تفسير الطبري تفسير الصفحة 174 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 174
175
173
 الآية : 179
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنّمَ كَثِيراً مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ أُوْلَـَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: ولقد خـلقنا لـجهنـم كثـيرا من الـجنّ والإنس, يقال منه: ذرأ الله خـلقه يذرؤهم ذَرْءا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12053ـ حدثنـي علـيّ بن الـحسين الأزديّ, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن مبـارك بن فضالة, عن الـحسن, فـي قوله: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنّـمَ كَثِـيرا مِنَ الـجِنّ والإنْسِ قال: مـما خـلقنا.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن أبـي زائدة, عن مبـارك, عن الـحسن, فـي قوله: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنّـمَ قال: خـلقنا.
12054ـ قال: ثنا زكريا, عن عَتّاب بن بشير, عن علـيّ بن بِذَيـمة, عن سعيد بن جبـير, قال: أولاد الزنا مـما ذرأ الله لـجهنـم.
12055ـ قال: ثنا زكريا بن عديّ وعثمان الأحول, عن مروان بن معاوية, عن الـحسن بن عمرو, عن معاوية ابن إسحاق, عن جلـيس له بـالطائف, عن عبد الله بن عمرو, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, قال: «إنّ اللّهَ لَـمّا ذَرَأَ لـجَهَنّـمَ ما ذَرَأ, كانَ وَلَدُ الزّنا مِـمّنْ ذَرَأ لـجَهَنّـمَ».
12056ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنّـمَ يقول: خـلقنا.
12057ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنّـمَ قال: لقد خـلقنا لـجهنـم كثـيرا من الـجنّ والإنس.
12058ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنّـمَ خـلقنا.
وقال جلّ ثناؤه: وَلَقَدْ ذَرَأْنا لـجَهَنّـمَ كَثِـيرا مِنَ الـجِنّ والإنْس لنفـاذ علـمه فـيهم بأنهم يصيرون إلـيها بكفرهم بربهم.
وأما قوله: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بها فإن معناه: لهؤلاء الذين ذرأهم الله لـجهنـم من خـلقه قلوب لا يتفكرون بها فـي آيات الله, ولا يتدبرون بها أدلته علـى وحدانـيته, ولا يعتبرون بها حججه لرسله, فـيعلـموا توحيد ربهم, ويعرفوا حقـيقة نبوّة أنبـيائهم. فوصفهم ربنا جلّ ثناؤه بأنهم لا يفقهون بها لإعراضهم عن الـحقّ وتركهم تدبر صحة الرشد وبطول الكفر. وكذلك قوله: ولَهُمْ أعيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بها معناه: ولهم أعين لا ينظرون بها إلـى آيات الله وأدلته, فـيتأملوها ويتفكروا فـيها, فـيعلـموا بها صحة ما تدعوهم إلـيه رسلهم, وفساد ما هم علـيه مقـيـمون من الشرك بـالله وتكذيب رسله فوصفهم الله بتركهم إعمالها فـي الـحق بأنهم لا يبصرون بها. وكذلك قوله: ولَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بها آيات كتاب الله فـيعتبروها ويتفكروا فـيها, ولكنهم يعرضون عنها, ويقولون: لا تَسْمَعُوا لهذا القُرْآنِ والْغوا فِـيهِ لَعَلّكُمْ تَغْلِبُونَ. وذلك نظير وصف الله إياهم فـي موضع آخر بقوله: صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقلُونَ والعرب تقول ذلك للتارك استعمال بعض جوارحه فـيـما يصلـح له, ومنه قول مسكين الدارمي:
أعْمَى إذَا ما جارَتـي خَرَجَتحتـى يُوَاريَ جارَتـي السّتْرُ
وأصَمّ عَمّا كانَ بَـيْنَهُماسَمْعي وَما بـالسّمْع مِنْ وَقْرِ
فوصف نفسه لتركه النظر والاستـماع بـالعمى والصمـم. ومنه قول الاَخر:
وَعَوْرَاءِ اللّئامِ صَمَـمْتُ عَنْهاوإنّـي لَوْ أشاءُ بِها سَمِيعُ
وبَـادِرَةٍ وَزَعْتُ النّفْسَ عَنْهاوَلَوْ بِـينَتْ مِنَ العَصَبِ الضّلوعُ
وذلك كثـير فـي كلام العرب وأشعارها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12059ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, قال: سمعت مـجاهدا يقول فـي قوله: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها قال: لا يفقهون بها شيئا من أمر الاَخرة. ولَهُمْ أعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها الهدى. ولَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الـحَقّ ثم جعلهم كالأنعام, ثم جعلهم شرّا من الأنعام, فقال: بَلْ هُمْ أضَلّ ثم أخبر أنهم هم الغافلون.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أولَئِكَ كالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلّ أولئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: أُولَئِكَ كالأنْعامِ هؤلاء الذين ذرأهم لـجهنـم هم كالأنعام, وهي البهائم التـي لا تفقه ما يقال لها ولا تفهم ما أبصرته مـما يصلـح وما لا يصلـح ولا تعقل بقلوبها الـخير من الشرّ فتـميز بـينهما, فشبههم الله بها, إذ كانوا لا يتذكرون ما يرون بأبصارهم من حججه, ولا يتفكرون فـيـما يسمعون من آي كتابه. ثم قال: بَلْ هُمْ أضَلّ يقول: هؤلاء الكفرة الذين ذرأهم لـجهنـم أشدّ ذهابـا عن الـحقّ وألزم لطريق البـاطل من البهائم, لأن البهائم لا اختـيار لها ولا تـميـيز فتـختار وتـميّز, وإنـما هي مسخرة ومع ذلك تهرب من الـمضارّ وتطلب لأنفسها من الغذاء الأصلـح. والذين وصف الله صفتهم فـي هذه الاَية, مع ما أُعطوا من الأفهام والعقول الـمـميزة بـين الـمصالـح والـمضارّ, تترك ما فـيه صلاح دنـياها وآخرتها وتطلب ما فـيه مضارّها, فـالبهائم منها أسد وهي منها أضلّ, كما وصفها به ربنا جلّ ثناؤه.
وقوله: أُولَئِكَ هُمُ الغافِلُونَ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفت صفتهم, القوم الذين غفلوا, يعنـي سهوا عن آياتـي وحججي, وتركوا تدبرها والاعتبـار بها والاستدلال علـى ما دلت علـيه من توحيد ربها, لا البهائم التـي قد عرّفها ربها ما سخرها له.
الآية : 180
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَللّهِ الأسْمَآءُ الْحُسْنَىَ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيَ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره ولِلّهِ الأسْماءُ الـحُسْنَى, وهي كما قال ابن عبـاس.
12060ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: ولِلّهِ الأسْماءُ الـحُسْنَى فـادْعُوهُ بِها ومن أسمائه: العزيز الـجبـار, وكلّ أسماء الله حسن.
12061ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن علـية, عن هشام بن حسان, عن ابن سيرين, عن أبـي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: «إنّ لِلّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما, مِئَةً إلاّ وَاحِدا, مَنْ أحْصَاها كُلّها دَخَـلَ الـجَنّةَ».
وأما قوله: وَذَرُوا الّذِينَ يُـلْـحِدُونَ فِـي أسْمائِهِ فإنه يعنـي به الـمشركين. وكان إلـحادهم فـي أسماء الله أنهم عدلوا بها عما هي علـيه, فسموا بها آلهتهم وأوثانهم, وزادوا فـيها ونقصوا منها, فسموا بعضها اللات اشتقاقا منهم لها من اسم الله الذي هو الله, وسموا بعضها العزّى اشتقاقا لها من اسم الله الذي هو العزيز.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12062ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَذَرُوا الّذِينَ يُـلْـحِدُونَ فِـي أسْمائِهِ قال: إلـحاد الـملـحدين أن دعوا اللات فـي أسماء الله.
12063ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَذَرُوا الّذينَ يُـلْـحِدُونَ فِـي أسْمائِهِ قال: اشتقوا العُزّى من العزيز, واشتقوا اللات من الله.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله يُـلْـحِدُونَ فقال بعضهم: يكذّبون. ذكر من قال ذلك.
12064ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَذَرُوا الّذِينَ يُـلْـحِدُونَ فِـي أسْمائِهِ قال: الإلـحاد: التكذيب.
وقال آخرون: معنى ذلك: يشركون. ذكر من قال ذلك.
12065ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا أبو ثور, عن معمر, عن قتادة: يُـلْـحِدُونَ قال: يشركون.
وأصل الإلـحاد فـي كلام العرب: العدول عن القصد, والـجور عنه, والإعراض, ثم يستعمل فـي كلّ معوجّ غير مستقـيـم, ولذلك قـيـل للـحد القبر لـحد, لأنه فـي ناحية منه ولـيس فـي وسطه, يقال منه: ألـحد فلان يُـلْـحِد إلـحادا, ولَـحد يَـلْـحَدُ لَـحْدا ولُـحُودا. وقد ذكر عن الكسائي أنه كان يفرّق بـين الإلـحاد واللـحد, فـيقول فـي الإلـحاد: إنه العدول عن القصد, وفـي اللـحد إنه الركون إلـى الشيء, وكان يقرأ جميع ما فـي القرآن «يُـلـحدون» بضمّ الـياء وكسر الـحاء, إلاّ التـي فـي النـحل, فإنه كان يقرؤها: «يَـلـحَدون» بفتـح الـياء والـحاء, ويزعم أنه بـمعنى الركون. وأما سائر أهل الـمعرفة بكلام العرب فـيرون أن معناهما واحد, وأنهما لغتان جاءتا فـي حرف واحد بـمعنى واحد.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامّة قرّاء أهل الـمدينة وبعض البصريـين والكوفـيـين: يُـلْـحِدون بضمّ الـياء وكسر الـحاء من ألـحد يُـلـحِد فـي جميع القرآن. وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل الكوفة: «يَـلْـحَدون» بفتـح الـياء والـحاء من لـحد يـلـحد.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما لغتان بـمعنى واحد, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك. غير أنـي أختار القراءة بضمّ الـياء علـى لغة من قال: «ألـحد», لأنها أشهر اللغتـين وأفصحهما. وكان ابن زيد يقول فـي قوله: وَذرُوا الّذِينَ يُـلْـحِدُونَ فِـي أسْمائِهِ إنه منسوخ.
12066ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَذَرُوا الّذِينَ يُـلْـحِدونَ فِـي أسْمائِهِ قال: هؤلاء أهل الكفر, وقد نسخ, نسخه القتال.
ولا معنى لـما قال ابن زيد فـي ذلك من أنه منسوخ, لأن قوله: وَذَرُوا الّذِينَ يُـلْـحِدونَ فِـي أسْمائِهِ لـيس بأمر من الله لنبـيه صلى الله عليه وسلم بترك الـمشركين أن يقولوا ذلك حتـى يأذن له فـي قتالهم, وإنـما هو تهديد من الله للـملـحدين فـي أسمائه ووعيد منه لهم, كما قال فـي موضع آخر: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَـمَتّعُوا وَيُـلْهِهِمُ الأمَلُ... الاَية, وكقوله: لِـيَكْفُرُوا بِـمَا آتَـيْناهُمْ وَلِـيَتَـمَتّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَـمُونَ وهو كلام خرج مخرج الأمر بـمعنى الوعيد والتهديد, ومعناه: إن تُـمهل الذين يُـلـحدون يا مـحمد فـي أسماء الله إلـى أجل هم بـالغوه, فسوف يجزون إذا جاءهم أجل الله الذي أجّله إلـيهم جزاء أعمالهم التـي كانوا يعملونها قبل ذلك من الكفر بـالله والإلـحاد فـي أسمائه وتكذيب رسوله.
الآية : 181
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمِمّنْ خَلَقْنَآ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: ومن الـخـلق الذين خـلقنا أمة, يعنـي جماعة يهدون, يقول: يهتدون بـالـحقّ وبِهِ يَعْدِلُونَ يقول: وبـالـحقّ يقضون وينصفون الناس, كما قال ابن جريج.
12067ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: أُمّةٌ يَهْدُونَ بـالـحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ قال ابن جريج: ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم, قال: «هذِهِ أُمّتـي» قالَ: «بـالـحَقّ يَأْخُذُونَ وَيُعْطُونَ وَيَقْضُونَ».
12068ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَمِـمّنْ خَـلَقْنا أُمّةٌ يَهْدُونَ بـالـحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ.
12069ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَمِـمّنْ خَـلَقْنا أُمّةٌ يَهْدُونَ بـالـحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ بلغنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قرأها: «هَذهِ لَكُمْ, وَقَدْ أُعْطِيَ القَوْمُ بـينَ أيْدِيكُمْ مِثْلَها, وَمِنْ قَوْم مُوسَى أُمّةٌ يَهْدُونَ بـالـحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ».
الآية : 182
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ كَذّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: والذين كذّبوا بأدلتنا وأعلامنا, فجحدوها ولـم يتذكروا بها, سنـمهله بغرّته ونزين له سوء عمله, حتـى يحسب أنه هو فـيـما علـيه من تكذيبه بآيات الله إلـى نفسه مـحسن, وحتـى يبلغ الغاية التـي كتب له من الـمهل, ثم يأخذه بأعماله السيئة, فـيجازيه بها من العقوبة ما قد أعدّ له. وذلك استدراج الله إياه. وأصل الاستدراج اغترار الـمستدرج بلطف من حيث يرى الـمستدرج أن الـمستدرج إلـيه مـحسن حتـى يورّطه مكروها. وقد بـيّنا وجه فعل الله ذلك بأهل الكفر به فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
الآية : 183
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنّ كَيْدِي مَتِينٌ }..
يقول تعالـى ذكره: وأؤخر هؤلاء الذين كذّبوا بآياتنا مُلاءة بـالكسر والضمّ والفتـح من الدهر, وهي الـحين, ومنه قـيـل: انتظرتك ملّـيا, لـيبلغوا بـمعصيتهم ربهم الـمقدار الذي قد كتبه لهم من العقاب والعذاب ثم يقبضهم إلـيه. إنّ كَيْدِي والكيد: هو الـمكر. وقوله مَتِـينٌ يعنـي: قويّ شديد, ومنه قول الشاعر:
عَدَلْنَ عُدُولَ النّاسِ وَاقْبح يُبْتَلـىأفـاسٌ مِنَ الهُرّابِ شَدّ مـمَاتِنُ
يعنـي: سيرا شديدا بـاقـيا لا ينقطع.
الآية : 184
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَتَفَكّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مّن جِنّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مّبِينٌ }..
يقول تعالـى ذكره: أو لـم يتفكر هؤلاء الذين كذّبوا بآياتنا فـيتدبّروا بعقولهم, ويعلـموا أن رسولنا الذي أرسلناه إلـيهم, لا جِنّة به ولا خبْل, وأن الذي دعاهم إلـيه هو الدين الصحيح القويـم والـحقّ الـمبـين. ولذا نزلت هذه الاَية فـيـما قبل, كما:
12070ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان علـى الصفـا, فدعا قريشا, فجعل يفخّذهم فخذا فخذا: يا بنـي فلان يا بنـي فلان فحذّرهم بأس الله, ووقائع الله, فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لـمـجنون بـات يصوّت إلـى الصبـاح, أو حتـى أصبح. فأنزل الله تبـارك وتعالـى: أوَ لَـمْ يَتَفَكّرُوا ما بِصَاحِبهِمْ مِنْ جِنّةٍ إنْ هُوَ إلاّ نَذِيرٌ مُبِـينٌ.
ويعنـي بقوله: إنْ هُوَ إلاّ نَذِيرٌ مُبِـينٌ: ما هو إلاّ نذير منذركم عقاب الله علـى كفركم به إن لـم تنـيبوا إلـى الإيـمان به, ويعنـي بقوله: مُبِـينٌ قد أبـان لكم أيها الناس إنذاره ما أنذركم به من بأس الله علـى كفركم به.
الآية : 185
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىَ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: أو لـم ينظر هؤلاء الـمكذّبون بآيات الله فـي مُلك الله وسلطانه فـي السموات وفـي الأرض وفـيـما خـلق جلّ ثناؤه من شيء فـيهما, فـيتدبروا ذلك ويعتبروا به ويعلـموا أن ذلك مـمن لا نظير له ولا شبـيه, ومن فعل من لا ينبغي أن تكون العبـادة والدين الـخالص إلاّ له, فـيؤمنوا به ويصدّقوا رسوله وينـيبوا إلـى طاعته ويخـلعوا الأنداد والأوثان ويحذروا أن تكون آجالهم قد اقتربت فـيهلكوا علـى كفرهم ويصيروا إلـى عذاب الله وألـيـم عقابه.
وقوله: فَبِأيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ يقول: فبأيّ تـجويف وتـحذير وترهيب بعد تـحذير مـحمد صلى الله عليه وسلم وترهيبه الذي أتاهم به من عند الله فـي آي كتابه يصدّقون, إن لـم يصدّقوا بهذا الكتاب الذي جاءهم به مـحمد صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالـى.
الآية : 186
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }..
يقول تعالـى ذكره: إن إعراض هؤلاء الذين كذّبوا بآياتنا, التاركي النظر فـي حجج الله والفكر فـيها, لإضلال الله إياهم, ولو هداهم الله لاعتبروا وتدبّروا فأبصروا رشدهم ولكن الله أضلهم فلا يبصرون رشَدا ولا يهتدون سبـيلاً, ومن أضله عن الرشاد فلا هادي له. ولكن الله يدعهم فـي تـماديهم فـي كفرهم وتـمرّدهم فـي شركهم يتردّدون, لـيستوجبوا الغاية التـي كتبها الله لهم من عقوبته وألـيـم نكاله.
الآية : 187
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي الذين عنُوا بقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ فقال بعضهم: عنـي بذلك قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم من قُريش, وكانوا سألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك.
12071ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قالت قريش لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: إن بـيننا وبـينك قرابة, فأسرّ إلـينا متـى الساعة فقال الله: يَسْئَلُونَكَ كأنّك حَفِـيّ عَنْها.
وقال آخرون: بل عنـي به قوم من الـيهود. ذكر من قال ذلك.
12072ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا يونس بن بكير, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت, قال: ثنـي سعيد بن جبـير أو عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: قال حمل بن أبـي قُشير وسمْول بن زيد لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد أخبرنا متـى الساعة إن كنت نبـيّا كما تقول, فإنا نعلـم متـى هي فأنزل الله تعالـى: يَسْئَلَونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها قَلْ إنّـما عِلْـمُها عِنْدَ ربّـي... إلـى قوله: ولَكِنّ أكْثَر النّاسِ لا يَعْلَـمُون.
12073ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسماعيـل بن أبـي خالد, عن طارق بن شهاب, قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتـى نزلت: يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها.
قال أبو جعفر: والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن قوما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة, فأنزل الله هذه الاَية, وجائز أن يكون كانوا من قريش, وجائز أن يكونوا كانوا من الـيهود ولا خبر بذلك عندنا يجوّز قطع القول علـى أيّ ذلك كان.
فتأويـل الاَية إذن: يسئلك القوم الذين يسئلونك عن الساعة أيّان مرساها, يقول: متـى قـيامها. ومعنى «أيّان»: «متـى» فـي كلام العرب, ومنه قول الراجز:
أيّان تَقْضِي حاجَتِـي أيّانَاأمَا تَرى لِنُـجْحِها إبّـانَا
ومعنى قوله: مُرْساها: قـيامها, من قول القائل: أرساها الله فهي مرساة, وأرساها القوم: إذا حبسوها, ورست هي ترسو رُسُوّا. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك.
12074ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها: يقول متـى قـيامها.
12075ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها: متـى قـيامها.
وقال آخرون: معنى ذلك: منتهاها. وذلك قريب الـمعنى من معنى من قال: معناه: قـيامها, لأن انتهاءها: بلوغها وقتها. وقد بـيّنا أن أصل ذلك الـحبس والوقوف. ذكر من قال ذلك.
12076ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يَسْئَلُونَك عَنِ السّاعَةِ أيّان مُرْساها يعنـي: منتهاها.
وأما قوله: قُلْ إنّـما عِلْـمُها عِنْد ربّـي لا يُجَلّـيها لِوقْتِها إلاّ هُو فإنه أمر من الله نبـيه مـحمدا صلى الله عليه وسلم بأن يجيب سائلـيه عن الساعة بأنه لا يعلـم وقت قـيامها إلاّ الله الذي يعلـم الغيب, وأنه لا يظهرها لوقتها ولا يعلـمها غيره جلّ ذكره. كما:
12077ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قُلْ إنّـمَا عِلْـمُها عِنْد ربّـي لا يُجَلّـيها لِوقْتِها إلاّ هُوَ يقول: علـمها عند الله, هو يجلـيها لوقتها, لا يعلـم ذلك إلاّ الله.
12078ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لا يُجَلّـيها: يأتـي بها.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد: لا يُجَلّـيها لا يأتـي بها إلاّ هُو.
12079ـ حدثنـي مـحمدبن الـحسين قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لا يُجَلّـيها لِوَقْتِهَا إلاّ هُو يقول: لا يرسلها لوقتها إلاّ هو.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: ثَقُلَتْ فـي السّمَواتِ والأرْضِ لا تأْتِـيكُمْ إلاّ بَغْتَةً.
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: معنى ذلك: ثقلت الساعة علـى أهل السموات والأرض أن يعرفوا وقتها ومـجيئها لـخفـائها عنهم واستئثار الله بعلـمها. ذكر من قال ذلك.
12080ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قوله: ثَقُلَتْ فـي السّمَواتِ والأرْضِ يقول: خفـيت فـي السموات والأرض, فلـم يعلـم قـيامها متـى تقوم مَلك مقرّب ولا نبـيّ مرسل.
12081ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزّاق جميعا, عن معمر, عن بعض أهل التأويـل: ثَقُلَتْ فـي السّمَواتِ والأرْضِ قال: ثقل علـمها علـى أهل السموات وأهل الأرض أنهم لا يعلـمون.
وقال آخرون: معنى ذلك: أنها كبرت عند مـجيئها علـى أهل السموات والأرض. ذكر من قال ذلك.
12082ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, وحدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق جميعا, عن معمر, قال: قال الـحسن, فـي قوله: ثَقُلَتْ فـي السّمَوَاتِ والأرْضِ يعنـي: إذا جاءت ثَقُلت علـى أهل السماء وأهل الأرض. يقول: كبُرت علـيهم.
12083ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: ثَقُلَتْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ قال: إذا جاءت انشقّت السماء, وانتثرت النـجوم, وكُوّرَت الشمس, وسُيرت الـجبـال, وكان ما قال الله فذلك ثقلها.
12084ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: قال بعض الناس فـي «ثقلت»: عظمت.
وقال آخرون: معنى قوله: فـي السّمَوَاتِ والأرْضِ: علـى السموات والأرض. ذكر من قال ذلك.
12085ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ثَقُلَتْ فِـي السّمَوَاتِ والأرْضِ: أي علـى السموات والأرض.
قال أبو جعفر: وأولـى ذلك عندي بـالصواب, قول من قال: معنى ذلك: ثقلت الساعة فـي السموات والأرض علـى أهلها أن يعرفوا وقتها وقـيامها لأن الله أخفـى ذلك عن خـلقه, فلـم يطلع علـيه منهم أحدا. وذلك أن الله أخبر بذلك بعد قوله: قُلْ إنّـمَا عِلْـمُها عِنْدَ رَبّـي لا يُجَلِـيها لِوَقْتِها إلاّ هُوَ وأخبر بعده أنها لا تأتـي إلاّ بغتة, فـالذي هو أولـى أن يكون ما بـين ذلك أيضا خبرا عن خفـاء علـمها عن الـخـلق, إذ كان ما قبله وما بعده كذلك.
وأما قوله: لا تَأْتِـيكُمْ إلاّ بَغْتَةً فإنه يقول: لا تـجيء الساعة إلاّ فجأة, لا تشعرون بـمـجيئها. كما:
12086ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لا تَأتِـيكُمْ إلاّ بَغْتَةً يقول: يبغتهم قـيامها, تأتـيهم علـى غفلة.
12087ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: لا تَأْتِـيكُمْ إلاّ بَغْتَةً قضى الله أنها لا تأتـيكم إلاّ بغتة. قال: وذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «إنّ السّاعَةَ تَهِيجُ بـالنّاسِ والرّجُلُ يُصْلِـحُ حَوْضهُ والرّجُلُ يُسْقِـي ماشِيَتَهُ والرّجُلُ يُقِـيـمُ سِلْعَتَهُ فـي السّوقِ وَالرّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ».
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها قُلْ إنّـمَا عِلْـمُها عِنْدَ اللّهِ وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ.
يقول تعالـى ذكره: يسألك هؤلاء القوم عن الساعة, كأنك حفـيّ عنها. فقال بعضهم: يسألونك عنها كأنك حفـيّ بهم. وقالوا: معنى قوله: «عنها» التقديـم وإن كان مؤخرا. ذكر من قال ذلك.
12088ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها يقول: كأن بـينك وبـينهم مودّة, كأنك صديق لهم. قال ابن عبـاس: لـما سأل الناس مـحمدا صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن مـحمدا حفـي بهم, فأوحى الله إلـيه: إنـما علـمها عنده, استأثر بعلـمها, فلـم يُطْلِع علـيها ملَكا ولا رسولاً.
12089ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, قال: قال قتادة: قالت قريش لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: إن بـيننا وبـينك قرابة, فأسرّ إلـينا متـى الساعة فقال الله: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها: أي حفـيّ بهم. قال: قالت قريش: يا مـحمد أسرّ إلـينا علـم الساعة لـما بـيننا وبـينك من القرابة لقرابتنا منك.
12090ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر وهانىء بن سعيد, عن حجاج, عن خَصِيف, عن مـجاهد وعكرمة: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها قال: حفـيّ بهم حين يسألونك.
12091ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها قال: قربت منهم, وتـحفّـى علـيهم. قال: وقال أبو مالك: كأنك حفـيّ بهم, قال: قريب منهم, وتـحفّـى علـيهم. قال: وقال أبو مالك: كأنك حفـيّ بهم فتـحدثهم.
12092ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها كأنك صديق لهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: كأنك قد استـحفـيت الـمسألة عنها فغلـمتها. ذكر من قال ذلك.
12093ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: كأنّك حَفِـيّ عَنْها استـحفـيت عنها السؤال حتـى علـمتها.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو سعد, عن مـجاهد فـي قوله: كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها قال: استـحفـيت عنها السؤال حتـى علـمت وقتها.
12094ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها قال: كأنك عالـم بها.
قال: حدثنا حامد بن نوح, عن أبـي روق, عن الضحاك: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها قال: كأنك تعلـمها.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: ثنـي عبـيد بن سلـيـمان, عن الضحاك, قوله: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها يقول: يسألونك عن الساعة, كأنك عندك علـما منها. قُلْ إنّـمَا عِلْـمُها عِنْدَ رَبـي.
12095ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن بعضهم: كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها: كأنك عالـم بها.
12096ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها قال: كأنك عالـم بها. وقال: أخفـى علـمها علـى خـلقه. وقرأ: إنّ اللّهَ عِنْدَه عِلْـم السّاعَةِ, حتـى ختـم السورة.
12097ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس, قوله: يَسْئَلُونَكَ كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها يقول: كأنك يعجبك سؤالهم إياك. قُلْ إنّـمَا عِلْـمُها عِنْدَ اللّهَ.
وقوله: كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها يقول: لطيف بها.
فوجه هؤلاء تأويـل قوله: كأنّكَ حَفِـيّ عَنْها إلـى حفـيّ بها, وقالوا: تقول العرب: تـحفـيت له فـي الـمسئلة, وتـحفـيت عنه. قالوا: ولذلك قـيـل: أتـينا فلانا نسأل به, بـمعنى نسأل عنه.
قال أبو جعفر: وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معناه: كأنك حفـيّ بـالـمسئلة عنها فتعلـمها.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: حَفِـيّ عَنْها ولـم يقل حفـيّ بها, إن كان ذلك تأويـل الكلام؟ قـيـل: إن ذلك قـيـل كذلك, لأن الـحفـاوة إنـما تكون فـي الـمسئلة, وهي البشاشة للـمسؤول عند الـمسئلة, والإكثار من السؤال عنه, والسؤال يوصل ب «عن» مرّة وبـالبـاء مرّة, فـيقال: سألت عنه, وسألت به فلـما وضع قوله «حفـي» موضع السؤال, وصل بأغلب الـحرفـين اللذين يوصل بهما السؤال, وهو «عن», كما قال الشاعر:
سُؤَالَ حَفِـيَ عَنْ أخِيهِ كأنّهيُذَكّرُهُ وَسْنانُ أوْ مُتَوَاسِنُ
وأما قوله: قُلْ إنّـمَا عِلْـمُها عِنْدَ اللّهِ فإن معناه: قل يا مـحمد لسائلـيك عن وقت الساعة وحين مـجيئها: لا علـم لـي بذلك, ولا يعلـم به إلاّ الله الذي يعلـم غيب السموات والأرض. وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمونَ يقول: ولكن أكثر الناس لا يعلـمون أن ذلك لا يعلـمه إلاّ الله, بل يحسبون أن علـم ذلك يوجد عند بعض خـلقه