاما. وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ فأما السنـين فكان ذلك فـي بـاديتهم وأهل مواشيهم, وأما بنقص من الثمرات فكان ذلك فـي أمصارهم وقراهم