تفسير الطبري تفسير الصفحة 244 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 244
245
243
 الآية : 70
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا جَهّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمّ أَذّنَ مُؤَذّنٌ أَيّتُهَا الْعِيرُ إِنّكُمْ لَسَارِقُونَ }.
يقول: ولـما حمّل يوسف إبل إخوته ما حَملها من الـميرة وقضى حاجتهم, كما:
14955ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلَـمّا جَهّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ يقول: لـما قضى لهم حاجتهم ووفـاهم كيـلهم.
وقوله: جَعَلَ السّقايَةَ فـي رَحْلِ أخِيهِ يقول: جعل الإناء الذي يكيـل به الطعام فـي رحل أخيه. والسقاية: هي الـمشربة, وهي الإناء الذي كان يشرب فـيه الـملك ويكيـل به الطعام.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14956ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا عبد الواحد, عن يونس, عن الـحسن أنه كان يقول: الصّواع والسقاية سواء, هو الإناء الذي يشرب فـيه.
14957ـ قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: السقاية والصّواع شيء واحد, كان يشرب فـيه يوسف.
قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: السقاية الصّواع الذي يشرب فـيه يوسف.
14958ـ حدثنا مـحمد بن الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: جَعَلَ السّقَايَةَ قال: مَشْرَبة الـملك.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: السّقَايَةَ فِـي رَحْلِ أخِيهِ وهو إناء الـملك الذي كان يشرب فـيه.
14959ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الـمَلكِ ولِـمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وهي السقاية التـي كان يشرب فـيها الـملك يعنـي مَكّوكه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: جَعَلَ السّقَايَةَ وقوله: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: هما شيء واحد, السقاية والصواع شيء واحد يشرب فـيه يوسف.
14960ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: جَعَلَ السّقايَةَ فِـي رَحْلِ أخِيهِ: هو الإناء الذي كان يشرب فـيه الـملك.
14961ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: جَعَلَ السّقَايَةَ فِـي رَحْلِ أخِيهِ قال: السقاية: هو الصّواع, وكان كأسا من ذهب فـيـما يذكرون.
قوله: فِـي رَحْلِ أخِيهِ فإنه يعنـي: فـي متاع أخيه ابن أمه وأبـيه وهو بنـيامين, وكذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14962ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فِـي رَحْلِ أخِيهِ: أي فـي متاع أخيه.
وقوله: ثُمّ أذّنَ مُؤَذّنٌ يقول: ثم نادى مناد, وقـيـل: أعلـم مُعْلِـم, أيّتُها العِيرُ: وهي القافلة فـيها الأحمال إنّكُمْ لَسارِقُونَ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14963ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: فَلَـمّا جَهّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السّقَايَةَ فِـي رَحْلِ أخِيهِ والأخ لا يشعر, فلـما ارتـحلوا أذّن مؤذّن قبل أن ترتـحل العير: إنّكُمْ لَسارِقُونَ.
14964ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم جهزهم بجهازهم, وأكرمهم وأعطاهم وأوفـاهم, وحمل لهم بعيرا بعيرا, وحمل لأخيه بعيرا بـاسمه كما حمل لهم, ثم أمر بسقاية الـملك, وهو الصواع, وزعموا أنها كانت من فضة, فجُعلت فـي رحل أخيه بنـيامين. ثم أمهلهم حتـى إذا انطلقوا وأمعنوا من القرية, أمر بهم فأُدركوا, فـاحتُبِسوا, ثم نادى مناد: أيّتُها العيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ قـفوا وانتهى إلـيهم رسوله, فقال لهم فـيـما يذكرون: ألـم نكرم ضيافتكم, ونوفكم كيـلكم, ونـحسن منزلتكم, ونفعل بكم ما لـم نفعل بغيركم, وأدخـلناكم علـينا فـي بـيوتنا ومنازلنا؟ أو كما قال لهم, قالوا: بلـى, وما ذاك؟ قال: سِقاية الـملك فقدناها, ولا نتهم علـيها غيركم. قالوا تالله لَقَدْ عَلِـمْتُـمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ وَما كُنّا سارِقِـينَ.
وقوله: أيّتُها العِيرُ قد بـيّنا فـيـما مضى معنى العِير, وهو جمع لا واحد له من لفظه. وحُكي عن مـجاهد أن عِير بنـي يعقوب كانت حَمِيرا.
14965ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, عن سفـيان, عن ابن جريج, عن مـجاهد: أيّتُها العِيرُ قال: كانت حميرا.
حدثنـي الـحرث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا سفـيان, قال: ثنـي رجل, عن مـجاهد, فـي قوله: أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لسَارِقُونَ قال: كانت العِير حميرا.
الآية : 71-72
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ وَأَقْبَلُواْ عَلَيْهِمْ مّاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُواْ نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَاْ بِهِ زَعِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: قال بنو يعقوب لـما نودوا: أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ وأقبلوا علـى الـمنادي ومن بحضرتهم يقولون لهم: ماذَا تَفْقِدُونَ ما الذي تفقدون؟ قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الـمَلِكِ يقول: فقال لهم القوم: نفقد مَشْرَبَة الـملك.
واختلفت القراء فـي قراءة ذلك, فذُكر عن أبـي هريرة أنه قرأ: «صَاعَ الـمَلِكَ» بغير واو, كأنه وجهه إلـى الصاع الذي يكال به الطعام. ورُوي عن أبـي رجاء أنه قرأه: «صَوْعَ الـمَلِكَ». ورُوي عن يحيى بن يعمر أنه قرأه: «صَوْغَ الـمَلِكَ» بـالغين, كأنه وجهه إلـى أنه مصدر, من قولهم صاغ يصوغ صَوْغا. وأما الذي علـيه قرّاء الأمصار: فصواع الـملك, وهي القراءة التـي لا أستـجيز القراءة بخلافها لإجماع الـحجة علـيها. والصّواع: هو الإناء الذي كان يوسف يكيـل به الطعام, وكذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14966ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس فـي هذا الـحرف: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: كهيئة الـمَكّوك. قال: وكان للعبـاس مثله فـي الـجاهلـية يشرب فـيه.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: كان من فضة مثل الـمَكّوك. وكان للعبـاس منها واحد فـي الـجاهلـية.
14967ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, وحدثنا ابن وكيع. قال: حدثنا أبـي. عن شريك, عن سماك, عن عكرمة, فـي قوله: قالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: كان من فضة.
14968ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, أنه قرأ: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال وكان إناءه الذي يشرب فـيه, وكان إلـى الطول ما هو.
14969ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا سويد بن عمرو, عن أبـي عوانة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: الـمَكّوك الفـارسيّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال, قال: حدثنا أبو عوانة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, قال: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: هو الـمَكّوك الفـارسي الذي يـلتقـي طرفـاه, كانت تشرب فـيه الأعاجم.
14970ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَغراء, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: إناء الـملك الذي كان يشرب فـيه.
حدثنا الـحسين بن مـحمد, قال: حدثنا يحيى: يعنـي ابن عبـاد, قال: حدثنا شعبة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جُبـير, عن ابن عبـاس: قال: صُوَاعَ الـمَلِكِ: مَكّوك من فضة يشربون فـيه. وكان للعبـاس واحد فـي الـجاهلـية.
14971ـ حدثنا ابن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: صُوَاع الـمَلِكِ: إناء الـملك الذي يشرب فـيه.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا سعيد بن منصور, قال: حدثنا أبو عوانة, عن أبـي بشر, عن سعيد بن جبـير, فـي قوله: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: هو الـمَكّوك الفـارسي الذي يـلتقـي طَرَفـاه.
14972ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: الصواع: كان يشرب فـيه يوسف.
14973ـ حدثنا مـحمد بن معمر البحرانـي, قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, قال: حدثنا صدقة بن عبـاد, عن أبـيه عن ابن عبـاس: صُوَاعَ الـمَلِكِ قال: كان من نُـحاس.
وقوله: وَلِـمَنْ جاء بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ يقول: ولـمن جاء بـالصواع حمل بعير من الطعام. كما:
14974ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلِـمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلِ بَعِيرٍ يقول: وِقْر بعير.
14975ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قول الله تعالـى: حِمْلُ بَعِيرٍ قال: حمل طعام وهي لغة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: وحدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد قوله: حِمْلُ بَعِيرٍ قال: حمل طعام, وهي لغة.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14976ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: قوله حِمْلُ بَعِيرٍ قال: حمل حمار.
وقوله: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ يقول: وأنا بأن أوفـيه حمل بعير من الطعام إذا جاءنـي بصواع الـملك كفـيـل.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14977ـ حدثنـي علـيّ, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ يقول: كفـيـل.
14978ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ الزعيـم: هو الـمؤذن الذي قال: أيّتُها العِيرُ.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن بكر وأبو خالد الأحمر, عن ابن جريج, قال: بلغنـي عن مـجاهد, ثم ذكر نـحوه.
14979ـ حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد, عن ورقاء بن إياس, عن سعيد بن جبـير: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قال: كفـيـل.
14980ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ: أي وأنا به كفـيـل.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قال: كفـيـل.
14981ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قال كفـيـل.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك, فذكر مثله.
14982ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, عن سفـيان, عن رجل, عن مـجاهد: وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قال كفـيـل.
14983ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال لهم الرسول: إنه من جاءنا به فله حمل بعير وأنا به كفـيـل بذلك حتـى أؤدّيه إلـيه.
ومِن الزعيـم الذي بـمعنى الكفـيـل قول الشاعر:
فلَسْتُ بآمِرٍ فِـيها بسَلْـمٍولكِنّـي علـى نَفْسِي زَعِيـمُ
وأصل الزعيـم فـي كلام العرب: القائم بأمر القوم, وكذلك الكفـيـل والـحَمِيـل, ولذلك قـيـل: رئيس القوم زعيـمهم ومدبرهم, يقال منه: قد زَعُم فلان زَعامة وزَعَاما ومنه قول لـيـلـى الأخيـلـية:
حتـى إذَا بَرَزَ اللّوَاءُ رأيْتَهُتـحتَ اللّوَاءِ علـى الـخَمِيسِ زَعِيـما
الآية : 73
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأرْضِ وَمَا كُنّا سَارِقِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف: تاللّهِ يعنـي: والله. وهذه التاء فـي «تالله» إنـما هي واو قلبت تاء كما فعل ذلك فـي التورية وهي من ورّيت, والتراث وهي من ورثت, والتـخمة وهي من الوخامة قُلبت الواو فـي ذلك كله تاء. والواو فـي هذه الـحروف كلها من الأسماء, ولـيست كذلك فـي «تالله», لأنها إنـما هي واو القسم, وإنـما جعلت تاء لكثرة ما جرى علـى ألسن العرب فـي الأيـمان فـي قولهم «والله», فخصت فـي هذه الكلـمة بأن قلبت تاء. ومن قال ذلك فـي اسم الله, فقال: «تالله» لـم يقل تالرحمن وتالرحيـم, ولا مع شيء من أسماء الله, ولا مع شيء مـما يقسم به, ولا يقال ذلك إلاّ فـي «تالله» وحده.
وقوله: لَقَدْ عَلِـمْتُـمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ يقول: لقد علـمتـم ما جئنا لنعصَى الله فـي أرضكم, كذلك كان يقول جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14984ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر, عن أبـيه, عن الربـيع بن أنس, فـي قوله: قالُوا تاللّهِ لَقَدْ عَلِـمْتُـمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ يقول: ما جئنا لنعصَى فـي الأرض.
فإن قال قائل: وكان عِلْـمُ من قـيـل له لقد عَلِـمْتُـمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ بأنهم لـم يجيئوا لذلك حتـى استـجاز قائلو ذلك أن يقولوه؟ قـيـل: استـجازا أن يقولوا ذلك لأنهم فـيـما ذكر ردّوا البضاعة التـي وجدوها فـي رحالهم, فقالوا: لو كنا سرّاقا لـم نردّ علـيكم البضاعة التـي وجدوها فـي رحالهم, فقالوا: لو كنا سرّاقا لـم نردّ علـيكم البضاعة التـي وجدناها فـي رحالنا. وقـيـل: إنهم كانوا قد عرفوا فـي طريقهم ومسيرهم أنهم لا يظلـمون أحدا ولا يتناولون ما لـيس لهم, فقالوا ذلك حين قـيـل لهم: إنّكُمْ لَسارِقُونَ.
الآية : 74- 75
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ فَمَا جَزَآؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ * قَالُواْ جَزَآؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال أصحاب يوسف لإخوته: فما ثواب السّرَق إن كنتـم كاذبـين فـي قولكم ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِـي الأرْضِ وَما كُنّا سارِقِـينَ قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِـي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ. يقول جلّ ثناؤه: وقال إخوة يوسف: ثواب السّرَق مَنْ وُجد فـي متاعه السّرَق فهو جزاؤه, يقول: فـالذي وجد ذلك فـي رحله ثوابه بأن يُسْلَـم بسرقته إلـى من سرق منه حتـى يسترقّه. كذلكَ نَـجْزِي الظّالِـمِينَ يقول: كذلك نفعل بـمن ظلـم ففعل ما لـيس له فعله من أخذه مال غيره سَرَقا.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14985ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: فَهُوَ جَزَاؤُهُ أي سُلّـم به, كذلكَ نَـجْزِي الظّالِـمِينَ: أي كذلك نصنع بـمن سَرَق منا.
14986ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزّاق, عن معمر, قال: بلغنا فـي قوله: قالُوا فمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُـمْ كاذِبِـينَ أخبروا يوسف بـما يُحْكَم فـي بلادهم أنه من سَرَق أُخِذ عبدا, فقالوا: جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِـي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ.
14987ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: قالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُـمْ كاذِبِـينَ قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِـي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ تأخذونه فهو لكم.
ومعنى الكلام: قالوا: ثواب السّرَق الـموجود فـي رحله, كأنه قـيـل: ثوابه استرقاق الـموجود فـي رحله, ثم حذف «استرقاق», إذ كان معروفـا معناه, ثم ابتدىء الكلام فقـيـل: هو جزاؤه كذلكَ نَـجْزِي الظّالِـمِينَ.
وقد يحتـمل وجها آخر: أن يكون معناه: قالوا ثواب السرق الذي يوجد السرق فـي رحله, فـالسارق جزاؤه. فـيكون «جزاؤه» الأوّل مرفوعا بجملة الـخبر بعده, ويكون مرفوعا بـالعائد من ذكره فـي «هو», و «هو» رافع «جزاؤه» الثانـي.
ويحتـمل وجها ثالثا: وهو أن تكون «مَنْ» جزائية, وتكون مرفوعة بـالعائد من ذكره فـي الهاء التـي فـي «رحله», والـجزاء الأوّل مرفوعا بـالعائد من ذكره فـي «وجد», ويكون جواب الـجزاء الفـاء فـي «فهو». والـجزاء الثانـي مرفوع ب «هو», فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: قالوا: جزاء السّرَق من وُجد السّرَق فـي رحله, فهو ثوابه يُسْترقّ ويستعبد.
الآية : 76
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَآءِ أَخِيهِ ثُمّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَآءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مّن نّشَآءُ وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ففتّش يوسف أوعيتهم ورحالهم طالبـا بذلك صُواع الـملك, فبدأ فـي تفتـيشه بأوعية إخوته من أبـيه, فجعل يفتشها وعاء وعاء قبل وعاء أخيه من أبـيه وأمه, فإنّه أخّر تفتـيشه, ثم فتش آخرها وعاء أخيه, فـاستـخرج الصواع من وعاء أخيه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14988ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَبَدَأَ بأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أخِيهِ ذُكر لنا أنه كان لا ينظر فـي وعاء إلاّ استغفر الله تأثما مـما قذفهم به, حتـى بقـيَ أخوه, وكان أصغر القوم, قال: ما أرى هذا أخذ شيئا, قالوا: بَلـى فـاسْتبرِه, أَلاَ وقد علـموا حيث وضعوا سقايتهم. ثم استـخرجها من وعاء أخيه.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن مَعْمر, عن قتاد, قال: فـاستـخرجها من وعاء أخيه, قال: كان كلـما فتـح متاعا استغفر تائبـا مـما صنع, حتـى بلغ متاع الغلام, فقال: ما أظنّ هذا أخذ شيئا, قالوا: بلـى, فـاستبره.
14989ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: فَبَدأَ بأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وَعاءِ أخِيهِ فلـما بقـي رَحْلُ الغلام, قال: ما كان هذا الغلام لـيأخذه. قالوا: والله لا يترك حتـى تنظر فـي رحله, لنذهب وقد طابت نفسك فأدخـل يده فـاستـخرجها من رحله.
14990ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما قال الرسول لهم: ولِـمَنْ جاءِ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وأنا بِهِ زَعِيـمٌ قالوا: ما نعلـمه فـينا ولا معنا. قال: لستـم ببـارحين حتـى أفتش أمتعتكم وأُعْذِر فـي طلبها منكم. فبدأ بأوعيتهم وعاء وعاء, يفتشها وينظر ما فـيها, حتـى مرّ علـى وعاء أخيه ففتشه, فـاستـخرجها منه, فأخذ برقبته, فـانصرف به إلـى يوسف. يقول الله: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ.
14991ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قال: ذُكِر لنا أنه كان كلـما بَحَث متاع رجل منهم استغفر ربه تأثما, قد علـم أين موضع الذي يطلب. حتـى إذا بقـي أخوه وعلـم أن بغيته فـيه, قال: لا أرى هذا الغلام أخذه, ولا أبـالـي أن لا أبحث متاعه قال إخوته: إنه أطيب لنفسك وأنفسنا أن تستبرىء متاعه أيضا. فلـما فتـح متاعه استـخرج بغيته منه قال الله: كذلكَ كِدْنا لـيُوسُفَ.
واختلف أهل العربـية فـي الهاء والألف اللتـين فـي قوله: ثُمّ اسْتَـخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أخِيهِ فقال بعض نـحويّـي البصرة: هي من ذكر «الصواع», قال: وأنّث وقد قال: ولِـمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ لأنه عنى الصّواع. قال: والصواع مذكر, ومنهم من يؤنث الصواع, وعنـي ههنا السقاية, وهي مؤنثة. قال: وهما اسمان لواحد مثل الثوب والـملـحفة مذكر ومؤنث لشيء واحد.
وقال بعض نـحويّـي الكوفة فـي قوله: ثُمّ اسْتَـخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أخِيهِ ذهب إلـى تأنـيث السرقة, قال: وإن يكن الصواع فـي معنى الصاع, فلعل هذا التأنـيث من ذلك. قال: وإن شئت جعلته لتأنـيث السقاية. قال: والصواع ذَكر, والصاع يؤنث ويذكر, فمن أنثه قال: ثلاث أَصْوُع, مثل ثلاث أَدْوُر, ومن ذكره قال: أصواع, مثل أبواب.
وقال آخر منهم: إنـما أُنث الصواع حين أنث لأنه أريدت به السقاية وذُكّر حين ذكر, لأنه أريد به الصواع. قال: وذلك مثل الـخِوَان والـمائدة, وسِنان الرمـح وعالـيته, وما أشبه ذلك من الشيء الذي يجتـمع فـيه اسمان: أحدهما مذكر, والاَخر مؤنث.
وقوله: كذلك كِدْنا لِـيُوسُفَ يقول: هكذا صنعنا لـيوسف حتـى يُخَـلّص أخاه لأبـيه وأمه من إخوته لأبـيه, بإقرار منهم أن له أن يأخذه منهم ويحتبسه فـي يديه ويحول بـينه وبـينهم وذلك أنهم قالوا إذ قـيـل لهم ما جَزَاؤُهُ إنْ كُنْتُـمْ كاذِبِـينَ: جزاء من سرق الصواع أن من وجد ذلك فـي رحله فهو مُسْتَرَقّ به, وذلك كان حكمهم فـي دينهم. فكاد الله لـيوسف كما وصف لنا حتـى أخَذ أخاهُ منهم, فصار عنده بحكمهم وصنع الله له.
وقوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ يقول: ما كان يوسف لـيأخذ أخاه فـي حكم ملك مصر وقضائه وطاعته منهم, لأنه لـم يكن من حكم ذلك الـملك وقضائه أن يُسْترقّ أحد بـالسرق, فلـم يكن لـيوسف أخذ أخيه فـي حكم ملك أرضه إلاّ أن يشاء الله بكيده الذي كاده له, حتـى أَسْلَـمَ مَنْ وُجد فـي وعائه الصّواع إخوتُه ورفقاؤه بحكمهم علـيه وطابت أنفسهم بـالتسلـيـم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14992ـ حدثنا الـحسن, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ إلاّ فعلةً كادها الله له, فـاعتلّ بها يوسف.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ كادها الله له, فكانت علة لـيوسف.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ قال: إلاّ فعلة كادها الله فـاعتلّ بها يوسف.
14993ـ قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ قال: صنعنا.
14994ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ يقول: صنعنا لـيوسف.
14995ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ يقول: صنعنا لـيوسف.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ فقال بعضهم: ما كان لـيأخذ أخاه فـي سلطان الـملك. ذكر من قال ذلك:
14996ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ يقول: فـي سلطان الـملك.
14997ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: ما كان لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ يقول: فـي سلْطان الـملك.
وقال آخرون: معنى ذلك: فـي حكمه وقضائه. ذكر من قال ذلك:
14998ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ يقول: ما كان ذلك فـي قضاء الـملك أن يستعبد رجلاً بسرقة.
14999ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فِـي دِينِ الـمَلِكِ قال: لـم يكن ذلك فـي دين الـملك, قال: حكمه.
15000ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو صالـح مـحمد بن لـيث الـمروزي, عن رجل قد سماه, عن عبد الله بن الـمبـارك, عن أبـي مودود الـمدينـيّ, قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرَظيّ يقول: قالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجدَ فِـي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كذلكَ كِدْنا لِـيُوسُفَ ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ قال: دين الـملك لا يؤخذ به من سرق أصلاً, ولكن الله كاد لأخيه, حتـى تكلـموا ما تكلـموا به, فأخذهم بقولهم, ولـيس فـي قضاء الـملك.
15001ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, عن معمر, قال: بلغه فـي قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلكِ قال: كان حكم الـملك أن من سرق ضوعف علـيه الغُرم.
15002ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ يقول: فـي حكم الـملك.
15003ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ: أي بظلـم, ولكن الله كاد لـيوسف لـيضمّ إلـيه أخاه.
15004ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ما كانَ لِـيَأْخُذَ أخاهُ فِـي دِينِ الـمَلِكِ قال: لـيس فـي دين الـملك أن يؤخذ السارق بسرقته. قال: وكان الـحكم عند الأنبـياء يعقوب وبنـيه: أن يؤخذ السارق بسرقته عبدا يُسترقّ.
وهذه الأقوال وإن اختلفت ألفـاظ قائلـيها فـي معنى دين الـملك, فمتقاربة الـمعانـي, لأن من أخذه فـي سلطان الـملك عامله بعمله, فـيريناه أخذه إذا لـم يغيره, وذلك منه حكم علـيه, وحكمه علـيه قضاؤه. وأصل الدّين: الطاعة, وقد بـيّنت ذلك فـي غير هذا الـموضع بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وقوله: إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ كما:
15005ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ ولكن صَنَعنا له بأنهم قالوا: فَهُوَ جَزَاؤُهُ.
15006ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إلاّ أنْ يَشاءَ اللّهُ إلاّ بعلة كادها الله, فـاعتلّ بها يوسف.
وقوله: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك, فقرأه بعضهم: «نَرْفَعُ دَرَجاتِ مَنْ نَشاءُ» بإضافة الدرجات إلـى «مَنْ» بـمعنى: نرفع منازل من نشاء, رفع منازله ومراتبه فـي الدنـيا بـالعلـم علـى غيره, كما رفعنا مرتبة يوسف فـي ذلك ومنزلته فـي الدنـيا علـى منازل إخوته ومراتبهم. وقرأ ذلك آخرون: نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بتنوين «الدرجات», بـمعنى: نرفع من نشاء مراتب ودرجات فـي العلـم علـى غيره, كما رفعنا يوسف. فمَن علـى هذه القراءة نصب, وعلـى القراءة الأولـى خفض. وقد بـيّنا ذلك فـي سورة الأنعام.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15007ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, قوله: نَرْفَعُ دَرَجاتِ مَنْ نَشاءُ يوسف وإخوته أُوتوا علـما, فرفعنا يوسف فوقهم فـي العلـم.
وقوله: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلـيـمٌ يقول تعالـى ذكره: وفوق كل عالـم مَنْ هو أعلـم منه حتـى ينتهي ذلك إلـى الله تعالـى. وإنـما عَنَى بذلك أن يوسف أعلـم إخوته, وأن فوق يوسف من هو أعلـم من يوسف, حتـى ينتهي ذلك إلـى الله تعالـى.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15008ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا أبو عامر العَقْديّ, قال: حدثنا سفـيان, عن عبد الأعلـى الثعلبـيّ, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, أنه حدّث بحديث, فقال رجل عنده: وَفَوْقَ كُلّ ذِي علْـمٍ عَلـيـمٌ فقال ابن عبـاس: بئسما قلت, إن الله هو علـيـم, وهو فوق كلّ عالـم.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن عبد الأعلـى عن سعيد بن جبـير, قال: حدّث ابن عبـاس بحديث, فقال رجل عنده: الـحمد لله وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ فقال ابن عبـاس: العالـم الله, وهو فوق كلّ عالـم.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا الثوريّ, عن عبد الأعلـى, عن سعيد بن جبـير, قال: كنا عند ابن عبـاس, فحدّث حديثا, فتعجب رجل فقال: الـحمد لله وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ فقال ابن عبـاس: بئسما قلت: الله العلـيـم, وهو فوق كل عالـم.
15009ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد وابن وكيع, قالا: حدثنا عمرو بن مـحمد, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن سالـم, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: يكون هذا أعلـم من هذا, وهذا أعلـم من هذا, والله فوق كل عالـم.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا سعيد بن منصور, قال: أخبرنا أبو الأحوص, عن عبد الأعلـى, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: الله الـخبـير العلـيـم فوق كلّ عالـم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبـيد الله, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن عبد الأعلـى, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: الله فوق كلّ عالـم.
15010ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب, قال: سأل رجل علـيا عن مسئلة, فقال فـيها, فقال الرجل: لـيس هكذا ولكن كذا وكذا, قال علـيّ: أصبت وأخطأت وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ.
15011ـ حدثنـي يعقوب وابن وكيع, قالا: حدثنا ابن عُلَـية, عن خالد, عن عكرمة, فـي قوله: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: علـم الله فوق كلّ أحد.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن نصر, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: الله عزّ وجلّ.
15012ـ حدثنا ابن وكيع, حدثنا يعلـى بن عبـيد, عن سفـيان, عن عبد الأعلـى, عن سعيد بن جبـير: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: الله أعلـم من كلّ أحد.
15013ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن ابن شبرمة, عن الـحسن, فـي قوله: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلـيـمٌ قال: لـيس عالـم إلاّ فوقه عالـم حتـى ينتهي العلـم إلـى الله.
15014ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عاصم, قال: حدثنا جويرية, عن بشير الهجيـمي, قال: سمعت الـحسن قرأ هذه الآية يوما: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ, ثم وقـف فقال: إنه والله ما أمسى علـى ظهر الأرض عالـم إلاّ فوقه من هو أعلـم منه, حتـى يعود العلـم إلـى الذي علـمه.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ, عن جرير, عن ابن شُبْرُمة, عن الـحسن: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلِـيـمٌ قال: فوق كل عالـم عالـم, حتـى ينتهي العلـم إلـى الله.
15015ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْـمٍ عَلـيـمٌ حتـى ينتهي العلـم إلـى الله, منه بدىء, وتعلـمت العلـماء, وإلـيه يعود. فـي قراءة عبد الله: «وَفَوْقَ كُلّ عالِـمٍ عَلِـيـمٌ».
قال أبو جعفر: إن قال لنا قائل: وكيف جاز لـيوسف أن يجعل السقاية فـي رحل أخيه ثم يِسَرّق قوما أبرياء من السّرَق, ويقول أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ؟ قـيـل: إن قوله: أيّتُها العِيرُ إنّكُمْ لَسارِقُونَ إنـما هو خبر من الله عن مؤذّن أذّن به, لا خبر عن يوسف. وجائز أن يكون الـمؤذّن أذن بذلكَ أنْ فَقَد الصواع ولا يعلـم بصنـيع يوسف. وجائز أن يكون كان أذن الـمؤذن بذلك عن أمر يوسف, واستـجاز الأمر بـالنداء بذلك لعلـمه بهم أنهم قد كانوا سرقوا سرقة فـي بعض الأحوال, فأمر الـمؤذن أن يناديهم بوصفهم بـالسّرَق, ويوسف يعنـي ذلك السرق لا سرقهم الصواع. وقد قال بعض أهل التأويـل: إن ذلك كان خطأ من فعل يوسف, فعاقبه الله بإجابة القوم إياه: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ وقد ذكرنا الرواية فـيـما مضى بذلك.
الآية : 77
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرّ مّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قالُوا إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يعنون أخاه لأبـيه وأمه وهو يوسف. كما:
15016ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ لـيوسف.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, عن عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, فـي قوله: إنْ يَسْرِقْ فَقَدَ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال: يعنـي يوسف.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال: يوسف.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي السّرَق الذي وصفوا به يوسف فقال بعضهم: كان صنـما لـجده أبـي أمه كسره وألقاه علـى الطريق. ذكر من قال ذلك:
15017ـ حدثنا أحمد بن عمرو البصري, قال: حدثنا الفـيض بن الفضل, قال: حدثنا مسعر, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال: سرق يوسف صنـما لـجدّه أبـي أمه كسره وألقاه فـي الطريق, فكان إخوته يعيبونه بذلك.
15018ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ذكر أنه سرق صنـما لـجدّه أبـي أمه, فعيروه بذلك.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ: أرادوا بذلك عيب نبـيّ الله يوسف, وسرقته التـي عابوه بها صنـم كان لـجدّه أبـي أمه, فأخذه, إنـما أراد نبـيّ الله بذلك الـخير, فعابوه.
15019ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, فـي قوله: إنْ يَسْرقْ فقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ قال: كانت أم يوسف أمرت يوسف يسرق صنـما لـخاله يعبده, كانت مسلـمة.
وقال آخرون فـي ذلك ما:
15020ـ حدثنا به أبو كريب, قال: حدثنا ابن إدريس, قال: سمعت أبـي, قال: كان بنو يعقوب علـى طعام, اضطرّ يوسف إلـى عَرْق فخبأه, فعيروه بذلك إن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.
وقال آخرون فـي ذلك بـما:
15021ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة عن ابن إسحاق, عن عبد الله بن أبـي نـجيح, عن مـجاهد أبـي الـحجاج, قال: كان أول ما دخـل علـى يوسف من البلاء فـيـما بلغنـي أن عمته ابنة إسحاق, وكانت أكبر ولد إسحاق, وكانت إلـيها منطقة إسحاق, وكانوا يتوارثونها بـالكَبر, فكان من اختصّ بها مـمن ولـيها كان له سَلَـما لا ينازع فـيه, يصنع فـيه ما شاء. وكان يعقوب حين ولد له يوسف, كان قد حضنته عمته, فكان معها وإلـيها, فلـم يحب أحد شيئا من الأشياء حبها إياه. حتـى إذا ترعرع وبلغ سنوات, ووقعت نفس يعقوب علـيه, أتاها فقال: يا أخية سلّـمي إلـيّ يوسف, فوالله ما أقدر علـى أن يغيب عنـي ساعة فقالت: والله ما أنا بتاركته, والله ما أقدر أن يغيب عنـي ساعة قال: فوالله ما أنا بتاركه قالت: فدعه عندي أياما أنظر إلـيه وأسكن عنه, لعل ذلك يسلـينـي عنه أو كما قالت. فلـما خرج من عندها يعقوب عمدت إلـى منطقة إسحاق فحزمتها علـى يوسف من تـحت ثـيابه, ثم قالت: لقد فقدت منطقة إسحاق, فـانظروا من أخذها ومن أصابها فـالتُـمست, ثم قالت: اكشفوا أهل البـيت فكشفوهم, فوجدوها مع يوسف, فقالت: والله إنه لـي لسلـم أصنع فـيه ما شئت. قال: وأتاها يعقوب فأخبرته الـخبر, فقال لها: أنت وذاك إن كان فعل ذلك فهو سلـم لك, ما أستطيع غير ذلك. فأمسكته فما قدر علـيه يعقوب حتـى ماتت. قال: فهو الذي تقول إخوة يوسف حين صنع بأخيه ما صنع حين أخذه علـيهم فـي أنفسهم تأنـيبـا له: إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ. فلـما سمعها يوسف قالَ أنْتُـمْ شَرّ مَكانا سرّا فـي نفسه ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ واللّهُ أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ.
وقوله: فَأسَرّها يُوسُفُ فِـي نَفْسِهِ ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّهُ أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ يعنـي بقوله: «فأسرّها»: فأضمرها, وقال: «فأسرّها» فأنث, لأنه عنى بها الكلـمة, وهي: «أنتـمّ شرّ مكانا, والله أعلـم بـما تصفون», ولو كانت جاءت بـالتذكير كان جائزا, كما قـيـل: تِلْكَ مِنْ أنْبـاءِ الغَيْبِ و ذلكَ منْ أنْبـاءِ القُرَى, وكنـي عن الكلـمة ولـم يجر لها ذكر متقدّم, والعرب تفعل ذلك كثـيرا, إذا كان مفهوما الـمعنى الـمراد عند سامعي الكلام. وذلك نظير قول حاتـم الطائي:
أماوِيّ ما يُغْنِـي الثّرَاءُ عَنِ الفَتـىإذَا حَشْرَجَتْ يَوْما وَضَاقَ بِها الصّدْرُ
يريد: وضاق بـالنفس الصدر. فكنـي عنها ولـم يجر لها ذكر, إذ كان فـي قوله: «إذا حشرجت يوما», دلالة لسامع كلامه علـى مراده بقوله: «وضاق بها». ومنه قول الله: ثُمّ إنّ رَبّكَ للّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إنّ رَبّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحيـمٌ فقال: «من بعدها», ولـم يجر قبل ذلك ذكر لاسم مؤنث.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15022ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَأسَرّها يُوسُفُ فِـي نَفْسِهِ ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ أما الذي أسرّ فـي نفسه فقوله: أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّهُ أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: فَأسَرّها يُوسُفُ فِـي نَفْسِهِ ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّهُ أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ قال هذا القول.
15023ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: فَأسَرّها يُوسُفُ فِـي نَفْسِهِ ولَـمْ يُبْدِها لَهُمْ يقول: أسرّ فـي نفسه قوله: أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّهُ أعْلَـمُ بـمَا تَصِفُونَ.
وقوله: وَاللّهُ أعْلَـمُ بِـما تَصِفُونَ يقول: والله أعلـم بـما تكذّبون فـيـما تصفون به أخاه بنـيامين.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15024ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: أنْتُـمْ شَرّ مَكانا وَاللّهُ أعْلَـمُ بِـما تَصِفُونَ يقولون: يوسف يقوله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
15025ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: وَاللّهُ أعْلَـمُ بِـمَا تَصِفُونَ: أي بـما تكذبون.
فمعنى الكلام إذن: فأسرّها يوسف فـي نفسه ولـم يبدها لهم, قال: أنتـم شرّ عند الله منزلاً مـمن وصفتـموه بأنه سرق, وأخبث مكانا بـما سلف من أفعالكم, والله عالـم بكذبكم, وأن جهله كثـير مـمن حضر من الناس.
وذُكر أن الصواع لـما وُجد فـي رحل أخي يوسف تلاوم القوم بـينهم, كما:
15026ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما استـخرجت السرقة من رحل الغلام انقطعت ظهورهم, وقالوا: يا بنـي راحيـل, ما يزال لنا منكم بلاء حتـى أخذت هذا الصواع فقال بنـيامين: بل بنو راحيـل الذين لا يزال لهم منكم بلاء, ذهبتـم بأخي فأهلكتـموه فـي البرية, وضع هذا الصواع فـي رحلـي الذي وضع الدراهم فـي رحالكم. فقالوا: لا تذكر الدراهم فنؤخذ بها. فلـما دخـلوا علـى يوسف دعا بـالصواع, فنقر فـيه, ثم أدناه من أذنه, ثم قال: إن صواعي هذا لـيخبرنـي أنكم كنتـم اثنـي عشر رجلاً, وأنكم انطلقتـم بأخ لكم فبعتـموه. فلـما سمعها بنـيامين, قام فسجد لـيوسف, ثم قال: أيها الـملك, سل صواعك هذا عن أخي أحيّ هو؟ فنقره, ثم قال: هو حيّ, وسوف تراه. قال: فـاصنع بـي ما شئت, فإنه إن علـم بـي سوف يستنقذنـي. قال: فدخـل يوسف فبكى, ثم توضأ, ثم خرج فقال بنـيامين: أيها الـملك إنـي أريد أن تضرب صواعك هذا فـيخبرك بـالـحقّ, فسله من سرقه فجعله فـي رحلـي؟ فنقره فقال: إن صواعي هذا غضبـان, وهو يقول: كيف تسألنـي عن صاحبـي, وقد رؤيت مع من كنت قال: وكان بنو يعقوب إذا غضبوا لـم يطاقوا, فغضب روبـيـل, فقال: أيها الـملك, والله لتتركنا أو لأصيحنّ صيحة لا يبقـى بـمصر امرأة حامل إلاّ ألقت ما فـي بطنها وقامت كلّ شعرة فـي جسد روبـيـل, فخرجت من ثـيابه, فقال يوسف لابنه: قم إلـى جنب روبـيـل فمسّه وكان بنو يعقوب إذا غضب أحدهم فمسه الاَخر ذهب غضبه, فمرّ الغلام إلـى جنبه فمسه, فذهب غضبه, فقال روبـيـل: من هذا؟ إن فـي هذا البلد لبزرا من بَزْر يعقوب. فقال يوسف: من يعقوب؟ فغضب روبـيـل فقال: يا أيها الـملك لا تذكر يعقوب, فإنه سَرِيّ الله, ابن ذبـيح الله, ابن خـلـيـل الله. قال يوسف: أنت إذن كنت صادقا.
الآية : 78
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ يَأَيّهَا الْعَزِيزُ إِنّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قالت إخوة يوسف لـيوسف: يا أيّها العَزِيزُ يا أيها الـملك إنّ لَهُ أبـا شَيْخا كَبِـيرا كَلِفـا بحبه, يعنون يعقوب. فَخُذْ أحَدنا مَكانَهُ يعنون فخذ أحدا منا بدلاً من بنـيامين, وخـلّ عنه. إنّا نَرَاكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ يقولون: إنا نراك من الـمـحسنـين فـي أفعالك.
وقال مـحمد بن إسحاق فـي ذلك, ما:
15027ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: إنّا نَراكَ مِنَ الـمُـحْسِنِـينَ إنا نرى ذلك منك إحسانا إن فعلت