تفسير الطبري تفسير الصفحة 231 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 231
232
230
 الآية : 82-83
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مّن سِجّيلٍ مّنْضُودٍ * مّسَوّمَةً عِندَ رَبّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما جاء أمرنا بـالعذاب وقضاؤنا فـيهم بـالهلاك, جَعَلْنا عالِـيَها يعنـي عالـي قريتهم سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَـيْها يقول: وأرسلنا علـيها حِجَارَةً مِنْ سِجّيـلٍ.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى سجيـل, فقال بعضهم: هو بـالفـارسية سِنْك وكل. ذكر من قال ذلك:
14283ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: مِنْ سِجّيـلٍ بـالفـارسية, أوّلها حجر, وآخرها طين.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد بنـحوه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, نـحوه.
14284ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير: حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ قال: فـارسية أعربت سنك وكل.
14285ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: السجيـل: الطين.
14286ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة وعكرمة: مِنْ سِجّيـلٍ قالا: من طين.
14287ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد, عن وهب قال: سجيـل بـالفـارسية: سنك وكل.
14288ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ أما السجيـل فقال ابن عبـاس: هو بـالفـارسية: سنك وجل, سنك: هو الـحجر, وجل هو الطين. يقول: أرسلنا علـيهم حجارة من طين.
14289ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفـيان, عن السديّ, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ قال: طين فـي حجارة.
وقال ابن زيد فـي قوله ما:
14290ـ حدثنـي به يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ قال: السماء الدنـيا. قال: والسماء الدنـيا اسمها سجيـل, وهي التـي أنزل الله علـى قوم لوط.
وكان بعض أهل العلـم بكلام العرب من البصريـين يقول: السجيـل: هو من الـحجارة الصلب الشديد ومن الضرب, ويستشهد علـى ذلك بقول الشاعر:
ضَرْبـا تَوَاصَى بهِ الأبْطالُ سِجّيلاً
وقال بعضهم: تـحوّل اللام نونا. وقال آخر منهم: هو فعيـل من قول القائل: أسجلته: أرسلته, فكأنه من ذلك أي مرسلة علـيهم. وقال آخر منهم: بل هو من «سجلت له سجلاً» من العطاء, فكأنه قـيـل: منـحوا ذلك البلاء فأعطوه, وقالوا أسجله: أهمله. وقال بعضهم: هو من السّجِلّ, لأنه كان فـيها علـم كالكتاب. وقال آخر منهم: بل هو طين يطبخ الاَجرّ, وينشد بـيت الفضل بن عبـاس:
مَنْ يُساجِلْنِـي يُساجِلْ ماجِدايَـمْلأُ الدّلْوَ إلـى عَقْدِ الكَرَبْ
فهذا من سَجَلْت له سَجْلاً: أعطيته.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله الـمفسرون, وهو أنها من طين, وبذلك وصفها الله فـي كتابه فـي موضع, وذلك قوله: لِنُرْسِلَ عَلَـيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ للْـمُسْرِفِـينَ. وقد رُوى عن سعيد بن جبـير أنه كان يقول: هي فـارسية ونبطية.
14291ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبـير, قال: فـارسية ونبطية سج ايـل.
فذهب سعيد بن جبـير فـي ذلك إلـى أن اسم الطين بفـارسية جل لا ايـل, وأن ذلك لو كان بـالفـارسية لكان سجِلّ لاِ سجّيـل, لأن الـحجر بـالفـارسية يدعى سِجَ والطين جِلْ, فلا وجه لكون الـياء فـيها وهي فـارسية. وقد بـيّنا الصواب من القول عندنا فـي أول الكتاب بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقد ذُكر عن الـحسن البصري أنه قال: كان أصل الـحجارة طينا فشددت.
وأما قوله: مَنْضُودٍ فإن قتادة وعكرمة يقولان فـيه ما:
14292ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة وعكرمة: مَنْضُودٍ يقول: مصفوفة.
14293ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة مَنْضُودٍ يقول: مصفوفة.
وقال الربـيع بن أنس فـيه, ما:
14294ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا ابن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, فـي قوله مَنْضُودٍ قال: نضد بعضه علـى بعض.
14295ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر الهذلـيّ بن عبد الله: أما قوله: مَنْضُودٍ فإنها فـي السماء منضودة: معدّة, وهي من عدّة الله التـي أعدّ للظلـمة.
وقال بعضهم: منضود: يتبع بعضه بعضا علـيهم, قال: فذلك نَضْدُهُ.
والصواب من القول فـي ذلك ما قاله الربـيع بن أنس, وذلك أن قوله: مَنْضُودٍ من نعت «سجيـل», لا من نعت الـحجارة, وإنـما أمطر القوم حجارة من طين, صفة ذلك الطين أنه نضد بعضه إلـى بعض, فـيصير حجارة, ولـم يـمطروا الطين فـيكون موصوفـا بأنه تتابع علـى القوم بـمـجيئه, وإنـما كان جائزا أن يكون علـى ما تأوّله هذا الـمتأوّل لو كان التنزيـل بـالنصب متضودة فـيكون من نعت الـحجارة حينئذ.
وأما قوله: مُسَوّمَةً عِنْدَ رَبّكَ فإنه يقول: معلـمة عند الله, أعلـمها الله, والـمسوّمة من نعت الـحجارة, ولذلك نصبت ونعت بها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14296ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مُسَوّمَةً قال: معلـمة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله. قال ابن جريج: مسوّمة لا تشاكل حجارة الأرض.
14297ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة وعكرمة: مُسَوّمَةً قالا: مطوّقة بها نضح من حمرة.
14298ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: مُسَوّمَةً علـيها سيـما معلومة حدّث بعض من رآها أنها حجارة مطوّقة علـيها, أو بها نضح من حمرة لـيست كحجارتكم.
14299ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع, فـي قوله: مُسَوّمَةً قال: علـيها سيـما خطوط.
14300ـ حدثنـي موسى بن هارون, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: مُسَوّمَةً قال: الـمسوّمة: الـمختـمة.
وأما قوله: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ فإنه يقول تعالـى ذكره متهدّدا مشركي قريش: وما هذه الـحجارة التـي أمطرتها علـى قوم لوط من مشركي قومك يا مـحمد ببعيد أن يـمطروها إن لـم يتوبوا من شِركهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14301ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا أبو عتاب الدلال سهل بن حماد, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبـان بن تغلب, عن مـجاهد, فـي قوله: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ ببَعِيدٍ قال: أن يصيبهم ما أصاب القوم.
14302ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ قال: يرهب بها من يشاء.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
14303ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ يقول: ما أجار الله منها ظالـما بعد قوم لوط.
14304ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة وعكرمة: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبِعِيدٍ يقول: لـم يبرأ منها ظالـم بعدهم.
حدثنا علـيّ بن سهل, قال: حدثنا ضَمْرة بن ربـيعة, عن ابن شَوْذَب, عن قتادة, فـي قوله: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ قال: يعنـي ظالـمي هذه الأمة, قال: والله ما أجار منها ظالـما بعد.
14305ـ حدثنا موسى بن هارون, قال: حدثنا حماد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ يقول: من ظَلَـمة العرب إن لـم يتوبوا فـيعذّبوا بها.
14306ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر الهذلـيّ بن عبد الله, قال يقول: وَما هِيَ مِنَ الظّالِـمِينَ بِبَعِيدٍ من ظلـمة أمتك ببعيد, فلا يأمنها منهم ظالـم.
وكان قَلْبُ الـملائكةِ عالـي أرض سدوم سافلها, كما:
14307ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا جابر بن نوح, قال: حدثنا الأعمش, عن مـجاهد, قال: أخذ جبرئيـل علـيه السلام قوم لوط من سَرْحهم ودورهم, حملهم بـمواشيهم وأمتعتهم حتـى سمع أهل السماء نُبـاح كلابهم ثم أكفأهم.
حدثنا به أبو كريب مرّة أخرى عن مـجاهد, قال: أدخـل جبرئيـل جناحه تـحت الأرض السفلـى من قوم لوط, ثم أخذهم بـالـجناح الأيـمن, فأخذهم من سرحهم ومواشيهم ثم رفعها.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, كان يقول: فَلَـمّا جاءَ أمْرُنا جَعَلْنا عالِـيَهَا سافِلَها قال: لـما أصبحوا غدا جبرئيـل علـى قريتهم, ففتقها من أركانها, ثم أدخـل جناحه, ثم حملها علـى خوافـي جناحه.
قال: حدثنا شبل, قال: فحدثنـي هذا ابنُ أبـي نـجيح, عن إبراهيـم بن أبـي بكر قال: ولـم يسمعه ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد, قال: فحملها علـى خوافـي جناحه بـما فـيها, ثم صعد بها إلـى السماء حتـى سمع أهل السماء نبـاح كلابهم ثم قلبها, فكان أوّل ما سقط منها شرفها, فذلك قول الله: جَعَلْنا عالِـيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَـيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ قال مـجاهد: فلـم يصب قوما ما أصابهم إن الله طمس علـى أعينهم, ثم قلب قريتهم, وأمطر علـيهم حجارة من سِجيّـل.
14308ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: بلغنا أن جبرئيـل علـيه السلام أخذ بعُروة القرية الوسطى, ثم ألوى بها إلـى السماء, حتـى سمع أهل السماء ضَواغي كلابهم, ثم دمّر بعضها علـى بعض فجعل عالـيها سافلها ثم أتبعهم الـحجارة. قال قتادة: وبلغنا أنهم كانوا أربعة آلاف ألف.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذُكِر لنا أن جبرئيـل علـيه السلام أخذ بعروتها الوسطى, ثم ألوى بها إلـى جوّ السماء حتـى سمعت الـملائكة ضواغي كلابهم, ثم دمر بعضها علـى بعض ثم أتبع شُذّان القوم صخرا, قال: وهي ثلاث قرى يقال لها سَدُوم, وهي بـين الـمدينة والشام. قال: وذُكر لنا أنه كان فـيها أربعة آلاف ألف. وذُكر لنا أن إبراهيـم علـيه السلام كان يُشْرِف يقول: سدوم يوم مّا لك
14309ـ حدثنـي موسى, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما أصبحوا يعنـي قوم لوط نزل جبرئيـل, فـاقتلع الأرض من سبع أرضين, فحملها حتـى بلغ السماء الدنـيا حتـى سمع أهل السماء نبـاح كلابهم وأصواب ديوكهم, ثم قلبها فقتلهم فذلك حين يقول: والـمُؤْتَفِكَةَ أهْوَى الـمنقلبة حين أهوى بها جبرئيـل الأرض فـاقتلعها بجناحه, فمن لـم يـمت حين أسقط الأرض أمطر الله علـيه وهو تـحت الأرض الـحجارة, ومن كان منهم شاذّا فـي الأرض وهو قول الله: فجَعَلْنا عالِـيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَـيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ ثم تتَبعَهم فـي القرى, فكان الرجل يأتـيه الـحجر فـيقتله, وذلك قول الله تعالـى: وأمْطَرْنا عَلَـيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر وأبو سفـيان, عن معمر, عن قتادة, قال: بلغنا أن جبرئيـل علـيه السلام لـما أصبح نشر جناحه, فـانتسف به أرضهم بـما فـيها من قصورها ودوابها وحجارتها وشجرها وجميع ما فـيها, فضمها فـي جناحه, فحواها وطواها فـي جوف جناحه, ثم صعد بها إلـى السماء الدنـيا, حتـى سمع سكان السماء أصوات الناس والكلاب, وكانوا أربعة آلاف ألف, ثم قلبها فأرسلها إلـى الأرض منكوسة, دمدم بعضَها علـى بعض, فجعل عالـيها سافلها, ثم أتبعها حجارة من سجيـل.
14310ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, قال: ثنـي ابن إسحاق, قال: ثنـي مـحمد بن كعب القُرَظي, قال: حُدثت أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «بَعَثَ الله جبرئيـل علـيه السلام إلـى الـمُؤْتَفِكة قَرْيَةِ لُوطٍ علـيه السلام التـي كان لُوطٌ فـيها, فـاحْتَـمَلَها بجَنَاحِهِ, ثم صَعِدَ بها حتـى إنّ أهْلَ السّماء الدّنْـيا لَـيَسْمَعُونَ نُبَـاحَ كِلابها وأصْوَاتَ دَجَاجِهَا, ثم كَفَأَهَا علـى وَجْهِها, ثم أتْبَعَها اللّهُ بـالـحِجَارَةِ, يقول الله: جَعَلْنا عالِـيَها سافِلَها وأمْطَرْنا عَلَـيْها حِجارَةً مِنْ سِجّيـلٍ فأهْلَكَها الله وما حَوْلَها مِنَ الـمُؤْتَفِكَاتِ, وكُنّ خَمْسَ قَرْيَاتٍ: صنعة, وصعوة, وعثرة, ودوما, وسدوم وسدوم هي القرية العظمى, ونـجّى الله لوطا ومَنْ معه من أهله, إلا امْرَأَته كانَتْ فِـيـمَنَ هَلك».
الآية : 84
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَـَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّيَ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مّحِيطٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وَ أرسلنا إلـى ولد مَدْيَنَ أخاهُمْ شُعَيْبـا فلـما أتاهم قالَ يا قَوْمِ اعْبُدوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غيرُهُ يقول: أطيعوه, وتَذَللّوا له بـالطاعة لـما أمركم به ونهاكم عنه, ما لَكُمْ مِنْ إلهٍ غَيْرُهُ يقول: ما لكم من معبود سواه يستـحق علـيكم العبـادة غيره. وَلا تَنْقصُوا الـمِكْيالَ والـمِيزانَ يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم فـي مكيالكم وميزانكم, إنّـي أرَاكمْ بِخَيْرٍ.
واختلف أهل التأويـل فـي الـخير الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لـمدين إنه يراهم به, فقال بعضهم: كان ذلك رُخْص السعر وحذرهم غَلاءه. ذكر من قال ذلك:
14311ـ حدثنـي زكريا بن يحيى بن أبـي زائدة, قال: حدثنا عبد الله بن داود الواسطي, قال: حدثنا مـحمد بن موسى, عن الذيال بن عمرو, عن ابن عبـاس: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: رُخْص السعر. وإنّـي أخافُ عَلَـيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُـحِيطٍ قال: غلاء سعر.
14312ـ حدثنـي أحمد بن علـيّ النصري, قال: ثنـي عبد الصمد بن عبد الوراث, قال: حدثنا صالـح بن رستـم, عن الـحسن, وذكر قوم شعيب قال: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: رُخْص السعر.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, عن أبـي عامر الـخراز, عن الـحسن, فـي قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: الغنى ورُخْص السعر.
وقال آخرون: عنـي بذلك: إنـي أرى لكم مالاً وزينة من زين الدنـيا. ذكر من قال ذلك:
14313ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: يعنـي خير الدنـيا وزينتها.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ أبصر علـيهم قِشْرا من قِشْر الدنـيا وزينتها.
14314ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ قال: فـي دنـياكم, كما قال الله تعالـى: إنْ تَرَكَ خَيْرا سماه خيرا لأن الناس يسمون الـماء خيرا.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه, وذلك قوله: إنّـي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ يعنـي بخير الدنـيا. وقد يدخـل فـي خير الدنـيا الـمال وزينة الـحياة الدنـيا ورخص السعر, ولا دلالة علـى أنه عنـي بقـيـله ذلك بعض خيرات الدنـيا دون بعض, فذلك علـى كلّ معانـي خيرات الدنـيا التـي ذكر أهل العلـم أنهم كانوا أوتوها. وإنـما قال ذلك شعيب, لأن قومه كانوا فـي سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم كثـيرة أموالهم, فقال لهم: لا تنقصوا الناس حقوقهم فـي مكايـيـلكم وموازينكم, فقد وسّع الله علـيكم رزقكم, وَإنّـي أخافُ عَلـيكُم بـمخالفتكم أمر الله وبخسكم الناس أموالهم فـي مكايـيـلكم وموازينكم عذابَ يومٍ مُـحيطٍ يقول: أن ينزل بكم عذاب يوم مـحيط بكم عذابه. فجعل الـمـحيط نعتا للـيوم, وهو من نعت العذاب, إذ كان مفهوما معناه, وكان العذاب فـي الـيوم, فصار كقولهم جُبّتك مـحترقة.
الآية : 85
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ }.
يقول تعالـى ذكره مخبرا عن قـيـل شعيب لقومه: أوفُوا الناس الكيـل والـميزان بـالقسط, يقول: بـالعدل, وذلك بأن توفّوا أهل الـحقوق التـي هي مـما يكال أو يوزن حقوقهم علـى ما وجب لهم من التـمام بغير بخس ولا نقص.
وقوله: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ يقول ولا تنقصوا الناس حقوقهم التـي يجب علـيكم أن توفوهم كيلاً أو وزنا أو غير ذلك. كما:
14315ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا علـي بن صالـح بن حيّ, قال: بلغنـي فـي قوله: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ قال: لا تنقصوهم.
14316ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ يقول: لا تظلـموا الناس أشياءهم.
وقوله: وَلا تَعْثَوْا فِـي الأرْضِ مُفْسِدِينَ يقول: ولا تسيروا فـي الأرض تعملون فـيها بـمعاصي الله. كما:
14317ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: وَلا تَعْثَوْا فِـي الأرْضِ مُفْسِدِينَ قال: لا تسيروا فـي الأرض.
14318ـ حُدثت عن الـمسيب, عن أبـي روق, عن الضحاك: وَلا تَعْثَوْا فِـي الأرْضِ مُفْسِدِينَ يقول: لا تسعوا فـي الأرض مفسدين, يعنـي: نقصان الكيـل والـميزان.
الآية : 86
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {بَقِيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لّكُمْ إِن كُنتُم مّؤْمِنِينَ وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: بَقِـيّة اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بـالـمكيال والـميزان بـالقسط, فأحله لكم, خير لكم من الذي يبقـى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بـالـمكيال والـميزان, إنْ كُنْتـمْ مُؤْمِنِـينَ يقول: إن كنتـم مصدّقـين بوعد الله ووعيده وحلاله وحرامه. وهذا قول رُوى عن ابن عبـاس بإسناد غير مرتضىً عند أهل النقل.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي ذلك, فقال بعضهم: معناه طاعة الله خير لكم. ذكر من قال ذلك:
14319ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ قال: طاعة الله خير لكم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا حكام, عن عنبسة, عن مـحمد بن عبد الرحمن, عن القاسم بن أبـي بَزّة, عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّهِ قال: طاعة الله خَيْرٌ لَكُمْ.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّهِ قال: طاعة الله.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري, عن لـيث, عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ قال: طاعة الله خير لكم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: بَقِـيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ قال: طاعة الله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, نـحوه.
وقال آخرون: معنى ذلك: حظّكم من ربكم خير لكم. ذكر من قال ذلك:
14320ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: بَقِـيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ: حظكم من ربكم خير لكم.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة, فـي قوله: بَقِـيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ قال: حظكم من الله خير لكم.
وقال آخرون: معناه: رزق الله خير لكم. ذكر من قال ذلك:
14321ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, عمن ذكره, عن ابن عبـاس: بَقِـيّةُ اللّهِ قال رزق الله.
وقال ابن زيد فـي قوله ما:
14322ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد فـي قوله: بَقِـيّةُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنـين قال: الهلاك فـي العذاب, والبقـية فـي الرحمة.
وإنـما اخترت فـي تأويـل ذلك القول الذي اخترته, لأن الله تعالـى ذكره إنـما تقدم إلـيهم بـالنهي عن بخس الناس أشياءهم فـي الـمكيال والـميزان, وإلـى ترك التطفـيف فـي الكيـل والبخس فـي الـميزان دعاهم شعيب, فتعقـيب ذلك بـالـخبر عما لهم من الـحظّ فـي الوفـاء فـي الدنـيا والاَخرة أولـى, مع أن قوله: بَقِـيّةُ إنـما هي مصدر من قول القائل بَقّـيْت بَقِـيّة من كذا, فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلا إلـى: بقـية الله التـي أبقاها لكم مـما لكم بعد وفـائكم الناس حقوقهم خير لكم من بقـيتكم من الـحرام الذي يبقـى لكم من ظلـمكم الناس ببخسكم إياهم فـي الكيـل والوزن.
وقوله: وَما أنا عَلَـيْكُمْ بِحَفِـيظٍ يقول: وما أنا علـيكم أيها الناس برقـيب أرقبكم عند كيـلكم ووزنكم هل توفون الناس حقوقهم أم تظلـمونهم, وإنـما علـيّ أن أبلغكم رسالة ربـي فقد أبلغتكموها.
الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَشُعَيْبُ أَصَلَوَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نّفْعَلَ فِيَ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنّكَ لأنتَ الْحَلِيمُ الرّشِيدُ }.
يقول تعالـى ذكره: قال قوم شعيب: يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ عبـادة ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا من الأوثان والأصنام, أوْ أنْ نَفْعَلَ فِـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ من كسر الدراهم وقطعها وبخس الناس فـي الكيـل والوزن إنّكَ لأَنْتَ الـحَلِـيـمُ وهو الذي لا يحمله الغضب أن يفعل ما لـم يكن لـيفعله فـي حال الرضا, الرّشِيدُ يعنـي: رشيد الأمر فـي أمره إياهم أن يتركوا عبـادة الأوثان. كما:
14323ـحدثنا مـحمود بن خداش, قال: حدثنا حماد بن خالد الـخياط, قال: حدثنا داود بن قـيس, عن زيد بن أسلـم, فـي قول الله: أصلاتُك تأمُرُك أن نَتْرُك ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أوْ أنْ نَفْعَل فـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ, إنّكَ لاَءَنْتَ الـحَلِـيـمُ الرّشيدُ قال: كان مـما نهاهم عنه حذف الدراهم, أو قال: قطع الدراهم. الشك من حماد.
14324ـ حدثنا سهل بن موسى الرازي, قال: حدثنا ابن أبـي فُدَيك, عن أبـي مودود, قال: سمعت مـحمد بن كعب القرظي يقول: بلغنـي أن قوم شعيب عذّبوا فـي قطع الدراهم, وجدت ذلك فـي القرآن: أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أن نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أو أن نَفْعَل فـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن حبـاب, عن موسى بن عبـيدة, عن مـحمد بن كعب القرظي, قال: عذّب قوم شعيب فـي قطعهم الدراهم, فقالوا: يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أن نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أو أن نَفْعَلَ فـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ.
قال: حدثنا حماد بن خالد الـخياط, عن داود بن قـيس, عن زيد بن أسلـم, فـي قوله: أو أن نَفْعَلَ فِـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ قال: كان مـما نهاهم عنه: حذف الدراهم.
14325ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أوْ أنْ نَفْعَلَ فِـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ قال: نهاهم عن قطع الدنانـير والدراهم, فقالوا: إنـما هي أموالنا نفعل فـيها ما نشاء, إن شئنا قطعناها, وإن شئنا حَرّقناها, وإن شئنا طرحناها.
قال: وأخبرنا ابن وهب, قال: وأخبرنـي داود بن قـيس الـمري أنه سمع زيد بن أسلـم يقول فـي قول الله: قالُوا يا شُعَيْبُ أصَلاتُكَ تَأمُرُكَ أنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آبـاؤُنا أوْ أنْ نَفْعَلَ فِـي أمْوَالِنا ما نَشاءُ قال زيد: كان من ذلك قطع الدراهم.
وقوله: أصَلاتُكَ كان الأعمش يقول فـي تأويـلها ما:
14326ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوري عن الأعمش, فـي قوله: أصَلاتُكَ قال: قراءتك.
فإن قال قائل: وكيف قـيـل: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبـاؤنا, أو أن نفعل فـي أموالنا ما نشاء, وإنـما كان شعيب نهاهم أن يفعلوا فـي أموالهم ما قد ذكرت أنه نهاهم عنه فـيها؟ قـيـل: إن معنى ذلك بخلاف ما توهمت.
وقد اختلف أهل العربـية فـي معنى ذلك, فقال بعض البصريـين: معنى ذلك: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبـاؤنا, أن أن نترك أن نفعل فـي أموالنا ما نشاء, ولـيس معناه: تأمرك أن نفعل فـي أموالنا ما نشاء, لأنه لـيس بذا أمرهم.
وقال بعض الكوفـيـين نـحو هذا القول, قال: وفـيها وجه آخر يجعل الأمر كالنهي, كأنه قال: أصلاتك تأمرك بذا وتنهانا عن ذا؟ فهي حينئذ مردودة علـى أن الأولـى منصوبة بقوله «تأمرك», وأن الثانـية منصوبة عطفـا بها علـى «ما» التـي فـي قوله: ما يَعْبُدُ. وإذا كان ذلك كذلك, كان معنى الكلام: أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبـاؤنا, أو أن نترك أن نفعل فـي أموالنا ما نشاء؟ وقد ذكر عن بعض القرّاء أنه قرأه «ما تَشاءُ», فمن قرأ ذلك كذلك فلا مؤنة فـيه, وكانت «أن» الثانـية حينئذ معطوفة علـى «أن» الأولـى.
وأما قولهم لشعيب: إنّكَ لأَنْتَ الـحَلِـيـمُ الرّشِيدُ فإنهم أعداء الله قالوا ذلك له استهزاء به وإنـما سفهوه وجهلوه بهذا الكلام. وبـما قلنا من ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14327ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: إنّكَ لأَنْتَ الـحَلِـيـمُ الرّشِيدُ قال: يستهزءون.
14328ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: إنّكَ لأَنْتَ الـحَلِـيـمُ الرّشِيدُ الـمستهزءون يستهزءون بأنك لأنت الـحلـيـم الرشيد.
الآية : 88
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ يَقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيّنَةٍ مّن رّبّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىَ مَآ أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلاّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }.
يقول تعالـى ذكره: قال شعيب لقومه: يا قوم أرأيتـم إن كنت علـى بـيان وبرهان من ربـي فـيـما أدعوكم إلـيه من عبـادة الله, والبراءة من عبـادة الأوثان والأصنام, وفـيـما أنهاكم عنه من إفساد الـمال وَرَزَقَنِـي مِنْهُ رِزْقا حَسَنا يعنـي حلالاً طيبـا. وَما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكُمْ إلـى ما أنهاكُمْ عَنْهُ يقول: وما أريد أن أنهاكم عن أمر ثم أفعل خلافه, بل لا أفعل إلا بـما آمركم به ولا أنتهي إلا عما أنهاكم عنه. كما:
14329ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَما أُرِيدُ أنْ أُخالِفَكُمْ إلـى ما أنهاكُم عَنْهُ يقول: لـم أكن لأنهاكم عن أمر أركبه أو آتـيه.
إنْ أُرِيدُ إلاّ الإصْلاحَ يقول: ما أريد فـيـما آمركم به وأنهاكم عنه, إلا إصلاحكم وإصلاح أمركم ما اسْتَطَعْتُ يقول: ما قدرت علـى إصلاحه لئلا ينالكم من الله عقوبة منكلة, بخلافكم أمره ومعصيتكم رسوله. وَما تَوْفِـيقـي إلاّ بـاللّهِ يقول: وما إصابتـي الـحقّ فـي مـحاولتـي إصلاحكم وإصلاح أمركم إلا بـالله, فإنه هو الـمعين علـى ذلك إن لا يعنّـي علـيه لـم أصب الـحقّ فـيه.
وقوله: عَلَـيهِ تَوَكّلْتُ يقول: إلـى الله أفوّض أمري, فإنه ثقتـي وعلـيه اعتـمادي فـي أموري. وقوله: وَإلَـيْهِ أُنِـيبُ وإلـيه أقبل بـالطاعة وأرجع بـالتوبة. كما:
14330ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن إسحاق نـجيح, عن مـجاهد: وَإلَـيْهِ أُنِـيبُ قال: أرجع.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد. قال: وحدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وإلَـيْهِ أُنِـيبُ قال: أرجع.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد قوله: وإلَـيْهِ أُنِـيبُ قال: أرجع