تفسير الطبري تفسير الصفحة 212 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 212
213
211
 الآية : 26
القول في تأويل قوله تعالى: {لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَىَ وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلّةٌ أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: للذين أحسنوا عبادة الله في الدنيا من خلقه فأطاعوه فيما أمر ونَهَى الحُسْنَى.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى الحسنى والزيادة اللتين وعدهما المحسنين من خلقه, فقال بعضهم: الحسنى: هي الجنة, جعلها الله للمحسنين من خلقه جزاء, والزيادة عليها النظر إلى الله تعالى. ذكر من قال ذلك:
13724ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عامر بن سعد, عن أبي بكر الصدّيق: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: النظر إلى وجه ربهم.
حدثنا سفيان, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن قيس, عن أبي إسحاق, عن عامر بن سعد, عن سعيد بن نمران, عن أبي بكر: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: النظر إلى وجه الله تعالى.
13725ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن عامر بن سعد: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: النظر إلى وجه ربهم.
حدثنا محمد بن المثنى, قال: حدثنا محمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبي إسحاق, عن عامر بن سعد, قال: في هذه الآية: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: الزيادة: النظر إلى وجه الرحمن.
13726ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن مسلم بن نذير, عن حذيفة: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: النظر إلى وجه ربهم.
13727ـ حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي, قال: حدثنا شريك, قال: سمعت أبا إسحاق يقول في قول الله: وَزِيادة قال: النظر إلى وجه الرحمن.
13728ـ حدثني عليّ بن عيسى, قال: حدثنا شبابة, قال: حدثنا أبو بكر الهذليّ, قال: سمعت أبا تميمة الهجيمي يحدّث عن أبي موسى الأشعري, قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله إلى أهل الجنة مناديا ينادي: هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ فينطرون إلى ما أعدّ الله لهم من الكرامة, فيقول: نعم, فيقول: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ النظر إلى وجه الرحمن.
حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن أبي بكر الهذلي, قال: أخبرنا أبو تميمة الهجيمي, قال: سمعت أبا موسى الأشعري يخطب على منبر البصرة يقول: إن الله يبعث يوم القيامة ملكا إلى أهل الجنة, فيقول: يا أهل الجنة هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ فينظرون إلى ما أعدّ الله لهم من الكرامة, فيرون الحليّ والحلل والثمار والأنهار والأزواج المطهرة, فيقولون: نعم, قد أنجزنا الله ما وعدنا. ثم يقول الملك: هل أنجزكم الله ما وعدكم؟ ثلاث مرّات, فلا يفقدون شيئا مما وعدوا, فيقولون: نعم, فيقول: قد بقي لكم شيء, إن الله يقول: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ ألا إن الحسنى الجنة, والزيادة: النظر إلى وجه الله.
13729ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرني شبيب, عن أبان, عن أبي تميمة الهجيمي: أنه سمع أبا موسى الأشعري يحدّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يَبْعَثُ يَوْمَ القِيامَةِ مُنادِيا يُنادِي أهْلَ الجَنّة بصَوْتٍ يُسْمِعُ أوّلَهُمْ وآخِرَهُمْ: إنّ اللّهَ وَعَدَكُمُ الحُسْنَى وَزِيادَةٌ, فالحُسْنَى الجَنّةُ, والزّيادَةُ النّظَرُ إلى وَجْهِ الرّحْمَنِ».
13730ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن ثابت البناني, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: النظر إلى وجه ربهم. وقرأ: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ قال: بعد النظر إلى وجه ربهم.
13731ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن المبارك, عن سليمان بن المُغيرة, قال: أخبرنا ثابت, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, قوله: وَزِيادَةٌ قال: قيل له: أرأيت قوله: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ؟ قال: إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم قال: نودوا يا أهل الجنة إن الله قد وعدكم الزيادة, فيتجلى لهم. قال ابن أبي ليلى: فما ظنك بهم حين ثقلت موازينهم, وحين صارت الصحف في أيمانهم, وحين جاوزوا جسر جهنم ودخلوا الجنة, وأعطوا فيها ما أعطوا من الكرامة والنعيم؟ كل ذلك لم يكن شيئا فيما رأوا.
قال: حدثنا ابن المبارك, عن معمر وسليمان بن المُغيرة, عن ثابت البناني, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: النظر إلى وجه ربهم.
13732ـ قال: حدثنا الحجاج ومعلى بن أسد, قالا: حدثنا حماد بن زيد, عن ثابت, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة, قال لهم: إنه قد بقي من حقكم شيء لم تُعْطَوْه. قال: فيتجلّى لهم تبارك وتعالى. قال: فيصغر عندهم كلّ شيء أُعْطُوه. قال: ثم قال: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: الحسنى: الجنة, والزيادة,: النظر إلى وجه ربهم, ولا يَرهَق وجوههم قَتر ولا ذلة بعد ذلك.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن ثابت البناني, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ النظر إلى وجه الله.
13733ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا هوذة, قال: حدثنا عوف, عن الحسن, في قول الله: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ النظر إلى الربّ.
13734ـ حدثنا عمرو بن عليّ وحمد بن بشار, قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ وأهْلُ النّارِ النّارَ, نُودُوا: يا أهْلَ الجَنّةِ, إنّ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ مَوْعِدا قالُوا: ما هُوَ؟ ألَمْ تُبَيّضْ وُجُوهَنا, وَتُثَقّلْ مَوَازِينَنا, وَتُدْخِلُنا الجَنّةَ, وَتُنَجّنا مِنَ النّارِ؟ فَيُكْشَفُ الحِجَابُ, فَيَتَجَلّى لَهُمْ فوَاللّهِ ما أعْطاهُمْ شَيْئا أحَبّ إلَيْهِمْ منَ النّظَرِ إلَيْهِ» ولفظ الحديث لعمرو.
13735ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا الحجاج بن المنهال, قال: حدثنا حماد, عن ثابت, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن صهيب, قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قالَ: «إذَا دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ وأهْلُ النّارِ النّارَ, نادَى مُنادِ: يا أهْلَ الجَنّةِ, إنّ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ مَوْعِدا يُرِيدُ أنْ يُنْجِزَكُموهُ فَيَقُولُونَ: ومَا هُوَ؟ ألَمْ يُثَقّلِ اللّهُ مَوَازِينَنا, وَيُبَيّضْ وُجوهَنا؟» ثم ذكر سائر الحديث نحو حديث عمرو بن عليّ وابن بشار, عن عبد الرحمن.
قال: حدثنا الحماني, قال: حدثنا شريك, عن أبي إسحاق, عن سعيد بن نمران, عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى.
قال: حدثنا شريك, عن أبي إسحاق, عن عامر بن سعد, مثله.
13736ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ بلغنا أن المؤمنين لما دخلوا الجنة ناداهم مناد: إن الله وعدكم الحسنى وهي الجنة وأما الزيادة: فالنظر إلى وجه الرحمن.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
13737ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا إبراهيم بن المختار, عن ابن جريج, عن عطاء, عن كعب بن عجرة, عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: تعالى: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: «الزّيَادَةُ: النّظَرُ إلى وَجْهِ الرحمن تَبَارك وتَعَالَى».
13738ـ قال: حدثنا جرير, عن ليث, عن عبد الرحمن بن سابط, قال: الحسنى: النضرة, والزيادة: النظر إلى وجه الله تعالى.
13739ـ حدثنا ابن البرقى, قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة, قال: سمعت زهيرا عمن سمع أبا العالية, قال: حدثنا أبيّ بن كعب: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله تعالى: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: «الحُسْنَى: الجَنّةُ والزّيادَةُ: النّظَرُ إلى وَجْهِ الله».
وقال آخرون في الزيادة بما:
13740ـ حدثنا به يحيى بن طلحة, قال: حدثنا فضيل بن عياض, عن منصور, عن الحكم, عن عليّ رضي الله عنه: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: الزيادة: غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عمرو, عن منصور, عن الحكم, عن علي رضي الله عنه, نحوه, إلا أنه قال: فيها أربعة أبواب.
قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن الحكم بن عتيبة, عن عليّ رضي الله عنه, مثل حديث يحيى بن طلحة, عن فضيل سواء.
وقال آخرون: الحسنى واحدة من الحسنات بواحدة, والزيادة: التضعيف إلى تمام العشر. ذكر من قال ذلك:
13741ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: هو مثل قوله: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ يقول: يجزيهم بعملهم ويزيدهم من فضله. وقال: مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالهَا وَمَنْ جاءَ بالسّيّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُون.
13742ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن قابوس, عن أبيه, عن علقمة بن قيس: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: قلت: هذه الحسنى, فما الزيادة؟ قال: ألم تر أن الله يقول: مَنْ جاءَ بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا 13743ـ حدثنا بشر, قال: يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: كان الحسن يقول في هذه الآية: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: الزيادة: بالحسنة عشر أمثالها, إلى سبعمائة ضعف.
وقال آخرون: الحسنى: حسنة مثل حسنة, والزيادة: زيادة مغفرة من الله ورضوان. ذكر من قال ذلك:
13744ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى مثلها حسنى وزيادة مغفرة ورضوان.
وقال آخرون: الزيادة ما أعطوا في الدنيا. ذكر من قال ذلك:
13745ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ قال: الحسنى: الجنة, وزيادة: ما أعطاهم في الدنيا لا يحاسبهم به يوم القيامة. وقرأ وآتَيْنَاهُ أجْرَهُ في الدّنْيا قال: ما آتاه مما يحبّ في الدنيا عجّل له أجره فيها.
وكان ابن عباس يقول في قوله: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى بما:
13746ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى يقول: للذين شهدوا أن لا إله إلا الله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تبارك وتعالى وعد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى أن يجزيهم على طاعتهم إياه الجنة وأن تبيض وجوههم, ووعدهم مع الحسنى الزيادة عليها, ومن الزيادة على إدخالهم الجنة أن يكرمهم بالنظر إليه, وأن يعطيهم غرفا من لاَلىء, وأن يزيدهم غفرانا ورضوانا كلّ ذلك من زيادات عطاء الله إياهم على الحسنى التي جعلها الله لأهل جناته. وعمّ ربنا جلّ ثناؤه بقوله: وَزِيادَةٌ الزيادات على الحسنى, فلم يخصص منها شيئا دون شيء, وغير مستنكر من فضل الله أن يجمع ذلك لهم, بل ذلك كله مجموع لهم إن شاء الله. فأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يعمّ كما عمه عزّ ذكره.
القول في تأويل قوله تعالى: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ أُولئكَ أصحَابُ الجَنّةِ هُمْ فِيها خالدُونَ.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ لا يغشى وجوههم كآبة ولا كسوف حتى تصير من الحزن كأنما علاها قتر. والقتر: الغبار وهو جمع قترة, ومنه قول الشاعر:
مُتَوّجٌ برداءِ المُلْكِ يَتْبَعُهُمَوْجٌ تَرى فَوْقَهُ الرّاياتِ والقَتْرِا
يعني بالقتر: الغبار. وَلا ذِلّةٌ. ولا هوان. أولَئِكَ أصْحَابُ الجَنّةِ يقول هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أهل الجنة وسكانها ومن هُمْ فيها خَالِدُون يقول هم فيها ماكثون أبدا لا تبيد فيخافوا زوال نعيمهم, ولا هم بمخرجين فتتنغص عليهم لذتهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
وكان ابن أبي ليلى يقول في قوله: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ ما:
13747ـ حدثنا محمد بن منصور الطوسى, قال: حدثنا عفان, قال: حدثنا حماد بن زيد, قال: حدثنا زيد, عن ثابت, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلّةٌ قال: بعد نظرهم إلى ربهم.
حدثني المثنى, قال: حدثنا الحجاج ومعلى بن أسد, قالا: حدثنا حماد بن زيد, عن ثابت, عن عبد الرحمن بن أبي ليلى, بنحوه.
13748ـ حدثنا القاسم قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, عن عطاء الخراساني, عن ابن عباس, قوله: وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ قال: سواد الوجوه.
الآية : 27
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالّذِينَ كَسَبُواْ السّيّئَاتِ جَزَآءُ سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ مّا لَهُمْ مّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مّنَ الْلّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: والذين عملوا السيئات في الدنيا, فعصوا الله فيها, وكفروا به وبرسوله, جزاء سيئة من عمله السيء الذي عمله في الدنيا بمثلها من عقاب الله في الاَخرة. وَتَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ يقول: وتغشاهم ذلة وهوان بعقاب الله إياهم. ما لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ يقول: ما لهم من الله من مانع يمنعهم إذا عاقبهم يحول بينه وبينهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
13749ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله: وَتَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ قال: تغشاهم ذلة وشدّة.
واختلف أهل العربية في الرافع للجزاء, فقال بعض نحويي الكوفة: رفع بإضمار «لهم», كأنه قيل: ولهم جزاء السيئة بمثلها, كما قال: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أيّامٍ فِي الحَجّ والمعنى: فعليه صيام ثلاثة أيام. قال: وإن شئت رفعت الجزاء بالباء في قوله: وَجَزَاءُ سَيّئَةٍ بمِثْلِها. وقال بعض نحويي البصرة: الجزاء مرفوع بالابتداء: وخبره بمثلها. قال: ومعنى الكلام: جزاء سيئة مثلها, وزيدت الياء كما زيدت في قوله: بحسبك قول السوء. وقد أنكر ذلك من قول بعضهم فقال: يجوز أن تكون الباء في «حسب» (زائدة), لأن التأويل: إن قلت السوء فهو حسبك, فلما لم تدخل في الجزاء أدخلت في حسب بحسبك أن تقوم إن قمت فهو حسبك, فإن مدح ما بعد حسب أدخلت الباء فيما بعدها كقولك: حسبك بزيد, ولا يجوز: بحسبك زيد, لأن زيدا الممدوح فليس بتأويل جزاء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يكون الجزاء مرفوعا بإضمار بمعنى: فلهم جزاء سيئة بمثلها لأن الله قال في الآية التي قبلها: لِلّذِينَ أحْسَنُوا الحُسْنَى وَزِيادَةٌ فوصف ما أعدّ لأوليائه, ثم عقب ذلك بالخبر عما أعدّ الله لأعدائه, فأشبه بالكلام أن يقال: وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة. وإذا وجه ذلك إلى هذا المعنى كانت الياء للجزاء.
القول في تأويل قوله تعالى: كأنّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعا مِنَ اللّيْلِ مُظْلِما أُولَئِكَ أصَحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
يقول تعالى ذكره: كأنما ألبست وجوه هؤلاء الذين كسبوا السيئات قطعا من الليل, وهي جمع قطعة. وكان قتادة يقول في تأويل ذلك, ما:
13750ـ حدثنا به محمد بن عبد الأعلى, قال: حدثنا محمد بن ثور, عن معمر عن قتادة: كأنما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعا مِنَ اللّيْلِ مُظْلِما قال: ظلمة من الليل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله تعالى: قِطَعا فقرأته عامة قرّاء الأمصار: قِطَعا بفتح الطاء على معنى جمع قطعة, وعلى معنى أن تأويل ذلك: كأنما أغشيت وجه كلّ إنسان منهم قطعة من سواد الليل, ثم جمع ذلك فقيل: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من سواد, إذ جمع «الوجه». وقرأه بعض متأخري القرّاء: «قِطْعا» بسكون الطاء, بمعنى: كأنما أغشيت وجوههم سوادا من الليل, وبقية من الليل, ساعة منه, كما قال: فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّيْلِ أي ببقية قد بقيت منه, ويعتلّ لتصحيح قراءته ذلك كذلك أنه في مصحف أبيّ: «ويغشى وجوههم قطع من الليل مظلم».
والقراءة التي لا يجوز خلافها عندي قراءة ذلك بفتح الطاء, لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار على تصويبها وشذوذ ما عداها. وحسب الأخرى دلالة على فسادها, خروج قارئها عما عليه قرّاء أهل الأمصار والإسلام.
فإن قال لنا قائل: فإن كان الصواب في قراءة ذلك ما قلت, فما وجه تذكير المظلم وتوحيده, وهو من نعت القِطَع والقِطْع جمع لمؤنث؟ قيل في تذكيره ذلك وجهان: أحدهما: أن يكون قطعا من الليل, وإن يكون من نعت الليل, فلما كان نكرة والليل معرفة نصب على القطع. فيكون معنى الكلام حينئذ: كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل المظلم, ثم حذفت الألف واللام من «المظلم», فلما صار نكرة وهو من نعت الليل نصب على القطع وتسمي أهل البصرة ما كان كذلك حالاً, والكوفيّون قطعا. والوجه الاَخر على نحو قول الشاعر:
لو أنّ مِدْحَةَ حَيّ مُنْشِرٌ أحَدا
والوجه الأول أحسن وجهيه.
وقوله: أُولَئِكَ أصَحابُ النّارِ يقول: هؤلاء الذين وصفت لك صفتهم أهل النار الذين هم أهلها, هُمْ فِيها خالِدُونَ يقول: هم فيها ماكثون.
الآية : 28
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمّ نَقُولُ لِلّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مّا كُنتُمْ إِيّانَا تَعْبُدُونَ }.
يقول تعالى ذكره: ويوم نجمع الخلق لموقف الحساب جميعا, ثم نقول حينئذ للذين أشركوا بالله الاَلهة والأنداد: مكانكم أي امكثوا مكانكم, وقفوا في موضعكم أنتم أيها المشركون, وشركاؤكم الذين كنتم تعبدونهم من دون الله من الاَلهة والأوثان. فَزَيّلْنا بَيْنَهُمْ يقول: ففرّقنا بين المشركين بالله وما أشركوه به وبين غيره وأبنته منه. وقال: «فزيلنا» إرادة تكثير الفعل وتكريره. ولم يقل: «فزلنا بينهم». وقد ذُكر عن بعضهم أنه كان يقرؤه: «فزايلنا بينهم», كما قيل: وَلا تُصعّرْ خَدّكَ و«لا تصاعر خدّك», والعرب تفعل ذلك كثيرا في فعلت, يلحقون فيها أحيانا ألفا مكان التشديد, فيقولون: فاعلت إذا كان الفعل لواحد. وأما إذا كان لاثنين فلا تكاد تقول إلا فاعلت. وقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ أيّانا تَعْبُدُونَ وذلك حين تَبرّأ الّذِينِ اتّبِعُوا مِنَ الّذِينَ اتّبَعُوا وَرَأوُا الْعَذَابَ وَتَقَطّعَتْ بِهِمُ الأسبابُ لما قيل للمشركين اتبعوا ما كنتم تعبدون من دون الله, ونصبت لهم آلهتهم, قالوا: كنا نعبد هؤلاء, فقالت الاَلهة لهم: ما كنتم إيانا تعبدون. كما:
13751ـ حُدثت عن مسلم بن خالد, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال: يكون يوم القيامة ساعة فيها شدّة تنصب لهم الاَلهة التي كانوا يعبدون, فيقال: هؤلاء الذين كنتم تعبدون من دون الله, فتقول الاَلهة: والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم كنتم تعبدوننا فيقولون: والله لإياكم كنا نعبد فتقول لهم الاَلهة: فَكَفى بِاللّهِ شَهِيدا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إنْ كُنّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ.
13752ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا ثُمّ نَقُولُ للّذِينَ أشْرَكُوا مَكانَكُمْ أنْتُمْ وَشُرَكاؤُكُم فَزَيّلْنا بَيْنَهُمْ قال: فرّقنا بينهم. وَقالَ شُركاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إيّانا تَعْبُدُونَ قالوا: بلى قد كنا نعبدكم, (ف) قالوا كَفَى باللّهِ شَهِيدا بَيْنَنا وبَيْنَكُمْ إنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نتكلم. فقال الله: هُنالك تَبْلُو كُلّ نَفْس ما أسْلَفَتْ... الآية.
ورُوي عن مجاهد, أنه كان يتأوّل الحشر في هذا الموضع: الموت.
13753ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبي, عن الأعمش, قال: سمعتهم يذكرون عن مجاهد, في قوله: وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعا قال: الحشر: الموت.
والذي قلنا في ذلك أولى بتأويله لأن الله تعالى ذكره أخبر أنه يقول يومئذ للذين أشركوا ما ذكر أنه يقول لهم, ومعلوم أن ذلك غير كائن في القبر, وأنه إنما هو خبر عما يقال لهم ويقولون في الموقف بعد البعث.
الآية : 29
القول في تأويل قوله تعالى: {فَكَفَىَ بِاللّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ }.
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل شركاء المشركين من الاَلهة والأوثان لهم يوم القيامة, إذ قال المشركون بالله لها: إياكم كنا نعبد, كفى بالله شهيدا بيننا وبينكم أي إنها تقول: حسبنا الله شاهدا بيننا وبينكم أيها المشركون, فإنه قد علم أنا ما علمنا ما تقولون. إنّا كُنّا عَنْ عَبادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ يقول: ما كنا عن عبادتكم إيانا دون الله إلا غافلين, لا نشعر به ولا نعلم. كما:
13754ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: إنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ قال: ذلك كلّ شيء يُعبد من دون الله.
حدثني المثنى, قال: ثني إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مجاهد: إنْ كُنّا عَنْ عِبادَتِكُمْ لَغافِلِينَ قال: يقول ذلك كلّ شيء كان يعبد من دون الله.
الآية : 30
القول في تأويل قوله تعالى: {هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلّ نَفْسٍ مّآ أَسْلَفَتْ وَرُدّوَاْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقّ وَضَلّ عَنْهُمْ مّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: هُنالِكَ تَبْلُو كُلّ نَفْس بالباء, بمعنى: عند ذلك تختبر كلّ نفس بما قدّمت من خير أو شرّ. وكان ممن يقرؤه ويتأوّله كذلك مجاهد.
13755ـ حدثني المثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: هُنالكَ تَبْلُو كُلّ نَفْسٍ ما أسْلَفَتْ قال: تختبر.
حدثني المثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الحسين, قال: ثني حجاج, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, مثله.
وقرأ ذلك جماعة من أهل الكوفة وبعض أهل الحجاز: «تَتْلُو كُلّ نَفْسٍ ما أسْلَفَتْ» بالتاء.
واختلف قارئو ذلك كذلك في تأويله, فقال بعضهم: معناه وتأويله: هنالك تتبع كلّ نفس ما قدمت في الدنيا لذلك اليوم. ورُوي بنحو ذلك خبر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من وجه وسند غير مرتضى أنه قال: «يُمَثّلُ لِكُلّ قَوْمٍ ما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ يَوْمَ القِيامَةِ, فَيَتّبِعُونَهُمْ حتى يُورِدُوهُمُ النّارَ» قال: ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: «هُنالكَ تَبْلُو كُلّ نَفْسٍ ما أسْلَفَتْ». وقال بعضهم: بل معناه: تتلو كتاب حسناته وسيئاته, يعني تقرأ, كما قال جلّ ثناؤه: ونُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابا يَلْقاهُ مَنْشُورا.
وقال آخرون: تبلو: تعاين. ذكر من قال ذلك:
13756ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: هُنالكَ تَبْلُو كُلّ نَفْسٍ ما أسْلَفَتْ قال: ما عملت. تبلو: تعاينه.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء, وهما متقاربتا المعنى وذلك أن من تبع في الاَخرة ما أسلف من العمل في الدنيا, هجم به على مورده, فيخبر هنالك ما أسلف من صالح أو سيىء في الدنيا, وإن من خير من أسلف في الدنيا من أعماله في الاَخرة, فإنما يخبر بعد مصيره إلى حيث أحله ما قدم في الدنيا من علمه, فهو في كلتا الحالتين متبع ما أسلف من عمله مختبر له, فبأيتهما قرأ القارىء كما وصفنا فمصيب الصواب في ذلك.
أما قوله: وَرُدّوا إلى اللّهِ مَوْلاهُمُ الحَقّ فإنه يقول: ورجع هؤلاء المشركون يومئذ إلى الله الذي هو ربهم ومالكهم الحقّ لا شكّ فيه دون ما كانوا يزعمون أنهم لهم أرباب من الاَلهة والأنداد. وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يقول: وبطل عنهم ما كانوا يتخرّصون من الفرية والكذب على الله بدعواهم أوثانهم أنها لله شركاء, وأنها تقرّبهم منه زلفى. كما:
13757ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: وَرُدّوا إلى اللّهِ مَوْلاهُمُ الحَقّ وَضَلّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ قال: ما كانوا يدعون معه من الأنداد والاَلهة, ما كانوا يفترون الاَلهة, وذلك أنهم جعلوها أندادا وآلهة مع الله افتراء وكذبا.
الآية : 31
القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السّمَآءِ وَالأرْضِ أَمّن يَمْلِكُ السّمْعَ والأبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَمَن يُدَبّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتّقُونَ }.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الأوثان والأصنام مَنْ يَرْزُقَكُمْ مِنَ السّماءِ الغيث والقطر ويطلع لكم شمسها ويغطش ليلها ويخرج ضحاها. وَ من الأرْضِ أقواتكم وغذاءكم الذي ينبته لكم وثمار أشجارها. أمْ مَنْ يَمْلِكُ السّمْعَ والأبْصَارَ يقول: أم من ذا الذي يملك أسماعكم وأبصاركم التي تسمعون بها أن يزيد في قواها أو يسلبكموها فيجعلكم صُمّا, وأبصاركم التي تبصرون بها أن يضيئها لكم وينيرها, أو يذهب بنورها فيجعلكم عميا لا تبصرون. وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيّ مِنَ المَيّتِ يقول: ومن يخرج الشيء الحيّ من الميت, ويُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ يقول: ويخرج الشيء الميت من الحيّ.
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين من أهل التأويل والصواب من القول عندنا في ذلك بالأدلة الدالة على صحته في سورة آل عمران بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وَمَنْ يُدَبّرِ الأمْرَ وقل لهم: من يدبر أمر السماء والأرض وما فيهنّ وأمركم وأمر الخلق. فَسَيَقُولُونَ اللّهُ يقول جلّ ثناؤه: فسوف يجيبونك بأن يقولوا الذي يفعل ذلك كله الله. فَقُلْ أفَلا تَتّقُونَ يقول: أفلا تخافون عقاب الله على شرككم وادّعائكم ربّا غير من هذه الصفة صفته, وعبادتكم معه من لا يرزقكم شيئا ولا يملك لكم ضرّا ولا نفعا.
الآية : 32
القول في تأويل قوله تعالى: {فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمُ الْحَقّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقّ إِلاّ الضّلاَلُ فَأَنّىَ تُصْرَفُونَ }.
يقول تعالى ذكره لخلقه: أيها الناس, فهذا الذي يفعل هذه الأفعال, فيرزقكم من السماء والأرض ويملك السمع والأبصار, ويخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ, ويدبّر الأمر اللّهُ رَبّكُمُ الحَقّ لا شكّ فيه. فَمَاذا بَعْدَ الحَقّ إلاّ الضّلالُ يقول: فأيّ شيء سوى الحقّ إلا الضلال وهو الجور عن قصد السبيل. يقول: فإذا كان الحقّ هو ذا, فادّعاؤكم غيره إلها ورَبّا هو الضلال والذهاب عن الحقّ لا شكّ فيه. فَأنّىَ تُصْرَفُونَ يقول: فأيّ وجه عن الهدى والحقّ تصرفون وسواهما تسلكون وأنتم مقرّون بأن الذي تصرفون عنه هو الحقّ.
الآية : 33
القول في تأويل قوله تعالى: {كَذَلِكَ حَقّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى الّذِينَ فَسَقُوَاْ أَنّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالى ذكره: كما قد صرف هؤلاء المشركون عن الحقّ إلى الضلال, كَذلكَ حَقّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ يقول: وجب عليهم قضاؤه وحكمه في السابق من علمه, على الّذِينَ فَسَقُوا فخرجوا من طاعة ربهم إلى معصيته وكفروا به أنّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يقول: لا يصدقون بوحدانية الله ولا بنبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم