تفسير الطبري تفسير الصفحة 246 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 246
247
245
 الآية : 87
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَبَنِيّ اذْهَبُواْ فَتَحَسّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رّوْحِ اللّهِ إِنّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رّوْحِ اللّهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: حين طمع يعقوب فـي يوسف, قال لبنـيه: يا بنـيّ اذهبوا إلـى الـموضع الذي جئتـم منه, وخَـلّفتـم أخويكم به فَتَـحَسّسُوا مِنْ يُوسُفَ يقول: التـمسوا يوسف وتعرّفوا من خبره. وأصل التـحسس: التفعل من الـحسّ. وأخِيهِ يعنـي بنـيامين, وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ يقول: ولا تقنطوا من أن يروّح الله عنا ما نـحن فـيه من الـحزن علـى يوسف وأخيه بفَرَج من عنده فـيرينـيهما. إنّهُ لا يَـيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ يقول: لا يقْنَط من فَرَجه ورحمته ويقطع رجاءه منه, إلاّ القَوْمُ الكافِرُونَ يعنـي: القوم الذين يجحدون قدرته علـى ما شاء تكوينه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15106ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: يا بَنِـيّ اذْهَبُوا فَتَـحَسّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأخِيهِ بـمصر. وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ قال: من فرَج الله أن يردّ يوسف.
15107ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله: وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ: أي من رحمة الله.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة نـحوه.
15108ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ثم إن يعقوب قال لبنـيه, وهو علـى حسن ظنه بربه مع الذي هو فـيه من الـحزن: يا بنـيّ اذهبوا إلـى البلاد التـي منها جئتـم فتَـحَسّسُوا مِنْ يُوسُفَ وأخِيهِ وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ: أي من فرجه, إنّهُ لا يَـيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إلاّ القَوْمُ الكافِرُونَ.
15109ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ يقول: من رحمة الله.
15110ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا تَـيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللْهِ قال: من فرج الله, يفرُج عنكم الغمّ الذي أنتـم فـيه.
الآية : 88
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلَمّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَأَيّهَا الْعَزِيزُ مَسّنَا وَأَهْلَنَا الضّرّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدّقْ عَلَيْنَآ إِنّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدّقِينَ }.
وفـي الكلام متروك قد استغنـي بذكر ما ظهر عما حذف, وذلك: فخرجوا راجعين إلـى مصر حتـى صاروا إلـيها, فدخـلوا علـى يوسف فَلَـمّا دَخَـلُوا عَلَـيْهِ قالُوا يا أيّها العَزِيزُ مَسّنا وأهْلَنا الضّرّ أي الشدّة من الـجدب والقحط, وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ. كما:
15111ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: وخرجوا إلـى مصر راجعين إلـيها ببضاعة مُزْجاة: أي قلـيـلة, لا تبلغ ما كانوا يتبـايعون به, إلاّ أن يُتَـجاوز لهم فـيها, وقد رأوا ما نزل بأبـيهم, وتتابع البلاء علـيه فـي ولده وبصره, حتـى قدموا علـى يوسف. فَلَـمّا دَخَـلُوا عَلَـيْهِ قالُوا يا أيّها العَزِيزُ رجاء أن يرحمهم فـي شأن أخيهم, مَسّنا وأهْلَنا الضّرّ. وعَنَى بقوله: وَجِئْنا ببِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ بدراهم أو ثمن لا يجوز فـي ثمن الطعام إلاّ لـمن يتـجاوز فـيها. وأصل الإزجاء: السّوْق بـالدفع, كما قال النابغة الذبـيانـي:
وَهَبّتِ الرّيحُ مِنْ تِلْقاءِ ذي أُرُلٍتُزْجِي معَ اللّـيـلِ مِن صُرّادها صِرَما
يعنـي تسوق وتدفع ومنه قول أعشى بنـي ثعلبة:
الوَاهِبُ الـمِئَةَ الهِجانَ وعَبْدَهاعُوذًا تُزْجّي خَـلْفَها أطْفـالَهَا
وقول حاتـم:
لـيَبْك علـى مِلْـحانَ ضَيْفٌ مُدَفّعٌوأرْمَلَةٌ تُزْجِي معَ اللّـيـلِ أرْمَلا
يعنـي أنها تسوقه بـين يديها علـى ضعف منه عن الـمشي وعجز ولذلك قـيـل: بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ لأنها غير نافقة, وإنـما تـجوز تـجويزا علـى نفع من آخذيها. وقد اختلف أهل التأويـل فـي البـيان عن تأويـل ذلك, وإن كانت معانـي بـيانهم متقاربة. ذكر أقوال أهل التأويـل فـي ذلك:
15112ـحدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: ردية زيوف لا تنفَق حتـى يوضع منها.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد العنقزي, قال: حدثنا إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: الردية التـي لا تنفَق حتـى يُوضَع منها.
15113ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن عثمان بن أبـي سلـيـمان, عن ابن أبـي ملـيكة, عن ابن عبـاس: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: خَـلَقٍ,الغِرارة والـحبل والشيء.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عثمان بن أبـي سلـيـمان عن ابن أبـي ملـيكة, قال: سمعت ابن عبـاس, وسئل عن قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: رثّة الـمتاع: الـحبل والغِرارة والشيء.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا ابن عيـينة, عن عثمان بن أبـي سلـيـمان, عن ابن أبـي ملـيكة, عن ابن عبـاس, مثله.
15114ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: البضاعة: الدراهم, والـمزجاة: غير طائل.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن ابن أبـي زياد, عمن حدثه, عن ابن عبـاس, قال: كاسدة غير طائل.
15115ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, قال: حدثنا أبو حصين, عن سعيد بن جبـير وعكرمة: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال سعيد: ناقصة. وقال عكرمة: دراهم فُسُول.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير وعكرمة, مثله.
15116ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير وعكرمة: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال أحدهما: ناقصة. وقال الاَخر: ردية.
15117ـ وبه قال: حدثنا أبـي عن سفـيان, عن يزيد بن أبـي زياد, عن عبد الله بن الـحارث, قال: كان سمنا وصوفـا.
حدثنا الـحسن, قال: حدثنا علـيّ بن عاصم, عن يزيد بن أبـي زياد قال: سأل رجل عبد الله بن الـحارث وأنا عنده, عن قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة, متاع الأعراب: الصوف والسمن.
15118ـ حدثنا إسحاق بن زياد القطان أبو يعقوب البصري, قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق البلـخيّ, قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري, عن مروان بن عمرو العذريّ, عن أبـي إسماعيـل, عن أبـي صالـح, فـي قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: الصنوبر والـحبة الـخضراء.
15119ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, عن يزيد بن الولـيد, عن إبراهيـم, فـي قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة, ألا تسمع إلـى قوله: «فأوقر ركابنا», وهم يقرؤون كذلك.
حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيـم, أنه قال: ما أراها إلاّ القلـيـلة, لأنها فـي مصحف عبد الله: «وأوقر ركابنا», يعنـي قوله: مزجاة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن القعقاع بن يزيد, عن إبراهيـم, قال: قلـيـلة, ألـم تسمع إلـى قوله: «وأوقر ركابنا».
15120ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو بن مـحمد, عن أبـي بكر الهذلـي, عن سعيد بن جبـير والـحسن: بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال سعيد: الردية. وقال الـحسن: القلـيـلة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن يزيد, عن عبد الله بن الـحارث, قال: متاع الأعراب سمن وصوف.
15121ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن إدريس, عن أبـيه, عن عطية, قال: دراهم لـيست بطائل.
15122ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة, قال: حدثنا سفـيان, عن يزيد بن أبـي زياد, عن عبد الله بن الـحارث: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: شيء من صوف, وشيء من سمن.
15123ـ قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن منصور, عن الـحسن, قال: قلـيـلة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا مـحمد بن بكر, عن ابن جريج, عمن حدثه, عن مـجاهد: مُزْجاةٍ قال: قلـيـلة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
قال: حدثنا الـحسين, قال: حدثنا أبو بكر بن عياش, عن أبـي حصين, عن عكرمة, قال: ناقصة. وقال سعيد بن جبـير: فُسول.
15124ـ قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, عن سعيد بن جبـير: وَجِئْنا ببِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: ردية.
15125ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا الـمـحاربـي, عن جويبر, ظن الضحاك, قال: كاسدة لا تنفَق.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك, قال: كاسدة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبدة, عن جويبر, عن الضحاك, قال: كاسدة غير طائل.
حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ يقول: كاسدة غير نافقة.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي حصين, عن سعيد بن جبـير: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: الناقصة, وقال عكرمة: فـيها تـجوّز.
15126ـ قال: حدثنا إسرائيـل, عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, قال: الدراهم الردية التـي لا تـجوز إلاّ بنقصان.
15127ـ قال: حدثنا إسرائيـل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قال: الدراهم الرّذَال التـي لا تـجوز إلاّ بنقصان.
15128ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: دراهم فـيها جواز.
15129ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ: أي يسيرة.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, مثله.
15130ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ قال: الـمزجاة: القلـيـلة.
15131ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: وَجئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ: أي قلـيـلة لا تبلغ ما كنا نشتري به منك, إلاّ أن تتـجاوز لنا فـيها.
وقوله: فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ بها, وأعطنا بها ما كنت تعطينا قبلُ بـالثمن الـجيد والدراهم الـجائزة الوافـية التـي لا تردّ. كما:
15132ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ: أي أعطنا ما كنت تعطينا قبل, فإن بضاعتنا مزجاة.
15133ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ قال: كما كنت تعطينا بـالدراهم الـجياد.
وقوله: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا يقول تعالـى ذكره: قالوا: وتفضل علـينا بـما بـين سعر الـجياد والردية, فلا تنقصنا من سعر طعامك لرديّ بضاعتنا. إنّ اللّهَ يَجْزِي الـمُتَصَدّقّـينَ يقول: إن الله يثـيب الـمتفضلـين علـى أهل الـحاجة بأموالهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15134ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا قال: تفضل بـما بـين الـجياد والردية.
15135ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, عن سعيد بن جبـير: فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدّق عَلَـيْنا لا تنقصنا من السعر من أجل ردّي دراهمنا.
واختلفوا فـي الصدقة, هل كانت حلالاً للأنبـياء قبل نبـينا مـحمد صلى الله عليه وسلم, أو كانت حراما؟ فقال بعضهم: لـم تكن حلالاً لأحد من الأنبـياء علـيهم السلام. ذكر من قال ذلك:
15136ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن أبـي بكر, عن سعيد بن جبـير, قال: ما سأل نبـيّ قط الصدقة, (و) لكنهم قالوا جِئْنا بِبضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا لا تنقصنا من السعر.
ورُوي عن ابن عيـينة ما:
15137ـ حدثنـي به الـحارث, قال: حدثنا القاسم, قال: يحكى عن سفـيان بن عيـينة أنه سئل: هل حرّمت الصدقة علـى أحد الأنبـياء قبل النبـيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ألـم تسمع قوله: فَأَوْف لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا إنّ اللّهَ يَجْزِي الـمُتَصَدّقِـينَ.
قال الـحارث: قال القاسم: يذهب ابن عيـينة إلـى أنهم لـم يقولوا ذلك إلاّ والصدقة لهم حلال, وهم أنبـياء, فإن الصدقة إنـما حرمت علـى مـحمد صلى الله عليه وسلم, لا علـيهم.
وقال آخرون: إنـما عنى بقوله: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا وتصدّق علـينا بردّ أخينا إلـينا. ذكر من قال ذلك:
15138ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا قال: ردّ إلـينا أخانا.
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن جريج, وإن كان قولاً له وجه, فلـيس بـالقول الـمختار فـي تأويـل قوله: وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا لأن الصدقة فـي الـمتعارف: إنـما هي إعطاء الرجل ذا الـحاجة بعض أملاكه ابتغاء ثواب الله علـيه, وإن كان كل معروف صدقة, فتوجيه تأويـل كلام الله إلـى الأغلب من معناه فـي كلام من نزل القرآن بلسانه أولـى وأحرى.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال مـجاهد.
15139ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا مروان بن معاوية, عن عثمان بن الأسود, قال: سمعت مـجاهدا, وسئل: هل يكره أن يقول الرجل فـي دعائه: اللهمّ تصدّق علـيّ؟ فقال: نعم, إنـما الصدقة لـمن يبغي الثواب.
الآية : 89
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ }.
ذُكِر أن يوسف صلوات الله وسلامه علـيه لـما قال له إخوته: يا أيّها العَزِيزُ مَسّنا وأهْلَنا الضّرّ وَجِئْنا بِبِضَاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنا الكَيْـلَ وَتَصَدّقْ عَلَـيْنا إنّ اللّهَ يَجْزِي الـمُتَصَدّقِـينَ أدركته الرقة وبـاح لهم بـما كان يكتـمهم من شأنه. كما:
15140ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: ذُكر لـي أنهم لـما كلـموه بهذا الكلام غلبته نفسه, فـارفضّ دمعه بـاكيا, ثم بـاح لهم بـالذي يكتـم منهم, فقال: هَلْ عَلِـمْتُـمْ ما فَعَلْتُـمْ بِـيُوسُفَ وأخِيهِ إذْ أنْتُـمْ جاهِلُونَ؟ ولـم يعن بذكر أخيه ما صنعه هو فـيه حين أخذه, ولكن للتفريق بـينه وبـين أخيه, إذ صنعوا بـيوسف ما صنعوا.
15141ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, قال: حدثنا أسبـاط, عن السديّ: فَلَـمّا دَخَـلوا عَلَـيْهِ قالُوا يا أيّها العَزِيزُ مَسّنا وأهْلَنا الضّرّ... الآية, قال: فرحمهم عند ذلك, فقال لهم: هَلْ عَلِـمْتُـمْ ما فَعَلْتُـمْ بِـيُوسُفَ وأخِيهِ إذْ أنْتُـمْ جاهِلُونَ؟
فتأويـل الكلام: هل تذكرون ما فعلتـم بـيوسف وأخيه, إذ فرّقتـم بـينهما وصنعتـم ما صنعتـم إذ أنتـم جاهلون, يعنـي فـي حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بـيوسف, وما إلـيه صائر أمره وأمركم؟
الآية : 90
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُوَاْ أَإِنّكَ لأنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـَذَا أَخِي قَدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْنَآ إِنّهُ مَن يَتّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال إخوة يوسف له حين قال لهم ذلك يوسف: إنّكَ لأَنْتَ يُوسُفَ, فقال: نعم أنا يُوسُفُ وَهَذَا أخِي قَدْ مَنّ اللّهُ عَلَـيْنا بأن جمع بـيننا بعد ما فرّقتـم بـيننا. إنّهُ مَنْ يَتّقِ وَيَصْبِرْ يقول: إنه من يتق الله فـيراقبه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ويصبر, يقول: ويكفّ نفسه, فـيحبسها عما حرم الله علـيه من قول أو عمل عند مصيبة نزلت به من الله فإنّ اللّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ الـمُـحْسِنـينَ يقول: فإن الله لا يبطل ثواب إحسانه وجزاء طاعته إياه فـيـما أمره ونهاه.
وقد اختلف القرّاء فـي قراءة قوله: أَإنكَ لأَنْتَ يُوسُفُ فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار: أإنّكَ علـى الاستفهام. وذُكر أن ذلك فـي قراءة أبـيّ بن كعب: «أوَ أنْتَ يُوسُفُ». ورُوي عن ابن مـحيصن أنه قرأ: «إنّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ» علـى الـخبر, لا علـى الاستفهام.
والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا, قراءة من قرأة بـالاستفهام, لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه.
15142ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق, قال: لـما قال لهم ذلك, يعنـي قوله: هَلْ عَلِـمْتُـمْ ما فَعَلْتُـمْ بِـيُوسُفُ وأخِيهِ إذْ أنْتُـمْ جاهِلُونَ كَشَف الغطاء فعرفوه, فقالوا: أإنّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ... الآية.
15143ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي من سمع عبد الله بن إدريس يذكر, عن لـيث, عن مـجاهد, قوله: إنّهُ مَنْ يَتّقِ وَيَصْبِرْ يقول: من يتق معصية الله ويصبر علـى السجن.
الآية : 91
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنّا لَخَاطِئِينَ }.
يقول جلّ ثناؤه: قال إخوة يوسف له: تالله لقد فضلك الله علـينا وآثرك بـالعلـم والـحلـم والفضل, وَإنْ كُنّا لـخاطِئِينَ يقول: وما كنا فـي فعلنا الذي فعلنا بك فـي تفريقنا بـينك وبـين أبـيك وأخيك وغير ذلك من صنـيعنا الذي صنعنا بك, إلاّ خاطئين: يعنون مُخْطئين, يقال منه: خَطِىء فلان يَخْطَأ خَطأً وخِطْأً, وأخطأ يخطىء إخطاءً ومن ذلك قول أمية بن الأسكر:
وإنّ مُهاجِرَيْنِ تَكَنّفـاهُلعَمْرُ اللّهِ قَدْ خَطِئا وَحابـا
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15144ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: لـما قال لهم يوسف: أنا يُوسُفُ وَهَذَا أخِي اعتذَروا إلـيه, وقالوا: تاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَـيْنا وَإنْ كُنّا لَـخاطِئِينَ فـيـما كنا صنعنا بك.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: تاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَـيْنا وذلك بعد ما عرّفهم أنفسهم, يقول: جعلك الله رجلاً حلـيـما.
الآية : 92
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: قال يوسف لإخوته: لا تَثْرِيبَ يقول: لا تغيـير علـيكم ولا إفساد لـما بـينـي وبـينكم من الـحُرْمة وحقّ الأخوّة, ولكن لكم عندي الصفح والعفو.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15145ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: لا تَثْرِيبَ عَلَـيْكُم لـم يثرّب علـيهم أعمالهم.
15146ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله بن الزّبـير, قوله: لا تَثْرِيبَ عَلَـيْكُمُ الـيَوْمَ قال: قال سفـيان: لا تغيـير علـيكم.
15147ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَـيْكُمُ الـيَوْمَ: أي لا تأنـيب علـيكم الـيوم عندي فـيـما صنعتـم.
15148ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: اعتذروا إلـى يوسف, فقال: لا تَثْرِيبَ عَلَـيْكُمُ الـيَوْمَ يقول: لا أذكر لكم ذنبكم.
و قوله: يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ وهذا دعاء من يوسف لإخوته بأن يغفر الله لهم ذنبهم فـيـما أتوا إلـيه وركبوا منه من الظلـم, يقول: عفـا الله لكم عن ذنبكم وظلـمكم, فستره علـيكم وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمِينَ يقول: والله أرحم الراحيـم لـمن تاب من ذنبه وأناب إلـى طاعته بـالتوبة من معصيته. كما:
15149ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: يَغْفُر اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أرْحَمُ الرّاحِمينَ حيث اعترفوا بذنبهم.
الآية : 93
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اذْهَبُواْ بِقَمِيصِي هَـَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىَ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ }.
قال أبو جعفر: ذكر أن يوسف صلى الله عليه وسلم لـما عرّف نفسه إخوته, سألهم عن أبـيهم, فقالوا: ذهب بصره من الـحزن. فعند ذلك أعطاهم قميصه وقال لهم: اذْهَبُوا بقَمِيصِي هَذَا. ذكر من قال ذلك:
15150ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: قال لهم يوسف: ما فعل أبـي بعدي؟ قالوا: لـما فـاته بنـيامين عمي من الـحزن. قالَ: اذْهَبُوا بقَمِيصِي هَذَا فَألْقُوهُ علـى وَجْهِ أبِـي يَأْتِ بَصِيرا وأْتُونِـي بأهْلِكُمْ أجمَعِينَ.
وقوله: يَأْتِ بَصِيرا يقول: يعد بصيرا. وأْتُونـي بأهْلِكُمْ أجمَعِينَ يقول: وجيئونـي بجميع أهلكم.
الآية : 94
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَمّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنّي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنّدُونِ }.
يقول تعالـى ذكره: ولـما فصلت عير بنـي يعقوب من عند يوسف متوجهة إلـى يعقوب, قال أبوهم يعقوب: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ذكر أن الريح استأذنت ربها فـي أن تأتـي يعقوب بريح يوسف قبل أن يأتـيه البشير, فأذن لها, فأتته بها. ذكر من قال ذلك:
15151ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثنـي أبو شريح, عن أبـي أيوب الهوزنـي, حدثه, قال: استأذنت الريح أن تأتـي يعقوب بريح يوسف حين بعث بـالقميص إلـى أبـيه قبل أن يأتـيه البشير, ففعل, قال يعقوب: إنّـي لأجِدُ ريحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ.
15152ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن إسرائيـل, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهذيـل, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَلـمّا فَصَلَتِ العِيرُ قالَ أبُوهُمْ إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: هاجت ريح, فجاءت بريح يوسف من مسيرة ثمان لـيال, فقال: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهذيـل, عن ابن عبـاس: وَلـمّا فَصَلَتِ العِيرُ قال: هاجت ريح, فجاءت بريح قميص يوسف من مسيرة ثمان لـيال.
حدثنـي أبو السائب, قال: حدثنا ابن فضيـل, عن ضرار, عن ابن أبـي الهذيـل, قال: سمعت ابن عبـاس يقول: وجد يعقوب ريح يوسف, وهو منه علـى مسيرة ثمان لـيال.
حدثنا ابن وكيع والـحسن بن مـحمد, قالا: حدثنا سفـيان بن عيـينة, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهذيـل, قال: كنت إلـى جنب ابن عبـاس, فسئل: مِن كم وجدَ يعقوب ريح القميص؟ قال: من مسيرة سبع لـيال أو ثمان لـيال.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا جرير, عن أبـي سنان, عن أبـي الهذيـل, قال: قال لـي أصحابـي: إنك تأتـي ابن عبـاس, فسله لنا, قال: فقلت: ما أسأله عن شيء, ولكن أجلس خـلف السرير فـيأتـيه الكوفـيون فـيسألون عن حاجتهم وحاجتـي, فسمعته يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان لـيال, قال ابن أبـي الهذيـل: فقلت: ذاك كمكان البصرة من الكوفة.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا علـيّ بن عاصم, عن ضرار بن مرّة, عن عبد الله بن أبـي الهذيـل, قال: سمعت ابن عبـاس يقول: وجد يعقوب ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان لـيال. قال: فقلت فـي نفسي: هذا كمكان البصرة من الكوفة.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهذيـل, عن ابن عبـاس, فـي قوله: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: وجد ريح قميص يوسف من مسيرة ثمان لـيال. قال: قلت له: ذاك كما بـين البصرة إلـى الكوفة. واللفظ لـحديث أبـي كريب.
حدثنا الـحسين بن مـحمد, قال: حدثنا عاصم وعلـي, قالا: أخبرنا شعبة, قال: أخبرنـي أبو سنان, قال: سمعت عبد الله بن أبـي الهذيـل, عن ابن عبـاس فـي هذه الآية: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: وجد ريحه من مسيرة ما بـين البصرة إلـى الكوفة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا آدم العسقلانـي, قال: حدثنا شعبة, قال: حدثنا أبو سنان, قال: سمعت عبد الله بن أبـي الهذيـل يحدث عن ابن عبـاس, مثله.
قال: حدثنا أبو نعيـم, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن أبـي الهذيـل, قال: كنا عند ابن عبـاس فقال: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: وجد ريح قميصه من مسيرة ثمان لـيال.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن أبـي الهذيـل, قال: سمعت ابن عبـاس يقول: وَلـما فَصَلَتِ العِيرُ قال: لـما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف, فقال: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: فوجد ريحه من مسيرة ثمان لـيال.
15153ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن: ذكر لنا أنه كان بـينهما يومئذٍ ثمانون فرسخا, يوسف بأرض مصر ويعقوب بأرض كنعان, وقد أتـى لذلك زمان طويـل.
15154ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, قوله: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: بلغنا أنه كان بـينهم يومئذٍ ثمانون فرسخا, وقال: إنّـي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ وكان قد فـارقه قبل ذلك سبعا وسبعين سنة.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن أبـي الهذيـل عن ابن عبـاس, فـي قوله: إنّـي لأَجِدُ رَيحَ يُوسُفَ قال: وجد ريح قميص من مسيرة ثمانـية أيام.
قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن أبـي الهذيـل, عن ابن عبـاس, قوله: وَلـمّا فَصَلَتِ العِيرُ قال: فلـما خرجت العير هبّت ريح, فذهبت بريح قميص يوسف إلـى يعقوب, فقال: إنّـي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ قال: ووجد ريح قميصه من مسيرة ثمانـية أيام.
15155ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق قال: لـما فصلت العير من مصر استروح يعقوب ريح يوسف, فقال لـمن عنده من ولده: إنّـي لأجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ.
وأما قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ فإنه يعنـي: لولا أن تُعَنّفُونـي, وتُعَجّزونـي, وتلُومونـي, وتكذّبونـي ومنه قول الشاعر:
يا صاحِبَـيّ دَعا لَوْمي وتَفْنِـيدِيفلَـيْس ما فـاتَ من أمْرِي بـمرْدودِ
ويقال: أفند فلانا الدهر, وذلك إذا أفسده ومنه قول ابن مقبل:
دَع الدّهرَ يفْعَلْ ما أرَاد فإنّهإذا كُلّفَ الإفْنادَ بـالنّاس أفْنَدا
واختلف أهل التأويـل فـي معناه, فقال بعضهم: معناه: لولا أن تسفهونـي. ذكر من قال ذلك:
15156ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا ابن عيـينة, عن أبـي سنان, عن ابن أبـي الهذيـل, عن ابن عبـاس: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تسفهون.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن إسرائيـل, عن أبـي سنان عن ابن أبـي الهذيـل, عن ابن عبـاس, مثله.
15157ـ وبه قال: حدثنا أبـي, عن سفـيان, عن خَصيف, عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تسفهون.
15158ـ حدثنـي الـمثنى وعلـيّ بن داود, قالا: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول: تـجهلون.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن أبـي الهذيـل, عن ابن عبـاس: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: لولا أن تسفهون.
حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد وحدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو نعيـم, قالا: جميعا, حدثنا سفـيان, عن خَصِيف, عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: لولا أن تسفهون.
15159ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحِمّانـي, قال: حدثنا شريك, عن أبـي سنان, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, وسالـم عن سعيد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونْ قال أحدهما: تسفهون, وقال الاَخر: تكذّبون.
15160ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا عبد الـملك بن أبـي سلـيـمان, عن عطاء: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: لولا أن تكذّبون, لولا أن تسفهون.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا يزيد بن هارون, عن عبد الـملك, عن عطاء, قال: تسفهون.
15161ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول: لولا أن تسفهون.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: لَوْلا أنْ تُفَنّدونِ يقول: لولا أن تسفهون.
حدثنا الـحسن بن يحيى, قال: أخبرنا عبد الرزاق, قال: أخبرنا إسرائيـل, عن أبـي سنان, عن عبد الله بن أبـي الهذيـل, قال: سمعت ابن عبـاس يقول: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول: تسفهون.
15162ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: ذهب عقله.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: قد ذهب عقله.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: قد ذهب عقله.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال لولا أن تقولوا: ذهب عقلك.
15163ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول: لولا أن تضعفونـي.
15164ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: الذي لـيس له عقل ذلك الـمفند, يقولون لا يعقل.
وقال آخرون: معناه: لولا أن تكذّبون. ذكر من قال ذلك:
15165ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا سويد بن عمرو الكلبـي, عن شريك, عن سالـم: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تكذبون.
15166ـ قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ, قال: لولا أن تهرّمون وتكذّبون.
15167ـ قال: حدثنا مـحمد بن بكر, عن ابن جريج, قال: بلغنـي عن مـجاهد, قال: تكذّبون.
15168ـ قال: حدثنا عبدة وأبو خالد, عن جويبر, عن الضحاك, قال: لولا أن تكذّبون.
حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ, يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: لَوْلا تُفَنّدُونِ تكذّبون.
15169ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو, قال: أخبرنا هشيـم, عن عبد الـملك, عن عطاء, فـي قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تسفهون أو تكذّبون.
15170ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ يقول: تكذّبون.
وقال آخرون: معناه تهرّمون. ذكر من قال ذلك:
15171ـ حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: لولا أن تهرّمون.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عبـيد الله, عن إسرائيـل, عن أبـي يحيى, عن مـجاهد, مثله.
15172ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, قال: تُهرّمون.
حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, قال: أخبرنا أبو الأشهب, عن الـحسن: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ قال: تهرمون.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن أبـي الأشهب وغيره, عن الـحسن, مثله.
وقد بـيّنا أن أصل التفنـيد: الإفساد. وإذا كان ذلك كذلك فـالضعف والهرم والكذب وذهاب العقل وكل معانـي الإفساد تدخـل فـي التفنـيد, لأن أصل ذلك كله الفساد, والفساد فـي الـجسم: الهرم وذهاب العقل والضعف, وفـي الفعل الكذب واللوم بـالبـاطل, ولذلك قال جرير بن عطية:
يا عاذلـيّ دَعا الـمَلام وأقْصِرَاطالَ الهَوَى وأطلْتُـما التّفْنِـيدا
يعنـي الـملامة. فقد تبـين إذ كان الأمر علـى ما وصفنا أن الأقوال التـي قالها مَن ذكرنا قوله فـي قوله: لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ علـى اختلاف عبـاراتهم عن تأويـله, متقاربة الـمعانـي, مـحتـمل جميعها ظاهر التنزيـل, إذ لـم يكن فـي الآية دلـيـل علـى أنه معنـيّ به بعض ذلك دون بعض.
الآية : 95
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَالُواْ تَاللّهِ إِنّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ }.
يقول تعالـى ذكره: قال الذين قال لهم يعقوب من ولده إنّـي لأَجِدَ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أنْ تُفَنّدُونِ تالله أيها الرجل, إنك من حبّ يوسف وذكره, لفـي خطئك وزللك القديـم لا تنساه, ولا تتسلّـى عنه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15173ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـمِ يقول: خطئك القديـم.
15174ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة: قالُوا تاللّهِ إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَديـمِ أي من حبّ يوسف لا تنساه ولا تسلاه, قالوا لوالدهم كلـمة غلـيظة لـم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم ولا لنبـيّ الله صلى الله عليه وسلم.
15175ـ حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن أسبـاط, عن السديّ: قالُوا تاللّهِ إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـمِ قال: فـي شأن يوسف.
15176ـ حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال قال سفـيان: تاللّهِ إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـمِ قال: من حبك لـيوسف.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا عمرو, عن سفـيان, نـحوه.
15177ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: قالُوا تاللّهِ إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـمِ قال: فـي حبك القديـم.
15178ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا سلـمة, عن ابن إسحاق: قالُوا تاللّهِ إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـم أي إنك لـمن ذكر يوسف فـي البـاطل الذي أنت علـيه.
15179ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: تاللّهِ إنّكَ لَفِـي ضَلالِكَ القَدِيـم قال: يعنون: حزنه القديـم علـى يوسف, وفـي ضلالك القديـم: لفـي خطئك القديـم