سورة يوسف | للقراءة من المصحف بخط كبير واضح
استماع mp3 | الجلالين&الميسر | تفسير الشوكاني |
إعراب الصفحة | تفسير ابن كثير | تفسير القرطبي |
التفسير المختصر | تفسير الطبري | تفسير السعدي |
تفسير الطبري تفسير الصفحة 243 من المصحف
تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 243
244
242
الآية : 64
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىَ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم علـى أخيكم من أبـيكم الذي تسألونـي أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم علـى أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قبله.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فـاللّهُ خَيْرٌ حافِظا فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الكوفـيـين والبصريـين: فـاللّهُ خَيْرٌ حفْظا بـمعنى: والله خيركم حفظا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين وبعض أهل مكة: فـاللّهُ خَيْرٌ حافِظا بـالألف علـى توجيه الـحافظ إلـى أنه تفسير للـخير, كما يقال: هو خير رجلاً, والـمعنى: فـالله خيركم حافظا, ثم حذفت الكاف والـميـم.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل علـم بـالقرآن. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظا, ومن وصفه بأنه خيرهم حافظا فقد وصفه بأنه خيرهم حفظا. وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ يقول: والله أرحم راحم بخـلقه, يرحم صَعْفِـي علـى كبر سنـي, ووحدتـي بفقد ولدي, فلا يضيعه, ولكنه يحفظه حتـى يردّه علـيّ لرحمته.
الآية : 65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما فتـح إخوة يوسف متاعهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف, وجدوا بضاعتهم, وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه ردّت إلـيهم. قالُوا يا أبـانا ما نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنا رُدّتْ إلَـيْنا يعنـي أنهم قالوا لأبـيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردّت إلـينا تطيـيبـا منهم لنفسه بـما صنع بهم فـي ردّ بضاعتهم إلـيه. وإذا وُجّه الكلام إلـى هذا الـمعنى كانت «ما» استفهاما فـي موضع نصب بقوله: نَبْغِي. وإلـى هذا التأويـل كان يوجهه قتادة.
14930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ما نَبْغِي يقول: ما نبغي وراء هذا, إن بضاعتنا رُدّت إلـينا, وقد أوفـى لنا الكيـلُ.
وقوله: وَنـميرُ أهْلَنا يقول: ونطلب لأهلنا طعاما فنشتريه لهم, يقال منه: مَارَ فلان أهله يَـميرَهم مَيْرا, ومنه قول الشاعر:
بَعَثْتُكَ مائِرا فَمَكَثْتَ حَوْلاًمَتـى يَأْتـي غِياثُكَ مَنْ تُغِيثُ
وَنَـحْفَظُ أخانا الذي ترسله معنا وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ يقول: ونزداد علـى أحمالنا من الطعام حمل بعير يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا, ذلكَ كَيْـلٌ يَسِيرٌ يقول: هذا حِمل يسير. كما:
14931ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج: وَنَزْدَادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير, فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير. وقال ابن جريج: قال مـجاهد: كَيْـلَ بَعِيرٍ حمل حمار. قال: وهي لغة. قال القاسم: يعنـي مـجاهد: أن الـحمار يقال له فـي بعض اللغات: بعير.
14932ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ يقول: حمل بعير.
14933ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ نَعُد به بعيرا مع إبلنا ذلكَ كَيْـلٌ يَسِيرٌ.
الآية : 66
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّىَ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مّنَ اللّهِ لَتَأْتُنّنِي بِهِ إِلاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَىَ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لبنـيه: لن أرسل أخاكم معكم إلـى ملك مصر حتـى تُوْتُون مَوْثِقا مِنَ اللّهِ يقول: حتـى تُعْطون مؤثقا من الله, بـمعنى الـميثاق, وهو ما يوثق به من يـمين وعهد, لَتَأتُنّنِـي بِهِ يقول لتأتننـي: بأخيكم, إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ يقول: إلا أن يحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه علـى أن تأتونـي به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14934ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَلَـمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قال: عهدهم.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14935ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ: إلا أن تهلكوا جميعا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد.
قال: وحدثنا إسحاق, قال: أخبرنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14936ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ قال: إلا أن تُغلَبوا حتـى لا تطيقوا ذلك.
14937ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قوله: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ: إلا أن يصيبكم أمر يذهب بكم جميعا, فـيكون ذلك عذرا لكم عندي.
وقوله: فَلَـمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ يقول: فلـما أعطوه عهودهم, قال يعقوب: اللّهُ علـى ما نَقُولُ أنا وأنتـم وَكِيـلٌ يقول: هو شهيد علـينا بـالوفـاء بـما نقول جميعا.
الآية : 67
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ يَبَنِيّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لبنـيه لـما أرادوا الـخروج من عنده إلـى مصر لـيـمتاروا الطعام: يا بَنـيّ لا تدخـلوا مصر من طريق واحد, وادخـلوا من أبواب متفرّقة وذُكر أنه قال ذلك لهم, لأنهم كانوا رجالاً لهم جمال وهيبة, فخاف علـيهم العين إذا دخـلوا جماعة من طريق واحد وهم ولد رجل واحد, فأمرهم أن يفترقوا فـي الدخول إلـيها. كما:
14938ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يزيد الواسطيّ, عن جويبر, عن الضحاك: لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ وَادْخـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: خاف علـيهم العين.
14939ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ واحدٍ خشي نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم العينَ علـى بنـيه كانوا ذوي صورة وجمال.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالاً, فخشي علـيهم أنفسُ الناس.
14940ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَقالَ يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بَـابٍ واحِدٍ وَادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: رهب يعقوب علـيه السلام علـيهم العين.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ خَشِي يعقوب علـى ولده العين.
14941ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب: لا تَدْخُـلُوا مِنْ بَـابٍ وَاحِدٍ قال: خشي علـيهم العين.
14942ـ قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم علـى بنـيه العين, فقال: يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحدٍ فـيقال: هؤلاء لرجل واحد, ولكن ادخـلوا من أبواب متفرّقة.
14943ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما أجمعوا الـخروج, يعنـي ولد يعقوب, قال يعقوب: يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ وادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ خشي علـيهم أعين الناس لهيبتهم, وأنهم لرجل واحد.
وقوله: وَما أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه علـيكم من شيء صغير ولا كبـير, لأن قضاءه نافذ فـي خـلقه. إنِ الـحُكْمُ إلاّ لِلّهِ يقول: ما القضاء والـحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء, فإنه يحكم فـي خـلقه بـما يشاء, فـينفذ فـيهم حكمه, ويقضي فـيهم ولا يُردّ قضاؤه. عَلَـيْهِ تَوَكّلْتُ يقول: علـى الله توكلت, فَوَثقت به فـيكم, وفـي حفظكم علـيّ حتـى يردّكم إلـىّ وأنتـم سالـمون معافون, لا علـى دخولكم مصر إذا دخـلتـموها من أبواب متفرّقة. وَعَلَـيْهِ فَلْـيَتَوكّلِ الـمُتَوكّلُونَ يقول: وإلـى الله فلـيفوّض أمورَهم الـمفوّضون.
الآية : 68
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلّمْنَاهُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما دخـل ولد يعقوب مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرّقة. ما كانَ يُغْنِـي دخولهم إياها كذلك عَنْهُمْ مِنَ قضاء اللّهِ الذي قضاه فـيهم فحتـمه, مِنْ شَيْءٍ إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعَقُوبَ قَضَاها إلا أنهم قضوا وطرا لـيعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفـا من العين علـيهم, فـاطمأنت نفسه أن يكونوا أُوتُوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه. كما:
14944ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها خيفة العين علـى بنـيه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها قال: خشية العين علـيهم.
14945ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قوله: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها قال: ما تـخوّف علـى بنـيه من أعين الناس لهيبتهم وعدتهم.
وقوله: وإنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ يقول تعالـى ذكره: وإن يعقوب لذو علـم لتعلـيـمنا إياه. وقـيـل: معناه وإنه لذو حفظ لـما استودعنا صدره من العلـم. واختلف عن قتادة فـي ذلك:
14946ـ فحدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإِنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ: أي مـما علـمناه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, عن سفـيان, عن ابن أبـي عَرُوبة عن قتادة: وَإنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ قال: إنه لعامل بـما علـم.
14947ـ قال: الـمثنى, قال إسحاق, قال عبد الله, قال سفـيان: إنه لذو علـم مـما علـمناه, وقال: من لا يعمل لا يكون عالـما.
وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ يقول جلّ ثناؤه: ولكن كثـيرا من الناس غير يعقوب, لا يعلـمون ما يعلـمه, لأنا حَرَمناه ذلك فلـم يعلـمه.
الآية : 69
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا دَخَلُواْ عَلَىَ يُوسُفَ آوَىَ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنّيَ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما دخـل ولد يعقوب علـى يوسف, آوَى إلَـيْهِ أخاهُ يقول: ضمّ إلـيه أخاه لأبـيه وأمه, وكلّ أخوه لأبـيه. كما:
14948ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السّدّي: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ قال: عرف أخاه, فأنزلهم منزلاً, وأجرى علـيهم الطعام والشراب فلـما كان اللـيـل جاءهم بُـمُثل, فقال: لـينـم كلّ أخوين منكم علـى مِثال فلـما بقـي الغلام وحده, قال يوسف: هذا ينام معي علـى فراشي. فبـات معه, فجعل يوسف يشُمّ ريحه, ويضمه إلـيه حتـى أصبح, وجعل رُوبـيـل يقول: ما رأينا مثل هذا, أريحونا منه.
14949ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما دخـلوا, يعنـي ولد يعقوب علـى يوسف, قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتـيك به, قد جئناك به فذكر لـي أنه قال لهم: قد أحسنتـم وأصبتـم, وستـجدون ذلك عندي, أو كما قال. ثم قال: إنـي أراكم رجالاً, وقد أردت أن أكرمكم, ودعا ضافته, فقال: أنزل كل رجلـين علـى حدة, ثم أكرمهما وأحسن ضيافتهما ثم قال: إنـي أرى هذا الرجل الذي جئتـم به لـيس معه ثان, فسأضمه إلـيّ, فـيكون منزله معي. فأنزلهم رجلـين رجلـين فـي منازل شتـى, وأنزل أخاه معه, فآواه إلـيه, فلـما خلا به قالَ إنّـي أنا أخُوكَ أنا يوسف فَلا تَبْتَئِسْ بشيء فعلوه بنا فـيـما مضى, فإن الله قد أحسن إلـينا, ولا تعلـمهم شيئا مـما أعلـمتك. يقول الله: وَلـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيه أخاهُ قالَ إنّـي أنا أخُوكَ فَلا فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
14950ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ ضمه إلـيه وأنزله, وهو بنـيامين.
14951ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه, يقول, وسئل عن قول يوسف: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ قالَ إنّـي أنا أخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ كيف أجابه حين أخِذ بـالصواع, وقد كان أخبره أنه أخوه وأنتـم تزعمون أنه لـم يزل متنكرا لهم يكايدهم, حتـى رجعوا, فقال: إنه لـم يعترف له بـالنسبة, ولكنه قال: أنا أخوك مكان أخيك الهالك, فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: لا يحزنك مكانه.
وقوله: فَلا تَبْتَئِسْ يقول: فلا تستكِنْ ولا تـحزن, وهو: «فلا تفتعل» من «البؤس», يقال منه: ابتأس يبتئس ابتئاسا.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14952ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَلا تَبْتَئِسْ يقول: فلا تـحزن, ولا تـيأس.
14953ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد, قال: سمعت وهب بن منبه يقول: فَلا تَبْتَئِسْ يقول: لا يحزنك مكانه.
14954ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: لا تـحزن علـى ما كانوا يعملون.
فتأويـل الكلام إذن: فلا تـحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إلـيك فـي نفسك وفـي أخيك من أمك, وما كانوا يفعلون قبل الـيوم بك
244
242
الآية : 64
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاّ كَمَآ أَمِنتُكُمْ عَلَىَ أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال أبوهم يعقوب: هل آمنكم علـى أخيكم من أبـيكم الذي تسألونـي أن أرسله معكم إلا كما أمنتكم علـى أخيه يوسف من قبل؟ يقول: من قبله.
واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: فـاللّهُ خَيْرٌ حافِظا فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض الكوفـيـين والبصريـين: فـاللّهُ خَيْرٌ حفْظا بـمعنى: والله خيركم حفظا. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفـيـين وبعض أهل مكة: فـاللّهُ خَيْرٌ حافِظا بـالألف علـى توجيه الـحافظ إلـى أنه تفسير للـخير, كما يقال: هو خير رجلاً, والـمعنى: فـالله خيركم حافظا, ثم حذفت الكاف والـميـم.
والصواب من القول فـي ذلك أنهما قراءتان مشهورتان متقاربتا الـمعنى قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل علـم بـالقرآن. فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وذلك أن من وصف الله بأنه خيرهم حفظا فقد وصفه بأنه خيرهم حافظا, ومن وصفه بأنه خيرهم حافظا فقد وصفه بأنه خيرهم حفظا. وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ يقول: والله أرحم راحم بخـلقه, يرحم صَعْفِـي علـى كبر سنـي, ووحدتـي بفقد ولدي, فلا يضيعه, ولكنه يحفظه حتـى يردّه علـيّ لرحمته.
الآية : 65
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما فتـح إخوة يوسف متاعهم الذي حملوه من مصر من عند يوسف, وجدوا بضاعتهم, وذلك ثمن الطعام الذي اكتالوه منه ردّت إلـيهم. قالُوا يا أبـانا ما نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنا رُدّتْ إلَـيْنا يعنـي أنهم قالوا لأبـيهم: ماذا نبغي؟ هذه بضاعتنا ردّت إلـينا تطيـيبـا منهم لنفسه بـما صنع بهم فـي ردّ بضاعتهم إلـيه. وإذا وُجّه الكلام إلـى هذا الـمعنى كانت «ما» استفهاما فـي موضع نصب بقوله: نَبْغِي. وإلـى هذا التأويـل كان يوجهه قتادة.
14930ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: ما نَبْغِي يقول: ما نبغي وراء هذا, إن بضاعتنا رُدّت إلـينا, وقد أوفـى لنا الكيـلُ.
وقوله: وَنـميرُ أهْلَنا يقول: ونطلب لأهلنا طعاما فنشتريه لهم, يقال منه: مَارَ فلان أهله يَـميرَهم مَيْرا, ومنه قول الشاعر:
بَعَثْتُكَ مائِرا فَمَكَثْتَ حَوْلاًمَتـى يَأْتـي غِياثُكَ مَنْ تُغِيثُ
وَنَـحْفَظُ أخانا الذي ترسله معنا وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ يقول: ونزداد علـى أحمالنا من الطعام حمل بعير يكال لنا ما حمل بعير آخر من إبلنا, ذلكَ كَيْـلٌ يَسِيرٌ يقول: هذا حِمل يسير. كما:
14931ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج: وَنَزْدَادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ قال: كان لكل رجل منهم حمل بعير, فقالوا: أرسل معنا أخانا نزداد حمل بعير. وقال ابن جريج: قال مـجاهد: كَيْـلَ بَعِيرٍ حمل حمار. قال: وهي لغة. قال القاسم: يعنـي مـجاهد: أن الـحمار يقال له فـي بعض اللغات: بعير.
14932ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ يقول: حمل بعير.
14933ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَنَزْدادُ كَيْـلَ بَعِيرٍ نَعُد به بعيرا مع إبلنا ذلكَ كَيْـلٌ يَسِيرٌ.
الآية : 66
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتّىَ تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مّنَ اللّهِ لَتَأْتُنّنِي بِهِ إِلاّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَىَ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لبنـيه: لن أرسل أخاكم معكم إلـى ملك مصر حتـى تُوْتُون مَوْثِقا مِنَ اللّهِ يقول: حتـى تُعْطون مؤثقا من الله, بـمعنى الـميثاق, وهو ما يوثق به من يـمين وعهد, لَتَأتُنّنِـي بِهِ يقول لتأتننـي: بأخيكم, إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ يقول: إلا أن يحيط بجميعكم ما لا تقدرون معه علـى أن تأتونـي به.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14934ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: فَلَـمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قال: عهدهم.
حدثنـي الـمثنى, قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14935ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ: إلا أن تهلكوا جميعا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد.
قال: وحدثنا إسحاق, قال: أخبرنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
14936ـ حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا معمر, عن قتادة: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ قال: إلا أن تُغلَبوا حتـى لا تطيقوا ذلك.
14937ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قوله: إلاّ أنْ يُحاطَ بِكُمْ: إلا أن يصيبكم أمر يذهب بكم جميعا, فـيكون ذلك عذرا لكم عندي.
وقوله: فَلَـمّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ يقول: فلـما أعطوه عهودهم, قال يعقوب: اللّهُ علـى ما نَقُولُ أنا وأنتـم وَكِيـلٌ يقول: هو شهيد علـينا بـالوفـاء بـما نقول جميعا.
الآية : 67
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَقَالَ يَبَنِيّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مّتَفَرّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُتَوَكّلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يعقوب لبنـيه لـما أرادوا الـخروج من عنده إلـى مصر لـيـمتاروا الطعام: يا بَنـيّ لا تدخـلوا مصر من طريق واحد, وادخـلوا من أبواب متفرّقة وذُكر أنه قال ذلك لهم, لأنهم كانوا رجالاً لهم جمال وهيبة, فخاف علـيهم العين إذا دخـلوا جماعة من طريق واحد وهم ولد رجل واحد, فأمرهم أن يفترقوا فـي الدخول إلـيها. كما:
14938ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا يزيد الواسطيّ, عن جويبر, عن الضحاك: لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ وَادْخـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: خاف علـيهم العين.
14939ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: يا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ واحدٍ خشي نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم العينَ علـى بنـيه كانوا ذوي صورة وجمال.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: وَادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: كانوا قد أوتوا صورةً وجمالاً, فخشي علـيهم أنفسُ الناس.
14940ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَقالَ يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بَـابٍ واحِدٍ وَادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ قال: رهب يعقوب علـيه السلام علـيهم العين.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ, قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ خَشِي يعقوب علـى ولده العين.
14941ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب, عن أبـي معشر, عن مـحمد بن كعب: لا تَدْخُـلُوا مِنْ بَـابٍ وَاحِدٍ قال: خشي علـيهم العين.
14942ـ قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: خاف يعقوب صلى الله عليه وسلم علـى بنـيه العين, فقال: يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحدٍ فـيقال: هؤلاء لرجل واحد, ولكن ادخـلوا من أبواب متفرّقة.
14943ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما أجمعوا الـخروج, يعنـي ولد يعقوب, قال يعقوب: يَا بَنِـيّ لا تَدْخُـلُوا مِنْ بـابٍ وَاحِدٍ وادْخُـلُوا مِنْ أبْوَابٍ مُتَفَرّقَةٍ خشي علـيهم أعين الناس لهيبتهم, وأنهم لرجل واحد.
وقوله: وَما أُغْنِـي عَنْكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ يقول: وما أقدر أن أدفع عنكم من قضاء الله الذي قد قضاه علـيكم من شيء صغير ولا كبـير, لأن قضاءه نافذ فـي خـلقه. إنِ الـحُكْمُ إلاّ لِلّهِ يقول: ما القضاء والـحكم إلا لله دون ما سواه من الأشياء, فإنه يحكم فـي خـلقه بـما يشاء, فـينفذ فـيهم حكمه, ويقضي فـيهم ولا يُردّ قضاؤه. عَلَـيْهِ تَوَكّلْتُ يقول: علـى الله توكلت, فَوَثقت به فـيكم, وفـي حفظكم علـيّ حتـى يردّكم إلـىّ وأنتـم سالـمون معافون, لا علـى دخولكم مصر إذا دخـلتـموها من أبواب متفرّقة. وَعَلَـيْهِ فَلْـيَتَوكّلِ الـمُتَوكّلُونَ يقول: وإلـى الله فلـيفوّض أمورَهم الـمفوّضون.
الآية : 68
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنّهُ لَذُو عِلْمٍ لّمَا عَلّمْنَاهُ وَلَـَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما دخـل ولد يعقوب مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ وذلك دخولهم مصر من أبواب متفرّقة. ما كانَ يُغْنِـي دخولهم إياها كذلك عَنْهُمْ مِنَ قضاء اللّهِ الذي قضاه فـيهم فحتـمه, مِنْ شَيْءٍ إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعَقُوبَ قَضَاها إلا أنهم قضوا وطرا لـيعقوب بدخولهم لا من طريق واحد خوفـا من العين علـيهم, فـاطمأنت نفسه أن يكونوا أُوتُوا من قبل ذلك أو نالهم من أجله مكروه. كما:
14944ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها خيفة العين علـى بنـيه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال: أخبرنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن نـمير, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها قال: خشية العين علـيهم.
14945ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قوله: إلاّ حاجَةً فِـي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاها قال: ما تـخوّف علـى بنـيه من أعين الناس لهيبتهم وعدتهم.
وقوله: وإنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ يقول تعالـى ذكره: وإن يعقوب لذو علـم لتعلـيـمنا إياه. وقـيـل: معناه وإنه لذو حفظ لـما استودعنا صدره من العلـم. واختلف عن قتادة فـي ذلك:
14946ـ فحدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَإِنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ: أي مـما علـمناه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزبـير, عن سفـيان, عن ابن أبـي عَرُوبة عن قتادة: وَإنّهُ لَذُو عِلْـمٍ لِـمَا عَلّـمْناهُ قال: إنه لعامل بـما علـم.
14947ـ قال: الـمثنى, قال إسحاق, قال عبد الله, قال سفـيان: إنه لذو علـم مـما علـمناه, وقال: من لا يعمل لا يكون عالـما.
وَلَكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَـمُونَ يقول جلّ ثناؤه: ولكن كثـيرا من الناس غير يعقوب, لا يعلـمون ما يعلـمه, لأنا حَرَمناه ذلك فلـم يعلـمه.
الآية : 69
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا دَخَلُواْ عَلَىَ يُوسُفَ آوَىَ إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنّيَ أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما دخـل ولد يعقوب علـى يوسف, آوَى إلَـيْهِ أخاهُ يقول: ضمّ إلـيه أخاه لأبـيه وأمه, وكلّ أخوه لأبـيه. كما:
14948ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السّدّي: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ قال: عرف أخاه, فأنزلهم منزلاً, وأجرى علـيهم الطعام والشراب فلـما كان اللـيـل جاءهم بُـمُثل, فقال: لـينـم كلّ أخوين منكم علـى مِثال فلـما بقـي الغلام وحده, قال يوسف: هذا ينام معي علـى فراشي. فبـات معه, فجعل يوسف يشُمّ ريحه, ويضمه إلـيه حتـى أصبح, وجعل رُوبـيـل يقول: ما رأينا مثل هذا, أريحونا منه.
14949ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما دخـلوا, يعنـي ولد يعقوب علـى يوسف, قالوا: هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتـيك به, قد جئناك به فذكر لـي أنه قال لهم: قد أحسنتـم وأصبتـم, وستـجدون ذلك عندي, أو كما قال. ثم قال: إنـي أراكم رجالاً, وقد أردت أن أكرمكم, ودعا ضافته, فقال: أنزل كل رجلـين علـى حدة, ثم أكرمهما وأحسن ضيافتهما ثم قال: إنـي أرى هذا الرجل الذي جئتـم به لـيس معه ثان, فسأضمه إلـيّ, فـيكون منزله معي. فأنزلهم رجلـين رجلـين فـي منازل شتـى, وأنزل أخاه معه, فآواه إلـيه, فلـما خلا به قالَ إنّـي أنا أخُوكَ أنا يوسف فَلا تَبْتَئِسْ بشيء فعلوه بنا فـيـما مضى, فإن الله قد أحسن إلـينا, ولا تعلـمهم شيئا مـما أعلـمتك. يقول الله: وَلـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيه أخاهُ قالَ إنّـي أنا أخُوكَ فَلا فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ.
14950ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ ضمه إلـيه وأنزله, وهو بنـيامين.
14951ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه, يقول, وسئل عن قول يوسف: وَلَـمّا دَخَـلُوا علـى يُوسُفَ آوَى إلَـيْهِ أخاهُ قالَ إنّـي أنا أخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ كيف أجابه حين أخِذ بـالصواع, وقد كان أخبره أنه أخوه وأنتـم تزعمون أنه لـم يزل متنكرا لهم يكايدهم, حتـى رجعوا, فقال: إنه لـم يعترف له بـالنسبة, ولكنه قال: أنا أخوك مكان أخيك الهالك, فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: لا يحزنك مكانه.
وقوله: فَلا تَبْتَئِسْ يقول: فلا تستكِنْ ولا تـحزن, وهو: «فلا تفتعل» من «البؤس», يقال منه: ابتأس يبتئس ابتئاسا.
وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
14952ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: فَلا تَبْتَئِسْ يقول: فلا تـحزن, ولا تـيأس.
14953ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم, قال: ثنـي عبد الصمد, قال: سمعت وهب بن منبه يقول: فَلا تَبْتَئِسْ يقول: لا يحزنك مكانه.
14954ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: فَلا تَبْتَئِسْ بِـمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول: لا تـحزن علـى ما كانوا يعملون.
فتأويـل الكلام إذن: فلا تـحزن ولا تستكن لشيء سلف من إخوتك إلـيك فـي نفسك وفـي أخيك من أمك, وما كانوا يفعلون قبل الـيوم بك
الصفحة رقم 243 من المصحف تحميل و استماع mp3