تفسير الطبري تفسير الصفحة 164 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 164
165
163
 الآية : 105-106
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاّ الْحَقّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيّنَةٍ مّن رّبّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ الصّادِقِينَ }..
اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: حَقِـيقٌ عَلـى أن لا أقُولَ علـى اللّهِ إلاّ الـحَقّ فقرأه جماعة من قرّاء الـمكيـين والـمدنـيـين والبصرة والكوفة: حَقِـيقٌ علـى أن لا أقُولَ بإرسال الـياء من «علـى» وترك تشديدها, بـمعنى: أنا حقـيق بأن لا أقول علـى الله إلا الـحقّ, فوجهوا معنى علـى إلـى معنى البـاء, كما يقال: رميت بـالقوس وعلـى القوس, وجئت علـى حال حسنة, وبحال حسنة. وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب يقول: إذا قرىء ذلك كذلك, فمعناه: حريص علـى أن لا أقول إلا بحقّ. وقرأ ذلك جماعة من أهل الـمدينة: «حَقِـيقٌ عَلـىّ أنْ لا أقُولَ» بـمعنى: واجب علـيّ أن لا أقول, وحُقّ علـيّ أن لا أقول.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى, قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب فـي قراءته الصواب.
وقوله: قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَـيّنَةٍ مِنْ رَبّكُمْ يقول: قال موسى لفرعون وملئه: قد جئتكم ببرهان من ربكم يشهد أيها القوم علـى صحة ما أقول وصدق ما أذكر لكم من إرسال الله إياي إلـيكم رسولاً, فأرسل يا فرعون معي بنـي إسرائيـل, فقال له فرعون: إن كنت جئت بآية, يقول: بحجة وعلامة شاهدة علـى صدق ما تقول. فأت بها إن كنت من الصادقـين.
الآية : 107-108
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَأَلْقَىَ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مّبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنّاظِرِينَ }..
يقول جلّ ثناؤه: فَألْقَـى مُوسَى عَصَاهُ فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال حية, مُبِـينٌ يقول: تتبـين لـمن يراها أنها حية.
وبـما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11644ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: تـحوّلت حية عظيـمة. وقال غيره: مثل الـمدينة.
11645ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ يقول: فإذا هي حية كادت تتسوّره, يعنـي كادت تثب علـيه.
11646ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ والثعبـان: الذكر من الـحيات, فـاتـحة فـاها, واضعة لـحيها الأسفل فـي الأرض, والأعلـى علـى سور القصر. ثم توجهت نـحو فرعون لتأخذه, فلـما رآها ذعر منها, ووثب فأحدث, ولـم يكن يُحدث قبل ذلك, وصاح: يا موسى خذها وأنا مؤمن بك وأرسل معك بنـي إسرائيـل فأخذها موسى فعادت عصا.
11647ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: ألقـى العصا فصارت حية, فوضعت فَقْما لها أسفل القبة, وفقما لها أعلـى القبة قال عبد الكريـم: قال إبراهيـم: وأشار سفـيان بأصبعه الإبهام والسبـابة هكذا شبه الطاق فلـما أرادت أن تأخذه, قال فرعون: يا موسى خذها فأخذها موسى بـيده, فعادت عصا كما كانت أوّل مرّة.
11648ـ حدثنا العبـاس بن الولـيد, قال: حدثنا يزيد بن هارون, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: ألقـى عصاه, فتـحوّلت حيّة عظيـمة فـاغرة فـاها, مسرعة إلـى فرعون فلـما رأى فرعون أنها قاصدة إلـيه, اقتـحم عن سريره, فـاستغاث بـموسى أن يكفها عنه, ففعل.
11649ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: الـحية الذكر.
11650ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول: لـما دخـل موسى علـى فرعون, قال له موسى: أعرفك؟ قال: نعم, قال: ألَـمْ نُرَ بّكَ فِـينا وَلِـيدا؟ قال: فردّ إلـيه موسى الذي ردّ, فقال فرعون: خذوه فبـادره موسى فألقـى عصاه, فإذا هي ثعبـان مبـين, فحملت علـى الناس فـانهزموا, فمات منهم خمسة وعشرون ألفـا, قتل بعضهم بعضا, وقام فرعون منهزما حتـى دخـل البـيت.
11651ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: فَألْقَـى عَصَاهُ فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: ما بـين لَـحيـيها أربعون ذراعا.
11652ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبدة بن سلـيـمان, عن جويبر, عن الضحاك: فإذَا هِيَ ثُعْبـانٌ مُبِـينٌ قال: الـحية الذكر.
قال أبو جعفر: وأما قوله: وَنَزَعَ يَدَهُ فإذَا هِيَ بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ فإنه يقول: وأخرج يده فإذا هي بـيضاء تلوح لـمن نظر إلـيها من الناس, وكان موسى فـيـما ذكر لنا آدم, فجعل الله تـحوّل يده بـيضاء من غير برص له آية وعلـى صدق قوله إنّـي رَسُولٌ مِنْ رَبّ العالَـمِينَ حُجّة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11653ـ حدثنا العبـاس, قال: أخبرنا يزيد, قال: حدثنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: أخرج يده من جيبه فرآها بـيضاء من غير سوء يعنـي: من غير برص ثم أعادها إلـى كمه, فعادت إلـى لونها الأوّل.
11654ـ حدثنـي الـمثنى, قال: قال: عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ يقول: من غير برص.
11655ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَنَزَعَ يَدَهُ فإذَا هِيَ بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ قال: نزع يده من جيبه بـيضاء من غير برص.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
11656ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَنَزَعَ يَدَهُ أخرجها من جيبه, فإذَا هِيَ بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ.
11657ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: وَنَزَعَ يَدَهُ قال: نزع يده من جيبه, فإذَا هِيَ بَـيْضَاءُ للنّاظِرِينَ وكان موسى رجلا آدم, فأخرج يده, فإذا هي بـيضاء أشدّ بـياضا من اللبن مِنْ غَيْرِ سُوءٍ, قال: من غير برص آية لفرعون.
الآية : 109-110
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ الْمَلاُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنّ هَـَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: قالت الـجماعة من رجال قوم فرعون والأشراف منهم: إن هذا, يعنون موسى صلوات الله علـيه, لَساحِرٌ عَلِـيـمٌ يعنون: أنه يأخذ بأعين الناس بخداعه إياهم حتـى يخيـل إلـيهم العصا حية والاَدم: أبـيض, والشيء بخلاف ما هو به. ومنه قـيـل: سحر الـمطر الأرض: إذا جادها فقطع نبـاتها من أصوله, وقلب الأرض ظهرا لبطن, فهو يسحرها سحرا, والأرض مسحورة إذا أصابها ذلك. فشبه سحر الساحر بذلك لتـخيـيـله إلـى من سحره أنه يرى الشيء بخلاف ما هو به ومنه قول ذي الرمّة فـي صفة السراب:
وَساحِرَةُ العُيُونِ منَ الـمَوَاميتَرَقّصُ فـي نَوَاشِزِها الأُرُومُ
وقوله عَلـيـمٌ يقول: ساحر علـيـم بـالسحر, يريد أن يخرجكم من أرضكم أرض مصر معشر القبط السحرة. وقال فرعون للـملإ: فَمَاذَا تَأْمُرُونَ يقول: فأيّ شيء تأمرون أن نفعل فـي أمره, بأيّ شيء تشيرون فـيه. وقـيـل: فماذا تأمرون والـخبر بذلك عن فرعون, ولـم يذكر فرعون, وقلّـما يجيء مثل ذلك فـي الكلام, وذلك نظير قوله: قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهُ لَـمنَ الصّادِقـينَ ذلكَ لِـيَعْلَـمُ أنْـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ فقـيـلَ ذلكَ لَـيْعَلَـم أنّـي لـم أَخُنْهُ بـالغَيْبِ من قول يوسف, ولـم يذكر يوسف. ومن ذلك أن يقول: قلت لزيد: قم فإنـي قائم, وهو يريد: فقال زيد: إنـي قائم.
الآية : 111
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: قال الـملأ من قوم فرعون لفرعون: أرجئه: أي أخره. وقال بعضهم: معناه: احبس. والإرجاء فـي كلام العرب: التأخير, يقال منه: أرجيت هذا الأمر وأرجأته إذا أخرته, ومنه قول الله تعالـى: تُرْجي مَنْ تَشاءُ مِنهُنّ: تؤخر, فـالهمز من كلام بعض قبـائل قـيس يقولون: أرجأت هذا الأمر, وترك الهمز من لغة تـميـم وأسد يقولون: أرجيته.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء الـمدينة وبعض العراقـيـين: «أرْجِهِ» بغير الهمز وبجرّ الهاء. وقرأه بعض قرّاء الكوفـيـين: أرْجِهْ بترك الهمز وتسكين الهاء علـى لغة من يقـف علـى الهاء فـي الـمكنّـي فـي الوصل إذا تـحرّك ما قبلها, كما قال الراجز:
أنْـحَى علـيّ الدّهْرُ رِجْلا وَيَدَايُقْسِمُ لا يُصْلِـحُ إلاّ أفْسَدَافَـيُصْلِـحُ الَـيْومَ ويُفْسِدُهُ غَدَا
وقد يفعلون مثل هذا بهاء التأنـيث فـيقولون: هذه طلـحه قد أقبلت, كما قال الراجز:
لَـمّا رأى أنْ لا دَعَهْ وَلا شِبَعْمالَ إلـى أرْطاةِ حِقْـفٍ فـاضْطَجَعْ
وقرأه بعض البصريـين: «أرْجِئْهُ» بـالهمز وضمّ الهاء, علـى لغة من ذكرت من قـيس.
وأولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب أشهرها وأفصحها فـي كلام العرب, وذلك ترك الهمز وجرّ الهاء, وإن كانت الأخرى جائزة, غير أن الذي اخترنا أفصح اللغات وأكثرها علـى ألسن فصحاء العرب.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: أرْجِهْ فقال بعضهم: معناه: أخره. ذكر من قال ذلك:
11658ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: أخبرنـي عطاء الـخراسانـي عن ابن عبـاس, قوله: أرْجِهْ وأخاهُ قال: أخره.
وقال آخرون: معناه احبسه. ذكر من قال ذلك:
11659ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أرْجِهْ وأخاهُ: أي احبسه وأخاه.
وأما قوله: وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ يقول: من يحشر السحرة فـيجمعهم إلـيك, وقـيـل: هم الشّرَط. ذكر من قال ذلك:
11660ـ حدثنـي عبـاس بن أبـي طالب, قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم, قال: حدثنا الـحكم بن ظهير, عن السديّ, عن ابن عبـاس: وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشّرط.
11661ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسماعيـل بن إبراهيـم بن مهاجر, عن أبـيه, عن مـجاهد: وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشرط.
11662ـ قال ثنا حميد, عن قـيس, عن السديّ: وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشرط.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم بن مهاجر, عن أبـيه, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, فـي قوله: فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشرط.
حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ قال: الشرط.
الآية : 112-113
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأْتُوكَ بِكُلّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَآءَ السّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوَاْ إِنّ لَنَا لأجْراً إِن كُنّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ }..
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن مَشْوَرَةِ الـملإ من قوم فرعون علـى فرعون, أن يرسل فـي الـمدائن حاشرين, يحشرون كلّ ساحر علـيـم. وفـي الكلام مـحذوف اكتفـي بدلالة الظاهر من إظهاره, وهو: فأرسل فـي الـمدائن حاشرين يحشرون السحرة, فجاء السحرة فرعون قالُوا إنّ لَنَا لأجْرا يقول: إن لنا لثوابـا علـى غلبتنا موسى عندك, إنْ كُنّا يا فرعون نَـحْنُ الغَالِبـينَ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11663ـ حدثنا العبـاس, قال: أخبرنا يزيد, قال: أخبرنا الأصبغ بن زيد, عن القاسم بن أبـي أيوب, قال: ثنـي سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: فأرسل فـي الـمدائن حاشرين, فحشر له كلّ ساحر متعالـم فلـما أتوا فرعون, قالوا: بـم يعمل هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بـالـحيات, قالوا: والله ما فـي الأرض قوم يعملون بـالسحر والـحيات والـحبـال والعصيّ أعلـم منّا, فما أجرنا إن غلبنا؟ فقال لهم: أنتـم قرابتـي وحامّتـي, وأنا صانع إلـيكم كلّ شيء أحببتـم.
11664ـ حدثنـي عبد الكريـم بن الهيثم قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: قال فرعون: لا نغالبه يعنـي موسى إلا بـمن هو منه. فأعدّ علـماء من بنـي إسرائيـل, فبعث بهم إلـى قرية بـمصر يقال لها الفرما, يعلّـمونهم السحر, كما يعلّـم الصبـيان الكتاب فـي الكتاب. قال: فعلـموهم سحرا كثـيرا. قال: وواعد موسى فرعون موعدا فلـما كان فـي ذلك الـموعد بعث فرعون, فجاء بهم وجاء بـمعلـمهم معهم, فقال له: ماذا صنعت؟ قال: قد علـمتهم من السحر سحرا لا يطيقه سحر أهل الأرض, إلا أن يكون أمرا من السماء, فإنه لا طاقة لهم به, فأما سحر أهل الأرض فإنه لن يغلبهم فلـما جاءت السحرة قالوا لفرعون: إنّ لَنَا لأجْرا إنْ كُنّا نَـحْنُ الغالِبِـينَ قال: نعم وَإنّكُمْ إذَنْ لَـمِنَ الـمُقَرّبِـينَ.
11665ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَأرْسِلَ فِرْعَوْنُ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ فحشروا علـيه السحرة, فلـما جاء السحرة فرعون قالُوا إنّ لَنَا لأجْرا إنْ كُنّا نَـحْنُ الغالِبِـينَ يقول: عطية تعطينا إنْ كُنّا نَـحْنُ الغالِبـينَ قالَ نَعَمْ وَإنّكُمْ لَـمِنَ الـمُقَرّبِـينَ.
11666ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: أرْجِهْ وأخاهُ وأرْسِلْ فِـي الـمَدَائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحِرٍ عَلِـيـمٌ: أي كاثره بـالسحرة لعلك أن تـجد فـي السحرة من يأتـي بـمثل ما جاء به, وقد كان موسى وهارون خرجا من عنده حين أراهم من سلطانه, وبعث فرعون فـي مـملكته, فلـم يترك فـي سلطانه ساحر إلا أتـي به. فذكر لـي والله أعلـم أنه جمع له خمسة عشر ألف ساحر فلـما اجتـمعوا إلـيه أمرهم أمره, وقال لهم: قد جاءنا ساحر ما رأينا مثله قطّ, وإنكم إن غلبتـموه أكرمتكم وفضلتكم, وقرّبتكم علـى أهل مـملكتـي, قالوا: وإن لنا ذلك إن غلبناه؟ قال: نعم.
11667ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا الـحسين, عن يزيد, عن عكرمة, قال: السحرة كانوا سبعين. قال أبو جعفر: أحسبه أنه قال: ألفـا.
11668ـ قال ثنا يحيى بن واضح, قال: حدثنا موسى بن عبـيدة, عن ابن الـمنذر, قال: كان السحرة ثمانـين ألفـا.
11669ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن عبد العزيز بن رفـيع, عن خيثمة, عن أبـي سودة, عن كعب, قال: كان سحرة فرعون اثنـي عشر ألفـا.
الآية : 114-115
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ نَعَمْ وَإِنّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرّبِينَ * قَالُواْ يَمُوسَىَ إِمّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمّآ أَن نّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ }..
يقول جلّ ثناؤه: قال فرعون للسحرة إذ قالوا له: إن لنا عندك ثوابـا إن نـحن غلبنا موسى قال: نعم, لكم ذلك, وإنكم لـمـمن أقرّبه وأدنـيه منـي. قَالُوا يَا مُوسَى يقول: قالت السحرة لـموسى: يا موسى اختر أن تلقـي عصاك, أو نلقـي نـحن عصينا ولذلك أدخـلت «أن» مع «إما» فـي الكلام لأنها فـي موضع أمر بـالاختـيار, فإن «أنْ» فـي موضع نصب لـما وصفت من الـمعنى, لأن معنى الكلام: اختر أن تلقـي أنت, أو نلقـي نـحن, والكلام مع «إما» إذا كان علـى وجه الأمر, فلا بدّ من أن يكون فـيه «أن» كقولك للرجل إما أن تـمضيَ, وإما أن تقعد, بـمعنى الأمر: امض أو اقعد, فإذا كان علـى وجه الـخبر لـم يكن فـيه أن كقوله: وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لاِءَمْرِ اللّهِ إمّا يُعَذّبُهُمْ وإمّا يَتُوبُ عَلَـيْهِمْ وهذا هو الذي يسمى التـخيـير, وكذلك كلّ ما كان علـى وجه الـخبر, و«إما» فـي جميع ذلك مكسورة.
الآية : 116
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمّآ أَلْقُوْاْ سَحَرُوَاْ أَعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }..
يقول تعالـى ذكره: قال موسى للسحرة: ألْقُوا ما أنتـم ملقون, فألقت السحرة ما معهم. فَلَـمّا ألْقَوْا ذلك سَحَرُوا أعْيُنَ النّاسِ خيـلوا إلـى أعين الناس بـما أحدثوا من التـخيـيـل والـخدع أنها تسعى. وَاسْتَرْهَبُوهُمْ يقول: واسترهبوا الناس بـما سحروا فـي أعينهم, حتـى خافوا من العصيّ والـحبـال, ظنا منهم أنها حيات. وَجاءُوا كما قاله الله بِسِحْرٍ عَظِيـمٍ: بتـخيـيـل عظيـم كثـير, من التـخيـيـل والـخداع.
وذلك كالذي: 11670ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: قال لهم موسى: ألقوا ما أنتـم ملقون فألقوا حبـالهم وعصيهم, وكانوا بضعة وثلاثـين ألف رجل, لـيس منهم رجل إلا معه حبل وعصا. فَلَـمّا ألْقَوْا سَحَرُوا أعْيُنَ النّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ يقول: فَرّقوهم فأوجس فـي نفسه خيفة موسى.
11671ـ حدثنـي عبد الكريـم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: ألقوا حبـالاً غلاظا وخشبـا طوالاً, قال: فأقبلت تـخيـل إلـيه من سحرهم أنها تسعى.
11672ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: صفّ خمسة عشر ألف ساحر, مع كلّ ساحر حبـاله وعصيه, وخرج موسى معه أخوه يتكىء علـى عصاه حتـى أتـى الـجمع وفرعون فـي مـجلسه مع أشراف مـملكته, ثم قالت السحرة: يا مُوسَى إمّا أنْ تُلْقِـيَ وَإمّا أنْ نكونَ أوّلَ منْ ألقـى قَالَ بَلْ ألْقُوا فإذا حِبَـالُهُمْ وعِصِيّهُمْ فكان أوّل ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون, ثم أبصار الناس بعد, ثم ألقـى كلّ رجل منهم ما فـي يده من العصيّ والـحبـال, فإذا هي حيات كأمثال الـحبـال, قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا. فأَوْجَسَ فـي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى وقال: والله إن كانت لعصيّا فـي أيديهم, ولقد عادت حيات, وما تعدو هذا أو كما حدّث نفسه.
11673ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن هشام الدستوائي, قال: حدثنا القاسم بن أبـي بزّة, قال: جمع فرعون سبعين ألف ساحر, وألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا, حتـى جعل يخيـل إلـيه من سحرهم أنها تسعى.
الآية : 117
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأَوْحَيْنَآ إِلَىَ مُوسَىَ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: وأوحينا إلـى موسى أن ألق عصاك, فألقاها فإذا هي تلقم وتبتلع ما يسحرون كذبـا وبـاطلاً, يقال منه: لقـفت الشيء فأنا ألْقُـفُه لَقْـفـا ولَقَـفـانا. وذلك كالذي:
11674ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وأوحينا إلـى موسى أن ألق عصاك, فألقـى موسى عصاه, فتـحولت حية, فأكلت سحرهم كله.
11675ـ حدثنا عبد الكريـم بن الهيثم, قال: حدثنا إبراهيـم بن بشار, قال: حدثنا سفـيان, قال: حدثنا أبو سعد, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: فألقـى عصاه فإذا هي حية تلقـف ما يأفكون, لا تـمرّ بشيء من حبـالهم وخشبهم التـي ألقوها إلا التقمته, فعرفت السحرة أن هذا أمر من السماء, ولـيس هذا بسحر, فخرّوا سجدا وقالوا: آمَنّا بِرَبّ العالَـمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ.
11676ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أوحى الله إلـى موسى: لا تـخَف, وألْقِ ما فـيَ يـمِينِك تَلْقَـفْ ما يَأفِكونَ. فألْقَـى عَصَاهُ فأكلت كلّ حية لهم, فلـما رأوا ذلك سجدوا, وقالوا: آمَنّا بِرَبّ العالَـمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ.
11677ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال:: أوحى الله إلـيه أن ألق ما فـي يـمينك فألقـى عصاه من يده, فـاستعرضت ما ألقوا من حبـالهم وعصيهم, وهي حيات, فـي عين فرعون وأعين الناس تسعى, فجعلت تلقـفها: تبتلعها حية حية, حتـى ما يرى بـالوادي قلـيـل ولا كثـير مـما ألقوه. ثم أخذها موسى فإذا هي عصاه فـي يده كما كانت, ووقع السحرة سجدا, قالوا: آمَنّا بِرَبّ العالَـمِينَ رَبّ مُوسَى وهارُونَ لو كان هذا سحرا ما غلبنا.
11678ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن هشام الدستوائي, قال: حدثنا القاسم بن أبـي بزّة, قال: أوحى الله إلـيه أن ألق عصاك, فألقـى عصاه فإذا هي ثعبـان فـاغرٌ فـاه, فـابتلع حبـالهم وعصيهم, فألقـي السحرة عند ذلك سجدا, فما رفعوا رءوسهم حتـى رأوا الـجنة والنار وثواب أهلها.
11679ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: يَأْفِكُونَ قال: يكذبون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فإذَا هِيَ تَلْقَـفُ مَا يَأْفِكُونَ قال: يكذبون.
11680ـ حدثنا إبراهيـم بن الـمستـمر, قال: حدثنا عثمان بن عمر, قال: حدثنا قرة بن خالد السدوسيّ, عن الـحسن: تَلْقَـفُ ماَ يَأْفِكُونَ قال: حبـالهم وعصيهم تسترطها استراطا.
الآية : 118
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَوَقَعَ الْحَقّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: فظهر الـحقّ وتبـين لـمن شهده وحضره فـي أمر موسى, وأنه لله رسول يدعو إلـى الـحقّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من إفك السحر وكذبه ومخايـله.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
11681ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَوَقَعَ الـحَقّ قال: ظهر.
11682ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم بن مهاجر, عن أبـيه, عن مـجاهد فـي قوله: فَوَقَعَ الـحَقّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ قال: ظهر الـحقّ وذهب الإفك الذي كانوا يعملون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, فـي قوله: فَوَقَعَ الـحَقّ قال: ظهر الـحقّ.
حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَوَقَعَ الـحَقّ ظهر موسى.
الآية : 119
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَانقَلَبُواْ صَاغِرِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: فغَلَب موسى فرعونَ وجموعه هُنالِكَ عند ذلك, وَانْقَلَبُوا صَاغرِينَ يقول: وانصرفوا عن موطنهم ذلك بصُغرْ مقهورين, يقال منه: صَغُر الرجل يصغُر صِغْرا وصُغْرا وصَغَارا