تفسير الطبري تفسير الصفحة 240 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 240
241
239
 الآية : 38
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتّبَعْتُ مِلّةَ آبَآئِـيَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النّاسِ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }.
يعنـي بقوله: واتّبَعْتُ مِلّةَ آبـائي إبْرَاهِيـمَ وإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ واتبعت دينهم لا دين أهل الشرك. ما كانَ لَنا أنْ نُشْرِكَ بـاللّهِ مِنْ شَيْءٍ يقول: ما جاز لنا أن نـجعل لله شريكا فـي عبـادته وطاعته, بل الذي علـينا إفراده بـالألوهة والعبـادة. ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَلَـيْنا يقول: اتبـاعي ملة آبـائي إبراهيـم وإسحاق ويعقوب علـى الإسلام, وتركي مِلّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بـاللّهِ وَهُمْ بـالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ, من فضل الله الذي تفضل به علـينا, فأنعم إذ أكرمنا به. وعَلـى النّاسِ يقول: وذلك أيضا من فضل الله علـى الناس, إذ أرسلنا إلـيهم دعاة إلـى توحيده وطاعته. ولكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ يقول: ولكن من يكفر بـالله لا يشكر ذلك من فضله علـيه, لأنه لا يعلـم من أنعم به علـيه ولا يعرف الـمتفضل به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14804ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَلَـيْنا أن جعلنا أنبـياء. وَعلـى النّاسِ يقول: أن بعثنا إلـيهم رسلاً.
14805ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَلَـيْنا وَعلـى النّاسِ ذُكِر لنا أن أبـا الدرداء كان يقول: يا رُبّ شاكر نعمة غير منعمَ علـيه لا يدري, ورُبّ حامل فقه غير فقـيه.
الآية : 39
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَصَاحِبَيِ السّجْنِ أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ }.
ذُكر أن يوسف صلوات الله وسلامه علـيه قال هذا القول للفتـيـين اللذين دخلا معه السجن, لأن أحدهما كان مشركا, فدعاه بهذا القول إلـى الإسلام وترك عبـادة الاَلهة والأوثان, فقال: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ يعنـي: يا من هو فـي السجن. وجعلهما صاحبـيه لكونهما فـيه, كما قال الله تعالـى لسكان الـجنة أولَئِكَ أصْحابُ الـجَنّةِ هُمْ فِـيها خالِدُونَ وكذلك قال لأهل النار, وسمّاهم أصحابها لكونهم فـيها.
وقوله: أأرْبـابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أم اللّهُ الوَاحِدُ القَهّارِ يقول: أعبـادة أربـاب شتـى متفرّقـين وآلهة لا تنفع ولا تضرّ خير, أم عبـادة الـمعبود الواحد الذي لا ثانـي له فـي قدرته وسلطانه, الذي قهر كلّ شيء فذلله وسخره فأطاعه طوعا وكرها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14806ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا صَاحِبَـيِ السّجْنَ أأرْبـابٌ مُتَفَرّقُونَ... إلـى قوله: لا يَعْلَـمُونَ لـما عرف نبـي الله يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلـى حظهما من ربهما وإلـى نصيبهما من آخرتهما.
14807ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ يوسف يقوله.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14808ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم دعاهما إلـى الله وإلـى الإسلام, فقال: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ أأرْبـابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللّهُ الوَاحِدُ القَهّارُ: أي خير أن تعبدوا إلها واحدا, أو آلهة متفرّقة لا تغنـي عنكم شيئا؟.
الآية : 40
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاّ أَسْمَآءً سَمّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ مّآ أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوَاْ إِلاّ إِيّاهُ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يعنـي بقوله: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ: ما تعبدون من دون الله. وقال: ما تَعْبُدُونَ وقد ابتدأ الـخطاب بخطاب اثنـين فقال: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ لأنه قصد الـمخاطب به ومن هو علـى الشرك بـالله مقـيـم من أهل مصر, فقال للـمخاطب بذلك: ما تعبد أنت ومن هو علـى مثل ما أنت علـيه من عبدة الأوثان إلاّ أسْماءً سَمّيْتُـمُوها أنْتُـمْ وآبـاؤُكُمْ, وذلك تسميتهم أوثانهم آلهة أربـابـا, شركا منهم وتشبـيها لها فـي أسمائها التـي سموها بها بـالله, تعالـى عن أن يكون له مثل أو شبـيه. ما أنْزَلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ يقول: سموها بأسماء لـم يأذن لهم بتسميتها, ولا وَضَع لهم علـى أن تلك الأسماء أسماؤها دلالة ولا حجة, ولكنها اختلاق منهم لها وافتراء.
وقوله: إنِ الـحُكْمُ إلاّ لِلّهِ أمَرَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ إيّاهُ يقول: وهو الذي أمر ألا تعبدوا أنتـم وجميع خـلقه إلا الله الذي له الألوهة والعبـادة خالصة دون كلّ ما سواه من الأشياء. كما:
14809ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس عن أبـي العالـية, فـي قوله: إنِ الـحُكْمُ إلاّ لِلّهِ أمَرَ ألاّ تَعْبُدُوا إلاّ أيّاهُ قال: أسس الدين علـى الإخلاص لله وحده لا شريك له.
وقوله: ذلكَ الدّينُ القَـيّـمُ يقول: هذا الذي دعوتكما إلـيه من البراءة من عبـادة ما سوى الله من الأوثان, وأن تـخـلصا العبـادة لله الواحد القهار, هو الدين القويـم الذي لا أعوجاج فـيه, والـحقّ الذي لا شكّ فـيه. وَلكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ يقول: ولكن أهل الشرك بـالله يجهلون ذلك, فلا يعلـمون حقـيقته.
الآية : 41
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَصَاحِبَيِ السّجْنِ أَمّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْراً وَأَمّا الاَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِن رّأْسِهِ قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ }.
يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قـيـل يوسف للّذِين دخلا معه السجن: يا صَاحِبَـيِ السّجْنِ أمّا أحَدُكمَا فَـيَسْقِـي رَبّهُ خَمْرا هو الذي رأى أنه يعصر خمرا, فـيسقـي ربه: يعنـي سيده وهو ملكهم, خمرا: يقول: يكون صاحب شرابه.
14810ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: فَـيَسْقِـي رَبّهُ خَمْرا قال: سيده.
وأما الاَخر, وهو الذي رأى أن علـى رأسه خبزا تأكل الطير منه فـيصلب فتأكل الطير من رأسه فذكر أنه لـما عبرّ ما أخبراه به أنهما رأياه فـي منامهما, قالا له: ما رأينا شيئا, فقال لهما: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ يقول: فرغ من الأمر الذي فـيه استفتـيتـما, ووجب حكم الله علـيكما بـالذي أخبرتكما به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14811ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عمارة, عن إبراهيـم, عن عبد الله قال: قال اللذان دخلا السجن علـى يوسف: ما رأينا شيئا فقال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عمارة بن القعقاع, عن إبراهيـم, عن عبد الله: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ قال: لـما قالا ما قالا, أخبرهما, فقالا: ما رأينا شيئا فقال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن فضيـل, عن عمارة, عن إبراهيـم, عن علقمة, عن عبد الله, فـي الفتـيـين اللذين أتـيا يوسف والرؤيا: إنـما كانا تـحالـما لـيجرّبـاه. فلـما أوّل رؤياهما قالا: إنـما كنا نلعب قال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن عمارة, عن إبراهيـم, عن عبد الله, قال: ما رأى صاحبـا يوسف شيئا, إنـما كانا تـحالُـما لـيجرّبـا علـمه فقال أحدهما: إنـي أرانـي أعصر عنبـا, وقال الاَخر: إنـي أرانـي أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه, نبئنا بتأويـله إنا نراك من الـمـحسنـين قال: يا صاحبـي السجن أما أحدكما فـيسقـي ربه خمرا, وأما الاَخر فـيصلب فتأكل الطير من رأسه. فلـما عبر, قالا: ما رأينا شيئا, قال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ علـى ما عَبّر يوسف.
14812ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: قال لـمـجلّث: أما أنت فتصلب فتأكل الطير من رأسك, وقال لنبّو: أما أنت فتردّ علـى عملك, فـيرضى عنك صاحبك. قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ. أو كما قال.
14813ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج: فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ.
14814ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ عند قولهما: ما رأينا رؤيا إنـما كنا نلعب قال: قد وقعت الرؤيا علـى ما أوّلت.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله: الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ فذكر مثله.
الآية : 42
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ لِلّذِي ظَنّ أَنّهُ نَاجٍ مّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبّكَ فَأَنْسَاهُ الشّيْطَانُ ذِكْرَ رَبّهِ فَلَبِثَ فِي السّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يوسف للذي علـم أنه ناج من صاحبـيه اللذين استعبراه الرؤيا اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ يقول: اذكرنـي عند سيدك, وأخبره بـمظلـمتـي وأنـي مـحبوس بغير جرم. كما:
14815ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: قال, يعنـي لنبو: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ: أي اذكر للـملك الأعظم مظلـمتـي وحبسي فـي غير شيء. قال: أفعل.
14816ـ حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد فـي قول الله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال للذي نـجا من صاحبـي السجن, يوسف يقول: اذكرنـي عند الـملك.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, بنـحوه.
14817ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يحيى بن يـمان, عن سفـيان, عن جابر, عن أسبـاط: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: عند ملك الأرض.
14818ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ يعنـي بذلك الـملك.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ الذي نـجا من صاحبـي السجن للـملك, يقول يوسف: اذكرنـي.
14819ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا العوّام بن حوشب, عن إبراهيـم التّـيـمي: أنه لـما انتهى به إلـى بـاب السجن قال له صاحب له. حاجَتَك أوصنـي بحاجتك قال: حاجتـي أن تذكرنـي عند ربك. ينوي الربّ ملك يوسف.
وكان قتادة يوجه معنى الظنّ فـي هذا الـموضع إلـى الظنّ الذي هو خلاف الـيقـين.
14820ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ وإنـما عبـارة الرؤيا بـالظنّ, فـيُحقّ الله ما يشاء ويبطل ما يشاء.
وهذا الذي قاله قتادة من أن عِبـارة الرؤيا ظنّ, فإن ذلك كذلك من غير الأنبـياء. فأما الأنبـياء فغير جائز منها أن تـخبر بخبر عن أمر أنه كائن ثم لا يكون, أو أنه غير كائن ثم يكون مع شهادتها علـى حقـيقة ما أخبرت عنه أنه كائن أو غير كائن لأن ذلك لو جاز علـيها فـي أخبـارها لـم يؤمن مثل ذلك فـي كلّ أخبـارها, وإذا لـم يؤمن ذلك فـي أخبـارها سقطت حجتها علـى من أرسلت إلـيه. فإذا كان ذلك كذلك كان غير جائز علـيها أن تـخبر بخبر إلا وهو حقّ وصدق. فمعلوم إذ كان الأمر علـى ما وصفت أن يوسف لـم يقطع الشهادة علـى ما أخبر الفتـيـين اللذين استعبراه أنه كائن, فـيقول لأحدهما: أمّا أحَدُكمَا فَـيَسْقِـي رَبّهُ خَمْرا وأمّا الاَخَرُ فـيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطّيْرُ مِنْ رأسِهِ ثم يؤكد ذلك بقوله: قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِـيهِ تَسْتَفْتِـيانِ عند قولهما: لـم نر شيئا, إلا وهو علـى يقـين أن ما أخبرهما بحدوثه وكونه أنه كائن لا مـحالة لا شكّ فـيه, ولـيقـينه بكون ذلك قال للناجي منهما: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ. فبّـينٌ إذن بذلك فساد القول الذي قاله قتادة فـي معنى قوله: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما, وقوله: فَأنْساهُ الشّيْطانُ ذِكْرَ رَبّهِ وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه عن غفلة عرضت لـيوسف من قِبَل الشيطان نسي لها ذكر ربه الذي لو به استغاث لأسرع بـما هو فـيه خلاصة, ولكنه زلّ بها, فأطال من أجلها فـي السجن حَبسه وأوجع لها عقوبته. كما:
14821ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان الضّبَعِيّ, عن بِسطام بن مسلـم, عن مالك بن دينار, قال: لـما قال يوسف للساقـي: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: قـيـل: يا يوسف اتـخذتَ من دونـي وكيلاً؟ لأطيـلنّ حبسك فبكى يوسف وقال: يا ربّ أَنْسَى قلبـي كثرةُ البلوى, فقلت كلـمةً, فويـلٌ لإخوتـي.
14822ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْلا أنّهُ» يعنـي يوسف «قالَ الكَلِـمَةَ التـي قالَ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ».
14823ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا يونس, عن الـحسن, قال: قال نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم: «رَحِمَ اللّهُ يُوسُفَ لَوْلا كَلِـمَتُهُ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ», يعنـي قوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ. قال: ثم يبكي الـحسن فـيقول: نـحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلـى الناس.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا ابن عُلَـية, عن أبـي رجاء, عن الـحسن, فـي قوله: وَقالَ للّذِي ظَنّ أنّهُ ناجٍ مِنْهُما اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْلا كَلِـمَةُ يُوسُفَ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ».
14824ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن إبراهيـم بن يزيد, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ لَـمْ يَقُلْ يُوسُفُ» يعنـي الكلـمة التـي قال «ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ» يعنـي حيث يبتغي الفرج من عند غير الله.
14825ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: بلغنـي أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ لَـمْ يَسْتَعِنْ يُوسُفُ علـى رَبّهِ ما لَبِثَ فِـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ».
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: ذُكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لَوْلا أنّ يُوسُفَ اسْتَشْفَعَ علـى رَبّهِ ما لَبِثَ فـي السّجْنِ طُولَ ما لَبِثَ, وَلكِنْ إنّـمَا عُوقِبَ بـاسْتِشْفـاعِهِ علـى رَبّهِ».
14826ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: قال له: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ قال: فلـم يذكره حتـى رأى الـملك الرؤيا وذلك أن يوسف أنساه الشيطان ذكر ربه, وأمره بذكر الـملك وابتغاء الفرج من عنده. فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنـينَ بقوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه, غير أنه قال: فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنـينَ عقوبة لقوله: اذْكُرْنِـي عِنْدَ رَبّكَ.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثل حديث مـحمد بن عمرو سواء.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثل حديث الـمثنى, عن أبـي حذيفة.
وكان مـحمد بن إسحاق يقول: إنـما أنسى الشيطان الساقـي ذكر أمر يوسف لـملكهم.
14827ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما خرج, يعنـي الذي ظنّ أنه ناج منهما, ردّ علـى ما كان علـيه, ورضي عنه صاحبه. فأنساه الشيطان ذكر ذلك للـملك الذي أمره يوسف أن يذكره, فلبث يوسف بعد ذلك فـي السجن بضع سنـين. يقول جلّ ثناؤه: فلبث يوسف فـي السجن لقـيـله للناجي من صاحبـي السجن من القـيـل: اذكرنـي عند سيدك بضع سنـين, عقوبة له من الله بذلك.
واختلف أهل التأويـل فـي قدر البِضْع الذي لبث يوسف فـي السجن, فقال بعضهم: هو سبع سنـين. ذكر من قال ذلك:
14828ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد أبو عَثْمة, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: لبث يوسف فـي السجن سبع سنـين.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَلَبِثَ فِـي السّجْنِ بِضْعَ سِنِـينَ قال: سبع سنـين.
14829ـ حدثنا الـحسن, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا عمران أبو الهذيـل الصّنْعانـي, قال: سمعت وهْبـا يقول: أصاب أيوب البلاء سبع سنـين, وترك فـي السجن يوسف سبع سنـين, وعذب بختنصر يجول فـي السبـاع سبع سنـين.
14830ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: زعموا أنها, يعنـي البضع: سبع سنـين, كما لبث يوسف.
وقال آخرون: البضع: ما بـين الثلاث إلـى التسع. ذكر من قال ذلك:
14831ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا سلـيـمان, قال: حدثنا أبو هلال, قال: سمعت قتادة يقول: البضع: ما بـين الثلاث إلـى التسع.
14832ـ حدثنا وكيع, قال: حدثنا يحيى بن آدم, عن إسرائيـل, عن منصور, عن مـجاهد: بِضْعَ سِنِـينَ قال: ما بـين الثلاث إلـى التسع.
وقال آخرون: بل هو ما دون العشر. ذكر من قال ذلك:
14833ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قال ابن عبـاس: بِضْعَ سنـينَ دون العشرة.
وزعم الفرّاء أن البِضْع لا يذكر إلا مع عشر, ومع العشرين إلـى التسعين, وهو نـيف ما بـين الثلاثة إلـى التسعة. وقال: كذلك رأيت العرب تفعل ولا يقولون بضع ومئة, ولا بضع وألف, وإذا كانت للذكران قـيـل: بضع.
والصواب فـي البضع من الثلاث إلـى التسع إلـى العشر, ولا يكون دون الثلاث, وكذلك ما زاد علـى العقد إلـى الـمئة, وما زاد علـى الـمئة فلا يكون فـيه بضع.
الآية : 43
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنّيَ أَرَىَ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَأَيّهَا الْمَلاُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرّؤْيَا تَعْبُرُونَ }.
يعنـي جلّ ذكره بقوله: وقال ملك مصر إنّـي أرَى فـي الـمنام سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ من البقر عِجافٌ. وقال: «إنـي أرى», ولـم يذكر أنه رأى فـي منامه ولا فـي غيره, لَتَعارُف العرب بـينها فـي كلامها إذا قال القائل منهم: أرى أنـي أفعل كذا وكذا أنه خبر عن رؤيته ذلك فـي منامه وإن لـم يذكر النوم. وأخرج الـخبر جلّ ثناؤه علـى ما قد جرى به استعمال العرب ذلك بـينهم. وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ يقول: وأرى سبع سنبلات خضر فـي منامي. وأُخَرَ يقول: وسبعا أخر من السنبل يابِساتٍ يَأيّها الـمَلأُ يقول: يا أيّها الأشراف من رجالـي وأصحابـي أفْتُونِـي فِـي رُؤْيايَ فـاعْبرُوها إنْ كُنْتُـمْ للرّؤْيا عَبرَة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14834ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: إن الله أرى الـملك فـي منامه رؤيا هالته, فرأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف, وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات. فجمع السحرةَ والكهنةَ والـحُزاةَ والقافَة, فقصها علـيهم. فقالُوا أضْغاثُ أحْلامٍ وَما نَـحْنُ بَتأْوِيـلِ الأحْلامِ بِعالِـمِينَ.
14835ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم إن الـملك الرّيّان بن الولـيد رأى رؤياه التـي رأى, فهالته, وعرف أنها رؤيا واقعة, ولـم يدر ما تأويـلها فقال للـملإ حوله من أهل مـملكته: إنّـي أرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سمِانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجافٌ... إلـى قوله: بِعالِـمِينَ