تفسير الطبري تفسير الصفحة 253 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 253
254
252
 الآية : 30
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِيَ أُمّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ لّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرّحْمَـَنِ قُلْ هُوَ رَبّي لآ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ }.
يقول تعالـى ذكره: هكذا أرسلناك يا مـحمد فـي جماعة من الناس, يعنـي إلـى جماعة قد خـلت من قبلها جماعات علـى مثل الذي هم علـيه, فمضت لِتَتْلُوَ عَلَـيْهِمُ الّذِي أوْحَيْنا إلَـيْكَ يقول: لتبلغهم ما أرسلتك به إلـيهم من وحيـي الذي أوحيته إلـيك. وَهُمْ يَكْفُرُونَ بـالرّحْمَنِ يقول: وهم يجحدون وحدانـية الله, ويكذّبون بها. قُلْ هُوَ رَبّـي يقول: إن كفر هؤلاء الذين أرسلتك إلـيهم يا مـحمد بـالرحمن, فقل: أنت الله ربـي لا إلَهَ إلاّ هُوَ عَلَـيْهِ تَوَكّلْتُ وَإلَـيْهِ مَتابِ يقول: وإلـيه مرجعي وأوبتـي. وهو مصدر من قول القائل: تبت متابـا وتوبة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15520ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَهُمْ يَكُفُرُونَ بـالرّحْمَنِ ذكر لنا أن نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم زمن الـحديبـية حين صالـح قريشا كتب: «هذا ما صالـح علـيه مـحمد رسول الله». فقال مشركو قريش: لئن كنتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قاتلناك لقد ظلـمناك, ولكن اكتب: هذا ما صالـح علـيه مـحمد بن عبد الله. فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعنا يا رسول الله نقاتلهم فقال: «لا, ولكنْ اكْتُبُوا كما يُرِيدُونَ إنـيّ مـحَمّد بْنُ عَبْدِ اللّهِ» فلـما كتب الكاتب: «بسم الله الرحمن الرحيـم», قالت قريش: أما الرحمن فلا نعرفه وكان أهل الـجاهلـية يكتبون: «بـاسمك اللهمّ», فقال أصحابه: يا رسول الله دعنا نقاتلهم قال: «لا ولكِنْ اكْتُبُوا كمَا يُرِيدُونَ».
15521ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنى حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, قال: قوله: كذلكَ أرْسَلْناكَ فِـي أُمّةٍ قَدْ خَـلَتْ... الآية, قال: هذا لـما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فـي الـحديبـية كتب: «بسم الله الرحمن الرحيـم», قالوا: لا تكتب الرحمن, وما ندري ما الرحمن, ولا نكتب إلا بـاسمك اللهمّ قال الله: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بـالرّحمَنِ قُلْ هُوَ رَبـي لا إلَهَ إلاّ هُوَ... الآية.
الآية : 31
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ أَنّ قُرْآناً سُيّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلّمَ بِهِ الْمَوْتَىَ بَل للّهِ الأمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوَاْ أَن لّوْ يَشَآءُ اللّهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلّ قَرِيباً مّن دَارِهِمْ حَتّىَ يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك, فقال بعضهم: معناه: وهم يكفرون بـالرحمن وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجبـالُ: أي يكفرون بـالله ولو سير لهم الـجبـال بهذا القرآن. وقالوا: هو من الـمؤخر الذي معناه التقديـم. وجعلوا جواب «لو» مقدّما قبلها, وذلك أن الكلام علـى معنى قـيـلهم: ولو أن هذا القرآن سيرت به الـجبـال أو قُطّعت به الأرض, لكفروا بـالرحمن. ذكر من قال ذلك:
15522ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى قال: هم الـمشركون من قريش, قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو وسعت لنا أودية مكة, وسيرت جبـالها, فـاحترثناها, وأحيـيت من مات منا, أو قطّع به الأرض, أو كلـم به الـموتـى فقال الله تعالـى: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى بَلْ لِلّهِ الأمْرُ جَميعا.
15523ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: وَلَوْ أنّ قُرْآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى قول كفـار قريش لـمـحمد: سير جبـالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة, أو قرّب لنا الشأم فإنا نتـجر إلـيها, أو أخرج لنا آبـاءنا من القبور نكلـمهم فقال الله تعالـى: وَلَوْ أنّ قُرْآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو حذيفة, قال: حدثنا شبل, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, بنـحوه.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, نـحوه.
15524ـ قال: ابن جريج, وقال عبد الله بن كثـير, قالوا: لو فسحت عنا الـجبـال, أو كلـمت به الـموتـى, فنزل ذلك. قال ابن جريج, وقال ابن عبـاس: قالوا: سير بـالقرآن الـجبـال, قطع بـالقرآن الأرض, أخرج به موتانا.
15525ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن كثـير: قالوا: لو فسحت عنا الـجبـال, أو أجريت لنا الأنهار, أو أجريت لنا الأنهار, أو كلـمت به الـموتـى, فنزل ذلك. قال ابن جريج, وقال ابن عبـاس: قالوا: سير بـالقرآن الـجبـال, قطع بـالقرآن الأرض, أخرج به موتانا.
15526ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, قال: قال ابن كثـير: قالوا: لو فسحت عنا الـجبـال أو أجريت لنا الأنهار أو كلـمت به الـموتـى فنزل: أفَلَـمْ يَـيْأسِ الَذِينَ آمَنُوا.
وقال آخرون: بل معناه: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ كلام مبتدأ منقطع عن قوله: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بـالرّحْمَنِ. قال: وجواب «لو» مـحذوف استغنـي بـمعرفة السامعين الـمرادَ من الكلام عن ذكر جوابها. قالوا: والعرب تفعل ذلك كثـيرا, ومنه قول امرىء القـيس:
فَلَوْ أنّها نَفْسٌ تَـمُوتُ سَرِيحَةًولكِنّها نَفْسٌ تَقَطّعُ أنْفُسَا
وهو آخر بـيت فـي القصيدة, فترك الـجواب اكتفـاء بـمعرفة سامعه مراده, وكما قال الاَخر:
فَأُقُسِمُ لَوْ شَيْءٌ أتانا رَسُولُهُسِوَاكَ وَلكِنْ لَـمْ نَـجِدْ لكَ مَدْفَعا
ذكر من قال نـحو معنى ذلك:
15527ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى ذكر لنا أن قُريشا قالوا: إن سرّك يا مـحمد اتبـاعك, أو أن نتبعك, فسير لنا جبـال تهامة, أو زد لنا فـي حرمنا, حتـى نتـخذ قطائع نـخترف فـيها, أو أَحْي لنا فلانا وفلانا ناسا ماتوا فـي الـجاهلـية. فأنزل الله تعالـى: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى يقول: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أن كفّـار قريش قالوا للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: أذهب عنا جبـال تهامة حتـى نتـخذها زرعا فتكون لنا أرضين, أو أحي لنا فلانا وفلانا يخبروننا حقّ ما تقول فقال الله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى بَلِ لِلّهِ الأمْرُ جَمِيعا يقول: لو كان فعل ذلك بشيء من الكتب فـيـما مضى كان ذلك.
15528ـ حُدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجبـالُ الآية... قال: قال كفـار قريش لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: سير لنا الـجبـال كما سُخرت لداود, أو قطّع لنا الأرض كما قطّعت لسلـيـمان فـاغتدى بها شهرا وراح بها شهرا, أو كلـم لنا الـموتـى كما كان عيسى يكلـمهم يقول: لـم أُنزل بهذا كتابـا, ولكن كان شيئا أعطيته أنبـيائي ورسلـي.
15529ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ... الآية. قال: قالوا للنبـيّ صلى الله عليه وسلم: إن كنت صادقا فسير عنا هذه الـجبـال واجعلها حروثا كهيئة أرض الشام ومصر والبُلْدان, أو ابعث موتانا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا علـى الذي نـحن علـيه فقال الله تعالـى: وَلَوْ أنّ قُرآنا سُيّرَتْ بِهِ الـجِبـالُ أوْ قُطّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلّـمَ بِهِ الـمَوْتَـى: لـم يصنع ذلك بقرآن قَطّ ولا كتاب, فـيصنع ذلك بهذا القرآن.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: «أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا أنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعا».
اختلف أهل الـمعرفة بكلام العرب فـي معنى قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه: ألـم يعلـم ويتبـيّن ويستشهد لقـيـله ذلك ببـيت سحيـم بن وَثِـيـل الرياحيّ:
أقُولُ لَهُمْ بـالشّعْبِ إذْ يأمِرُونَنِـيألَـمْ تَـيْأَسُوا أنّـي ابنُ فـارِسِ زَهْدِم
ويُروى: «يـيسروننـي», فمن رواه: «يـيسروننـي» فإنه أراد: يقسموننـي من الـميسر, كما يقسم الـجَزور. ومن رواه: «يأسروننـي», فإنه أراد: الأسر. وقال: عنى بقوله: ألـم تـيأسوا: ألـم تعلـموا. وأنشدوا أيضا فـي ذلك:
ألَـمْ يَـيْأسِ الأقْوَامُ أنّـي أنا ابْنُهُوإنْ كُنتُ عَنْ أرْضِ العَشِيرَةِ نائِيا
وفسروا قوله: «ألـم يـيأس»: ألـم يعلـم ويتبـين. وذُكر عن ابن الكلبـيّ أن ذلك لغة لـحيّ من النـخَع, يقال لهم: وَهْبـيـل, تقول: ألـم تـيأس, كذا بـمعنى: ألـم تعلـمه. وذُكر عن القاسم بن معن أنها لغة هوزان, وأنهم يقولون: يَئِست كذا: علـمت.
وأما بعض الكوفـيـين فكان ينكر ذلك, ويزعم أنه لـم يسمع أحدا من العرب يقول: «يئست» بـمعنى: «علـمت», ويقول هو فـي الـمعنى وإن لـم يكن مسموعا: «يئست» بـمعنى: «علـمت», يتوجه إلـى ذلك أن الله قد أوقع إلـى الـمؤمنـين, أنه لو شاء لهدَى الناس جميعا, فقال: أفلـم يـيأسوا علـما, يقول: يؤيسهم العلـم, فكان فـيه العلـم مضمرا, كما يقال: قد يئست منك أن لا تفلـح علـما, كأنه قـيـل: علـمته علـما, قال: وقول الشاعر:
حتـى إذَا يَئِسَ الرّماةُ وأرْسَلُواغُضْفـا دَوَاجِنَ قافلاً أَعْصَامها
معناه: حتـى إذا يئسوا من كلّ شيء مـما يـمكن إلا الذي ظهر لهم أرسلوا, فهو فـي معنى: حتـى إذا علـموا أن لـيس وجه إلا الذي رأوا وانتهى علـمهم, فكان ما سواه يأسا.
وأما أهل التأويـل فإنهم تأوّلوا ذلك بـمعنى: أفلـم يعلـم ويتبـين. ذكر من قال ذلك منهم:
15530ـ حدثنـي يعقوب, قال: حدثنا هشيـم, عن أبـي إسحاق الكوفـي, عن مولـى يخبر أن علـيّا رضي الله عنه كان يقرأ: «أفلـم يَتَبـيّن الذين آمَنُوا».
15531ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا عبد الوهاب, عن هارون, عن حنظلة, عن شهر بن حوشب, عن ابن عبـاس: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ يقول: أفلـم يتبـين.
15532ـ حدثنا أحمد بن يوسف, قال: حدثنا القاسم, قال: حدثنا يزيد, عن جرير, بن حازم, عن الزبـير بن الـحارث, أو يعلـى بن حكيـم, عن عكرمة, عن ابن عبـاس, أنه كان يقرؤها: «أفَلَـمْ يَتَبَـيّنِ الّذِينَ آمَنُوا» قال: كتب الكاتب الأخرى هو ناعس.
15533ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا حجاج بن مـحمد, عن ابن جريج, قال فـي القراءة الأولـى: زعم ابن كثـير وغيره: «أفلـم يتبـين».
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا يقول: ألـم يتبـين.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية بن صالـح, عن علـيّ, عن ابن عبـاس قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا يقول: يعلـم.
15534ـ حدثنا عمران بن موسى, قال: حدثنا عبد الوارث, قال: حدثنا لـيث, عن مـجاهد, فـي قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا قال: أفلـم يتبـين.
15535ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, فـي قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا قال: ألـم يتبـين الذين آمنوا.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا قال: ألـم يعلـم الذين آمنوا.
15536ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: أفَلَـمْ يَـيْأَسِ الّذِينَ آمَنُوا قال: ألـم يعلـم الذين آمنوا.
والصواب من القول فـي ذلك ما قاله أهل التأويـل: إن تأويـل ذلك: أفلـم يتبـين ويعلـم لإجماع أهل التأويـل علـى ذلك والأبـيات التـي أنشدناها فـيه.
فتأويـل الكلام إذن: ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن كان سيرت به الـجبـال لسير بهذا القرآن, أو قطّعت به الأرض لقطّعت بهذا, أو كلّـم به الـموتـى لكلّـم بهذا, ولو يفعل بقرآن قبل هذا القرآن لفُعل بهذا. بَلْ لِلّهِ الأمْرُ جَمِيعا يقول: ذلك كله إلـيه وبـيده, يهدى من يشاء إلـى الإيـمان فـيوفقه له ويضلّ من يشاء فـيخذله, أفلـم يتبـين الذين آمنوا بـالله ورسوله إذ طمعوا فـي إجابتـي من سأل نبـيهم من تسيـير الـجبـال عنهم وتقريب أرض الشام علـيهم وإحياء موتاهم, أن لو يشاء الله لهدَى الناس جميعا إلـى الإيـمان به من غير إيجاد آية ولا إحداث شيء مـما سألوا إحداثه. يقول تعالـى ذكره: فما معنى مـحبتهم ذلك مع علـمهم بأن الهداية والإهلاك إلـيّ وبـيدي أنزلت آية أو لـم أنزلها أهدي من أشاء بغير إنزال آية, وأضلّ من أردت مع إنزالها.
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: «وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّهِ إنّ اللّهَ لا يُخْـلِفُ الـميعادَ».
يقول تعالـى ذكره: ولا يزال يا مـحمد الذين كفروا من قومك تُصيبهم بـما صنعوا من كفرهم بـالله وتكذيبهم إياك وإخراجهم لك من بـين أظهرهم قارعة, وهي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنقم, بـالقتل أحيانا, وبـالـحروب أحيانا, والقحط أحيانا. أو تـحلّ أنت يا مـحمد, يقول: أو تنزل أنت قريبـا من دارهم بجيشك وأصحابك حتـى يأتـي وعد الله الذي وعدك فـيهم, وذلك ظهورك علـيهم وفتـحك أرضهم وقهرك إياهم بـالسيف. إنّ اللّهَ لا يُخْـلِفُ الـمِيعادَ يقول: إن الله منـجزك يا مـحمد ما وعدك من الظهور علـيهم, لأنه لا يخـلف وعده.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15537ـ حدثنا أبو داود, قال: حدثنا الـمسعودي, عن قتادة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, فـي قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: سرية. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال مـحمد: حتـى يأتـي وعد الله, قال: فتـح مكة.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن الـمسعودي, عن قتادة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس بنـحوه, غير أنه لـم يذكر سرية.
حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا أبو قطن, قال: حدثنا الـمسعودي, عن قتادة, عن سعيد بن جبـير, عن ابن عبـاس, أنه تلا هذه الآية: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: القارعة: السرية. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: هو مـحمد صلى الله عليه وسلم. حتـى يأتَـي وَعْدُ اللّهِ قال: فتـح مكة.
15538ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا أبو غسان, قال: حدثنا زهير, أن خصيفـا حدثهم, عن عكرمة, فـي قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: نزلت بـالـمدينة فـي سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تـحلّ أنت يا مـحمد قريبـا من دارهم.
حدثنا ابن وكيع, قال: حدثنا أبـي, عن النضر بن عربـي, عن عكرمة: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: سرية. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا منْ دَارِهِمْ قال: أنت يا مـحمد.
حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ يقول: عذاب من السماء ينزل علـيهم. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ يعنـي: نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم.
15539ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ: تصاب منهم سرية, أو تصاب منهم مصيبة, أو يحلّ مـحمد قريبـا من دارهم. وقوله: حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّهِ قال: الفتـح.
15540ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا الـحجاج, قال: حدثنا حماد بن زيد, عن عبد الله بن أبـي نـجيح: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم.
حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن مـجاهد, نـحو حديث الـحسن, عن شبـابة.
15541ـ حدثنـي الـحارث, قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا قـيس, عن خصيف, عن عكرمة, عن ابن عبـاس: قال: قارعة, قال: السرايا.
قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا عبد الغفـار, عن منصور, عن مـجاهد: قارِعَةٌ: مصيبة من مـحمد. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: أنت يا مـحمد. حتـى يأْتِـيَ وَعْدُ اللّهِ قال: الفتـح.
15542ـ قال: حدثنا إسرائيـل, عن خصيف, عن مـجاهد: قارِعَةٌ قال: كتـيبة.
15543ـ قال: حدثنا عبد العزيز, قال: حدثنا عمرو بن ثابت, عن أبـيه, عن سعيد بن جبـير: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: سرية. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: أنت يا مـحمد.
15544ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: وَلا يَزَالُ الّذِينَ كفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنعُوا قارِعَةٌ: أي بأعمالهم أعمال السوء. وقوله: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ أنت يا مـحمد. حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّهِ ووعد الله: فتـح مكة.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: قارِعَةٌ قال: وقـيعة. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: يعنـي النبـيّ صلى الله عليه وسلم, يقول: أو تـحلّ أنت قريبـا من دارهم.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا مـحمد بن طلـحة, عن طلـحة, عن مـجاهد: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: سرية.
حدثنا أحمد بن إسحاق, قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا سفـيان, عن لـيث, عن مـجاهد: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: السرايا: كان يبعثهم النبـيّ صلى الله عليه وسلم. أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دارِهِمْ أنت يا مـحمد. حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّهِ قال: فتـح مكة.
قال: حدثنا أبو أحمد, قال: حدثنا إسرائيـل, عن بعض أصحابه, عن مـجاهد: تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: كتـيبة.
15545ـ حدثنـي يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, فـي قوله: وَلا يَزالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِـمَا صَنَعُوا قارِعَةٌ قال: قارعة من العذاب.
وقال آخرون: معنى قوله: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ تـحلّ القارعة قريبـا من دارهم. ذكر من قال ذلك:
15546ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة, قال: قال الـحسن: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: أو تـحلّ القارعة قريبـا من دارهم.
حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, عن الـحسن, قال: أوْ تَـحُلّ قَرِيبـا مِنْ دَارِهِمْ قال: أو تـحلّ القارعة.
وقال آخرون فـي قوله: حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّهِ قال: يوم القـيامة. ذكر من قال ذلك:
15547ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا معلـى بن أسد, قال: حدثنا إسماعيـل بن حكيـم, عن رجل قد سماه عن الـحسن, فـي قوله: حتـى يَأْتِـيَ وَعْدُ اللّهِ قال: يوم القـيامة.
الآية : 32
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلّذِينَ كَفَرُواْ ثُمّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: يا مـحمد إن يستهزىء هؤلاء الـمشركون من قومك ويطلبوا منك الاَيات تكذيبـا منهم ما جئتهم به, فـاصبر علـى أذاهم لك وامض لأمر ربك فـي إعذارهم والإعذار إلـيهم, فلقد استهزأت أمـم من قبلك قد خـلَت فمضت برُسُلـي, فأطلت لهم فـي الـمَهَل ومددت لهم فـي الأجَل, ثم أحللت بهم عذابـي ونقمتـي حين تـمادوا فـي غيهم وضلالهم, فـانظر كيف كان عقابـي إياهم حين عاقبتهم, ألـم أذقهم ألـيـم العذاب وأجعلهم عبرة لأولـي الألبـاب. والإملاء فـي كلام العرب: الإطالة, يقال منه: أملـيت لفلان: إذا أطلت له فـي الـمهل, ومنه الـمُلاوة من الدهر, ومنه قولهم: تـملّـيت حينا, ولذلك قـيـل للـيـل والنهار: «الـملوان» لطولهما, كما قال ابن مقبل:
ألا يا دِيارَ الـحَيّ بـالسّبُعانِألَـحّ عَلَـيْها بـالبِلَـى الـمَلَوَانِ
وقـيـل للـخرق الواسع من الأرض: «ملاً», كما قال الشاعر:
فـاخْضَلّ منها كُلّ بـالٍ وعَيّنٍوجَفّ الرّوَايا بـالـمَلا الـمُتَبـاطِنِ
لطول ما بـين طرفـيه وامتداده.
الآية : 33
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىَ كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للّهِ شُرَكَآءَ قُلْ سَمّوهُمْ أَمْ تُنَبّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيّنَ لِلّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدّواْ عَنِ السّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }.
يقول تعالـى ذكره: أفـالربّ الذي هو دائم لا يبـيد ولا يهلك قائم بحفظ أرزاق جميع الـخـلق, متضمن لها, عالـم بهم وبـما يكسبونه من الأعمال, رقـيت علـيهم, لا يعزُب عنه شيء أينـما كانوا كمن هو هالك بـائد لا يسمع ولا يبصر ولا يفهم شيئا, ولا يَدْفع عن نفسه ولا عمن يعبده ضرّا, ولا يجلب إلـيهما نفعا؟ كلاهما سواء. وحُذِف الـجواب فـي ذلك فلـم يَقُل وقد قـيـل أفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ ككذا وكذا, اكتفـاء بعلـم السامع بـما ذُكِر عما تُرِك ذكره. وذلك أنه لـمّا قال جلّ ثناؤه: وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ عُلـم أن معنى الكلام كشركائهم التـي اتـخذوها آلهة, كما قال الشاعر:
تَـخَيّرِي خُيّرْتِ أُمّ عالِبـينَ قَصِيرٍ شَبْرُهُ تِنْبـالِ
أذَاكِ أمْ مُنْـخَرِقُ السّرْبَـالِوَلا يَزالُ آخِرَ اللّـيالـي
مُتْلِفَ مالٍ ومُفِـيدَ مالِ
ولـم يقل: وقد قال: «شَبْرُه تنبـال», وبـين كذا وكذا, اكتفـاء منه بقول: أَذَاكَ أمْ مُنْـخَرِق السّرْبـالِ, ودلالة الـخبر عن الـمنـخرق السربـال علـى مراده فـي ذلك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15548ـ حدثنا بشر بن معاذ, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ ذلكم ربكم تبـارك وتعالـى, قائم علـى بنـي آدم بأرزاقهم وآجالهم, وحفظ علـيهم والله أعمالهم.
15549ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى, قال: حدثنا مـحمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ.
15550ـ حدثنـي مـحمد بن سعد, قال: ثنـي أبـي, قال: ثنـي عمي, قال: ثنـي أبـي, عن أبـيه, عن ابن عبـاس, قوله: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ يعنـي بذلك نفسه, يقول: هو معكم أينـما كنتـم, فلا يعمل عامل إلا وهو حاضر. ويقال: هم الـملائكة الذين وكلوا ببنـي آدم.
15551ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبْتْ علـى رزقهم وعلـى طعامهم, فأنا علـى ذلك قائم وهم عبـيدي ثم جعلوا لـي شركاء.
15552ـ حُدثت عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: أَفَمَنْ هُوَ قائمٌ علـى كُلّ نَفْسٍ بِـمَا كَسَبَتْ فهو الله قائم علـى كل نفس بَرّ وفـاجر, يرزقهم ويكلؤهم, ثم يُشرك به منهم من أشرك.
وقوله: وَجَعَلَوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمّوهُمْ أمْ تُنَبّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ يقول تعالـى ذكره: أنا القائم بأرزاق هؤلاء الـمشركين, والـمدبر أمورهم, والـحافظ علـيهم أعمالهم, وجعلوا لـي شركاء من خـلقـي يعبدونها دونـي, قل لهم يا مـحمد: سَمّوا هؤلاء الذين أشركتـموهم فـي عبـادة الله, فإنهم إن قالوا آلهة فقد كذبوا, لأنه لا إله إلا الواحد القهّار لا شريك له. أمْ تُنَبّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ يقول: أتـخبرونه بأن فـي الأرض إلها, ولا إله غيره فـي الأرض ولا فـي السماء.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
15553ـ حدثنا عن الـحسين, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد, قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمّوهُمْ ولو سموهم آلهة لكذبوا وقالوا فـي ذلك غير الـحق لأن الله واحد لـيس له شريك, قال الله: أمْ تُنَبّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ يقول: لا يعلـم الله فـي الأرض إلها غيره.
15554ـ حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالـح, قال: ثنـي معاوية, عن علـيّ, عن ابن عبـاس, قوله: وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمّوهُمْ والله خـلقهم.
15555ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج: وَجَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمّوهُمْ ولو سَمّوْهم كذبوا, وقالوا فـي ذلك ما لا يعلـم الله من إله غير الله فذلك قوله: أمْ تُنَبّئُونَهُ بِـمَا لا يَعْلَـمُ فِـي الأرْضِ أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ مسموع, وهو فـي الـحقـيقة بـاطل لا صحة له.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. غير أنهم قالوا: أم بظاهر, معناه: أم ببـاطل, فأتوا بـالـمعنى تدلّ علـيه الكلـمة دون البـيان عن حقـيقة تأويـلها. ذكر من قال ذلك:
15556ـ حدثنا الـحسن بن مـحمد, قال: حدثنا شبـابة, قال: حدثنا ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ بظنّ.
حدثنـي الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
15557ـ حدثنا القاسم, قال: حدثنا الـحسين, قال: ثنـي حجاج, عن ابن جريج, عن قتادة, قوله: أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ والظاهر من القول: هو البـاطل.
15558ـ حْدثت عن الـحسين بن الفرج, قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان, قال: سمعت الضحاك فـي قوله: أمْ بِظاهِرٍ مِنَ القَوْلِ يقول: أم ببـاطل من القول وكذب, ولو قالوا, قالوا البـاطل والكذب.
وقوله: بَلْ زُيّنَ للّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ يقول تعالـى ذكره: ما لله من شريك فـي السموات ولا فـي الأرض, ولك زُين للـمشركين الذي يدعون من دون إلها مكرُهم, وذلك افتراؤهم وكذبهم علـى الله. وكان مـجاهد يقول: معنى الـمكر ههنا: القولُ, كأنه قال: قولهم بـالشرك بـالله.
15559ـ حدثنا الـمثنى, قال: حدثنا إسحاق, قال: حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد, قوله: بَلْ زُيّنَ للّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ قال: قولهم.
حدثنـي مـحمد بن عمرو, قال: حدثنا أبو عاصم, قال: حدثنا عيسى, عن ابن أبـي نـجيح, عن مـجاهد مثله.
وأما قوله: وَصَدّوا عَنِ السّبِـيـلِ فإن القرّاء اختلفت فـي قراءته, فقرأته عامّة قرّاء الكوفـيـين: وَصَدّوا عَنِ السّبِـيـلِ بضمّ الصاد, بـمعنى: وصدّهم الله عن سبـيـله لكفرهم به, ثم جعلت الصاد مضمومة, إذ لـم يسمّ فـاعله. وأما عامّة قرّاء الـحجاز والبصرة, فقرءوه بفتـح الصاد, علـى معنى أن الـمشركين هي الذين صَدّوا الناس عن سبـيـل الله.
والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يُقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما أئمة من القرّاء, متقاربتا الـمعنى وذلك أن الـمشركين بـالله كانوا مصدودين عن الإيـمان به, وهم مع ذلك كانوا يَصُدّون غيرهم, كما وصفهم الله به بقوله: إنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِـيَصُدّوا عَنْ سَبِـيـلِ اللّهِ.
وقوله: وَمَنْ يُضْلِل اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ يقول تعالـى ذكره: ومن أضله الله عن إصابة الـحقّ والهدى بخذلانه إياه, فما له أحد يَهْديه لإصابتهما لأن ذلك لا يُنال إلاّ بتوفـيق الله ومعونته, وذلك بـيد الله وإلـيه دون كلّ أحد سواه.
الآية : 34
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَلَعَذَابُ الاَُخِرَةِ أَشَقّ وَمَا لَهُم مّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ }.
يقول تعالـى ذكره: لهؤلاء الكفّـار الذي وصف صفتهم فـي هذه السورة عذاب فـي الـحياة الدنـيا بـالقتل والإسار والاَفـات التـي يصيبهم الله بها. وَلَعَذابُ الاَخِرَةِ أشَقّ يقول: ولَتعذيب الله إياهم فـي الدار الاَخرة أشدّ من تعذيبه إياهم فـي الدنـيا وأشقّ, إنـما هو «أفعل» من الـمشقة. وقوله: وَما لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ وَاقٍ يقول تعالـى ذكره: وما لهؤلاء الكفّـار من أحد يقـيهم من عذاب الله إذا عذّبهم, لا حميـم ولا ولـيّ ولا نصير, لأنه جلّ جلاله لا يعادّه أحد فـيقهره فـيخـلصه من عذابه بـالقهر, ولا يشفع عنده أحد إلاّ بإذنه ولـيس يأذن لأحد فـي الشفـاعة لـمن كفر به فمات علـى كفره قبل التوبة منه