تفسير الطبري تفسير الصفحة 230 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 230
231
229
 الآية : 72
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَتْ يَوَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنّ هَـَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }.
يقول تعالـى ذكره: فبشّرنا سارة امرأة إبراهيـم ثوابـا منا لها علـى نكيرها وعجبها من فعل قوم لوط بإسحاق ولدا لها. ومِنْ وَرَاءِ إسْحَاقَ يَعْقُوبَ يقول: ومن خـلف إسحاق يعقوب من ابنهاإسحاق. والوراء فـي كلام العرب: ولد الولد, وكذلك تأوّله أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14209ـ حدثنا حميد بن مسعدة, قال: حدثنا بشر بن الـمفضل, قال: حدثنا داود, عن عامر, قال: وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ قال: الوراء: ولد الولد.
14210ـ حدثنا عمرو بن علـيّ مـحمد بن الـمثنى, قال كل واحد منهما: حدثنـي أبو الـيسع إسماعيـل بن حماد بن أبـي الـمغيرة مولـى الأشعري, قال: كنت إلـى جنب جدي أبـي الـمغيرة بن مهران فـي مسجد علـيّ بن زيد, فمرّ بنا الـحسن بن أبـي الـحسن, فقال: يا أبـا الـمغيرة من هذا الفتـى؟ قال: ابنـي من ورائي, فقال الـحسن: فَبَشّرناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ.
14211ـ حدثنا عمرو بن علـيّ مـحمد بن الـمثنى, قالا: حدثنا مـحمد بن أبـي عديّ, قال: حدثنا داود بن أبـي هند, عن الشعبـي, فـي قوله: فَبَشّرْناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ قال: ولد الولد هو الوراء.
حدثنـي إسحاق بن شاهين, قال: حدثنا خالد, عن داود, عن عامر, فـي قوله: وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ قال: الوراء: ولد الولد.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا ابن علـية, عن داود, عن الشعبـيّ, مثله.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا أبو عمرو الأزدي, قال: سمعت الشعبـيّ يقول: ولد الولد: هم الولد من الوراء.
14212ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, عن حبـيب بن أبـي ثابت, قال: جاء رجل إلـى ابن عبـاس ومعه ابن ابنه, فقال: من هذا معك؟ قال: هذا ابنـي, قال: هذا ولدك من الوراء. قال: فكأنه شقّ علـى ذلك الرجل, فقال ابن عبـاس: إن الله يقول: فَبَشّرْناها بإسْحاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ فولد الولد: هم الوراء.
14213ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما ضحكت سارّة وقالت: عجبـا لأضيافنا هؤلاء, إنا نـخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا قال لها جبريـل: أبشري بولد اسمه إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. فضربت وجهها عجبـا, فذلك قوله: فَصكّتْ وَجْهَها وقالت: أألِدُ وأنا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلـى شَيْخا إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قالُوا أتَعْجَبـينَ منْ أمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَـيْكُمْ أهْلَ البَـيْتِ إنّهُ حَميدٌ مَـجِيدٌ قالت سارّة: ما آية ذلك؟ قال: فأخذ بـيده عودا يابسا فلواه بـين أصابعه, فـاهتزّ أخضر, فقال إبراهيـم: هو لله إذا ذبـيحا.
14214ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: فضحكت يعنـي سارّة لـما عرفت من أمر الله جلّ ثناؤه ولـما تعلـم من قوم لوط فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يقعوب بـابن وبـابن ابن, فقالت وصكّت وجهها يقال: ضربت علـى جبـينها: يا وَيْـلَتا ءألِدُ وأنا عَجُوز.... إلـى قوله: إنّهُ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء العراق والـحجاز: «ومِنْ وَرَاءِ إسحاقَ يَعْقُوبُ» برفع «يعقوب», ويعيد ابتداء الكلام بقوله. وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ. وذلك وإن كان خبرا مبتدأ, ففـيه دلالة علـى معنى التبشير. وقرأه بعض قراء أهل الكوفة والشأم: وَمِنْ وَرَاءِ إسْحاقَ يَعْقُوبَ نصبـا فأما الشامي منهما فذكر أنه كان ينـحو بـيعقوب نـحو النصب بإضمار فعل آخر مشاكل للبشارة, كأنه قال: ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب, فلـما لـم يظهر «وهبنا» عمل فـيه التبشير وعطف به علـى موضع «إسحاق», إذ كان إسحاق وإن كان مخفوضا فإنه بـمعنى الـمنصوب بعمل «بشرنا» فـيه, كما قال الشاعر:
جِئْنِـي بِـمِثْلِ بنـي بَدْرٍ لقَومِهِمِأوْ مِثْلَ أُسْرَةِ مَنْطُورِ بنِ سَيّارِ
أوْ عامِرِ بْنِ طُفَـيْـلٍ فـي مُرَكّبهِأوْ حارِثا يَوْمَ نادَى القَوْمُ يا حارِ
وأما الكوفـيّ منهما فإنه قرأه بتأويـل الـخفض فـيـما ذُكِر عنه, غير أنه نصبه لأنه لا يُجْرَى. وقد أنكر ذلك أهل العلـم بـالعربـية من أجل دخول الصفة بـين حرف العطف والاسم, وقالوا: خَطأ أن يقال: مررت بعمرو فـي الدار وفـي الدار زيد, وأنت عاطف بزيد علـى عمرو, إلا بتكرير البـاء وإعادتها, فإن لـم تعد كان وجه الكلام عندهم الرفع وجاز النصب, فإن قدم الاسم علـى الصفة جاز حينئذ الـخفض, وذلك إذا قلت: مررت بعمرو فـي الدار وزيد فـي البـيت. وقد أجاز الـخفض والصفة معترضة بـين حرف العطف والاسم بعض نـحويـي البصرة.
وأولـى القراءتـين فـي ذلك بـالصواب عندي قراءة من قرأه رفعا, لأن ذلك هو الكلام الـمعروف من كلام العرب, والذي لا يتناكره أهل العلـم بـالعربـية, وما علـيه قراءة الأمصار. فأما النصب فـيه فإن له وجها, غير أنـي لا أحبّ القراءة به, لأن كتاب الله نزل بأفصح ألسن العرب, والذي هو أولـى بـالعلـم بـالذي نزل به من الفصاحة.
الآية : 73
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنّهُ حَمِيدٌ مّجِيدٌ }.
يقول تعالـى ذكره: قالت سارّة لـما بُشّرت بإسحاق أنها تلد تعجبـا مـما قـيـل لها من ذلك, إذ كانت قد بلغت السنّ التـي لا يـلد من كان قد بلغها من الرجال والنساء, وقـيـل: إنها كانت يومئذ ابنة تسع وتسعين سنة وإبراهيـم ابن مِئة سنة, وقد ذُكِرَت الرواية فـيـما رُوى فـي ذلك عن مـجاهد قبلُ.
وأما ابن إسحاق, فإنه قال فـي ذلك ما:
14215ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: كانت سارّة يوم بشرت بإسحاق فـيـما ذَكَر لـي بعض أهل العلـم ابنة تسعين سنة, وإبراهيـم ابن عشرين ومئة سنة.
يا وَيْـلَتا وهي كلـمة تقولها العرب عند التعجب من الشيء والاستنكار للشيء, فـيقولون عند التعجب: ويـلُ امّه رجلاً ما أرجله.
وقد اختلف أهل العربـية فـي هذه الألف التـي فـي: يا وَيْـلَتَا فقال بعض نـحويـي البصرة: هذه ألف حقـيقة, إذا وقـفت قلت: يا ويـلتاه, وهي مثل ألف النّدبة, فلطفت من أن تكون فـي السكت, وجعلت بعدها الهاء لتكون أبـين لها وأبعد فـي الصوت وذلك لأن الألف إذا كانت بـين حرفـين كان لها صدى كنـحو الصوت يكون فـي جوف الشيء فـيتردّد فـيه, فتكون أكثر وأبـين. وقال غيره: هذه ألف الندبة, فإذا وقـفت علـيها فجائز, وإن وقـفت علـى الهاء فجائز وقال: ألا ترى أنهم قد وقـفوا علـى قوله: وَيَدْعُوا الإنْسانُ فحذفوا الواو وأثبتوها, وكذلك: ما كُنّا نَبْغِي بـالـياء, وغير الـياء؟ قال: وهذا أقوى من ألف النّدبة وهائها.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أن هذه الألف ألف الندبة, والوقـف علـيها بـالهاء وغير الهاء جائز فـي الكلام لاستعمال العرب ذلك فـي كلامهم.
وقوله: ءألِدُ وأنا عَجُوزٌ تقول: أنى يكون لـي ولد وأنا عجوز. وَهَذَا بَعْلـى شَيْخا والبعل فـي هذا الـموضع: الزوج وسمي بذلك لأنه قّـيـم أمرها, كما سموا مالك الشيء بعله, وكما قالوا للنـخـل التـي تستغنـي بـماء السماء عن سقـي ماء الأنهار والعيون البعل, لأن مالك الشيء القـيـم به, والنـخـل البعل بـماء السماء حياته. وقوله: إنّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ يقول: إن كون الولد من مثلـي ومثل بعلـي علـى السنّ التـي بها نـحن لشيء عجيب. قالُوا أتَعْجَبِـينَ مِنْ أمْرِ اللّهِ يقول الله تعالـى ذكره: قالت الرسل لها: أتعجبـين من أمر أمَر الله به أن يكون وقضاء قضاه الله فـيك وفـي بعلك؟ وقوله: رَحْمَة اللّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَـيْكُمْ أهْلَ البَـيْتِ يقول: رحمة الله وسعادته لكم أهل بـيت إبراهيـم. وجعلت الألف واللام خـلفـا من الإضافة. وقوله: إنّهُ حَمِيدٌ مَـجِيدٌ يقول: إن الله مـحمود فـي تفضله علـيكم بـما تفضل به من النعم علـيكم وعلـى سائر خـلقه مـجيد يقول: ذو مـجد ومدح وثناء كريـم, يقال فـي فعل منه: مَـجُدَ الرجل يَـمْـجُد مَـجَادّةً إذا صار كذلك, وإذا أردت أنك مدحته قلت: مـجّدته تـمـجيدا.
الآية : 74-75
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرّوْعُ وَجَآءَتْهُ الْبُشْرَىَ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مّنِيبٌ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما ذهب عن إبراهيـم الـخوف الذي أوجسه فـي نفسه من رسلنا حين رأى أيديهم لا تصل إلـى طعامه, وأمن أن يكون قصد فـي نفسه وأهله بسوء, وجاءته البشرى بإسحاق, ظلّ يجادلنا فـي قوم لوط.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14216ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ يقول: ذهب عنه الـخوف, وَجاءَتْهُ البُشْرَى بإسْحاقَ.
14217ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ وَجاءَتْهُ البُشْرَى بإسحاق, ويعقوب ولد من صلب إسحاق, وأمن مـما كان يخاف قال: الـحَمْدُ لِلّهِ الّذِي وَهَبَ لـي علـى الكِبَرِ إسْماعيـلَ وإسْحاقَ إنّ رَبـي لَسَميعُ الدّعاءِ.
وقد قـيـل معنى ذلك: وجاءته البشرى أنهم لـيسوا إياه يريدون. ذكر من قال ذلك:
14218ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَجاءَتْهُ البُشْرَى قال: حين أخبروه أنهم أرسلوا إلـى قوم لوط, وأنهم لـيسوا إياه يريدون.
14219ـ قال: حدثنا مـحمد بن ثور, قال: حدثنا معمر, وقال آخرون: بشر بإسحاق.
وأما الرّوع: فهو الـخوف, يقال منه: راعنـي كذا يَرُوعنـي رَوْعا: إذا خافه, ومنه قول النبـيّ صلى الله عليه وسلم «كيف لك برَوْعَة الـمؤمن» ومنه قول عَنْترة:
ما رَاعَنِـي إلاّ حَمُولةُ أهْلِهاوَسْطَ الدّيارِ تَسَفّ حَبّ الـخِمْخِمِ
بـمعنى: ما أفزعنـي.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14220ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: الروع: الفرق.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ قال: الفرق.
14221ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ قال: الفرق.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهيـمَ الرّوْعُ قال: ذهب عنه الـخوف.
وقوله: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ يقول: يخاصمنا. كما:
14222ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يُجادِلُنا: يخاصمنا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
وزعم بعض أهل العربـية من أهل البصرة أن معنى قوله: يُجادِلُنا يكلـمنا, وقال: لأن إبراهيـم لا يجادل الله إنـما يسأله ويطلب منه. وهذا من الكلام جهل, لأن الله تعالـى ذكره أخبرنا فـي كتابه أنه يجادل فـي قوم لوط, فقول القائل: إبراهيـم لا يجادل, موهما بذلك أن قول من قال فـي تأويـل قوله: يُجادِلُنا يخاصمنا, أن إبراهيـم كان يخاصم ربه جهل من الكلام, وإنـما كان جداله الرسل علـى وجه الـمـحاجة لهم. ومعنى ذلك: وجاءته البشرى يجادل رسلنا, ولكنه لـما عرف الـمراد من الكلام حذف الرسل. وكان جداله إيّاهم كما:
14223ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب القمي, قال: حدثنا جعفر, عن سعيد: يُجادِلُنا فـي قَوْمِ لُوطٍ قال: لـما جاء جبرئيـل ومن معه قالوا لإبراهيـم: إنّا مُهْلِكُوا أهْلِ هَذِهِ الْقَرْيةِ إنّ أهْلُهَا كانُوا ظالـمينَ قال لهم إبراهيـم: أتهلكون قرية فـيها أربع مئة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فـيها ثلاث مئة مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فـيها مئتا مؤمن؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فـيها أربعون مؤمنا؟ قالوا: لا. قال: أفتهلكون قرية فـيها أربعة عشرَ مؤمنا؟ قالوا: لا. وكان إبراهيـم يعدّهم أربعة عشر بـامرأة لوط, فسكت عنهم واطمأنت نفسه.
14224ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا الـحمانـي, عن الأعمش, عن الـمنهال, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, قال: قال الـملك لإبراهيـم: إن كان فـيها خمسة يصلون رفع عنهم العذاب.
14225ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ ذكر لنا أن مـجادلته إياهم أنه قال لهم: أرأيتـم إن كان فـيها خمسون من الـمؤمنـين أمعذّبوها أنتـم؟ قالوا: لا. حتـى صار ذلك إلـى عشرة, قال: أرأيتـم إن كان فـيها عشرة أمعذّبوهم أنتـم؟ قالوا: لا. وهي ثلاث قرى فـيها ما شاء الله من الكثرة والعدد.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ قال: بلغنا أنه قال لهم يؤمئذ: أرأيتـم إن كان فـيها خمسون من الـمسلـمين؟ قالوا: إن كان فـيها خمسون لـم نعذّبهم. قال: أربعون؟ قالوا: وأربعون. قال: ثلاثون؟ قالوا: ثلاثون. حتـى بلغ عشرة, قالوا: وإن كان فـيهم عشرة, قال: ما قوم لا يكون فـيهم عشرة فـيهم خير. قال ابن عبد الأعلـى, قال مـحمد بن ثور: قال معمر: بلغنا أنه كان فـي قرية لوط أربعة آلاف ألف إنسان, أو ما شاء الله من ذلك.
14226ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيـمُ الرّوْعُ وَجاءَتْهُ البُشْرَى قالَ ما خَطبُكمْ أيها الـمرسلونَ قالوا: إنا أرسلنا إلـى قوم لوط فجادلهم فـي قوم لوط, قال: أرأيتـم إن كان فـيها مئة من الـمسلـمين أتهلكونهم؟ قالوا: لا. فلـم يزل يحطّ حتـى بلغ عشرة من الـمسلـمين, فقالوا: لا نعذّبهم إن كان فـيهم عشرة من الـمسلـمين. ثم قالوا: يا إبراهيـمُ أعرِضْ عَنْ هذَا إنه لـيس فـيها إلا أهل بـيت من الـمؤمنـين هو لوط وأهل بـيته, وهو قول الله تعالـى ذكره: يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ فقالت الـملائكة: يا إبْرَاهِيـمُ أعْرِضْ عَنْ هَذَا قَدْ جاءَ أمْرُ رَبّكَ وإنّهُمْ آتِـيهِمْ عَذَابٌ غيرُ مَرْدُود.
14227ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق قال: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيـمَ الرّوْعُ وَجاءَتْهُ البُشْرَى يعنـي: إبراهيـم جادل عن قوم لوط لـيردّ عنهم العذاب. قال: فـيزعم أهل التوراة أن مـجادلة إبراهيـم إياهم حين جادلهم فـي قوم لوط لـيردّ عنهم العذاب. إنـما قال للرسل فـيـما يكلـمهم به: أرأيتـم إن كان فـيهم مئة مؤمن أتهلكونهم؟ قالوا:, لا, قال: أفرأيتـم إن كانوا تسعين؟ قالوا: لا, قال: أفرأيتـم إن كانوا ثمانـين؟ قالوا: لا, قال: أفرأيتـم إن كانوا سبعين؟ قالوا: لا, قال: أفرأيتـم إن كانوا ستـين؟ قالوا لا, قال: أفرأيتـم إن كانوا خمسين؟ قالوا لا, قال: أفرأيتـم إن كان رجلاً واحدا مسلـما؟ قالوا: لا. قال: فلـما لـم يذكروا لإبراهيـم أن فـيها مؤمنا واحداقالَ إنّ فـيهَا لُوطا يدفع به عنهم العذاب, قالُوا نَـحْنُ أعْلَـمُ بِـمَنْ فِـيها لَنُنَـجّيَنّهُ وأهْلَهُ إلاّ امْرأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابرِينَ قالوا: يا إبراهيـم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك, وإنهم آتـيهم عذاب غير مردود.
14228ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: قال إبراهيـم: أتهلكونهم إن وجدتـم فـيها مئة مؤمن ثم تسعين؟ حتـى هبط إلـى خمسة. قال: وكان فـي قرية لوط أربعة آلاف ألف.
14229ـ حدثنا مـحمد بن عوف, قال: حدثنا أبو الـمغيرة, قال: حدثنا صفوان, قال: حدثنا أبو الـمثنى ومسلـم أبو الـحبـيـل الأشجعي قالا: لَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيـمَ الرّوْعُ... إلـى آخر الآية, قال إبراهيـم: أتعذّب عالـما من عالـمك كثـيرا فـيهم مئة رجل؟ قال: لا وعزّتـي ولا خمسين قال: فأربعين؟ فثلاثـين؟ حتـى انتهى إلـى خمسة. قال: لا وعزتـي لا أعذبهم ولو كان فـيهم خمسة يعبدوننـي قال الله عزّ وجلّ: فَمَا وَجَدْنا فِـيها غيرَ بَـيْتٍ مِنَ الـمُسْلِـمِينَ أي لوطا وابنتـيه, قال: فحلّ بهم من العذاب, قال الله عزّ وجلّ: وتَرَكْنَا فِـيهَا آيةً للّذِينَ يخافُونَ العَذابَ الألـيـمَ وقال: فَلَـمّا ذَهَبَ عَنْ إبْرَاهِيـمَ الرّوْعُ وَجاءَتْهُ البُشْرَى يُجادِلُنا فِـي قَوْمِ لُوطٍ.
والعرب لا تكاد تتلقـى «لـمّا» إذا ولـيها فعل ماض إلا بـماض, يقولون: لـما قام قمت, ولا يكادون يقولون: لـما قام أقوم. وقد يجوز فـيـما كان من الفعل له تطاول مثل الـجدال والـخصومة والقتال, فـيقولون فـي ذلك: لـما لقـيته أقاتله, بـمعنى: جعلت أقاتله.
وقوله: إنّ إبْرَاهِيـمَ لَـحَلِـيـمٌ أوّاهٌ مُنِـيبٌ يقول تعالـى ذكره: إن إبراهيـم لبطيء الغضب متذلل لربه خاشع له, منقاد لأمره, منـيب رجاع إلـى طاعته. كما:
14230ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي يحيى, عن مـجاهد: أوّاهٌ مُنِـيبٌ قال: القانت: الرجّاع.
وقد بـيّنا معنى الأوّاه فـيـما مضى بـاختلاف الـمختلفـين والشواهد علـى الصحيح منه عندنا من القول بـما أغنـي عن إعادته.
الآية : 76
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـَذَآ إِنّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبّكَ وَإِنّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قول رسله لإبراهيـم: يا إبْرَاهِيـمُ أعْرِضْ عَنْ هَذا, وذلك قـيـلهم له حين جادلهم فـي قوم لوط, فقالوا: دع عنك الـجدال فـي أمرهم والـخصومة فـيه, فإنّهُ قَدْ جاءَ أمْرُ رَبّكَ بعذابهم, وحُقّ علـيهم كلـمة العذاب, ومضى فـيهم بهلاكهم القضاء. وإنّهُمْ آتِـيهِمْ عَذَابٌ غيرُ مَرْدُودٍ يقول: وإن قوم لوط نازل بهم عذاب من الله غير مدفوع. وقد ذكر الرواية بـما ذكرنا فـيه عمن ذكر ذلك عنه.
الآية : 77
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيَءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما جاءت ملائكتنا لوطا, ساءه مـجيئهم. وهو «فعل» من السّوء, وضاق بهم بـمـجيئهم ذَرْعا يقول: وضاقت نفسه غمّا بـمـجيئهم, وذلك أنه لـم يكن يعلـم أنهم رسل الله فـي حال ما ساءه مـجيئهم, وعلـم من قومه ما هم علـيه من إتـيانهم الفـاحشة, وخاف علـيهم, فضاق من أجل ذلك بـمـجيئهم ذرعا, وعلـم أنه سيحتاج إلـى الـمدافعة عن أضيافه, ولذلك قال: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14231ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَلـمّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعا يقول: ساء ظنّا بقومه وضاق ذرعا بأضيافه.
14232ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن حذيفة أنه قال: لـما جاءت الرسل لوطا أتَوْه وهو فـي أرض له يعمل فـيها, وقد قـيـل لهم والله أعلـم: لا تهلكوهم حتـى يشهد لوط قال: فأتوه فقالوا: إنا متضيفوك اللـيـلة فـانطلق بهم, فلـما مضى ساعة التفت فقال: أما تعلـمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ والله ما أعلـم علـى ظهر الأرض أناسا أخبث منهم قال: فمضى معهم, ثم قال الثانـية مثل ما قال, فـانطلق بهم, فلـما بصرت بهم عجوز السّوء امرأته, انطلقتْ فأنذرتهم.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قال حذيفة, فذكر نـحوه.
14233ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـملائي, عن سعيد بن بشير, عن قتادة, قال: أتت الـملائكة لوطا وهو فـي مزرعة له, وقال الله للـملائكة: إن شهد لوط علـيهم أربع شهادات فقد أَذِنت لكم فـي هلكتهم. فقالوا: يا لوط إنا نريد أن نَضِيفك اللـيـلة, فقال: وما بلغكم من أمرهم؟ قالوا: وما أمرهم؟ قال: أشهد بـالله إنها لشرّ قرية فـي الأرض عملاً يقول ذلك أربع مرّات. فشهد علـيهم لوط أربع شهادات, فدخـلوا معه منزله.
14234ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: خرجت الـملائكة من عند إبراهيـم نـحو قرية لوط, فأتَوها نصف النهار, فلـما بلغوا نهر سَدُوم لقوا ابنة لوط تستقـي من الـماء لأهلها, وكانت له ابنتان, اسم الكبرى ريثا, والصغرى زغرتا, فقالوا لها: يا جارية, هل من منزل؟ قالت: نعم, فمكانكم لا تدخـلوا حتـى آتـيكم فرقت علـيهم من قومها, فأتت أبـاها فقالت: يا أبتاه أرادك فتـيان علـى بـاب الـمدينة ما رأيت وجه قوم أحسن منهم, لا يأخذْهم قومك فـيفضحوهم وقد كان قومه نَهَوه أن يُضِيف رجلاً, فقالوا: خـلّ عنّا فلنُضِف الرجال فجاء بهم, فلـم يعلـم أحد إلا أهل بـيت لوط, فخرجت امرأته فأخبرت قومها, قالت: إن فـي بـيت لوط رجالاً ما رأيت مثل وجوههم قَطّ فجاءه قومه يُهْرَعون إلـيه.
14235ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: خرجت الرسل فـيـما يزعم أهل التوراة من عند إبراهيـم إلـى لوط بـالـمؤتفِكة, فلـما جاءت الرسل لوطا سيء بهم وَضَاقَ بِهِمْ ذَرَعا وذلك من تـخوّف قومه علـيهم أن يفضحوه فـي ضيفه, فقال: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ.
وأما قوله: وَقال هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ فإنه يقول: وقال لوط: هذا الـيوم يوم شديد شره, عظيـم بَلاؤه, يقال منه: عَصَب يومُنا هذا يَعْصِب عَصْبـا, ومنه قول عديّ بن زيد:
وكنتُ لِزَازَ خَصْمِكَ لـم أُعَرّدْوَقَدْ سَلَكُوكَ فِـي يَوْمٍ عَصِيبِ
وقول الراجز:
يَوْمٌ عَصِيبٌ يَعْصِبُ الأبْطالاعَصْبَ القَوِيّ السّلَـمَ الطّوَالا
وقول الاَخر:
وإنّكَ إلاّ تُرْضِ بَكْرَ بنَ وَائِلٍيكُنْ لَكَ يَوْمٌ بـالعِرَاقِ عَصِيبُ
وقال كعب بن جُعيـل:
ويُـلَبّونَ بـالـحَضِيصِ فِئامٌعارِفـاتٌ مِنْهُ بِـيَوْمٍ عَصِيبِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14236ـ حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: عصيب: شديد.
14237ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ يقول شديد.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ أي يوم بلاء وشدة.
حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: يَوْمٌ عَصِيبٌ شديد.
14238ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَقالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ: أي يوم شديد.
الآية : 78
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ قَالَ يَقَوْمِ هَـَؤُلآءِ بَنَاتِي هُنّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رّشِيدٌ }.
يقول تعالـى ذكره: وجاء لوطا قومه يستـحثون إلـيه يَرْعَدون مع سرعة الـمشي مـما بهم من طلب الفـاحشة, يقال: أُهْرِع الرجل من برد أو غضب أو حُمّى: إذا أُرعد, وهو مُهْرِع إذا كان مُعْجَلاً حريصا, كما قال الراجز:
بِـمُعْجَلاتٍ نَـحْوَهُ مَهارِعِ
ومنه قول مهلهل:
فجاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسارَىنَقُودُهُمُ علـى رَغْمِ الأُنُوفِ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14239ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يُهَرْوِلون, وهو الإسراع فـي الـمشي.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, نـحوه.
14240ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد والـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يسعون إلـيه.
14241ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: فأتوه يُهرعون إلـيه, يقول: سراعا إلـيه.
حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يسرعون إلـيه.
14242ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ يقول: يسرعون الـمشي إلـيه.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا يحيى بن زكريا, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: يهرولون فـي الـمشي. قال سفـيان: يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ يسرعون إلـيه.
14243ـ حدثنا سوّار بن عبد الله, قال: قال سفـيان بن عيـينة فـي قوله: يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قال: كأنهم يُدْفَعون.
14244ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, قال: حدثنا حفص بن حميد, عن شمر بن عطية, قال: أقبلوا يُسْرعون مشيا بـين الهَرْولة والـجَمْز.
14245ـ حدثنـي علـيّ بن داود, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ يقول: مسرعين.
وقوله: وَمِنْ قبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ يقول: من قبل مـجيئهم إلـى لوط كانوا يأتون الرجال فـي أدبـارهم. كما:
14246ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ قال: يأتون الرجال.
وقوله: قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتـي يقول تعالـى ذكره: قال لوط لقومه لـما جاءوا يراودونه عن ضيفه: هؤلاء يا قوم بناتـي يعنـي نساء أمته فـانكِحوهن ف هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ. كما:
14247ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: أمرهم لوط بتزويج النساء, وقال: هن أطهر لكم.
14248ـ حدثنا مـحمدقال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, قال: وبلغنـي هذا أيضا عن مـجاهد.
حدثنا ابن وكيع, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: لـم يكن بناته, ولكن كن من أمته, وكلّ نبـيّ أبو أمته.
14249ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: أمرهم أن يتزوّجوا النساء, لـم يعرض علـيهم سفـاحا.
14250ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا أبو بشر, سمعت ابن أبـي نـجيح يقول فـي قوله: هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: ما عرض علـيهم نكاحا ولا سفـاحا.
14251ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال: أمرهم أن يتزوّجوا النساء, وأراد نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يقـيَ أضيافه ببناته.
14252ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد, قال: أخبرنا أبو جعفر عن الربـيع, فـي قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعنـي التزويج.
حدثنـي أبو جعفر, عن الربـيع, فـي قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعنـي التزويج.
14253ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو النعمان عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, قال: حدثنا مـحمد بن شبـيب الزهرانـي عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, فـي قول لوط: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعنـي: نساؤهم هنّ بناته هو نبـيهم. وقال فـي بعض القراءة: «النّبِـيّ أوْلـى بـالـمُؤْمِنِـينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وأزْوَاجُهُ أُمّهاتُهُمْ وهو أَبٌ لهم».
14254ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السدي: وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَـيْهِ قالوا: أو لـم ننهك أن تُضَيّف العالـمين, قال: هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ إن كنْتـم فـاعلـين ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ.
14255ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما جاءت الرسل لوطا أقبل قومه إلـيهم حين أخبروا بهم يهرعون إلـيه. فـيزعمون والله أعلـم أن امرأة لوط هي التـي أخبرتهم بـمكانهم, وقالت: إن عند لوط لضيفـانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قَطّ منهم وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء, فـاحشة لـم يسبقهم بها أحد من العالـمين. فلـما جاءوه قالوا: أوَ لـمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَـمِينَ أي ألـم نقل لك: لا يقربنك أحد, فإنا لن نـجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفـاحشة. قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتـي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ فأنا أَفدى ضيفـي منكم بهنّ. ولـم يدْعهم إلا إلـى الـحلال من النكاح.
14256ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: هَؤُلاءِ بَناتـي قال: النساء.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ فقرأته عامة القرّاء برفع أطهر, علـى أن جعلوا «هنّ» اسما, و«أطهر» خبره, كأنه قـيـل: بناتـي أطهر لكم مـما تريدون من الفـاحشة من الرجال. وذُكر عن عيسى بن عمر البصْري أنه كان يقرأ ذلك: «هنّ أطْهَرَ» لكم بنصب «أطهر». وكان بعض نـحويـي البصرة يقول: هذا لا يكون, إنّـما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغنـي عن الـخبر إذا كان بـين الاسم والـخبر هذه الأسماء الـمضمرة. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: من نصبه جعله نكرة خارجة من الـمعرفة, ويكون قوله: «هنّ» عمادا للفعل فلا يعمله. وقال آخر منهم: مسموع من العرب: هذا زيد إياه بعينه, قال: فقد جعله خبرا لهذا مثل قولك: كان عبد الله إياه بعينه. قال: وإنـما لـم يجز أن يقع الفعل ههنا لأن التقريب ردّ كلام فلـم يجتـمعا لأنه يتناقض, لأن ذلك إخبـار عن معهود, وهذا إخبـار عن ابتداء ما هو فـيه: ها أنا ذا حاضر, أو زيد هو العالـم, فتناقض أن يدخـل الـمعهود علـى الـحاضر, فلذلك لـم يجز.
والقراءة التـي لا أستـجيز خلافها فـي ذلك: الرفع هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ لإجماع الـحجة من قرّاء الأمصار علـيه مع صحته فـي العربـية, وبعد النصب فـيه من الصحة.
وقوله: فـاتّقُوا اللّهَ وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي يقول: فـاخشوا الله أيها الناس, واحذروا عقابه فـي إتـيانكم الفـاحشة التـي تأتونها وتطلبونها. وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي يقول: وَلا تُذِلّونـي بأن تركبوا منـي فـي ضيفـي ما يكرهون أن تركبوه منهم. والضيف فـي لفظ واحد فـي هذا الـموضع بـمعنى جمع, والعرب تسمي الواحد والـجمع ضيفـا بلفظ واحد كما قالوا: رجل عدل, وقوم عدل.
وقوله: ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يقول: ألـيس منكم رجل ذو رشد يَنْهَي من أراد ركوب الفـاحشة من ضيفـي, فـيحول بـينهم وبـين ذلك؟ كما:
14257ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: فـاتّقُوا اللّهَ وَلا تُـخْزُونِ فِـي ضَيْفِـي ألَـيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشيدٌ أي رجل يعرف الـحق وينهي عن الـمنكر.
الآية : 79
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقّ وَإِنّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ }.
يقول تعالـى ذكره: قال قوم لوط للوط: لَقَدْ عَلِـمْتَ يا لوط ما لَنا فـي بنَاتِكَ مِنْ حَق لأنهنَ لَسْن لنا أزواجا. كما:
14258ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: قالُوا: لَقَدْ عَلِـمْتَ ما لَنا فـي بَناتِكَ مِنْ حَق: أي من أزواج وَإنّكَ لَتَعْلَـم ما نُرِيدُ.
وقوله: وَإنّكَ لَتَعْلَـمُ ما نُرِيدُ يقول: قالوا: وإنك يا لوط لتعلـم أن حاجتنا فـي غير بناتك, وأن الذي نريد هو ما تنهانا عنه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14259ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَإنّكَ لَتَعْلَـمُ ما نُرِيدُ إن نريد الرجال.
14260ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَإنّكَ لَتَعْلَـمُ ما نُرِيدُ: أي إن بُغْيتنا لغير ذلك, فلـما لـم يتناهوا, ولـم يردّهم قوله, ولـم يقبلوا منه شيئا مـما عرض علـيهم من أمور بناته. قالَ لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ.
الآية : 80
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَوْ أَنّ لِي بِكُمْ قُوّةً أَوْ آوِيَ إِلَىَ رُكْنٍ شَدِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: قال لوط لقومه حين أبوا إلا الـمضيّ لـما قد جاءوا له من طلب الفـاحشة وأيس من أن يستـجيبوا له إلـى شيء مـما عرض علـيهم: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً بأنصار تنصرنـي علـيكم وأعوان تعيننـي, أوْ آوي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ يقول: أو أنضمّ إلـى عشيرة مانعة تـمنعنـي منكم, لـحلت بـينكم وبـين ما جئتـم تريدونه منـي فـي أضيافـي. وحذف جواب «لو» لدلالة الكلام علـيه, وأن معناه مفهوم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14261ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: قال لوط: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ يقول: إلـى جند شديد لقاتلتكم.
14262ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: العشيرة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن قتادة: إلـى رُكْنٍ شَديدٍ قال: العشيرة.
14263ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا مبـارك بن فضالة, عن الـحسن: أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: إلـى ركن من الناس.
14264ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال قوله: أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: بلغنا أنه لـم يبعث نبـيّ بعد لوط إلا فـي ثروة من قومه حتـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
14265ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ أي عشيرة تـمنعنـي أو شيعة تنصرنـي, لـحلت بـينكم وبـين هذا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: يعنـي به العشيرة.
14266ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن عوف, عن الـحسن: أن هذه الآية لـما نزلت: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللّهُ لُوطا, لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ».
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, عن مبـارك, عن الـحسن, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللّهُ أخِي لُوطا, لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ, فلأَيّ شَيْءٍ اسْتكانَ».
14267ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا عبدة وعبد الرحيـم, عن مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو سلـمة, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحَمَةُ اللّهِ علـى لُوطٍ إنْ كانَ لَـيَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ, إذْ قالَ لقَوْمِهِ لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ, ما بَعَثَ اللّهُ بَعْدَه مِنْ نَبِـيّ إلاّ فِـي ثَرْوةٍ مِنْ قَوْمِهِ». قال مـحمد: والثروة: الكثرة والـمنعة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن كثـير, قال: حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو سلـمة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بـمثله.
حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي سلـيـمان بن بلال, عن مـحمد بن عمرو, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بـمثله.
حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـان الـمصري, قال: حدثنا سعيد بن تلـيد, قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم, قال: ثنـي بكر بن مضر, عن عمرو بن الـحارث, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب الزهري, قال: أخبرنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن وسعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رَحِمَ اللّهُ لُوطا, لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ».
حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن وسعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فذكر مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن مـحمد بن عمرو عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فـي قوله: أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ «قَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ», يعنـي الله تبـارك وتعالـى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَمَا بَعَثَ اللّهُ بَعْدَهُ مِنْ نَبِـيّ إلاّ فِـي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ».
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا مـحمد بن حرب, قال: حدثنا ابن لهيعة, عن أبـي يونس, سمع أبـا هريرة يحدّث عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «رَحِمَ اللّهُ لُوطا, لَقَدْ كانَ يَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ».
قال: حدثنا ابن أبـي مريـم سعيد بن عبد الـحكم, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي الزناد, عن أبـيه, عن عبد الرحمن الأعرج, عن أبـي هريرة رضي الله عنه, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بنـحوه.
14268ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان كان إذا قرأ هذه الآية, أو أتـى علـى هذه الآية قال: «رَحِمَ اللّهُ لُوطا, لَقَدْ كانَ لـيَأْوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ». وذُكر لنا أن الله تعالـى لـم يبعث نبـيا بعد لوط علـيه السلام إلا فـي ثروة من قومه, حتـى بعث الله نبـيكم فـي ثروة من قومه.
يقال: من أوى إلـى رِكن شديد: أويت إلـيك, فأنا آوى إلـيك أَوْيا بـمعنى صرت إلـيك وانضمـمت, كما قال الراجز:
يأْوِي إلـى رُكْنٍ مِنَ الأرْكانِفِـي عَدَدٍ طَيْسٍ ومَـجْدٍ بـانِ
وقـيـل: إن لوطا لـما قال هذه الـمقالة وجدت الرسل علـيه لذلك.
14269ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد, أنه سمع وهب بن منبه يقول: قال لوط: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ فوجد علـيه الرسل وقالوا: إن ركنك لشديد.
الآية : 81
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَلُوطُ إِنّا رُسُلُ رَبّكَ لَن يَصِلُوَاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مّنَ الْلّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاّ امْرَأَتَكَ إِنّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنّ مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ أَلَيْسَ الصّبْحُ بِقَرِيبٍ }.
يقول تعالـى ذكره: قالت الـملائكة للوط لـما قال لوط لقومه لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ ورأوا ما لَقِـي من الكرب بسببهم منهم: يا لُوطُ إنّا رُسُلْ رَبّكَ أرسلنا لإهلاكهم, وإنهم لن يصلوا إلـيك وإلـى ضيفك بـمكروه, فهوّن علـيك الأمر, فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ يقول: فـاخرج من بـين أظهرهم أنت وأهلك ببقـية من اللـيـل, يقال منه: أسرى وسَرَى, وذلك إذا سار بلـيـل. وَلا يَـلْتَفِتُ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ.
واختلفت القراءة فـي قراءة قوله: فأسْرِ فقرأ ذلك عامة قرّاء الـمكيـين والـمدنـيـين: «فـاسْرِ» وصل بغير همز الألف من «سَرى». وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة: فَأَسْرِ بهمز الألف من «أسرى» والقول عندي فـي ذلك أنهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل قُدْوة فـي القراءة, وهما لغتان مشهورتان فـي العرب معناهما واحد, فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب فـي ذلك.
وأما قوله: إلاّ امْرأتَكَ فإن عامة القرّاء من الـحجاز والكوفة, وبعض أهل البصرة, قرءوا بـالنصب إلاّ امْرأتَكَ بتأويـل: فأسر بأهلك إلا امرأتك, وعلـى أن لوطا أمر أن يسري بأهله سوى زوجته, فإنه نُهِي أن يُسْري بها, وأمر بتـخـلـيفها مع قومها. وقرأ ذلك بعض البصريـين: «إلاّ امْرأتُكَ» رفعا, بـمعنى: ولا يـلتفت منكم أحد إلا امرأتُك, فإن لوطا قد أخرجها معه, وإنه نُهِي لوط ومن معه مـمن أسرى معه أن يـلتفتَ سوى زوجته, وإنها التفتت فهلكت لذلك.
وقوله: إنّهُ مُصِيبُها ما أصَابَهُمْ يقول: إنه مصيب امرأتك ما أصاب قومك من العذاب. إنّ مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ يقول: إن موعد قومك الهلاك الصبح. فـاستبطأ ذلك منهم لوط, وقال لهم: بلـى عجلوا لهم الهلاك فقالوا: ألَـيْسَ الصّبْحُ بِقَرِيبٍ: أي عند الصبح نزول العذاب بهم. كما:
14270ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَريبٍ: أي إنـما ينزل بهم من صبح لـيـلتك هذه, فـامض لـما تؤمر.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14271ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد, قال: فمضت الرسل من عند إبراهيـم إلـى لوط, فلـما أتوا لوطا, وكان من أمرهم ما ذكر الله, قال جبرئيـل للوط: يا لُوطُ إنّا مُهْلِكُوا أهْل هَذِهِ القَرْيَةِ إنّ أهْلَها كَانُوا ظَالِـمِينَ فقال لهم لوط: أهلكوهم الساعة فقال له جبرئيـل علـيه السلام: إن مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ فأنزلت علـى لوط: ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ قال: فأمره أن يَسْري بأهله بِقطْع من اللـيـل, ولا يـلتفت منهم أحد إلا امرأته. قال: فسار, فلـما كانت الساعة التـي أهلكوا فـيها أدخـل جبرئيـل جناحه فرفعها حتـى سمع أهل السماء صياح الدّيَكة ونُبـاح الكلاب, فجعل عالـيها سافلها, وأمطر علـيها حجارة منِ سجّيـل, قال: وسمعت امرأة لوط الهَدّة, فقالت: واقوماه فأدركها حجر فقتلها.
14272ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن حفص بن حميد, عن شمر بن عطية, قال: كان لوط أخذ علـى امرأته أن لا تذيع شيئا من سرّ أضيافه, قال: فلـما دخـل علـيه جبرئيـل ومن معه, رأتهم فـي صورة لـم تر مثلها قطا فـانطلقت تسعى إلـى قومها, فأتت النادي فقالت بـيدها هكذا, وأقبلوا يُهْرَعون مشيا بـين الهرولة والـجمز. فلـما انتهوا إلـى لوط قال لهم لوط ما قال الله فـي كتابه, قال جبرئيـل: يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَـيْكَ قال: فقال بـيده, فطمس أعينهم, فجعلوا يطلبونهم, يـلـمُسون الـحيطان وهم لا يبصرون.
14273ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن حذيفة, قال: لـما بصرت بهم يعنـي بـالرسل عجوز السّوء امرأته انطلقت فأنذرتهم فقالت: إنه تَضَيّفَ لوطا قوم ما رأيت قوما أحسن وجوها قال: ولا أعلـمه إلا قالت: ولا أشدّ بـياضا وأطيب ريحا. قال: فأتوه يهرعون إلـيه, كما قال الله, فأصفق لوط البـاب, قال: فجعلوا يعالـجونه, قال: فـاستأذن جبرئيـل ربه فـي عقوبتهم, فأذن له, فصفقهم بجناحه, فتركهم عميانا يتردّدون فـي أخبث لـيـلة ما أتت علـيهم قطّ, فأخبروه إنّا رسُلُ رَبّكَ فَأَسْرِ بِأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ قال: ولقد ذكر لنا أنه كانت مع لوط حين خرج من القرية امرأته, ثم سمعت الصوت, فـالتفتت وأرسل الله علـيها حجرا فأهلكها. وقوله: إنّ مَوْعِدَهُمُ الصّبْحُ ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ فأراد نبـيّ الله ما هو أعجل من ذلك, فقالوا ألـيس الصبح بقريب؟
14274ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا الـحكم بن بشير, قال: حدثنا عمرو بن قـيس الـملائي, عن سعيد بن بشير, عن قتادة, قال: انطلقت امرأته يعنـي امرأة لوط حين رأتهم, يعنـي حين رأت الرسل إلـى قومها, فقالت: إنه قد ضافه اللـيـلة قوم ما رأيت مثلهم قط أحسن وجوها ولا أطيب ريحا فجاءوا يُهْرَعون إلـيه, فبـادرهم لوط إلـى أن يزجهم علـى البـاب, فقال: هَؤُلاءِ بَناتـي إنْ كُنْتُـمْ فـاعِلِـينَ فقالوا: أو لَـمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَـمِينَ. فدخـلوا علـى الـملائكة, فتناولتهم الـملائكة وطمست أعينهم, فقالوا: يا لوط جئتنا بقوم سحرة سحرونا كما أنت حتـى تصبح قال: واحتـمل جبرئيـل قُرَيات لوط الأربع, فـي كل قرية مئة ألف, فرفعهم علـى جناحه بـين السماء والأرض, حتـى سمع أهل السماء الدنـيا أصوات دِيَكتهم, ثم قلبهم, فجعل الله عالـيها سافلها.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قال حذيفة: لـما دخـلوا علـيه, ذهبت عجوزه عجوز السوّء, فأتت قومها, فقالت: لقد تضيفّ لوطا اللـيـلة قوم ما رأيت قوما قطّ أحسن وجوها منهم قال: فجاءوا يسرعون, فعاجلهم لوط, فقام ملك فلزّ البـاب يقول: فسدّه واستأذن جبرئيـل فـي عقوبتهم, فأذن له, فضربهم جبرئيـل بجناحه, فتركهم عميانا, فبـاتوا بشرّ لـيـلة, ثم قالُوا إنّا رُسُلُ رَبّكَ فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ وَلا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ قال: فبلغنا أنها سمعت صوتا, فـالتفتت فأصابها حجر, وهي شاذّة من القوم, معلوم مكانها.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, عن حذيفة بنـحوه, إلا أنه قال: فعاجلهم لوط.
14275ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو بن حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما قال لوط: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ بسط حينئذ جبريـل علـيه جناحيه, ففقأ أعينهم وخرجوا يدوس بعضهم فـي أدبـار بعض عميانا يقولون: النـجاء النـجاء فإن فـي بـيت لوط أسحر قوم فـي الأرض فذلك قوله: وَلقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهَمْ. وقالوا للوط: إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَـيْكَ فأَسْرِ بأهْلِكَ بِقطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ وَلا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ إنّهُ مُصِيبُها واتبع أدبـار أهلك يقول: سر بهم, وَامْضوا حَيْثُ تؤْمَرُونَ فأخرجهم الله إلـى الشأم, وقال لوط: أهلكوهم الساعة فقالوا: إنا لـم نؤمر إلا بـالصبح, ألـيس الصبح بقريب؟ فلـما أن كان السّحَر خرج لوط وأهله معه امرأته, فذلك قوله: إلاّ آلَ لُوطٍ نَـجّيْناهُمْ بِسَحَرٍ.
14276ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, عن عبد الصمد أنه سمع وهب بن منبه يقول: كان أهل سَدُوم الذين فـيهم لوط قوما قد استغنوا عن النساء بـالرجال فلـما رأى الله ذلك بعث الـملائكة لـيعذّبوهم, فأتوا إبراهيـم, وكان من أمره وأمرهم ما ذكر الله فـي كتابه. فلـما بشّروا سارَة بـالولد, قاموا وقام معهم إبراهيـم يـمشي, قال: أخبرونـي لـم بُعِثتـم وما خَطْبكم؟ قالوا: إنا أرسلنا إلـى أهل سدوم لندمّرها, وإنهم قوم سوء قد استغنوا بـالرجال عن النساء. قال إبراهيـم: إن كان فـيهم خمسون رجلاً صالـحا؟ قالوا: إذن لا نعذبهم. فجعل ينقص حتـى قال أهل البـيت, قال: فإن كان فـيها بـيت صالـح؟ قال: فلوط وأهل بـيته. قالوا: إن امرأته هواها معهم. فلـما يئس إبراهيـم انصرف ومضوا إلـى أهل سَدُوم, فدخـلوا علـى لوط فلـما رأتهم امرأته أعجبها حسنهم وجمالهم, فأرسلت إلـى أهل القرية إنه قد نزل بنا قوم لـم يُرَ قوم قط أحسن منهم ولا أجمل فتسامعوا بذلك, فغشوا دار لوط من كل ناحية وتسوروا علـيهم الـجدران. فلقـيهم لوط, فقال: يا قوم لا تفضحونـي فـي ضيفـي, وأنا أزوّجكم بناتـي فهن أطهر لكم فقالوا: لو كنا نريد بناتك لقد عرفنا مكانهنّ, فقال: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ. فوجد علـيه الرسل, قالوا: إن ركنك لشديد, وإنهم آتـيهم عذاب غير مردود فمسح أحدهم أعينهم بجناحيه, فطمس أبصارهم, فقالوا: سحرنا, انصرفوا بنا حتـى نرجع إلـيه فكان من أمرهم ما قد قصّ الله تعالـى فـي كتابه. فأدخـل ميكائيـل وهو صاحب العذاب جناحه حتـى بلغ أسفل الأرض, فقلبها, ونزلت حجارة من السماء, فتتبعت من لـم يكن منهم فـي القرية حيث كانوا, فأهلكهم الله, ونـجى لوطا وأهله, إلا امرأته.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, وعن أبـي بكر بن عبد الله وأبو سفـيان, عن معمر, عن قتادة, عن حذيفة, دخـل حديث بعضهم فـي بعض, قال: كان إبراهيـم علـيه السلام يأتـيهم فـيقول: ويْحَكم أنهاكم عن الله أن تَعَرضوّا لعقوبته, حتـى إذا بلغ الكتاب أجله لـمـحلّ عذابهم وسطوات الربّ بهم. قال: فـانتهت الـملائكة إلـى لوط وهو يعمل فـي أرض له, فدعاهم إلـى الضيافة, فقالوا: إنا مضيفوك اللـيـلة. وكان الله تعالـى عهد إلـى جبريـل علـيه السلام أن لا تعذبهم حتـى يشهد علـيهم لوط ثلاث شهادات فلـما توجه بهم لوط إلـى الضيافة, ذكر ما يعمل قومه من الشرّ والدواهي العظام, فمشي معهم ساعة, ثم التفت إلـيهم, فقال: أما تعلـمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلـم علـى وجه الأرض شرّا منهم, أين أذهب بكم إلـى قومي وهم شرّ خـلق الله فـالتفت جبرئيـل إلـى الـملائكة فقال: احفظوا هذه واحدة ثم مشى ساعة فلـما توسط القرية وأشفق علـيهم واستـحيا منهم, قال: أما تعلـمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ وما أعلـم علـى وجه الأرض شرّا منهم, إن قومي شرّ خـلق الله فـالتفت جبرئيـل إلـى الـملائكة, فقال: احفظوا هاتان ثنتان فلـما انتهى إلـى بـاب الدار بكى حياء منهم وشفقة علـيهم وقال: إن قومي شرّ خـلق الله, أما تعلـمون ما يعمل أهل هذه القرية؟ ما أعلـم علـى وجه الأرض أهل قرية شرّا منهم فقال جبريـل للـملائكة: احفظوا هذه ثلاث قد حَقّ العذاب. فلـما دخـلوا ذهبت عجوزه, عجوز السوء, فصعدت فلوّحت بثوبها, فأتاها الفسّاق يهرعون سراعا, قالوا: ما عندك؟ قالت: ضيّف لوط اللـيـلة قوما ما رأيت أحسن وجوها منهم ولا أطيب ريحا منهم فهرعوا مسارعين إلـى البـاب, فعاجلهم لوط علـى البـاب, فدافعوه طويلاً, هو داخـل وهم خارج, يناشدهم الله ويقول: هَؤُلاَءِ بَنَاتِـي هُنّ أطْهَرَ لَكُمْ فقام الـمَلك فلزّ البـاب يقول: فسدّه واستأذن جبرئيـل فـي عقوبتهم, فأذن الله له, فقام فـي الصورة التـي يكون فـيها فـي السماء, فنشر جناحه, ولـجبرئيـل جناحان, وعلـيه وشاح من درّ منظوم, وهو برّاق الثنايا أجلـي الـجبـين, ورأسه حُبُك حُبُك, مثل الـمرجان وهو اللؤلؤ, كأنه الثلـج, وقدماه إلـى الـخضرة, فقال: يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلـيكَ امض يا لوط من البـاب ودعنـي وإياهم فتنـحّى لوط عن البـاب, فخرج علـيهم فنشر جناحه, فضرب به وجوههم ضربة شدخ أعينهم فصاروا عميا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلـى بـيوتهم. ثم أمر لوطا فـاحتـمل بأهله من لـيـلته, قال: فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ.
14277ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما قال لوط لقومه: لَوْ أنّ لـي بِكُمْ قُوّةً أوْ آوِي إلـى رُكْنٍ شَدِيدٍ والرسل تسمع ما يقول وما يقال له ويرون ما هو فـيه من كرب ذلك, فلـما رأوا ما بلغه قالُوا يا لُوطُ إنّا رُسُلُ رَبّكَ لَنْ يَصِلُوا إلَـيْكَ أي بشيء تكرهه, فَأَسْرِ بأهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ وَلا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ إلاّ امْرأتَكَ إنّهُ مُصِيبُها ما أصَابَهُمْ إنّ مَوْعِدَهُمُ الصبْحُ ألَـيْسَ الصّبْحُ بقَرِيبٍ أي إنـما ينزل بهم العذاب من صبح لـيـلتك هذه, فـامض لـما تؤمر.
14278ـ قال: حدثنا سلـمة, عن مـحمد بن إسحاق, عن مـحمد بن كعب القُرَظي أنه حدّث. أن الرسل عند ذلك سَفَعُوا فـي وجوه الذين جاءوا لوطا من قومه يراودونه عن ضيفه, فرجعوا عميانا. قال: يقول الله: وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أعْيُنَهُمْ.
14279ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ قال: بطائفة من اللـيـل.
14280ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ بطائفة من اللـيـل.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس, قوله: بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ قال: جوف اللـيـل.
وقوله: واتّبِعْ أدْبـارَهُمْ يقول: واتبع أدبـار أهلك, ولا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ.
وكان مـجاهد يقول فـي ذلك ما:
14281ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: وَلا يَـلْتَفِتْ مِنْكُمْ أحَدٌ قال: لا ينظر وراءه أحد, إلاّ امْرأتَكَ.
ورُوى عن عبد الله بن مسعود أنه كان يقرأ: «فَأَسْرِ بأهْلكَ بقطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ إلاّ امْرأتَكَ».
14282ـ حدثنـي بذلك أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم بن سلام, قال: حدثنا حجاج, عن هارون, قال فـي حرف ابن مسعود: «فَأَسْرِ بأهْلِكَ بقِطْعٍ مِنَ اللّـيْـلِ إلاّ امْرأتَكَ».
وهذا يدلّ علـى صحة القراءة بـالنصب