تفسير الطبري تفسير الصفحة 273 من المصحف

 تفسير الطبري - صفحة القرآن رقم 273
274
272
 الآية : 56
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنّ عَمّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويجعل هؤلاء الـمشركون من عَبَدة الأوثان، لـما لا يعلـمون منه ضرّا ولا نفعا نَصِيبـا يقول: حظّا وجزاء مـما رزقناهم من الأموال، إشراكا منهم له الذي يعلـمون أنه خـلقهم، وهو الذي ينفعهم ويضرّهم دون غيره. كالذي:
16364ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: ويَجْعَلُونَ لِـمَا لا يَعْلَـمُونَ نَصِيبـا مِـمّا رزَقْناهُمْ قال: يعلـمون أن الله خـلقهم ويضرّهم وينفعهم، ثم يجعلون لـما لا يعلـمون أنه يضرّهم ولا ينفعهم نصيبـا مـما رزقناهم.
16365ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويَجْعَلُونَ لِـمَا لا يَعْلَـمُونَ نَصِيبـا مِـمّا رَزَقْناهُمْ وهم مشركو العرب، جعلوا لأوثانهم نصيبـا مـما رزقناهم، وجزءا من أموالهم يجعلونه لأوثانهم.
16366ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: ويَجْعَلُونَ لِـمَا لا يَعْلَـمُونَ نَصِيبـا مِـمّا رزَقْناهُمْ قال: جعلوا لاَلهتهم التـي لـيس لها نصيب ولا شيء، جعلوا لها نصيبـا مـما قال الله من الـحرث والأنعام، يسمون علـيها أسماءها ويذبحون لها.
وقوله: تاللّهِ لَتُسْئَلُنّ عَمّا كُنْتُـمْ تَفْتَرُونَ يقول تعالـى ذكره: والله أيها الـمشركون الـجاعلون الاَلهة والأنداد نصيبـا فـيـما رزقناكم شركا بـالله وكفرا، لـيسألنكم الله يوم القـيامة عما كنتـم فـي الدنـيا تفترون، يعنـي: تـختلقون من البـاطل والإفك علـى الله بدعواكم له شريكا، وتصيـيركم لأوثانكم فـيـما رزقكم نصيبـا، ثم لـيعاقبنكم عقوبة تكون جزاء لكفرانكم نعمه وافترائكم علـيه.
الآية : 57 و 58
القول فـي تأويـل قوله تعالـى {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مّا يَشْتَهُونَ * وَإِذَا بُشّرَ أَحَدُهُمْ بِالاُنْثَىَ ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره: ومن جهل هؤلاء الـمشركين وخُبث فعلهم وقبح فِرْيتهم علـى ربهم، أنهم يجعلون لـمن خـلقهم ودبّرهم وأنعم علـيهم، فـاستوجب بنعمه علـيهم الشكر، واستـحقّ علـيهم الـحمد البَنَاتِ، ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه، نزّه جلّ جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إلـيه ونسبوه من البنات، فلـم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا إلـيه ما لا ينبغي إضافته إلـيه. ولا ينبغي أن يكون له من الولد أن يضيفوا إلـيه ما يشتهونه لأنفسهم ويحبونه لها، ولكنهم أضافوا إلـيه ما يكرهونه لأنفسهم ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم. وفـي «ما» التـي فـي قوله: ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ وجهان من العربـية: النصب عطفـا لها علـى «البنات»، فـيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك: ويجعلون لله البنات ولهم البنـين الذين يشتهون، فتكون «ما» للبنـين، والرفع علـى أن الكلام مبتدأ من قوله: ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ فـيكون معنى الكلام: ويجعلون لله البنات ولهم البنون.
وقوله: وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بـالأُنْثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا يقول: وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة ما يضيفه إلـيه من ذلك له، ظلّ وجهه مسودّا من كراهته له وَهُوَ كَظِيـمٌ يقول قد كَظَم الـحزنَ، وامتلأ غمّا بولادته له، فهو لا يظهر ذلك.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16367ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: ويَجْعَلُونَ لِلّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ ولَهُمْ ما يَشْتَهُونَ، ثم قال: وَإذَا بُشّرَ أحَدُهُمْ بـالأُنثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيـمٌ... إلـى آخر الاَية، يقول: يجعلون لله البنات ترضونهنّ لـي ولا ترضونهنّ لأنفسكم وذلك أنهم كانوا فـي الـجاهلـية إذا وُلد للرجل منهم جارية أمسكها علـى هون، أو دسها فـي التراب وهي حية.
16368ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: وَإذَا بُشّرَ أحَدهُمْ بـالأُنْثى ظَلّ وَجْهَهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيـمٌ وهذا صنـيع مشركي العرب، أخبرهم الله تعالـى ذكره بخبث صنـيعهم فأما الـمؤمن فهو حقـيق أن يرضى بـما قسم الله له، وقضاء الله خير من قضاء الـمرء لنفسه، ولعمري ما يدري أنه خير، لرُبّ جارية خير لأهلها من غلام. وإنـما أخبركم الله بصنـيعهم لتـجتنبوه وتنتهوا عنه، وكان أحدهم يغذو كلبه ويئد ابنته.
16369ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس: وَهُوَ كَظِيـمٌ قال: حزين.
16370ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك، فـي قوله: وَهُوَ كَظِيـمٌ قال: الكظيـم: الكميد.
وقد بـيّنا ذلك بشواهده فـي غير هذا الـموضع.


الآية : 59
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَتَوَارَىَ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوَءِ مَا بُشّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىَ هُونٍ أَمْ يَدُسّهُ فِي التّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: يتوارى هذا الـمبشّر بولادة الأنثى من الولد له من القوم، فـيغيب عن أبصارهم مِنْ سُوءِ ما بُشّرَ بِهِ يعنـي: من مساءته إياه مـميلاً بـين أن يـمسكه علـى هُون: أي علـى هوان، وكذلك ذلك لغة قريش فـيـما ذكر لـي، يقولون للهوان: الهُون ومنه قول الـحطيئة:
فلّـما خَشِيتُ الهُونَ والعَيْرُ مُـمْسِكٌعلـى رَغْمِهِ ما أثبتَ الـحبلَ حافِرُهْ
وبعض بنـي تـميـم جعل الهُونَ مصدرا للشيء الهين. ذكر الكسائي أنه سمعهم يقولون: إن كنت لقلـيـل هون الـمؤنة منذ الـيوم قال: وسمعت: الهوان فـي مثل هذا الـمعنى، سمعت منهم قائلاً يقول لبعير له: ما به بأس غير هوانه، يعنـي خفـيف الثمن، فإذا قالوا: هو يـمشي علـى هَوْنه، لـم يقولوه إلا بفتـح الهاء، كما قال تعالـى: وَعبـادُ الرّحْمَنِ الّذِينَ يَـمْشُونَ علـى الأرْضِ هَوْنا. أمْ يَدسّهُ فِـي التّرَابِ يقول: يدفنه حيّا فـي التراب فـيئده. كما:
16371ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: أيُـمْسكُهُ علـى هُونٍ أمْ يَدُسّهُ فـي التّرَابِ يئد ابنته.
وقوله: ألا ساءَ ما يَحْكُمُونَ يقول: ألا ساء الـحكم الذي يحكم هؤلاء الـمشركون وذلك أن جعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم، وجعلوا لـما لا ينفعهم ولا يضرّهم شركا فـيـما رزقهم الله، وعبدوا من خـلقهم وأنعم علـيهم.
الآية : 60
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لِلّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }.
وهذا خبر من الله جلّ ثناؤه أن قوله: وَإذَا بُشّرَ أحدَهُمْ بـالأنْثَى ظَلّ وَجْهُهُ مُسْوَدّا وَهُوَ كَظِيـمٌ، والاَية التـي بعدها مثل ضربه الله لهؤلاء الـمشركين الذين جعلوا لله البنات، فبـين بقوله: للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ أنه مثل، وعنى بقوله جلّ ثناؤه: للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ للذين لا يصدّقون بـالـمعاد والثواب والعقاب من الـمشركين مَثَلُ السّوْءِ وهو القبـيح من الـمثل، وما يسوء من ضرب له ذلك الـمثل. ولِلّهِ الـمَثَلُ الأعْلـى يقول: ولله الـمثل الأعلـى، وهو الأفضل والأطيب، والأحسن، والأجمل، وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16372ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وَلِلّهِ الـمَثَلُ الأعْلَـى قال: شهادة أن لا إله إلا الله.
16373ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سيعد، عن قتادة، قوله: للّذِينَ لا يُوءْمِنُونَ بـالاَخِرَةِ مَثَلُ السّوْءِ وَلِلّهِ الـمَثَلْ الأعْلَـى الإخلاص والتوحيد.
وقوله: وَهُوَ العَزِيرُ الـحَكِيـمُ يقول تعالـى ذكره: والله ذو العزّة التـي لا يـمتنع علـيه معها عقوبة هؤلاء الـمشركين الذين وصف صفتهم فـي هذه الاَيات، ولا عقوبة من أراد عقوبته علـى معصيته إياه، ولا يتعذّر علـيه شيء أراده وشاءه لأن الـخـلق خـلقه والأمر أمره، الـحكيـم فـي تدبـيره، فلا يدخـل تدبـيره خَـلَل ولا خطأ.
الآية : 61
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْمِهِمْ مّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبّةٍ وَلَكِن يُؤَخّرُهُمْ إلَىَ أَجَلٍ مّسَمّىَ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: وَلَوْ يُوءَاخِذُ اللّهُ عصاة بنـي آدم بـمعاصيهم، ما تَرَكَ عَلَـيْها يعنـي علـى الأرض مِنْ دَابّةٍ تدبّ علـيها. ولَكِنْ يُوءَخّرُهُمْ يقول: ولكن بحلـمه يؤخر هؤلاء الظلـمة فلا يُعاجلهم بـالعقوبة، إلـى أجَلٍ مُسَمّى يقول: إلـى وقتهم الذي وُقّت لهم. فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ يقول: فإذا جاء الوقت الذي وُقّت لهلاكهم، لا يَسْتَأْخِرُونَ عن الهلاك ساعة فـيـمهلون، وَلا يَسْتَقْدِمُونَ له حتـى يستوفُوا آجالهم.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16374ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق، عن أبـي الأحوص، قال: كاد الـجُعَل أن يعذّب بذنب بنـي آدم. وقرأ: لَوْ يُوءَاخِذُ اللّهُ النّاسَ بِظُلْـمهِمْ ما تَرَكَ عَلَـيْها مِنْ دَابّةٍ.
16375ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا إسماعيـل بن حكيـم الـخزاعيّ، قال: حدثنا مـحمد بن جابر الـجعفـي، عن يحيى بن أبـي كثـير، عن أبـي سلـمة، قال: سمع أبو هريرة رجلاً وهو يقول: إن الظالـم لا يضرّ إلا نفسه، قال: فـالتفت إلـيه فقال: بلـى، والله إن الـحبـاري لتـموت فـي وكرها هزالاً بظلـم الظالـم
16376ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا أبو عبـيدة الـحداد، قال: حدثنا قرة بن خالد السدوسي، عن الزبـير بن عديّ، قال: قال ابن مسعود: خطيئة ابن آدم قتلت الـجُعَل.
حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبـي إسحاق، عن أبـي عبـيدة، قال: قال عبد الله: كاد الـجُعَل أن يهلك فـي حُجْرَهِ بخطيئة ابن آدم.
16377ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال الله: فإذَا جاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ قال: نرى أنه إذا حضر أجله فلا يؤخر ساعة ولا يقدّم ما لـم يحضر أجله، فإن الله يؤخّر ما شاء ويُقدّم ما شاءَ.
الآية : 62
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنّ لَهُمُ الْحُسْنَىَ لاَ جَرَمَ أَنّ لَهُمُ الْنّارَ وَأَنّهُمْ مّفْرَطُونَ }.
يقول تعالـى ذكره: ويجعل هؤلاء الـمشركون لله ما يكرهونه لأنفسهم. وَتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ يقول: وتقول ألسنتهم الكذب وتفتريه أنّ لهم الـحُسْنَى فأن فـي موضع نصب، لأنها ترجمة عن الكذب. وتأويـل الكلام: ويجعلون لله ما يكرهونه لأنفسهم، ويزعمون أن لهم الـحسنى الذي يكرهونه لأنفسهم، البنات يجعلونهن لله تعالـى، وزعموا أن الـملائكة بنات الله. وأما الـحُسنى التـي جعلوها لأنفسهم: فـالذكور من الأولاد وذلك أنهم كانوا يئدون الإناث من أولادهم ويستبقون الذكور منهم، ويقولون: لنا الذكور ولله البنات. وهو نـحو قوله: ويَجْعَلُونَ لِلّهِ البَناتِ سُبْحانَهُ وَلهُمْ ما يَشْتَهونَ.
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:
16378ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَتَصِفُ ألْسِنَتُهُمُ الكَذِبَ أنّ لَهُمُ الـحُسْنَى قال: قول قريش: لنا البنون ولله البنات.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، مثله، إلا أنه قال: قول كفّـار قُريش.
16379ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ويَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ ألْسِنَتِهُمُ الكَذِبَ: أي يتكلـمون بأن لهم الـحُسنى أي الغلـمان.
16380ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: أنّ لَهُمُ الـحُسْنَى قال: الغلـمان.
وقوله: لا جَرَمَ أن لَهُمُ النّارَ وأنّهُمْ مُفْرَطُونَ يقول تعالـى ذكره: حقّا واجبـا أن لهؤلاء القائلـين لله البنات الـجاعلـين له ما يكرهونه لأنفسهم ولأنفسهم الـحسنى عند الله يوم القـيامة النار.
وقد بـيّنا تأويـل قول الله: لا جَرَمَ فـي غير موضع من كتابنا هذا بشواهده بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع.
ورُوي عن ابن عبـاس فـي ذلك، ما:
16381ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: لا جَرَمَ يقول: بلـى.
وقوله: لا جَرَمَ كان بعض أهل العربـية يقول: لـم تُنْصَب جَرَمَ ب «لا» كما نصبت الـميـم من قول: لا غلام لك قال: ولكنها نُصِبَت لأنها فعل ماض، مثل قول القائل: قَعَدَ فلان وجلس، والكلام: لا ردّ لكلامهم أي لـيس الأمر هكذا، جَرَم: كَسَبَ، مثل قوله: لا أقسم، ونـحو ذلك. وكان بعضهم يقول: نصب «جَرَمَ» ب «لا»، وإنـما بـمعنى: لا بدّ، ولا مـحالة ولكنها كثرت فـي الكلام حتـى صارت بـمنزلة «حقّا».
وقوله: وأنّهُمْ مُفْرَطُونَ يقول تعالـى ذكره: وأنهم مُخَـلّفون متروكون فـي النار، منسيّون فـيها.
واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال أكثرهم بنـحو ما قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك:
16382ـ حدثنا مـحمد بن بشار وابن وكيع، قالا: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير فـي هذه الاَية: لا جَرَمَ أنّ لهُمُ النّارَ وأنّهُمْ مُفْرَطُونَ قال: منسيّون مُضَيّعون.
حدثنـي موسى بن عبد الرحمن الـمسروقـي، قال: حدثنا زيد بن حبـاب، قال: أخبرنا سعيد، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، مثله.
حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا بهز بن أسد، عن شعبة، قال: أخبرنـي أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، مثله.
حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، فـي قوله: لا جَرَمَ أنّ لَهُمْ النّارَ وأنّهُمْ مُفْرَطُونَ قال: متروكون فـي النار، منسيّون فـيها.
حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: حصين، أخبرنا، عن سعيد بن جبـير، بـمثله.
حدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا هشيـم، عن حصين، عن سعيد بن جبـير بـمثله.
16383ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: منسيّون.
حدثنـي الـحرث، قال: حدثنا الـحسن، قال: حدثنا ورقاء وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل وحدثنـي الـمثنى، قال: أخبرنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الله، عن ورقاء، جميعا عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.
16384ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عبدة وأبو معاوية وأبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك: وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: متروكون فـي النار.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن القاسم، عن مـجاهد: مُفْرَطُونَ قال: مَنْسيّون.
16385ـ حدثنـي عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثنـي أبـي، عن الـحسين، عن قتادة: وأنّهُم مُفْرَطُونَ يقول: مُضَاعُون.
16386ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا بدل، قال: حدثنا عبـاد بن راشد، قال: سمعت داود بن أبـي هند، فـي قول الله: وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: منسيون فـي النار.
وقال آخرون: معنى ذلك مُعْجَلُون إلـى النار مقدّمون إلـيها. وذهبوا فـي ذلك إلـى قول العرب: أفرطنا فلانا فـي طلب الـماء، إذا قدّموه لإصلاح الدّلاء والأرشية وتسوية ما يحتاجون إلـيه عند ورودهم علـيه فهو مُفْرَط. فأما الـمتقدّم نفسه فهو فـارط، يقال: قد فَرَط فلان أصحابَه يَفْرُطهم فُرْطا وفُروطا: إذا تقدمهم. وجمع فـارط: فَرّاط ومنه قول القُطامِيّ:
واسْتَعْجَلُونا وكانُوا مِنْ صَحَابَتِناكمَا تَعَجّلَ فُرّاطٌ لِوُرّادِ
ومن قول النبـيّ صلى الله عليه وسلم: «أنا فَرَطُكُمْ علـى الـحَوْضِ»: أي متقدمكم إلـيه وسابقكم «حتـى تَردُوه». ذكر من قال ذلك:
16387ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وأنّهُم مُفْرَطُونَ يقول: مُعْجَلُون إلـى النار.
حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا مـحمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: قد أُفْرِطوا فـي النار أي مُعْجَلُون.
وقال آخرون: معنى ذلك: مُبْعَدُون فـي النار. ذكر من قال ذلك:
16388ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن أشعث السّمان، عن الربـيع، عن أبـي بشر، عن سعيد: وأنّهُم مُفْرَطُونَ قال: مُخْسَئون مُبْعَدون.
وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب القول الذي اخترناه، وذلك أن الإفراط الذي هو بـمعنى التقديـم، إنـما يقال فـيـمن قدَم مقدمَا لإصلاح ما يقدم إلـيه إلـى وقت ورود من قدّمه علـيه، ولـيس بـمُقَدّم من قُدّم إلـى النار من أهلها لإصلاح شيء فـيها لوارد يرد علـيها فـيها فـيوافقه مصلـحا، وإنـما تَقَدّم مَن قُدّم إلـيها لعذاب يُعجّل له. فإذا كان معنى ذلك الإفراط الذي هو تأويـل التعجيـل ففسد أن يكون له وجه فـي الصحة، صحّ الـمعنى الاَخر وهو الإفراط الذي بـمعنى التـخـلـيف والترك وذلك أن يُحْكَى عن العرب: ما أفْرَطت ورائي أحدا: أي ما خَـلّفته وما فرطته: أي لـم أخـلفه.
واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـمِصرَينِ الكوفة والبصرة: وأنّهُم مُفْرَطُونَ بتـخفـيف الراء وفتـحها، علـى معنى ما لـم يُسَمّ فـاعله من أُفرِط فهو مُفْرَط. وقد بـيّنت اختلاف قراءة ذلك كذلك فـي التأويـل. وقرأه أبو جعفر القارىء: «وأنّهُم مُفْرَطُونَ» بكسر الراء وتشديدها، بتأويـل: أنهم مفرّطون فـي أداء الواجب الذي كان لله علـيهم فـي الدنـيا، من طاعته وحقوقه، مضيعو ذلك، من قول الله تعالـى: يا حَسْرتَا علـى ما فَرّطْتُ فـي جَنْبِ اللّهِ. وقرأ نافع بن أبـي نعيـم: «وأنّهُم مُفْرَطُونَ» بكسر الراء وتـخفـيفها.
16389ـ حدثنـي بذلك يونس، عن وَرْش عنه.
بتأويـل: أنهم مُفْرِطون فـي الذنوب والـمعاصي، مُسْرِفون علـى أنفسهم مكثرون منها، من قولهم: أفرط فلان فـي القول: إذا تـجاوز حَدّه، وأسرف فـيه.
والذي هو أولـى القراءات فـي ذلك بـالصواب قراءة الذين ذكرنا قراءتهم من أهل العراق لـموافقتها تأويـل أهل التأويـل الذي ذكرنا قبل، وخروج القراءات الأخرى عن تأويـلهم.
الآية : 63
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىَ أُمَمٍ مّن قَبْلِكَ فَزَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
يقول تعالـى ذكره مقسما بنفسه عزّ وجلّ لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: والله يا مـحمد لقد أرسلنا رسلاً من قبلك إلـى أمـمها بـمثل ما أرسلناك إلـى أمتك من الدعاء إلـى التوحيد لله وإخلاص العبـادة له والإذعان له بـالطاعة وخـلع الأنداد والاَلهة. فَزَيّنَ لَهُمُ الشَيْطانُ أعْمَالَهُمْ يقول: فحسّن لهم الشيطان ما كانوا علـيه من الكفر بـالله وعبـادة الأوثان مقـيـمين، حتـى كذّبوا رسلهم، وردّوا علـيهم ما جاءوهم به من عند ربهم. فَهُوَ وَلِـيّهُمْ الـيَوْمَ يقول: فـالشيطان ناصرهم الـيوم فـي الدنـيا، وبئس الناصر. وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِـيـمٌ فـي الاَخرة عند ورودهم علـى ربهم، فلا ينفعهم حينئذ ولاية الشيطان، ولا هي نفعتهم فـي الدنـيا بل ضرّتهم فـيها وهي لهم فـي الاَخرة أضرّ.
الآية : 64
القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاّ لِتُبَيّنَ لَهُمُ الّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }.
يقول تعالـى ذكره لنبـيه صلى الله عليه وسلم: وما أنزلنا يا مـحمد علـيك كتابنا وبعثناك رسولاً إلـى خـلقنا إلا لتبـين لهم ما اختلفوا فـيه من دين الله، فتعرفّهم الصواب منه والـحقّ من البـاطل، وتقـيـم علـيهم بـالصواب منه حجة الله الذي بعثك بها.
وقوله: وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُوءْمِنُونَ يقول: وهدى بـيانا من الضلالة، يعنـي بذلك الكتاب، ورَحْمَةً لقَوْمٍ يُوءْمِنُونَ به، فـيصدّقون بـما فـيه، ويقرّون بـما تضمن من أمر الله ونهيه، ويعملون به. وعطف بـالهدى علـى موضع «لـيبـين»، لأن موضعها نصب. وإنـما معنى الكلام: وما أنزلنا علـيك الكتاب إلا بـيانا للناس فـيـما اختلفوا فـيه هدى ورحمة