تفسير الطبري تفسير الصفحة 252 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 252
253
251
 الآية : 19
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ الْحَقّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىَ إِنّمَا يَتَذَكّرُ أُوْلُواْ الألْبَابِ }.
يقول تعالـى ذكره: أهذا الذي يعلـم أن الذي أنزله الله علـيك يا مـحمد حقّ, ويصدّق ويعمل بـما فـيه, كالذي هو أعمى فلا يعرف مَوْقع حجة الله علـيه به ولا يعلـم ما ألزمه الله من فرائضه.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15471ـ حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, عن عمرو, عن سعيد, عن قتادة فـي قوله: أفَمَنْ يَعْلَـمُ أنّـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ منْ رَبّكَ الـحَقّ قال: هؤلاء قوم انتفعوا بـما سمعوا من كتاب الله وعقلوه ووَعَوه, قال الله: كمَنْ هُوَ أعْمَى قال: عن الـخير فلا يبصره.
وقوله: إنّـمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الألْبـابِ يقول: إنـما يتعظ بآيات الله, ويعتبر بها ذوو العقول, وهي الألبـاب, واحدها: لُبّ.
الآية : 20-21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ }
يقول تعالـى ذكره: إنـما يتعظ ويعتبر بآيات الله أولو الألبـاب الذين يوفون بوصية الله التـي أوصاهم. ولا ينقضُونَ الـميثاقَ ولا يخالفون العهد الذي عاهدوا الله علـيه إلـى خلافه, فـيعملوا بغير ما أمرهم به ويخالفوا إلـى ما نهى عنه. وقد بـيّنا معنى العهد والـميثاق فـيـما مضى بشواهده, فأغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15472ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا هشام, عن عمرو, عن سعيد, عن قتادة, قال: إنّـمَا يَتَذَكّرُ أُولُوا الألْبـابِ فبـين من هم, فقال: الّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الـمِيثاقَ فعلـيكم بوفـاء العهد, ولا تنقضوا هذا الـميثاق, فإن الله تعالـى قد نهى وقدّم فـيه أشدّ التقدمة, فذكره فـي بضع وعشرين موضعا, نصيحة لكم وتقدمة إلـيكم وحُجّة علـيكم, وإنـما يعظم الأمر بـما عظّمه الله به عند أهل الفهم والعقل, فعظّموا ما عظم الله قال قتادة: وذُكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول فـي خطبته: «لا إيـمَانَ لِـمَنْ لا أمانَةَ لَهُ, وَلا دِينَ لِـمَنْ لا عَهْدَ لَهُ».
وقوله: وَالّذِينَ يَصِلُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ يقول تعالـى ذكره: والذين يصلون الرحم التـي أمرهم الله بوصلها فلا يقطعونها, ويَخْشَوْنَ رَبّهُمْ يقول: ويخافون الله فـي قطعها أن يقطعوها, فـيعاقبهم علـى قطعها وعلـى خلافهم أمره فـيها. وقوله: ويَخافُونَ سُوءَ الـحِسابِ يقول: ويحذرون مناقشة الله إياهم فـي الـحساب, ثم لا يصفح لهم عن ذنب, فهم لرهبتهم ذلك جادّون فـي طاعته مـحافظون علـى حدوده. كما:
15473ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا جعفر بن سلـيـمان, عن عمرو بن مالك, عن أبـي الـجوزاء, فـي قوله: الّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ ويَخافُونَ سُوءَ الـحِسابِ قال: الـمناقشة بـالأعمال.
15474ـ قال: حدثنا عفـان, قال: حدثنا حماد, عن فرقد, عن إبراهيـم, قال: سوء الـحساب أن يحاسب من لا يغفر له.
15475ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: ويَخافُونَ سُوءَ الـحِسابِ قال: فقال: وما سوء الـحساب؟ قال: الذي لا جواز فـيه.
15476ـ حدثنـي ابن سنان القزّاز, قال: حدثنا أبو عاصم, عن الـحجاج, عن فرقد, قال: قال لـي إبراهيـم: تدري ما سوء الـحساب؟ لا أدري, قال: يحاسب العبد بذنبه كله لا يغفر له منه شيء.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبّهِمْ وَأَقَامُواْ الصّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السّيّئَةَ أُوْلَـَئِكَ لَهُمْ عُقْبَىَ الدّارِ }.
يقول تعالـى ذكره: وَالّذِينَ صَبَرُوا علـى الوفـاء بعهد الله وترك نقض الـميثاق وصلة الرحم, ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبّهِمْ ويعنـي بقوله: ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبّهِمْ طلب تعظيـم الله, وتنزيها له أن يخالف فـي أمره أو يأتـي أمرا كره إتـيانه فـيعصيَه به. وأقامُوا الصّلاةَ يقول: وأدّوا الصلاة الـمفروضة بحدودها فـي أوقاتها. وأنْفقُوا مِـمّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلانِـيَةً يقول: وأدّوا من أموالهم زكاتها الـمفروضة, وأنفقوا منها فـي السبل التـي أمرهم الله بـالنفقة فـيها, سرّا فـي خفـاء وعلانـية فـي الظاهر. كما:
15477ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وأقامُوا الصّلاةَ يعنـي الصلوات الـخمس, وأنْفَقُوا مِـمّا رَزَقْناهُمْ سِرّا وَعَلاَنِـيَةً يقول الزكاة.
15478ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد الصبر: الإقامة, قال: وقال الصبر فـي هاتـين, فصبر لله علـى ما أحبّ وإن ثقل علـى الأنفس والأبدان, وصبر عما يكره وإن نازعت إلـيه الأهواء, فمن كان هكذا فهو من الصابرين. وقرأ: سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ فَنعْمَ عُقْبَى الدّارِ.
وقوله: وَيَدْرَءُونَ بـالـحَسَنَةِ السّيّئَةَ يقول: ويدفعون إساءة من أساء إلـيهم من الناس, بـالإحسان إلـيهم. كما:
15479ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَيَدْرَءُونَ بـالـحَسَنَةً السّيّئَةَ قال: يدفعون الشرّ بـالـخير, لا يكافئون الشرّ بـالشرّ ولكن يدفعونه بـالـخير.
وقوله: أُولَئِكَ لَهُم عُقْبَى الدّارِ يقول تعالـى ذكره: هؤلاء الذين وصفنا صفتهم هم الذين لهم عُقبى الدار, يقول: هم الذين أعقبهم الله دار الـجنان من دارهم التـي لو لـم يكونوا مؤمنـين كانت لهم فـي النار, فأعقبهم الله من تلك هذه. وقد قـيـل: معنى ذلك: أولئك الذين لهم عَقِـيب طاعتهم ربهم فـي الدنـيا دار الـجنان.)
الآية : 23-24
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىَ الدّارِ }.
يقول تعالـى: جَنّاتُ عَدْنٍ ترجمة عن عقبى الدار, كما يقال: نعم الرجل عبد الله, فعبد الله هو الرجل الـمقول له: نعم الرجل, وتأويـل الكلام: أولئك لهم عقـيب طاعتهم ربهم الدار التـي هي جنات عدن. وقد بـيّنا معنى قوله: «عدن», وأنه بـمعنى الإقامة التـي لا ظَعْن معها.
وقوله: وَمَنْ صَلَـحَ مِنْ آبـائهِمْ وأزْوَاجِهِمْ وَذُرّيّاتِهِمْ يقول تعالـى ذكره: جنات عدن يدخـلها هؤلاء الذين وَصَفْتُ صفتهم, وهم الذين يوفون بعهد الله, والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم, والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم, وأقاموا الصلاة, وفعلوا الأفعال التـي ذكرها جلّ ثناؤه فـي هذه الاَيات الثلاث. وَمَنْ صَلَـحَ مِنْ آبـائِهم وأزْوَاجِهِمْ وَهِيَ نِساؤُهُمْ وأهلوهم وذرّياتهم. وصلاحهم إيـمانهم بـالله واتبـاعهم أمره وأمر رسوله علـيه الصلاة والسلام. كما:
15480ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَمَنْ صَلَـحَ مِنْ آبـائهِمْ قال: من آمن فـي الدنـيا.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد وثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, مثله.
15481ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قوله: وَمَنْ صَلَـحَ مِنْ آبـائهِمْ قال: من آمن من آبـائهم وأزواجهم وذرّياتهم.
وقوله: وَالـمَلائِكَةُ يَدْخُـلُونَ عَلَـيْهم مِنْ كُلّ بـابٍ سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ يقول: تعالـى ذكره: وتدخـل الـملائكة علـى هؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم فـي هذه الاَيات الثلاث فـي جنات عَدْن, من كلّ بـاب منها, يقولون لهم: سَلاَمٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ علـى طاعة ربكم فـي الدنـيا, فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ. وذكر أن لـجنات عدن خمسة آلاف بـاب.
15482ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا علـيّ بن جرير, قال: حدثنا حماد بن سلـمة, عن يعلـى بن عطاء, عن نافع بن عاصم, عن عبد الله بن عمرو, قال: إن فـي الـجنة قصرا يقال له عدن, حوله البروج والـمروج, فـيه خمسة آلاف بـاب, علـى كلّ بـاب خمسة آلاف حِبَرة, لا يدخـله إلاّ نبـيّ أو صدّيق أو شهيد.
15483ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَغْراء, عن جويبر, عن الضحاك, فـي قوله: جَنّاتُ عَدْنٍ قال: مدينة الـجنة, فـيها الرسل والأنبـياء والشهداء, وأئمة الهدى, والناس حولهم بعدد الـجنات حولها.
وحذف من قوله: وَالـمَلائِكَةُ يَدْخُـلُونَ عَلَـيْهمْ مِنْ كُلّ بـابٍ سَلامٌ عَلَـيْكُمْ «يقولون» اكتفـاء بدلالة الكلام علـيه, كما حذف ذلك من قوله: وَلَوْ تَرَى إذِ الـمُـجْرِمُونَ ناكِسُو رُءُوسهِمْ عِنْدَ رَبّهِمْ رَبّنا أبْصَرْنا.
15484ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن بقـية بن الولـيد, قال: ثنـي أرطأة بن الـمنذر, قال: سمعت رجلاً من مشيخة الـجند يقال له أبو الـحجاج, يقول: جلست إلـى أبـي أُمامة فقال: إن الـمؤمن لـيكون متكئا علـى أريكته إذا دخـل الـجنة, وعنده سِماطان من خدم, وعند طرف السّماطين سور, فـيُقبِل الـمَلَك يستأذن, فـيقول للذي يـلـيه: ملك يستأذن, ويقول الذي يـلـيه: ملك يستأذن, ويقول الذي يـلـيه للذي يـلـيه: ملك يستأذن, حتـى يبلغ الـمؤمن فـيقول: ائذنوا فـيقول: أقربهم إلـى الـمؤمن ائذنوا, ويقول الذي يـلـيه للذي يـلـيه: ائذنوا, فكذلك حتـى يبلغ أقصاهم الذي عند البـاب, فـيفتـح له, فـيدخـل فـيسلـم ثم ينصرف.
15485ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن إبراهيـم بن مـحمد, عن سهل بن أبـي صالـح, عن مـحمد بن إبراهيـم, قال: كان النبـيّ صلى الله عليه وسلم يأتـي قبور الشهداء علـى رأس كلّ حول فـيقول: «السّلامٌ عَلَـيكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ فنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ», وأبو بكر وعمر وعثمان.
وأما قوله: سَلامٌ عَلَـيكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ فإن أهل التأويـل قالوا فـي ذلك نـحو قولنا فـيه. ذكر من قال ذلك:
15486ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرزّاق, عن جفعر بن سلـيـمان, عن أبـي عمران الـجُوْنِـيّ أنه تلا هذه الآية: سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ قال: علـى دينكم.
15487ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ قال: حين صبروا لله بـما يحبه الله فقدّموه. وقرأ: وَجَزَاهُمْ بِـمَا صَبَرُوا جَنّةً وَحَرِيرا حتـى بلغ: وكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا وصبروا عما كره الله وحرّم علـيهم, وصبروا علـى ما ثقل علـيهم وأحبه الله, فسلـم علـيهم بذلك. وقرأ: وَالـمَلائِكَةُ يَدْخُـلُونَ عَلَـيْهِمْ مِنْ كُلّ بـابٍ سَلامٌ عَلَـيْكُمْ بِـمَا صَبَرْتُـمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ.
وأما قوله: فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ فإن معناه إن شاء الله كما:
15488ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال حدثنا عبد الرزاق, عن جعفر, عن أبـي عمران الـجوْنِـي فـي قولهم فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ قال: الـجنة من النار.
الآية : 25
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَالّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُوْلَـَئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوَءُ الدّارِ }.
يقول تعالـى ذكره: وَ أما الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ, ونقضهم ذلك: خلافُهم أمر الله, وعملهم بـمعصيته, مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ يقول: من بعد ما وثقوا علـى أنفسهم لله أن يعملوا بـما عهد إلـيهم, وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ يقول: ويقطعون الرحم التـي أمرهم الله بوصلها, وَيُفْسِدُونَ فِـي الأرْضِ فسادهم فـيها: عملهم بـمعاصي الله أُولَئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ يقول: فهؤلاء لهم اللعنة, وهي البُعد من رحمته والإقصاء من جنانه, وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ يقول: ولهم ما يسوءهم فـي الدار الاَخرة.
15489ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قال: أكبر الكبـائر: الإشراك بـالله, لأن الله يقول: وَمَنْ يُشْرِكْ بـاللّهِ فَكأَنـمَا خَرّ مِنَ السّماءِ فَتَـخْطَفُهُ الطّيْرُ, ونقض العهد وقطيعة الرحم, لأن الله تعالـى يقول: أُولَئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ يعنـي: سوء العاقبة.
15490ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, قال: قال ابن جريج, فـي قوله: وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ قال: بلغنا أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذَا لَـمْ تَـمْشِ إلـى ذِي رَحِمِك بِرِجْلِكَ وَلَـمْ تُعْطِهِ مِنْ مالِكَ فَقَدْ قَطَعْتَهُ».
15491ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى, قال: حدثنا مـحمد بن جعفر, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرّة, عن مصعب بن سعد, قال: سألت أبـي عن هذه الآية: قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُمْ بـالأَخْسَرِينَ أعْمالاً الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِـي الـحَياةِ الدّنْـيا أهم الـحرورية؟ قال: لا, ولكن الـحرورية الّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْد اللّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِـي الأرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ. فكان سعد يسميهم الفـاسقـين.
حدثنا ابن الـمثنى, قال: حدثنا أبو داود, قال: حدثنا شعبة, عن عمرو بن مرّة, قال: سمعت مصعب بن سعد, قال: كنت أمسك علـى سعد الـمصحف, فأتـى علـى هذه الآية, ثم ذكر نـحو حديث مـحمد بن جعفر.
الآية : 26
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّهُ يَبْسُطُ الرّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدّنْيَا فِي الاَخِرَةِ إِلاّ مَتَاعٌ }.
يقول تعالـى ذكره: الله يوسع علـى من يشاء من خـلقه فـي رزقه, فـيبسط له منه, لأن منهم من لا يصلـحه إلا ذلك. وَيَقْدِرُ يقول: ويقتر علـى من يشاء منهم فـي رزقه وعيشه, فـيضيقه علـيه, لأنه لا يصلـحه إلا الإقتار. وَفَرِحُوا بـالـحَياةِ الدّنـيْا يقول تعالـى ذكره: وفرح هؤلاء الذين بسط لهم فـي الدنـيا من الرزق علـى كفرهم بـالله ومعصيتهم إياه بـما بسط لهم فـيها, وجهلوا ما عند الله لأهل طاعته والإيـمان به فـي الاَخرة من الكرامة والنعيـم. ثم أخبر جلّ ثناؤه عن قدر ذلك فـي الدنـيا فـيـما لأهل الإيـمان به عنده فـي الاَخرة وأعلـم عبـاده قلته, فقال: وَما الـحَياةُ الدّنـيْا فِـي الاَخِرَةِ إلاّ مَتاعٌ يقول: وما جميع ما أعطى هؤلاء فـي الدنـيا من السعة وبسط لهم فـيها من الرزق ورغد العيش فـيـما عند الله لأهل طاعته فـي الاَخرة إلا متاع قلـيـل وشيء حقـير ذاهب. كما:
15492ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيج, عن مـجاهد, قوله: إلاّ مَتاعٌ قال: قلـيـل ذاهب.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد. قال: وثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: وَما الـحَياةُ الدّنـيْا فِـي الاَخِرَةِ إلاّ مَتاعٌ قال: قلـيـل ذاهب.
15493ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن الأعمش, عن بكير بن الأخنس, عن عبد الرحمن بن سابط فـي قوله: وَفَرِحُوا بـالـحَياةِ الدّنـيْا وَما الـحَياةُ الدّنـيْا فِـي الاَخِرَة إلاّ مَتاعٌ قال: كزاد الراعي يزوّده أهله الكفّ من التـمر, أو الشيء من الدقـيق, أو الشيء يشرب علـيه اللبن.

الآية : 27
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقُولُ الّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مّن رّبّهِ قُلْ إِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويقول لك يا مـحمد مشركو قومك: هلا أنزل علـيك آية من ربك, إما ملَك يكون معك نذيرا, أو يـلقـى إلـيك كنز, فقل: إن الله يضلّ منكم من يشاء أيها القوم فـيخذله عن تصديقـي والإيـمان بـما جئته به من عند ربـي ولـيس ضلال من يضلّ منكم بأن لـم ينزل علـى آية من ربـي ولا هداية من يهتدى منكم بأنها أنزلت علـيّ, وإنـما ذلك بـيد الله, يوفّق من يشاء منكم للإيـمان ويخذل من يشاء منكم فلا يؤمن. وقد بـيّنت معنى الإنابة فـي غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
15494ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَيهْدِي إلَـيهِ مَنْ أنابَ: أي من تاب وأقبل.
الآية : 28-29
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ الْقُلُوبُ * الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ طُوبَىَ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ }.
يقول تعالـى ذكره: وَيهْدِي إلَـيْهِ مَنْ أنَابَ بـالتوبة الذين آمنوا. والذين آمنوا فـي موضع نصب ردّ علـى مَن, لأن الذين آمنوا هم من أناب ترجم بها عنها.
وقوله: وَتَطْمَئِنّ قَلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ يقول: وتسكن قلوبهم وتستأنس بذكر الله. كما:
15495ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ يقول: سكنت إلـى ذكر الله واستأنست به.
وقوله: ألا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ القُلُوبُ يقول: ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوب الـمؤمنـين. وقـيـل: إنه عنى بذلك قلوب الـمؤمنـين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:
15496ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: ألاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ القُلُوبُ لـمـحمد وأصحابه.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل وحدثنا الـمثنى قال: حدثنا إسحاق, قال: ثناعبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد: ألا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنّ القُلُوبُ قال: لـمـحمد وأصحابه.
15497ـ قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا سفـيان بن عيـينة فـي قوله: وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ قال: هم أصحاب مـحمد صلى الله عليه وسلم.
وقوله: الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحاتِ الصالـحات من الأعمال, وذلك العمل بـما أمرهم ربهم. طُوَبى لَهُمْ وطُوَبى فـي موضع رفع بلهم. وكان بعض أهل البصرة والكوفة يقول ذلك رفع, كما يقال فـي الكلام: وَيْـلٌ لعمرو, وإنـما أوثر الرفع فـي طُوبَى لـحسن الإضافة فـيه بغير لام, وذلك أنه يقال فـيه طوبـاك, كما يقال: ويْـلَك ووَيْبك, ولولا حسن الإضافة فـيه بغير لام لكان النصب فـيه أحسن وأفصح, كما النصب فـي قولهم: تَعْسا لزيد وبُعدا له وسحقا أحسن, إذ كانت الإضافة فـيها بغير لام لا تـحسن.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله طُوبَى لَهُمْ فقال بعضّهم: معناه: نِعْمَ ما لَهم. ذكر من قال ذلك:
15498ـ حدثنـي جعفر بن مـحمد البروريّ من أهل الكوفة, قال: حدثنا أبو زكريا الكلبـيّ, عن عمر بن نافع, قال: سئل عكرمة عن «طوبى لهم», قال: نِعْمَ ما لَهم.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا عمرو بن نافع, عن عكرمة, فـي قوله: طُوَبى لَهُمْ قال: نِعْم ما لَهم.
حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: ثنـي عمرو بن نافع, قال: سمعت عكرمة, فـي قوله: طُوَبى لَهُمْ قال: نِعْم ما لَهم.
وقال آخرون: معناه: غبْطةٌ لهم. ذكر من قال ذلك:
15499ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا أبو خالد الأحمر, عن جويبر, عن الضحاك: طُوَبى لَهُمْ قال: غِبْطة لهم.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَغْراء, عن جويبر, عن الضحاك, مثله.
قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جُوَيبر, عن الضحاك, مثله.
وقال آخرون: معناه: فَرَح وقرّة عين. ذكر من قال ذلك:
15500ـ حدثنـي علـيّ بن داود الـمثنى بن إبراهيـم, قالا: حدثنا عبد الله, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: طُوَبَى لَهُمْ يقول: فَرَح وقرّة عين.
وقال آخرون: معناه: حُسْنَى لهم. ذكر من قال ذلك:
15501ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: طُوَبى لَهُمْ يقول: حُسْنَى لهم, وهي كلـمة من كلام العرب.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: طُوَبى لَهُمْ هذه كلـمة عربـية, يقول الرجل: طُوَبى لك: أي أصبتَ خيرا.
وقال آخرون: معناه: خير لهم. ذكر من قال ذلك:
15502ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا ابن يـمان, قال: حدثنا سفـيان, عن منصور, عن إبراهيـم, قال: خير لهم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن إبراهيـم, فـي قوله: طُوَبى لَهُمْ قال: الـخير والكرامة التـي أعطاهم الله.
وقال آخرون: طُوَبى لَهُمْ اسم من أسماء الـجنة, ومعنى الكلام: الـجنة لهم. ذكر من قال ذلك:
15503ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يـمان, عن أشعث, عن جعفر, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس: طُوبَى لَهُمْ قال: اسم الـجنة بـالـحبشية.
15504ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن سعيد بن مشجوع فـي قوله: طُوَبى لَهُمْ قال: «طوبى»: اسم الـجنة بـالهِندية.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا داود بن مهران, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر بن أبـي الـمُغيرة, عن سعيد بن مشجوع, قال: اسم الـجنة بـالهندية: طُوبَى.
15505ـ حدثنا أبو هشام, قال: حدثنا ابن يـمان, قال: حدثنا سفـيان, عن السديّ, عن عكرمة: طُوبَى لَهُمْ قال: الـجنة.
15506ـ قال: حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: طُوبَى لَهُمْ قال: الـجنة.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, مثله.
15507ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ قال: لـما خـلق الله الـجنة وفرغ منها قال: الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ وذلك حين أعجبته.
حدثنا أحمد, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا شريك, عن لـيث, عن مـجاهد: طُوبَى لَهُمْ قال الـجنة.
وقال آخرون: طُوَبى لَهُمْ: شجرة فـي الـجنة. ذكر من قال ذلك:
15508ـ حدثنا مـحمد بن بشار, قال: حدثنا عبد الرحمن, قال: حدثنا قرة بن خالد, عن موسى بن سالـم, قال: قال ابن عبـاس: طُوبَى لَهُمْ شجرة فـي الـجنة.
15509ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن الأشعث بن عبد الله, عن شَهْر بن حَوْشب, عن أبـي هريرة: طُوبَى لَهُمْ: شجرة فـي الـجنة يقول لها: تفتقـي لعبدي عما شاء فتتفتق له عن الـخيـل بسروجها ولُـجُمها, وعن الإبل بأزمّتها, وعم شاء من الكسوة.
15510ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا يعقوب, عن جعفر, عن شهر بن حوشب, قال: طوبى: شجرة فـي الـجنة, كلّ شجر الـجنة منها, أغصانها من وراء سُور الـجنة.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد بن نصر, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن معمر, عن الأشعث, بن عبد الله, عن شهر بن حوشب, عن أبـي هريرة قال: فـي الـجنة شجرة يقال لها طُوَبى, يقول الله لها: تفتقـي فذكر نـحو حديث ابن عبد الأعلـى, عن ابن ثور.
15511ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الـجبـار, قال: حدثنا مروان, قال: أخبرنا العلاء, عن شمّر بن عطية, فـي قوله: طُوبَى لَهُمْ قال: هي شجرة فـي الـجنة يقال لها طوبى.
15512ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا سويد, قال: أخبرنا ابن الـمبـارك, عن سفـيان, عن منصور, عن حسان أبـي الأشرس, عن مُغيث بن سُمَيّ, قال: طُوَبى: شجرة فـي الـجنة, لـيس فـي الـجنة دار إلا فـيها غصن منها, فـيجيء الطائر فـيقع فـيدعوه, فـيأكل من أحد جنبـيه قَدِيدا ومن الاَخر شِواء, ثم يقول: طِرْ فـيطير.
15513ـ قال: حدثنا أبو صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن بعض أهل الشام, قال: إن ربك أخذ لؤلؤة فوضعها علـى راحتـيه, ثم دَمْلـجها بـين كفـيّه, ثم غرسها وسط أهل الـجنة, ثم قال لها: امتدّي حتـى تبلغي مرضاتـي ففعلت, فلـما استوت تفجّرت من أصولها أنهار الـجنة, وهي طُوَبى.
15514ـ حدثنا الفضل بن الصبـاح, قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم الصنعانـي, قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل, أنه سمع وهبـا يقول: إن فـي الـجنة شجرة يقال لها: طُوَبى, يسير الراكب فـي ظلها مئة عام لا يقطعها زهرها رياط, وورقها برود, وقضبـانها عنبر, وبطحاؤها ياقوت, وترابها كافور, ووحلها مسك, يخرج من أصلها أنهار الـخمر واللبن والعسل, وهي مـجلس لأهل الـجنة. فبـينا هم فـي مـجلسهم إذ أتتهم ملائكة من ربهم, يقودون نُـجبُـا مزمومة بسلاسل من ذهب, وجوهها كالـمصابـيح من حسنها, وبرها كخزّ الـمِرْعِزّي من لـينه, علـيها رحال ألواحها من ياقوت, ودفوفها من ذهب, وثـيابها من سندس وإستبرق, فـينـيخونها ويقولون: إن ربنا أرسلنا إلـيكم لتزوروه وتسلـموا علـيه. قال: فـيركبونها. قال: فهي أسرع من الطائر, وأوطأ من الفِراش نُـجُبـا من غير مَهَنة, يسير الرجل إلـى جنب أخيه وهو يكلـمه ويناجيه, لا تصيب أذن راحلة منها أذن صاحبتها, ولا بَرْك راحلة بَرْك صاحبتها, حتـى إن الشجرة لتتنـحّى عن طرقهم لئلا تفرّق بـين الرجل وأخيه. قال: فـيأتون إلـى الرحمن الرحيـم, فـيسفر لهم عن وجهه الكريـم حتـى ينظروا إلـيه, فإذا رأوه قالوا: اللهمّ أنت السلام ومنك السلام, وحقّ لك الـجلال والإكرام قال: فـيقول تبـارك وتعالـى عند ذلك: أنا السلام, ومنى السلام, وعلـيكم حَقّت رحمتـي ومـحبتـي, مرحبـا بعبـادي الذين خَشُونـي بغيب أطاعوا أمري قال: فـيقولون: ربنا إنا لـم نعبدك حقّ عبـادتك ولـم نقدّرك حقّ قدرك, فأذن لنا بـالسجود قدامك قال: فـيقول الله: إنها لـيست بدار نصَب ولا عبـادة, ولكنها دار مُلك ونعيـم, وإنـي قد رَفَعت عنكم نَصَب العبـادة, فسلونـي ما شئتـم, فإن لكلّ رجل منكم أمنـيته فـيسألونه حتـى إن أقصرهم أمنـية لـيقول: ربّ تنافس أهل الدنـيا فـي دنـياهم فتضايقوا فـيها, ربّ فآتنـي كلّ شيء كانوا فـيه من يوم خـلقتها إلـى أن انتهت الدنـيا فـيقول الله: لقد قَصّرت بك الـيوم أمنـيتك, ولقد سألت دون منزلتك, هذا لك منـي, وسأتـحفك بـمنزلتـي, لأنه لـيس فـي عطائي نَكَد ولا تَصْرِيد. قال: ثم يقول: اعرضوا علـى عبـادي ما لـم تبلغ أمانـيّهم ولـم يخطر لهم علـى بـال قال: فـيَعرضون علـيهم حتـى يقضوهم أمانـيهم التـي فـي أنفسهم, فـيكون فـيـما يعرضون علـيهم براذينُ مقرنة, علـى كلّ أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة, علـى كلّ سرير منها قُبة من ذهب, مُفْرَغة, فـي كل قبة منها فرش من فُرُش الـجنة مظاهرة, فـي كل قبة منها جاريتان من الـحور العين, علـى كلّ جارية منهنّ ثوبـان من ثـياب الـجنة, لـيس فـي الـجنة لون إلا وهو فـيهما, ولا ريح طيّبة إلا قد عَبقتا به, ينَفُذ ضوء وجوههما غلَظَ القبة, حتـى يظن من يراهما أنهما من دون القبة, يرى مخهما من فوق سُوقهما كالسلك الأبـيض من ياقوتة حمراء, يريان له من الفضل علـى صحابته كفضل الشمس علـى الـحجارة أو أفضل, ويرى هو لهما مثل ذلك. ثم يدخـل إلـيهما فـيحيـيانه ويقبلانه ويعانقانه, ويقولان له: والله ما ظننا أن الله يخـلق مثلك ثم يأمر الله الـملائكة فـيسيرون بهم صفـا فـي الـجنة حتـى ينتهي كلّ رجل منهم إلـى منزلته التـي أُعدت له.
15515ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا علـي بن جرير, عن حماد, قال: شجرة فـي الـجنة فـي دار كل مؤمن غصن منها.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن منصور, عن حسّان بن أبـي الأشرس, عن مُغيث بن سُمَيّ قال: طوبى: شجرة فـي الـجنة لو أن رجلاً ركب قلوصا جذعا أو جذعة, ثم دار بها لـم يبلغ الـمكان الذي ارتـحل منه حتـى يـموت هرما. وما من أهل الـجنة منزل إلا فـيه غصن من أغصان تلك الشجرة متدلّ علـيهم, فإذا أرادوا أن يأكلوا من الثمرة تدلـى إلـيهم فـيأكلون منه ما شاءوا, ويجيء الطير فـيأكلون منه قديدا وشواء ما شاءوا, ثم يطير.
وقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر بنـحو ما قال من قال هي شجرة. ذكر الرواية بذلك:
15516ـ حدثنـي سلـيـمان بن داود القُومسي, قال: حدثنا أبو توبة الربـيع بن نافع, قال: حدثنا معاوية بن سلام, عن زيد, أنه سمع أبـا سلام, قال: حدثنا عامر بن زيد البكالـي, أنه سمع عتبة بن عبد السلـمي يقول: جاء أعرابـيّ إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, إن فـي الـجنة فـاكهة؟ قال: «نَعَمْ, فِـيها شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى, هِيَ تُطَابِقُ الفِرْدَوْسَ». قال: أيّ شجر أرضنا تُشْبه؟ قال: «لَـيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئا مِنْ شَجَرِ أرْضِكَ, وَلَكِنْ أتَـيْتَ الشّامَ؟» فقال: لا يا رسول الله, فقال: «فإنّها تُشْبِهُ شَجَرَةً تُدْعَى الـجُوزَةَ, تَنْبُتُ علـى ساقٍ وَاحِدَةٍ ثُمّ يَنْتَشِرُ أعْلاها» قال: ما عظم أصلها؟ قال: «لَوِ ارْتَـحَلتْ جَذَعَةٌ مِنْ إبلِ أهْلِكَ ما أحاطَتْ بأصلها حتـى تَنْكَسِرَ تَرْقوَتاها هَرَما».
15517ـ حدثنا الـحسن بن شبـيب, قال: حدثنا مـحمد بن زياد الـجريري, عن فرات بن أبـي الفرات, عن معاوية بن قُرة, عن أبـيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مآبٍ: شَجَرَةٌ غَرَسَها اللّهُ بـيَدِهِ, وَنَفَخَ فِـيها مِنْ رَوْحِهِ بـالـحُلِـيّ والـحُلَلِ, وَإنّ أغْصَانَها لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الـجَنَةِ».
15518ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: أخبرنـي عمرو بن الـحارث, أن دراجا حدثه أن أبـا الهيثم حدثه, عن أبـي سعيد الـخدريّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلا قال له: يا رسول الله ما طوبى؟ قال: «شَجَرَةٌ فِـي الـجَنّةِ مَسِيَرةُ مِئَةٍ سَنَةٍ, ثِـيابُ أهْلِ الـجَنّةِ تَـخْرُجُ مِنْ أكمامِها».
فعلـى هذا التأويـل الذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرواية به, يجب أن يكون القول فـي رفع قوله: طُوبَى لَهُمْ خلاف القول الذي حكيناه عن أهل العربـية فـيه. وذلك أن الـخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طُوبى اسم شجرة فـي الـجنة, فإذا كان كذلك فهو اسم لـمعرفة كزيد وعمرو. وإذا كان ذلك كذلك, لـم يكن فـي قوله: وَحُسْنُ مآبٍ إلا الرفع عطفـا به علـى «طوبى».
وأما قوله: وَحُسْنُ مآبٍ فإنه يقول: وحُسن منقلب كما:
15519ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عمرو بن عون, قال: أخبرنا هشيـم, عن جويبر, عن الضحاك: وَحُسْنُ مآبٍ قال: حسن منقلب