تفسير الطبري تفسير الصفحة 268 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 268
269
267
 الآية : 8
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وخـلق الـخيـل والبغال والـحمير لكم أيضا لتَرْكَبُوهَا وزِينَةً يقول: وجعلها لكم زينةً تتزينون بها مع الـمنافع التـي فـيها لكم، للركوب وغير ذلك. ونصب الـخيـل والبغال عطفـا علـى الهاء والألف فـي قوله: خَـلَقَها. ونصب الزينة بفعل مضمر علـى ما بـيّنت، ولو لـم يكن معها واو وكان الكلام: «لتركبوها زينةً كانت منصوبة بـالفعل الذي قبلها الذي هي به متصلة، ولكن دخول الواو آذنت بأن معها ضمير فعل وبـانقطاعها عن الفعل الذي قبلها.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16222ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: لتَرْكَبُوها وَزِينَةً قال: جعلها لتركبوها، وجعلها زينة لكم.
وكان بعض أهل العلـم يرى أن فـي هذه الاَية دلالة علـى تـحريـم أكل لـحوم الـخيـل. ذكر من قال ذلك:
16223ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا أبو ضمرة، عن أبـي إسحاق، عن رجل، عن ابن عبـاس، قوله: والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها قال: هذه للركوب. والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ قال: هذه للأكل.
حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا هشام الدستوائي، قال: حدثنا يحيى بن أبـي كثـير، عن مولـى نافع بن علقمة: أن ابن عبـاس كان يكره لـحوم الـخيـل والبغال والـحمير، وكان يقول: قال الله والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ فهذه للأكل، والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها فهذه للركوب.
16224ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـمنهال، عن سعيد، عن ابن عبـاس: أنه سئل عن لـحوم الـخيـل، فكرهها وتلا هذه الاَية: والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها... الاَية.
حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا قـيس بن الربـيع، عن ابن أبـي لـيـلـى عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس: أنه سئل عن لـحوم الـخيـل، فقال: اقرأ التـي قبلها: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ ومنَافِعُ ومَنْها تَأْكُلُونَ والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها وَزِينَةً فجعل هذه للأكل، وهذه للركوب.
16225ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا يحيى بن عبد الـملك بن أبـي غنـية، عن أبـيه، عن الـحكم: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ فجعل منه الأكل. ثم قرأ حتـى بلغ: والـخَيْـلَ والبغالَ والـحَميرَ لتَرْكَبُوها قال: لـم يجعل لكم فـيها أكلاً. قال: وكان الـحكم يقول: والـخيـل والبغال والـحمير حرام فـي كتاب الله.
16226ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا ابن أبـي غنـية، عن الـحكم، قال: لـحوم الـخيـل حرام فـي كتاب الله. ثم قرأ: والأنْعامَ خَـلَقَها لَكُمْ فِـيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ... إلـى قوله: لتَرْكَبُوها.
وكان جماعة غيرهم من أهل العلـم يخالفونهم فـي هذا التأويـل، ويرون أن ذلك غير دالّ علـى تـحريـم شيء، وأن الله جلّ ثناؤه إنـما عرّف عبـاده بهذه الاَية وسائر ما فـي أوائل هذه السورة نعمة علـيهم ونبههم به علـى حججه علـيهم وأدلته علـى وحدانـيته وخطأ فعل من يشرك به من أهل الشرك. ذكر بعض من كان لا يرى بأسا بأكل لـحم الفرس:
16227ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيـم، عن الأسود: أنه أكل لـحم الفرس.
حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شعبة، عن الـحكم، عن إبراهيـم، عن الأسود بنـحوه.
16228ـ حدثنا أحمد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم قال: نـحر أصحابنا فرسا فـي النـجع وأكلوا منه، ولـم يروا به بأسا.
والصواب من القول فـي ذلك عندنا ما قاله أهل القول الثانـي، وذلك أنه لو كان فـي قوله تعالـى ذكره: لِتَرْكَبُوها دلالة علـى أنها لا تصلـح إذ كانت للركوب للأكل لكان فـي قوله: فِـيها دِفْءٌ ومنَافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ دلالة علـى أنها لا تصلـح إذ كانت للأكل والدفء للركوب. وفـي إجماع الـجميع علـى أن ركوب ما قال تعالـى ذكره وَمِنْها تَأْكُلُونَ جائز حلال غير حرام، دلـيـل واضح علـى أن أكل ما قال: لِتَرْكَبُوها جائز حلال غير حرام، إلا بـما نصّ علـى تـحريـمه أو وضع علـى تـحريـمه دلالة من كتاب أو وحي إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما بهذ الاَية فلا يحرم أكل شيء. وقد وضع الدلالة علـى تـحريـم لـحوم الـحمُر الأهلـية بوحيه إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلـى البغال بـما قد بـيّنا فـي كتابنا كتاب الأطعمة بـما أغنى غعن إعادته فـي هذا الـموضع، إذا لـم يكن هذا الـموضع من مواضع البـيان عن تـحريـم ذلك، وإنـما ذكرنا ما ذكرنا لـيدلّ علـى أنه لا وجه لقول من استدلّ بهذه الاَية علـى تـحريـم لـحم الفرس.
16229ـ حدثنا أحمد، حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن عبد الكريـم، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا نأكل لـحم الـخيـل علـى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: فـالبغال؟ قال: أما البغال فلا.
وقوله: وَيَخْـلُقُ ما لا تَعْلَـمُونَ يقول تعالـى ذكره: ويخـلق ربكم مع خـلقه هذه الأشياء التـي ذكرها لكم ما لا تعلـمون مـما أعدّ فـي الـجنة لأهلها وفـي النار لأهلها مـما لـم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر علـى قلب بشر.
الآية : 9
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَعَلَىَ اللّهِ قَصْدُ السّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وعلـى الله أيها الناس بـيان طريق الـحقّ لكم، فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنـما يضلّ علـيها. والسبـيـل: هي الطريق، والقصد من الطريق: الـمستقـيـم الذي لا اعوجاج فـيه، كما قال الراجز:
فصَدّ عَنْ نَهْجِ الطّرِيقِ القاصِدِ
وقوله: وَمِنْها جائِرٌ يعنـي تعالـى ذكره: ومن السبـيـل جائر عن الاستقامة معوّج، فـالقاصد من السبل: الإسلام، والـجائر منها: الـيهودية والنصرانـية وغير ذلك من ملل الكفر كلها جائر عن سواء السبـيـل وقصدها، سوى الـحنـيفـية الـمسلـمة. وقـيـل: ومنها جائر، لأن السبـيـل يؤنث ويذكر، فأنثت فـي هذا الـموضع. وقد كان بعضهم يقول: وإنـما قـيـل: «ومنها» لأن السبـيـل وإن كان لفظها لفظ واحد فمعناها الـجمع.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16230ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: وَعلـى اللّهِ قَصْدُ السّبِـيـلِ يقول: البـيان.
16231ـ حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: وَعلـى اللّهِ قَصْدُ السّبِـيـلِ يقول: علـى الله البـيان، أن يبـين الهدى والضلالة.
16232ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن. قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَعلـى اللّهِ قَصْدُ السّبِـيـلِ قال: طريق الـحقّ علـى الله.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثل.
16233ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، فـي قوله: وَعلـى اللّهِ قَصْدُ السّبِـيـلِ يقول: علـى الله البـيان، بـيان حلاله وحرامه وطاعته ومعصيته.
16234ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَعلـى اللّهِ قَصْدُ السّبِـيـلِ قال: السبـيـل: طريق الهدى.
16235ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو معاوية، عن جويبر، عن الضحاك: وَعلـى اللّهِ قَصْدُ السّبِـيـلِ قال إنارتها.
16236ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَعلـى اللّهِ قَصْدُ السّبِـيـلِ يقول: علـى الله البـيان، يبـين الهدى من الضلالة، ويبـين السبـيـل التـي تفرّقت عن سبله، ومنها جائر.
حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَمِنْها جائِرٌ: أي من السبل، سبل الشيطان. وفـي قراءة عبد الله بن مسعود: «وَمِنْكُمْ جائِرٌ وَلَوْ شَاءَ اللّهُ لَهَدَاكُمْ أجمَعِينَ».
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَمِنْها جائِرٌ قال: فـي حرف ابن مسعود: «وَمِنْكُمْ جائِرٌ».
16237ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، فـي قوله: وَمِنْها جائِرٌ يعنـي السبل الـمتفرّقة.
16238ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا عبد الله، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، فـي قوله: وَمِنْها جائِرٌ يقول: الأهواء الـمختلفة.
16239ـ حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَمِنْها جائِرٌ يعنـي السبل التـي تفرّقت عن سبـيـله.
16240ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: وَمِنْها جائِرٌ السبل الـمتفرقة عن سبـيـله.
16241ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله:وَمِنْها جائِرٌ قال: من السبل جائر عن الـحقّ قال: قال الله: وَلا تَتّبِعُوا السّبْلَ فَتَفَرّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِـيـلِهِ.
وقوله: وَلَوْ شاءَ لَهَدَاكُمْ أجْمَعِينَ يقول: ولو شاء الله للطف بجميعكم أيها الناس بتوفـيقه، فكنتـم تهتدون وتلزمون قصد السبـيـل ولا تـجورون عنه فتتفرّقون فـي سبل عن الـحقّ جائرة. كما:
16242ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَلَوْ شَاءَ لَهَداكُمْ أجْمَعِينَ قال: لو شاء لهداكم أجمعين لقصد السبـيـل الذي هو الـحقّ. وقرأ: وَلَوْ شاءَ رَبّكَ لاَمَنَ مَنْ فِـي الأرْضِ كُلّهُمْ جَمِيعا... الاَية، وقرأ: وَلَوْ شِئْنَا لاَتَـيْنا كُلّ نَفْسٍ هُدَاها... الاَية.
الآية : 10
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{هُوَ الّذِي أَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَآءً لّكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والذي أنعم علـيكم هذه النعم وخـلق لكم الأنعام والـخيـل وسائر البهائم لـمنافعكم ومصالـحكم، هو الربّ الذي أنزل من السماء ماء، يعنـي: مطرا لكم من ذلك الـماء شراب تشربونه ومنه شراب أشجاركم وحياة غروسكم ونبـاتها. فِـيهِ تُسِيـمُونَ يقول: فـي الشجر الذي ينبت من الـماء الذي أنزل من السماء تسيـمون، يعنـي ترعون، يقال منه: أسام فلان إبله يسيـمها إسامة إذا أرعاها، وسوّمها أيضا يسوّمها، وسامت هي إذا رعت، فهي تسوم، وهي إبل سائمة ومن ذلك قـيـل للـمواشي الـمطلقة فـي الفلاة وغيرها للرعي سائمة. وقد وجّه بعضهم معنى السوم فـي البـيع إلـى أنه من هذا، وأنه ذهاب كلّ واحد من الـمتبـايعين فـيـما ينبغي له من زيادة ثمن ونقصانه، كما تذهب سوائم الـمواشي حيث شاءت من مراعيها ومنه قول الأعشى:
وَمَشَى القَوْمُ بـالعمادِ إلـى الـمَرْعَى وأعْيا الـمُسِيـمَ أيْنَ الـمَساقُ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16243ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن النضْر بن عربـي، عن عكرمة: وَمِنْهُ شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ قال: ترعون.
حدثنا أحمد بن سهيـل الواسطي، قال: حدثنا قرة بن عيسى، عن النضر بن عربـي، عن عكرمة، فـي قوله: فـيهِ تُسيـمُونَ قال: ترعون.
16244ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: ترعون.
حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، مثله.
حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: وَمِنْهُ شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ يقول: يرعون فـيه أنعامهم وشَاءَهُمْ.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس: فـيهِ تُسيـمُونَ قال: ترعون.
16245ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا معاوية وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك: فـيه ترعون.
حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: حدثنا عبـيد، عن الضحاك، فـي قوله: تُسيـمُونَ يقول: ترعون أنعامكم.
16246ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن طلـحة بن أبـي طلـحة القناد، قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزي، قال: فـيه ترعون.
16247ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ يقول: ترعون.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: ترعون.
حدثنا مـحمد بن سنان، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، عن قتادة فـي قول الله: شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ قال: تَرْعون.
16248ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: وَمِنْهُ شَجَرٌ فـيهِ تُسيـمُونَ قال: تَرْعون. قال: الإسامة: الرّعية.
وقال الشاعر:
لَ ابنِ بَزْعَةَ أو كآخَرَ مِثْلِهِ
أوْلـى لَكَ ابنَ مُسِيـمةِ الأجْمالِ
قال: يا ابن راعية الأجمال.


الآية : 11
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{يُنبِتُ لَكُمْ بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يُنبت لكم ربكم بـالـماء الذي أنزل لكم من السماء زرعَكم وزيتونَكم ونـخيـلكم وأعنابكم ومِنْ كُلّ الثّمراتِ يعنـي من كلّ الفواكه غير ذلك أرزاقا لكم وأقواتا وإداما وفـاكهة، نعمة منه علـيكم بذلك وتفضّلاً، وحُجة علـى من كفر به منكم. إنّ فِـي ذلكَ لاَيَةً يقول جلّ ثناؤه: إن فـي إخراج الله بـما ينزل من السماء من ماء ما وصف لكم لاَيةً يقول: لدلالة واضحة وعلامة بـينة، لقومٍ يَتَفَكّرُونَ يقول: لقوم يعتبرون مواعظ الله ويتفكّرون فـي حججه، فـيتذكرون وينـيبون.
الآية : 12
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَسَخّرَ لَكُمُ اللّيْلَ وَالْنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن نِعَمه علـيكم أيها الناس مع التـي ذكرها قبل أن سخر لكم اللـيـل والنهار يتعاقبـان علـيكم، هذا لتصرفكم فـي معاشكم وهذا لسكنكم فـيه والشّمْسَ والقَمَرَ لـمعرفة أوقات أزمنتكم وشهوركم وسنـينكم وصلاح معايشكم. والنّـجُومُ مُسَخّراتٌ لكم بأمر الله تـجري فـي فلكها لتهتدوا بها فـي ظلـمات البرّ والبحر. إنّ فِـي ذلكَ لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقَلُونَ يقول تعالـى ذكره: إن فـي تسخير الله ذلك علـى ما سخره لدلالات واضحات لقوم يعقلون حجج الله ويفهمون عنه تنبـيهه إياهم.

الآية : 13
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَةً لّقَوْمٍ يَذّكّرُونَ }.
يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: ومَا ذَرأَ لَكُمْ وسخر لكم ما ذرأ: أي ما خـلق لكم فـي الأرض مختلفـا ألوانه من الدواب والثمار. كما:
16249ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ومَا ذَرأَ لَكُمْ فِـي الأرْضِ يقول: وما خـلق لكم مختلفـا ألوانه من الدوابّ ومن الشجر والثمار، نِعَم من الله متظاهرة فـاشكروها لله.
16250ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: من الدوابّ والأشجار والثمار.
ونصب قوله: «مختلفـا» لأن قوله: «وَما» فـي موضع نصب بـالـمعنى الذي وصفت. وإذا كان ذلك كذلك، وجب أن يكون «مختلفـا ألوانه» حالاً من «ما»، والـخبر دونه تامّ، ولو لـم تكن «ما» فـي موضع نصب، وكان الكلام مبتدأ من قوله: وَما ذَرأَ لَكُمْ لـم يكن فـي مختلف إلا الرفع، لأنه كان يصير مرافع «ما» حينئذ.


الآية : 14
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والذي فعل هذه الأفعال بكم وأنعم علـيكم أيها الناس هذه النعم، الذي سخر لكم البحر، وهو كلّ نهر ملـحا ماؤه أو عذبـا. لتَأْكُلُوا منْهُ لَـحْما طرِيّا وهو السمك الذي يصطاد منه. وتَسْتَـخْرِجُوا منْهُ حلْـيَةً تَلْبَسُونَها وهو اللؤلؤ والـمرجان. كما:
16251ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، فـي قوله: وَهُوَ الّذِي سَخّرَ البَحْرَ لتَأْكُلُوا منْهُ لَـحْما طَرِيّا قال: منهما جميعا. وتَسْتَـخْرِجُوا مِنْهُ حلْـيَةً تَلْبَسُونَهَا قال: هذا اللؤلؤ.
16252ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَـحْما طَرِيّا يعنـي حيتان البحر.
16253ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا حماد، عن يحيى، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الـملك، قال: جاء رجل إلـى أبـي جعفر، فقال: هل فـي حلـيّ النساء صدقة؟ قال: لا، هي كما قال الله تعالـى: حِلْـيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الفُلْكَ يعنـي السفن، مَوَاخرَ فِـيهِ وهي جمع ماخرة.
وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: مَوَاخرَ فقال بعضهم: الـمواخر: الـمواقر. ذكر من قال ذلك:
16254ـ حدثنا عمرو بن موسى القزاز، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا يونس، عن الـحسن، فـي قوله: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: الـمواقر.
وقال آخرون فـي ذلك ما:
16255ـ حدثنا به عبد الرحمن بن الأسود، قال: حدثنا مـحمد بن ربـيعة، عن أبـي بكر الأصمّ، عن عكرمة، فـي قوله: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: ما أخذ عن يـمين السفـينة وعن يسارها من الـماء، فهو الـمواخر.
16256ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أبـي مكين، عن عكرمة، فـي قوله: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: هي السفـينة تقول بـالـماء هكذا، يعنـي تشقه.
وقال آخرون فـيه، ما:
16257ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبو أسامة، عن إسماعيـل، عن أبـي صالـح: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: تـجري فـيه متعرضّة.
وقال آخرون فـيه، بـما:
16258ـ حدثنـي به مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: تـمخر السفـينة الرياح، ولا تـمخر الريحَ من السفن إلا الفلك العظامُ.
حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد نـحوه، غير أن الـحرث قال فـي حديثه: ولا تـمخر الرياح من السفن.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه.
16259ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: مَوَاخرَ قال: تـمخر الريح.
وقال آخرون فـيه، ما:
16260ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ تـجري بريح واحدة، مُقبلة ومُدبرة.
حدثنا ابن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة، قال: تـجري مقبلة ومدبرة بريح واحدة.
16261ـ حدثنا الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن يزيد بن إبراهيـم، قال: سمعت الـحسن: وَتَرَى الفُلْكَ مَوَاخرَ فِـيهِ قال: مقبلة ومدبرة بريح واحدة.
والـمخْر فـي كلام العرب: صوت هبوب الريح إذا اشتدّ هبوبها، وهو فـي هذا الـموضع: صوت جري السفـينة بـالريح إذا عصفت وشقها الـماء حينئذ بصدرها، يقال منه: مخرت السفـينة تـمخر مخرا ومخورا، وهي ماخرة، ويقال: امتـخرت الريح وتـمخرتها: إذا نظرتَ من أين هبوبها وتسمّعت صوت هبوبها. ومنه قول واصل مولـى ابن عيـينة: كان يقال: إذا أراد أحدكم البول فلـيتـمخر الريح، يريد بذلك: لـينظر من أين مـجراها وهبوبها لـيستدبرها فلا ترجع علـيه البول وتردّه علـيه.
وقوله: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ يقول تعالـى ذكره: ولتتصرّفوا فـي طلب معايشكم بـالتـجارة سخر لكم. كما:
16262ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ قال: تـجارة البرّ والبحر.
وقوله: وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يقول: ولتشكروا ربكم علـى ما أنعم به علـيكم من ذلك سخر لكم ما سخر من هذه الأشياء التـي عدّدها فـي هذه الاَيات