تفسير الطبري تفسير الصفحة 237 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 237
238
236
 الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوَاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـَذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }.
وفـي الكلام متروك حذف ذكره اكتفـاء بـما ظهر عما ترك, وهو: فأرسله معهم, فلـما ذهبوا به, وأجمَعُوا يقول: وأجمع رأيهم وعزموا علـى أنْ يَجْعَلُوهُ فِـي غَيابَتِ الـجُبّ. كما:
14542ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ, قوله: إنّـي لَـيَحْزُنُنـي أنْ تَذْهَبُوا بِهِ... الآية, قال: قال: لن أرسله معكم, إنـي أخاف أن يأكله الذئب وأنتـم عنه غافلون. قالُوا لَئِنْ أكَلَهُ الذّئْبُ وَنـحْنُ عُصْبَةٌ إنّا أذا لـخَاسِرُونَ فأرسله معهم, فأخرجوه وبه علـيهم كرامة. فلـما برزوا به إلـى البرية أظهروا له العداوة, وجعل أخوه يضربه, فـيستغيث بـالاَخر فـيضربه, فجعل لا يرى منهم رحيـما, فضربوه حتـى كادوا يقتلونه, فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه يا يعقوب, لو تعلـم ما صنع بـابنك بنو الإماء فلـما كادوا يقتلونه قال يهوذا: ألـيس قد أعطيتـمونـي موثقا أن لا تقتلوه؟ فـانطلقوا به إلـى الـجبّ لـيطرحوه, فجعلوا يدلونه فـي البئر, فـيتعلق بشفـير البئر, فربطوا يديه ونزعوا قميصه, فقال: يا إخوتاه ردُوا علـيّ قميصي أتوارى به فـي الـجبّ فقالوا: ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبـا تؤنسك قال: إنـي لـم أر شيئا. فدلوه فـي البئر. حتـى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يـموت, وكان فـي البئر ماء, فسقط فـيه, ثم أوى إلـى صخرة فـيها, فقام علـيها. قال: فلـما ألقوه فـي البئر جعل يبكي, فنادوه, فظنّ أنها رحمة أدركتهم, فلبّـاهم, فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فـيقتلوه, فقام يهوذا فمنعهم, وقال: قد أعطيتـمونـي موثقا أن لا تقتلوه وكان يهوذا يأتـيه بـالطعام.
وقوله: فَلَـمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجمَعُوا فأدخـلت الواو فـي الـجواب, كما قال امرؤ القـيس:
فَلَـمّا أجَزْنا ساحَةَ الـحَيّ وَانْتَـحَىبِنَا بطْن خَبْتٍ ذي قِـفَـافٍ عَقَنْقَلِ
فأدخـل الواو فـي جواب «لـما», وإنـما الكلام: فلـما أجزنا ساحة الـحيّ انتـحى بنا, وكذلك: فَلَـمّا ذَهَبُوا بِهِ وأجمَعُوا لأن قوله «أجمعوا» هو الـجواب.
وقوله: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ يقول: وأوحينا إلـى يوسف لتـخبرنّ إخوتك بأمرهم هذا يقول: بفعلهم هذا الذي فعلوه بك. وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول: وهم لا يعلـمون ولا يدرون.
ثم اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي عناه الله عزّ وجلّ بقوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فقال بعضهم: عُنـي بذلك: أن الله أوحى إلـى يوسف أن يوسف سينبىء إخوته بفعلهم به ما فعلوه من إلقائه فـي الـجبّ, وبـيعهم إياه, وسائر ما صنعوا به من صنـيعهم, وإخوته لا يشعرون بوحي الله إلـيه بذلك. ذكر من قال ذلك:
14543ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ إلـى يوسف.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هذَا قال: أوحينا إلـى يوسف: لتنبئنّ إخوتك.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: أوحى إلـى يوسف وهو فـي الـجبّ أن سينبئهم بـما صنعوا, وهم لا يشعرون بذلك الوحي.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال مـجاهد: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ قال: إلـى يوسف.
وقال آخرون: معنى ذلك: وأوحينا إلـى يوسف بـما إخوته صانعون به, وإخوته لا يشعرون بإعلام الله إياه بذلك. ذكر من قال ذلك:
14544ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بـما أطلع الله علـيه ويوسف من أمرهم وهو فـي البئر.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وأوْحَيْنا إلَـيْهِ لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال: أوحى الله إلـى يوسف وهو فـي الـجبّ أن ينبئهم بـما صنعوا به, وهم لا يشعرون بذلك الوحي.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن قتادة بنـحوه, إلا أنه قال: أن سينبئهم.
وقال اخرون: بل معنى ذلك: أن يوسف سينبئهم بصنـيعهم به وهم لا يشعرون أنه يوسف. ذكر من قال ذلك:
14545ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول: وهم لا يشعرون أنه يوسف.
14546ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا صدقة بن عبـادة الأسدي, عن أبـيه, قال: سمعت ابن عبـاس يقول: لـما دخـل إخوة يوسف فعرفهم وهم له منكرون, قال: جيء بـالصواع فوضعه علـى يده, ثم نقره فطنّ فقال: إنه لـيخبرنـي فـي هذا الـجام أنه كان لكم أخ من أبـيكم يقال له يوسف يدنـيه هونكم, وإنكم انطلقتـم به فألقـيتـموه فـي غيابة الـجبّ قال: ثم نقره فطنّ فأتـيتـم أبـاكم فقلتـم: إن الذئب أكله, وجئتـم علـى قميصه بدم كذب. قال: فقال بعضهم لبعض: إن هذا الـجام لـيخبره بخبركم. قال ابن عبـاس: فلا نرى هذه ا ية نزلت إلا فـيهم: لَتُنَبّئَنّهُمْ بأمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ.
الآية : 16-17
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَجَآءُوَا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ * قَالُواْ يَأَبَانَا إِنّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لّنَا وَلَوْ كُنّا صَادِقِينَ }.
يقول جلّ ثناؤه: وجاء إخوة يوسف أبـاهم بعد ما ألقوا يوسف فـي غيابة الـجبّ عِشاءً يَبْكُونَ. وقـيـل: إن معنى قوله: نَسْتَبِقُ ننتضل من السبـاق. كما:
14547ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: أقبلوا علـى أبـيهم عشاء يبكون. فلـما سمع أصواتهم فزع وقال: ما لكم يا بنـيّ؟ هل أصابكم فـي غنـمكم شيء؟ قالوا: لا قال: فما فعل يوسف؟ قالوا: يا أبـانا إنّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فأكَلَهُ الذَئْبُ فبكى الشيخ وصاح بأعلـى صوته وقال: أين القميص؟ فجاءوه بـالقميص علـيه دم كذب, فأخذ القميص فطرحه علـى وجهه, ثم بكى حتـي تـخضب وجهه من دم القميص.
وقوله: وَما أنْتَ بِـمُؤْمِنٍ لَنا يقولون: وما أنت بـمصدّقنا علـى قـيـلنا إن يوسف أكله الذئب وَلَوْ كُنّا صَادِقِـينَ. كما:
14548ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ: وَما أنْتَ بِـمُؤْمِنٍ لَنا قال: بـمصدّق لنا... وَلَوْ كُنّا صَادِقِـينَ إما خبر عنهم أنهم غير صادقـين, فذلك تكذيب منهم أنفسهم, أو خبر منهم عن أبـيهم أنه لا يصدقهم لو صدَقوه, فقد علـمت أنهم لو صَدقوا أبـاهم الـخبر صَدّقهم؟ قـيـل: لـيس معنى ذلك بواحد منهما, وإنـما معنى ذلك: وما أنت بـمصدّق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يتهمون لسوء ظنك بنا وتهمتك لنا.
الآية : 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَجَآءُوا عَلَىَ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىَ مَا تَصِفُونَ } .
يقول تعالـى ذكره: وَجاءُوا علـى قَمِيصَهِ بِدَمٍ كَذِبٍ وسماه الله كذبـا لأن الذين جاءوا بـالقميص وهو فـيه كذبوا, فقالوا لـيعقوب: هو دم يوسف, ولـم يكن دمه, وإنـما كان دم سخـلة فـيـما قـيـل. ذكر من قال ذلك:
14549ـ حدثنـي أحمد بن عبد الصمد الأنصاري, قال: حدثنا أبو أسامة, عن شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَجاءُوا علـى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: وَجاءُوا علـى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة شاة.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة, يعنـي: شاة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة شاة.
14550ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: بِدَمٍ كَذِبٍ قال: كان ذلك الدم كذبـا, لـم يكن دم يوسف.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: بِدَمٍ كَذِبٍ قال: دم سخـلة شاة.
14551ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: بِدَمٍ كَذِبٍ قال: بدم سخـلة.
14552ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: ذبحوا جديا من الغنـم, ثم لطخوا القميص بدمه, ثم أقبلوا إلـى أبـيهم, فقال يعقوب: إن كان هذا الذئب لرحيـما كيف أكل لـحمه ولـم يخرق قميصه يا بنـيّ يا يوسف ما فعل بك بنو ا ماء.؟
14553ـ حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان الثوري, عن سماك بن حرب, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَجاءُوا علـى قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ قال: لو أكله السبع لـخرق القميص.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أبو خالد, قال: حدثنا سفـيان بإسناده عن ابن عبـاس مثله, إلا أنه قال: لو أكله الذئب لـخرق القميص.
حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن سماك, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَجاءُوا علـى قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ قال: لو كان الذئب أكله لـخرقه.
14554ـ حدثنـي عبـيد الله بن أبـي زياد, قال: حدثنا عثمان بن عمرو, قال: حدثنا قرة, عن الـحسن, قال: جيء بقميص يوسف إلـى يعقوب, فجعل ينظر إلـيه فـيرى أثر الدم ولا يرى فـيه خرقا, قال: يا بنـيّ ما كنت أعهد الذئب حلـيـما
حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري, قال: حدثنا أبو عاصم العقدي, عن قرة, قال: سمعت الـحسن يقول: لـما جاءوا بقميص يوسف, فلـم ير يعقوب شَقّا, قال: يا بنـيّ, والله ما عهدت الذئب حلـيـما
حدثنا مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا حماد بن مسعدة, عن عمران بن مسلـم, عن الـحسن, قال: لـما جاء إخوة يوسف بقميصه إلـى أبـيهم, قال: جعل يقلبه, فـيقول: ما عهدت الذئب حلـيـما, أكل ابنـي وأبقـى علـى قميصه
14555ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجاءُوا علـى قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ قال: لـما أتوا نبـيّ الله يعقوب بقميصه, قال: ما أرى أثر سبع ولا طعن ولا خرق.
14556ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: بِدَمٍ كَذِبٍ الدم كذب, لـم يكن دم يوسف.
14557ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مـجالد, عن الشعبـيّ, قال: ذبحوا جديا ولطخوه من دمه فلـما نظر يعقوب إلـى القميص صحيحا, عرف أن القوم كذبوه, فقال لهم: إن كان هذا الذئب لـحلـيـما, حيث رحم القميص ولـم يرحم ابنـي فعرف أنهم قد كذبوه.
حدثنا ابن وكيع, حدثنا أبـا أسامة, عن سفـيان, عن سماك, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَجاءُوا علـى قَميصِهِ بدَمٍ كَذِبٍ قال: لـما أتـي يعقوب بقميص يوسف, فلـم ير فـيه خرقا, قال: كذبتـم, لو أكله السبع لـخرق قميصه
14558ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا إسحاق الأزرق, ويعلـى, عن زكريا, عن سماك, عن عامر, قال: كان فـي قميص يوسف ثلاث ايات حين جاءوا علـى قميصه بدم كذب. قال: وقال يعقوب: لو أكله الذئب لـخرق قميصه.
14559ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا زكريا, عن سماك, عن عامر, قال: إنه كان يقول: فـي قميص يوسف ثلاث ايات, حين ألقـي علـى وجه أبـيه فـارتدّ بصيرا, وحين قُدّ من دبر, وحين جاءوا علـى قميصه بدم كذب.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن سماك, عن عامر, قال: كان فـي قميص يوسف ثلاث ايات: الشقّ, والدم, وألقاه علـى وجه أبـيه فـارتدّ بصيرا.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا أبو عامر, قال: حدثنا قرة, عن الـحسن, قال: لـما جيء بقميص يوسف إلـى يعقوب, فرأى الدم ولـم ير الشقّ, قال: ما عهدت الذئب حلـيـما.
قال: حدثنا حماد بن مسعدة, قال: حدثنا قرة, عن الـحسن, بـمثله.
فإن قال قائل: كيف قـيـل: بِدَمٍ كَذِبٍ وقد علـمت أنه كان دما لا شكّ فـيه, وإن لـم يكن كان دم يوسف؟ قـيـل: فـي ذلك من القول وجهان: أحدهما: أن يكون قـيـل بِدَمٍ كَذِبٍ لأنه كُذبَ فـيه كما يقال: اللـيـلة الهلال, وكما قـيـل: فَمَا رَبِحَتْ تِـجَارَتُهُمْ وذلك قول كان بعض نـحويـي البصرة يقوله.
والوجه ا خر: وهو أن يقال: هو مصدر بـمعنى مفعول, وتأويـله: وجاءوا علـى قميصه بدم مكذوب, كما يقال: ما له عقل ولا معقول, ولا له جلد ولا له مـجلود. والعرب تفعل ذلك كثـيرا, تضع مفعو فـي موضع الـمصدر, والـمصدر فـي موضع مفعول, كما قال الراعي:
حتـى إذَا لَـمْ يَتْرُكُوا لِعِظامِهِلَـحْما وَلا لِفُؤَادِهِ مَعْقُولا
وذلك كان يقوله بعض نـحويـي الكوفة.
وقوله: قالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لبنـيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذّبـا لهم فـي خبرهم ذلك: ما الأمر كما تقولون بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرا فـي يوسف وحسنته ففعلتـموه. كما:
14560ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قالَ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أنْفُسُكُمْ أمْرا قال: يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرا.
وقوله: فَصَبْرٌ جَمِيـلٌ يقول: فصبري علـى ما فعلتـم بـي فـي أمر يوسف صبر جميـل, أو فهو صبر جميـل. وَاللّهُ الـمسْتَعانُ علـى ما تَصِفُونَ يقول: واللّهَ أستعين علـى كفـايتـي شرّ ما تصفون من الكذب. وقـيـل: إن الصبر الـجميـل: هو الصبر الذي لا جزع فـيه ذكر من قال ذلك:
14561ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَصَبْرٌ جَمِيـلٌ قال: لـيس فـيه جزع.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
الآية : 19-20
تأويل قوله تعالى {وَجَاءَتْ سَيّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىَ دَلْوَهُ قَالَ يَبُشْرَىَ هَـَذَا غُلاَمٌ وَأَسَرّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ }
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, مثله.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: فبـاعه إخوته بثمن بخس.
وقال آخرون: بل عنـي بقوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ السيارة أنهم بـاعوا يوسف بثمن بخس. ذكر من قال ذلك:
14562ـ حدثنـي مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ وهم السيارة الذين بـاعوه.
وأولـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: تأويـل ذلك: وشرى إخوة يوسف يوسف بثمن بخس, وذلك أن الله عزّ وجلّ قد أخبر عن الذين اشتروه أنهم أسرّوا شراء يوسف من أصحابهم خيفة أن يستشركوهم بـادعائهم أنه بضاعة, ولـم يقولوا ذلك إلا رغبة فـيه أن يخـلص لهم دونهم واستر خاصا لثمنه الذي ابتاعه به, لأنهم ابتاعوه كما قال جلّ ثناؤه بِثَمَنٍ بَخْسٍ. ولو كان مبتاعوه من إخوته فـيه من الزاهدين لـم يكن لقـيـلهم لرفقائهم هو بضاعة معنى, ولا كان لشرائهم إياه وهم فـيه من الزاهدين وجه, إلا أن يكونوا كانوا مغلوبـا علـى عقولهم لأنه مـحال أن يشترى صحيح العقل ما هو فـيه زاهد من غير إكراه مكره له علـيه, ثم يكذب فـي أمره الناس بأن يقول: هو بضاعة لـم أشتره مع زهده فـيه, بل هذا القول من قول من هو بسلعته ضنـين لنفـاستها عنده, ولـما يرجو من نفـيس الثمن لها وفضل الربح.
وأما قوله: بَخْسٍ فإنه يعنـي: نقص, وهو مصدر من قول القائل: بَخِسْتُ فلانا حقه: إذا ظلـمته, يعنـي: ظلـمه فنقصه عما يجب له من الوفـاء, أبْخَسُهُ بخسا ومنه قوله: وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهُمْ. وإنـما أريد بثمن مبخوس: منقوص, فوضع البخس وهو مصدر مكان مفعول, كما قـيـل: بِدَمٍ كَذِبٍ وإنـما هو بدم مكذوب فـيه.
واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: قـيـل بِثَمَنٍ بَخْسٍ لأنه كان حراما علـيهم. ذكر من قال ذلك:
14563ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, عن الضحاك: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: البخس: الـحرام.
14564ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ بن عاصم, عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول: كان ثمنه بخسا حراما, لـم يحلّ لهم أن يأكلوه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: بـاعوه بثمن بخس, قال: كان بـيعه حراما وشراؤه حراما.
حدثنـي القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك: بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: حرام.
14565ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: بِثَمَنٍ بَخْسٍ يقول: لـم يحلّ لهم أن يأكلوا ثمنه.
وقال آخرون: معنى البخس هنا: الظلـم. ذكر من قال ذلك:
14566ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: البخس: هو الظلـم, وكان بـيع يوسف وثمنه حراما علـيهم.
14567ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, قال: قال قتادة: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ قال: ظلـم.
وقال آخرون: عُنـي بـالبخس فـي هذا الـموضع: القلـيـل. ذكر من قال ذلك:
14568ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن قـيس, عن جابر, عن عامر, قال: البخس: القلـيـل.
14569ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا قـيس, عن جابر, عن عكرمة, مثله.
وقد بـيّنا الصحيح من القول فـي ذلك. وأما قوله دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ فإنه يعنـي عز وجلّ أنهم بـاعوه بدراهم غير موزونة ناقصة غير وافـية لزهدهم كان فـيه. وقـيـل: إنـما قـيـل معدودة لـيعلـم بذلك أنها كانت أقلّ من الأربعين, لأنهم كانوا فـي ذلك الزمان لا يزنون ما كان وزنه أقلّ من أربعين درهما, لأن أقلّ أوزانهم وأصغرها كان الأوقـية, وكان وزن الأوقـية أربعين درهما. قالوا: وإنـما دلّ بقوله: مَعْدُودَةٍ علـى قلة الدراهم التـي بـاعوه بها, فقال بعضهم: كان عشرين درهما. ذكر من قال ذلك:
14570ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا حميد بن عبد الرحمن, عن زهير, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله, قال: إن ما اشتري به يوسف عشرون درهما.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحمانـي, قال: حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.
14571ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن نوف البكالـي, فـي قوله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع: وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن نوف البكالـي: بَخْسٍ دَرَاهِمَ قال: كانت عشرين درهما.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحِمّانـيّ, قال: حدثنا شريك, عن أبـي إسحاق, عن نوف, مثله.
14572ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس, فـي قوله: بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: عشرون درهما.
14573ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: كانت عشرين درهما.
14574ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ذكر لنا أنه بـيع بعشرين درهما, وكانوا فـيه من الزاهدين.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
14575ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أبـي إدريس, عن عطية, قال: كانت الدراهم عشرين درهما اقتسموها درهمين درهمين.
وقال آخرون: بل كان عددها اثنـين وعشرين درهما, أخذ كلّ واحد من إخوة يوسف وهم أحد عشر رجلاً درهمين درهمين منها. ذكر من قال ذلك:
14576ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أسبـاط, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: اثنـين وعشرين درهما.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: اثنان وعشرون درهما لإخوة يوسف أحد عشر رجلاً.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ.
قال: وثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, بنـحوه.
وقال آخرون: بل كانت أربعين درهما. ذكر من قال ذلك:
14577ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا قـيس, عن جابر, عن عكرمة: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ قال: أربعين درهما.
14578ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: بـاعوه ولـم يبلغ ثمنه الذي بـاعوه به أوقـية, وذلك أن الناس كانوا يتبـايعون فـي ذلك الزمان بـالأواقـي, فما قصر عن الأوقـية فهو عدد يقول الله: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ أي لـم يبلغ الأوقـية.
والصواب من القول فـي ذلك أن يقال: إن الله تعالـى ذكره أخبر أنهم بـاعوه بدراهم معدودة غير موزونة, ولـم يحَدّ مبلغ ذلك بوزن ولا عدد, ولا وضع علـيه دلالة فـي كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحتـمل أن يكون كان عشرين, ويحتـمل أن يكون كان اثنـين وعشرين, وأن يكون كان أربعين, وأقلّ من ذلك وأكثر, وأيّ ذلك كان فإنها كانت معدودة غير موزونة ولـيس فـي العلـم بـمبلغ وزن ذلك فـائدة تقع فـي ديِن ولا فـي الـجهل به دخول ضرّ فـيه, والإيـمان بظاهر التنزيـل فرض, وما عداه فموضوع عنا تكلّف علـمه.
وقوله: وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ يقول تعالـى ذكره: وكان إخوة يوسف فـي يوسف من الزاهدين, لا يعلـمون كرامته عند الله, ولا يعرفون منزلته عنده, فهم مع ذلك يحبون أن يحولوا بـينه وبـين والده لـيخـلو لهم وجهه منه, ويقطعوه عن القرب منه لتكون الـمنافع التـي كانت مصروفة إلـى يوسف دونهم مصروفة إلـيهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14579ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أبـي مرزوق, عن جويبر, عن الضحاك: وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ قال: لـم يعلـموا بنبوّته ومنزلته من الله.
14580ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك, فـي قوله: وَجاءَتْ سَيّارَةٌ فنزلت علـى الـجبّ, فأرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فـاستقـى من الـماء فـاستـخرج يوسف, فـاستبشروا بأنهم أصابوا غلاما لا يعلـمون علـمه ولا منزلته من ربه, فزهدوا فـيه فبـاعوه وكان بـيعه حراما, وبـاعوه بدراهم معدودة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك: وكانُوا فِـيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ قال إخوته زهدوا, فلـم يعلـموا منزلته من الله ونبوّته ومكانه.
14581ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: إخوته زهدوا فـيه, لـم يعلـموا منزلته من الله عزّ وجلّ.
الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِن مّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىَ أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكّنّا لِيُوسُفَ فِي الأرْضِ وَلِنُعَلّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَىَ أَمْرِهِ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يقول جلّ ثناؤه: وقال الذي اشترى يوسف من بـائعه بـمصر, وذُكر أن اسمه قطفـير.
14582ـ حدثنـي مـحمد بن سيعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قال: كان اسم الذي اشتراه قطفـير.
وقـيـل: إن اسمه إطفـير بن روحيب, وهو العزيز, وكان علـى خزائن مصر, وكان الـملك يومئذ الريان بن الولـيد, رجل من العمالـيق. كذلك:
14583ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق.
وقـيـل: إن الذي بـاعه بـمصر كان مالك بن ذعر بن ثويب بن عنقاء بن مديان بن إبراهيـم. كذلك:
14584ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن مـحمد بن السائب, عن أبـي صالـح, عن ابن عبـاس.
وَقالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرأتِهِ واسمها فـيـما ذَكر ابن إسحاق: راعيـل بنت رعائيـل.
14585ـ حدثنا بذلك ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق.
أكْرِمي مَثْوَاهُ يقول: أكرمي موضع مُقامه وذلك حيث يثوِي ويقـيـم فـيه, يقال: ثَوَى فلان بـمكان كذا: إذا أقام فـيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14586ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أكْرِمي مَثْوَاهُ منزلته, وهي امرأة العزيز.
14587ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: وَقالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لاِمْرأتِهِ أكْرِمي مَثْوَاهُ قال: منزلته.
14588ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد. اشتراه الـملك, والـملك مسلـم.
وقوله: عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا ذُكر أن مشتريَ يوسف قال هذا القول لامرأته حين دفعه إلـيها, لأنه لـم يكن له ولد ولـم يأت النساء, فقال لها: أكرميه عسى أن يَكْفَـينا بعض ما نعانـي من أمورنا إذا فهم الأمور التـي نكلّفها وعرفها, أو نَتّـخِذَهُ وَلَدا يقول: أو نتبناه.
14589ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: كان إطفـير فـيـما ذكر لـي رجلاً لا يأتـي النساء وكانت امرأته راعيـل امرأة حسناء ناعمة طاعمة فـي ملك ودنـيا.
14590ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي إسحاق, عن أبـي الأحوص, عن عبد الله, قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين تفرّس فـي يوسف فقال لأمرأته: أكْرِمي مَثْوَاهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا. وأبو بكر حين تفرّس فـي عمر. والتـي قالت: يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إنّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيّ الأمِينُ.
14591ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ, قال: انطلق بـيوسف إلـى مصر, فـاشتراه العزيز ملك مصر, فـانطُلق به إلـى بـيته فقال لامرأته: أكْرِمي مَثْوَاهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّـخِذَهُ وَلَدا.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي إسحاق, عن أبـي عبـيدة, عن عبد الله, قال: أفرس الناس ثلاثة: العزيز حين قال لامرأته: أكْرِمي مَثْوَاهُ والقوم فـيه زاهدون. وأبو بكر حين تفرّس فـي عمر فـاستـخـلفه. والـمرأة التـي قالت: يا أبَتِ اسْتَأْجِرْهُ.
وقوله: وكذلكَ مَكّنا لِـيُوسُفَ فِـي الأرْضِ يقول عزّ وجلّ: وكما أنقذنا يوسف من أيدي إخوته وقد همّوا بقتله, وأخرجناه من الـجبّ بعد أن ألقـي فـيه, فصيرناه إلـى الكرامة والـمنزلة الرفـيعة عند عزيز مصر, كذلك مكنا له فـي الأرض فجعلناه علـى خزائنها.
وقوله: وَلِنُعَلّـمَهُ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ يقول تعالـى ذكره: وكي نعلّـم يوسف من عبـارة الرؤيا مكنا له فـي الأرض. كما:
14592ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مِنْ تَأْوِيـل الأحادِيثِ قال: عبـارة الرؤيا.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14593ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: وَلِنُعَلّـمَهُ مِنْ تَأْوِيـل الأحادِيثِ قال: تعبـير الرؤيا.
14594ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو أسامة, عن شبل, عن ابن أبـي نـجيح: وَلِنُعَلّـمَهُ مِنْ تَأْوِيـلِ الأحادِيثِ قال: عبـارة الرّؤيا.
وقوله: وَاللّهُ غالِبٌ علـى أمْرِهِ يقول تعالـى ذكره: والله مستولٍ علـى أمر يوسف يَسُوسُه ويدبره ويحوطه. والهاء فـي قوله: علـى أمْرِهِ عائدة علـى يوسف.
ورُوى عن سعيد بن جبـير فـي معنى «غالب», ما:
14595ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: وَاللّهُ غالِبٌ علـى أمْرِهِ قال: فعال.
وقوله: وَلَكِنّ أكْثَرَ الناسِ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ولكن أكثر الناس الذين زهدوا فـي يوسف فبـاعوه بثمن خسيس, والذي صار بـين أظهرهم من أهل مصر حين بـيع فـيهم, لا يعلـمون ما الله بـيوسف صانع وإلـيه يوسف من أمره صائر.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: لـما بلغ يوسف أشدّه, يقول: لـما بلغ منتهى شدّته وقوّته فـي شبـابه وحده. وذلك فـيـما بـين ثمانـي عشرة إلـى ستـين سنة, وقـيـل إلـى أربعين سنة, يقال منه: مضت أشدّ الرجل: أي شدته, وهو جمع مثل الأضرّ والأسُرّ لـم يسمع له بواحد من لفظه, ويجب فـي القـياس أن يكون واحده شَدّ, كما واحد الأضر ضَرّ, وواحد الأسرّ سَرّ, كما قال الشاعر:
هلْ غيرَ أنْ كَثُرَ الأشُدّ وأهْلَكَتْحَرْبُ الـمُلُوكِ أكاثِرَ الأمْوَالِ
وقال حميد:
وَقد أتـى لَوْ تُعْتِبُ العَوَاذِلُبَعْدَ الأشُدّ أرْبَعٌ كَوَامِلُ
وقد اختلف أهل التأويـل فـي الذي عنى الله به فـي هذا الـموضع من مبلغ الأشدّ, فقال بعضهم: عُنـي به ثلاث وثلاثون سنة. ذكر من قال ذلك:
14596ـ حدثنا ابن وكيع والـحسن بن مـحمد, قالا: حدثنا عمرو بن مـحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: ولَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال: ثلاثا وثلاثـين سنة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن لـيث, عن مـجاهد, مثله.
14597ـ حُدثت عن علـيّ بن الهيثم, عن بشر بن الـمفضل, عن عبد الله بن عثمان بن خثـيـم, عن مـجاهد, قال: سمعت ابن عبـاس يقول فـي قوله: ولَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال: بضعا وثلاثـين سنة.
وقال آخرون: بل عُنـي به عشرون سنة. ذكر من قال ذلك:
14598ـ حُدثت عن علـيّ بن الـمسيب, عن أبـي روق, عن الضحاك, فـي قوله: ولَـمّا بَلَغَ أشُدّهُ قال: عشرين سنة.
ورُوي عن ابن عبـاس من وجه غير مرضيّ أنه قال: ما بـين ثمانـي عشرة سنة إلـى ثلاثـين. وقد بـيّنت معنى الأشدّ.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتـي يوسف لـما بلغ أشدّه حكما وعلـما. والأشُدّ: هو انتهاء قوّته وشبـابه. وجائز أن يكون آتاه ذلك وهو ابن ثمانـي عشرة سنة, وجائز أن يكون آتاه وهو ابن عشرين سنة, وجائز أن يكون آتاه وهو ابن ثلاث وثلاثـين سنة, ولا دلالة فـي كتاب الله ولا أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا فـي إجماع الأمة علـى أيّ ذلك كان. وإذا لـم يكن ذلك موجودا من الوجه الذي ذكرت, فـالصواب أن يقال فـيه كما قال عزّ وجلّ, حتـى تثبت حجة بصحة ما قـيـل فـي ذلك من الوجه الذي يجب التسلـيـم له فـيسلـم لها حينئذ.
وقوله: آتَـيْناهُ حُكْما وَعِلْـما يقول تعالـى ذكره: أعطيناه حينئذ الفهم والعلـم. كما:
14599ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: حُكْما وَعِلْـما قال: العقل والعلـم قبل النبوّة.
وقوله: وكذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ يقول تعالـى ذكره: وكما جزيت يوسف فآتـيته بطاعته إياي الـحكمَ والعلـم, ومكنته فـي الأرض, واستنقذته من أيدي إخوته الذين أرادوا قتله, كذلك نـجزي من أحسن فـي عمله, فأطاعنـي فـي أمري وانتهى عما نهيته عنه من معاصيّ. وهذا وإن كان مخرَج ظاهره علـى كلّ مـحسن, فإن الـمراد به مـحمد نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم. يقول له عزّ وجلّ: كما فعلتُ هذا بـيوسف من بعد ما لقـي من إخوته ما لقـي وقاسى من البلاء ما قاسى, فمكنته فـي الأرض ووطّأت له فـي البلاد, فكذلك أفعل بك فأنـجيك من مشركي قومك الذين يقصدونك بـالعداوة, وأمكن لك فـي الأرض وأوتـيك الـحكم والعلـم, لأن ذلك جزائي أهلَ الإحسان فـي أمري ونهيـي.
14600ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وكذلكَ نَـجْزِي الـمُـحْسِنِـينَ يقول: الـمهتدين