تفسير الطبري تفسير الصفحة 241 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 241
242
240
 الآية : 44
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأحْلاَمِ بِعَالِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال الـملأ الذين سألهم ملك مصر عن تعبـير رؤياه: رؤياك هذه أضغاث أحلام يعنون أنها أخلاط رؤيا كاذبة لا حقـيقة لها. وهي جمع ضِغْث, والضّغْث: أصله الـحُزْمة من الـحشيش, يُشَبّهُ بها الأحلام الـمختلطة التـي لا تأويـل لها. والأحلام جمع حُلْـم, وهو ما لـم يصدقُ من الرؤيا, ومن الأضغاث قول ابن مقبل:
خَوْدٌ كأنّ فِراشَها وُضِعَتْ بِهِأضْغاثُ رَيْحانٍ غَدَاةَ شَمالِ
ومنه قول الاَخر:
يَحْمِي ذِمارَ جَنِـينٍ قَلّ مانِعُهُطاوٍ كضِغْثِ الـخَلا فـي البَطْنِ مُكْتَـمِنُ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14836ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ يقول: مشتبهة.
14837ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ كاذبة.
14838ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: لـما قصّ الـملك رؤياه التـي رأى علـى أصحابه, قالوا: أضغاث أحلام: أي فعل الأحلام.
14839ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أضْغاثُ أحْلامٍ قال: أخلاط أحلام, وَما نَـحْنُ بتأوِيـل الأحْلامِ بِعالِـمِينَ.
14840ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أبـي مرزوق, عن جويبر, عن الضحاك, قال: أضغاث أحلام كاذبة.
قال: ثنـي الـمـحاربـيّ, عن جويبر, عن الضحاك, قالوا: أضغاث, قال: كذب.
حُدثت عن الـحسين بن الفَرَج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أضْغاثُ أحْلامٍ: هي الأحلام الكاذبة.
وقوله: وَما نَـحْنُ بتَأْوِيـلِ الأحْلامِ بِعالِـمِينَ يقول: وما نـحن بـما تئول إلـيه الأحلام الكاذبة بعالـمِين. والبـاء الأولـى التـي فـي التأويـل من صلة «العالـمِين», والتـي فـي «العالـمين» البـاء التـي تدخـل فـي الـخبر مع «ما» التـي بـمعنى الـجحد. ورفع «أضغاث أحلام», لأن معنى الكلام: لـيس هذه الرؤيا بشيء إنـما هي أضغاث أحلام.
الآية : 45-46
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ أَنَاْ أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيّهَا الصّدّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لّعَلّيَ أَرْجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلّهُمْ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وقال الذي نـجا من القتل من صاحبـي السجن اللذين استعبرا يوسف الرؤيا وادّكَرَ يقول: وتذكر ما كان نسي من أمر يوسف, وذكر حاجته للـملِك التـي كان سأله عند تعبـيره رؤياه أن يذكرها له بقوله: اذْكُرنِـي عِنْدَ رَبّكَ بَعدَ أُمّةٍ يعنـي بعد حين. كالذي:
14841ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن أبـي رُزَين, عن ابن عبـاس: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد حين.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عاصم, عن أبـي رُزَين, عن ابن عبـاس, مثله.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن عاصم, عن أبـي رزين عن ابن عبـاس, مثله.
14842ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ: بعد حين.
14843ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, قال: أخبرنا سفـيان, عن عاصم, عن أبـي رُزَين قال: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد حين.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن عاصم, عن أبـي رزين, عن ابن عبـاس مثله.
قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ يقول: بعد حين.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: ذكر بعد حين.
14844ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ بعد حين.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, عن الـحسن, مثله.
حدثنـي الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا يزيد بن زريع, قال: حدثنا سعيد بن أبـي عَروبة, عن قتادة, عن الـحسن, مثله.
14845ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ: بعد حين.
14846ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن كثـير بَعْدَ أُمّةٍ: بعد حين. قال: قال ابن جريج, وقال ابن عبـاس: بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد سنـين.
14847ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد حين.
14848ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحِمّانـي, قال: حدثنا شريك, وعن سِماك, عن عكرمة: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ أي بعد حِقْبة من الدهر.
وهذا التأويـل علـى قراءة من قرأ: بَعْدَ أُمّةٍ بضمّ الألف وتشديد الـميـم, وهي قراءة القرّاء فـي أمصار الإسلام.
وقد رُوى عن جماعة من الـمتقدّمين أنهم قرءوا ذلك: «بَعْدَ أُمّةٍ» بفتـح الألف وتـخفـيف الـميـم وفتـحها بـمعنى بعد نسيان. وذكر بضهم أن العرب تقول من ذلك: أَمِهَ الرّجلُ يأمَهُ أمَها: إذا نسي. وكذلك تأوّله من قرأ ذلك كذلك. ذكر من قال ذلك:
14804حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا همام, عن قتادة, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, أنه كان يقرأ: «بَعْدَ أمَهٍ» ويفسرها: بعد نسيان.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا بَهزْ بن أسد, عن هَمّام, عن قتادة, عن عكرمة, عن ابن عبـاس أنه قرأ: «بَعْدَ أمَهٍ» يقول: بعد نسيان.
14849ـ حدثنـي أبو غسان مالك بن الـخـلـيـل الـيحمَديّ, قال: حدثنا ابن أبـي عديّ, عن أبـي هارون الغنويّ, عن عكرمة أنه قرأ: «بَعْدَ أمَهٍ» والأمَهُ: النسيان.
حدثنـي يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن علـية, قال: حدثنا أبو هارون الغنوي, عن عكرمة, مثله.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, قال: قال هارون, وثنى أبو هارون الغنوي, عن عكرمة: «بَعْدَ أمَهٍ»: بعد نسيان.
قال: حدثنا عبد الوهاب, عن سعيد, عن قتادة, عن عكرمة: «وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ»: بعد نسيان.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن ابن عبـاس: أي بعد نسيان.
14850ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: «وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ» قال: من بعد نسيانه.
14851ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو النعمان عارم, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن عبد الكريـم أبـي أمية الـمعلـم, عن مـجاهد, أنه قرأ: «وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ».
14852ـ حدثنـي ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أبـي مرزوق, عن جويبر, عن الضحاك: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ قال: بعد نسيان.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: «وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ» يقول: بعد نسيان.
وقد ذكر فـيها قراءة ثالثة, وهي ما:
14853ـ حدثنـي به الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال حدثنا عبد الله بن الزّبَـير, عن سفـيان, عن حميد, قال: قرأ مـجاهد: «وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ» مـجزمة الـميـم مخففة.
وكأن قارىء ذلك كذلك أراد به الـمصدر من قولهم: أمِهَ يأْمَهُ أمْها, وتأويـل هذه القراءة, نظير تأويـل من فتـح الألف والـميـم.
وقوله: أناأُنَبّئُكُمْ بتَأْوِيـلِهِ يقول: أنا أخبركم بتأويـله. فَأرْسِلُونَ يقول: فأطلقونـي أمضى لاَتـيكم بتأويـله من عند العالِـم به. وفـي الكلام مـحذوف قد ترك ذكره استغناء بـما ظهر عما ترك وذلك: فأرسلوه فأتـى يوسف, فقال له: يا يوسف يا أيها الصديق. كما:
حدثنا حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق قال: قالَ الـمَلِكُ للـملإ حوله: إنّـي أرَى سَبْعَ بَقَرَاتِ سِمانٍ... الآية, وقالوا له ما قال, وسمع «نبو» من ذلك ما سمع ومسألتَه عن تأويـلها ذكر يوسف وما كان عبر له ولصاحبه وما جاء من ذلك علـى ما قال من قوله, قال: أنا أُنَبَئُكُمْ بتَأْوِيـلِهِ فأرْسِلُونَ يقول الله تعالـى: وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ: أي حقبة من الدهر, فأتاه فقال: يا يوسف إن الـملك قد رأى كذا وكذا فقصّ علـيه الرؤيا, فقال فـيها يوسف ما ذكر الله تعالـى لنا فـي الكتاب فجاءهم مثْلَ فَلَق الصبح تأويـلها, فخرج نبو من عند يوسف بـما أفتاهم به من تأويـل رؤيا الـملك, وأخبره بـما قال.
وقـيـل: إن الذي نـجا منهما إنـما قال: أرسلونـي لأن السجن لـم يكن فـي الـمدينة. ذكر من قال ذلك:
14854ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ: وقَالَ الّذِي نَـجا مِنْهُما وَادّكَرَ بَعْدَ أُمّةٍ أنا أُنَبّئُكُمْ بتَأْوِيـلِهِ فأرْسِلُونَقال ابن عبـاس: لـم يكن السجن فـي الـمدينة, فـانطلق الساقـي إلـى يوسف, فقال: أفْتِنا فـي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمانٍ... الاَيات.
قوله: أفْتِنا فِـي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمانٍ يَأْكُلُهُن سَبُعٌ عِجافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابِساتٍ فإن معناه: أفتنا فـي سبع بقرات سِمان رُئِينَ فـي الـمنام يأكلهن سبع منها عجاف, وفـي سبع سنبلات خضر رئين أيضا, وسبع أخر منهنّ يابسات. فأما السمان من البقر: فإنها السنون الـمخصبة. كما:
14855ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أفْتِنا فـي سَبْعٍ بَقَرَاتَ سِمانٍ يَأكُلُهُنّ سَبْعٌ عِجافٌ قال: أما السمان: فسنون منها مخصبة. وأما السبع العِجاف: فسنون مـجدبة لا تنبت شيئا.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: أفْتنا فِـي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمانٍ فـالسمان الـمخاصيب, والبقرات العجاف: هي السنون الـمُـحُول الـجُدُوب.
قوله: وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وأُخَرَ يابساتٍ أما الـخضر: فهنّ السنون الـمخاصيب, وأما الـيابسات: فهنّ الـجُدُوب الـمـحول. والعجاف: جمع عجف, وهي الـمهازيـل.
وقوله: لَعَلّـي أرْجِعُ إلـى النّاسِ لَعلّهُمْ يَعْلَـمُونَ يقول: كي أرجع إلـى الناس فأخبرهم, لَعَلّهُمْ يَعْلَـمُونَ يقول: لـيعلـموا تأويـل ما سألتك عنه من الرؤيا.
الآية : 47
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مّمّا تَأْكُلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يوسف لسائله عن رؤيا الـملك: تَزْرَعُونَ سَبُعَ سِنِـينَ دَأَبـا يقول: تزرعون هذه السبع السنـين, كما كنتـم تزرعون سائر السنـين قبلها علـى عادتكم فـيـما مضى. والدّأب: العادة ومن ذلك قول امرىء القـيس:
كدَأبِكَ مِنْ أُمّ الـحُوَيْرِثَ قبلَهاوجارَتِها أُمّ الرّبـابِ بِـمَأْسَلِ
يعنـي كعادتك منها.
وقوله: فَمَا حَصَدْتُـمْ فَذَرُوهُ فِـي سُنْبُلِهِ إلاّ قَلـيلاً مِـمّا تَأْكُلُونَ وهذا مشورة أشار بها نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم علـى القوم, ورأى رآه لهم صلاحا يأمرهم بـاستبقاء طعامهم. كما:
14856ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: قال لهم نبـيّ الله يوسف تَزْرَعُونَ سَبُعَ سِنِـينَ دَأَبـا... الآية, فإنـما أراد نبـي الله صلى الله عليه وسلم البقاء.
الآية : 48
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدّمْتُمْ لَهُنّ إِلاّ قَلِيلاً مّمّا تُحْصِنُونَ }.
يقول: ثم يجيء من بعد السنـين السبع التـي تزرعون فـيها دأبـا, سنون سبع شداد يقول: جُدوب قحْطه يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ يقول: يؤكل فـيهنّ ما قدمتـم فـي إعداد ما أعددتـم لهنّ فـي السنـين السبعة الـخصبة من الطعام والأقوات. وقال جلّ ثناؤه: يَأْكُلْنَ فوصف السنـين بأنهنّ يأكلهن, وإنـما الـمعنى: أن أهل تلك الناحية يأكلون فـيهنّ, كما قـيـل:
نَهارُكَ يا مَغْرُورُ سَهْوٌ وَغَفْلَةٌ
ولَـيْـلُكَ نَوْمٌ والرّدَى لكَ لازِم
فوصف النهار بـالسهو والغفلة واللـيـل بـالنوم, وإنـما يسهى فـي هذا ويغفل فـيه وينام فـي هذا, لـمعرفة الـمخاطبـين بـمعناه, والـمراد منه: إلا قلـيلاً مـما تـحصنون, يقول: إلا يسيرا مـما تـحرزونه. والإحصان: التصيـير فـي الـحصن وإنـما الـمراد منه: الإحراز.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14857ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قوله: يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ يقول يأكلن ما كنتـم اتـخذتـم فـيهنّ من القوت, إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ثُمّ يأْتـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ وهنّ الـجدوب الـمـحول, يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: ثُمّ يأْتـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ سَبْعٌ شِدَادٌ وهنّ الـجدوب, يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ: مـما تدّخرون.
14858ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, فـي قوله: إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ يقول: تَـخزُنون.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: تُـحْصِنُون: تـحرزون.
14859ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ قال: مـما ترفعون.
وهذه الأقوال فـي قوله: تَـحْصِنُونَ وإن اختلفت ألفـاظ قائلـيها فـيه, فإن معانـيها متقاربة, وأصل الكلـمة وتأويـلها علـى ما بـيّنت.
الآية : 49
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ثُمّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ }.
وهذا خبر من يوسف علـيه السلام للقوم عما لـم يكن فـي رؤيا ملكهم, ولكنه من علـم الغيب الذي آتاه الله دلالة علـى نبوّته وحجة علـى صدقة. كما:
14860ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: ثم زاده الله علـم سنة لـم يسألوه عنها, فقال: ثُمّ يَأْتِـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ عامٌ فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ.
ويعنـي بقوله: فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ بـالـمطر والغيث.
وبنـحو ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14861ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ثُمّ يَأْتِـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ عامٌ فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ قال: فـيه يغاثون بـالـمطر.
14862ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي, عن جويبر, عن الضحاك: فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ قال: بـالـمطر.
14863ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: ثُمّ يَأْتِـي مِنْ بَعْدِ ذلكَ عامٌ قال: أخبرهم بشيء لـم يسألوه عنه, وكان الله قد علّـمه إياه عام فـيه يغاث الناس بـالـمطر.
14864ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ بـالـمطر.
وأما قوله: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله, فقال بعضهم: معناه: وفـيه يعصرون العنب والسمسم وما أشبه ذلك. ذكر من قال ذلك:
14865ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: الأعناب والدهن.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن عبـاس: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ السمسم دهنا, والعنب خمرا, والزيتون زيتا.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: عامٌ فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ يقول: يصيبهم غيث, فـيعصرون فـيه العنب, ويعصرون فـيه الزيت, ويعصرون من كلّ الثمرات,
14866ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: يعصرون أعنابهم.
14867ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: العنب.
14868ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا مـحمد بن يزيد الواسطي, عن جويبر, عن الضحاك: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: كانوا يعصرون الأعناب والثمرات.
14869ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: يعصرون الأعناب والزيتون والثمار من الـخصب, هذا علـم آتاه الله يوسف لـم يسئل عنه.
وقال آخرون: معنى قوله: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ وفـيه يحلبون. ذكر من قال ذلك:
14870ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي فضالة, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, عن ابن عبـاس: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ قال: فـيه يحلبون.
14871ـ حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبـي حماد, قال: حدثنا الفرج بن فضالة, عن علـيّ بن أبـي طلـحة, قال: كان ابن عبـاس يقرأ: «وَفِـيهِ تَعْصِرُونَ» بـالتاء, يعنـي تـحتلبون.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعض أهل الـمدينة والبصرة والكوفة: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ بـالـياء, بـمعنى ما وصفت من قول من قال: عصر الأعناب والأدهان. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين: «وَفِـيهِ تَعْصِرُونَ» بـالتاء. وقرأه بعضهم: «وَفِـيهِ يَعْصَرُونَ» بـمعنى: يُـمطرون, وهذه قراءة لا أستـجيز القراءة بها لـخلافها ما علـيه من قرّاء الأمصار.
والصواب من القراءة فـي ذلك أن لقارئه الـخيار فـي قراءته بأيّ القراءتـين الأخريـين شاء, إن شاء بـالـياء ردّا علـى الـخبر به عن الناس, علـى معنى: فِـيهِ يُغاثُ النّاسُ وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ أعْنابهم وأدهانهم. وإن شاء بـالتاء ردّا علـى قوله: إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ وخطابـا به لـمن خاطبه بقوله: يَأْكُلْنَ ما قَدّمْتُـمْ لَهُنّ إلاّ قَلِـيلاً مِـمّا تُـحْصِنُونَ لأنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قِرَاءَة الأمصار بـاتفـاق الـمعنى, وإن اختلفت الألفـاظ بهما. وذلك أن الـمخاطبـين بذلك كان لا شكّ أنهم أغيثوا وعصروا: أغيث الناس الذين كانوا بناحيتهم وعصروا, وكذلك كانوا إذا أغيث الناس بناحيتهم وعصروا, أغيث الـمخاطبون وعصروا, فهما متفقتا الـمعنى, وإن اختلفت الألفـاظ بقراءة ذلك. وكان بعض من لا علـم له بأقوال السلف من أهل التأويـل مـمن يفسر القرآن برأيه علـى مذهب كلام العرب يوجه معنى قوله: وَفِـيهِ يَعْصِرُونَ إلـى: وفـيه يَنْـجون من الـجدب والقحط بـالغيث, ويزعم أنه من العَصر والعصر التـي بـمعنى الـمنـجاة, من قول أبـي زبـيد الطائي:
صَادِيا يَسْتَغِيثُ غَيْرَ مُغاثٍوَلَقَدْ كانَ عُصْرَةَ الـمَنْـجُودِ
أي الـمقهور, ومن قول لبـيد:
فبـاتَ وأسْرَى القَوْمُ آخِرَ لَـيْـلهِمْ
وَما كانَ وَقّافـا بغَيْرِ مُعَصّرِ
وذلك تأويـل يكفـي من الشهادة علـى خطئه خلافه قول جميع أهل العلـم من الصحابة والتابعين. وأما القول الذي روى الفَرج بن فضالة عن علـيّ بن أبـي طلـحة, فقول لا معنى له, لأنه خلاف الـمعروف من كلام العرب وخلاف ما يعرف من قول ابن عبـاس رضي الله عنهما.
الآية : 50
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمّا جَآءَهُ الرّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىَ رَبّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النّسْوَةِ اللاّتِي قَطّعْنَ أَيْدِيَهُنّ إِنّ رَبّي بِكَيْدِهِنّ عَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: فلـما رجع الرسول الذي أرسلوه إلـى يوسف, الذي قال: أنا أُنَبّئُكُمْ بِتَأْوِيـلِهِ فأرْسِلُونِ فأخبرهم بتأويـل رؤيا الـملك عن يوسف, علـم الـملك حقـيقة ما أفتاه به من تأويـل رؤياه وصحة ذلك, وقال الـملك: ائتونـي بـالذي عَبَر رؤياي هذه. كالذي:
14872ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: فخرج «نبو» من عند يوسف بـما أفتاهم به من تأويـل رؤيا الـملك حتـى أتـى الـملك, فأخيره بـما قال, فلـما أخبره بـما فـي نفسه كمثل النهار وعرف أن الذي قال كائن كما قال, قال: ائتونـي به.
14873ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما أتـى الـملكَ رسولُه, قال: ائتونـي به.
وقوله: فَلَـمّا جاءَهُ الرّسُولُ يقول: فلـما جاءه رسول الـملك يدعوه إلـى الـملك, قالَ ارْجِعْ إلـى رَبّكَ يقول: قال يوسف للرسول: ارجع إلـى سيدك فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ. وأبى أن يخرج مع الرسول وإجابة الـملك حتـى يعرف صحة أمره عندهم مـما كانوا قذفوه به من شأن النساء, فقال للرسول: سل الـملك ما شأن النسوة اللاتـي قطّعن أيدَيهن, والـمرأة التـي سُجِنتُ بسببها كما:
14874ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: فَلَـمّا جاءَهُ الرّسُولُ قالَ ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ والـمرأة التـي سجنت بسبب أمرها عما كان من ذلك.
14875ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما أتـى الـملك رسوله فأخبره قالَ ائْتُونِـي بِهِ فلـما أتاه الرسول ودعاه إلـى الـملك أبى يوسف الـخروج معه, وقال: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ... الآية, قال السديّ, قال ابن عبـاس: لو خرج يوسف يومئذ قبل أن يعلـم الـملك بشأنه, ما زالت فـي نفس العزيز منه حاجة, يقول: هذا الذي راود امرأته.
14876ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, عن رجل, عن أبـي الزناد, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللّهُ يُوسُفَ إنْ كانَ ذَا أناةٍ, لَوْ كُنْتُ أنا الـمَـحْبُوسَ ثُمّ أُرْسِلَ إلـيّ لَـخَرَجْتُ سَرِيعا, إنْ كان لَـحَلِـيـما ذَا أناةٍ».
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن بشر, قال: حدثنا مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو سلـمة, عن أبـي هريرة قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ لَبِثْتُ فِـي السّجْنِ ما لَبِثَ يُوسُفُ ثُمّ جاءَنِـي الدّاعِي لأَجَبْتُهُ, إذْ جاءَهُ الرّسُولُ فَقالَ ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ»... الآية.
حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي سلـيـمان بن بلاد, عن مـحمد بن عمرو, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بـمثله.
حدثنا زكريا بن أبـان الـمقريء, قال: حدثنا سعيد بن تلـيد, قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم, قال: ثنـي بكر بن مُضَر, عن عمرو بن الـحارث, عن يونس بن يزيد, عن ابن شهاب, قال: أخبرنـي أبو سلـمة بن عبد الرحمن وسعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَوْ لَبِثْتُ فِـي السّجْنِ ما لَبِثَ يُوسُفُ لاَءَجَبْتُ الدّاعِيَ».
حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي يونس, عن ابن شهاب, عن أبـي سلـمة بن عبد الرحمن, وسعيد بن الـمسيب, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم, بـمثله.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان بن مسلـم, قال: حدثنا حماد, عن مـحمد بن عمرو, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقرأ هذه الآية: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ إنّ رَبّـي بكَيْدِهُنّ عَلـيـمٌ قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كُنْت أنا لأَسْرَعْتُ الإجابَةَ, وَما ابْتَغَيْتُ العُذْرَ».
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا حماد, عن ثابت, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم. ومـحمد بن عمرو, عن أبـي سلـمة, عن أبـي هريرة, عن النبـيّ صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ.... الآية, فقال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ بُعِثَ إلـيّ لأَسْرَعْتُ فِـي الإجابَةِ وَما ابْتَغَيْتُ العُذْرَ».
14877ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَقَدْ عَجبْتُ مِنْ يُوسُفَ وَصَبْرِهِ وكَرَمِهِ, وَاللّهُ يَغْفِرُ لَهُ حِينَ سُئِلَ عَن البَقَرَاتِ العِجافِ والسّمانِ, وَلَوْ كُنْتُ مَكانَهُ ما أخْبَرْتُهُمْ بِشَيْءٍ حتـى أشْتَرِطَ أنْ يُخْرِجُونِـي وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ يُوسفَ وَصَبْرِهِ وكرَمِهِ واللّهُ يَغْفِرُ لَهُ حِينَ أتاهُ الرّسُولُ, وَلَوْ كُنْتُ مَكانَهُ لَبـادَرْتُهُمُ البـابَ, وَلكنّهُ أرَادَ أنْ يَكُونَ لَهُ العُذْرُ».
14878ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ارْجِعْ إلـى رَبكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ أراد نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أن لا يخرج حتـى يكون له العذر.
14879ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: ارْجِعْ إلـى رَبّكَ فـاسألْهُ ما بـالُ النّسْوَةِ اللاّتِـي قَطّعْنَ أيْدِيَهُنّ قال: أراد يوسف العذر قبل أن يخرج من السجن.
وقوله: إنّ رَبّـي بكَيْدِهِنّ عَلِـيـمٌ يقول: إن الله تعالـى ذكره ذو علـم بصنـيعهنّ وأفعالهن التـي فعلن بـي ويفعلن بغيري من الناس, لا يخفـي علـيه ذلك كله, وهو من وراء جزائهنّ علـى ذلك. وقـيـل: إن معنى ذلك: إن سيدي إطفـير العزيز زوج الـمرأة التـي راودتنـي عن نفسي ذو علـم ببراءتـي مـما قذفتنـي به من السوء.
الآية : 51
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ مَا خَطْبُكُنّ إِذْ رَاوَدتُنّ يُوسُفَ عَن نّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ للّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوَءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الاَنَ حَصْحَصَ الْحَقّ أَنَاْ رَاوَدْتّهُ عَن نّفْسِهِ وَإِنّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ }.
وفـي هذا الكلام متروك قداستغنـي بدلالة ما ذكر علـيه عنه, وهو: فرجع الرسول إلـى الـملك من عند يوسف برسالته, فدعا الـملك النسوة اللاتـي قطّعن أيديهن وامرأة العزيز, فقال لهنّ: ما خَطْبُكُنّ إذْ رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ؟ كالذي:
14880ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: فلـما جاء الرسول الـملك من عند يوسف بـما أرسله إلـيه جميع النسوة وَقالَ ما خَطْبُكُنّ إذْ رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ.
ويعنـي بقوله: ما خَطْبُكُنّ ما كان أمركنّ, وما كان شأنكنّ إذ راودتنّ يوسف عن نفسه, فأجبنه: فَقُلْنَ حاشَ لِلّه مَا عَلِـمْنا علَـيْهِ مِنْ سُوءٍ, قالَتِ امْرأةُ العَزِيزِ الاَنَ حَصْحَص الـحَقّ تقول: الاَن تبـين الـحقّ وانكشف فظهر, أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وإن يوسف لـمن الصادقـين فـي قوله هِيَ رَاوَدَتْنـي عَنْ نَفْسِي.
وبـمثل ما قلنا فـي معنى: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14881ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: حدثنا معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ قال: تبـين.
14882ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ تبـين.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14883ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ الاَن تبـين الـحق.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ قال: تبـين.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ قال: تبـين.
14884ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ, مثله.
14885ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا جويبر, عن الضحاك, مثله.
14886ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: قالت راعيـل امرأة إطفـير العزيز: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ: أي الاَن برز الـحقّ وتبـين, أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهُ لَـمِنَ الصّادِقِـينَ فـيـما كان قال يوسف مـما ادّعت علـيه.
14887ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: قال الـملك: ائتونـي بهنّ, فقال: ما خَطْبُكُنّ إذْ رَاوَدْتُنّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلّهِ ما عَلِـمْنا عَلَـيْهَ مِنْ سُوءٍ. ولكن امرأة العزيز أخبرتنا أنا راودته عن نفسه, ودخـل معها البـيت وحلّ سراويـله ثم شدّه بعد ذلك, فلا تدري ما بدا له. فقال امرأة العزيز: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ.
14888ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: الاَنَ حَصْحَصَ الـحَقّ تبـين.
وأصل حصحص: حَصّ ولكن قـيـل: حصحص, كما قـيـل: فكُبْكِبُوا فـي «كُبوا», وقـيـل: «كفكف» فـي «كفّ», و«ذْرذَر» فـي «ذَرّ». وأصل الـحصّ: استئصال الشيء, يقال منه: حَصّ شعره: إذا استأصله جزّا. وإنـما أريد فـي هذا الـموضع: حصحص الـحقّ: ذهب البـاطل والكذب, فـانقطع, وتبـين الـحقّ فظهر.
الآية : 52
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ }.
يعنـي بقوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخْنْهُ بـالغَيْبِ هذا الفعل الذي فعلته من ردّي رسول الـملك إلـيه, وتركي إجابته والـخروج إلـيه, ومسألتـي إياه أن يسأل النّسْوَة اللاتـي قطّعْنَ أيْدِيَهُن, عن شأنهنّ إذ قطعن أيديهن, إنـما فعلته لـيعلـم أنـي لـم أخنه فـي زوجته بـالغيب: يقول: لـم أركب منها فـاحشة فـي حال غيبته عنـي. وإذا لـم يركب ذلك بـمغيبه, فهو فـي حال مشهده إياه أحرى أن يكون بعيدا عن ركوبه. كما:
14889ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: يقول يوسف: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ إطفـير سيده, أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ أنـي لـم أكن لأخالفه إلـى أهله من حيث لا يعلـمه.
14890ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ يوسف يقوله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: ذَلكَ لـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ يوسف يقوله: لـم أخن سيدي.
قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال يوسف يقوله.
14891ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ قال: هذا قول يوسف.
14892ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: حدثنا هشيـم, عن إسماعيـل بن سالـم, عن أبـي صالـح, فـي قوله: ذلكَ لِـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخنْهُ بـالغَيْبِ هو يوسف يقول: لـم أخن الـملك بـالغيب.
وقوله: وأنّ اللّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الـخائِنِـينَ يقول: فعلت ذلك لـيعلـم سيدي أنـي لـم أخنه بـالغيب, وأن الله لا يهدي كيد الـخائنـين: يقول: وأن الله لا يسدّد صنـيع من خان الأمانات, ولا يرشد فعالهم فـي خيانتهموها. واتصل قوله: ذلكَ لـيَعْلَـمَ أنّـي لَـمْ أخُنْهُ بـالغَيْبِ بقول امرأة العزيز: أنا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإنّهَ لـمِنَ الصّادِقِـينَ الـمعرفة السامعين لـمعناه, كاتصال قول الله تعالـى: وكذلكَ يَفْعَلُونَ بقول الـمرأة: وجعلوا أعزّةَ أهْلِها أذِلّة, وذلك أن قوله: وكذلكَ يَفْعَلُونَ خبر مبتدإ, وكذلك قول فرعون لأصحابه فـي سورة الأعراف: فَمَاذَا تَأْمُرُونِ وهو متصل بقول الـملأ: يُرِيدُ أن يُخْرَجَكُمْ مِنْ أرْضِكُمْ. والله أعلـم