سورة الأنفال | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 180 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 180
181
179
الآية : 26
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاذْكُرُوَاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }..
وهذا تذكير من الله عزّ وجلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناصحة.يقول: أطيعوا الله ورسوله أيها الـمؤمنون, واستـجيبوا له إذا دعاكم لـما يحيـيكم ولا تـخالفوا أمره, وإن أمركم بـما فـيه علـيكم الـمشقة والشدّة, فإن الله يهوّنه علـيكم بطاعتكم إياه ويعجل لكم منه ما تـحبون, كما فعل بكم إذ آمنتـم به واتبعتـموه وأنتـم قلـيـل يستضعفكم الكفـار فـيفتنونكم عن دينكم وينالونكم بـالـمكروه فـي أنفسكم وأعراضكم تـخافون منهم أن يتـخطفوكم فـيقتلوكم ويصطلـموا جميعكم فآوَاكُمْ يقول: فجعل لكم مأوى تأوون إلـيه منهم. وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يقول: وقوّاكم بنصره علـيهم, حتـى قتلتـم منهم من قتلتـم ببدر. وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ يقول: وأطعمكم غنـيـمتهم حلالاً طيبـا. لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: لكي تشكروا علـى ما رزقكم وأنعم به علـيكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم.
واختلف أهل التأويـل فـي الناس الذين عنوا بقوله: أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ فقال بعضهم: كفـار قريش. ذكر من قال ذلك.
12422ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: وَاذكُرُوا إذ أنْتُـمْ قَلـيـلٌ مُسْتَضعَفُونَ فِـي الأرضِ تَـخافُونَ أن يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ قال: يعنـي بـمكة مع النبـي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من قريش وحلفـائها وموالـيها قبل الهجرة.
12423ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الكلبـي أو قتادة أو كلـيهما: وَاذكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ أنها نزلت فـي يوم بدر, كانوا يومئذٍ يخافون أن يتـخطفهم الناس, فآواهم الله وأيدهم بنصره.
12424ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, بنـحوه.
وقال آخرون: بل عُنـي به غيرُ قريش. ذكر من قال ذلك.
12425ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنـي أبـي, قال: سمعت وهب بن منبه يقول فـي قوله عزّ وجلّ: تَـخافُونَ أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ قال: فـارس.
12426ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد, أنه سمع وهب بن منبه يقول, وقرأ: وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِـي الأرْضِ تَـخافُونَ أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ والناس إذ ذاك: فـارس, والروم.
12427ـ قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِـي الأرْضِ قال: كان هذا الـحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاّ, وأشقاه عيشا, وأجوعه بطونا, وأعراه جلودا, وأبـينه ضلالاً من عاش منهم عاش شقـيّا, ومن مات منهم ردّي فـي الناس, يؤكلون ولا يأكلون, والله ما نعلـم قبـيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرّ منهم منزلاً. حتـى جاء الله بـالإسلام, فمكّن به فـي البلاد, ووسّع به فـي الرزق, وجعلكم به ملوكا علـى رقاب الناس, فبـالإسلام أعطى الله ما رأيتـم, فـاشكروا الله علـى نعمه, فإن ربكم منعم يحبّ الشكر وأهل الشكر فـي مزيد من الله تبـارك وتعالـى.
وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب, قول من قال: عُنـي بذلك مشركو قريش لأن الـمسلـمين لـم يكونوا يخافون علـى أنفسهم قبل الهجرة من غيرهم, لأنهم كانوا أدنى الكفـار منهم إلـيهم, وأشدّهم علـيهم يومئذٍ مع كثرة عددهم وقلة عدد الـمسلـمين.
وأما قوله: فَآوَاكُمْ فإنه يعنـي: آواكم الـمدينة, وكذلك قوله: وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ بـالأنصار.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12428ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَآوَاكُمْ قال: إلـى الأنصار بـالـمدينة. وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وهؤلاء أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم, أيدهم بنصره يوم بدر.
12429ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة: فَآوَاكُمْ وأيّدَكُمْ بِنَصْرهِ, وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطيّبـاتِ يعنـي بـالـمدينة.
الآية : 27
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوَاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين بـالله ورسوله من أصحاب نبـيه صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا تَـخُونُوا الله. وخيانتهم الله ورسوله كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين الإيـمان فـي الظاهر والنصيحة, وهو يستسرّ الكفر والغشّ لهم فـي البـاطن, يدلّون الـمشركين علـى عورتهم, ويخبرونهم بـما خفـي عنهم من خبرهم.
وقد اختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت هذه الاَية, وفـي السبب الذي نزلت فـيه, فقال بعضهم: نزلت فـي منافق كتب إلـى أبـي سفـيان يطلعه علـى سرّ الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك.
12430ـ حدثنا القاسم بن بشر بن معروف, قال: حدثنا شبـابة بن سوّار, قال: حدثنا مـحمد بن الـمـحرم, قال: لقـيت عطاء بن أبـي ربـاح, فحدثنـي, قال: ثنـي جابر بن عبد الله أن أبـا سفـيان خرج من مكة, فأتـى جبريـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: إن أبـا سفـيان فـي مكان كذا وكذا. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إنّ أبـا سُفْـيانَ فِـي مَكانِ كَذَا وكَذَا فـاخْرُجُوه إلَـيْهِ وَاكْتُـمُوا» قال: فكتب رجل من الـمنافقـين إلـى أبـي سفـيان: إن مـحمدا يريدكم, فخذوا حذركم فأنزل الله عزّ وجلّ: لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتـخُونُوا أماناتِكُمْ.
وقال آخرون: بل نزلت فـي أبـي لبـابة للذي كان من أمره وأمر بنـي قريظة. ذكر من قال ذلك.
12431ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو سفـيان, عن معمر, عن الزهري, قوله: لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ قال: نزلت فـي أبـي لبـابة, بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلـى حلقه أنه الذبح. قال الزهري: فقال أبو لبـابة: لا والله لا أذوق طعاما ولا شرابـا حتـى أموت أو يتوب الله علـيّ فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابـا, حتـى خرّ مغشيّا علـيه, ثم تاب الله علـيه, فقـيـل له: يا أبـا لبـابة قد تـيب علـيك قال: والله لا أحلّ نفسي حتـى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلنـي فجاءه فحله بـيده. ثم قال أبو لبـابة: إن من توبتـي أن أهجر دار قومي التـي أصبت بها الذنب وأن أنـخـلع من مالـي, قال: «يُجْزِيكَ الثّلُثُ أنْ تَصَدّقَ بِهِ».
12432ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, عن ابن عيـينة, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, قال: سمعت عبد الله بن أبـي قتادة, يقول: نزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فـي أبـي لبـابة.
وقال آخرون: بل نزلت فـي شأن عثمان رضي الله عنه. ذكر من قال ذلك.
12433ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا يونس بن الـحرث الطائفـي, قال: حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عون الثقـفـيّ, عن الـمغيرة بن شعبة, قال: نزلت هذه الاَية فـي قتل عثمان رضي الله عنه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ... الاَية.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله نهى الـمؤمنـين عن خيانته وخيانة رسوله وخيانة أمانته. وجائز أن تكون نزلت فـي أبـي لبـابة, وجائز أن تكون نزلت فـي غيره, ولا خبر عندنا بأيّ ذلك كان يجب التسلـيـم له بصحته, فمعنى الاَية وتأويـلها ما قدمنا ذكره.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12434ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يا أيهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ قال: نهاكم أن تـخونوا الله والرسول, كما صنع الـمنافقون.
12435ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ... الاَية, قال: كانوا يسمعون من النبـيّ صلى الله عليه وسلم الـحديث فـيفشونه حتـى يبلغ الـمشركين.
واختلفوا فـي تأويـل قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فقال بعضهم: لا تـخونوا الله والرسول, فإن ذلك خيانة لأماناتكم وهلاك لها. ذكر من قال ذلك.
12436ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فإنهم إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم.
12437ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ: أي لا تظهروا لله من الـحقّ ما يرضى به منكم ثم تـخالفوه فـي السرّ إلـى غيره, فإن ذلك هلاك لأماناتكم وخيانة لأنفسكم.
فعلـى هذا التأويـل, قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فـي موضع نصب علـى الظرف, كما قال الشاعر:
لاَ تَنْهَ عَنْ خُـلُقٍ وَتَأْتِـيَ مِثْلَهُعارٌ عَلَـيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيـمُ
ويروى: «وتأتـي مثله».
وقال آخرون: معناه: لا تـخونوا الله والرسول, ولا تـخونوا أماناتكم وأنتـم تعلـمون. ذكر من قال ذلك.
12438ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: قوله: يا أَيّهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ يقول: لا تـخونوا: يعنـي لا تنقصوها.
فعلـى هذا التأويـل: لا تـخونوا الله والرسول, ولا تـخونوا أماناتكم.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى الأمانة التـي ذكرها الله فـي قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فقال بعضهم: هي ما يخفـى عن أعين الناس من فرائض الله. ذكر من قال ذلك.
12439ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وتَـخونُوا أماناتِكُمْ والأمانة: الأعمال التـي أمن الله علـيها العبـاد, يعنـي: الفريضة. يقول: لا تَـخُونُوا: يعنـي لا تنقصوها.
12440ـ حدثنا علـيّ بن داود, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يا أَيّهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ يقول: بترك فرائضه والرّسُولَ يقول: بترك سننه وارتكاب معصيته. قال: وقال مرّة أخرى: لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ والأمانة: الأعمال. ثم ذكر نـحو حديث الـمثنى.
وقال آخرون: معنى الأمانات ههنا: الدّين. ذكر من قال ذلك.
12441ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَتـخُونُوا أماناتِكُمْ دينكم. وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ قال: قد فعل ذلك الـمنافقون وهم يعلـمون أنهم كفـار, يظهرون الإيـمان. وقرأ: وَإذَا قامُوا إلـى الصّلاةِ قامُوا كُسالـى... الاَية, قال: هؤلاء الـمنافقون أمنهم الله ورسوله علـى دينه فخانوا, أظهروا الإيـمان وأسرّوا الكفر.
فتأويـل الكلام إذن: يا أيها الذين آمنوا لا تنقصوا الله حقوقه علـيكم من فرائضه ولا رسوله من واجب طاعته علـيكم, ولكن أطيعوهما فـيـما أمراكم به ونهياكم عنه, لا تنقصوهما, وتـخونوا أماناتكم, وتنقصوا أديانكم, وواجب أعمالكم, ولازمها لكم, وأنتـم تعلـمون أنها لازمة علـيكم وواجبة بـالـحجج التـي قد ثبتت لله علـيكم.
الآية : 28
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاعْلَمُوَاْ أَنّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين: واعلـموا أيها الـمؤمنون أنـما أموالكم التـي خوّلكموها الله وأولادكم التـي وهبها الله لكم اختبـار وبلاء أعطاكموها لـيختبركم بها ويبتلـيكم لـينظر كيف أنتـم عاملون من أداء حقّ الله علـيكم فـيها والانتهاء إلـى أمره ونهيه فـيها. وأنّ الله عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِيـمٌ يقول: واعلـموا أن الله عنده خير وثواب عظيـم علـى طاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم فـي أموالكم وأولادكم التـي اختبركم بها فـي الدنـيا, وأطيعوا الله فـيـما لكم فـيها تنالوا به الـجزيـل من ثوابه فـي معادكم.
12442ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا الـمسعودي, عن القاسم, عن عبد الرحمن, عن ابن مسعود, فـي قوله: إنّـمَا أمْوَالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ قال: ما منكم من أحد إلاّ وهو مشتـمل علـى فتنة, فمن استعاذ منكم فلـيتعذ بـالله من مُضِلاّت الفتن.
12371حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا أمْوَالُكُم وأوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ قال: فتنة الاختبـار, اختبـارهم. وقرأ: وَنَبلُوكُمْ بـالشّرّ والـخَيْرِ فِتْنَةً وَإلَـيْنا تُرْجِعُونَ.
الآية : 29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إَن تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }..
يقول تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ صدقوا الله ورسوله إنْ تَتّقُوا اللّهَ بطاعته, وأداء فرائضه واجتناب معاصيه, وترك خيانته, خيانة رسوله وخيانة أماناتكم يَجْعَلْ لَكُم فُرْقانا: يقول: يجعل لكم فصلاً وفرقا بـين حقكم وبـاطل من يبغيكم السوء من أعدائكم الـمشركين بنصره إياكم علـيهم, وإعطائكم الظفر بهم. ويُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ يقول: ويـمـحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بـينكم وبـينه. ويَغْفِرْ لَكُمْ يقول: ويغطيها, فـيسترها علـيكم, فلا يؤاخذكم بها. وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيـمِ يقول: والله الذي يفعل ذلك بكم, له الفضل العظيـم علـيكم وعلـى غيركم من خـلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله, وإن فعله جزاء منه لعبده علـى طاعته إياه, لأنه الـموفق عبده لطاعته التـي اكتسبها حتـى استـحقّ من ربه الـجزاء الذي وعده علـيها.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي العبـارة عن تأويـل قوله: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا فقال بعضهم: مخرجا, وقال بعضهم: نـجاة, وقال بعضهم: فصلاً. وكلّ لك متقارب الـمعنى وإن اختلفت العبـارات عنها, وقد بـينت صحة ذلك فـيـما مضى قبل بـما أغنـي عن إعادته. ذكر من قال: معناه الـمخرج:
12443ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور: عن مـجاهد: إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: مخرجا.
قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد: إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: مخرجا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن عنبسة, عن جابر, عن مـجاهد: فُرْقانا: مخرجا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فُرْقانا قال: مخرجا فـي الدنـيا والاَخرة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن سعيد, عن حجاج, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فُرْقانا قال: الفرقان الـمخرج.
12444ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فُرْقانا يقول: مخرجا.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن منصور, عن مـجاهد: فُرْقانا: مخرجا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء البصريّ, قال: حدثنا زائدة, عن منصور, عن مـجاهد, مثله.
12445ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: فُرْقانا قال: مخرجا.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ قال: سمعت عبـيدا يقول: سمعت الضحاك يقول: فُرْقانا: مخرجا.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, مثله.
12446ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد, عن زهير, عن جابر: عن عكرمة, قال: الفرقان: الـمخرج. ذكر من قال: معناه النـجاة:
12447ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن جابر, عن عكرمة: إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: نـجاة.
12448ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن رجل, عن عكرمة ومـجاهد, فـي قوله: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال عكرمة: الـمخرج, وقال مـجاهد: النـجاة.
12449ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: نـجاة.
12450ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا يقول: يجعل لكم نـجاة.
12451ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا: أي نـجاة.
ذكر من قال فصلاً:
12452ـ ... يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: فرقان يفرق فـي قلوبهم بـين الـحقّ والبـاطل, حتـى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان.
12453ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا: أي فصلاً بـين الـحقّ والبـاطل, يظهر به حقكم ويخفـي به بـاطل من خالفكم.
والفرقان فـي كلام العرب مصدر, من قولهم: فرقت بـين الشيء والشيء أفرق بـينهما قَرْقا وفُرْقانا.
الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }..
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم مذكره نعمه علـيه: واذكر يا مـحمد, إذ يـمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: لِـيُثْبِتُوكَ فقال بعضهم: معناه: لـيقـيدوك. ذكر من قال ذلك.
12454ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ يعنـي: لـيوثقوك.
12455ـ قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لِـيُثْبِتُوكَ لـيوثقوك.
12456ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ... الاَية, يقول: لـيشدّوك وثاقا, وأرادوا بذلك نبـيّ الله النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ بـمكة.
12457ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ومِقْسم, قالا: قالوا: أوثقوه بـالوثاق
12458ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لِـيُثْبِتُوكَ قال: الإثبـات: هو الـحبس والوثاق.
وقال آخرون: بل معناه الـحبس. ذكر من قال ذلك.
12459ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: سألت عطاء عن قوله: لِـيُثْبِتُوكَ قال: يَسجنوك. وقالها عبد الله بن كثـير.
12460ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قالوا: اسجنوه
وقال آخرون: بل معناه: لـيسحروك. ذكر من قال ذلك.
12461ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل البصريّ الـمعروف بـالوساوسي, قال: حدثنا عبد الـمـجيد بن أبـي روّاد, عن ابن جريج, عن عطاء, عن عبـيد بن عمير عن الـمطلب بن أبـي وداعة, أن أبـا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأتـمر به قومك؟ قال: «يُرِيدُونَ أنْ يَسْحَرُونِـي ويَقْتُلُونِـي ويُخْرِجُونِـي» فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: «ربـي» قال: نعم الربّ ربك, فـاستوص به خيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أسْتَوْصِي بِهِ؟ بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِـي خَيْرا». فنزلت: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ... الاَية.
12462ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال عطاء: سمعت عبـيد بن عمير يقول: لـما ائتـمروا بـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه, قال له أبو طالب: هل تدري ما ائتـمروا لك؟ قال: «نَعَمْ». قال: فأخبره. قال: من أخبرك؟ قال: «رَبّـي». قال: نعم الربّ ربك, استوص به خيرا قال: «أنا أسْتَوْصِي بِهِ, أوْ هُوَ يَسْتَوْصِي بـي؟».
وكان معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به لـيثبتوه, كما:
12463ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأموي, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: وحدثنـي الكلبـي, عن زاذان مولـى أم هانىء, عن ابن عبـاس: أن نفرا من قريش من أشراف كلّ قبـيـلة, اجتـمعوا لـيدخـلوا دار الندوة, فـاعترضهم إبلـيس فـي صورة شيخ جلـيـل فلـما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من نـجد, سمعت أنكم اجتـمعتـم, فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم منـي رأي ونصح. قالوا: أجل ادخـل فدخـل معهم, فقال: انظروا فـي شأن هذا الرجل, والله لـيوشِكنّ أن يواثبكم فـي أموركم بأمره قال: فقال قائل: احبسوه فـي وثاق, ثم تربصوا به ريب الـمنون حتـى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء, زهير والنابغة, إنـما هو كأحدهم قال: فصرخ عدوّ الله الشيخ النـجدي, فقال: والله ما هذا لكم رأي, والله لـيخرجنه ربه من مـحبسه إلـى أصحابه فلـيوشكن أن يثبوا علـيه حتـى يأخذوه من أيديكم فـيـمنعوه منكم, فما آمن علـيكم أن يخرجوكم من بلادكم قالوا: فـانظروا فـي غير هذا. قال: فقال قائل: أخرجوه من بـين أظهركم تستريحوا منه, فإنه إذا خرج لن يضرّكم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم أذاه واسترحتـم وكان أمره فـي غيركم فقال الشيخ النـجديّ: والله ما هذا لكم برأي, ألـم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتـم ثم استعرض العرب, لتـجتـمعنّ علـيكم, ثم لـيأتـينّ إلـيكم حتـى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم قالوا: صدق والله, فـانظروا رأيا غير هذا قال: فقال أبو جهل: والله لأشيرنّ علـيكم برأي ما أراكم أبصرتـموه بعد ما أرى غيره. قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كلّ قبـيـلة غلاما وسطا شابـا نهدا, ثم يعطى كلّ غلام منهم سيفـا صارما, ثم يضربونه ضربة رجل واحد, فإذا قتلوه تفرّق دمه فـي القبـائل كلها, فلا أظنّ هذا الـحيّ من بنـي هاشم يقدرون علـى حرب قريش كلها, فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النـجديّ: هذا والله الرأي القول ما قال الفتـى, لا أرى غيره. قال: فتفرّقوا علـى ذلك وهم مـجمعون له. قال: فأتـى جبريـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأمره أن لا يبـيت فـي مضجعه الذي كان يبـيت فـيه تلك اللـيـلة, وأذن الله له عند ذلك بـالـخروج, وأنزل علـيه بعد قدومه الـمدينة الأنفـال يذكره نعمه علـيه وبلاءه عنده: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُونَ وَيَـمْكُرُ اللّهُ خَيْرُ واللّهُ الـمَاكِرِينَ وأنزل فـي قولهم: «تَرَبّصُوا بِهِ رَيْبَ الـمَنُونِ» حتـى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء: أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَربّصُ بِهِ رَيْبَ الـمَنُونِ وكان يسمى ذلك الـيوم: «يوم الزحمة» للذي اجتـمعوا علـيه من الرأي.
12464ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ومقسم, فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ قالا: تشاوروا فـيه لـيـلة وهم بـمكة, فقال بعضهم: إذا أصبح فأوثقوه بـالوثاق وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل اخرجوه فلـما أصبحوا رأوا علـيّا رضي الله عنه, فردّ الله مكرهم.
12465ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنـي أبـي, عن عكرمة, قال: لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلـى الغار, أمر علـيّ بن أبـي طالب, فنام فـي مضجعه, فبـات الـمشركون يحرسونه. فإذا رأوه نائما حسبوا أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فتركوه. فلـما أصبحوا ثاروا إلـيه وهم يحسبون أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فإذا هم بعلـيّ, فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. قال: فركبوا الصعب والذّلول فـي طلبه.
12466ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, قال: أخبرنـي عثمان الـجريري: أن مقسما مولـى ابن عبـاس أخبره عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ قال: تشاورت قريش لـيـلة بـمكة, فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بـالوثاق يريدون النبـيّ صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل اخرجوه فأطلع الله نبـيه علـى ذلك, فبـات علـيّ رضي الله عنه علـى فراش النبـيّ صلى الله عليه وسلم تلك اللـيـلة, وخرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم حتـى لـحق بـالغار, وبـات الـمشركون يحرسون علـيّا, يحسبون أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم. فلـما أصبحوا ثاروا إلـيه, فلـما رأوه علـيّا رضي الله عنه, ردّ الله مكرهم, فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. فـاقتصوا أثره فلـما بلغوا الـجبل ومرّوا بـالغار, رأوا علـى بـابه نسج العنكبوت, قالوا: لو دخـل ههنا لـم يكن نَسْجٌ علـى بـابه فمكث فـيه ثلاثا.
12467ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُونَ ويَـمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ قال: اجتـمعت مشيخة قريش يتشاورون فـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعدما أسلـمت الأنصار وفرقوا أن يتعالـى أمره إذا وجد ملـجأ لـجأ إلـيه. فجاء إبلـيس فـي صورة رجل من أهل نـجد, فدخـل معهم فـي دار الندوة فلـما أنكروه قالوا: من أنت؟ فوالله ما كلّ قومنا أعلـمناهم مـجلسنا هذا قال: أنا رجل من أهل نـجد أسمع من حديثكم وأشير علـيكم. فـاستـحيوا فخـلوا عنه. فقال بعضهم: خذوا مـحمدا إذا اصطبح علـى فراشه, فـاجعلوه فـي بـيت نتربص به ريب الـمنون والريب: هو الـموت, والـمنون: هو الدهر قال إبلـيس: بئسما قلت, تـجعلونه فـي بـيت فـيأتـي أصحابه فـيخرجونه فـيكون بـينكم قتال قالوا: صدق الشيخ. قال: أخرجوه من قريتكم قال إبلـيس: بئسما قلت, تـخرجونه من قريتكم وقد أفسد سفهاءكم فـيأتـي قرية أخرى فـيفسد سفهاءهم فـيأتـيكم بـالـخيـل والرجال. قالوا: صدق الشيخ. قال أبو جهل, وكان أولاهم بطاعة إبلـيس: بل نعمد إلـى كلّ بطن من بطون قريش, فنـخرج منهم رجلاً فنعطيهم السلاح, فـيشدّون علـى مـحمد جميعا فـيضربونه ضربة رجل واحد, فلا يستطيع بنو عبد الـمطلب أن يقتلوا قريشا, فلـيس لهم إلاّ الدية. قال إبلـيس: صدق, وهذا الفتـى هو أجودكم رأيا. فقاموا علـى ذلك, وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم, فنام علـى الفراش, وجعلوا علـيه العيون. فلـما كان فـي بعض اللـيـل, انطلق هو وأبو بكر إلـى الغار, ونام علـيّ بن أبـي طالب علـى الفراش, فذلك حين يقول الله: لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ والإثبـات: هو الـحبس والوثاق, وهو قوله: وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإذَنْ لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاّ قَلِـيلاً يقول: يهلكهم. فلـما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة لقـيه عمر, فقال له: ما فعل القوم؟ وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من بـين أظهرهم, وكذلك كان يصنع بـالأمـم, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أخّرُوا بـالقِتالِ».
12468ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ قال: كفـار قريش أرادوا ذلك بـمـحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد نـحوه.
حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن سعيد, عن حجاج, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد نـحوه إلاّ أنه قال: فعلوا ذلك بـمـحمد.
12469ـ حدثنـي مـحمد بن سعد قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ... الاَية, هو النبـيّ صلى الله عليه وسلم مكروا به وهو بـمكة.
12470ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ... إلـى آخر الاَية, قال: اجتـمعوا فتشاوروا فـي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: اقتلوا هذا الرجل فقال بعضهم: لا يقتله رجل إلاّ قُتل به قالوا: خذوه فـاسجنوه واجعلوا علـيه حديدا قالوا: فلا يدعكم أهل بـيته. قالوا: أخرجوه قالوا: إذا يستغويَ الناس علـيكم. قال: وإبلـيس معهم فـي صورة رجل من أهل نـجد. واجتـمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البـيت ويستسلـم أن يجتـمعوا علـيه فَـيَغمّوه ويقتلوه, فإنه لا يدري أهله من قتله, فـيرضون بـالعقل فنقتله ونستريح ونعقله. فلـما أن جاء يطوف بـالبـيت اجتـمعوا علـيه, فغمّوه. فأتـى أبو بكر, فقـيـل له ذاك, فأتـى فلـم يجد مدخلاً فلـما أن لـم يجد مدخلاً, قال: أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبّـي الله وقَدْ جَاءَكُمْ بـالبَـيّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ؟ قال: ثم فرجها الله عنه فلـما أن كان اللـيـل أتاه جبريـل علـيه السلام, فقال: من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وفلان. فقال: لا نـحن أعلـم بهم منك يا مـحمد, هو ناموس لـيـل قال: وأخذ أولئك من مضاجعهم وهم نـيام. فأتـى بهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقدم أحدهم إلـى جبريـل, فكحله, ثم أرسله, فقال: «ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟» قال: كفـيته يا نبـيّ الله. ثم قدم آخر فنقر فوق رأسه بعصا نقرة, ثم أرسله فقال: «ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟» فقال: كفـيته يا نبـيّ الله. ثم أتـي بآخر فنقر فـي ركبته, فقال: «ما صُورَتُه يا جِبْرِيـلُ؟» قال: كفـيته. ثُم أتـي بآخر, فسقاه مذقة, فقال: «ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟» قال: كفـيته يا نبـيّ الله. وأتـي بـالـخامس. فلـما غدا من بـيته مرّ بنبّـال, فتعلق مشقص بردائه فـالتوى, فقطع الأكحل من رجله. وأما الذي كحلت عيناه فأصبح وقد عمي وأما الذي سقـي مذقة فأصبح وقد استسقـى بطنه وأما الذي نقر فوق رأسه فأخذته النقدة والنقدة: قرحة عظيـمة أخذته فـي رأسه وأما الذي طعن فـي ركبته, فأصبح وقد أقعد. فذلك قول الله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُون ويَـمْكُرُ اللّهُ واللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ.
12471ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قوله: ويَـمْكُرُونَ ويَـمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ: أي فمكرت لهم بكيدي الـمتـين حتـى خـلصتك منهم.
12472ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا قال: هذه مكية. قال ابن جريج: قال مـجاهد: هذه مكية.
فتأويـل الكلام إذن: واذكر يا مـحمد نعمتـي عندك بـمكري بـمن حاول الـمكر بك من مشركي قومك, بإثبـاتك, أو قتلك, أو إخراجك من وطنك, حتـى استنفذتك منهم وأهلكتهم, فـامْضِ لأمري فـي حرب من حاربك من الـمشركين, وتولـى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القـيـم, ولا يرعبنك كثرة عددهم, فإن ربك خير الـماكرين بـمن كفر به وعبد غيره وخالف أمره ونهيه. وقد بـيّنا معنى الـمكر فـيـما مضى بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع.
الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـَذَا إِنْ هَـَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: وإذا تتلـى علـى هؤلاء الذين كفروا آيات كتاب الله الواضحة لـمن شرح الله صدره لفهمه قالوا جهلاً منهم وعنادا للـحقّ وهم يعلـمون أنهم كاذبون فـي قـيـلهم: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا الذي تلـي علـينا, إنْ هَذَا إلاّ أساطيرُ الأوّلِـين: يعنـي أنهم يقولون ما هذا القرآن الذي يتلـى علـيهم إلاّ أساطير الأوّلـين. والأساطير: جمع أسطر, وهو جمع الـجمع, لأن واحد الأسطر: سطر, ثم يجمع السطر: أسطر وسطور, ثم يجمع الأسطر: أساطير وأساطر. وقد كان بعض أهل العربـية يقول: واحد الأساطير: أسطورة.
وإنـما عَنى الـمشركون بقولهم: إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأَوّلِـينَ: إن هذا القرآن الذي تتلوه علـينا يا مـحمد إلاّ ما سطر الأوّلون وكتبوه من أخبـار الأمـم. كأنهم أضافوه إلـى أنه أخذ عن بنـي آدم, وأنه لـم يوحه الله إلـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12473ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قوله: وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذَا قال: كان النضر بن الـحرث يختلف تاجرا إلـى فـارس, فـيـمرّ بـالعبـاد وهم يقرءون الإنـجيـل, ويركعون ويسجدون. فجاء مكة, فوجد مـحمدا صلى الله عليه وسلم قد أنزل علـيه وهو يركع ويسجد, فقال النضر: قد سمعنا, لو نشاء لقلنا مثل هذا للذي سمع من العِبـاد. فنزلت: وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْل هذَا قال: فقصّ ربنا ما كانوا قالوا بـمكة, وقصّ قولهم: إذْ قالُوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية.
12474ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كان النضر بن الـحرث بن علقمة أخو بنـي عبد الدار يختلف إلـى الـحيرة, فـيسمع سجع أهلها وكلامهم. فلـما قدم مكة, سمع كلام النبـيّ صلى الله عليه وسلم والقرآن, فقال: قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِـينَ: يقول: أساجيع أهل الـحيرة.
12475ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير قال: قتل النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا: عقبةَ بن أبـي معيط, وطعيـمة بن عديّ, والنضر بن الـحارث وكان الـمقداد أسر النضر, فلـما أمر بقتله قال الـمقداد: يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّهُ كانَ يَقُولُ فِـي كِتابِ اللّهِ ما يَقُولُ». فأمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بقتله. فقال الـمقداد: أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ أغْنِ الـمِقْدَاد مِنْ فَضْلِكَ» فقال الـمقداد: هذا الذي أردت. وفـيه نزلت هذه الاَية: وَإذَا تُتْلـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا... الاَية.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبـير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرا الـمطعم بن عديّ, والنضر بن الـحرث, وعقبة بن أبـي معيط. قال: فلـما أمر بقتل النضر, قال الـمقداد بن الأسود: أسيري يا رسول الله قال: «إنّهُ كانَ يَقُولُ فِـي كِتابِ الله وفِـي رَسُولِهِ ما كانَ يَقُولُ». قال: فقال ذلك مرّتـين أو ثلاثا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ أغْنِ الـمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» وكان الـمقداد أسر النضر.
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالُواْ اللّهُمّ إِن كَانَ هَـَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }..
يقول تعالـى ذكره: واذكر يا مـحمد أيضا ما حلّ بـمن قال: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ إذ مكرت لهم, فأتـيتهم بعذاب ألـيـم. وكان ذلك العذاب: قتلهم بـالسيف يوم بدر. وهذه الاَية أيضا ذكر أنها نزلت فـي النضر بن الـحرث. ذكر من قال ذلك.
12476ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا أبو بشر, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: وَإذْ قالُوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ قال: نزلت فـي النضر بن الـحرث.
12477ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قال: قول النضر بن الـحرث بن علقمة بن كلدة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قول النضر بن الـحرث بن علقمة بن كلدة من بنـي عبد الدار.
قال: أخبرنا إسحاق, قال: أخبرنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قال: هو النضر بن الـحرث بن كلدة.
12478ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا طلـحة بن عمرو, عن عطاء, قال: قال رجل من بنـي عبد الدار, يقا له النضر بن كلدة: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ فقال الله: وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا قَبْلَ يَوْمِ الـحِسابِ وقال: وَلَقَدْ جِئْتُـمُونا فرَادَى كمَا خَـلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ وقال: سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ قال عطاء: لقد نزل فـيه بضع عشرة آية من كتاب الله.
12479ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: فقال يعنـي النضر بن الـحرث: اللهمّ إن كان ما يقول مـحمد هو الـحقّ من عندك فأمطر علـينا حجارة من السماء أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ قال الله: سأَلَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ.
12480ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية, قال: سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ.
12481ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذْ قالُوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية, قال: قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهَلتها, فعاد الله بعائدته ورحمته علـى سفهة هذه الأمة وجهلتها.
12482ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم ذكر غيرة قريش واستفتاحهم علـى أنفسهم, إذ قالوا: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ أي ما جاء به مـحمد, فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ كما أمطرتها علـى قوم لوط أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ أي ببعض ما عذّبت به الأمـم قبلنا.
واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول «هو» فـي الكلام. فقال بعض البصريـين نصب «الـحق», لأن «هو» والله أعلـم حوّلت زائدة فـي الكلام صلة توكيد كزيادة «ما», ولا تزاد إلاّ فـي كلّ فعل لا يستغنـي عن خبر, ولـيس هو بصفة لهذا, لأنك لو قلت: «رأيت هذا هو» لـم يكن كلاما, ولا تكون هذه الـمضمرة من صفة الظاهرة, ولكنها تكون من صفة الـمضمرة, نـحو قوله: وَلَكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِـمينَ تـجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيرا وَأعْظمَ أجْرا لأنك تقول: «وجدته هو وإياي» فتكون «هو» صفة. وقد تكون فـي هذا الـمعنى أيضا غير صفة, ولكنها تكون زائدة كما كان فـي الأوّل. وقد تـجري فـي جميع هذا مـجرى الاسم, فـيرفع ما بعدها إن كان بعدها ظاهرا أو مضمرا فـي لغة بنـي تـميـم, يقولون فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِـمينَ وَ تـجِدُوهُ عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرا وَأعْظَم أجْرا كما تقول: كانوا آبـاؤهم الظالـمون, جعلوا هذا الـمضمر نـحو «هو» و «هما» و «أنت» زائدا فـي هذا الـمكان. ولـم تـجعل مواضع الصفة, لأنه فصل أراد أن يبـين به أنه لـيس ما بعده صفة لـما قبله, ولـم يحتـج إلـى هذا فـي الـموضع الذي لا يكون له خبر.
وكان بعض الكوفـيـين يقول: لـم تدخـل «هو» التـي هي عماد فـي الكلام إلاّ لـمعنى صحيح. وقال: كأنه قال: زيد قائم, فقلت أنت: بل عمرو هو القائم فهو لـمعهود الاسم والألف, واللام لـمعهود الفعل التـي هي صلة فـي الكلام مخالفة لـمعنى «هو», لأن دخولها وخروجها واحد فـي الكلام, ولـيست كذلك هو وأما التـي تدخـل صلة فـي الكلام, فتوكيد شبـيه بقولهم: «وجدته نفسه» تقول ذلك, ولـيست بصفة كالظريف والعاقل.
الآية : 33-34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوَاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاّ الْمُتّقُونَ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: تأويـله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْت فِـيهِمْ: أي وأنت مقـيـم بـين أظهرهم. قال: وأنزلت هذه علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو مقـيـم بـمكة. قال: ثم خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من بـين أظهرهم, فـاستغفر من بها من الـمسلـمين, فأنزل بعد خروجه علـيه حين استغفر أولئك بها: وَما كانَ الله مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرونَ. قال: ثم خرج أولئك البقـية من الـمسلـمين من بـينهم, فعذّب الكفـار. ذكر من قال ذلك.
12483ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن ابن أبزي, قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـمكة, فأنزل الله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ. قال: فخرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة, فأنزل الله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. قال: فكان أولئك البقـية من الـمسلـمين الذين بقوا فـيها يستغفرون, يعنـي بـمكة فلـما خرجوا أنزل الله علـيه: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ قال: فأذن الله له فـي فتـح مكة, فهو العذاب الذي وعدهم.
12484ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن أبـي مالك, فـي قوله: وَما كانَ الله لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْت فِـيهِمْ يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم. وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعنـي: من بها من الـمسلـمين. وَمَا لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ يعنـي مكة, وفـيها الكفـار.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن حصين, عن أبـي مالك, فـي قول الله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ يعنـي: أهل مكة. وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وفـيهم الـمؤمنون, يستغفرون يغفر لـمن فـيهم من الـمسلـمين.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل الرازي وأبو داود الـحفري, عن يعقوب, عن جعفر, عن ابن أبزى: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: بقـية من بقـي من الـمسلـمين منهم, فلـما خرجوا, قال: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ.
قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن حصين, عن أبـي مالك: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ قال: أهل مكة.
12485ـ وأخبرنا أبـيّ, عن سلـمة بن نبـيط, عن الضحاك: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: الـمؤمنون من أهل مكة. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ قال: الـمشركون من أهل مكة.
12486ـ قال: حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: الـمؤمنون يستغفرون بـين ظهرانـيهم.
12487ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: الذين آمنوا معك يستغفرون بـمكة, حتـى أخرجك والذين آمنوا معك.
12488ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال: ابن عبـاس: لـم يعذّب قرية حتـى يخرج النبـيّ منها والذين آمنوا معه ويـلـحقه بحيث أمر. وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعنـي الـمؤمنـين. ثم أعاد إلـى الـمشركين, فقال: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ.
12489ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ قال: يعنـي أهل مكة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله لـيعذّب هؤلاء الـمشركين من قريش بـمكة وأنت فـيهم يا مـحمد, حتـى أخرجك من بـينهم. وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهؤلاء الـمشركون يقولون: يا ربّ غفرانك وما أشبه ذلك من معانـي الاستغفـار بـالقول. قالوا: وقوله: وَما لهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ فـي الاَخرة. ذكر من قال ذلك.
12490ـ حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا عكرمة, عن أبـي زميـل, عن ابن عبـاس: إن الـمشركين كانوا يطوفون بـالبـيت يقولون: لبـيك لا شريك لك لبـيك, فـيقول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قَدْ» فـيقولون: لا شريك لك إلاّ شريك هو لك تـملكه وما ملك, ويقولون: غفرانك غفرانك. فأنزل الله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. فقال ابن عبـاس: كان فـيهم أمانان: نبـيّ الله والاستغفـار, قال: فذهب النبـيّ صلى الله عليه وسلم, وبقـي الاستغفـار. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ قال: فهذا عذاب الاَخرة, قال: وذاك عذاب الدنـيا.
12491ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو معشر, عن يزيد بن رومان ومـحمد بن قـيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: مـحمد أكرمه الله من بـيننا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ, فَأمْطِرْ عَلَـيْنا... الاَية فلـما أمسوا ندموا علـى ما قالوا, فقالوا: غفرانك اللهمّ فأنزل الله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ... إلـى قوله: لا يَعْلَـمُونَ.
12492ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: كانوا يقولون يعنـي الـمشركين: والله إن الله لا يعذّبنا ونـحن نستغفر, ولا يعذّب أمة ونبـيها معها حتـى يخرجه عنها وذلك من قوله ورسول لله صلى الله عليه وسلم بـين أظهرهم, فقال الله لنبـيه صلى الله عليه وسلم يذكر له جهالتهم وغرّتهم واستفتاحهم علـى أنفسهم, إذ قالوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ كما أمطرتها علـى قوم لوط, وقال حين نعى علـيهم سوء أعمالهم: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ, أي بقولهم, وإن كانوا يستغفرون كما قال: وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرامِ من آمن الله وعبده, أي أنت ومن تبعك.
12493ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح البزار, قال: حدثنا أبو بردة, عن أبـي موسى, قال: إنه كان فـيكم أمانان: قوله: ومَا كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: أما النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقد مضى, وأما الاستغفـار فهو دائر فـيكم إلـى يوم القـيامة.
12494ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق, عن عامر أبـي الـخطاب الثوريّ قال: سمعت أبـا العلاء يقول: كان لأمة مـحمد صلى الله عليه وسلم أمَنتاه: فذهبت إحداهما, وبقـيت الأخرى: وَما كانَ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ... الاَية.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله لـيعذّبهم وأنت فـيهم يا مـحمد, وما كان الله معذّب الـمشركين وهم يستغفرون, أي: لو استغفروا. قالوا: ولـم يكونوا يستغفرون فقال جلّ ثناؤه إذ لـم يكونوا يستغفرون: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. ذكر من قال ذلك.
12495ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: إن القوم لـم يكونوا يستغفرون, ولو كانوا يستغفرون ما عذّبوا. وكان بعض أهل العلـم يقول: هما أمانان أنزلهما الله, فأما أحدهما فمضى نبـيّ الله, وأما الاَخر فأبقاه الله رحمة بـين أظهركم, الاستغفـار والتوبة.
12496ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: قال الله لرسوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون, ولو استغفروا وأقرّوا بـالذنوب لكانوا مؤمنـين, وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون, وما لهم ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن مـحمد وعن الـمسجد الـحرام
12497ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَمَا كانَ اللهُ مُعَذّبهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون قال: يقول: لو استغفروا لـم أعذّبهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله لـيعذّبهم وهم يسلـمون. قالوا: واستغفـارهم كان فـي هذا الـموضع: إسلامهم. ذكر من قال ذلك.
12498ـ حدثنا سوّار بن عبد الله, قال: حدثنا عبد الـملك بن الصبـاح, قال: حدثنا عمران بن حدير, عن عكرمة, فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. قال: سألوا العذاب, فقال: لـم يكن لـيعذبهم وأنت فـيهم, ولـم يكن لـيعذّبهم وهم يدخـلون فـي الإسلام.
12499ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وأنْتَ فِـيهمْ قال: بـين أظهرهم. وقوله: وَهُمْ يَسْتَغْفِروُنَ قال: يسلـمون.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وما كان الله لـيعذبهم وأنت فـيهم بـين أظهرهم وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: وهم يسلـمون. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد الله, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ قال: بـين أظهرهم. وَما كان اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهم يَسْتَغْفِرُونَ قال: دخولهم فـي الإسلام.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفـيهم مَن قد سبق له من الله الدخول فـي الإسلام. ذكر من قال ذلك.
12500ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ يقول: ما كان الله سبحانه يعذّب قوما وأنبـياؤهم بـين أظهرهم حتـى يخرجهم. ثم قال: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: ومنهم من قد سبق له من الله الدخول فـي الإيـمان, وهو الاستغفـار, ثم قال: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ فعذّبهم يوم بدر بـالسيف.
وقال آخرون: بل معناه: وما كان الله معذّبهم وهم يصلّون. ذكر من قال ذلك.
12501ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعنـي: يصلون, يعنـي بهذا أهل مكة.
12502ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـيّ, قال: حدثنا حسين الـجعفـيّ, عن زائدة, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: يصلون.
12503ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ يعنـي: أهل مكة, يقول: لـم أكن لأعذّبكم وفـيكم مـحمد. ثم قال: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعنـي: يؤمنون ويصلون.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: وهم يصلون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله لـيعذّب الـمشركين وهم يستغفرون. قالوا: ثم نسخ ذلك بقوله: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. ذكر من قال ذلك.
12504ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, عن الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحويّ, عن عكرمة والـحسن البصريّ, قالا: قال فـي الأنفـال: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فنسختها الاَية التـي تلـيها: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ... إلـى قوله: فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكْفُرُونَ فقوتلوا بـمكة, وأصابهم فـيها الـجوع والـحصر.
وأولـى هذه الأقوال عندي فـي ذلك بـالصواب قول من قال: تأويـله: وما كان الله لـيعذبهم وأنت فـيهم يا مـحمد وبـين أظهرهم مقـيـم, حتـى أخرجك من بـين أظهرهم لأنـي لا أهلك قرية وفـيها نبـيها. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم, ولكنهم لا يستغفرون من ذلك, بل هم مصرّون علـيه, فهم للعذاب مستـحقون, كما يقال: ما كنت لأحسن إلـيك وأنت تسيء إلـيّ, يراد بذلك: لا أحسن إلـيك إذا أسأت إلـيّ ولو أسأت إلـيّ لـم أحسن إلـيك, ولكن أحسن إلـيك لأنك لا تسيء إلـيّ وكذلك ذلك. ثم قـيـل: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ بـمعنى: وما شأنهم وما يـمنعهم أن يعذّبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فـيؤمنوا به, وهم يصدّون الـمؤمنـين بـالله ورسوله عن الـمسجد الـحرام.
وإنـما قلنا هذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب, لأن القوم أعنـي مشركي مكة كانوا استعجلوا العذاب, فقالوا: اللهمّ إن كان ما جاء به مـحمد هو الـحقّ, فأمطر علـينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألـيـم فقال الله لنبـيه: ما كنت لأعذّبهم وأنت فـيهم وما كنت لأعذّبهم لو استغفروا, وكيف لا أعذّبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام فأعلـمه جلّ ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل, وأعلـمهم حال نزوله بهم, وذلك بعد إخراجه إياه من بـين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب فـي الاَخرة, وهم مستعجلوه فـي العاجل, ولا شكّ أنهم فـي الاَخرة إلـى العذاب صائرون, بل فـي تعجيـل الله لهم ذلك يوم بدر الدلـيـل الواضح علـى أن القول فـي ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول مَن وجّه قوله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ إلـى أنه عنـي به الـمؤمنـين, وهو فـي سياق الـخبر عنهم وعما الله فـاعل بهم, ولا دلـيـل علـى أن الـخبر عنهم قد تقضّى, وعلـى أن ذلك به عنوا, ولا خلاف فـي تأويـله من أهله موجود. وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ... الاَية, لأن قوله جلّ ثناؤه: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ خبر, والـخبر لا يجوز أن يكون فـيه نسخ, وإنـما يكون النسخ للأمر والنهي.
واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول «أن» فـي قوله: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ فقال بعض نـحويـي البصرة: هي زائدة ههنا, وقد عملت كما عملت «لا» وهي زائدة, وجاء فـي الشعر:
لَوْ لَـمْ تكُنْ غَطَفـانُ لا ذُنُوبَ لَهَاإلـيّ لامَ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربـية, وقال: لـم تدخـل «أن» إلاّ لـمعنى صحيح, لأن معنى وَما لَهُمْ ما يـمنعهم من أن يعذّبوا, قال: فدخـلت «أن» لهذا الـمعنى, وأخرج ب «لا», لـيعلـم أنه بـمعنى الـجحد, لأن الـمنع جحد. قال: و «لا» فـي البـيت صحيح معناها, لأن الـجحد إذا وقع علـيه جحد صار خبرا. وقال: ألا ترى إلـى قولك: ما زيد لـيس قائما, فقد أوجبت القـيام؟ قال: وكذلك «لا» فـي هذا البـيت.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنّ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.
يقول تعالـى ذكره: وما لهؤلاء الـمشركين ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام, ولـم يكونوا أولـياء الله إنْ أوْلِـيَاؤُهُ يقول: ما أولـياء الله إلاّ الـمتقون, يعنـي: الذين يتقون الله بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه. وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ولكن أكثر الـمشركين لا يعلـمون أن أولـياء الله الـمتقون, بل يحسبون أنهم أولـياء الله.
وبنـحو ما قلنا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12505ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
12506ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ مَن كانوا وحيث كانوا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
12507ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ الذين يخرجون منه, ويقـيـمون الصلاة عنده, أي: أنت يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم ومن آمن بك. وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ
181
179
الآية : 26
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاذْكُرُوَاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }..
وهذا تذكير من الله عزّ وجلّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناصحة.يقول: أطيعوا الله ورسوله أيها الـمؤمنون, واستـجيبوا له إذا دعاكم لـما يحيـيكم ولا تـخالفوا أمره, وإن أمركم بـما فـيه علـيكم الـمشقة والشدّة, فإن الله يهوّنه علـيكم بطاعتكم إياه ويعجل لكم منه ما تـحبون, كما فعل بكم إذ آمنتـم به واتبعتـموه وأنتـم قلـيـل يستضعفكم الكفـار فـيفتنونكم عن دينكم وينالونكم بـالـمكروه فـي أنفسكم وأعراضكم تـخافون منهم أن يتـخطفوكم فـيقتلوكم ويصطلـموا جميعكم فآوَاكُمْ يقول: فجعل لكم مأوى تأوون إلـيه منهم. وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ يقول: وقوّاكم بنصره علـيهم, حتـى قتلتـم منهم من قتلتـم ببدر. وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبـاتِ يقول: وأطعمكم غنـيـمتهم حلالاً طيبـا. لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: لكي تشكروا علـى ما رزقكم وأنعم به علـيكم من ذلك وغيره من نعمه عندكم.
واختلف أهل التأويـل فـي الناس الذين عنوا بقوله: أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ فقال بعضهم: كفـار قريش. ذكر من قال ذلك.
12422ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: وَاذكُرُوا إذ أنْتُـمْ قَلـيـلٌ مُسْتَضعَفُونَ فِـي الأرضِ تَـخافُونَ أن يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ قال: يعنـي بـمكة مع النبـي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من قريش وحلفـائها وموالـيها قبل الهجرة.
12423ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الكلبـي أو قتادة أو كلـيهما: وَاذكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ أنها نزلت فـي يوم بدر, كانوا يومئذٍ يخافون أن يتـخطفهم الناس, فآواهم الله وأيدهم بنصره.
12424ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة, بنـحوه.
وقال آخرون: بل عُنـي به غيرُ قريش. ذكر من قال ذلك.
12425ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنـي أبـي, قال: سمعت وهب بن منبه يقول فـي قوله عزّ وجلّ: تَـخافُونَ أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ قال: فـارس.
12426ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد, أنه سمع وهب بن منبه يقول, وقرأ: وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِـي الأرْضِ تَـخافُونَ أنْ يَتَـخَطّفَكُمُ النّاسُ والناس إذ ذاك: فـارس, والروم.
12427ـ قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَاذْكُرُوا إذْ أنْتُـمْ قَلِـيـلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِـي الأرْضِ قال: كان هذا الـحيّ من العرب أذلّ الناس ذلاّ, وأشقاه عيشا, وأجوعه بطونا, وأعراه جلودا, وأبـينه ضلالاً من عاش منهم عاش شقـيّا, ومن مات منهم ردّي فـي الناس, يؤكلون ولا يأكلون, والله ما نعلـم قبـيلاً من حاضر أهل الأرض يومئذٍ كانوا أشرّ منهم منزلاً. حتـى جاء الله بـالإسلام, فمكّن به فـي البلاد, ووسّع به فـي الرزق, وجعلكم به ملوكا علـى رقاب الناس, فبـالإسلام أعطى الله ما رأيتـم, فـاشكروا الله علـى نعمه, فإن ربكم منعم يحبّ الشكر وأهل الشكر فـي مزيد من الله تبـارك وتعالـى.
وأولـى القولـين فـي ذلك عندي بـالصواب, قول من قال: عُنـي بذلك مشركو قريش لأن الـمسلـمين لـم يكونوا يخافون علـى أنفسهم قبل الهجرة من غيرهم, لأنهم كانوا أدنى الكفـار منهم إلـيهم, وأشدّهم علـيهم يومئذٍ مع كثرة عددهم وقلة عدد الـمسلـمين.
وأما قوله: فَآوَاكُمْ فإنه يعنـي: آواكم الـمدينة, وكذلك قوله: وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ بـالأنصار.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12428ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَآوَاكُمْ قال: إلـى الأنصار بـالـمدينة. وأيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وهؤلاء أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم, أيدهم بنصره يوم بدر.
12429ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة: فَآوَاكُمْ وأيّدَكُمْ بِنَصْرهِ, وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطيّبـاتِ يعنـي بـالـمدينة.
الآية : 27
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوَاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين بـالله ورسوله من أصحاب نبـيه صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا تَـخُونُوا الله. وخيانتهم الله ورسوله كانت بإظهار من أظهر منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم والـمؤمنـين الإيـمان فـي الظاهر والنصيحة, وهو يستسرّ الكفر والغشّ لهم فـي البـاطن, يدلّون الـمشركين علـى عورتهم, ويخبرونهم بـما خفـي عنهم من خبرهم.
وقد اختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت هذه الاَية, وفـي السبب الذي نزلت فـيه, فقال بعضهم: نزلت فـي منافق كتب إلـى أبـي سفـيان يطلعه علـى سرّ الـمسلـمين. ذكر من قال ذلك.
12430ـ حدثنا القاسم بن بشر بن معروف, قال: حدثنا شبـابة بن سوّار, قال: حدثنا مـحمد بن الـمـحرم, قال: لقـيت عطاء بن أبـي ربـاح, فحدثنـي, قال: ثنـي جابر بن عبد الله أن أبـا سفـيان خرج من مكة, فأتـى جبريـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقال: إن أبـا سفـيان فـي مكان كذا وكذا. فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «إنّ أبـا سُفْـيانَ فِـي مَكانِ كَذَا وكَذَا فـاخْرُجُوه إلَـيْهِ وَاكْتُـمُوا» قال: فكتب رجل من الـمنافقـين إلـى أبـي سفـيان: إن مـحمدا يريدكم, فخذوا حذركم فأنزل الله عزّ وجلّ: لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتـخُونُوا أماناتِكُمْ.
وقال آخرون: بل نزلت فـي أبـي لبـابة للذي كان من أمره وأمر بنـي قريظة. ذكر من قال ذلك.
12431ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي أبو سفـيان, عن معمر, عن الزهري, قوله: لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ قال: نزلت فـي أبـي لبـابة, بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلـى حلقه أنه الذبح. قال الزهري: فقال أبو لبـابة: لا والله لا أذوق طعاما ولا شرابـا حتـى أموت أو يتوب الله علـيّ فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاما ولا شرابـا, حتـى خرّ مغشيّا علـيه, ثم تاب الله علـيه, فقـيـل له: يا أبـا لبـابة قد تـيب علـيك قال: والله لا أحلّ نفسي حتـى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يحلنـي فجاءه فحله بـيده. ثم قال أبو لبـابة: إن من توبتـي أن أهجر دار قومي التـي أصبت بها الذنب وأن أنـخـلع من مالـي, قال: «يُجْزِيكَ الثّلُثُ أنْ تَصَدّقَ بِهِ».
12432ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, عن ابن عيـينة, قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـي خالد, قال: سمعت عبد الله بن أبـي قتادة, يقول: نزلت: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فـي أبـي لبـابة.
وقال آخرون: بل نزلت فـي شأن عثمان رضي الله عنه. ذكر من قال ذلك.
12433ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا يونس بن الـحرث الطائفـي, قال: حدثنا مـحمد بن عبد الله بن عون الثقـفـيّ, عن الـمغيرة بن شعبة, قال: نزلت هذه الاَية فـي قتل عثمان رضي الله عنه: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ... الاَية.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله نهى الـمؤمنـين عن خيانته وخيانة رسوله وخيانة أمانته. وجائز أن تكون نزلت فـي أبـي لبـابة, وجائز أن تكون نزلت فـي غيره, ولا خبر عندنا بأيّ ذلك كان يجب التسلـيـم له بصحته, فمعنى الاَية وتأويـلها ما قدمنا ذكره.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12434ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: يا أيهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ قال: نهاكم أن تـخونوا الله والرسول, كما صنع الـمنافقون.
12435ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ... الاَية, قال: كانوا يسمعون من النبـيّ صلى الله عليه وسلم الـحديث فـيفشونه حتـى يبلغ الـمشركين.
واختلفوا فـي تأويـل قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ فقال بعضهم: لا تـخونوا الله والرسول, فإن ذلك خيانة لأماناتكم وهلاك لها. ذكر من قال ذلك.
12436ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فإنهم إذا خانوا الله والرسول فقد خانوا أماناتهم.
12437ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ: أي لا تظهروا لله من الـحقّ ما يرضى به منكم ثم تـخالفوه فـي السرّ إلـى غيره, فإن ذلك هلاك لأماناتكم وخيانة لأنفسكم.
فعلـى هذا التأويـل, قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فـي موضع نصب علـى الظرف, كما قال الشاعر:
لاَ تَنْهَ عَنْ خُـلُقٍ وَتَأْتِـيَ مِثْلَهُعارٌ عَلَـيْكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيـمُ
ويروى: «وتأتـي مثله».
وقال آخرون: معناه: لا تـخونوا الله والرسول, ولا تـخونوا أماناتكم وأنتـم تعلـمون. ذكر من قال ذلك.
12438ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: قوله: يا أَيّهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ يقول: لا تـخونوا: يعنـي لا تنقصوها.
فعلـى هذا التأويـل: لا تـخونوا الله والرسول, ولا تـخونوا أماناتكم.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى الأمانة التـي ذكرها الله فـي قوله: وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ فقال بعضهم: هي ما يخفـى عن أعين الناس من فرائض الله. ذكر من قال ذلك.
12439ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وتَـخونُوا أماناتِكُمْ والأمانة: الأعمال التـي أمن الله علـيها العبـاد, يعنـي: الفريضة. يقول: لا تَـخُونُوا: يعنـي لا تنقصوها.
12440ـ حدثنا علـيّ بن داود, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: يا أَيّهما الّذِينَ آمَنُوا لا تَـخُونُوا اللّهَ يقول: بترك فرائضه والرّسُولَ يقول: بترك سننه وارتكاب معصيته. قال: وقال مرّة أخرى: لا تَـخُونُوا اللّهَ والرّسُولَ وتَـخُونُوا أماناتِكُمْ والأمانة: الأعمال. ثم ذكر نـحو حديث الـمثنى.
وقال آخرون: معنى الأمانات ههنا: الدّين. ذكر من قال ذلك.
12441ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَتـخُونُوا أماناتِكُمْ دينكم. وأنْتُـمْ تَعْلَـمُونَ قال: قد فعل ذلك الـمنافقون وهم يعلـمون أنهم كفـار, يظهرون الإيـمان. وقرأ: وَإذَا قامُوا إلـى الصّلاةِ قامُوا كُسالـى... الاَية, قال: هؤلاء الـمنافقون أمنهم الله ورسوله علـى دينه فخانوا, أظهروا الإيـمان وأسرّوا الكفر.
فتأويـل الكلام إذن: يا أيها الذين آمنوا لا تنقصوا الله حقوقه علـيكم من فرائضه ولا رسوله من واجب طاعته علـيكم, ولكن أطيعوهما فـيـما أمراكم به ونهياكم عنه, لا تنقصوهما, وتـخونوا أماناتكم, وتنقصوا أديانكم, وواجب أعمالكم, ولازمها لكم, وأنتـم تعلـمون أنها لازمة علـيكم وواجبة بـالـحجج التـي قد ثبتت لله علـيكم.
الآية : 28
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاعْلَمُوَاْ أَنّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }..
يقول تعالـى ذكره للـمؤمنـين: واعلـموا أيها الـمؤمنون أنـما أموالكم التـي خوّلكموها الله وأولادكم التـي وهبها الله لكم اختبـار وبلاء أعطاكموها لـيختبركم بها ويبتلـيكم لـينظر كيف أنتـم عاملون من أداء حقّ الله علـيكم فـيها والانتهاء إلـى أمره ونهيه فـيها. وأنّ الله عِنْدَهُ أجْرٌ عَظِيـمٌ يقول: واعلـموا أن الله عنده خير وثواب عظيـم علـى طاعتكم إياه فـيـما أمركم ونهاكم فـي أموالكم وأولادكم التـي اختبركم بها فـي الدنـيا, وأطيعوا الله فـيـما لكم فـيها تنالوا به الـجزيـل من ثوابه فـي معادكم.
12442ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا الـمسعودي, عن القاسم, عن عبد الرحمن, عن ابن مسعود, فـي قوله: إنّـمَا أمْوَالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ قال: ما منكم من أحد إلاّ وهو مشتـمل علـى فتنة, فمن استعاذ منكم فلـيتعذ بـالله من مُضِلاّت الفتن.
12371حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَاعْلَـمُوا أنّـمَا أمْوَالُكُم وأوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ قال: فتنة الاختبـار, اختبـارهم. وقرأ: وَنَبلُوكُمْ بـالشّرّ والـخَيْرِ فِتْنَةً وَإلَـيْنا تُرْجِعُونَ.
الآية : 29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يِا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إَن تَتّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفّرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }..
يقول تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ صدقوا الله ورسوله إنْ تَتّقُوا اللّهَ بطاعته, وأداء فرائضه واجتناب معاصيه, وترك خيانته, خيانة رسوله وخيانة أماناتكم يَجْعَلْ لَكُم فُرْقانا: يقول: يجعل لكم فصلاً وفرقا بـين حقكم وبـاطل من يبغيكم السوء من أعدائكم الـمشركين بنصره إياكم علـيهم, وإعطائكم الظفر بهم. ويُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئاتِكُمْ يقول: ويـمـحو عنكم ما سلف من ذنوبكم بـينكم وبـينه. ويَغْفِرْ لَكُمْ يقول: ويغطيها, فـيسترها علـيكم, فلا يؤاخذكم بها. وَاللّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيـمِ يقول: والله الذي يفعل ذلك بكم, له الفضل العظيـم علـيكم وعلـى غيركم من خـلقه بفعله ذلك وفعل أمثاله, وإن فعله جزاء منه لعبده علـى طاعته إياه, لأنه الـموفق عبده لطاعته التـي اكتسبها حتـى استـحقّ من ربه الـجزاء الذي وعده علـيها.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي العبـارة عن تأويـل قوله: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا فقال بعضهم: مخرجا, وقال بعضهم: نـجاة, وقال بعضهم: فصلاً. وكلّ لك متقارب الـمعنى وإن اختلفت العبـارات عنها, وقد بـينت صحة ذلك فـيـما مضى قبل بـما أغنـي عن إعادته. ذكر من قال: معناه الـمخرج:
12443ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن منصور: عن مـجاهد: إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: مخرجا.
قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد: إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: مخرجا.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام عن عنبسة, عن جابر, عن مـجاهد: فُرْقانا: مخرجا.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فُرْقانا قال: مخرجا فـي الدنـيا والاَخرة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن سعيد, عن حجاج, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فُرْقانا قال: الفرقان الـمخرج.
12444ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: فُرْقانا يقول: مخرجا.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن منصور, عن مـجاهد: فُرْقانا: مخرجا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن رجاء البصريّ, قال: حدثنا زائدة, عن منصور, عن مـجاهد, مثله.
12445ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: فُرْقانا قال: مخرجا.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ قال: سمعت عبـيدا يقول: سمعت الضحاك يقول: فُرْقانا: مخرجا.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن مـجاهد, مثله.
12446ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد, عن زهير, عن جابر: عن عكرمة, قال: الفرقان: الـمخرج. ذكر من قال: معناه النـجاة:
12447ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن جابر, عن عكرمة: إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: نـجاة.
12448ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن رجل, عن عكرمة ومـجاهد, فـي قوله: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال عكرمة: الـمخرج, وقال مـجاهد: النـجاة.
12449ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: نـجاة.
12450ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا يقول: يجعل لكم نـجاة.
12451ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا: أي نـجاة.
ذكر من قال فصلاً:
12452ـ ... يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا قال: فرقان يفرق فـي قلوبهم بـين الـحقّ والبـاطل, حتـى يعرفوه ويهتدوا بذلك الفرقان.
12453ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقانا: أي فصلاً بـين الـحقّ والبـاطل, يظهر به حقكم ويخفـي به بـاطل من خالفكم.
والفرقان فـي كلام العرب مصدر, من قولهم: فرقت بـين الشيء والشيء أفرق بـينهما قَرْقا وفُرْقانا.
الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }..
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم مذكره نعمه علـيه: واذكر يا مـحمد, إذ يـمكر بك الذين كفروا من مشركي قومك كي يثبتوك.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: لِـيُثْبِتُوكَ فقال بعضهم: معناه: لـيقـيدوك. ذكر من قال ذلك.
12454ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ يعنـي: لـيوثقوك.
12455ـ قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لِـيُثْبِتُوكَ لـيوثقوك.
12456ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ... الاَية, يقول: لـيشدّوك وثاقا, وأرادوا بذلك نبـيّ الله النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو يومئذٍ بـمكة.
12457ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ومِقْسم, قالا: قالوا: أوثقوه بـالوثاق
12458ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: لِـيُثْبِتُوكَ قال: الإثبـات: هو الـحبس والوثاق.
وقال آخرون: بل معناه الـحبس. ذكر من قال ذلك.
12459ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: سألت عطاء عن قوله: لِـيُثْبِتُوكَ قال: يَسجنوك. وقالها عبد الله بن كثـير.
12460ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, قالوا: اسجنوه
وقال آخرون: بل معناه: لـيسحروك. ذكر من قال ذلك.
12461ـ حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل البصريّ الـمعروف بـالوساوسي, قال: حدثنا عبد الـمـجيد بن أبـي روّاد, عن ابن جريج, عن عطاء, عن عبـيد بن عمير عن الـمطلب بن أبـي وداعة, أن أبـا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأتـمر به قومك؟ قال: «يُرِيدُونَ أنْ يَسْحَرُونِـي ويَقْتُلُونِـي ويُخْرِجُونِـي» فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: «ربـي» قال: نعم الربّ ربك, فـاستوص به خيرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أسْتَوْصِي بِهِ؟ بَلْ هُوَ يَسْتَوْصِي بِـي خَيْرا». فنزلت: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ... الاَية.
12462ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال عطاء: سمعت عبـيد بن عمير يقول: لـما ائتـمروا بـالنبـيّ صلى الله عليه وسلم لـيقتلوه أو يثبتوه أو يخرجوه, قال له أبو طالب: هل تدري ما ائتـمروا لك؟ قال: «نَعَمْ». قال: فأخبره. قال: من أخبرك؟ قال: «رَبّـي». قال: نعم الربّ ربك, استوص به خيرا قال: «أنا أسْتَوْصِي بِهِ, أوْ هُوَ يَسْتَوْصِي بـي؟».
وكان معنى مكر قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم به لـيثبتوه, كما:
12463ـ حدثنا سعيد بن يحيى الأموي, قال: ثنـي أبـي, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, عن ابن عبـاس, قال: وحدثنـي الكلبـي, عن زاذان مولـى أم هانىء, عن ابن عبـاس: أن نفرا من قريش من أشراف كلّ قبـيـلة, اجتـمعوا لـيدخـلوا دار الندوة, فـاعترضهم إبلـيس فـي صورة شيخ جلـيـل فلـما رأوه قالوا: من أنت؟ قال: شيخ من نـجد, سمعت أنكم اجتـمعتـم, فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم منـي رأي ونصح. قالوا: أجل ادخـل فدخـل معهم, فقال: انظروا فـي شأن هذا الرجل, والله لـيوشِكنّ أن يواثبكم فـي أموركم بأمره قال: فقال قائل: احبسوه فـي وثاق, ثم تربصوا به ريب الـمنون حتـى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء, زهير والنابغة, إنـما هو كأحدهم قال: فصرخ عدوّ الله الشيخ النـجدي, فقال: والله ما هذا لكم رأي, والله لـيخرجنه ربه من مـحبسه إلـى أصحابه فلـيوشكن أن يثبوا علـيه حتـى يأخذوه من أيديكم فـيـمنعوه منكم, فما آمن علـيكم أن يخرجوكم من بلادكم قالوا: فـانظروا فـي غير هذا. قال: فقال قائل: أخرجوه من بـين أظهركم تستريحوا منه, فإنه إذا خرج لن يضرّكم ما صنع وأين وقع إذا غاب عنكم أذاه واسترحتـم وكان أمره فـي غيركم فقال الشيخ النـجديّ: والله ما هذا لكم برأي, ألـم تروا حلاوة قوله وطلاقة لسانه وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه؟ والله لئن فعلتـم ثم استعرض العرب, لتـجتـمعنّ علـيكم, ثم لـيأتـينّ إلـيكم حتـى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم قالوا: صدق والله, فـانظروا رأيا غير هذا قال: فقال أبو جهل: والله لأشيرنّ علـيكم برأي ما أراكم أبصرتـموه بعد ما أرى غيره. قالوا: وما هو؟ قال: نأخذ من كلّ قبـيـلة غلاما وسطا شابـا نهدا, ثم يعطى كلّ غلام منهم سيفـا صارما, ثم يضربونه ضربة رجل واحد, فإذا قتلوه تفرّق دمه فـي القبـائل كلها, فلا أظنّ هذا الـحيّ من بنـي هاشم يقدرون علـى حرب قريش كلها, فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا وقطعنا عنا أذاه. فقال الشيخ النـجديّ: هذا والله الرأي القول ما قال الفتـى, لا أرى غيره. قال: فتفرّقوا علـى ذلك وهم مـجمعون له. قال: فأتـى جبريـل النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فأمره أن لا يبـيت فـي مضجعه الذي كان يبـيت فـيه تلك اللـيـلة, وأذن الله له عند ذلك بـالـخروج, وأنزل علـيه بعد قدومه الـمدينة الأنفـال يذكره نعمه علـيه وبلاءه عنده: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُونَ وَيَـمْكُرُ اللّهُ خَيْرُ واللّهُ الـمَاكِرِينَ وأنزل فـي قولهم: «تَرَبّصُوا بِهِ رَيْبَ الـمَنُونِ» حتـى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء: أمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَربّصُ بِهِ رَيْبَ الـمَنُونِ وكان يسمى ذلك الـيوم: «يوم الزحمة» للذي اجتـمعوا علـيه من الرأي.
12464ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة ومقسم, فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ قالا: تشاوروا فـيه لـيـلة وهم بـمكة, فقال بعضهم: إذا أصبح فأوثقوه بـالوثاق وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل اخرجوه فلـما أصبحوا رأوا علـيّا رضي الله عنه, فردّ الله مكرهم.
12465ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنـي أبـي, عن عكرمة, قال: لـما خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلـى الغار, أمر علـيّ بن أبـي طالب, فنام فـي مضجعه, فبـات الـمشركون يحرسونه. فإذا رأوه نائما حسبوا أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فتركوه. فلـما أصبحوا ثاروا إلـيه وهم يحسبون أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فإذا هم بعلـيّ, فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. قال: فركبوا الصعب والذّلول فـي طلبه.
12466ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, قال: أخبرنـي عثمان الـجريري: أن مقسما مولـى ابن عبـاس أخبره عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ قال: تشاورت قريش لـيـلة بـمكة, فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بـالوثاق يريدون النبـيّ صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: بل اقتلوه وقال بعضهم: بل اخرجوه فأطلع الله نبـيه علـى ذلك, فبـات علـيّ رضي الله عنه علـى فراش النبـيّ صلى الله عليه وسلم تلك اللـيـلة, وخرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم حتـى لـحق بـالغار, وبـات الـمشركون يحرسون علـيّا, يحسبون أنه النبـيّ صلى الله عليه وسلم. فلـما أصبحوا ثاروا إلـيه, فلـما رأوه علـيّا رضي الله عنه, ردّ الله مكرهم, فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري. فـاقتصوا أثره فلـما بلغوا الـجبل ومرّوا بـالغار, رأوا علـى بـابه نسج العنكبوت, قالوا: لو دخـل ههنا لـم يكن نَسْجٌ علـى بـابه فمكث فـيه ثلاثا.
12467ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن مفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُونَ ويَـمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ قال: اجتـمعت مشيخة قريش يتشاورون فـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعدما أسلـمت الأنصار وفرقوا أن يتعالـى أمره إذا وجد ملـجأ لـجأ إلـيه. فجاء إبلـيس فـي صورة رجل من أهل نـجد, فدخـل معهم فـي دار الندوة فلـما أنكروه قالوا: من أنت؟ فوالله ما كلّ قومنا أعلـمناهم مـجلسنا هذا قال: أنا رجل من أهل نـجد أسمع من حديثكم وأشير علـيكم. فـاستـحيوا فخـلوا عنه. فقال بعضهم: خذوا مـحمدا إذا اصطبح علـى فراشه, فـاجعلوه فـي بـيت نتربص به ريب الـمنون والريب: هو الـموت, والـمنون: هو الدهر قال إبلـيس: بئسما قلت, تـجعلونه فـي بـيت فـيأتـي أصحابه فـيخرجونه فـيكون بـينكم قتال قالوا: صدق الشيخ. قال: أخرجوه من قريتكم قال إبلـيس: بئسما قلت, تـخرجونه من قريتكم وقد أفسد سفهاءكم فـيأتـي قرية أخرى فـيفسد سفهاءهم فـيأتـيكم بـالـخيـل والرجال. قالوا: صدق الشيخ. قال أبو جهل, وكان أولاهم بطاعة إبلـيس: بل نعمد إلـى كلّ بطن من بطون قريش, فنـخرج منهم رجلاً فنعطيهم السلاح, فـيشدّون علـى مـحمد جميعا فـيضربونه ضربة رجل واحد, فلا يستطيع بنو عبد الـمطلب أن يقتلوا قريشا, فلـيس لهم إلاّ الدية. قال إبلـيس: صدق, وهذا الفتـى هو أجودكم رأيا. فقاموا علـى ذلك, وأخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم, فنام علـى الفراش, وجعلوا علـيه العيون. فلـما كان فـي بعض اللـيـل, انطلق هو وأبو بكر إلـى الغار, ونام علـيّ بن أبـي طالب علـى الفراش, فذلك حين يقول الله: لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ والإثبـات: هو الـحبس والوثاق, وهو قوله: وَإنْ كادُوا لَـيَسْتَفِزّونَكَ مِنَ الأرْضِ لِـيُخْرِجُوكَ مِنْها وَإذَنْ لا يَـلْبَثُونَ خَـلْفَكَ إلاّ قَلِـيلاً يقول: يهلكهم. فلـما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة لقـيه عمر, فقال له: ما فعل القوم؟ وهو يرى أنهم قد أهلكوا حين خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من بـين أظهرهم, وكذلك كان يصنع بـالأمـم, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أخّرُوا بـالقِتالِ».
12468ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ قال: كفـار قريش أرادوا ذلك بـمـحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج من مكة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد نـحوه.
حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا هانىء بن سعيد, عن حجاج, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد نـحوه إلاّ أنه قال: فعلوا ذلك بـمـحمد.
12469ـ حدثنـي مـحمد بن سعد قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ... الاَية, هو النبـيّ صلى الله عليه وسلم مكروا به وهو بـمكة.
12470ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ... إلـى آخر الاَية, قال: اجتـمعوا فتشاوروا فـي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالوا: اقتلوا هذا الرجل فقال بعضهم: لا يقتله رجل إلاّ قُتل به قالوا: خذوه فـاسجنوه واجعلوا علـيه حديدا قالوا: فلا يدعكم أهل بـيته. قالوا: أخرجوه قالوا: إذا يستغويَ الناس علـيكم. قال: وإبلـيس معهم فـي صورة رجل من أهل نـجد. واجتـمع رأيهم أنه إذا جاء يطوف البـيت ويستسلـم أن يجتـمعوا علـيه فَـيَغمّوه ويقتلوه, فإنه لا يدري أهله من قتله, فـيرضون بـالعقل فنقتله ونستريح ونعقله. فلـما أن جاء يطوف بـالبـيت اجتـمعوا علـيه, فغمّوه. فأتـى أبو بكر, فقـيـل له ذاك, فأتـى فلـم يجد مدخلاً فلـما أن لـم يجد مدخلاً, قال: أتَقْتُلُونَ رَجُلاً أنْ يَقُولَ رَبّـي الله وقَدْ جَاءَكُمْ بـالبَـيّنَاتِ مِنْ رَبّكُمْ؟ قال: ثم فرجها الله عنه فلـما أن كان اللـيـل أتاه جبريـل علـيه السلام, فقال: من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وفلان. فقال: لا نـحن أعلـم بهم منك يا مـحمد, هو ناموس لـيـل قال: وأخذ أولئك من مضاجعهم وهم نـيام. فأتـى بهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم, فقدم أحدهم إلـى جبريـل, فكحله, ثم أرسله, فقال: «ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟» قال: كفـيته يا نبـيّ الله. ثم قدم آخر فنقر فوق رأسه بعصا نقرة, ثم أرسله فقال: «ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟» فقال: كفـيته يا نبـيّ الله. ثم أتـي بآخر فنقر فـي ركبته, فقال: «ما صُورَتُه يا جِبْرِيـلُ؟» قال: كفـيته. ثُم أتـي بآخر, فسقاه مذقة, فقال: «ما صُورَتُهُ يا جِبْرِيـلُ؟» قال: كفـيته يا نبـيّ الله. وأتـي بـالـخامس. فلـما غدا من بـيته مرّ بنبّـال, فتعلق مشقص بردائه فـالتوى, فقطع الأكحل من رجله. وأما الذي كحلت عيناه فأصبح وقد عمي وأما الذي سقـي مذقة فأصبح وقد استسقـى بطنه وأما الذي نقر فوق رأسه فأخذته النقدة والنقدة: قرحة عظيـمة أخذته فـي رأسه وأما الذي طعن فـي ركبته, فأصبح وقد أقعد. فذلك قول الله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا لِـيُثْبِتُوكَ أوْ يَقْتُلُوكَ أوْ يُخْرِجُوكَ ويَـمْكُرُون ويَـمْكُرُ اللّهُ واللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ.
12471ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قوله: ويَـمْكُرُونَ ويَـمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الـمَاكِرِينَ: أي فمكرت لهم بكيدي الـمتـين حتـى خـلصتك منهم.
12472ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن عكرمة, قوله: وَإذْ يَـمْكُرُ بك الّذِينَ كَفَرُوا قال: هذه مكية. قال ابن جريج: قال مـجاهد: هذه مكية.
فتأويـل الكلام إذن: واذكر يا مـحمد نعمتـي عندك بـمكري بـمن حاول الـمكر بك من مشركي قومك, بإثبـاتك, أو قتلك, أو إخراجك من وطنك, حتـى استنفذتك منهم وأهلكتهم, فـامْضِ لأمري فـي حرب من حاربك من الـمشركين, وتولـى عن إجابة ما أرسلتك به من الدين القـيـم, ولا يرعبنك كثرة عددهم, فإن ربك خير الـماكرين بـمن كفر به وعبد غيره وخالف أمره ونهيه. وقد بـيّنا معنى الـمكر فـيـما مضى بـما أغنـي عن إعادته فـي هذا الـموضع.
الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا تُتْلَىَ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـَذَا إِنْ هَـَذَآ إِلاّ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ }..
يقول تعالـى ذكره: وإذا تتلـى علـى هؤلاء الذين كفروا آيات كتاب الله الواضحة لـمن شرح الله صدره لفهمه قالوا جهلاً منهم وعنادا للـحقّ وهم يعلـمون أنهم كاذبون فـي قـيـلهم: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا الذي تلـي علـينا, إنْ هَذَا إلاّ أساطيرُ الأوّلِـين: يعنـي أنهم يقولون ما هذا القرآن الذي يتلـى علـيهم إلاّ أساطير الأوّلـين. والأساطير: جمع أسطر, وهو جمع الـجمع, لأن واحد الأسطر: سطر, ثم يجمع السطر: أسطر وسطور, ثم يجمع الأسطر: أساطير وأساطر. وقد كان بعض أهل العربـية يقول: واحد الأساطير: أسطورة.
وإنـما عَنى الـمشركون بقولهم: إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأَوّلِـينَ: إن هذا القرآن الذي تتلوه علـينا يا مـحمد إلاّ ما سطر الأوّلون وكتبوه من أخبـار الأمـم. كأنهم أضافوه إلـى أنه أخذ عن بنـي آدم, وأنه لـم يوحه الله إلـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12473ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قوله: وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذَا قال: كان النضر بن الـحرث يختلف تاجرا إلـى فـارس, فـيـمرّ بـالعبـاد وهم يقرءون الإنـجيـل, ويركعون ويسجدون. فجاء مكة, فوجد مـحمدا صلى الله عليه وسلم قد أنزل علـيه وهو يركع ويسجد, فقال النضر: قد سمعنا, لو نشاء لقلنا مثل هذا للذي سمع من العِبـاد. فنزلت: وَإذَا تُتْلَـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْل هذَا قال: فقصّ ربنا ما كانوا قالوا بـمكة, وقصّ قولهم: إذْ قالُوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية.
12474ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: كان النضر بن الـحرث بن علقمة أخو بنـي عبد الدار يختلف إلـى الـحيرة, فـيسمع سجع أهلها وكلامهم. فلـما قدم مكة, سمع كلام النبـيّ صلى الله عليه وسلم والقرآن, فقال: قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هَذَا إنْ هَذَا إلاّ أساطِيرُ الأوّلِـينَ: يقول: أساجيع أهل الـحيرة.
12475ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير قال: قتل النبـيّ صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا: عقبةَ بن أبـي معيط, وطعيـمة بن عديّ, والنضر بن الـحارث وكان الـمقداد أسر النضر, فلـما أمر بقتله قال الـمقداد: يا رسول الله أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّهُ كانَ يَقُولُ فِـي كِتابِ اللّهِ ما يَقُولُ». فأمر النبـيّ صلى الله عليه وسلم بقتله. فقال الـمقداد: أسيري فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ أغْنِ الـمِقْدَاد مِنْ فَضْلِكَ» فقال الـمقداد: هذا الذي أردت. وفـيه نزلت هذه الاَية: وَإذَا تُتْلـى عَلَـيْهِمْ آياتُنا... الاَية.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا أبو بشر, عن سعيد بن جبـير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل يوم بدر ثلاثة رهط من قريش صبرا الـمطعم بن عديّ, والنضر بن الـحرث, وعقبة بن أبـي معيط. قال: فلـما أمر بقتل النضر, قال الـمقداد بن الأسود: أسيري يا رسول الله قال: «إنّهُ كانَ يَقُولُ فِـي كِتابِ الله وفِـي رَسُولِهِ ما كانَ يَقُولُ». قال: فقال ذلك مرّتـين أو ثلاثا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ أغْنِ الـمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِكَ» وكان الـمقداد أسر النضر.
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذْ قَالُواْ اللّهُمّ إِن كَانَ هَـَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السّمَآءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }..
يقول تعالـى ذكره: واذكر يا مـحمد أيضا ما حلّ بـمن قال: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ إذ مكرت لهم, فأتـيتهم بعذاب ألـيـم. وكان ذلك العذاب: قتلهم بـالسيف يوم بدر. وهذه الاَية أيضا ذكر أنها نزلت فـي النضر بن الـحرث. ذكر من قال ذلك.
12476ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: حدثنا أبو بشر, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: وَإذْ قالُوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ قال: نزلت فـي النضر بن الـحرث.
12477ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قال: قول النضر بن الـحرث بن علقمة بن كلدة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قول النضر بن الـحرث بن علقمة بن كلدة من بنـي عبد الدار.
قال: أخبرنا إسحاق, قال: أخبرنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ قال: هو النضر بن الـحرث بن كلدة.
12478ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا طلـحة بن عمرو, عن عطاء, قال: قال رجل من بنـي عبد الدار, يقا له النضر بن كلدة: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ فقال الله: وَقالُوا رَبّنا عَجّلْ لَنا قِطّنا قَبْلَ يَوْمِ الـحِسابِ وقال: وَلَقَدْ جِئْتُـمُونا فرَادَى كمَا خَـلَقْناكُمْ أوّلَ مَرّةٍ وقال: سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ قال عطاء: لقد نزل فـيه بضع عشرة آية من كتاب الله.
12479ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي, قال: فقال يعنـي النضر بن الـحرث: اللهمّ إن كان ما يقول مـحمد هو الـحقّ من عندك فأمطر علـينا حجارة من السماء أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ قال الله: سأَلَ سائِلٌ بعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ.
12480ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية, قال: سأَلَ سائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ للْكافِرِينَ.
12481ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإذْ قالُوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ... الاَية, قال: قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهَلتها, فعاد الله بعائدته ورحمته علـى سفهة هذه الأمة وجهلتها.
12482ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم ذكر غيرة قريش واستفتاحهم علـى أنفسهم, إذ قالوا: اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ أي ما جاء به مـحمد, فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ كما أمطرتها علـى قوم لوط أوِ ائْتِنا بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ أي ببعض ما عذّبت به الأمـم قبلنا.
واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول «هو» فـي الكلام. فقال بعض البصريـين نصب «الـحق», لأن «هو» والله أعلـم حوّلت زائدة فـي الكلام صلة توكيد كزيادة «ما», ولا تزاد إلاّ فـي كلّ فعل لا يستغنـي عن خبر, ولـيس هو بصفة لهذا, لأنك لو قلت: «رأيت هذا هو» لـم يكن كلاما, ولا تكون هذه الـمضمرة من صفة الظاهرة, ولكنها تكون من صفة الـمضمرة, نـحو قوله: وَلَكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِـمينَ تـجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيرا وَأعْظمَ أجْرا لأنك تقول: «وجدته هو وإياي» فتكون «هو» صفة. وقد تكون فـي هذا الـمعنى أيضا غير صفة, ولكنها تكون زائدة كما كان فـي الأوّل. وقد تـجري فـي جميع هذا مـجرى الاسم, فـيرفع ما بعدها إن كان بعدها ظاهرا أو مضمرا فـي لغة بنـي تـميـم, يقولون فـي قوله: إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظّالِـمينَ وَ تـجِدُوهُ عِندَ اللّهِ هُوَ خَيْرا وَأعْظَم أجْرا كما تقول: كانوا آبـاؤهم الظالـمون, جعلوا هذا الـمضمر نـحو «هو» و «هما» و «أنت» زائدا فـي هذا الـمكان. ولـم تـجعل مواضع الصفة, لأنه فصل أراد أن يبـين به أنه لـيس ما بعده صفة لـما قبله, ولـم يحتـج إلـى هذا فـي الـموضع الذي لا يكون له خبر.
وكان بعض الكوفـيـين يقول: لـم تدخـل «هو» التـي هي عماد فـي الكلام إلاّ لـمعنى صحيح. وقال: كأنه قال: زيد قائم, فقلت أنت: بل عمرو هو القائم فهو لـمعهود الاسم والألف, واللام لـمعهود الفعل التـي هي صلة فـي الكلام مخالفة لـمعنى «هو», لأن دخولها وخروجها واحد فـي الكلام, ولـيست كذلك هو وأما التـي تدخـل صلة فـي الكلام, فتوكيد شبـيه بقولهم: «وجدته نفسه» تقول ذلك, ولـيست بصفة كالظريف والعاقل.
الآية : 33-34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوَاْ أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاّ الْمُتّقُونَ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }..
اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك, فقال بعضهم: تأويـله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْت فِـيهِمْ: أي وأنت مقـيـم بـين أظهرهم. قال: وأنزلت هذه علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم وهو مقـيـم بـمكة. قال: ثم خرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم من بـين أظهرهم, فـاستغفر من بها من الـمسلـمين, فأنزل بعد خروجه علـيه حين استغفر أولئك بها: وَما كانَ الله مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرونَ. قال: ثم خرج أولئك البقـية من الـمسلـمين من بـينهم, فعذّب الكفـار. ذكر من قال ذلك.
12483ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر بن أبـي الـمغيرة, عن ابن أبزي, قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم بـمكة, فأنزل الله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ. قال: فخرج النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى الـمدينة, فأنزل الله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. قال: فكان أولئك البقـية من الـمسلـمين الذين بقوا فـيها يستغفرون, يعنـي بـمكة فلـما خرجوا أنزل الله علـيه: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ قال: فأذن الله له فـي فتـح مكة, فهو العذاب الذي وعدهم.
12484ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا حصين, عن أبـي مالك, فـي قوله: وَما كانَ الله لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْت فِـيهِمْ يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم. وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعنـي: من بها من الـمسلـمين. وَمَا لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ يعنـي مكة, وفـيها الكفـار.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن حصين, عن أبـي مالك, فـي قول الله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ يعنـي: أهل مكة. وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وفـيهم الـمؤمنون, يستغفرون يغفر لـمن فـيهم من الـمسلـمين.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيـل الرازي وأبو داود الـحفري, عن يعقوب, عن جعفر, عن ابن أبزى: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: بقـية من بقـي من الـمسلـمين منهم, فلـما خرجوا, قال: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ.
قال: حدثنا عمران بن عيـينة, عن حصين, عن أبـي مالك: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ قال: أهل مكة.
12485ـ وأخبرنا أبـيّ, عن سلـمة بن نبـيط, عن الضحاك: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: الـمؤمنون من أهل مكة. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ قال: الـمشركون من أهل مكة.
12486ـ قال: حدثنا أبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: الـمؤمنون يستغفرون بـين ظهرانـيهم.
12487ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس قوله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: الذين آمنوا معك يستغفرون بـمكة, حتـى أخرجك والذين آمنوا معك.
12488ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال: ابن عبـاس: لـم يعذّب قرية حتـى يخرج النبـيّ منها والذين آمنوا معه ويـلـحقه بحيث أمر. وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعنـي الـمؤمنـين. ثم أعاد إلـى الـمشركين, فقال: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ.
12489ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ قال: يعنـي أهل مكة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله لـيعذّب هؤلاء الـمشركين من قريش بـمكة وأنت فـيهم يا مـحمد, حتـى أخرجك من بـينهم. وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهؤلاء الـمشركون يقولون: يا ربّ غفرانك وما أشبه ذلك من معانـي الاستغفـار بـالقول. قالوا: وقوله: وَما لهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ فـي الاَخرة. ذكر من قال ذلك.
12490ـ حدثنا أحمد بن منصور الرمادي, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا عكرمة, عن أبـي زميـل, عن ابن عبـاس: إن الـمشركين كانوا يطوفون بـالبـيت يقولون: لبـيك لا شريك لك لبـيك, فـيقول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ قَدْ» فـيقولون: لا شريك لك إلاّ شريك هو لك تـملكه وما ملك, ويقولون: غفرانك غفرانك. فأنزل الله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. فقال ابن عبـاس: كان فـيهم أمانان: نبـيّ الله والاستغفـار, قال: فذهب النبـيّ صلى الله عليه وسلم, وبقـي الاستغفـار. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ قال: فهذا عذاب الاَخرة, قال: وذاك عذاب الدنـيا.
12491ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو معشر, عن يزيد بن رومان ومـحمد بن قـيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: مـحمد أكرمه الله من بـيننا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ, فَأمْطِرْ عَلَـيْنا... الاَية فلـما أمسوا ندموا علـى ما قالوا, فقالوا: غفرانك اللهمّ فأنزل الله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ... إلـى قوله: لا يَعْلَـمُونَ.
12492ـ حدثنـي ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: كانوا يقولون يعنـي الـمشركين: والله إن الله لا يعذّبنا ونـحن نستغفر, ولا يعذّب أمة ونبـيها معها حتـى يخرجه عنها وذلك من قوله ورسول لله صلى الله عليه وسلم بـين أظهرهم, فقال الله لنبـيه صلى الله عليه وسلم يذكر له جهالتهم وغرّتهم واستفتاحهم علـى أنفسهم, إذ قالوا اللّهُمّ إنْ كانَ هَذَا هُوَ الـحَقّ مِنْ عِنْدِكَ فَأمْطِرْ عَلَـيْنا حِجارَةً مِنَ السّماءِ كما أمطرتها علـى قوم لوط, وقال حين نعى علـيهم سوء أعمالهم: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ, أي بقولهم, وإن كانوا يستغفرون كما قال: وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرامِ من آمن الله وعبده, أي أنت ومن تبعك.
12493ـ حدثنا الـحسن بن الصبـاح البزار, قال: حدثنا أبو بردة, عن أبـي موسى, قال: إنه كان فـيكم أمانان: قوله: ومَا كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: أما النبـيّ صلى الله عليه وسلم فقد مضى, وأما الاستغفـار فهو دائر فـيكم إلـى يوم القـيامة.
12494ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا يونس بن أبـي إسحاق, عن عامر أبـي الـخطاب الثوريّ قال: سمعت أبـا العلاء يقول: كان لأمة مـحمد صلى الله عليه وسلم أمَنتاه: فذهبت إحداهما, وبقـيت الأخرى: وَما كانَ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ... الاَية.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله لـيعذّبهم وأنت فـيهم يا مـحمد, وما كان الله معذّب الـمشركين وهم يستغفرون, أي: لو استغفروا. قالوا: ولـم يكونوا يستغفرون فقال جلّ ثناؤه إذ لـم يكونوا يستغفرون: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. ذكر من قال ذلك.
12495ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: إن القوم لـم يكونوا يستغفرون, ولو كانوا يستغفرون ما عذّبوا. وكان بعض أهل العلـم يقول: هما أمانان أنزلهما الله, فأما أحدهما فمضى نبـيّ الله, وأما الاَخر فأبقاه الله رحمة بـين أظهركم, الاستغفـار والتوبة.
12496ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: قال الله لرسوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: ما كنت أعذبهم وهم يستغفرون, ولو استغفروا وأقرّوا بـالذنوب لكانوا مؤمنـين, وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون, وما لهم ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن مـحمد وعن الـمسجد الـحرام
12497ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَمَا كانَ اللهُ مُعَذّبهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُون قال: يقول: لو استغفروا لـم أعذّبهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله لـيعذّبهم وهم يسلـمون. قالوا: واستغفـارهم كان فـي هذا الـموضع: إسلامهم. ذكر من قال ذلك.
12498ـ حدثنا سوّار بن عبد الله, قال: حدثنا عبد الـملك بن الصبـاح, قال: حدثنا عمران بن حدير, عن عكرمة, فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ. قال: سألوا العذاب, فقال: لـم يكن لـيعذبهم وأنت فـيهم, ولـم يكن لـيعذّبهم وهم يدخـلون فـي الإسلام.
12499ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وأنْتَ فِـيهمْ قال: بـين أظهرهم. وقوله: وَهُمْ يَسْتَغْفِروُنَ قال: يسلـمون.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وما كان الله لـيعذبهم وأنت فـيهم بـين أظهرهم وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: وهم يسلـمون. وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد الله, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ قال: بـين أظهرهم. وَما كان اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وهم يَسْتَغْفِرُونَ قال: دخولهم فـي الإسلام.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفـيهم مَن قد سبق له من الله الدخول فـي الإسلام. ذكر من قال ذلك.
12500ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وَأنْتَ فِـيهِمْ يقول: ما كان الله سبحانه يعذّب قوما وأنبـياؤهم بـين أظهرهم حتـى يخرجهم. ثم قال: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول: ومنهم من قد سبق له من الله الدخول فـي الإيـمان, وهو الاستغفـار, ثم قال: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ فعذّبهم يوم بدر بـالسيف.
وقال آخرون: بل معناه: وما كان الله معذّبهم وهم يصلّون. ذكر من قال ذلك.
12501ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعنـي: يصلون, يعنـي بهذا أهل مكة.
12502ـ حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـيّ, قال: حدثنا حسين الـجعفـيّ, عن زائدة, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قول الله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: يصلون.
12503ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ يعنـي: أهل مكة, يقول: لـم أكن لأعذّبكم وفـيكم مـحمد. ثم قال: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يعنـي: يؤمنون ويصلون.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن مـجاهد, فـي قوله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال: وهم يصلون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله لـيعذّب الـمشركين وهم يستغفرون. قالوا: ثم نسخ ذلك بقوله: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ. ذكر من قال ذلك.
12504ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يحيى بن واضح, عن الـحسين بن واقد, عن يزيد النـحويّ, عن عكرمة والـحسن البصريّ, قالا: قال فـي الأنفـال: وَما كانَ اللّهُ لِـيُعَذّبَهُمْ وأنْتَ فِـيهِمْ وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ فنسختها الاَية التـي تلـيها: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ... إلـى قوله: فَذُوقُوا العَذَابَ بِـمَا كُنْتُـمْ تَكْفُرُونَ فقوتلوا بـمكة, وأصابهم فـيها الـجوع والـحصر.
وأولـى هذه الأقوال عندي فـي ذلك بـالصواب قول من قال: تأويـله: وما كان الله لـيعذبهم وأنت فـيهم يا مـحمد وبـين أظهرهم مقـيـم, حتـى أخرجك من بـين أظهرهم لأنـي لا أهلك قرية وفـيها نبـيها. وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم وكفرهم, ولكنهم لا يستغفرون من ذلك, بل هم مصرّون علـيه, فهم للعذاب مستـحقون, كما يقال: ما كنت لأحسن إلـيك وأنت تسيء إلـيّ, يراد بذلك: لا أحسن إلـيك إذا أسأت إلـيّ ولو أسأت إلـيّ لـم أحسن إلـيك, ولكن أحسن إلـيك لأنك لا تسيء إلـيّ وكذلك ذلك. ثم قـيـل: وَمالَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ بـمعنى: وما شأنهم وما يـمنعهم أن يعذّبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فـيؤمنوا به, وهم يصدّون الـمؤمنـين بـالله ورسوله عن الـمسجد الـحرام.
وإنـما قلنا هذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب, لأن القوم أعنـي مشركي مكة كانوا استعجلوا العذاب, فقالوا: اللهمّ إن كان ما جاء به مـحمد هو الـحقّ, فأمطر علـينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب ألـيـم فقال الله لنبـيه: ما كنت لأعذّبهم وأنت فـيهم وما كنت لأعذّبهم لو استغفروا, وكيف لا أعذّبهم بعد إخراجك منهم وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام فأعلـمه جلّ ثناؤه أن الذين استعجلوا العذاب حائق بهم ونازل, وأعلـمهم حال نزوله بهم, وذلك بعد إخراجه إياه من بـين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب فـي الاَخرة, وهم مستعجلوه فـي العاجل, ولا شكّ أنهم فـي الاَخرة إلـى العذاب صائرون, بل فـي تعجيـل الله لهم ذلك يوم بدر الدلـيـل الواضح علـى أن القول فـي ذلك ما قلنا. وكذلك لا وجه لقول مَن وجّه قوله: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ إلـى أنه عنـي به الـمؤمنـين, وهو فـي سياق الـخبر عنهم وعما الله فـاعل بهم, ولا دلـيـل علـى أن الـخبر عنهم قد تقضّى, وعلـى أن ذلك به عنوا, ولا خلاف فـي تأويـله من أهله موجود. وكذلك أيضا لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الـمَسْجِدِ الـحَرَامِ... الاَية, لأن قوله جلّ ثناؤه: وَما كانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ خبر, والـخبر لا يجوز أن يكون فـيه نسخ, وإنـما يكون النسخ للأمر والنهي.
واختلف أهل العربـية فـي وجه دخول «أن» فـي قوله: وَما لَهُمْ ألاّ يُعَذّبَهُمُ اللّهُ فقال بعض نـحويـي البصرة: هي زائدة ههنا, وقد عملت كما عملت «لا» وهي زائدة, وجاء فـي الشعر:
لَوْ لَـمْ تكُنْ غَطَفـانُ لا ذُنُوبَ لَهَاإلـيّ لامَ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربـية, وقال: لـم تدخـل «أن» إلاّ لـمعنى صحيح, لأن معنى وَما لَهُمْ ما يـمنعهم من أن يعذّبوا, قال: فدخـلت «أن» لهذا الـمعنى, وأخرج ب «لا», لـيعلـم أنه بـمعنى الـجحد, لأن الـمنع جحد. قال: و «لا» فـي البـيت صحيح معناها, لأن الـجحد إذا وقع علـيه جحد صار خبرا. وقال: ألا ترى إلـى قولك: ما زيد لـيس قائما, فقد أوجبت القـيام؟ قال: وكذلك «لا» فـي هذا البـيت.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنّ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ.
يقول تعالـى ذكره: وما لهؤلاء الـمشركين ألا يعذّبهم الله وهم يصدّون عن الـمسجد الـحرام, ولـم يكونوا أولـياء الله إنْ أوْلِـيَاؤُهُ يقول: ما أولـياء الله إلاّ الـمتقون, يعنـي: الذين يتقون الله بأداء فرائضه, واجتناب معاصيه. وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ولكن أكثر الـمشركين لا يعلـمون أن أولـياء الله الـمتقون, بل يحسبون أنهم أولـياء الله.
وبنـحو ما قلنا قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
12505ـ حدثنـي مـحمد بن الـحسين, قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
12506ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ مَن كانوا وحيث كانوا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
12507ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَما كانُوا أوْلِـياءَهُ إنْ أوْلِـياؤُهُ إلاّ الـمُتّقُونَ الذين يخرجون منه, ويقـيـمون الصلاة عنده, أي: أنت يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم ومن آمن بك. وَلكِنّ أكْثَرَهُمْ لا يَعْلَـمُونَ
الصفحة رقم 180 من المصحف تحميل و استماع mp3