تفسير الطبري تفسير الصفحة 269 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 269
270
268
 الآية : 15
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن نِعمه علـيكم أيها الناس أيضا، أن ألقـى فـي الأرض رواسي، وهي جمع راسية، وهي الثوابت فـي الأرض من الـجبـال. وقوله: أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ يعنـي: أن لا تـميد بكم، وذلك كقوله: يُبَـيّنُ اللّهُ لَكُمْ أنْ تَضِلّوا، والـمعنى: أن لا تضلوا. وذلك أنه جلّ ثناؤه أرسى الأرض بـالـجبـال لئلا يـميد خـلقه الذي علـى ظهرها، بل وقد كانت مائدة قبل أن تُرْسى بها. كما:
16263ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن، عن قـيس بن عبـاد: أن الله تبـارك وتعالـى لـما خـلق الأرض جعلت تـمور، قالت الـملائكة: ما هذه بـمقرّة علـى ظهرها أحدا فأصبحت صبحا وفـيها رواسيها.
16264ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبـيب، عن علـيّ بن أبـي طالب، قال: لـما خـلق الله الأرض قَمَصَت، وقالت: أي ربّ أتـجعل علـيّ بنـي آدم يعملون علـيّ الـخطايا ويجعلون علـيّ الـخبث؟ قال: فأرسى الله علـيها من الـجبـال ما ترون وما لا ترون، فكان قرارها كاللـحم يترجرج.
والـميد: هو الاضطراب والتكفؤ، يقال: مادت السفـينة تـميد ميدا: إذا تكفأت بأهلها ومالت، ومنه الـميد الذي يعتري راكب البحر، وهو الدوار.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16265ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أنْ تَـمِيدَ بِكُمْ: أن تكفأ بكم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
16266ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الـحسن، فـي قوله: وألْقَـى فِـي الأرْضِ روَاسِيَ أنْ تَـمِيدُ بِكُمْ قال: الـجبـال أن تـميد بكم. قال: قتادة: سمعت الـحسن يقول: لـما خـلقت الأرض كادت تـميد، فقالوا: ما هذه بـمقرّة علـى ظهرها أحدا فأصبحوا وقد خُـلقت الـجبـال، فلـم تدر الـملائكة مـم خُـلقت الـجبـال.
وقوله: وأنهَارا يقول: وجعل فـيها أنهارا، فعطف بـالأنهار علـى الرواسي، وأعمل فـيها ما أعمل فـي الرواسي، إذ كان مفهوما معنى الكلام والـمراد منه وذلك نظير قول الراجز:
تَسْمَعُ فـي أجْوَافِهِنّ صَوْرَاوفـي الـيَدَيْنِ حَشّةً وبَوْرَا
والـحشة: الـيُبس، فعطف بـالـحشة علـى الصوت، والـحشة لا تسمع، إذ كان مفهوما الـمراد منه وأن معناه وترى فـي الـيدين حَشّةً.
وقوله: وَسُبُلاً وهي جمع سبـيـل، كما الطرق جمع طريق. ومعنى الكلام: وجعل لكم أيها الناس فـي الأرض سُبلاً وفجاجا تسلكونها وتسيرون فـيها فـي حوائجكم وطلب معايشكم رحمة بكم ونعمة منه بذلك علـيكم ولو عماها لهلكتـم ضلالاً وحيرة.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16267ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: سُبُلاً: أي طرقا.
16268ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: سُبُلاً قال: طرقا. وقوله لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ يقول: لكي تهتدوا بهذه السبل التـي جعلها لكم فـي الأرض إلـى الأماكن التـي تقصدون والـمواضع التـي تريدون، فلا تضلوا وتتـحيروا.
الآية : 16
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَعَلامَاتٍ وَبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ }.
اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنّى بـالعلامات، فقال بعضهم: عُنـي بها معالـم الطرق بـالنهار. ذكر من قال ذلك:
16269ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: وَعَلاماتٍ وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ يعنـي بـالعلامات: معالـم الطرق بـالنهار، وبـالنـجم هم يهتدون بـاللـيـل.
وقال آخرون: عُنـي بها النـجوم. ذكر من قال ذلك:
16270ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم: وَعَلاماتٍ وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال: منها ما يكون علامات، ومنها ما يهتدون به.
16271ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد: وَعَلاماتٍ وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال: منها ما يكون علامة، ومنها ما يهتدي به.
حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد، مثله.
حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا قبـيصة، عن سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم، مثله.
قال: الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق خالف قبـيصة وكيعا فـي الإسناد.
16272ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَعَلاماتٍ وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ والعلامات: النـجوم، وإن الله تبـارك وتعالـى إنـما خـلق هذه النـجوم لثلاث خصلات: جعلها زينة للسماء، وجعلها يهتدي بها، وجعلها رجوما للشياطين. فمن تعاطى فـيها غير ذلك، فَقَدَ رَأْيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلّف ما لا علـم له به.
16273ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتاد: وَعَلاماتٍ قال النـجوم.
وقال آخرون: عُنـي بها الـجبـال. ذكر من قال ذلك:
16274ـ حدثنا مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبـي: وَعَلاماتٍ قال: الـجبـال.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب أن يقال: إن الله تعالـى ذكره عدّد علـى عبـاده من نعمه، إنعامَهُ علـيهم بـما جعل لهم من العلامات التـي يهتدون بها فـي مسالكهم وطرقهم التـي يسيرونها، ولـم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكلّ علامة استدلّ بها الناس علـى طرقهم وفجاج سُبلهم فداخـل فـي قوله: وَعَلاماتٍ. والطرق الـمسبولة: الـموطوءة، علامة للناحية الـمقصودة، والـجبـال علامات يهتدي بهنّ إلـى قصد السبـيـل، وكذلك النـجوم بـاللـيـل. غير أن الذي هو أولـى بتأويـل الاَية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة اللـيـل بقوله: وبـالنّـجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ. وإذا كان ذلك أشبه وأولـى بتأويـل الاَية، فـالواجب أن يكون
القول فـي ذلك ما قاله ابن عبـاس فـي الـخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالـم الطرق وأماراتها التـي يهتدى بها إلـى الـمستقـيـم منها نهارا، وأن يكون النـجم الذي يهتدى به لـيلاً هو الـجدي والفرقدان، لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النـجوم. فتأويـل الكلام إذن: وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا علـى طرقكم فـي أسفـاركم. ونـجوما تهتدون بها لـيلاً فـي سُبلكم.

الآية : 17 و 18
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكّرُونَ * وَإِن تَعُدّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَآ إِنّ اللّهَ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام: أفمن يخـلق هذه الـخلائق العجيبة التـي عددناها علـيكم وينعم علـيكم هذه النعم العظيـمة، كمن لا يخـلق شيئا ولا ينعم علـيكم نعمة صغيرة ولا كبـيرة؟ يقول: أتشركون هذا فـي عبـادة هذا؟ يعرّفهم بذلك عظم جهلهم وسوء نظرهم لأنفسهم وقلّة شكرهم لـمن أنعم علـيهم بـالنعم التـي عدّدها علـيهم التـي لا يحصيها أحد غيره، قال لهم جلّ ثناؤه موبخهم: أفَلا تَذَكّرُونَ أيها الناس يقول: أفلا تذكرون نعم الله علـيكم وعظيـم سُلطانه وقُدرته علـى ما شاء، وعجز أوثانكم وضعفها ومهانتها، وأنها لا تـجلب إلـى نفسها نفعا ولا تدفع عنها ضرّا، فتعرفوا بذلك خطأ ما أنتـم علـيه مقـيـمون من عبـادتكموها وإقراركم لها بـالألوهة؟ كما:
16275ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أفَمَنْ يَخْـلُقُ كَمَنْ لاَ يخْـلُقُ أفَلا تَذَكّرُونَ والله هو الـخالق الرازق، وهذه الأوثان التـي تعبد من دون الله تُـخْـلق ولا تَـخْـلُق شيئا، ولا تـملك لأهلها ضرّا ولا نفعا، قال الله: أفلا تذكّرون.
وقـيـل: كَمَنْ لاَ يَخْـلُقُ هو الوثن والصنـم، و «من» لذوي التـميـيز خاصة، فجعل فـي هذا الـموضع لغيرهم للتـميـيز، إذ وقع تفصيلاً بـين من يُخْـلق ومن لا يَخْـلُق. ومـحكّى عن العرب: اشتبه علـيّ الراكب وجمله، فما أدري مَنْ ذا ومَنْ ذا، حيث جمعا وأحدهما إنسان حسنت «مَنْ» فـيهما جميعا ومنه قول الله عزّ وجلّ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى رِجْلَـيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى أرْبَعٍ.
وقوله: وَإنْ تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُـحْصُوها لا تطيقوا أداء شكرها. إنّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَحِيـمٌ يقول جلّ ثناؤه: إن الله لغفور لـما كان منكم من تقصير فـي شكر بعض ذلك إذا تبتـم وأنبتـم إلـى طاعته واتبـاع مرضاته، رحيـم بكم أن يعذّبكم علـيه بعد الإنابة إلـيه والتوبة.

الآية : 19 و20
القول فـي تأويـل قوله تعالـى:
{وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: والله الذي هو إلهكم أيها الناس، يعلـم ما تسرّون فـي أنفسكم من ضمائركم فتـخفونه عن غيركم، فما تبدونه بألسنتكم وجوارحكم وما تعلنونه بألسنتكم وجوارحكم وأفعالكم، وهو مـحص ذلك كله علـيكم، حتـى يجازيكم به يوم القـيامة، الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء منكم بإساءته، ومُسائلكم عما كان منكم من الشكر فـي الدنـيا علـى نعمة التـي أنعمها علـيكم فما التـي أحصيتـم والتـي لـم تـحصوا. وقوله: والّذِين تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لا يَخْـلُقُونَ شَيْئا وَهُمْ يُخْـلَقُونَ يقول تعالـى ذكره: وأوثانكم الذين تدعون من دون الله أيها الناس آلهة لا تَـخْـلُق شيئا وهي تُـخْـلَقَ، فكيف يكون إلها ما كان مصنوعا مدّبرا لا تـملك لأنفسها نفعا ولا ضرّا؟

الآية : 21
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَآءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لهؤلاء الـمشركين من قريش: والذين تدعون من دون الله أيها الناس أمْوَاتٌ غيرُ أحْياءٍ. وجعلها جلّ ثناؤه أمواتا غير أحياء، إذ كانت لا أرواح فـيها. كما:
16276ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: أمْوَاتٌ غيرُ أحْياءٍ ومَا يَشْعُرُونَ أيّانَ يُبْعَثُونَ وهي هذه الأوثان التـي تُعبد من دون الله أموات لا أرواح فـيها، ولا تـملك لأهلها ضرّا ولا نفعا.
وفـي رفع الأموات وجهان: أحدهما أن يكون خبرا للذين، والاَخر علـى الاستئناف. وقوله: ومَا يَشْعُرُونَ يقول: وما تدري أصنامكم التـي تدعون من دون الله متـى تبعث. وقـيـل: إنـما عنى بذلك الكفـار، أنهم لا يدرون متـى يبعثون.
الآية : 22
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ قُلُوبُهُم مّنكِرَةٌ وَهُم مّسْتَكْبِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: معبودكم الذي يستـحقّ علـيكم العبـادة وإفراد الطاعة له دون سائر الأشياء معبود واحد، لأنه لا تصلـح العبـادة إلا له، فأفردوا له الطاعة وأخـلصوا له العبـادة ولا تـجعلوا معه شريكا سواه. فـالّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ يقول تعالـى ذكره: فـالذين لا يصدّقون بوعد الله ووعيده ولا يقرّون بـالـمعاد إلـيه بعد الـمـمات قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ يقول تعالـى ذكره: مستنكرة لـما نقص علـيهم من قدرة الله وعظمته وجميـل نعمة علـيهم، وأن العبـادة لا تصلـح إلا له والألوهة لـيست لشيء غيره يقول: وهم مستكبرون عن إفراد الله بـالألوهة والإقرار له بـالوحدانـية، اتبـاعا منهم لـما مضى علـيه من الشرك بـالله أسلافهم. كما:
16277ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: فـالّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ لهذا الـحديث الذي مضى، وهم مستكبرون عنه.
الآية : 23
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ جَرَمَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُسْتَكْبِرِينَ }.
يعنـي تعالـى ذكره بقوله: لا جرم حقّا أن الله يعلـم ما يسرّ هؤلاء الـمشركون من إنكارهم ما ذكرنا من الأنبـاء فـي هذه السورة، واعتقادهم نكير قولنا لهم: إلهكم إله واحد، واستكبـارهم علـى الله، وما يعلنون من كفرهم بـالله وفريتهم علـيه. إنّهُ لا يُحِبّ الـمُسْتَكْبِرينَ يقول: إن الله لا يحبّ الـمستكبرين علـيه أن يوحدوه ويخـلعوا ما دونه من الاَلهة والأنداد. كما:
16278ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا مِسْعر، عن رجل: أن الـحسن بن علـيّ كان يجلس إلـى الـمساكين، ثم يقول: إنّهُ لا يُحِبّ الـمُسْتَكْبِرينَ.
الآية : 24
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مّاذَآ أَنْزَلَ رَبّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأوّلِينَ }.
يقول تعالـى ذكره: وإذا قـيـل لهؤلاء الذين لا يؤمنون بـالاَخرة من الـمشركين: ماذَا أَنْزَلَ رَبّكُمْ أيّ شيء أنزل ربكم؟ قالوا: الذي أنزل ما سطّره الأوّلون من قبلنا من الأبـاطيـل. وكان ذلك كما:
16279ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ماذَا أنْزَلَ رَبّكُمْ قالُوا أساطِيرُ الأوّلِـينَ يقول: أحاديث الأوّلـين وبـاطلهم، قال ذلك قوم من مشركي العرب كانوا يقعدون بطريق من أتـى نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم، فإذا مرّ بهم أحد من الـمؤمنـين يريد نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم، قالوا لهم: أساطير الأوّلـين، يريد: أحاديث الأوّلـين وبـاطلهم.
16280ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: أساطِيرُ الأوّلِـينَ يقول: أحاديث الأوّلـين.
الآية : 25
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يقول هؤلاء الـمشركون لـمن سألهم ماذا أنزل ربكم: الذي أنزل ربنا فـيـما يزعم مـحمد علـيه أساطير الأوّلـين، لتكون لهم ذنوبهم التـي هم علـيها مقـيـمون من تكذيبهم الله، وكفرهم بـما أنزل علـى رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذنوب الذين يصدّونهم عن الإيـمان بـالله يضلون يفتنون منهم بغير علـم. وقوله: ألا ساءَ ما يَزِرُونَ يقول: ألا ساء الإثم الذي يأثمون والثقل الذي يتـحملون.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16281ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن نـجيح، عن مـجاهد، قوله: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ ومن أوزار من أضلوا احتـمالهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا.
حدثنا الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، نـحوه، إلا أنه قال: ومن أوزار الذين يضلونهم حملهم ذنوب أنفسهم، وسائر الـحديث مثله.
حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ قال: حملهم ذنوب أنفسهم وذنوب من أطاعهم، ولا يخفف ذلك عمن أطاعهم من العذاب شيئا.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، نـحوه.
16282ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ أي ذنوبهم وذنوب الذين يضلونهم بغير علـم، ألا ساءَ ما يَزِرُونَ.
16283ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بغيرِ عِلْـمٍ يقول: يحملون ذنوبهم، وذلك مثل قوله: وأثْقالاً مَعَ أثْقالِهِمْ يقول: يحملون مع ذنوبهم ذنوب الذين يُضِلُونهم بغير علـم.
16284ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ وَمِنْ أوْزَارِ الّذِينَ يُضِلّونَهُمْ بغيرِ عِلْـمٍ ألا ساءَ ما يَزِرُونَ قال: قال النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أيّـمَا دَاعِ دَعا إلـى ضَلالَةٍ فـاتّبِعَ، فإنّ عَلَـيْهِ مِثْلَ أوْزَارِ مَنِ اتّبَعَهُ مِنْ غيرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. وأيّـمَا دَاعِ دَعا إلـى هُدًى فـاتّبِعَ، فَلَهُ مِثْلُ أجُورِهِمْ مِنْ غيرِ أنْ يُنْقَصَ مِنْ أجوْرِهِمْ شَيْءٌ».
16285ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن رجل، قال: قال زيد بن أسلـم: إنه بلغه أنه يتـمثل للكافر عمله فـي صورة أقبح ما خـلق الله وجها وأنتنه ريحا، فـيجلس إلـى جنبه، كلـما أفزعه شيء زاده فزعا وكلـما تـخوّف شيئا زاده خوفـا، فـيقول: بئس الصاحب أنت ومن أنت؟ فـيقول: وما تعرفنـي؟ فـيقول: لا، فـيقول: أنا عملك كان قبـيحا فلذلك ترانـي قبـيحا، وكان منتنا فلذلك ترانـي منتنا، طأطىء إلـيّ أركبك فطالـما ركبتنـي فـي الدنـيا فـيركبه، وهو قوله: لِـيَحْمِلُوا أوْزَارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ القِـيامَةِ.
الآية : 26
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُمْ مّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرّ عَلَيْهِمُ السّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: قد مكر الذين من قبل هؤلاء الـمشركين الذين يصدّون عن سبـيـل الله من أراد اتبـاع دين الله، فراموا مغالبة الله ببناءٍ بَنَوه، يريدون بزعمهم الارتفـاع إلـى السماء لـحرب من فـيها. وكان الذي رام ذلك فـيـما ذُكر لنا جبـار من جبـابرة النّبَط فقال بعضهم: هو نـمرو بن كنعان، وقال بعضهم: هو بختنصر، وقد ذكرت بعض أخبـارهما فـي سورة إبراهيـم. وقـيـل: إن الذي ذُكر فـي هذا الـموضع هو الذي ذكره الله فـي سورة إبراهيـم. ذكر من قال ذلك:
16286ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السديّ، قال: أمر الذين حاجّ إبراهيـم فـي ربه بإبراهيـم فأُخُرِجَ، يعنـي من مدينته، قال: فلقـي لوطا علـى بـاب الـمدينة وهو ابن أخيه، فدعاه فآمن به، وقال: إنـي مهاجر إلـى ربـي. وحلف نـمرود أن يطلب إله إبراهيـم، فأخذ أربعة أفراخ من فِراخ النسور، فربـاهنّ بـاللـحم والـخبز حتـى كبرن وغلظن واستعجلن، فربطهنّ فـي تابوت، وقعد فـي ذلك التابوت ثم رفع لهنّ رِجلاً من لـحم، فطرن، حتـى إذا ذهبن فـي السماء أشرف ينظر إلـى الأرض، فرأى الـجبـال تدبّ كدبـيب النـمل. ثم رفع لهنّ اللـحم، ثم نظر فرأى الأرض مـحيطا بها بحر كأنها فلكة فـي ماء. ثم رفع طويلاً فوقع فـي ظلـمة، فلـم ير ما فوقه وما تـحته، ففزع، فألقـى اللـحم، فـاتّبعته منقضّات. فلـما نظرت الـجبـال إلـيهنّ، وقد أقبلن منقضات وسمعت حفـيفهنّ، فزعت الـجبـال، وكادت أن تزول من أمكنتها ولـم يفعلن وذلك قول الله تعالـى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الـجِبـالُ، وهي فـي قراءة ابن مسعود: «وَإنْ كادَ مَكْرُهُمْ». فكان طَيْرُورتهن به من بـيت الـمقدس ووقوعهن به فـي جبل الدخان. فلـما رأى أنه لا يطيق شيئا أخذ فـي بنـيان الصرح، فبنى حتـى إذا شيده إلـى السماء ارتقـى فوقه ينظر، يزعم إلـى إله إبراهيـم، فأحدث، ولـم يكن يُحدث وأخذ الله بنـيانه من القواعد فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وأتاهُمْ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ يقول: من مأمنهم، وأخذهم من أساس الصرح، فتنقّض بهم فسقط. فتبلبلت ألسن الناس يومئذ من الفزع، فتكلـموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سميت بـابل. وإنـما كان لسان الناس من قبل ذلك بـالسريانـية.
16287ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: وَقَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فأتَـى اللّهُ بُنـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ قال: هو نـمرود حين بنى الصرح.
16288ـ حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا قال: عبد الرزاق، عن معمر، عن زيد بن أسلـم: إن أوّل جبـار كان فـي الأرض نـمرود، فبعث الله علـيه بعوضة فدخـلت فـي منـخره، فمكث أربع مئة سنة يُضرب رأسُه بـالـمطارق، أرحم الناس به من جمع يديه، فضرب رأسه بهما، وكان جبـارا أربع مئة سنة، فعذّبه الله أربع مئة سنة كمُلكه، ثم أماته الله. وهو الذي كان بنى صَرْحا إلـى السماء، وهو الذي قال الله: فَأَتـى اللّهُ بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ.
وأما قوله: فأَتَـى اللّهُ بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ فإن معناه: هدم الله بنـيانهم من أصله. والقواعد: جمع قاعدة، وهي الأساس. وكان بعضهم يقول: هذا مثل للاستئصال وإنـما معناه: إن الله استأصلهم. وقال: العرب تقول ذلك إذا استؤصل الشيء.
وقوله: فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: فخرّ علـيهم السقـف من فوقهم أعالـي بـيوتهم من فوقهم. ذكر من قال ذلك:
16289ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: قَدْ مَكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فأَتَـى اللّهُ بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ إي والله، لأتاها أمر الله من أصلها فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ والسقـف: أعالـي البـيوت، فـائتفكت بهم بـيوتهم فأهلكهم الله ودمرهم، وأتاهُمُ العَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ.
16290ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ قال: أتـى الله بنـيانهم من أصوله، فخرّ علـيهم السقـف.
16291ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حُذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء جميعا، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فأَتَـى اللّهُ بُنْـيانَهُمْ مِنَ القَوَاعِدِ قال: مكر نـمرود بن كنعان الذي حاجّ إبراهيـم فـي ربه.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله.
وقال آخرون: عنى بقوله: فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ أن العذاب أتاهم من السماء. ذكر من قال ذلك:
16292ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: فَخَرّ عَلَـيْهِمُ السّقْـفُ مِنْ فَوْقِهِمْ يقول: عذاب من السماء لَـما رأوه استسلـموا وذلوا.
وأولـى القولـين بتأويـل الاَية، قول من قال: معنى ذلك: تساقطت علـيهم سقوف بـيوتهم، إذ أتـى أصولها وقواعدها أمر الله، فـائتفكت بهم منازلهم لأن ذلك هو الكلام الـمعروف من قواعد البنـيان وخرّ السقـف، وتوجيه معانـي كلام الله إلـى الأشهر الأعرف منها، أولـى من توجيهها إلـى غير ذلك ما وُجِد إلـيه سبـيـل. وأتاهُمُ العَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ يقول تعالـى ذكره: وأتـى هؤلاء الذين مكروا من قَبْل مشركي قريش، عذاب الله من حيث لا يدرون أنه أتاهم منه