تفسير الطبري تفسير الصفحة 166 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 166
167
165
 الآية : 131
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُواْ بِمُوسَىَ وَمَن مّعَهُ أَلآ إِنّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: فإذا جاءت آل فرعون العافـية والـخصب والرخاء وكثرة الثمار, ورأوا ما يحبون فـي دنـياهم قالُوا لَنا هَذِهِ نـحن أولـى بها. وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يعنـي جدوب وقُحوط وبلاء, يَطّيّرُوا بِـمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ يقول: يتشاءموا ويقولوا: ذهبت حظوظنا وأنصبـاؤنا من الرخاء والـخصب والعافـية, مذ جاءنا موسى علـيه السلام.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11706ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فإذَا جاءَتْهُمُ الـحَسَنَةُ العافـية والرخاء, قالُوا لَنا هَذِهِ نـحن أحقّ بها. وَإن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بلاء وعقوبة, يَطّيّرُوا يتشاءموا بِـمُوسَى.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه.
11707ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فإذَا جاءَتْهُمُ الـحَسَنَةُ قالُوا لَنا هَذِهِ وَإن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُوا بِـمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ قالوا: ما أصابنا هذا إلا بك يا موسى وبـمن معك, ما رأينا شرّا ولا أصابنا حتـى رأيناك. وقوله: فإذَا جاءَتْهُمُ الـحَسَنَةُ قالُوا لَنا هَذِهِ قال: الـحسنة: ما يحبون وإذا كان ما يكرهون, قالوا: ما أصابنا هذا إلا بشؤم هؤلاء الذين ظلـموا قال قوم صالـح: اطّيّرْنَا بِكَ وَبِـمَنْ مَعَكَ فقال الله: إنّـمَا طائِرُكُمْ عِنْدَ اللّهِ بَلْ أنْتُـمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ.
القول فـي تأويـل قوله: ألاّ أنّـما طائِرُهُمْ عنْدَ اللّهِ وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.
يقول تعالـى ذكره: ألا ما طائر آل فرعون وغيرهم, وذلك أنصبـاؤهم من الرخاء والـخصب وغير ذلك من أنصبـاء الـخير والشرّ إلا عند الله. ولكن أكثرهم لا يعلـمون أن ذلك كذلك, فلـجهلهم بذلك كانوا يطّيرون بـموسى ومن معه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11708ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: ألاّ أنّـمَا طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ يقول: مصائبهم عند الله, قال الله: وَلَكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.
حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج قال: قال ابن عبـاس: ألاَ أنّـمَا طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ قال: الأمر من قِبَل الله.
الآية : 132
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: وقال آل فرعون لـموسى: يا موسى مهما تأتنا به من علامة ودلالة لتسحرنا, يقول: لتلفتنا بها عما نـحن علـيه من دين فرعون, فَمَا نَـحْنُ لَكَ بِـمُؤْمِنِـينَ يقول: فما نـحن لك فـي ذلك بـمصدّقـين علـى أنك مـحقّ فـيـما تدعونا إلـيه. وقد دللنا فـيـما مضى علـى معنى السحر بـما أغنى عن إعادته.
وكان ابن زيد يقول فـي معنى: مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ ما:
11709ـ حدثنـي يونس, قال: قال ابن زيد فـي قوله: مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ قال: إن ما تأتنا به من آية, وهذه فـيها زيادة «ما».
الآية : 133
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمّلَ وَالضّفَادِعَ وَالدّمَ آيَاتٍ مّفَصّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مّجْرِمِينَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي معنى الطوفـان, فقال بعضهم: هو الـماء. ذكر من قال ذلك:
11710ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا حَبَوية الرازي, عن يعقوب القُمي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: لـما جاء موسى بـالاَيات, كان أوّل الاَيات الطوفـان, فأرسل الله علـيهم السماء.
11711ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا ابن يـمان, قال: حدثنا سفـيان, عن إسماعيـل, عن أبـي مالك, قال: الطوفـان: الـماء.
11712ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك, قال: الطّوفـان: الـماء.
11713ـ قال: ثنا جابر بن نوح, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: الطوفـان: الغرق.
11714ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قال: الطوفـان الـماء والطاعون علـى كلّ حال.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الطوفـان الـموت علـى كلّ حال.
حدثنا مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: الطوفـان: الـماء.
وقال آخرون: بل هو الـموت. ذكر من قال ذلك:
11715ـ حدثنا أبو هشام الرفـاعي, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, قال: حدثنا الـمنهال بن خـلـيفة, عن الـحجاج, عن الـحَكَم بن ميناء, عن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الطّوفـانُ الـمَوْتُ».
11716ـ حدثنـي عبـاس بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: سألت عطاء ما الطوفـان؟ قال: الـموت.
11717ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء, عن ابن جريج, عن عطاء عمن حدّثه, عن مـجاهد, قال: الطوفـان: الـموت.
11718ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن عبد الله بن كثـير: فَأرْسَلْنا عَلْـيهِمُ الطوفـانَ قالَ: الـموت. قال ابن جريج: وسألت عطاء عن الطوفـان, قال: الـموت. قال ابن جريج: وقال مـجاهد: الـموت علـى كلّ حال.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن الـمنهال بن خـلـيفة, عن حجاج, عن رجل, عن عائشة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الطوفـانُ الـمَوْتُ».
وقال آخرون: بل ذلك كان أمرا من الله طاف بهم. ذكر من قال ذلك:
11719ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا جرير,عن قابوس بن أبـي ظَبْـيان, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: فَأرْسَلْنا عَلْـيهِمْ الطوفـانَ قال: أمر الله الطوفـان, ثم قال: فَطافَ عَلَـيْها طائفٌ مِن رَبّكَ وَهُمْ نائمُونَ.
وكان بعض أهل الـمعرفة بكلام العرب من أهل البصرة, يزعم أن الطوفـان من السيـل البُعاق والدّبـاش, وهو الشديد, ومن الـموت الـمتتابع الذريع السريع. وقال بعضهم: هو كثرة الـمطر والريح. وكان بعض نـحويّـي الكوفـيـين يقول: الطوفـان مصدر مثل الرّجْحان والنّقْصان لا يجمع. وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: هو جمع, واحدها فـي القـياس: الطوفـانة.
والصواب من القول فـي ذلك عندي, ما قاله ابن عبـاس علـى ما رواه عنه أبو ظَبْـيان أنه أمر من الله طاف بهم, وأنه مصدر من قول القائل: طاف بهم أمر الله يطوف طوفـانا, كما يقال: نقص هذا الشيء ينقص نُقْصانا. وإذا كان ذلك كذلك, جاز أن يكون الذي طاف بهم الـمطر الشديد, وجاز أن يكون الـموت الذريع. ومن الدلالة علـى أن الـمطر الشديد قد يسمى طوفـانا قول الـحسن بن عرفطة:
غَيّرَ الـجِدّةَ مِنْ آياتِهَاخُرُقُ الرّيحِ وَطُوفـانُ الـمَطَرْ
ويروى: «خُرُق الريح بطوفـان الـمطر» وقول الراعي:
تُضْحِي إذا العِيسُ أدْرَكنا نَكائِثَهاخَرْقاءَ يعْتادُها الطوفـانُ والزّؤُدُ
وقول أبـي النـجم:
قَدْ مَدّ طُوْفـانٌ فَبَثّ مَدَدَاشَهْرا شَآبِـيبَ وشَهْرا بَرَدَا
وأما القُمّل, فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي معنا, فقال بعضهم: هو السوس الذي يخرج من الـحنطة. ذكر من قال ذلك:
11720ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن يعقوب القُمّي, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: القُمّل: هو السوس الذي يخرج من الـحنطة.
11721ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بنـحوه.
وقال آخرون: بل هو الّدبَـي, وهو صغار الـجراد الذي لا أجنـحة له. ذكر من قال ذلك:
11722ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: القمل: الدّبـي.
11723ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: الدّبـي: القُمّل.
11724ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: القمل: هو الدبـي.
11725ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: القمل: الدبـي.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة, قال: القمل: هي الدّبَـي, وهي أولاد الـجراد.
11726ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن أبـي روق, عن الضحاك, عن ابن عبـاس, قال: القمل: الدبـي.
11727ـ قال ثنا يحيى بن آدم, عن قـيس عمن ذكره, عن عكرمة, قال: القمل: بنات الـجراد.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: القمل: الدّبـي.
وقال آخرون: بل القمل: البراغيث. ذكر من قال ذلك:
11728ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فَأرْسَلْنا عَلْـيهِمْ الطوفـانَ والـجَرَادَ والقُمّلَ قال: زعم بعض الناس فـي القمل أنها البراغيث.
وقال بعضهم: هي دوابّ سود صغار. ذكر من قال ذلك:
11729ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, قال: سمعت سعيد بن جبـير والـحسن قالا: القمل: دوابّ سود صغار.
وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم اغيث.
وقال بعضهم: هي دوابّ سود صغار. ذكر من قال ذلك:
11730ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, قال: سمعت سعيد بن جبـير والـحسن قالا: القمل: دوابّ سود صغار.
وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم بـابـا مُؤْصَدَا وكان الفرّاء يقول: لـم أسمع فـيه شيئا, فإن لـم يكن جمعا فواحده قامل, مثل ساجد وراكع, وإن يكن اسما علـى معنى جمع, فواحدته: قمّلة.
ذكر الـمعانـي التـي حدثت فـي قوم فرعون بحدوث هذه الاَيات
والسبب الذي من أجله أحدثها الله فـيهم
11731ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القُمي, عن جعفر بن الـمغيرة, عن سعيد بن جبـير, قال: لـما أتـى موسى فرعون, قال له: أرسل معي بنـي إسرائيـل فأبى علـيه, فأرسل الله علـيهم الطوفـان, وهو الـمطر, فصبّ علـيهم منه شيئا, فخافوا أن يكون عذابـا, فقالوا لـموسى: ادع لنا ربك, لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فلـم يؤمنوا, ولـم يرسلوا معه بنـي إسرائيـل. فأنبت لهم فـي تلك السنة شيئا لـم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلإ, فقالوا: هذا ما كنا نتـمنى فأرسل الله علـيهم الـجراد, فسلّطه علـى الكلإ. فلـما رأوا أثره فـي الكلإ عرفوا أنه لا يبقـى الزرع, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك فـيكشف عنا الـجراد, فنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم الـجراد, فلـم يؤمنوا, ولـم يرسلوا معه بنـي إسرائيـل, فداسوا وأحرزوا فـي البـيوت, فقالوا: قد أحرزنا. فأرسل الله علـيهم القمل, وهو السوس الذي يخرج منه, فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلـى الرحى, فلا يردّ منها ثلاثة أقـفزة, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل, فنؤمَن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم, فأبوا أن يرسلوا معه بنـي إسرائيـل. فبـينا هو جالس عند فرعون إذ سمع نقـيق ضفدع, فقال لفرعون: ما تلقـي أنت وقومك من هذا؟ فقال: وما عسى أن يكون كيد هذا؟ فما أمسوا حتـى كان الرجل يجلس إلـى ذقنه فـي الضفـادع, ويهمّ أن يتكلـم فتثب الضفـادع فـي فـيه, فقالوا لـموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفـادع, فنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فكشف عنهم فلـم يؤمنوا فأرسل الله علـيهم الدم, فكان ما استقوا من الأنهار والاَبـار, أو ما كان فـي أوعيتهم وجدوه دما عبـيطا, فشكوا إلـى فرعون فقالوا: إنا قد ابتلـينا بـالدم, ولـيس لنا شراب. فقال: إنه قد سحركم. فقالوا: من أين سحرنا ونـحن لا نـجد فـي أوعيتنا شيئا من الـماء إلاّ وجدناه دما عبـيطا؟ فأتوه فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم, فنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشِف عنهم, فلـم يؤمنوا, ولـم يرسلوا معه بنـي إسرائيـل.
11732ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حبوية الرازي, عن يعقوب القمي, عن جعفر, عن ابن عبـاس, قال: لـما خافوا الغرق, قال فرعون: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الـمطر فنؤمن لك, ثم ذكر نـحو حديث ابن حميد, عن يعقوب.
11733ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: ثم إن الله أرسل علـيهم, يعنـي علـى قوم فرعون الطوفـان, وهو الـمطر, فغرق كلّ شيء لهم, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا, ونـحن نؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فكشف الله عنهم ونبتت به زروعهم, فقالوا: ما يسرّنا أنا لـم نـمطرَ. فبعث الله علـيهم الـجراد, فأكل حروثهم, فسألوا موسى أن يدعوَ ربه فـيكشفه ويؤمنوا به. فدعا فكشفه, وقد بقـي من زروعهم بقـية, فقالوا: لـم تؤمنون وقد بقـي من زرعنا بقـيّة تكفـينا؟ فبعث الله علـيهم الدّبَى, وهو القمل, فلـحس الأرض كلها, وكان يدخـل بـين ثوب أحدهم وبـين جلده فـيعضّه, وكان لأحدهم الطعام فـيـمتلـىء دبى, حتـى إن أحدهم لـيبنى الأسطوانة بـالـجصّ فـيزلقها, حتـى لا يرتقـي فوقها شيء, يرفع فوقها الطعام, فإذا صعد إلـيه لـيأكله وجده ملاَن دبى, فلـم يصابوا ببلاء كان أشدّ علـيهم من الدبى, وهو الرجز الذي ذكر الله فـي القرآن أنه وقع علـيهم. فسألوا موسى أن يدعو ربه, فـيكشف عنهم, ويؤمنوا به. فلـما كشف عنهم أبوا أن يؤمنوا, فأرسل الله علـيهم الدم, فكان الإسرائيـلـي يأتـي هو والقبطي يستقـيان من ماء واحد, فـيخرج ماء هذا القبطي دما, ويخرج للإسرائيـلـي ماء. فلـما اشتدّ ذلك علـيهم سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به, فكشف ذلك, فأبوا أن يؤمنوا, وذلك حين يقول الله: فَلَـمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ العَذَابَ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ.
11734ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فَأرْسَلْنا عَلَـيْهِمُ الطّوفـانَ قال: أرسل الله علـيهم الـماء حتـى قاموا فـيه قـياما. ثم كشف عنهم, فلـم يؤمنوا, وأخصبت بلادهم خصبـا لـم تـخصب مثله. فأرسل الله علـيه الـجراد فأكله إلاّ قلـيلاً, فلـم يؤمنوا أيضا. فأرسل الله القُمّل وهي الدبى, وهو أولاد الـجراد, فأكلت ما بقـي من زروعهم, فلـم يؤمنوا. فأرسل علـيهم الضفـادع, فدخـلت علـيهم بـيوتهم, ووقعت فـي آنـيتهم وفرشهم, فلـم يؤمنوا. ثم أرسل الله علـيهم الدم, فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تـحوّل ذلك الـماء دما, قال الله: آياتٍ مُفَصّلاتٍ.
11735ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَأَرْسَلْنا عَلَـيْهِمُ الطّوفـانَ حتـى بلغ: مُـجْرِمِينَ قال: أرسل الله علـيهم الـماء حتـى قاموا فـيه قـياما, فدعوا موسى فدعا ربه, فكشف عنهم, ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم, ثم أنبتت أرضهم. ثم أرسل الله علـيهم الـجراد, فأكل عامة حروثهم وثمارهم, ثم دعوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم. ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم, فأرسل الله علـيهم القُمّل, هذا الدبى الذي رأيتـم, فأكل ما أبقـى الـجراد من حروثهم, فلـحسه. فدعوا موسى, فدعا ربه, فكشفه عنهم, ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم. ثم أرسل الله علـيهم الضفـادع, حتـى ملأت بـيوتهم وأفنـيتهم, فدعوا موسى, فدعا ربه فكشف عنهم. ثم عادوا بشرّ ما يحضر بهم, فأرسل الله علـيهم الدم, فكانوا لا يغترفون من مائهم إلاّ دما أحمر, حتـى لقد ذكر أن عدوّ الله فرعون كان يجمع بـين الرجلـين علـى الإناء الواحد, القبطي والإسرائيـلـي, فـيكون مـما يـلـي الإسرائيـلـي ماء, ومـما يـلـي القبطي دما. فدعوا موسى, فدعا ربه, فكشفه عنهم فـي تسع آيات: السنـين, ونقص من الثمرات, وأراهم يد موسى علـيه السلام وعصاه.
11736ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: فأرْسَلْنا عَلَـيْهِمُ الطّوفـانَ وهو الـمطر حتـى خافوا الهلاك, فأتوْا موسى, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الـمطر, فإنا نؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم الـمطر, فأنبت الله به حرثهم, وأخصب به بلادهم, فقالوا: ما نـحبّ أنا لـم نـمطر بترك ديننا, فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل فأرسل الله علـيهم الـجراد, فأسرع فـي فساد ثمارهم وزروعهم, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الـجراد, فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم الـجراد, وكان قد بقـي من زروعهم ومعاشهم بقايا, فقالوا: قد بقـي لنا ما هو كافـينا, فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل فأرسل الله علـيهم القُمّل, وهو الدبى, فتتبع ما كان ترك الـجراد, فجزعوا وأحسوا بـالهلاك, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبى, فإنا سنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم الدبى, فقالوا: ما نـحن لك بـمؤمنـين ولا مرسلـين معك بنـي إسرائيـل. فأرسل الله علـيهم الضفـادع, فملأ بـيوتهم منها, ولقوا منها أذى شديدا لـم يـلقوا مثله فـيـما كان قبله, إنها كانت تثب فـي قدورهم, فتفسد علـيهم طعامهم, وتطفـىء نـيرانهم, قالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفـادع, فقد لقـينا منها بلاء وأذى, فإنا سنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه, فكشف عنهم الضفـادع, فقالوا: لا نؤمن لك, ولا نرسل معك بنـي إسرائيـل. فأرسل الله علـيهم الدم, فجعلوا لا يأكلون إلاّ الدم, ولا يشربون إلاّ الدم, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم, فإنا سنؤمن لك, ونرسل معك بنـي إسرائيـل فدعا ربه فكشف عنهم الدم, فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل, فكانت آيات مفصّلات بعضها علـى إثر بعض, لـيكون لله علـيهم الـحجة, فأخذهم الله بذنوبهم, فأغرقهم فـي الـيـم.
11737ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا إبراهيـم, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قال: أرسل علـى قوم فرعون الاَيات: الـجراد, والقُمّل, والضفـادع, والدم آياتٍ مُفَصّلاتٍ. قال: فكان الرجل من بنـي إسرائيـل يركب مع الرجل من قوم فرعون فـي السفـينة, فـيغترف الإسرائيـلـي ماء, ويغترف الفرعونـي دما. قال: وكان الرجل من قوم فرعون ينام فـي جانب, فـيكثر علـيه القُمّل والضفـادع حتـى لا يقدر أن ينقلب علـى الـجانب الاَخر. فلـم يزالوا كذلك, حتـى أوحى الله إلـى موسى: أنْ أسْرِ بِعبـادِي إنّكُمْ مُتّبَعُونَ.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قال: لـما أتـى موسى فرعون بـالرسالة أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بنـي إسرائيـل, فـاستكبر, قال: لن نرسل معك بنـي إسرائيـل فأرسل الله علـيهم الطوفـان, وهو الـماء, أمطر علـيهم السماء حتـى كادوا يهلكون وامتنع منهم كلّ شيء, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك بـما عهد عندك لئن كشفت عنا هذا لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل, فدعا الله فكشف عنهم الـمطر, فأنبت الله لهم حروثهم, وأحيا بذلك الـمطر كلّ شيء من بلادهم, فقالوا: والله ما نـحبّ أنا لـم نكن أمطرنا هذا الـمطر, ولقد كان خيرا لنا, فلن نرسل معك بنـي إسرائيـل, ولن نؤمن لك يا موسى. فبعث الله علـيهم الـجراد, فأكل عامّة حروثهم, فأسرع الـجراد فـي فسادها, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الـجراد, فإنا مؤمنون لك, ومرسلون معك بنـي إسرائيـل فكشف الله عنهم الـجراد, وكان الـجراد قد أبقـى لهم من حروثهم بقـية, فقالوا: قد بقـي لنا من حروثنا ما كان كافـينا, فما نـحن بتاركي ديننا, ولن نؤمن لك, ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل فأرسل الله علـيهم القُمّل, والقمل: الدبى, وهو الـجراد الذي لـيست له أجنـحة, فتتبع ما بقـي من حروثهم وشجرهم وكلّ نبـات كان لهم, فكان القمل أشدّ علـيهم من الـجراد. فلـم يستطيعوا للقمل حيـلة, وجزعوا من ذلك وأتوا موسى, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل, فإنه لـم يُبْق لنا شيئا, قد أكل ما بقـي من حروثنا, ولئن كشفت عنا القُمّل لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل فكشف الله عنهم القُمّل فنكثوا, وقالوا: لن نؤمن لك, ولن نرسل معك بنـي إسرائيـل. فأرسل الله علـيهم الضفـادع, فـامتلأت منها البـيوت, فلـم يبق لهم طعام ولا شراب إلاّ وفـيه الضفـادع, فلقوا منها شيئا لـم يـلقوه فـيـما مضى, فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل قال: فكشف الله عنهم فلـم يفعلوا, فأنزل الله: فَلَـمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ إلـى أجَلٍ هُمْ بـالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ... إلـى: وكانُوا عَنْها غافِلـينَ.
11738ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أبو تـميـلة, قال: حدثنا الـحسن بن واقد, عن زيد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس قال: كانت الضفـادع برّية, فلـما أرسلها الله علـى آل فرعون سمعت وأطاعت, فجعلت تغرق أنفسها فـي القدور وهي تغلـي, وفـي التنانـير وهي تفور, فأثابها الله بحسن طاعتها بردَ الـماء.
11739ـ قال: ثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: فرجع عدوّ الله, يعنـي فرعون, حين آمنت السحرة مغلوبـا مفلولاً, ثم أبى إلا الإقامة علـى الكفر والتـماديَ فـي الشرّ, فتابع الله علـيه بـالاَيات, وأخذه بـالسنـين, فأرسل علـيه الطّوفـان, ثم الـجراد, ثم القُمّل, ثم الضفـادع, ثم الدم آياتٍ مُفَصّلاتٍ, فأرسل الطوفـان, وهو الـماء, ففـاض علـى وجه الأرض, ثم ركد, لا يقدرون علـى أن يحرثوا, ولا يعملوا شيئا, حتـى جهدوا جوعا فلـما بلغهم ذلك, قالوا: يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل فدعا موسى ربه, فكشفه عنهم, فلـم يفو له بشيء مـما قالوا. فأرسل الله علـيهم الـجراد, فأكل الشجر فـيـما بلغنـي, حتـى إن كان لـيؤكل مسامير الأبواب من الـحديد حتـى تقع دورهم ومساكنهم, فقالوا مثل ما قالوا, فدعا ربه, فكشفه عنهم, فلـم يفوا له بشيء مـما قالوا. فأرسل الله علـيهم القُمّل, فذكر لـي أن موسى أمر أن يـمشي إلـى كثـيب حتـى يضربه بعصاه, فمضى إلـى كثـيب أهيـل عظيـم, فضربه بها, فـانثال علـيهم قملاً حتـى غلب علـى البـيوت والأطعمة, ومنعهم النوم والقرار فلـما جهدهم قالوا له مثل ما قالوا, فدعا ربه فكشفه عنهم, فلـم يفوا له بشيء مـما قالوا. فأرسل الله علـيهم الضفـادع, فملأت البـيوت والأطعمة والاَنـية, فلا يكشف أحد ثوبـا ولا طعاما ولا إناءً إلاّ وجد فـيه الضفـادع قد غلبت علـيه. فلـما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا, فدعا ربه فكشفه عنهم, فلـم يفوا له بشيء مـما قالوا, فأرسل الله علـيهم الدم, فصارت مياه آل فرعون دما, لا يستقون من بئر ولا نهر, ولا يغترفون من إناء إلاّ عاد دما عبـيطا.
11740ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن كعب القرظي, أنه حدّث: أن الـمرأة من آل فرعون كانت تأتـي الـمرأة من بنـي إسرائيـل حين جهدهم العطش, فتقول: اسقـينـي من مائك فتغرف لها من جرتها, أو تصبّ لها من قربتها, فـيعود فـي الإناء دما, حتـى إن كانت لتقول لها: اجعلـيه فـي فـيك ثم مـجّيه فـي فـيّ فتأخذ فـي فـيها ماء, فإذا مـجّته فـي فـيها صار دما, فمكثوا فـي ذلك سبعة أيام.
11741ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الـجراد يأكل زروعهم ونبـاتهم, والضفـادع تسقط علـى فرشهم وأطعمتهم, والدم يكون فـي بـيوتهم وثـيابهم ومائهم وطعامهم.
11742ـ قال: ثنا شبل, عن عبد الله بن كثـير, عن مـجاهد, قال: لـما سال النـيـل دما, فكان الإسرائيـلـي يستقـي ماء طيبـا, ويستقـي الفرعونـي دما ويشتركان فـي إناء واحد, فـيكون ما يـلـي الإسرائيـلـي ماء طيبـا وما يـلـي الفرعونـي دما.
11743ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, قال: ثنـي سعيد بن جبـير: أن موسى لـما عالـج فرعون بـالاَيات الأربع: العصا, والـيد, ونقص من الثمرات, والسنـين, قال: يا ربّ إن عبدك هذا قد علا فـي الأرض, وعتا فـي الأرض, وبغى علـيّ, وعلا علـيك, وعالـى بقومه, ربّ خذ عبدك بعقوبة تـجعلها له ولقومه نقمة, وتـجعلها لقومي عظة ولـمن بعدي آية فـي الأمـم البـاقـية فبعث الله علـيهم الطوفـان, وهو الـماء, وبـيوت بنـي إسرائيـل وبـيوت القبط مشتبكة مختلطة بعضها فـي بعض, فـامتلأت بـيوت القبط ماء, حتـى قاموا فـي الـماء إلـى تراقـيهم, من حبس منهم غرق, ولـم يدخـل فـي بـيوت بنـي إسرائيـل قطرة, فجعلت القبط تنادي: موسى ادع لنا ربك بـما عهد عندك, لئن كشفت عنا الرجز لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل قال: فواثقوا موسى ميثاقا أخذ علـيهم به عهودهم, وكان الـماء أخذهم يوم السبت, فأقام علـيهم سبعة أيام إلـى السبت الاَخر, فدعا موسى ربه, فرفع عنهم الـماء, فأعشبت بلادهم من ذلك الـماء, فأقاموا شهرا فـي عافـية, ثم جحدوا وقالوا: ما كان هذا الـماء إلاّ نعمة علـينا وخصبـا لبلادنا, ما نـحبّ أنه لـم يكن قال: وقد قال قائل لابن عبـاس: إنـي سألت ابن عمر عن الطّوفـان, فقال: ما أدري موتا كان أو ماء. فقال ابن عبـاس: أما يقرأ ابن عمر سورة العنكبوت حين ذكر الله قوم نوح فقال: فَأخَذَهُمُ الطوفـانُ وَهُمْ ظالِـمُونَ أرأيت لو ماتوا إلـى من جاء موسى علـيه السلام بـالاَيات الأربع بعد الطوفـان؟ قال: فقال موسى: يا ربّ إن عبـادك قد نقضوا عهدك, وأخـلفوا وعدي, ربّ خذهم بعقوبة تـجعلها لهم نقمة, ولقومي عظة, ولـمن بعدهم آية فـي الأمـم البـاقـية قال: فبعث الله علـيهم الـجراد فلـم يدع لهم ورقة ولا شجرة ولا زهرة ولا ثمرة إلاّ أكلها, حتـى لـم يُبق جَنًى. حتـى إذا أفنى الـخضر كلها أكل الـخشب, حتـى أكل الأبواب, وسقوف البـيوت وابتلـى الـجراد بـالـجوع, فجعل لا يشبع, غير أنه لا يدخـل بـيوت بنـي إسرائيـل. فعجوا وصاحوا إلـى موسى, فقالوا: يا موسى هذه الـمرّة ادع لنا ربك بـما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز, لنؤمننّ لك, ولنرسلنّ معك بنـي إسرائيـل فأعطوه عهد الله وميثاقه, فدعا لهم ربه, فكشف الله عنهم الـجراد بعد ما أقام علـيهم سبعة أيام, من السبت إلـى السبت. ثم أقاموا شهرا فـي عافـية, ثم عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم, ولأعمالهم أعمال السوء, قال: فقال موسى: يا ربّ عبـادك قد نقضوا عهدي وأخـلفوا موعدي, فخذهم بعقوبة تـجعلها لهم نقمة, ولقومي عظة, ولـمن بعدي آية فـي الأمـم البـاقـية فأرسل الله علـيهم القُمّل قال أبو بكر: سمعت سعيد بن جبـير والـحسن يقولان: كان إلـى جنبهم كثـيب أعفر بقرية من قُرى مصر تدعى عين شمس, فمشى موسى إلـى ذلك الكثـيب, فضربه بعصاه ضربة صار قملاً تدبّ إلـيهم, وهي دوابّ سود صغار, فدبّ إلـيهم القُمّل, فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفـار عيونهم وحواجبهم, ولزم جلودهم, كأنه الـجدريّ علـيهم, فصرخوا وصاحوا إلـى موسى: إنا نتوب ولا نعود, فـادع لنا ربك فدعا ربه فرفع عنهم القُمّل بعد ما أقام علـيهم سبعة أيام من السبت إلـى السبت, فأقاموا شهرا فـي عافـية, ثم عادوا وقالوا: ما كنا قطّ أحقّ أن نستـيقن أنه ساحر منا الـيوم, جعل الرمل دوابّ, وعزّة فرعون لا نصدّقه أبدا ولا نتبعه فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم, فدعا موسى علـيهم, فقال: يا ربّ إن عبـادك نقضوا عهدي, وأخـلفوا وعدي, فخذهم بعقوبة تـجعلها لهم نقمة, ولقومي عظة, ولـمن بعدي آية فـي الأمـم البـاقـية فأرسل الله علـيهم الضفـادع, فكان أحدهم يضطجع, فتركبه الضفـادع, فتكون علـيه ركاما, حتـى ما يستطيع أن ينصرف إلـى الشقّ الاَخر, ويفتـح فـاه لأكلته, فـيسبق الضفدع أكلته إلـى فـيه, ولا يعجن عجينا إلاّ تسدّختْ فـيه, ولا يطبخ قدرا إلاّ امتلأت ضفـادع. فعذّبوا بها أشدّ العذاب, فشكوا إلـى موسى علـيه السلام, وقالوا: هذه الـمرّة نتوب ولا نعود. فأخذ عهدهم وميثاقهم, ثم دعا ربه, فكشف الله عنهم الضفـادع بعد ما أقام علـيهم سبعا من السبت إلـى السبت, فأقاموا شهرا فـي عافـية ثم عادوا لتكذيبهم وإنكارهم, وقالوا: قد تبـين لكم سحره, ويجعل التراب دوابّ, ويجيء بـالضفـادع فـي غير ماء فآذوا موسى علـيه السلام, فقال موسى: يا ربّ إن عبـادك نقضوا عهدي, وأخـلفوا وعدي, فخذهم بعقوبة تـجعلها لهم عقوبة, ولقومي عظة, ولـمن بعدي آية فـي الأمـم البـاقـية فـابتلاهم الله بـالدم, فأفسد علـيهم معايشهم, فكان الإسرائيـلـي والقبطي يأتـيان النـيـل فـيستقـيان, فـيخرج للإسرائيـلـي ماء, ويخرج للقبطي دما, ويقومان إلـى الـحُبّ فـيه الـماء, فـيخرج للإسرائيـلـي فـي إنائه ماء, وللقبطي دما.
11744ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا ابن سعد, قال: سمعت مـجاهدا, فـي قوله: فأرْسَلْنا عَلَـيْهِمُ الطوفـانَ قال: الـموت والـجراد. قال: الـجراد يأكل أمتعتهم وثـيابهم ومسامير أبوابهم, والقُمّل هو الدبى, سلطه الله علـيهم بعد الـجراد. قال: والضفـادع تسقط فـي أطعمتهم التـي فـي بـيوتهم وفـي أشربتهم.
وقال بعضهم: الدم الذي أرسله الله علـيهم كان رُعافـا. ذكر من قال ذلك.
11745ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا أحمد بن خالد, قال: حدثنا يحيى بن أبـي بكير, قال: حدثنا زهير, قال: قال زيد بن أسلـم: أما القُمّل فـالقَمْل وأما الدم: فسلط علـيهم الرعاف.
وأما قوله: آياتٍ مُفَصّلاتٍ فإن معناه: علامات ودلالات علـى صحة نبوّة موسى, وحقـية ما دعاهم إلـيه مفصلات, قد فُصِل بـينها, فجعل بعضها يتلو بعضا, وبعضها فـي إثر بعض.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
11746ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قال: فكانت آيات مفصلات بعضها فـي إثر بعض, لـيكون لله الـحجة علـيهم, فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم فـي الـيـم.
11747ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: آياتٍ مُفَصّلاتٍ قال: يتبع بعضها بعضا لـيكون لله الـحجة علـيهم, فـينتقم منهم بعد ذلك. وكانت الاَية تـمكث فـيهم من السبت إلـى السبت, وترتفع عنه شهرا, قال الله عزّ وجلّ: فـانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأغْرَقْناهُمْ فِـي الـيَـمّ... الاَية.
11748ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: قال ابن إسحاق: آياتٍ مُفَصّلاتٍ: أي آية بعد آية يتبع بعضها بعضا.
وكان مـجاهد يقول فـيـما ذكر عنه فـي معنى الـمفصّلات, ما:
11749ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي «آيات مفصلات», قال: معلومات.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فـاسْتَكْبَرُوا وكانُوا قَوْما مُـجْرِمِينَ.
يقول تعالـى ذكره: فـاستكبر هؤلاء الذين أرسل الله علـيهم ما ذكر فـي هذه الاَيات من الاَيات والـحجج عن الإيـمان بـالله, وتصديق رسوله موسى صلى الله عليه وسلم, واتبـاعه علـى ما دعاهم إلـيه, وتعظموا علـى الله وعتوا علـيه وكانُوا قَوْما مُـجْرِمِينَ يقول: كانوا قوما يعملون بـما يكرهه الله من الـمعاصي والفسق عتوّا وتـمرّدا.
الآية : 134
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرّجْزُ قَالُواْ يَمُوسَىَ ادْعُ لَنَا رَبّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ لَنُؤْمِنَنّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِيَ إِسْرَآئِيلَ }..
يقول تعالـى ذكره: ولـما وقع علـيهم الرجز, ولـما نزل بهم عذاب الله, وحلّ بهم سخطه.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي ذلك الرجز الذي أخبر الله أنه وقع بهؤلاء القوم, فقال بعضهم: كان ذلك طاعونا. ذكر من قال ذلك.
11750ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القمي, عن جعفر بن الـمغيرة, عن سعيد بن جبـير, قال: وأمر موسى قومه من بنـي إسرائيـل, وذلك بعد ما جاء قومَ فرعون بـالاَيات الـخمس الطوفـان, وما ذكر الله فـي هذه الاَية, فلـم يؤمنوا ولـم يرسلوا معه بنـي إسرائيـل, فقال: لـيذبح كلّ رجل منكم كبشا, ثم لـيخضب كفه فـي دمه, ثم لـيضرب به علـى بـابه, فقالت القبط لبنـي إسرائيـل: لـم تـجعلون هذا الدم علـى أبوابكم؟ فقالوا: إن الله يرسل علـيكم عذابـا فنسلـم وتهلكون, فقالت القبط: فما يعرفكم الله إلاّ بهذه العلامات؟ فقالوا: هكذا أمرنا به نبـينا. فأصبحوا وقد طعن من قوم فرعون سبعون ألفـا, فأمسوا وهم لا يتدافنون, فقال فرعون عند ذلك: ادْعُ لَنا رَبّكَ بِـما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرّجزَ وهو الطاعون, لَنُؤْمِنَنّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ فدعا ربه فكشفه عنهم, فكان أوفـاهم كلهم فرعون, فقال لـموسى: اذهب ببنـي إسرائيـل حيث شئت
11751ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حبّويه الرازي, وأبو داود الـحفري, عن يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير قال حبويه: عن ابن عبـاس: لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ قال: الطاعون.
وقال آخرون: هو العذاب. ذكر من قال ذلك.
11752ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الرجز العذاب.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
11753ـ حدثنـي بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَـمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ أي العذاب.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, عن قتادة: وَلـمّا وَقَع عَلَـيْهِمُ الرّجْزُ يقول: العذاب.
11754ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلـمّا وَقَعَ عَلَـيْهِمُ الرّجْزُ قال: الرجز: العذاب الذي سلّطه الله علـيهم من الـجراد والقُمّل وغير ذلك, وكلّ ذلك يعاهدونه ثم ينكثون.
وقد بـيّنا معنى الرّجز فـيـما مضى من كتابنا هذا بشواهده الـمغنـية عن إعادتها.
وأولـى القولـين بـالصواب فـي هذا الـموضع أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أخبر عن فرعون وقومه أنهم لـما وقع علـيهم الرجز, وهو العذاب والسخط من الله علـيهم, فزعوا إلـى موسى بـمسألته ربه كشف ذلك عنهم وجائز أن يكون ذلك الرجز كان الطوفـان والـجراد والقمل والضفـادع والدم, لأن كل ذلك كان عذابـا علـيهم, وجائز أن يكون ذلك الرجز كان طاعونا. ولـم يخبرنا الله أيّ ذلك كان, ولا صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيّ ذلك كان خبر فنسلـم له.
فـالصواب أن نقول فـيه كما قال جلّ ثناؤه: وَلـمّا وَقَعَ عَلَـيْهِمُ الرّجْزُ ولا نتعدّاه إلاّ بـالبـيان الذي لا تـمانع فـيه بـين أهل التأويـل, وهو لـما حلّ بهم عذاب الله وسخطه, قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبّكَ بـمَا عَهِدَ عِنْدَكَ يقول: بـما أوصاك وأمرك به, وقد بـينا معنى العهد فـيـما مضى لَئِنْ كَشَفْتَ عَنّا الرّجْزَ يقول: لئن رفعت عنا العذاب الذي نـحن فـيه, لَنُؤْمِنَنّ لَكَ يقول: لنصدقنّ بـما جئت به ودعوت إلـيه ولنقرّنّ به لك, ولَنُرْسِلَنّ مَعَكَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ يقول: ولنـخـلـينّ معك بنـي إسرائيـل فلا نـمنعهم أن يذهبوا حيث شاءوا.
الآية : 135
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَماّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرّجْزَ إِلَىَ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: فدعا موسى ربه, فأجابه, فلـما رفع الله عنهم العذاب الذي أنزله بهم إلـى أجَلٍ هُمْ بـالِغُوهُ لـيستوفوا عذاب أيامهم التـي جعلها الله لهم من الـحياة أجلاً إلـى وقت هلاكهم, إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ يقول: إذا هم ينقضون عهودهم التـي عاهدوا ربهم وموسى, ويقـيـمون علـى كفرهم وضلالهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
11755ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله تعالـى: إلـى أجَلٍ هُمْ بـالِغُوهُ قال: عدد مسمى لهم من أيامهم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, نـحوه.
11756ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَلَـمّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرّجْزَ إلـى أجَلٍ هُمْ بـالِغُوهُ إذَا هُمْ يَنْكُثُونَ قال: ما أُعطُوا من العهود, وهو حين يقول الله: وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بـالسّنِـينَ وهو الـجوع, وَنَقْصٍ مِنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ.
الآية : 136
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمّ بِأَنّهُمْ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: فلـما نكثوا عهودهم, انتقمنا منهم, يقول: انتصرنا منهم بإحلال نقمتنا بهم وذلك عذابه فأغرقناهم فـي الـيـمّ, وهو البحر, كما قال ذو الرّمّة:
داوِيّةٌ وَدُجَى لَـيْـلٍ كأنّهُمايَـمّ تَراطَنُ فِـي حافـاتِهِ الرّومُ
وكما قال الراجز:
(كبـاذِخِ الْـيَـمّ سَقاهُ الْـيَـمّ )
بأنّهُمْ كَذّبُوا بآياتِنا يقول: فعلنا ذلك بهم, بتكذيبهم بحججنا وأعلامنا التـي أريناهموها. وكانُوا عَنْها غافِلِـينَ يقول: وكانوا عن النقمة التـي أحللناها بهم غافلـين قبل حلولها بهم أنها بهم حالة. والهاء والألف فـي قوله: «عَنْها» كناية من ذكر النقمة, فلو قال قائل: هي كناية من ذكر الاَيات, ووجه تأويـل الكلام إلـى: وكانوا عنها معرضين فجعل إعراضهم عنها غفولاً منهم إذ لـم يقبلوها, كان مذهبـا يقال من الغفلة, غَفَل الرجل عن كذا يَغْفُل عنه غَفْلة وغُفُولاً وغَفْلاً.
الآية : 137
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأرْضِ وَمَغَارِبَهَا الّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ الْحُسْنَىَ عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: وأورثنا القوم الذين كان فرعون وقومه يستضعفونهم, فـيذبحون أبناءهم ويستـحيون نساءهم, ويستـخدمونهم تسخيرا واستعبـادا من بنـي إسرائيـل, مشارق الأرض الشأم, وذلك ما يـلـي الشرق منها, ومغاربها التـي بـاركنا فـيها, يقول: التـي جعلنا فـيها الـخير ثابتا دائما لأهلها. وإنـما قال جلّ ثناؤه: وأوْرَثْنا لأنه أورث ذلك بنـي إسرائيـل, بـمهلك من كان فـيها من العمالقة.
وبـمثل الذي قلنا فـي قوله: مَشارِقَ الأرْضِ وَمَغارِبَها قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
11757ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن إسرائيـل, عن فُرات القزّاز, عن الـحسن, فـي قوله: وأوْرَثَنا القَوْمَ الّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها التـي بـاركْنا فِـيها قال: الشأم.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن فُرات القزاز, قال: سمعت الـحسن يقول, فذكر نـحوه.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا قبـيصة, عن سفـيان, عن فُرات القزاز, عن الـحسن: الأرض التـي بـاركنا فـيها, قال: الشأم.
11758ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأوْرَثْنا القَوْمَ الّذِينَ كانُوا يُستَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها التـي بـاركْنا فِـيها هي أرض الشأم.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: مَشارِقَ الأرْضِ وَمَغارِبَها التـي بـاركْنا فـيها قال: التـي بـارك فَـيها: الشأم.
وكان بعض أهل العربـية يزعم أن مشارق الأرض ومغاربها نصب علـى الـمـحلّ, يعنـي: وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون فـي مشارق الأرض ومغاربها, وأن قوله: وأوْرَثنا إنـما وقع علـى قوله: التـي بـاركْنا فِـيها وذلك قول لا معنى له, لأن بنـي إسرائيـل لـم يكن يستضعفهم أيام فرعون غير فرعون وقومه, ولـم يكن له سلطان إلاّ بـمصر, فغير جائز والأمر كذلك أن يقال: الذين يستضعفون فـي مشارق الأرض ومغاربها.
فإن قال قائل: فإن معناه: فـي مشارق أرض مصر ومغاربها فإن ذلك بعيد من الـمفهوم فـي الـخطاب: مع خروجه عن أقوال أهل التأويـل والعلـماء بـالتفسير.
وأما قوله: وَتـمّتْ كَلِـمَةُ رَبّكَ الـحُسْنَى فإنه يقول: وفـي وعد الله الذي وعد بنـي إسرائيـل بتـمامه, علـى ما وعدهم من تـمكينهم فـي الأرض, ونصره إياهم علـى عدوّهم فرعونَ. وكلـمته الـحسنى قوله جلّ ثناؤه: ونُريدُ أنْ نَـمُنّ علـى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِـي الأرْضِ وَنَـجْعَلَهُمْ أئمّةً وَنـجْعَلَهُمُ الوَارِثـينَ ونُـمَكّنَ لَهُمْ فِـي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
11759ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَتـمّتْ كَلِـمَةُ رَبّكَ الـحُسْنَى عَلـى بَنِـي إسْرائِيـلَ قال: ظهور قوم موسى علـى فرعون. و «تـمكين الله لهم فـي الأرض»: وما ورّثهم منها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه.
وأما قوله: وَدَمّرْنَا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ فإنه يقول: وأهلكنا ما كان فرعون وقومه يصنعونه من العمارات والـمزارع. وما كانُوا يَعْرِشُونَ يقول: وما كانوا يبنون من الأبنـية والقصور, وأخرجناهم من ذلك كله, وخرّبنا جميع ذلك. وقد بـيّنا معنى التعريش فـيـما مضى بشواهده.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
11760ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: وَما كانُوا يَعْرِشُونَ يقول: يبنون.
11761ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يَعْرِشُونَ يبنون البـيوت والـمساكن ما بلغت, وكان عنبهم غير معروش.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
واختلفت القرأة فـي قراءة ذلك, فقرأته عامّة قرّاء الـحجاز والعراق يَعْرِشُونَ بكسر الراء, سوى عاصم بن أبـي النـجود, فإنه قرأه بضمها. وهما لغتان مشهورتان فـي العرب, يقال: عرَش يعرِش ويعرُش, فإذا كان ذلك كذلك, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب لاتفـاق معنى ذلك, وأنهما معروفـان من كلام العرب, وكذلك تفعل العرب فـي فعَل إذا ردّته إلـى الاستقبـال, تضمّ العين منه أحيانا, وتكسره أحيانا. غير أن أحبّ القراءتـين إلـيّ كسر الراء لشهرتها فـي العامّة وكثرة القراءة بها وأنها أصحّ اللغتـين